الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علماء الأمة ما لهم دخل بالدولة، لكن ينظرون ما يصلح للأمة؛ للعامة، يقول: العامة مثل الذر إن عارضتهم أكلوني، لكن شوف اللي يصلح جاؤوا إليه وقالوا مثلًا: البنوك هذه مفيدة فائدة ترفع الاقتصاد، ينتفع الفقير، يأخذ أموالًا يعمل بها ويحرث بها، والبنك أيضًا يستفيد من الربا، رخص لنا -جزاك الله خيرًا- دور، يقول للعالم، فقال العالم: دعوني أفكر، فجاؤوا إليه بعدما شاء الله من الزمن، قال: وجدت أن هذا لا بأس به؛ لأن الشرع مبني على تحصيل المصالح ودرء المفاسد، وهذه مصلحة، كما قلتم: فيه مصلحة لهذا ومصلحة لهذا، ولم يلاحظ الضرر الديني، مثل هؤلاء نسميهم علماء؟
طلبة: أمة.
الشيخ: علماء أمة؛ يعني: ينظرون ماذا تريد الأمة يمشون به.
علماء الملة هم الذين لا يريدون إلا أن يكون دين الله هو الأعلى وكلمته هي العليا، ولا يبالون بدولة ولا بعوام، هؤلاء إذا وُجِدُوا في الأرض وشاعت معاملة بين الناس ولم ينكروها حينئذٍ نقول: إن عمل الناس في ظل هؤلاء العلماء يعتبر حجة، وإن كان ليس كحجة النصوص، لكنه يطمئن الإنسان أن يوجد علماء ربانيون لا ينكرون، هذا مما يستأنس به الإنسان ويقول: إن العمل مع وجود هؤلاء العلماء يعتبر عاضدًا لما أذهب إليه.
ودائمًا تجدون كلمة: عليه العمل، تجدونها دائمًا تمرُّ علي في كتاب الإنصاف للمرداوي رحمه الله، وكذلك في التنقيح في الجمع بين المقنع -وأيش؟ نسيت الثاني- على كل حال تجدونها كثيرًا في كلام المرداوي رحمه الله: وعليه العمل، وعليه العمل، وعليه العمل؛ يعني: بين العلماء.
***
[باب الإجارة]
ننتقل الآن إلى باب الإجارة.
(باب الإجارة)
الإجارة هي عقد على منفعة معلومة أو على عمل معلوم؛ إما منفعة معلومة أو عمل معلوم. فالمستأجر الدار عقد على أيش؟
طالب: منفعة معلومة.
الشيخ: مستأجر الدار؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: على منفعة معلومة.
ومستأجر العامل؛ البنَّاء؟ على عمل معلوم؛ ولهذا لا يملك الذي يستأجر العامل، لا يملك أن يؤجره لشخص آخر؛ لأنه لم يملك إلا المنفعة فقط ما ملك الرجل.
فالإجارة تكون على عمل وتكون على منفعة في عين، وتجويزها من محاسن الشريعة؛ وذلك لأن الإنسان قد يضطر إلى سكنى بيت وليس معه ما يستطيع أن يملك به البيت، فماذا يصنع؟ ليس له طريق إلا الاستئجار.
كذلك أيضًا صاحب البيت قد يكون ممسكًا ببيته ويريد الانتفاع به ولا يتعطل، ليس له سبيل إلى ذلك إلا بأيش؟
طالب: بالإجارة.
الشيخ: إلا بالتأجير، فلما كانت المصلحة للمستأجر والمؤجر واضحة ولا ظلم فيها ولا ربًا كان من محاسن الشريعة المطهرة أن تباح.
يقول: (تصح بثلاثة شروط) الأول: (معرفة المنفعة) يعني: بأن تكون المنفعة معلومة؛ إما بالتحديد القولي وإما بالتحديد العرفي.
القولي؛ يعني يقول: أريد كذا وكذا وكذا ويعين.
والعرفي يقول: (كسكنى دار) استأجرت منك هذا البيت لسكناه وكان المستأجر يبيع الحُمُر، تعرفون الحُمُر؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: جمع أيش؟
الطلبة: جمع (حمار).
الشيخ: جمع (حمار)، فجعل هذا البيت مربطًا للحمير، فإذا جاء صاحب البيت، لماذا؟ قال: لأني مستأجر البيت، أنا مالك المنفعة الآن، نقول: هذا لا يجوز؛ لأن سكنى الدار معناها أن يسكنها أيش؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: آدميون، ما هم حمير.
(سكنى الدار) لو أراد المستأجر أن يتصرف في الدار -مثلًا- قال: هذه حجرة ضيقة، أبغي أنزل الجدار الذي بينها وبين الحجرة الأخرى لتكون حجرة واسعة، يملك هذا أو لا؟
طلبة: لا يملك.
الشيخ: لا يملك؛ لأنه إنما يملك السكنى، وليس من العادة أن الساكن يتصرف في عين المستأجر إلا بإذن المالك.
(خدمة آدمي) استأجر آدمي يخدمه، فصار يستخدمه في العادة، يا فلان هات الفطور، هات علف للبهيمة، اذهب بالأهل إلى السوق، إلى المدرسة، وما أشبه ذلك، يصح أو لا يصح؟
طالب: يصح.
الشيخ: هذا يصح، قال له يومًا من الأيام: اركع لأركب عليك توديني للسوق، يصلح؟
الطلبة: لا يصلح.
الشيخ: ليش؟
الطلبة: غير العادة.
الشيخ: هذه غير معروفة، قال: أنا مالك لمنفعتك، قال: هذه غير معروفة، كذلك يوجد أناس يستأجرون خدمًا؛ يستأجرونه ليكون في البيت يقضي الحوائج ويسوق السيارة، وما أشبه ذلك، ثم يستخدمه في رعي الإبل، يجوز أو لا؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، إلا إذا استأجره لذلك.
لو أراد أن يحوله من أثقل إلى أخف؟
طالب: يجوز.
الشيخ: لا يجوز إلا بإذنه؛ لأنه حرٌّ ليس عبدًا، هو حر استؤجر لعمل معين، ما يتجاوز هذا العمل المعين إلا إذا رغب، وفي ظني أنه إذا حُوِّل من أشد إلى أخف أنه سيرضى بلا شك، لو حُوِّل من كونه يرعى الإبل في قفار الأرض وصحرائها وغير ذلك أو أن يكون في البيت في ظل ظليل يأكل مع الناس ويشرب مع الناس، أيهما أحسن؟
طالب: الثاني.
الشيخ: الثاني، يختار هذا، لكن الكلام على أن الخدمة إذا لم يكن لها عرف معين وكان هو استخدمه لعمل معين فإنه لا ينقله إلى غيره إلا بإذنه.
هل يملك إذا استأجره ليخدمه أن يؤجره آخر لخدمته؟
طالب: لا.
الشيخ: لا، لماذا؟ لأنه غير مالك له، إنما ملك منفعته لنفسه -أي نفس المستأجر- ولا يمكن أن يحولها إلى آخر إلا إذا رضي، إذا رضي لا بأس، وعلى هذا يتنزل ما يفعله بعض الناس الآن يأتون بالخدم من الخارج متفقين معهم على عمل معين، ثم يستأجره إنسان آخر من الرجل الذي أتى به نقول هنا: إن وافق الأجير فلا بأس، أنا كله واحد أنا باعمل عندك أو عند غيرك فلا بأس، الفرق بين الأجرتين لمن؛ هل هو للعامل ولَّا لمستأجر العامل؟
طلبة: للعامل.
الشيخ: إذا رضي فهي للمستأجر العامل، مثلًا: جاء به راتبه ثلاث مئة ريال في الشهر؛ يعني: كل يوم عشرة ريالات، أجَّره بإذنه بخمسة عشر ريالًا في اليوم، الخمسة الزائدة لمن؟
طالب: للعامل.
الشيخ: للعامل؟ لا، للذي استأجره؛ لأنه رضي أن يعمل عند شخص آخر، وهو مالك لمنفعته، ورضي أن يحول منفعته من عنده إلى رجل آخر، أما إذا أبى وقال: أبدًا، أنا لا أعمل عند غيرك إلا إذا أعطيتني الفرق بين أجرتك وأجرة الآخر، فهو حرٌّ يملك هذا.
طالب: قلنا في المساقاة: إن العامل لو فسخ قبل ظهور الثمرة فلا شيء له، وقلنا: إنه لو فسخ بعد ظهور الثمرة فلا شيء له أيضًا، في الحالة الأولى قلنا: إذا فسخ -على الصحيح في الحالة الأولى- قبل ظهور الثمرة إذا ترتب عليه ضرر للمالك فإنه يضمن ..
الشيخ: إلا لعذر.
الطالب: إلا لعذر، لماذا لم نجعل له الأجرة أو سهم المثل في حال بعد ظهور الثمرة؛ لأن هو -أصلًا- متعاقد على الثمرة، فالثمرة الحين خرجت؟
الشيخ: لكن هو الذي رضي أن يسقطها.
الطالب: لو عنده عذر؛ كأن يكون عنده عامل وهرب أو مات في الحالة دي ..
الشيخ: نقول: يستأجر، ممكن يستأجر عاملًا بدل الأول ويكمل عمله.
طالب: في تعريف الإجارة اشترط بعضهم زيادة كلمة: مباحة، لمنفعة مباحة يا شيخ، هل هذا الضابط مهم؟
الشيخ: نعم، ما فيه شك، مهم، وسيأتينا -إن شاء الله- المنافع المحرمة لا يجوز العقد عليها؛ لأن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه.
طالب: بالنسبة للمغارسة -يا شيخ- قلنا: الذي يصح أن يشرف على الأرض (
…
)؟
الشيخ: ما هو بالذي يشرف.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: (
…
) كل يرجع على ملكه.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: لا ما يُقَال: أقلع، حتى وما هم براضيين يقلعون، إلا إذا كان يمكن غرسه في مكان آخر؛ يعني لو فُرِضَ، بعض العلماء يقول في المغارسة: يلزم العامل بدوام العمل إلى أن (
…
) الشجر، وهذا لا شك أن فيه صعوبة، لكن نقول: إذا فسخ يقدر الثمن -ثمن النخل- مثلًا إذا كان له النصف قدَّرنا ثمن النخل عشرة آلاف نعطيه خمسة آلاف.
طالب: أحسن الله إليكم، بالنسبة للمزارعة يا شيخ، إذا -مثلًا- عقد مع شخص لمزارعة -مثلًا- خمس سنوات، فإذا أراد أن يفسخ المالك الأرض لم يخرج العامل إلا أن يقول له: أعطني خلو قدر القيمة هذه قدر ما يخرج من عمله؟
الشيخ: لا بأس.
الطالب: وليس على ما اتفقا عليه يا شيخ؟
الشيخ: ما فيه بأس، ما دام انهم اتفقوا على مدة معينة فالصحيح أنها تلزم إلى المدة. وإذا لزمت المدة وقال: ما أنا أخرج حتى تتم مدتي، فقال: اخرج، أنا بأعطيك -مثلًا- عن خروجك كذا وكذا درهمًا ما فيه مانع؛ لأنه فسخ العقد.
طالب: رضي الله عنك يا شيخ، لعل العلماء الذين يقولون: عليه العمل، يقولون: عليه عمل الناس، لعلهم يريدون العرف الذي لا يخالف الشرع يا شيخ.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: هذا له وجه يا شيخ؟
الشيخ: إي، لكن الآخرون يقولون: هذا عرف يخالف الشرع.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا، هم يقولون: هذا يخالف الشرع ولا يجوز، والآخرون يقولون: لا يخالف الشرع فيجوز. وأنا قصدي هل عمل الناس حجة أو لا؟ فصلنا في ذلك.
طالب: أحسن الله إليك، تبين أن الأرض المزارع عليها مطلوبة مدينة لشخص آخر، على من يدخل النقص؟
الشيخ: أنها مملوكة لشخص آخر؟
الطالب: (
…
) مثلًا للزراعة؛ لوزارة الزراعة، على من يدخل النقص؟
الشيخ: على رب الأرض.
طالب: بارك الله فيك، بالنسبة للمساقاة قلنا: إنها عقد جائز، يا شيخ بالنسبة لوجود قد يحدث ضرر؟
الشيخ: وعلى كل حال سمعت: عقد جائز، وسمعت: إذا فسخ قبل ظهور الثمرة أو بعد نبات الزرع، لكن القول الراجح -نسيت أقول لكم-: إن القول الراجح من المساقاة والمزارعة أنها عقد لازم ولا يجوز فسخه إلا لعذر. وإذا كان عذر يصطلحان فيما بينهما.
طالب: بالنسبة للأرض البيضاء، بعض الناس (
…
) تتكون من مغارسة (
…
) واحفر بئرًا وازرع نخلًا ولك نصف الأرض، هذه تعتبر مغارسة؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: يعطيه أرض بيضاء.
الشيخ: ملك له؟
الطالب: ملك له، يقول: احفر فيها بئرًا واغرس نخلًا وأحيي الأرض، ولك -مثلًا- نصف الأرض، هذه أيش تسمى؟ تسمى مغارسة؟
الشيخ: مغارسة، ما دام أنه شيء من الأصل فهي مغارسة، من الثمرة فهي مساقاة.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: لا، ما يمكن، ما دامت الشركة باقية لا يمكن، أما إذا اقتسما فلا بأس.
طالب: يا شيخ -بارك الله فيكم- كثير من الأحيان يرضى العامل بالانتقال من عمل أدنى إلى أعلى لحاجته إلى هذا العمل أو لأنه مضطر له؛ أي أنه ليست العودة إلى بلده أو أن بلده بحال فقر مدقع يعني .. ؟
الشيخ: هذا مكره، ولا يجوز للذي استقدمه، لا يجوز له، لكن بالنسبة للعامل الحق عليه في هذا، الضرر عليه، فإذا رضي بالضرر ولا يرد إلى بلده فالآثم الذي استقدمه (
…
).
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هل تصح المساقاة على شجر له ثمر لا يؤكل؟
طالب: على المذهب: لا.
الشيخ: على المذهب: لا.
طالب: (
…
).
الشيخ: هو له ثمر لكن لا يؤكل (
…
).
طالب: إن كان ينتفع به يصح.
الشيخ: يصح؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: فلا يصح، هذا هو الصحيح.
هل تصح المساقاة على شجر الزيتون؟
طالب: تصح.
الشيخ: ليش؟
الطالب: لأن له ثمر ..
الشيخ: لأن له ثمرة؟
الطالب: يؤكل.
الشيخ: يؤكل.
هل المساقاة عقد لازم أو جائز؟
طالب: لازم.
الشيخ: لازم؟ ! أتعرف الفرق بين اللازم والجائز؟
الطالب: يعني: اللازم الذي لا يجوز لأحد الطرفين أن يفسخه.
الشيخ: لا يجوز لأحد الطرفين فسخه، هذا اللازم. والجائز؟
الطالب: يجوز فسخه.
الشيخ: هنا المساقاة هل هي لازم أو جائز؟
الطالب: لازم.
الشيخ: معناه أنك ما حفظت المتن الآن، لازم تحفظ المتن، (
…
) ما فيه علم إلا بالحفظ أبدًا.
طالب: (
…
).
الشيخ: عقد جائز.
إذا فسخ العامل قبل ظهور الثمرة؟
طالب: (
…
).
الشيخ: فليس له شيء؛ لأنه هو الذي رضي بسقوط حقه.
إذا فسخ المالك قبل ظهور الثمرة؟
طالب: فللعامل الأجرة.
الشيخ: فللعامل الأجرة، إي نعم، يعني معناها أن -مثلًا- قد نقول: فسخت، العامل كم اشتغل عندك؟ قال مثلًا: ثلاثة أشهر؛ كل شهر بألف ريال، يلزمه كم؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: ثلاثة آلاف.
هل هناك قول ثانٍ في المسألة؟
طالب: له سهم المثل، وهو الصحيح.
الشيخ: له سهم المثل بقسطه، لماذا قلت: إنه الصحيح؟
الطالب: لأن الشراكة مبناها على الغنم والغرم على كلا الشريكين.
الشيخ: خطأ.
طالب: قلنا: إنه الصحيح؛ لأنا لو أعطيناه سهم الأجرة قد يأخذ ما لا يستحق، فتكون الأجرة (
…
).
الشيخ: لكن هو الآن هو عامل على أنه أجير أو عامل على أنه مشارك؟
الطالب: على أنه مشارك.
الشيخ: على أنه مشارك، وإذا كان كذلك فله سهم المثل، هذا هو الصحيح.
ما معنى قول المؤلف: (زِبَار)(من حرث وسقي وزِبَار)؟
طالب: الأغصان.
الشيخ: الأغصان الرديئة؛ يعني اللي ما فيها خير، يسمى هذا زبارًا.
التشميس أيش معناه؟
طالب: جعل الثمر في الشمس حتى يجف.
الشيخ: جعل الثمر في الشمس يجف.
لو شرط أحدهما على الآخر ما كان عليه أيصح أو لا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: يصح، يعني مثلًا لو أن رب المال قال للعامل: عليك إجراء الأنهار؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: هو على المالك لا شك، على مالك الأرض، لكنه لو شرطه؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: بشرط أن يكون معلومًا، أن يكون (
…
) معلومًا.
المزارعة يقول المؤلف: إنه لا يُشْتَرط فيها كون البذر من رب الأرض، لماذا قال: لا يُشْتَرط مع أنه لو سكت لعرفنا أنه ليس بشرط؟
طالب: لأن بعض العلماء يقولون: إنه شرط.
الشيخ: أحسنت، فيه بعض العلماء يقول: إنه شرط، فأراد أن ينفي هذا القول، فقال: إنه لا يُشْتَرط.
ما هو الدليل على أنه لا يُشْتَرط أن يكون البذر من رب الأرض؟
طالب: الدليل معاملة أهل خيبر؛ الرسول صلى الله عليه وسلم عاملهم على ..
الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم، لا تمشِ وتقول بسرعة.
الطالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على نصف الثمرة (4) ..
الشيخ: والزرع.
الطالب: نصف الثمرة والزرع ولم (
…
).
الشيخ: أحسنت، وعمل في ذلك الخلفاء، وما زال الناس يعملون.
يقول المؤلف رحمه الله: (الإجارة تصح بثلاثة شروط) ذكرنا أن الإجارة إجازتها من محاسن الشريعة.
طالب: (
…
).
الشيخ: لأنه -مثلًا- لا يريد أن يبيع بيته، فيستنفع منه بالأجرة، فهي مصلحة للطرفين، وذكرنا أيضًا أن لها شروطًا، الشرط الأول؟
طالب: أن تكون منفعة معلومة.
الشيخ: نعم، أن تكون منفعة معلومة. وبماذا تعلم؟
الطالب: تعلم إما بالعرف أو بالشرع.
الشيخ: نعم، إما بالعرف أو بالشرع، أحسنت.
هل تجوز الإجارة على تعليم العلم؟
طالب: ما أخذناها.
الشيخ: ما أخذناها.
***
بسم الله الرحمن الرحيم، إذن نقول: تصح الإجارة بثلاثة شروط (معرفة المنفعة كسكنى دار) إلى آخره، وليعلم أنه يمر بنا كثيرًا الشروط والأركان والواجبات، وقد يسأل بعض الناس: من أين أتاكم هذه الشروط؟ من أين أتاكم هذه الواجبات؟ من أين أتاكم هذه الأركان؟
فالجواب على هذا أن نقول: إن العلماء رحمهم الله تتبعوا النصوص ووجدوا أنه لا يمكن أن يثبت هذا الشيء إلا بشروط، أو لا يمكن أن يصح إلا بشروط، وهذا من تيسير الله عز وجل علمَ الشريعة أن تُحْصَر العلوم وتُحَدَّد وتكون واضحة، وهي داخلة في عموم قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، وذكرنا أن لهذا أصلًا في الشريعة؛ وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أحيانًا يحصر الأشياء: ثلاثة، سبعة، اثنان، وما أشبه ذلك، مما يدل على أن حصر الأمور مما جاءت به السنة.
الأول: معرفة المنفعة؛ أي: أن تكون المنفعة معلومة للطرفين؛ المؤجر والمستأجر، وضد ذلك المجهولة، فما هو الدليل على هذا الشرط؟ الدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (5). والإجارة بيع، لكنه بيع للمنافع، فلا بد من معرفة المنفعة؛ إما بالعرف وإما بالشرع؛ ولهذا قال:(كسكنى دار وخدمة آدمي وتعليم علم).
أما سكنى الدار وخدمة الآدمي فقد سبق الكلام عليها.
وأما تعليم العلم بأن يستأجر شخصًا يعلمه بابًا من أبواب العلم؛ استأجر شخصًا يعلمه باب الطهارة، استأجر شخصًا يعلمه باب الإجارة، يجوز، لكن لا بد أن يحدد ما هو العلم؟
فإن قال قائل: علم المنفعة هنا قد يكون متعذرًا؛ لأنك لا تدري متى يتعلم هذا الرجل؛ من الناس من يكون سريع الفهم سريع الحفظ بطيء النسيان، هذا يتعلم بسرعة، ومن الناس من هو على عكس ذلك، تُعلِّمه عدة مرات وتبين له وتشرح له وعلى السبورة وفي كل مكان أو في كل مكان يمكن أن يفهم منه، ومع ذلك لا يفهم، أليس كذلك؟
الطلبة: بلى.
الشيخ: إذن كيف تصح الإجارة على تعليم العلم؟
نقول: هذا مما يُتَسامح فيه، ويحمل على الوسط من الناس، لا على سريع الفهم والحفظ وعدم النسيان، ولا على البطيء، يحمل على العادي.
وقوله: (تعليم علم) لا تظنوا أنه على إطلاقه؛ لأنه سيأتينا أن العلوم المحرمة لا يجوز تعليمها ولا الاستئجار لتعلمها.
كذلك أيضًا ليس على إطلاقه؛ لأن من أفضل العلوم القرآن، وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يصح الاستئجار لتعليم القرآن؛ لأن تعليم القرآن عبادة كما جاء في الحديث:«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» (6)، ولا يجوز أخذ الأجرة على العبادة، وعلى هذا فيجب أن نعرف أن نقيد العلم هنا بأيش؟ بما ليس بمحرم، وقيد آخر: ألَّا يكون تعليم القرآن.
أما الأول فنعم، يُشْتَرط في العلم ألَّا يكون محرمًا، فلو استأجره لأن يعلمه علمًا محرمًا -كعلم النجوم مثلًا، وأقصد بذلك علم التأثير لا علم التسيير- فهنا الأجرة حرام.
ولو استأجره ليعلمه القرآن فهو أيضًا حرام على المذهب، والراجح أنه ليس بحرام، وأنه يجوز أن يستأجر الإنسان لتعليم القرآن، ويدل لذلك أمران:
الأمر الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إِنَّ خَيْرَ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا -أَوْ أَحَقَّ- مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» (7)، وهذا صريح.
ثانيًا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أجاز أخذ الجعل على الرقية في حديث اللديغ (8).
والثالث أيضًا من الأدلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج المرأة رجلًا ليس عنده صداق بما معه من القرآن ليعلمها (9)، فجعله عوضًا.
وعلى هذا فنقول: إن القول الراجح أنه يجوز استئجار الإنسان لتعليم القرآن.
فإذا قال قائل: كيف تجيزونه وهو قربى؟
قلنا: نعم، نجيزه وهو قربى؛ لأن إجازتنا إياه من أجل انتفاع المستأجر؛ من أجل انتفاعه؛ ولهذا لو أننا استأجرنا شخصًا ليقرأ القرآن فقط لكانت الإجارة حرامًا لا تصح.
أما التعليم بيتعب المعلم ويلقن هذا الجاهل حتى يعرف، وسيعيد عليه ما حفظ من القرآن بالتعاهد، ففيه عمل؛ عمل مباح لشخص آخر.
إذن القول الراجح أنه تجوز الأجرة على تعليم القرآن، وذكرنا لكم ثلاثة أدلة؛ منها دليل لفظي ودليل عملي.
الثاني: معرفة الأجرة؛ يعني: أن تكون الأجرة معلومة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع الغرر (5)، والإجارة نوع من البيع، والأجرة إذا لم تكن معلومة كانت غررًا.
فلو قال: استأجرت منك هذا البيت ببعض ما في يدي من الدراهم فالإجارة غير صحيحة؛ لأن ما في يده من الدراهم مجهول، وبعضه أيضًا مجهول، حتى لو كان الذي في يده من الدراهم معلومًا؛ بأن كان معه عشرة آلاف ريال وقال: ببعض ما في يدي من الدراهم فإن الأجرة لا تصح.
ولو قال: استأجرت منك هذا البيت بما تلده هذه الفرس، أيضًا لا يصح، لماذا؟ لأن الأجرة غير معلومة فلا بد أن تكون معلومة.
قال: (وتصح في الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما) تصح الإجارة في الأجير بطعامه وكسوته؛ بأن تستأجر شخصًا يخدم عندك أو يعمل بأكله وشربه وكسوته ومنزله، وهذا جائز، وعلم الأجرة هنا بماذا؟ للعرف، فيُحْمَل على العرف، وهو أدنى ما يكون لهذا العامل.
فلو قال -مثلًا- العامل: أنا استأجرت بالطعام، وأنا أريد الطعام طعام الملوك، أعلى ما يكون الطعام، يجاب ولَّا لا؟
طالب: لا يُجَاب.
الشيخ: لا يُجَاب، وإنما يُعْطَى طعام مثله.
الظئر هي المرضعة، يجوز أن تستأجرها بطعامها وكسوتها؛ لقول الله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وأطلق، وقال:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، فيجوز أن تستأجر امرأة لإرضاع الولد بطعامها وكسوتها، ودليل ذلك في القرآن الكريم.
هل تصح في المركوب بطعامه وشرابه وما يلزم لبقاء حياته؟
ظاهر كلام المؤلف: لا؛ لأنه خصَّ هذه المسألة في الذي يستأجر بنفسه، وفي الظئر أيضًا.
والصواب أنه يجوز أن يستأجر حيوانًا للقيام عليه بالتغذية من طعام وشراب ووقاية من البرد ووقاية من الحر؛ لأنه لا فرق بينه وبين الأجير، كلاهما استيفاء منفعة، ويرجع في ذلك إلى أي شيء؟
طالب: إلى العرف.
الشيخ: إلى العرف، يرجع في ذلك إلى العرف.
هل يصح أن يستأجر الدار بإصلاح ما انهدم منها؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: لا يصح، لماذا؟ لأنه غير معلوم؛ قد ينهدم منها شيئًا كثيرًا، وقد لا ينهدم منها شيء، فهي مجهولة تمامًا، إلا إذا كان المنهدم موجودا الآن، وقال: أجرتك إياها بإصلاح ما انهدم -الآن يعني- وهو معلوم، فهنا الإجارة صحيحة؛ وذلك لأن الأجرة معلومة بالمشاهدة.
إذا قال: أجرتك هذا البيت بعشرة آلاف وإصلاح ما ينهدم منه، يصح أو لا يصح؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؟ عشرة آلاف يا جماعة، إي نعم، لكن ما زال مجهولًا.
إذا قال: أجرتك هذا البيت بعشرة آلاف وإصلاح ما انهدم منه من الأجرة، يصح؟
طلبة: يصح، نعم.
الشيخ: ليش؟
طلبة: لأن الأجرة معلومة.
الشيخ: لأن الأجرة معلومة؛ عشرة آلاف مثلًا، قدِّر أنه انهدم بما يصلح به خمسة آلاف يجوز، لكن لا بد من إضافة شرط آخر؛ وهو أن يكون محتسبًا به من الأجرة، وما زاد فعلى رب البيت؛ لأنه ربما يزيد المنهدم على الأجرة؛ تكون الأجرة -مثلًا- ألف ريال وينهدم هدمًا يستحق ألفين ريال.
والخلاصة الآن: أن استئجار البيت بإصلاح ما ينهدم منه لا يجوز، والإجارة غير صحيحة، وأما استئجاره بإصلاح ما ينهدم منه محتسبًا به من الأجرة فهذا جائز بشرط أيش؟
طالب: (
…
).
الشيخ: ألَّا يزيد على مقدار الأجرة؛ يعني يقيد.
قال: (وإن دخل حمامًا أو سفينة أو أعطى ثوبه قصارًا أو خياطًا بلا عقد صح بأجرة العادة).
هذه في الحقيقة أجرة بالمعاطاة، إذا دخل حمامًا، ثم تحمم فيه وخرج، والحمام مكتوب عليه للإيجار الساعة بكذا وكذا وهو لم ير صاحبها، فإنه يصح بأيش؟ بأجرة العادة، والعادة في مثل هذا تقدر بالزمن؛ كل ساعة بكذا، فيؤخذ من الداخل الحمام ما جرت به العادة.
ومثل ذلك ما يفعله الناس الآن من إدخال السيارة في مواقف السيارات؛ تجده يدخل ويأخذ الكارت لتعيين وقت الدخول، ثم إذا خرج حاسب، بدون أن يكون هناك كلام، نقول: هذا أيضًا لا بأس به، وهذا ربما يكون أبلغ في الجواز من المساومة؛ يعني من قول: لا أدخلك إلا الساعة بكذا وكذا؛ لأن هذا معلوم لدى الناس جميعًا.
(أو سفينة) دخل سفينة وجد السفينة تحمل الناس، فدخل بدون أن يتفق مع الملاح -أي: مع قائد السفينة- يجوز، وعليه أيش؟
طالب: أجرة العادة.
الشيخ: أجرة العادة. التاكسي؟
طلبة: كذلك.
الشيخ: إي نعم، التاكسي كذلك، إذا ركب، ثم وصل إلى المحطة وقال له صاحب السيارة: عليك -مثلًا- عشرة ريالات، قال: لا، عشرة ريالات كثيرة، ما أعطيك إلا خمسة، هل يُلْزَم بالعشرة؟
طلبة: إي نعم، يُلْزَم.
الشيخ: إي نعم، يُلْزَم العشرة ما دابمت العادة عشرة، لازم يُلْزَم بالعشرة.
(أو أعطى ثوبه قصارًا) القصار: الغسال، أعطاه غسالًا يغسله، غسله الغسال وعند تسليمه طلب كذا وكذا من الأجرة، مع أن صاحب الثوب لم يعلم بها، فيقال: يلزمه أجرة العادة وإن لم يتعاقد عليها؛ لأن هذا معلوم متفق عليه بين الناس.
كذلك (خياطًا) أعطى ثوبه خياطًا يخيطه، ولما انتهى قال له الخياط: الأجرة كذا وكذا، يصح ولو بلا علم.
وفُهِمَ من قول المؤلف رحمه الله: (قصارًا) و (خياطًا) أنه لا بد أن يكون معدًّا نفسه للعمل، فإن لم يكن معدًّا نفسه للعمل فلا شيء له إلا بشرط؛ مثل أن يعطي شخصٌ ثوبَه لإنسان يقول: خذ اغسله لي، فلما غسله قال له: الأجرة كذا وكذا، فلا يلزم صاحب الثوب أجرة، لماذا؟
طالب: لأنه لم يُعِد نفسه للعمل.
الشيخ: لأن الآخذ الذي غسله ليس معدًّا نفسه لذلك، والمؤلف يقول:(قصَّار) فلا يلزمه شيء.
إذا تخاصم الرجلان؟
نقول: للقصار الذي هو الغسال نقول: لماذا لم تشترط لنفسك، هو ظن أنك محسن، والعقد لا بد له من قرينة؛ إما لفظية بالإيجاب والقبول، وإما فعلية بالمعاطاة فيما اشتهر بذلك.
وكذلك يقال في الخياط، وكذلك يقال في الحلاق، وكذلك يقال في المقصر، كل هؤلاء الذين أعدوا أنفسهم للعمل فإنه يجوز الدخول معهم فيما أعدوا أنفسهم له بدون عقد، وعلى الداخل أيش؟ كل من أعد نفسه لعمل فإن له أجرة العادة ولو بلا عقد، وأما من لم يعد نفسه للعمل فإنه لا شيء له إذا عمله إلا بشرط.
الثالث: الإباحة في العين؛ أي: في نفعها، معناه يُشْتَرط أن يكون النفع المعقود عليه مباحًا، فإن كان محرمًا فإن الإجارة لا تصح.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» (10)، والإجارة نوع من البيع، وقوله صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» (11)، وقوله:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (12).
والنفع الذي يكون في الأعيان؛ إما محرم، وإما مكروه، وإما مباح. ظاهر كلام المؤلف أنه لا بد أن يكون مباحًا، وظاهر قوله:(فلا تصح على نفع محرم) أن المكروه لا بأس بالاستئجار عليه.
فلدينا ثلاثة أشياء: إباحة، والثاني: تحريم، والثالث: كراهة، إذا نظرنا إلى كلام المؤلف:(الإباحة في العين) قلنا: إنها لا تصح الإجارة على المكروه، وإذا نظرنا إلى قوله:(فلا تصح على نفع محرم) قلنا: تصح على المكروه، لكن لا شك أنها خلاف الأولى؛ لأن الإعانة على المكروه مكروهة؛ {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
المهم عندنا ثلاثة أشياء: النفع المباح لا بأس بعقد الإجارة عليه، المحرم يحرم عقد الإجارة عليه، المكروه يجوز مع الكراهة.
مثال النفع المباح ما سبق؛ استئجار البيت للسكنى، وما أشبه ذلك.
ومثال المكروه أن يستأجر شخصًا ليحلق له حلق قزع، القزع مكروه، فإذا استأجره لهذا العمل كان استئجارًا على عمل مكروه.
المحرَّم قال: (فلا تصح على نفع محرم كالزنا) والعياذ بالله، لو استأجر امرأة ليزني بها فالإجارة باطلة وغير صحيحة، ولا تبيح الزنا، وليست شبهة أيضًا في إسقاط الحد، كما زعمه بعض العلماء.
بعض العلماء قال: إذا أراد أن يزني بامرأة وخاف أن يقام عليه الحد فليستأجرها، لكن لا شك أن هذا قول من أبطل الأقوال.
(فلا تصح على نفع محرَّم كالزنا والزمر) الزمر يعني: استعمال المزمار؛ يعني: آلة اللهو، ويُقَاس على ذلك كل المعازف، فلو استأجر مغنية .. ، ستأتينا، لو استأجر شخصًا على عزف أو على زمر فالإجارة محرمة غير صحيحة. وماذا يستحق الفاعل؟ هل نعطيه أجرة المثل أو ماذا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: المشكلة الآن أن الذي استأجرهم وجاء هذا الأجير يعزف عنده من صلاة العشاء إلى الفجر كل الليل وهو تعبان، وقلنا له: الإجارة غير صحيحة وليس لك شيء، هذه مشكلة، ونقول للذي استأجره: ليس عليك شيء؛ لأن الأجارة غير صحيحة، فإذا طالب الزامر بأجرة المثل يُعْطَى؟ يعني قال: ألغوا الإجارة ما هي صحيحة، لكن أنا عملت أعطني أجرة المثل؟ نقول: ليس لك أجرة.
يبقى النظر في المستأجر: إذا قلنا: ليس عليك أجرة لأن هذا عمل محرم صار الرجل هذا كسب العمل وكسب الأجرة، ولا ينبغي أن نجمع له بين عوضين.
وعلى هذا فنقول: تؤخذ الأجرة من المستأجر، ولا تُعْطَى الزامر، وتصرف في بيت المال.
أما أن نقول: للمتسأجر ليس عليك شيء، وللزامر: ليس لك شيء، فهذا فيه نوع من الظلم.
فيقال: أنت أيها الزامر لا شيء لك، وعليك أن تتوب إلى الله وتستغفر، وأنت أيها المستأجر نأخذ منك الأجرة؛ لأنك عقدت على أنك ملتزم بها، فنلزمك بها لكن لا نعطها الزامر؛ لأنها عوض عن محرم وإنما نجعلها في بيت المال.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- رجل واقف على الشارع، وجاء إليه رجل صاحب السيارة غير تاكسي ولا الليموزين، فتح له الباب وركب، ولما وصل المشوار طلب منه شيئًا، قال: ما أعطيك؛ لأنني ما اشترطت، فكيف يصنع يا شيخ؟
الشيخ: ما يعطيه، ما له شيء.
الطالب: ما له شيء؟ !
الشيخ: ما له شيء؛ صاحب السيارة.
الطالب: العرف يا شيخ؟
الشيخ: يقول: جزاك الله خيرًا.
الطالب: العرف يا شيخ؟
الشيخ: هذا العرف.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا، على كل حال إذا ثبت العرف لا بأس، لكن كلام الفقهاء هو الصحيح؛ أنه ما يستحق شيء.
وقد يقال: تختلف الحال؛ لو وقف لك رجل معروف بالغنى وأنه لا يأخذ مثل هذه الأمور، وقال: تفضل اركب، ثم قال: أعطني الأجرة، ما تعطيه؛ لأن هذا جرت العادة ألَّا يأخذ أجرة ولو أنه كان فقيرًا، يعرف أنه رجل محترف، لكننا لا نعرف أنه صاحب أجرة، فقد يقال: إن هذا يلزمه الأجرة، لكن الأصل عدم اللزوم إلا من أعد نفسه للعمل.
طالب: القزع؟
الشيخ: إي نعم؛ لأن الرسول قال: «احْلِقْهُ كُلَّهُ أَوِ اتْرُكْهُ كُلَّهُ» (13).
الطالب: محرم؟
الشيخ: لا، ما هو محرم، ما يصل إلى درجة التحريم.
طالب: بارك الله فيكم، بالنسبة لكروت مواقف السيارات، نقول: هو مكتوب عليها: الساعة بريال أو بريالين، حسب الموقف، ولكن فيه هناك شرط فيها، والسؤال عن هذا الشرط يقول: إن أضاع هذه البطاقة يلزم صاحب السيارة بمبلغ وقدره حوالي خمس مئة ريال، ولو كان جلس ساعة أو ساعتين فقط، فهذا الشرط .. ؟
الشيخ: هذا لا بأس به؛ لأنه شرط تعزيري لئلا يتلاعب الناس.
الطالب: هذا قد يكون فيه شيء من الظلم على هذا الشخص؟
الشيخ: وهل أجبر على ذلك؟
الطالب: مو بأحيانًا يضطر، كما في المطار.
الشيخ: إذا اضطر فالله يعينه، لا يضيعه.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: لا، أبدًا ما فيها شيء.
طالب: بعض الحفلات يستأجر لها شعراء يحيونها إلى الفجر؟
الشيخ: ستأتينا -إن شاء الله- واقفين على الغنا اللي يكون في الحفلات.
طالب: بارك الله فيكم، أحيانًا إذا استأجر الرجل أجيرًا لا يتفاهم معه ولا يتشارطان، فلما ينتهي من العمل يطلب أجرة أكثر مما هي العادة، فإذا قال له: أنا لا أعطيك إلا ما جرت عليه العادة، والعادة كذا، قال: إذن لا آخذ شيئًا وانصرف، فماذا عن .. ؟
الشيخ: هذا أيضًا يقطع؛ ولذلك نرى أن الأحسن أن تقطع الأجرة وتحدد؛ لأن بعض الناس تجي له -مثلًا- تعطيه الثوب ظنًّا منك أنه سيخيطه بخمسين ريالًا -مثلًا- وإذا به يقول: أريد مئة ريال، ومشكل؛ إن قلت: لا، يمكن يقول: إذن ما آخذ منك شيئًا، وإن قلت: نعم وهو لا يستحق ذلك (
…
) مشكلة؛ ولهذا نرى أن الأحوط للإنسان أن يحدد والأمر سهل، وإذا لم يحدد فإن مقتضى الكرم أن تعطيه ما طلب، وتقول: أنا أعطيك ما طلبت، ولكن إن كان ليس لك فيه حق فأنا على حقي يوم القيامة.
طالب: قلنا: إذا استأجره لكي يغني له (
…
)؟
الشيخ: حسب ما اتفقوا عليه؛ يعني قال: أن يزمر له الليلة بألف ريال.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: إي نعم، المقدر؛ لأنه عوض عن العمل المحرم.
طالب: إذا ذهب الأجير وترك أجرته ولم .. ؟
الشيخ: هذا كلام الأخ.
الطالب: ماذا يفعل بها؟
الشيخ: إن أيس منه تصدق بها عنه، وإن كان يرجو رجوعه فلينتظر حتى يرجع.
الطالب: أينميها له؟
الشيخ: إذا نماها طيب ما هو بلازم.
طالب: يا شيخ -بارك الله فيكم- قلنا في الشرط الثاني: (بطعامهما وكسوتهما)، هل هي الأجرة ولَّا شرط؟
الشيخ: لا، هي الأجرة، (بطعامهما) يعني هي الأجرة، ما هي معناها أن الأجرة ويُشْتَرط أن يطعمهما، لا.
طالب: (
…
) تكون جزءًا من الأجرة؟
الشيخ: ويمكن أن تكون جميع الأجرة يجوز.
طالب: أحسن الله إليك، يمكن واحد (
…
)؟
الشيخ: آدم ما ذكر تاكسي.
طالب: لم يعد نفسه (
…
)؟
الشيخ: الذي لم يعد نفسه ما له شيء إلا بشرط.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: هذا معروف، مكتوب عليه: التاكسي -مثلًا- أو ليموزين، أو إنسان فقير معروف أنه يتسبب.
كم جُمَل الأذان؟ كم للأذان من جملة؟
طالب: جُمَل الأذان ست عشرة.
الشيخ: ست عشرة؟ إن الله وتر يحب الوتر، كيف تقول: ست عشرة، أجب.
الطالب: مختلف فيها.
الشيخ: واللهِ هذه لا، ما نقول: مختلف فيها، المهم هو خمس عشرة جملة الأذان، والإقامة إحدى عشرة جملة.
طالب: (
…
) عقد الإجارة المحرم قبل وقوع المحرم هل يحتاج (
…
)؟
الشيخ: لا، أبدًا، إذا علمنا قبل وقوع المحرم مثل؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: يمنع، ويلغى العقد، وليس لأحد شيء.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: لا، هنا ما استوفى المنفعة، نفس المستأجر ما استوفى المنفعة، ما هذا مرادك، ما دام ما استوفى المنفعة ما عليه شيء.
طالب: يا شيخ -بارك الله فيكم- أحيانًا يتعاقد مع العامل، ثم يكون العمل أقل من الأجرة بكثير؛ مثل (
…
) السباكة أو الكهرباء كنت بأصلحه بمئة هذا، ثم يكون سلك بسيط أو شيء بأصلحه أحيانًا.
الشيخ: ما هو برضاك؟
الطالب: إي، بس الإنسان -يا شيخ- على العرف، فهل يُشْتَرط أن هذا الشخص .. ؟
الشيخ: في مثل هذه الحال إذا تبين أن فيه غبنًا، فإن كان قبل العمل فالأمر واضح يفسخ، وإن كان بعد العمل فسخ العقد وثبت لذلك أجرة المثل.
الطالب: لأيهما؟
الشيخ: للعامل.
الطالب: (
…
).
الشيخ: اللي هو؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: خلاص ما عليك شيء، إذا طلب أكثر من أجرة المثل بدون شرط عند العقد فليس له ذلك، وأنت ما عليك شيء، وكما قلنا: إنه إذا أيست منه تصدق بها عنه.
طالب: استدل من منع الإجارة على تعليم القرآن بحديث أبي بن كعب لما علم أحدًا من الصحابة (
…
) القرآن فأعطاه قوسًا هدية، وقال له النبي عليه الصلاة والسلام:«إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يُبْدِلَكَ اللَّهُ بِهِ قَوْسًا مِنَ النَّارِ فَخُذْهُ» (14) (
…
)؟
الشيخ: هذا غير صحيح؛ لأن هذا لما كان تعليم القرآن واجبًا، وإذا كان تعليم القرآن واجبًا ما يجوز أخذ الأجرة عليه.
***
طالب: (
…
) باب الإجارة في سياق شروطها.
الثالث: الإباحة في العين، فلا تصح على نفع محرم؛ كالزنا والزمر والغناء وجعل داره كنيسة أو لبيع الخمر، وتصح إجارة حائط لوضع أطراف خشبه عليه.
ولا تؤجر المرأة نفسها بغير إذن زوجها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، من شروط الإجارة:(الإباحة في نفع العين) فلا تصح الإجارة على نفع محرم، ودليل ذلك سبق، منها؟
طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» (11).
الشيخ: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» ، وعلى هذا فكل عقد ليس في كتاب الله فهو باطل. دليل آخر؟
طالب: قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
الشيخ: قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} .
طالب: (
…
).
الشيخ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» .
(فلا تصح على نفع محرم كالزنا) يعني: لو استأجر امرأة ليزني بها -والعياذ بالله- فإن الإجارة باطلة، ولا تحل المرأة بذلك. وهذه قاعدة يجب أن تعلموها: كل عقد محرم فإنه لا يترتب عليه آثاره.
فمثلًا البيع الفاسد لا يملك المشتري السلعة ولا البائع الثمن، الزنا؛ لو استأجر امرأة يزني بها فإنه لا يستبيح بذلك فرجها؛ لأن الإجارة فاسدة، ولأن الزنا محرم بالنص والإجماع.
(وجعل داره كنيسة) يعني ..
طالب: (
…
).
الشيخ: الزمر والغناء، الزمر سبق الكلام عليه.
(الغناء) بالمد وليس بالقصر، الغنى بالقصر ضد الفقر، والغناء بالمد هو تلحين القصائد والشعر وما أشبه ذلك.
ثم الغناء أقسام: منه ما هو مباح، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو محرَّم.
فالمراد هنا الغناء المحرم. والغناء المحرم يدور على شيئين؛ إما أن يكون موضوع الأغنية موضوعًا فاسدًا، وإما أن تكون مصحوبة بآلة لهو محرمة، هذا الغناء المحرم.
إما أن يكون الموضوع موضوعًا فاسدًا؛ كوصف النساء ووصف الفروج ووصف المردان، وما أشبه ذلك، هذا محرم لذات الشعر، لماذا؟ لأن الموضوع موضوع فاسد محرم، وكذلك وصف الخمر وما إلى ذلك.
أو يكون الموضوع غير محرم في حد ذاته، فهذا إن صحبه آلة لهو صار حرامًا؛ لما صحبه، وإن لم يصحبه آلة لهو فليس بحرام.
إذا كانت الأغنية في مدح آلهة المشركين حرام ولَّا غير حرام؟
الطلبة: حرام.
الشيخ: حرام لا يحل؛ لأن هذه أشد من وصف الزنا واللواط وما أشبه ذلك.
أما الغناء المباح فمثل: حداء الإبل، الغناء على الأعمال المباحة يستعين به على التعب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني المسجد كان الصحابة ينشدون على العمل ويقرهم على ذلك (15)، فإذن نقول: العمل الذي يستعان به على مصلحة شرعية أو غرض صحيح لا بأس به.
العمال وهم لا يبنون المسجد ولا يحفرون خنادق الحروب لكنهم يبنون بنايات مباحة، هل يحل لهم الغناء من أجل التقوي على العمل؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، يجوز ذلك.
فالمهم أن مراد المؤلف بقوله: (الغناء) يعني: الغناء المحرم؛ إما لذاته، وإما لما يصحبه من فعل محرم. نقول: من فعلٍ محرَّمٍ أعم؛ لأجل يشمل العزف، ويشمل الطرب، ويشمل الرقص، وما أشبه ذلك.
قال: (وجعل داره كنيسة) يعني: لو استأجر من شخص داره ليقيم فيها شعائر النصارى فيجعلها كنيسة فالإجارة حرام.
ومثل ذلك: لو استأجرها لبيع الخمر فالإجارة حرام، لو استأجرها لبيع الدخان فالإجارة حرام، لو استأجرها لبيع الدشوش فالإجارة حرام، لبيع التلفزيونات فالإجارة حرام إذا كان الغالب على مشتري التلفزيونات أن يستعلمها في المحرم؛ لأن التلفزيون فيه شيء محرم وفيه شيء غير محرم؛ لأنه آلة صرفها كما تريد.
لكن لو استأجر البيت على أنه يسكنه وكان نصرانيًا، فجعل في البيت معبدًا فهل الإجارة صحيحة أو لا؟ صحيحة؛ لأنه حين العقد إنما عقد على عمل مباح؛ سكنى، فالمعصية هنا معصية في البيت، لكنه لم يستأجر البيت من أجلها.
لو أنه أجَّر شخصًا بيتًا، ثم وضع فيه الدش، وصار يأتي بكل قناة فاسدة خاربة، فما الحكم؟
إذا كان استأجر البيت لهذا فالإجارة محرمة وفاسدة، وإن استأجره للسكنى ثم وضع هذا فيه فلا بأس، ولكن إذا تم العقد -أي: تمت مدة الإجارة- يقول لهذا المستأجر: إما أن تخرج هذه الآلة التي هي الدش، وإما ألَّا أجدد لك العقد، وأما ما تم عليه العقد من قبل من مدة فإنه يجب إتمامه؛ لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
ثم قال المؤلف: (وتصح إجارة حائط لوضع أطراف خشبه عليه) يعني: لو كان الإنسان له جار والحائط -يعني الجدار- الحائط لجاره، واستأجر الحائط ليضع أطراف خشبه عليه فإنه لا بأس بذلك.
ولكن قد يشكل على هذا أنه يجب على الجار أن يمكن جاره من وضع أطراف خشبه على جداره، كما جاء في الحديث الصحيح:«لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ» أو قال: «خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ» ، قال أبو هريرة -وكان أميرًا على المدينة-: ما لي أراكم عنها معرضين؟ واللهِ لأرمين بها بين أكتافكم (16)، وهذا الحديث يدل على أنه يجب تمكين الجار من وضع الخشب.
فيقال: نعم، لكن أحيانًا لا يجب؛ وذلك فيما إذا أمكن التسقيف بدون وضع الخشب على الجدار، فإنه لا يجب؛ يعني: لو كانت الحجرة ضيقة ويمكن أن تضع الخشب عرضًا وجدار الجار يكون طولًا فهنا يمكن أن تسقف بدون أن تحتاج إلى جدار الجار.
كذلك أيضًا ربما يكون جار لا يحب النزاع والمخاصمة، ورفع الأمر إلى القاضي حتى يجبر الجار على أن يضع الخشب على جداره، فهنا نقول: في الحال التي يجب على الجار أن يمكِّن جاره من وضع الخشب على الجدار؛ إذا كان المحتاج لوضع الخشب لا يريد المقاضاة والمحاكمة وأراد أن يدفع له عوضًا من أجل التمكين من وضع الخشب فإن ذلك جائز لمن؟
طالب: للمستأجر.
الشيخ: نعم، جائز للمستأجر، وليس جائزًا لصاحب الجدار؛ لأن الواجب على صاحب الجدار إذا لم يكن على الجدار ضرر وكان صاحبه محتاجًا أن يمكنه منه.
إذا قال قائل: هل يُشْتَرط في هذه الحال تقدير المدة أو يُتَسامح عنه للحاجة؟
الجواب: الثاني؛ لأنا ما ندري متى ينهدم الجدار، وعلى هذا فنقول: يضرب عليه أجرة كل سنة بكذا، ولا يحتاج إلى تقدير مدة السنين. علل؟
طالب: (
…
).
الشيخ: للحاجة إلى ذلك، ولا يمكن أن نحيط به علمًا متى يقع هذا الجدار، وعلى هذا فيكون اشتراط تعيين المدة هنا غير واجب، وذلك؟
طلبة: للحاجة.
الشيخ: لدعاء الحاجة إليه؛ أي: لعدم اشتراطه.
(ولا تؤجر المرأة نفسها بغير إذن زوجها) المرأة إذا تزوجت إنسانًا ملكها، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بأنهن عوان عند الأزواج (17)، والعواني جمع (عانية)، والعانية هي الأسيرة، وقد سمَّى الله تعالى في القرآن الزوج سيداً فقال:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} أي: زوجها، {لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]، فهي إذن مملوكة، ونفعها مملوك للزوج، حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:«لَا يَحِلُّ لَامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (18)، فالوقت مملوك للزوج، فلا تؤجر نفسها بغير إذن زوجها حتى يأذن، وإذا أذن فالحق له.
إذا طلبت المرأة من زوجها أن يأذن لها أن تخدم فقال: لا بأس اخدمي، يجوز لها ذلك أو لا؟ يجوز.
لو استأذنت من زوجها أن تُعَلِّم؛ تشتغل بالتدريس وأذن لها جاز، فإن لم يأذن فإنه لا يحل لها أن تؤجر نفسها إلا بإذن الزوج.
فإن شُرِطَ على الزوج عند العقد أنها تستخدم نفسها فلا بأس؛ المسلمون على شروطهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» (19)، وهذا يقع كثيرًا في الآونة الأخيرة؛ لأن من النساء من تكون معلمة أو دارسة فإذا تزوجت ولم يذكر في الشرط أن الزوج يمكِّنها من التدريس أو الدراسة فله منعها من ذلك، وأما إذا اُشترِط عليه فالمسلمون على شروطهم.
(فصلٌ)
ويُشترَطُ في العينِ المؤجَّرَةِ مَعرفتُها برؤيةٍ أو صِفةٍ في غيرِ الدارِ ونحوِها، وأن يَعْقِدَ على نَفْعِها دونَ أجزائِها، فلا تَصِحُّ إجارةُ الطعامِ للأكلِ ولا الشمْعِ ليُشْعِلَه ولا حيوانٍ ليَأْخُذَ لبَنَه إلا في الظِّئْرِ، ونقْعِ البِئْرِ وماءِ الأرضِ يَدخلانِ تَبَعًا.
والقدرةُ على التسليمِ ، فلا تَصِحُّ إجارةُ الآبِقِ والشارِدِ، واشتمالُ العينِ على الْمَنفعةِ ، فلا تَصِحُّ إجارةُ بَهيمةٍ زَمِنَةٍ لِحَمْلٍ، ولا أَرْضٍ لا تُنْبِتُ للزرْعِ، وأن تكونَ الْمَنفعةُ للمُؤَجِّرِ أو مَأذونًا له فيها، وتَجوزُ إجارةُ العينِ لِمَنْ يَقومُ مَقامَه ، لا بأكثرَ منه ضَرَرًا. وتَصِحُّ إجارةُ الوَقْفِ ، فإن ماتَ الْمُؤَجِّرُ وانْتَقَلَ إلى مَن بَعْدَه لم تَنْفَسِخْ ، وللثاني حِصَّتُه من الأُجْرَةِ،
يجوز لها ذلك أو لا؟ يجوز، لو استأذَنَتْ من زوجها أن تُعَلِّم؛ تشتغل بالتدريس، وأَذِن لها جاز، فإن لم يأذن فإنه لا يَحِلّ لها أن تُؤَجِّر نفسها إلا بإذن الزوج.
فإن شُرِطَ على الزوج عند العقد أنها تستخدم نفسها فلا بأس، المسلمون على شروطهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» (1)، وهذا يقع كثيرًا في الآونة الأخيرة؛ لأن من النساء مَن تكون معلِّمة أو دارسة، فإذا تزوَّجت ولم يُذْكَر في الشرط أن الزوج يُمَكِّنُها من التدريس أو الدراسة فله منعها من ذلك، وأما إذا اشْتُرِطَ عليه فالمسلمون على شروطهم.
وقول المؤلف: (لا تُؤْجِر نفسها) يخرج بذلك ما لو استُؤْجِرَت على عمل مشترك، بمعنى: أَجَّرْنَاها مثلًا أن تخيط ثوبًا، أو تخصف نعلًا، أو ترقع ثوبًا، أو ما أشبه ذلك، فهنا لم تُؤَجِّر نفسها؛ لأن المستأجر لها لا يملكها، إنما استأجرها على أيش؟ على عمل، وهذا فيه تفصيل:
إن كان يشغلها عن حقوق زوجها فإنه لا يحل لها إلا بإذن الزوج، وإن كان لا يشغلها فلا بأس، فإذا قدَّرْنا أن هذه امرأة لها زوج موظف في أول النهار ليس موجودًا عندها، واستُؤْجِرَت لخياطة ثوب تخيطه في وقت غيابه عن البيت دون أن تُقَصِّر بأعمال البيت، فهذا جائز؛ لأنه ليس على الزوج ضرر في هذا.
وكذلك لو كان الزوج غائبًا واستُؤْجِرَت لتخيط ثوبًا أو تغسله، أو ما أشبه ذلك، فلا بأس؛ لأنه في هذه الحال لا يضيع شيء من حق الزوج.
فإن أَجَّرَت نفسها في حال غياب الزوج فظاهر كلام المؤلف أن ذلك لا يجوز؛ لقوله: (لا تؤجر نفسها)، وهو -كما هو ظاهر الكلام- لا يجوز؛ لأنه قد لا يرضى الزوج أن تخرج من بيته وإن كان غائبًا، فلا تُؤَجِّر نفسها مطلقًا إلا بإذن الزوج.
أما استئجارها على عمل فقد عرفتم أن في ذلك تفصيلًا، وهو أنه إذا كان لا يضيع به حق الزوج؟ أَتِمّ.
طالب: صح.
الشيخ: فلا بأس، فهو صحيح، فالإجارة صحيحة، وإن كان يضيع به حق الزوج فلا بد من إذنه.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (فصل: ويُشْتَرَط في العين الْمُؤْجَرة معرفتها برؤية أو صفة)، هذه من شروط تأجير العين، لا بد أن تكون معروفة (برؤية)، مثل لو استأجرت من شخص سيارة فلا بد أن تراها، أو يصفها لك بصفة تتميز بها عن غيرها وتنضبط بها.
قال: (في غير الدار ونحوها)، فالدار ونحوها لا يكفي فيها الصفة، لا بد من الرؤية.
السيارة تكفي فيها الصفة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، البعير يكفي فيه الصفة، كذلك أيضًا الحيوان استأجره يكفي فيه الصفة، لكن الدار ونحوها كالأرض للزرع، وما أشبه ذلك، لا يحوز إلا برؤيتها بالعين، لماذا؟ لأنه لا يمكن إحاطة الوصف بها، لو أتاك إنسان من أشد الناس دقة في الوصف فإنه لا يمكن أن يحيط بالدار، لو قال لك: البيت –مثلًا- فيه عشر حُجَر، وخمس غُرَف، ساحة، حمامات، ما تستطيع أن تتصورها، بل إن بعض الناس ربما يكون من أدق الواصفين، لكن تدخل البيت فتجدك مغمومًا، يعني بعض البيوت -سبحان الله! - إذا دخلها الإنسان سُرَّ بها، وبعضها إذا دخلها غُمَّ بها.
إذن فلا بد في استئجار البيت من الرؤية، وكذلك الأرض؛ استأجر أرضًا للزرع لا بد أن يراها بنفسه؛ لأن الأرض تختلف، سبخة، رملية، تُرابية، حَجَرِيّة، كذلك أيضًا تختلف ارتفاعًا وانخفاضًا، فلا يمكن أن يحيط بها الوصف، إذن لا بد أن يراها المستأجر بعينه.
فقول المؤلف رحمه الله: (في غير الدار ونحوها) عائد على قوله: (أو صفة)، يعني: إلا في الدار، (ونحوها) فإنه لا يجوز تأجيرها بالصفة، بل لا بد فيها من الرؤية.
بالنسبة ما يُسْتَأْجَر لصوته، بماذا يُعْلَم؟ بالسماع، قد يكون مثلًا أنت استأجرت ساعة منبِّهة، من أجل أن تُنَبِّهك لعمل ما هذا لا بد أن تسمع، يكفي الرؤية أو لا يكفي؟ لا يكفي الرؤية، اللهم إلا إذا كانت مثلًا من صنعة معينة معروفة، وأن صوتها في التنبيه معروف، إذا رُؤِيَت الساعة فهذه ربما يُكْتَفَى بذلك، على أنه ربما يكون هذا النوع غُيِّرَت نغمة صوته، أو حصل بها خلل، إذن لا بد من السماع.
استأجر ديكًا لأذانه لا بد يسمع أذان الديك؟
طلبة: معروف.
الشيخ: لا، ما هو معروف، بعض الديكة صوته جميل وبعضه أَبَحّ، ما هو جميل، تختلف اختلافًا عظيمًا، لكن لو استأجر ديكًا يوقظه للصلاة؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: ليش؟ لأنه لا يمكن استيفاء المنفعة، هل الديك إذا صار تلك الليلة نائمًا وصار في الصباح تُوَبِّخُه؟ ما ينفع، إذن الديك يُسْتَأْجَر لصوته، أما لكونه يوقظك للصلاة فهذا شيء لا يمكن؛ لأن استيفاء المنفعة منه أيش؟ غير ممكن.
خلاصة القول أنه يُشْتَرَط معرفة العين الْمُؤْجَرة، ما استؤجر للرؤية فبالرؤية، ما استؤجر للصوت فبالصوت، ما لا يمكن إدراكه إلا بالرؤية فلا بد من الرؤية، وما يمكن إدراكه بالصفة فيكفي فيه الصفة.
طالب: الغالب أن الناس يستأجرون استراحات (
…
) للترويح عن النفس، ويدخل في هذا (
…
).
الشيخ: هذا يسأل يقول: بعض الناس الآن يستأجرون الأحواش والاستراحات للترفيه عن النفس، ويكون فيها من جملة الترفيه الدشوش، إذا علمنا أنهم سوف يجعلون من ضمن الترفيه الدشوش ما يجوز نؤجِّرها، لكن لو أجَّرناهم على أننا إنما نريد كما قلت: الترويح عن النفس، ثم هم أتوا به وأنا لا أعلم، ولم يغلب على ظني حين العقد، فلا بأس.
طالب: بالنسبة للبيوت قلنا: إنه لا بد أن يراها، إذا كانت مثلًا فيه بيوت جاهزة، يقول لهم: مثل بيت فلان بالضبط؟ في بيوت جاهزة ما تتغير.
الشيخ: ما تقولون في هذا السؤال؟ لو أنه قال الذي أجَّر البيت: أنا أؤجرك البيت، وهو مثل بيت فلان، روح انظر إليه هو هو كأنه نسخة منه، يكفي؟
طلبة: لا يكفي.
الشيخ: هو على كل حال من جهة شكل البيت قد يكونون سواء، ويمكن إدراكه برؤية نظيره.
لكن المشكِل أن بعض البيوت -كما قلت لكم- منين ما دخل الإنسان يجد غمًّا، وبعضها ينشرح صدره، حتى أن بعض البيوت تكون أسوأ من البيوت الأخرى من جهة التنفيذ ومن جهة الأنوار، ومع ذلك ينقبض بها الإنسان، فالظاهر أنه لا بد من الرؤية على كل حال.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، يكثر في بعض البلاد بيع البيوت على المخططات، تُشْتَرَى ويأتي المهندس يرسم خريطة لهذه العمارة وخريطة للشقق التي فيها، وتجد الناس يعني يدفعون أقساطًا شهرية دفعة أولى مبلغًا كبيرًا، ثم أقساطًا شهرية حتى ينتهي هذا البناء، وعليه عمل معظم الناس هناك في تلك البلاد، وهم بحاجة إليها ماسة، فهل هذا جائز؟
الشيخ: يعني يريد أن يبني لهم بناءً موصوفًا.
الطالب: نعم، لكن ليست إيجارًا إنما هو بيع.
الشيخ: ما فيه بأس، إذا كان بس مضبوطًا يعني.
طالب: غالب هؤلاء صادقون، لكن يحصل في بعض البعض تحايل.
الشيخ: هو على قواعد الفقهاء لا يجوز؛ لأن الدار ونحوها ما يمكن ضبطها إلا بالرؤية حتى في البيع، كالإجارة، لكن إذا كان الناس اعتادوا ذلك ودعت الضرورة إليه، وكان الذي باع البيت وأراد أن يبنيه على هذا الوصف رجلًا أمينًا فللحاجة والضرورة نقول: لا بأس به.
طالب: أحسن الله إليك، هل يجوز أن يُرَدِّد الإنسان الغناء الذي هو محرَّم لدخول المعازف عليه، أما القصيدة فما فيها شيء؟
الشيخ: لا، فيها معازف ما يجوز.
طالب: الغناء مشهور معروف أنه بالمعازف هو، يعني الذي قاله قاله بالمعازف، هل يجوز أن يردده الإنسان ما دام أنه لا يستخدم معه المعازف؟ رغم أن ..
الشيخ: ما هو يستمع، يعني تسأل يردِّده لكن بدون استماع.
طالب: يردده نعم، هو بدون إدخال معازف عليه والقصيدة ..
الشيخ: ما فيها بأس، بس بعض العلماء كره ذلك لأنه يُخْشَى أن يجذبه هذا الغناء، لكن ما فيها بأس، يردِّد الغناء على شبه أغنية مثلًا في البيت مثلًا وحده ما فيه بأس.
طالب: هناك يا شيخ بعض الأغاني يعني هادفة في المواضيع، لكن يكون أداؤها بتكسر في الصوت، هل هذا له الحكم.
الشيخ: يعني صفة الأداء؟
الطالب: نعم.
الشيخ: أنا أرى أنه إذا كان أداء الأغنية كأداء الأغاني الماجنة أنا أرى أنها لا تجوز، حتى وإن كانت هادفة وموضوعها جيد.
طالب: إذا كان بعض طلبة العلم يقولون: إن الغزل جائز، يجيزونه، ويستدلون ببعض الأدلة، يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم تغزل أمامه أحد الصحابة بانت سعاد (2)، وغيره، فيكون الغزل يجوز على هذا الحال؟
الشيخ: هو على كل حال الغزل جائز، يعني استعمله العلماء رحمهم الله، لكن بانت سعاد ترى ما صحت، انتبه لهذا! هي مشهورة أنها أُنْشِدَت عند الرسول عليه الصلاة والسلام لكن لم تصح، سندًا ما صحت، لكن على كل حال هذا غير، يعني مثلًا يتحدث عن معشوقته، لكنه ليس يمدح الزنا، أو يمدح الْمُرْدَان أو ما أشبه ذلك.
طالب: شيخ بارك الله فيكم، إذا أَجَّر داره على غيره لسكناها ثم استعملها في منفعة محرَّمة بأن وضع فيها دشًا أو نحوه، فهل له أن يطلب منه إزالتها أو فسخ العقد، وأن يرفع ذلك للقاضي؟
الشيخ: أما فسخ العقد لا يتم.
الطالب: ولا يمكنه القاضي؟
الشيخ: ولا يمكنه القاضي، حتى ولا يَحِلّ له أن يفسخ العقد، لكن ينصح هذاك الذي استعملها في المحرَّم ينصحه ويخوِّفه بالله، وإذا تمت المدة قال له: إما أن تُزِيلَ هذا المحرَّم وإما أن تخرج.
طالب: تأجير الرافضة والمبتدعة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
الشيخ: هذا جرى عرف الناس الآن أنهم يُؤَجِّرُونه، كما أن الإنسان يؤجِّر الكافر والنصراني.
الطالب: حديث: «مَنْ آوَى فِيهَا مُحْدِثًا» (3).
الشيخ: إي، معناه نصره على ذلك.
الطالب: تأجيرهم ما هو من الإيواء؟
الشيخ: فيه نظر.
طالب: ذكرنا أقسام الغناء أنه ينقسم إلى محرَّم ومكروه ومباح. ذكرنا قسمين وتركنا المكروه يا شيخ.
الشيخ: المكروه اللي أجبنا عنه الأخ.
طالب: بارك الله فيك، ما هو الفرق بين إدراك الوصف في الدار والسيارة؟
الشيخ: الفرق بينهم واضح.
الطالب: هي ربما تكون مستعملة.
الشيخ: لا هو بيصف له سيارة ما استُعْمِلَت إن كان يريد جديدة، أو مستعملة مثلًا مشت كذا وكذا، المهم إذا لم تنضبط فنفس الشيء، لكن الغالب أن السيارة كالإناء تنضبط.
والدار ليس أن الإنسان لا يحيط بها وصفًا، قد يحيط بها وصفًا لكن نفس الدار بعضها ينشرح الصدر إذا دخل الإنسان وبعضهم يضيق صدره.
طالب: لو استأجر نساء يغنين مع الدف ثم يسجِّله ويجعله في الأعراس ليكون مكان الأغاني المحرَّمة، فهل يقال: إن الشرع أجاز الدف للزواج، أو يقال: إن التسجيل يختلف؟
الشيخ: لا، هذا لا بأس به، يعني استأجر نساءً يدْفُفْن من أجل أن يكون بدلًا عن اجتماع النساء.
الطالب: ويسجِّل يا شيخ، تسجيل.
الشيخ: إي نعم، هو الآن مستعمل هذا الذي تقول، ما فيها شيء.
طالب: شيخ، الدف في غير الأعراس للرجال وللنساء ..
الشيخ: ما هذا موضوعنا، سيأتينا في باب الوليمة.
***
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى: في فصل ما يشترط في العين المؤجرة: وأن يعقد على نفعها دون أجزائها، فلا تصح إجارة الطعام للأكل، ولا الشمع ليشعله، ولا حيوان ليأخذ لبنه إلا في الظئر، ونقع البئر وماء الأرض يدخلان تبعًا، والقدرة على التسليم؛ فلا تصح إجارة الآبق والشارد، واشتمال العين على المنفعة؛ فلا تصح إجارة بهيمة زَمِنَة لحمل، ولا أرض لا تنبت للزرع، وأن تكون المنفعة للمؤجِّر أو مأذونًا له فيها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
في الفصل الأول ذكر شروط الأجرة، وفي هذا الفصل ذكر شروط العين الْمُؤْجَرة، منها: أن تكون معلومة برؤية أو صفة، فما هو الدليل على هذا الشرط؟
طالب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (4).
الشيخ: دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، هذا دليل أثري، ونريد دليلًا نظريًّا؟
طالب: أن الأشياء التي تؤجَّر تختلف اختلافًا بيِّنًا بينها، فلما كان ذلك وجب ضبطها إما بصفة منضبطة أو (
…
).
الشيخ: لأن الجهالة تؤدي إلى النزاع والخصام، وهذا يُثْمِر العداوة والبغضاء بين المسلمين، وهذا مما تحاربه الشريعة الإسلامية، هذا الدليل النظري.
ما هي العين التي لا يصح أن تؤجر بالصفة؟
طالب: كالدار والأرض.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه لا يمكن أن توصف بالوصف أو ..
الشيخ: لا يمكن انضباطها بالوصف، وهذا هو الذي ذكره الفقهاء رحمهم الله، لكن فيه قول ثاني؛ أنه يجوز الإجارة، وله الخيار إذا رآها، يعني يجوز أن تؤجَّر بالصفة، يقول: أنا أَجَّرْتُك مثلًا شقة صفتها كذا وكذا، تدخل من على الباب على يمينك المجلس، وعلى يسارك المأكل، وأمامك مثلًا الباب اللي يدخل على البيت، وما أشبه ذلك، المهم يصفها له تمامًا ولو على الخارطة، وله الخيار إذا رآها.
فإذا قال قائل: إذا كان كذلك فلماذا لا يصبر حتى يراها؟
نقول: الفائدة من قولنا: إنها تصح وله الخيار إذا رآها، أنه لو جاء أحد آخر فاستأجر من الْمُؤْجِر من صاحب الشقة وقلنا: إن الإجارة صحيحة، فهل يملك الثاني أن يستأجر؟
طلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟ لأنها مُؤَجَّرة، وعلى القول بأنها لا تصح له أن يؤجرها، هذا هو الفائدة.
وإلا لو قال قائل: ننتظر حتى يراها، نقول: ربما يكون الناس عندهم إقبال شديد على البيوت والشقق، فهذا رجل بادر على طول واستأجر بالوصف، إذا قلنا: الإجارة صحيحة وله الخيار، صار بمجرد العقد تكون المنفعة لمن؟ للمستأجِر، فلا يملك صاحب البيت أو الشقة أن يؤجرها، وعلى القول بأن الإجارة لا تصح هو بالخيار، هذه من جهة.
من جهة أخرى: من الناحية الْحُكْمِيَّة كل عقد غير صحيح فهو حرام؛ لأنه ليس في كتاب الله، وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وهذه قاعدة اعرفوها، جميع العقود الفاسدة والشروط الفاسدة عقدها حرام واشتراطها حرام؛ لأنه من المضادة لله عز وجل.
فإذا قلنا بأنه يصح العقد وله الخيار إذا رآها، صار العقد حلالًا، وإذا قلنا: لا يصح العقد، صار العقد حرامًا، وصار كل من المستأجر والمؤجِّر آثِمَيْنِ؛ لأنهما فعلَا حرامًا، أفهمتم الآن؟
أيهما المذهب؛ أنه لا يصح، أو يصح وله الخيار؟
طلبة: الأول.
الشيخ: الأول؛ أنه لا يصح مطلقًا، وعلى هذا فيحرم تعاطي هذا العقد، ويجب عليهما إذا رآها وقنع بها أن يعيدَا العقد.
فيه أيضًا الشرط الثاني: (أن يعقد على نفعها دون أجزائها)، (أن يعقد) مَن؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: المستأجر والْمُؤْجِر، ولهذا لو قال: أن يعقدَا، أو قال: أن يكون العقد، لكان أوضح في الشمول.
(أن يعقد على نفعها دون أجزائها)، يعني أن يكون المعقود عليه النفع دون الجزء.
مثاله قوله: (فلا تصح إجارة الطعام للأكل)، إنسان مثلًا وجد له إناءً من التمر، وقال: أَجِّرْنِي هذا التمر بأكله، لا تصح الإجارة، ليش؟ لأنه كيف يستأجر؟ لا يمكن أن ينتفع به إلا بأكله وذهاب أجزائه.
إذن كيف العمل إذا كان الإنسان يريد أن يأكل قدر ملء بطنه والباقي يكون لصاحبه؟ يشتري، قلنا: اشترِ منه بمقدار ملء البطن، يجوز ولّا ما يجوز؟
الطلبة: ما يجوز.
الشيخ: ليش؟
الطلبة: مجهول العين.
الشيخ: مجهول، ما ندري، قد يكون هذا الرجل قنوعًا وقد يكون أكولًا، أفهمتم؟
إذن الطريق أن يبيعها جميعًا.
لو قال مثلًا: أبيعها عليك بقدر ما تأكل منه، بمعنى: أننا نكيل هذا التمر أو نزنه، فإذا بلغ خمسة كيلوات مثلًا، ثم بعت عليه مقدار ما يأكل أو يشرب، والباقي ينزل من الثمن بقسطه، هو لما أكل أكل كيلوين وقد بعت عليه الخمسة كيلوات بخمسين ريالًا، أكل كيلوين كم يبقى؟
الطلبة: ثلاثة كيلوات.
الشيخ: ثلاثة كيلوات، ينزل من الثمن ثلاثون ريالًا، هل يجوز هذا أو لا يجوز؟
المذهب: لا يجوز، لا بد أن نعرف مقدار ما يؤكَل عند العقد، وهذا متعذِّر، لكن القول الثاني: الجواز، وأنه لا بأس ما دام عُلِمَ وقيمة الخمسة كيلوات بخمسين ريالًا، أي أن كل كيلو بكم؟ بعشرة ريالات، ما أكلت منه فبقسطه من الثمن، وما أبقيت فينزل من الثمن بقسطه.
الحقيقة أن هذا ليس فيه جهالة؛ لأنه لو حتى لو قُدِّر أنه حين العقد فيه جهالة فسيؤول إلى العلم.
ننتقل من هذا إلى مسألة بدأ الناس يتعاملون بها الآن، وهي البيع على التصريف، هل يجوز أو لا؟
يقول مثلًا: هذه خمسة كراتين حليبًا، أو خمس طرائق خبز، يبيعها على البقال على التصريف، يعني فيأتي إليه في آخر النهار ويقول: كم صَرَّفت؟ كذا وكذا، هو عليك بكذا والباقي رُدَّه ويسقط من الثمن، أيجوز هذا أو لا؟
طالب: على المذهب لا يجوز.
الشيخ: نعم المذهب لا يجوز، ولا إشكال، لكن على هذا القول الذي قلنا: إنه لا بأس به في مسألة التمر المأكول، نقول: يجوز، بشرط أن نقدِّر لكل شيء ثمنًا، أما أن يقول: على ما تُصَرِّف، وهو لم يقل مثلًا: كل كرتون بكذا، أو كل طريقة من طرائق الخبز بكذا، فهذا يؤدي إلى الجهالة ولا ندري.
وعليه فنقول في مسألة التصريف: له طريقان؛ إما أن يُوَكِّلَه، يعني الذي أتى بالخبز أو أتى باللبن أو ما أشبه ذلك يُوَكِّل البقال، فيقول: خذ هذا بعه، ولك على كل صندوق أو على كل كرتون كذا وكذا، جائز هذا ولّا غير جائز؟
طلبة: جائز.
الشيخ: هذا جائز قولًا واحدًا؛ لأنه توكيل بعِوَض، ما فيه إشكال.
أو يقول على القول الراجح: هذه مثلًا عشرة صناديق هي عليك بمئة، كل صندوق بعشرة، وما لم تُصَرِّفْهُ يُرَدّ بقسطه من الثمن، فهذا نرى أنه جائز؛ لأنه ليس على أحد الطرفين ضرر، وليس فيه ظلم، وصاحب اللبن مُسْتَعِدّ لقبول ما تَبَقَّى ولا بأس، ومثله الظاهر الصحف والجرائد، الظاهر إنها على هذا.
إذن المهم أن نحدد مقدار ثمن كل واحد، وحينئذٍ يكون صحيحًا.
إذن الطعام للأكل لا تصح إجارته، لكن يصح أيش؟ بيعه.
(ولا الشمع ليُشْعِلَه)، أيضًا لا تصح إجارة الشمع ليشعله، والشمع تعرفونه أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: كلكم؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: الشمع عبارة عن شيء جامد يذوب مع النار، لكنه يغذِّي النار، مثل الفتيلة تمامًا، هذا يُسْتَعْمَل فيما سبق، أنا لم أدركه، لكن يحدِّثُونا عنه، يضعونه في حوض صغير، ويضعون الشمعة ويوقدون في الفتيلة، ثم تبدأ الفتيلة تضيء والشمع يذوب.
طالب: موجود.
الشيخ: موجود؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يُسْتَعْمَل؟
طالب: عند الضرورة.
الشيخ: عند الضرورة حتى! الضرورة تبيح أكل الميتة، على كل حال هذا الذي يُسْتَعْمَل لو قال المستأجِر: أنا أريد أن أستأجر هذه الشمعة من أجل أن عندي الليلة ضيوفًا، وأستاجرها منك بكذا وكذا لمدة ساعة أو ساعتين.
المذهب: لا يجوز، لماذا؟ لأننا لا ندري ماذا يُسْتَهْلَك من الشمعة.
واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن ذلك جائز، ولكن كلام الشيخ رحمه الله لا بد فيه من تحرير.
التحرير أن نقول: إما أن يُقَدَّر بالمساحة، بمساحة الشمعة، فيكون مثلًا الآن مساحتها شبر -تعرفون الشبر- بعشرة ريالات، وما نقص من الشبر فبقدره، هذه تكون معلومة ولّا غير معلومة؟
طلبة: معلومة.
الشيخ: تكون معلومة، أو يقدرها بالساعة، ونحن نعرف استهلاك النار من الشمعة بالساعة والدقيقة، هذا أيضًا يكون معلومًا، أليس كذلك؟
إذن نقول: شيخ الإسلام رحمه الله اختار الجواز، لكن لا شك أن كلامه لا بد فيه من تقييد، وهو أن يكون معلومًا بالزمن أو بالمقدار بالحجم، فإذا كان معلومًا فلا بأس.
(ولا حيوان ليأخذ لبنه إلا في الظئر)، الحيوان لا يجوز أن يستأجره لأخذ لَبَنِه.
مثال ذلك: رجل عنده أطفال صغار من الضأن أمها ماتت، فاستأجر شاة إنسان لمدة يوم أو يومين حتى يشتري شاة ترضع الأطفال، يجوز أو لا؟ يقول: لا يجوز؛ لأن المعقود عليه الآن اللبن، واللبن أجزاء، والإجارة لا تكون إلا على منافع، ما تكون على أجزاء، فإذا استأجر حيوانًا لأخذ لبنه فلا يجوز، ومثل ذلك ما كانوا يستعملونه قديمًا، يكون عند الإنسان ضيوف فيستأجر من جاره بقرة لمدة يوم أو يومين من أجل أخذ اللبن، على المذهب لا يجوز؛ لأن اللبن مجهول، ثم حَلْبُها أيضًا مجهول، وبعض البهائم تمنع الحليب، ما تطيع أن تحلب، ففيه جهالة، لكن الظئر مُسْتَثْنى.
والظئر هي المرضعة لولد غيرها، فيجوز للإنسان أن يستأجر امرأة تُرْضِع ولده بأجرة معلومة، مع أن المعقود عليه اللبن، لا شك أن هذا هو المعقود عليه.
الفقهاء رحمهم الله أُورِد عليهم إيراد واضح، قيل لهم: إن الظئر إجارتها جائزة بنص القرآن، قال الله تبارك وتعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وقال:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]، وقال:{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6]، يعني: المسألة جائزة بالقرآن، ما لأحد أن يقول: لا، وأُورِدَ على الفقهاء، قيل: أي فرق بين لبن الآدمية ولبن غير الآدمية؟
أجاب بعضهم بجواب ليس بسديد، قال: لأن الآدمية إنما تستؤجَر لأجل أخذ الطفل ووضعه في حجرها وإلقامه الثدي، وما أشبه ذلك، الحيوان هل يفعل هذا بما يرضعه؟
طلبة: لا.
الشيخ: ما يفعل؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: لا، غالبًا ولا طارئًا، هو لا يفعل لكنه يقف لما يرضعه، ويتأنَّى ويفتح رجليه، لا شك أنه يخدمه.
فنقول لهم: بارك الله فيكم، هل من المعقول أن الإنسان يستأجِر مرضعة ترضع ولده من أجل أن تأخذه وتضعه في حجرها وتلقمه الثدي إذا لم يكن في الثدي شيء؟ أجيبوا.
طلبة: لا يمكن.
الشيخ: ما يمكن، إذن ما المقصود؟ اللبن لا شك، لكن هذه وسائل إلى الحصول على اللبن، فالمقصود أولًا وبالذات هو اللبن.
إذن وما دمنا قياسيين يجب أن نقول: إن استئجار الحيوان لأخذ لبنه جائز بالقياس على الظئر، وهذا أيضًا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب أنه يجوز، وسواء استأجره وأتى به إلى محله أو استأجره وهو عند صاحبه؛ لأن استئجار الحيوان لأخذ اللبن على وجهين:
إما أن يستأجره ويأتي به إلى بيته وينفق عليه، وإما أن يستأجره وهو عند صاحبه ويكون الإنفاق على صاحبه، كل ذلك جائز على القول الصحيح، لكن على المذهب ماذا يصنع إذا كان عنده ضيوف ويريد أن يأخذ لهم لبنًا؟ يشتري.
اللبن في الضرع يجوز بيعه؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا يجوز بيعه، نقول: احلبها، وإذا حلبتها يشتريها المحتاج، فالمهم أنه حتى لو سددنا الباب في مسألة استئجار الحيوان لأخذ لبنه فهناك أبواب مفتوحة والحمد لله.
(نقع البئر وماء الأرض يدخلان تبعًا)، هذا أيضًا إجابة عن سؤال، لو استأجر الإنسان بئرًا يستقي منه، البئر معروف؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: البئر هو يُحْفَر في الأرض لجلب الماء منها.
الشيخ: يعني (
…
).
الطالب: نعم.
الشيخ: على كل حال البئر معروف، استأجر شخص من آخر بئرًا يسقي إبله، يسقي زرعه، هذا جائز، لمدة شهر، قال: أنا باستأجر منك البئر هذه باسقي الزرع لمدة شهر، أو استأجرته منك لمدة شهر باسقي الإبل؛ لأني سوف أبقى في هذه الأرض الْمُرْبِعَة لمدة شهر، هذا جائز، مع أن المعقود عليه الآن الماء وهو عين وأجزاء.
فكيف يجيبون عن القاعدة أن الإجارة لا بد أن تقع على المنفعة، يقولون: هذا يدخل تبعًا، تبعًا لأيش؟
قالوا: لأن المعقود عليه البئر لها فم، الفم يأتي المستأجِر ويُدْلِي دلوه بهذا الفم والرِّشَا ويضع البكرة، تعرفون البكرة؟ طيب، يقولون: هذا هو المعقود عليه، مرور الرشا بالبئر، مرور الدلو بالبئر، أما الماء فليس معقودًا عليه، فهل هذا معقول؟
يعني لو كان البئر ما فيها ماء يجيء واحد بيحط عليه دلوًا ورشا وبكرة وما شاء الله ينزّل الدلو ويصعّده، هل هذا ممكن؟ ما هو المقصود إذن؟ الماء، المقصود هو الماء.
فقولهم: إن ماء البئر يدخل تبعًا، الحقيقة أنه بالعكس، الأصل هو الماء، والبئر لو لم يكن فيها ماء ما استأجرها أحد.
ماء الأرض أيضًا كذلك يدخل تبعًا، إنسان مثلًا استأجر أرضًا للزرع لا بأس، الأرض فيها ماء؛ إما من نهر، أو وادي يأتي إليها، أو ما أشبه ذلك، يكون الماء يدخل تبعًا.
وهذا عكس ما يريده كل إنسان، كل إنسان يستأجر أرضًا للزرع فإنما استأجرها من أجل مائها، لو لم يكن فيها ماء ما استُؤْجِرَت، وكذلك البئر.
لكن الصواب الذي يظهر ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله، قال: إن الأجزاء التي تتولَّد وتتابع شيئًا فشيئًا بمنزلة المنافع تمامًا، ولهذا اختار رحمه الله أنه يجوز استئجار الحيوان لأخذ لبنه، واستئجار البئر لأخذ مائه، واستئجار الأرض لأخذ مائها.
وقوله رحمه الله هو الصواب؛ أن الأعيان التي تأتي شيئًا فشيئًا بمنزلة المنافع.
إذا قلنا: استأجَر حيوانًا لأخذ لبنه، وقلنا بهذا القول الراجح، فأبى الحيوان أن يحلب، في بعض الحيوانات يأبى أن يحلب، إما أنه يحلب على كيفه، وإلا إنه ما يحلب حتى يؤتَى بالولد ولده ويحلب عليه، وإما إنه ما يحلب حتى يؤتى له بطعام، المهم أنها تختلف الحيوانات.
إذا أبى هذا الحيوان أن يحلب إطلاقًا فماذا يكون الحكم على القول بأن الإجارة صحيحة؟ نقول: له الفسخ، للمستأجر الفسخ، وذلك لتعذُّر استيفاء المنفعة بغير سبب منه، فله أن يفسخ.
إذ إن المعقود عليه تعذَّر بغير سبب منه، ليس هو المفرِّط، وبذلك يتبين أن القول الراجح ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الأمر.
قال: (ونقع البئر وماء الأرض يدخلان تبعًا) نقف على هذا الشرط، اللي بعده الشرط الثالث.
طالب: شيخ بارك الله فيك، هناك محلات واقعة الآن تبيع الأطعمة تكون مثلًا تدفع مبلغًا مثلًا عشرين ريالًا، والأكل حتى الشبع.
الشيخ: إي نعم، الظاهر أن هذا مما يُتَسَامح فيه، يعني مثلًا نحن الآن (
…
) معروف إن الوجبة مثلًا بعشرين ريالًا، معروف، وأن الناس يختلفون في الوجبة، ولّا لا؟ (
…
) إنسان صحن إدام ونصف خبزة ويكفي، وإنسان يحتاج إلى صحنين إدام وخبزتين، بينهم فرق ولّا لا؟ فالظاهر لي أن هذا مما يُتَسَامَح فيه، لكن إذا عرف الإنسان من نفسه أنه أكول فيجب أن يشترط على صاحب المطعم، عرفت؟ أنه أكول، يعني يقول: أنا ترى ما تَسُدُّني الخبزة والخبزتان.
طالب: هو يقول: إلى الشبع؟
طالب آخر: هو الذي يخدم يا شيخ.
الشيخ: يا إخوان، السبب ما يهمهم الآن؛ لأن الأمور متيسرة والحمد لله، لكن تأتون في بلد فقيرة كل شيء عندهم محسوب، والناس يختلفون، ألم تعلموا أن بعض الناس يأكل زبيل التمر، ألم تعلموا هذا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: أن أشهد أن الواحد منكم يأكل زبيل التمر، في أيام كثيرة، لكن في ناس يجلسون على التمر ما شاء الله يأكلون زبيلًا، يعني ما هو زبيل كامل، كثيرًا يعني.
على كل حال: أرى أن هذه مما يُتَسَامح فيه عادة، إلا أن يكون الواحد منهم أكله خارجًا عن العادة فلا بد أن يخبر صاحبه، لا بأس مثلًا، يجلس على الماصة ويقول له: هات، جاء بما يُشْبِع غيره عادة انتهى، قال: جِيب.
طالب: (
…
).
الشيخ: أنا ما أعرف هذا، أنا أعرف إنك في المطاعم تجلس على الماصة: أعطني كذا أعطني كذا.
طالب: يعني اللي موجود ..
الشيخ: يعني على الطاولة.
الطالب: نعم، ولك ما تريد، وهل يدخل فيه الأخيرة ..
الشيخ: طيب، آخذ اللي أريد، افرض مثلًا إنه فيه صحن بيض قيمته خمسة ريالات، وفيه صحن بصل قيمته ريال، كله واحد عندهم؟
طالب: هذا اللي أسأل عنه، إنه واحد يأكل ما قيمته ريال، والثاني يأكل ما قيمته سبعون ريالًا، وكلهم يدفعون ..
الشيخ: والله ما أدري يا أخي.
طالب: يقال: إنها خدمة من صاحب المطعم.
الشيخ: إي، تحتاج إلى نظر، أما الفرق اليسير لا بأس به مما يُتَسَامَح فيه عادة، أما الفرق الكثير فيحتاج إلى نظر في الواقع.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، فيه الجرائد هذه (
…
) فيحطها صاحب البقالة في الخارج يعرضها للبيع، فيأتي بعض الناس ويفتح ويقرأ كل الجريدة ثم يردها ويمشي، فحكم هذا الفعل؟ هذه ظاهرة.
الشيخ: صحيح، ما دام صاحب المكان ما منع، ما قال: لا أسمح لأحد أن يراجع وينصرف، هو الذي سلَّط الناس على ماله.
طالب: له أن يرده حين شاء؟
الشيخ: إي نعم، له أن يرده حين شاء، ما دام هكذا قيل.
طالب: استئجار حيوان لأخذ شعره وصوفه ووبره يقاس على اللبن؟
الشيخ: أما القول الراجح في مسألة الصوف يبيعه الآن حاضرًا، أما الصوف المستقبل ففيه جهالة عظيمة؛ لأنه متى ينبت الصوف حتى يكون أَخْذه ممكنًا؟
طالب: ما يُقاس على اللبن؟
الشيخ: قد يُقاس، لكن فيه صعوبة.
طالب: البيع على التصريف، جاء إنسان صاحب محل مثلًا وأعطاه بضاعة، وقال: ما زاد .. يعني أعطاه بضاعة بمبلغ معيّن، بمئة ريال، وقال: بع أنت والزود، واللي يجلس ما تبيعه آخذه منك.
الشيخ: هذا على المذهب ما يجوز، المذهب أن هذا حرام، والراجح إذا عُيِّن الثمن لكل كرتون فلا بأس؛ لأن (
…
).
طالب: عين بمئة، والزود ..
الشيخ: لكن يعيِّن لكل كرتون ثمنًا معينًا.
طالب: الآن ينتشر تأجير (
…
) فانوس الغاز، يأخذ يوميًا مثلًا خمسة ريالات، هل هي مثل الشمعة؟
الشيخ: إي نعم، والصحيح أنه جائز.
الطالب: لكن يختلف الاستخدام، ربما يستخدمه استخدامًا ..
الشيخ: ما يخالف، أنا عارف إني أنا متواطئ على أنه (
…
).
الطالب: وبعض الناس (
…
).
الشيخ: ما يخالف، أنا راضٍ، يعني مثلًا اللي أعطاه تريك معبيه تعبئة مليئة يعني يقول (
…
).
طالب: في الشرح قلنا بالتقييد، وهنا بالإطلاق؟
الشيخ: إي نعم، هنا لأن التقييد صعب، كيف تتقيد؛ لأن الشمعة مشاهَدة اللي يترك منها، أما هذا صعب، إذا أمكن تقييده فهو أحسن لا شك.
طالب: الإطلاق للشمعة ليس أولى يعني لكونه (
…
) يسير.
الشيخ: ما هو على كل، أنا قلت لكم قبل قليل، ما دام الناس في سعة كل شيء عندهم هين، لكن يأتي زمن القرش يسوى ريالًا أو أكثر من الريال.
طالب: بيع التصريف ما يدخل تحت بيع ما لا يقبض أو بيع ما لا يملك؟
الشيخ: لا؛ لأن البائع يملك، البائع هو اللي جاب لك البضاعة.
الطالب: تقول: الزائد.
الشيخ: الزائد يعني معناه إنه ما وقع عليه البيع.
الطالب: والضمان على مَن؟
الشيخ: الضمان على المشتري، يعني لو تلف هذا فالضمان على المشتري، يعني لو فرض أنه احترق أو سُرِق فالضمان عليه.
طالب: ما حكم قول بعض الإخوان البارعين في صنعة ما: أنا أصلح لك هذه الآلة مثلًا بمئة وعشرين إن خرج فيها سلك أوصلته (
…
)، ويعتمد في ذلك على خبرته، هل هذه ..
الشيخ: كيف؟
طالب: يعني بعض الأجهزة يكون مغلقًا.
الشيخ: مغلقة يعني إيه؟
الطالب: يعني مغلقة بصواميل أو كذا، يعني ليس بظاهر عيبها، ما سبب العطل ليس بظاهر، فيقول: أنا أصلحها ..
الشيخ: يعني افرض أنها آلة تصوير.
الطالب: مثلًا، آلة تصوير أو مسجل، يقول: أنا قبل أن أفتحه أفتحه وأصلحه لك، بكل حال، إن كان فيه سلك فاصل فأنا أصلحه بعشرين، وإن كان فيه موتور أو محوّل خارج ..
الشيخ: هذا مجهول، هذا ظاهر الجهالة، قد يحتاج إلى قطع غيار أيضًا.
طالب: بارك الله فيك، (
…
) ما حكم ..
الشيخ: لا، قلنا: فيها قول ثاني، بس حكينا بالقول الثاني؟
الطالب: رجَّحْنَا (
…
).
الشيخ: إحنا رجَّحْنا أن العسل والحبة السوادء من أحسن ما يكون للشفاء.
الطالب: يا شيخ، قلنا في الدرس الماضي أنه ..
الشيخ: قلنا: لا يمكن، لكن الدرس هذا زدنا أننا شرحنا القول الثاني لأن في قول آخر يجوز وله الخيار إذا رآها.
الطالب: وهو الراجح يا شيخ؟
الشيخ: إذا كان ما فيه خصومة ولا شيء.
طالب: إذا بقى شيء ووعده بالرد يا شيخ، إحنا قلنا بالدرس الماضي: إنه الإنسان ..
الشيخ: ما دام قلنا له الخيار إذا رآها (
…
).
طالب: يُسْتَثْنَى من ذلك لبن الظئر؟
الشيخ: الظئر؟ ويش الظئر؟
الطالب: هي المرضعة التي يستأجرها الرجل لإرضاع مثلًا ولده ..
الشيخ: المرضعة المستأجرة للإرضاع، ما وجه الاستثناء؟
الطالب: قالوا بأن المرضعة استُثْنِيَت لأنه جاء القرآن الكريم بالتنصيص على جواز إجارتها.
الشيخ: لكن ما وجه ذلك؟
الطالب: وقالوا بأن المؤجَّر في الحقيقة ليس هو اللبن وإنما هو كونها تضع مثلًا الولد في حجرها.
الشيخ: يعني الاستئجار على عملها، تحمل الطفل تضعه في حجرها تلقمه الثدي.
الطالب: نعم هذا.
الشيخ: ما تقول في هذا؟ هل هذا التعليل صحيح؟
طالب: لا، ما هو صحيح.
الشيخ: ما هو الصحيح؟
الطالب: الصحيح أن العقد على العين؛ على عين الحليب.
الشيخ: على اللبن.
الطالب: على اللبن.
الشيخ: الدليل؟ أو التعليل ما يخالف.
الطالب: التعليل أن هذه المرأة لو لم يكن بها حليب لم تُسْتَأْجَر.
الشيخ: أحسنت، تمام بارك الله فيك، شيخ الإسلام أخذ من هذا مسألة، وهي؟
طالب: (
…
).
الشيخ: الأعيان، أن الأعيان المتجددة بمنزلة المنافع، فعلى رأيه رحمه الله يجوز أن يستأجر الحيوان لأخذ لبنه، والشمع ليشعله، وما أشبه ذلك.
إذا استأجر دارًا وفيها ماء، أو أرضًا وفيها ماء، وسقى بهذا الماء، فهل يصح أو لا يصح؟
طالب: الإجارة (
…
).
الشيخ: ويدخل الماء تبعًا، نقع البئر؟
طالب: (
…
).
الشيخ: يدخل تبعًا، أما على اختيار شيخ الإسلام فالمسألة واضحة مبنية على أن الأعيان المتجدِّدة بمنزلة المنافع، ولا حاجة إلى أن نقول: يُسْتَثْنَى أو لا يُسْتَثْنَى.
ثم قال المؤلف: (والقدرة على التسليم)، هذا الشرط الثالث من شروط العين المؤجرة أن يكون قادرًا على تسليمها للمستأجِر.
(فلا تصح إجارة الآبق والشارد)، الآبق يعني العبد الآبق، (والشارد) الجمَل الشارد.
الآبق: هو الذي هرب من سيده وتَغَيَّب ولا يدري عنه سيده شيئًا، لا تصح إجارته؛ لأنه غير مقدور على تسليمه، وحينئذٍ إما أن يستطيع المستأجِر استلامه، وإما ألَّا يستطيع، فإن استطاع أن يتسلمه صار غانمًا، وإن لم يستطع صار غارمًا، وإنما قلت: إنه إذا استطاع أن يتسلمه صار غانمًا؛ لأن العبد الآبق لا يمكن أن تكون أجرته كأجرة العبد الحاضر؛ لأنه سوف تنزل أجرته، وسوف يعتبر المستأجِر نفسَه مخاطرًا، فإذا قدَّرْنَا أن هذا العبد يؤجَّر في اليوم بخمسين ريالًا لو كان حاضرًا، فإذا كان آبقًا سيؤجر في اليوم بخمسة ريالات أو عشرة ريالات، وحينئذٍ إن وجده فهو غانم -أي: المستأجر- وإن لم يجده فهو غارم.
والقاعدة الشرعية أن كل عقد يكون متردِّدًا بين الغُنْم والغُرْم فهو باطل؛ لأنه ميسر، ويدخل هذا أيضًا في ضمن نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغَرَر.
(الشارد) كذلك، إنسان له جَمَل شارد هارب، فجاء شخص يستأجره منه وقال: أنا أريد أن أستاجر منك الجمل شهرًا بكذا وكذا، ابتداؤه من اليوم، وأنا وحظي؛ إما أن أجده اليوم، وإما ألَّا أجده إلا بعد عشرة أيام، وإما ألَّا أجده أبدًا، نقول: هذه إجارة فاسدة باطلة، وذلك لعدم القدرة على التسليم، والعجز عن التسليم يقتضي أن يكون المستأجِر غانمًا أو غارمًا.
الشرط الرابع: (اشتمال العين على المنفعة)، لا شك أن هذا شرط مهم.
(اشتمال العين على المنفعة)؛ لأن المعقود عليه بالإجارة هو المنفعة، فلا بد أن تكون العين مشتملة على هذه المنفعة، فإن لم تكن مشتملة على هذه المنفعة صار هذا من باب إضاعة المال الذي لا فائدة فيه، ولهذا قال:(فلا تصح إجارة بهيمة زَمِنَةٍ لِحَمْل)، الزمنة هي التي لا تستطيع المشي، فلو أتى إنسان ليستأجرها ليحمل عليها قلنا: هذه الإجارة غير صحيحة؛ لأنه (
…
) على أيش؟ على لا شيء، هي مستأجرة للحمل عليها، وهي الآن لا تستطيع أن تمشي، كيف يُحْمَل عليها؟ فتكون الإجارة غير صحيحة، باطلة.
فإذا قال المستأجر: أنا أريد أن أنفع صاحبها وأَجْبُر قلبه؛ لأن بهيمته شُلَّت وانكسر قلبه، وكان يأخذ عليها كل يوم عشرة ريالات يؤجرها، والآن شُلَّت ما تستطيع أن تعمل، وأنا أحب أن أجبر قلبه وأقول: أستأجرها منك عشرة أيام كل يوم بعشرة ريالات، ويش المانع؟ نقول: إذا كنت تريد أن تجبر قلبه فاجبر قلبه بالهبة، أعطه مالًا يكفي، وخَلِّ ناقته عنده، أما أن تعقد عقدًا فاسدًا من باب أكل المال بالباطل فهذا لا يجوز، وباب التبرع والإحسان مفتوح، لسنا نقول: لا تنفعه، انفعه.
إذن لا يصح إجارة بهيمة زَمِنَةٍ لِحَمْل.
إجارة سيارة مُبَوّشَة للسفر عليها؟
طلبة: لا، ما يصح.
طالب آخر: تفصيل.
الشيخ: لا، المبوشة؟ معناها الماكينة خربانة مرة، ما تستطيع تمشي، لا تصح الإجارة عليها، إذا قال متى أصلحتَها، يقول المستأجر لصاحبها: متى أصلحتها فقد استأجرتها منك الشهر بكذا وكذا، لا تصح أيضًا.
أولًا: بناءً على أن العقود لا يصح تعليقها كما هو المذهب، كل عقود المعاوضات لا يصح تعليقها.
وثانيًا: أن هذا مجهول، ابتداء المدة من متى؟ من التصليح، التصليح متى؟ غير معلوم، وعلى هذا فلا تصح.
إذا كان فيها خراب قليل، كأن تكون مثلًا العجلات ما تستطيع أن تمشي بها، لكن نعلم أنها تُصَلَّح خلال يوم أو يومين، يجوز تأجيرها ولّا لا؟ يجوز.
كذلك يقول: (ولا أرض لا تنبت للزرع)، يعني لا يصح استئجار أرض لا تنبت للزرع، فهذا إنسان عنده أرض واسعة، لكنها سبخة لا تنبت أبدًا، يوجد بعض الأراضي لا تنبت، فاستأجرها للزرع، نقول: لا يجوز أن يستأجرها، لماذا؟ لعدم وجود المنفعة المعقود عليها.
لو استأجرها على أن تكون مستودعًا له، يجوز؟ نعم؛ لأنه يمكن الانتفاع بها، أما إذا استأجرها من أجل أن يزرعها فلا يصح؛ لعدم اشتمالها على المنفعة.
الشرط الخامس: (أن تكون المنفعة للمؤجِر أو مأذونًا له فيها)، وهذا يعني أنه يُشْتَرَط أن يكون مالكًا أو قائمًا مقام المالك، وهذا شرط في جميع العقود، كل العقود لا بد أن يكون العاقد مالكًا للعقد عليها؛ إما بملك أو بنيابة عن المالك، كل العقود، دليل ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، فلا بد أن تكون المنفعة المعقود عليها ملكًا للمؤجِر، أو مأذونًا له فيها، لا بد من هذا.
المنفعة للمؤجر مثل: شخص وُهِبَت له منفعة هذه العين، قيل: يا فلان، وهبتك منفعة هذه العين، والعين ليست ملكه، ملكًا لصاحبها، فأجَّرَها، فالإجارة صحيحة؛ لأنه يملك المنفعة وإن لم يملك العين.
وكرجل أُوصِيَ له بمنفعة عبد ليخدمه، وهذا يقع، يكون ملك العبد للسيد، لكن أوصى بعد موته لفلان بخدمة هذا العبد، نقول: الآن الْمُوصَى له مالك للرقبة أو للمنفعة؟ للمنفعة.
إذن لا بد أن تكون المنفعة للمؤجِر.
(أو مأذونًا له فيها)، والمأذون له فيها إما وكيل، وإما ولي، وإما وصي، وإما ناظر؛ ناظر وقف، فلا بد من أن يكون مالكًا أو قائمًا مقام المالك، وهم كم؟ أربعة: الولي، والوصي، والوكيل، والناظر.
فإن آجَرَ ملك غيره فإنه لا تصح الأجرة، فإن وافق على ذلك، أعني صاحب العين وافق، فالمذهب لا يصح، بناءً على أنه لا يصح تصرف الفضولي.
والقول الثاني: يصح، وهذا القول هو الراجح.
فلو أن شخصًا عنده علم بأن صاحبه يريد أن يؤجر بيته، يعني صاحب البيت يريد أن يؤجره، وجاء أناس يريدون أن يستأجروه، وصاحبه غير موجود -رب البيت غير موجود- ولكن صاحب رب البيت موجود، فأجَّر هؤلاء، ثم وافق المالك على ذلك، فالصحيح أن الأجرة صحيحة؛ لأن أصل منع نفوذ العقد في مملوك الغير لحق الغير، فإذا وافق فقد أسقط حقه.
يقول: (أو مأذونًا له فيها، وتجوز).
طالب: لو استأجر البيت قبل تمامه (
…
) هذا البيت بكذا من خوف مثلًا، يعني ..
الشيخ: (
…
).
الطالب: نعم.
الشيخ: ما يجوز؛ لأنه ما يدري متى يرجع، هذه واحدة، الشيء الثاني: إذا لم يتم البناء قد يكون هناك نواقص يريدها المستأجر ولكنها ما وُجِدَت.
طالب: (
…
) يا شيخ، في الوقت الحاضر (
…
).
الشيخ: أما المذهب ما يجوز، لكن على القول بأنه يجوز تعليق العقد يصح، فإذا تم فهو له.
طالب: ما يمكن يستفاد منه يمكن سبعة يؤجروه مثلًا ..
الشيخ: يعني ما أنا بصاحب سيارة، لكنهم قالوا: إن الْمُبَوِّشة ما تمشي أبدًا.
طالب: يكون فيها صدى بسيط، ولّا مخبّطة.
الشيخ: يعني المخبّطة ما تمشي.
طالب: نعم هذه.
الشيخ: والمبوشة ما تخالف؟
طالب: ممكن تمشي.
طالب آخر: ممكن تمشي وممكن لا تمشي.
الشيخ: على كل حال، ارجعوا إلى أهل الخبرة، فالمقصود أنه لا يمكن أن ينتفع منها.
طالب: أحسن الله إليك، معنى كلام شيخ الإسلام: الأعيان التي تأتي شيئًا فشيئًا بمنزلة المنافع، تفسير قوله؟
الشيخ: يظهر ذلك بالمثال: اللبن عين، لكنه يَحْدُث شيئًا فشيئًا، فهو بمنزلة المنفعة، فكما أنك لو استأجرت هذه البعير للركوب جائز لأن منفعتها تتجدد فكذلك اللبن؛ لأنه يعتبره منفعة، يقول: ليس هذا جزءًا من البعير، بل هو منفعة ينفصل عنه، فهو بمنزلة المنافع، وله الأصل الذي استند عليه وهو جواز استئجار المرضع.
طالب: إذا كان الإنسان يكون في نفسه شيء أن يقبل الإحسان من الناس، فيلجأ أصدقاؤه إلى عقد صوري، كما في المسألة هذه التي مرت معنا حتى يقبل منهم المال، يقول: أنا أستأجر هذه السيارة التي لا تصلح للمشي، أستأجرها، لا أقول له: إني أستأجرها لأسافر أو كذا، لكن أستأجرها فقط حتى يأخذ مني المال ويقبله، وأنا أعرف أنه محتاج، فأيضًا يبقى على المنع بأنه عقد فاسد، أو يكون لها وجه؟
الشيخ: لا، يبقى، شرط الله أحق، شرط الله أوثق، حتى الناس يعرفون أن هذا لعب وهك على صاحب العين.
طالب: إجارة المشاع مفردًا لغير الشريك، يجوز؟
الشيخ: من أين أتتك هذه العبارة.
طالب: من الروض؟
الشيخ: من الروض، واحنا نقرأ؟
طالب: (
…
).
الشيخ: في الزاد، إجارة المشاع لغير شريكه إذا أمكن الانتفاع فلا بأس، وإذا لم يمكن فلا يجوز، والانتفاع فيما نرى ممكن.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم لكن يمكن تأجيره. (
…
)
***
الطالب: وتجوز إجارة العين لمن يقوم مقامَه لا بأكثر منه ضررًا، وتصح إجارة الوقف، فإن مات المؤجر وانتقل إلى مَن بعده لم تنفسخ، وللثاني حصته من الأجرة، وإن آجَرَ الدار ونحوها مدة ولو طويلة يغلب على الظن بقاء العين فيها صح، وإن استأجرها لعمل كدابة لركوب إلى موضع معين، أو بقر لحرث أو دياس زرع، أو مَن يدله على طريق اشتُرِطَ معرفة ذلك وضبطه بما لا يختلف.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سبق لنا أن من شروط صحة عقد الإجارة على العين أن تكون مشتملة على المنفعة، وأن التي لا منفعة فيها لا يجوز عقد الإجارة عليها، وسبب ذلك أن المعقود عليه هو المنفعة، وإذا كانت معدومة فأين المعقود عليه؟ هذا تعليل الفقهاء رحمهم الله.
ولنا أن نعلِّل بدليل وهو نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال (5)، وهذا إضاعة مال بالنسبة للمستأجِر، فإذا قال: إني أريد أن أنفعه، فقد علمتم الجواب فيما سبق؛ أننا نقول: انفعه بما شئت، لكن لا تجعله على صفة عقد محرَّم؛ لأن جميع العقود المحرَّمة والشروط المحرَّمة كلها باطلة حرام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى من شروط صحة إجارة العين، يقول:(وأن تكون المنفعة للمؤجِر أو مأذونًا له فيها)، لم يقل: أن تكون العين المؤجَرة، (المنفعة للمؤجِر أو مأذونًا له فيها)، وذلك أنه لا يصح تصرف غير المالك فيما لا يملك إلا بإذن من الشرع، أو إذن من المالك؛ لأن هذا اعتداء على الغير، وقد قال الله تبارك وتعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وهذا أكل للمال بالباطل.
فلا بد أن تكون المنفعة للمؤجِر؛ إما بملكه العين، إنسان مثلًا له دار، الدار ملك له، عينها أو منفعتها؟
طالب: منفعتها.
الشيخ: عينها، وتتبعها المنفعة؛ لأن مَن ملك العين ملك المنفعة.
إنسان عنده بعير يملكها فهو مالك أيضًا لمنفعتها.
إذن أن تكون المنفعة للمؤجِر إما بملكه العين، أو بكونه مُوصًى له بها، بأن قال الإنسان عند موته: أوصيت بمنفعة بيتي هذا لفلان، ومات، فالموصَى له يملك المنفعة، لكنه لا يملك العين، فيجوز أن يؤجر المنفعة أو لا؟ يجوز؛ لأنها ملكه.
كذلك أيضًا: من ملك المنفعة أن يكون شخص اشترى منفعة من آخر كمَمَرٍّ في دار، وقد مر علينا هذا في أول كتاب البيع، فله أن يؤجره.
والحاصل أنه يُشْتَرَط أن يكون مالكًا للمنفعة، سواء كان مالكًا للعين أو لا.
ومن ذلك أيضًا (أو مأذونًا له فيها) المأذون له بتصرف مال الغير، أو بعبارة أصح: المأذون له بالتصرف في ملك الغير الوليُّ، والثاني الوصيُّ، والثالث الوكيلُ، والرابع ناظرُ الوقف.
طالب: (
…
).
الشيخ: سبحان الله! ويش بقي لنا يا جماعة، خيرًا إن شاء الله، ما فيه مانع، على كل حال تجوز إعادة الجماعة إذا حضر المسجد والناس يصلون.
وقفنا على أيش؟ قال: (وتجوز إجارة العين لمن يقوم مقامه)، يعني يجوز للمستأجر أن يؤجر غيرَه، كرجل استأجر بيتًا لمدة سنة ثم عدل عنه، أو لم يعدِل لكن جاءه شخص وقال: أَجِّرْنِي مدة إجارتك، فأجره، فلا بأس، وهذا مالك ولّا غير مالك؟ المؤجِّر الذي أَجَّر غيره مالك للمنفعة، وعقد الإجارة يكون على إيه؟ على المنفعة ما هو على العين، فإذا استأجرت شيئًا وأجَّرْتَه غيرك فالإجارة صحيحة.
لكن اشترط المؤلف قال: يُشْتَرَط أن يكون (يقوم مقامَه) يقوم مقام المستأجِر الذي أجَّر، أي:(ليس أكثر منه ضررًا)، فإن كان أكثر منه ضررًا فإنه لا يملك ذلك.
مثاله: رجل استأجر دكانًا لبيع الْحُلِيّ، ثم جاءه إنسان آخر وقال: يا فلان، أنا أريد أن تؤجرني مدة استئجارك، وهو الثاني بائع حلي، يجوز أو لا؟
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأن الثاني يقوم مقام الأول، واضح؟
شخص آخر استأجر دكانًا لبيع الْحُلِيّ، فجاءه رجل صاحب فرن، تعرفون صاحب الفرن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: قال: أريد أن أستأجره منك، يجوز أن يؤجره؟
الطلبة: لا.
الشيخ: سبحان الله، كلكم تقولون: لا؟ ! لماذا؟ لأن صاحب الفرن يضر الدكان أكثر من صاحب الذهب، واضح؟
إذن يجوز أن يؤجِّره لمن يقوم مقامه، ومعنى يقوم مقامه أن يكون مثله في استيفاء المنفعة، أو أقل منه ضررًا.
رجل آجَرَ هذا الدكان لفَرَّان، ثم إن الفران جاءه شخص بائع حلي وقال: أَجِّرْني إياه مدة إجارتك، يجوز أن يؤجره أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لكن لو كان للمؤجِر غرض صحيح في تأجيره صاحب الفرن، وهو أنه يخدم هذه المنطقة؛ لأنها منطقة ليس عندهم فَرَّان ولا خَبَّاز، ومنعه، أي: منع المالكُ المستأجِرَ أن يُؤْجِره غيره ولو كان أقل منه ضررًا، فهل له أن يمنعه؟
نقول: إن شَرَطَ عليه ذلك بأن قال: لا بد أن تقيم هنا مخبزًا، فليس له أن يُؤَجِّرَه من لم يخبز فيه.
وإن كان لم يشترط، وقال: أنا هذا غرضي، أنا غرضي أخدم هذا الحي حتى لا يذهبوا إلى بعيد يشترون الخبز.
فالظاهر لي في هذه الحال أنه ما دام له غَرَض صحيح فله أن يمنعه؛ لأن بعض الناس قد يكون له غرض، أما إذا لم يكن غرض صحيح فإنه إذا أَجَّرَه لمن هو دونه فلا بأس.
ظاهر كلام المؤلف أنه يجوز أن يُؤَجِّره بمثل الأجرة أو أكثر، فهل نأخذ بهذا الظاهر؟ الجواب: نعم، فيجوز للمستأجر أن يُؤَجِّر بقية مدته لغيره بأكثر من أجرته، وهذا ربما يقع؛ يستأجر إنسان دكانًا في بلد فيه مواسم، فيستغله هو في غير وقت الموسم، مثل أيش؟ يعني البلد اللي بها مواسم؟ مكة والمدينة، استغله في غير وقت المواسم، ثم جاءه شخص يريد أن يستأجره منه في وقت الموسم بأضعاف الأجرة التي استأجره بها، أيجوز أم لا؟ يجوز، هذا ظاهر كلام المؤلف؛ لأن المؤلِّف لم يَقُل: بشرط أَلَّا يأخذ أكثر من أجرته، وعلى هذا فيجوز للمستأجر أن يُؤْجِر غيره إذا كان يقوم مقامه ولو بأكثر من الأجرة، أفهمتم؟
التعليل، قالوا: لأنه مالك للمنفعة ملكًا تامًّا، والمالك له أن يتصرف، يبيع بكثير يبيع بقليل، ما فيه مانع.
وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز أن يؤجِّر بأكثر، واستدلوا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح مالم يُضْمَن، والمنافع غير مضمونة، ولهذا لو انهدم الدكان مثلًا انفسخت الإجارة، ولم يطالَب صاحب الدكان بأن يُؤَمِّن له دكانًا آخر، فإذا كانت المنافع لم تُضْمَن فقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن رِبْحِ ما لم يُضْمَن. (6)
والذين قالوا بالجواز أجابوا عن هذا بأنه خاص في البيع، أما الإجارة فلا يشملها الحديث، لكن العمل الآن على أي القولين؟ العمل الآن على القول الأول؛ أن المستأجِر له أن يؤَجِّر مدة إجارته ولو بأكثر من الأجرة، وعليه العمل.
وهو فيما يبدو أقرب إلى الصواب من المنع؛ لأن الحديث ليس صريحًا في مسألة الإجارة.
(وتجوز إجارة العين لمن يقوم مقامه).
فيه مسألة: لو أن الإنسان استؤجر على عمل في الذمة، بأن قيل له: نريد أن تنظف هذا البيت كل يوم، ولك في الشهر مئة درهم، فاستأجر مَن ينظف البيت كل يوم على حسب ما حصل عليه العقد لكن بخمسين ريالًا، يجوز أو لا؟ نعم يجوز، هذا من جنس ما إذا قلنا: إنه يجوز أن يؤجِّر بقية مدته بأكثر من الأجرة، فيجوز، وعلى هذا عمل الناس اليوم.
تجد مثلًا أن الحكومة تتفق مع شركة على تنظيف المساجد، كل مسجد الشهر بكذا وكذا، ثم هذه الشركة تأتي بعمال يقومون بما تم عليه العقد بأقل من ربع ما اتفقت الشركة مع الحكومة، موجود هذا ولّا لا؟ موجود، إلا إذا كان الغرض يختلف بالنسبة للمستأجِر، إذا كان يختلف فهذا لا يجوز.
مثل: إنسان استأجرته لينسخ لي زاد المستقنع، والرجل أعرف أن خطه جيد، وأن خطأه قليل، فاستأجر إنسانًا يخطه بأقل مما أَجَّرْتُه به، وهذا الشخص خطه جميل لا شك، الأخير الذي استأجره المستأجَر، فهل يجوز أو لا؟
يقول العلماء: إنه لا يجوز؛ لأن العبرة بالنسخ ليس بجمال الخط، ولكن بجمال الخط، ووضع الفواصل، والعلامات، والإملاء، كم من إنسان خطه من أجمل الخطوط، لكن في الإملاء يكتب غيرِ المغضوب عليهم ولا الضالين، بالضاد المشالة في الموضعين، ويش تقولون في هذا؟ يصلح؟ خطأ في أيش؟
طالب: خطأ في الإملاء.
الشيخ: خطأ في الإملاء، وهذا كثير، كثير من الطلاب الآن هنا أو في الجامعة خطوطهم جميلة، لكنها في الإملاء ما عندهم قاعدة، وكثير من الناس خطه رديء ولا يعرف يقرؤه إلا مَن تمرن عليه، ولكنه في الإملاء جيد.
المهم على كل حال ما يختلف فيه الغرض لا يجوز لأحد أن يقيم مُقامه غيرَه.
قال المؤلف رحمه الله: (وتصح إجارة الوقف)، أولًا: لا بد أن نعرف ما هو الوقف؟
الوقف: هو العين التي سُبِلَت منفعتها وحُبِسَ أصلها، هذا الوقف، يسمى عند الناس السبيل.
مثاله: إنسان أوقف بيته، قال: هذا وقف على الفقراء، يبقى البيت ما يمكن يُبَاع، وأجرته أو سُكْنَاه لِمَن؟ للفقراء، هذا الوقف، شخص قال: هذا البيت وقف على أولادي، أولاده الآن لا يمكن أن يبيعوه، لماذا؟ لأنه وقف محبوس، لكن يمكن أن ينتفعوا به بالسكنى، بالتأجير، وما أشبه ذلك.
الوقف تجوز إجارته، والمؤلف رحمه الله قال:(تصح إجارة الوقف)، لا لمجرد أن يبيِّن لنا أن إجارة الوقف صحيحة؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى تنبيه، لكن لما يتفرع عليه.
إذن الوقف تجوز إجارته ولا يجوز بيعه، لماذا؟ لأن الإجارة واردة على المنفعة، والمنفعة ملك لمن؟ للموقوف عليه، ليست واردة على العين التي لا يجوز بيعها.
(تصح إجارة الوقف)، وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين الوقف على معين؛ كعلى أولاده، أو على غير معيَّن؛ كعلى الفقراء، أو على جهة تملك؛ كما مثلنا، أو على جهة لا تملك؛ كما لو وَقَّفَ هذا البيت لمصالح المساجد، المساجد ما تملك، فعلى كل تقدير تصح إجارة الوقف، واضح يا إخوان؟
أراد المؤلف أن يُفَرِّع عليها ما يأتي:
(فإن مات الْمُؤْجِر وانتقل إلى مَن بعده لم تنفسخ، وللثاني حِصَّتُه من الأجرة).
أَجَّرَ الوقف باعتبار أنه مستحق ومات، ينتقل الوقف إلى مَن بعده، مثاله: قال: هذا وقف على أولادي ثم أولادهم. الأولاد أَجَّرُوا ثم ماتوا، انتقل الوقف الآن إلى مَن؟
طلبة: إلى أولادهم.
الشيخ: إلى أولادهم، الآباء أَجَّرُوا الوقف لمدة عشر سنين، لكن الله تعالى قضى عليهم بالموت في خلال ثماني سنوات، وبقي من المدة سنتان، هل تنفسخ الإجارة؟
المؤلف يقول: لا تنفسخ؛ لأن الآباء أَجَّرُوه في وقت هم أصحاب المنفعة الذين يملكونها، فنفذ العقد، فإذا انتقل إلى مَن بعدهم انتقل على أنه مُؤَجَّر.
بقي علينا الأجرة هل تكون جميعها للأولين أو تكون جميعها للأولاد الذين انتقل إليهم الوقف، أو كلٌّ له بقسطه؟ استمع، يقول:(وللثاني حصته من الأجرة) أي: نصيبه.
في المثال الذي ذكرنا مضى من المدة ثمانية من عشرة، أربعة أخماس، يبقى خُمْس، تكون خُمْس الأجرة لمن؟ للبطن الثاني؛ للأولاد، لهم خُمْس الأجرة، فإذا قَدَّرْنا أنهم أَجَّرُوها بألف فلهم، أي: للذين أَجَّرُوا وقد ماتوا في السنة الثامنة ثمانِ مئة، وللآخرين مئتان، هذا هو كلام المؤلف رحمه الله.
ولكن يجب علينا أن نعرف الفرق في قيمة المنفعة، قد تكون في بعض السنوات أكثر من بعض، ولكن يقال: إن كل منفعة قد قبضها أصحابها، ولا سيما إذا كانوا يقولون: عشر سنوات، كل سنة بمئة إذا حَدَّدُوا، فواضح أن للآخرين مئتين من ألف، وإن لم يُحَدِّدُوا ربما يُنْظَر في الموضوع، ويُعْتَبَر فرق السعر بين الأول والثاني.
(للثاني حصته من الأجرة) هذا ما قَرَّرَه المؤلف رحمه الله أنها لا تنفسخ، والسبب أو العلة: لأن أولئك أَجَّرُوا في وقت هم مالكون للمنفعة، فكان عقدهم صحيحًا.
وانتقل إلى البطن الثاني، وهم الأولاد، انتقل إليهم ومنفعته مملوكة للمستأجِر، فتبقى الإجارة على ما هي عليه.
وقال بعض العلماء: إنه إذا مات المؤجِر أي: مُؤْجِر الوقف فإن الأجرة تنفسخ، لماذا؟ قالوا: لأن البطن الثاني يتلقى المنفعة من الواقف لا من البطن الأول، واضح؟
هذا رجل وَقَّفَ هذا البيت على ولده، واجعلوه واحدًا، ثم أولاده، الولد هذا أَجَّرَ البيت عشر سنوات، ومات حين تم للأجرة خمس سنوات، انتقل الوقف إلى مَن؟ إلى الولد، الولد خَلُّوه واحدًا علشان ما تتشتت علينا المسألة ..
وإن أَجَّرَ الدارَ ونحوَها مُدَّةً ولو طَويلةً يَغْلِبُ على الظنِّ بقاءُ العينِ فيها صَحَّ، وإن اسْتَأْجَرَها لعمَلٍ كدَابَّةٍ لرُكُوبٍ إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أو بَقَرٍ لحَرْثٍ أو دياسِ زَرْعٍ أو مَن يَدُلُّه على طريقٍ اشْتَرَطَ مَعرفةَ ذلك وضَبَطَه بما لا يَخْتَلِفُ.
ولا تَصِحُّ على عَملٍ يَخْتَصُّ أن يكونَ فاعلُه من أهلِ القُربةِ وعلى الْمُؤَجِّرِ كلُّ ما يَتَمَكَّنُ به من النفْعِ كزِمامِ الجمَلِ ورَحْلِه وحِزامِه والشَّدِّ عليه ، وشَدِّ الأحمالِ والْمَحامِلِ والرفْعِ والحطِّ ، ولُزومِ البعيرِ ومَفاتيحِ الدارِ وعِمارتِها، فأَمَّا تَفريغُ البالوعةِ والكنيفِ فيَلْزَمُ المستأْجِرَ إذا تَسَلَّمها فارِغَةً.
خمس، لماذا؟ قالوا: لأن البطن الثاني يتلقى المنفعة من الواقف لا من البطن الأول، واضح؟
هذا الرجل وقَّف هذا البيت على ولده، وجعله واحدًا، ثم أولاده، الولد هذا أجر البيت عشر سنوات، ومات حين تم للأجرة خمس سنوات، انتقل الوقف إلى من؟ إلى الولد، الولد خلوه واحدًا، عشان ما تتشتت علينا المسألة، انتقلت الأجرة الآن إلى الولد، المؤلف مشى على هذا، على أن الإجارة باقية، وللولد حصته من الأجرة؛ يعني من حين مات أبوه يأخذ الأجرة، لكن القول الثاني أنها تنفسخ، وعلى هذا القول بمجرد ما يموت الأب تنفسخ الإجارة، وللولد أن يطالب المستأجر بالخروج عن البيت أو زيادة الأجرة أو يبقيه بالأجرة أو يبقيه بأقل، واضح؟
وكذلك أيضًا للمستأجر؛ يعني المسألة ما هي بحظ الموقوف عليه فقط قد تكون من حظ المستأجر، المستأجر أيضًا يقول: خلاص انفسخت الأجرة، وأنا بطلع، فيطلع، وهذا قد يكون من مصلحته، متى يكون من مصلحته؟ إذا نزلت الأجور صار من مصلحته، والله ما أدري، واضح يا جماعة؟
الآن في المسألة قولان:
القول الأول: أنها لا تنفسخ الإجارة، وأنها تبقى إلى أن تنتهي المدة، ثم يرجع الوقف إلى مستحقه.
والقول الثاني: أنها تنفسخ.
تعليل القول الأول عرفتموه؛ أن الذين أجَّروا في حال يملكون فيها المنفعة، فصار العقد صحيحًا ولا دليل على إفساخه، أما حجة الآخرين فقالوا: إن الموقوف عليه يتلقى الوقف، ممن؟
طلبة: من الواقف.
الشيخ: من الواقف، ليس من هؤلاء، وإذا كان يتلقاهم الواقف، فهؤلاء انتهى استحقاقهم الوقف بمجرد موته، ولم يبق لهم شيء فيه، وبعضه فصَّل لكن لعلنا لا نأخذ التفصيل؛ لأنه أخشى أن يعمي عليكم ما عرفتم.
العمل الآن على أي شيء؟ العمل الآن على أنها لا تنحسر، عمل الناس الآن عندنا أنها لا تنحسر، ولكن يبقى على المرء، هل يجوز لمستحق الوقف أن يؤجرها مدةً يغلب على الظن أنه لا يعيش إليها أو لا؟ هذه النقطة؛ يعني إذا قلنا: إنها لا تنفسخ -كما هو عمل القضاة وعمل الناس اليوم- فهل يجوز للبطن المستحقين أن يؤجروا مدة يغلب على الظن أنهم لا يعيشون إليها أو لا يجوز؟ نقول: لا يجوز، ما دمنا قلنا: إن الإجارة لا تنفسخ، فهذا يعني أنهم سوف يعتدون على حقوق الآخرين، وهذا لا يحل، فمثلًا: إذا قدرنا أن صاحب الوقف الآن بلغ تسعين سنة، وأجره شخص آخر لمدة خمسين سنة، نعم كم عمره؟
طلبة: مئة وأربعون.
الشيخ: مئة وأربعون، الغالب أنه يعيش مئة وأربعين ولّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، ما هو الغالب؛ يعني لما عاش إلى تسعين هذا ما شاء الله، نعم.
على كل حال، نقول: لا يحل لك أن تؤجره، كم يؤجره؟ نقول: تسعين سنة؟
سنة، ما يخالف سنة لا بأس، يمكن ما تؤجرها شهرًا، يؤجرها سنة، لكن يؤجرها أربعين سنة؟ هذا بعيد، فيقال له: أنت الآن مستحق، ولا ننكر استحقاقك، لكن لا تؤجر مدة أكثر مما يغلب على الظن بقاؤك فيها، واضح؟ وهذا حق؛ لأنه لو أجر وكان المعمول به أنها لا تنفسخ الإجارة فهو اعتداء على حقوق الآخرين، وهذا لا يجوز، انتهينا من هذا.
المسألة الثانية: هل يجوز للبطن الأول أن يستسلف الأجرة؟ بمعنى أن يأخذ الأجرة مقدمًا؟ فمثلًا أجَّرها عشر سنوات؛ يعني إنسان مثلًا موقوف عليه، هذا المحل وقف عليه، جاءته شركة قالت: أنا أريد أن أستأجر منك هذا المحل عشر سنوات أَنْقُدُ لك الأجرة الآن عشر سنوات، أَنْقُدُها لك نقدًا، كل سنة بعشرة آلاف، عشرة في عشرة بكم؟ مئة ألف، نعطيك إياها الآن نقدًا، وأجِّرنا إياها، هل يجوز أن يأخذها نقدًا؟ يجوز ولَّا لا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: يجوز؟ لا، ما يجوز؛ يعني لا يجوز للبطن الأول أن يستسلف الأجرة؛ لأنه لا يدري، قد يموت، وإذا مات معناه أنها دخلت في تركته وربما ينفقها وتضيع على البطن الثاني، فليس له أن يستسلف الأجرة، أفهمتم يا جماعة؟
لو قال: أنا أستسلف الأجرة؛ يعني آخذ الأجرة مقدمًا؛ لأنني سوف أعمر في الوقف، والوقف محتاج إلى التعمير، يجوز أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يجوز؛ لأن هذا لمصلحة الوقف، وليس فيه شيء، وما دام لمصلحة الوقف فلا حرج، إن شاء الله فهمنا المسألة تمامًا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، إي، ما (
…
).
الطالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، المسألة الأخيرة هذه، لماذا قلنا: لا يجوز ..
الشيخ: أيهم، عندنا (
…
).
الطالب: أن يستسلف الأجرة، لو قلنا مثلًا يا شيخ: إنه يجوز، ولكن إذا توفي مثلًا قبل انقضاء المدة فإنه يؤخذ من تركته؛ لأنه تصرف وقت ولايته؟
الشيخ: إي، لكن هو لم يملك المستقبل.
الطالب: نعم.
الشيخ: وتركته ربما ينفقها كما قلنا، ربما ينفقها، وربما يماطل الورثة، كل الناس على حد سواء.
ثم هو أيضًا ما يستحقها حتى الآن، هو مستحق الذي يمضي عليه في حياته، أما المستقبل ما هو مستحق.
طالب: شيخ، الآن يعمل بأخذ الأجرة مقدمًا.
الشيخ: أيش؟
الطالب: أخذ الإيجار مقدمًا الآن، يعمل.
الشيخ: هذا في الملك، بارك الله فيك، ما فيه بأس، ولهذا الآن أقول لكم: لو أن إنسانًا أجر ملكه مدة عشر سنوات، ثم مات بعد خمس سنوات، هل تنفسخ الأجرة؟ هذه لا تنفسخ، قولًا واحدًا؛ لأن الورثة ملكوه من مورثهم مسلوب المنفعة مدة الإجارة، فلا يمكن أن تنفسخ بالاتفاق الظاهر، لكن في مسألة الوقف؛ لأن الموقوف عليهم لا يملكون إلا المنفعة، ويتلقونها من الواقف.
طالب: شيخ بنسبة للوقف، هل يجوز الوقف على الذكور دون الإناث ولّا لا؟
الشيخ: يعني له بنت وولد.
الطالب: عنده عيال، وعنده بنات، (
…
) الأولاد دون البنات.
الشيخ: بيوقف على البنات دون الأولاد ..
الطالب: نعم، الذكور دون الإناث.
الشيخ: الذكور دون الإناث، إي نعم، هل سمعت بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» (1).
الطالب: (
…
).
الشيخ: سمعت به؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: اصبر، لا، أقول: هل سمعت ذلك ولّا لا؟
الطالب: سمعت.
الشيخ: الذي وقَّف على الولد دون البنت هل اتقى الله وعدل؟ خلوه يجاوب هو؟
الطالب: لا.
الشيخ: إذن ..
الطالب: (
…
).
الشيخ: إذن لا يجوز أن يفضل أحدًا من أولاده على الآخر في الوقف.
طالب: بارك الله فيكم، في مسألة إذا أجر المستأجر العين الوقف لغيره، فمسألة إلا أن يكون له غرض صحيح ما وضحت لي.
الشيخ: (
…
).
الطالب: إحنا قلنا: إذا كان المستأجر الجديد، قد يكون يسبب ضررًا على العين أكثر من الأول، فهذا لا يجوز إلا أن يكون له غرض صحيح، كأن يكون صاحب مخبز يريد به أن يخدم المنطقة أو كذا.
الشيخ: إحنا قلنا: إذا أجر المستأجر لمن هو دونه في الضرر، هل يجوز أم لا؟ قلنا: إنه يجوز إلا إذا كان للمؤجر غرض في كونه يبقى على ما تم عليه العقد.
طالب: (
…
) يجوز؟
الشيخ: ما يجوز؛ لأنه غرض.
طالب: (
…
) على أولاده وأولاد أولاده إذا كانوا من البنات، نقيده بمن يرثه يا شيخ؟
الشيخ: إحنا الآن (
…
) يا أخي، إحنا بس ذكرنا مسألة التأجير، أما الوقف على الأولاد ومن يدخل في الأولاد ومن لا يدخل فهذا له باب مستقل، باب طويل يعني.
طالب: (
…
) أنه يجوز أجرة الوقف دون بيع ما يمنع يا شيخ، -مثلًا- لو قلنا: الأجرة هي في الحقيقة بيع ..
(
…
)
الشيخ: ومنافع الوقت ملك للموقوف عليه، والتأجير يَرِد على أيش؟
طالب: (
…
).
الشيخ: هذا مالك المنفعة.
طالب: (
…
).
الشيخ: تأجيره، يجوز تأجير المنافع وتأجير المنافع بيع لها كمان مر علينا، أن الإجارة نوع من البيع ولهذا ثبت لها أحكام البيع في مسألة خيار المجلس، خيار الشرط وما أشبه ذلك.
طالب: أحسن الله إليك، أشكل عليَّ كون الوصية للوارث لا تجوز، وإيقاف صاحب الوقف على أولاده (
…
)؟
الشيخ: أشكل؟ أيش أشكل؟ وهل يلزم من الوقف على الولد أن يكون بعد الموت، قد (
…
) في حياته، أفهمت؟ أسألك، هذا مثال ما هو بلازم أن يكون في الموت، وبعد الموت عادي ينظر فيه، نعم.
طالب: (
…
) أراد أن يرفع الأجرة؛ لأن الإجارة وقعت في زمن ماض، وكانت الأجرة قليلة، في ذلك الوقت (
…
) قليلة، وأراد رفع الأجرة، هل له ذلك يا شيخ؟
الشيخ: إذا قلنا بالانفساخ فله ذلك، وإذا قلنا: لا ينفسخ، فليس له ذلك.
طالب: (
…
) بعض الناس يستأجر بيتًا في البلاد التي يكون فيها مواسم عادةً، ولا يكون له غرض صحيح في هذا البيت غير أنه يؤجره في وقت الموسم، مثلًا يؤجره بعشرة آلاف، ثم يأتيه في الموسم بخمسين ألف؛ يعني كأنه مشروع تجاري، فهل هذا القصد صحيح؟
الشيخ: لا بأس، ما فيه مانع، لكن في الغالب لا تكون الصورة كما قلتَ: إنه يستأجر بعشرة وأهل البيت يعرفون إنه سيؤجر بخمسين.
طالب: في مكة والمدينة يا شيخ بيحصل الآن في المواسم ربما يؤجر البيت يكون مستأجره بعشرة ..
الشيخ: لا، ما هو بها النسبة هذه.
الطالب: في الحج اليوم يؤجر الشقة بألف ريال (
…
).
الشيخ: على كل حال هو جائز.
طالب: الراجح من القولين ..
الشيخ: في؟
الطالب: في انفساخ إجارة الوقف في موت الواقف، المؤجر؟
الشيخ: ما نرجح شيئًا ما دام العمل على أنه لا تنفسخ، ماذا وإلا تطمئن إليه النفس أنه إذا كانت المدة زائدة على ما يغلب على الظن بقاء المؤجر فيها فإنها تنفسخ؛ لأن هذا عدوان، ولا يجوز نمكنه من العدوان، أما إذا كانت المدة قصيرة، وجرت يعني الغالب على الظن أنه يبقى إلى هذه المدة، فإنها لا تنفسخ؛ لأنه لم يعتدِ، لكن الإنسان لو تسعين سنة بيؤجر أربعين سنة، هذا على الغالب أنه ما يبقى، أفهمت؟ هذا الذي تميل إليه النفس، لكن القضاة لهم أنظار أخرى، والعمل على أنه لا انفساخ.
طالب: (
…
) تعطي الجامعة وغيرها سكنًا للطلاب، هل يجوز للطالب الذي أخذ سكنًا أن يؤجره لغيره، أو يعطيه تبرعًا، أن يتنازل بالتبرع من غير علم الإدارة؟
الشيخ: سمعتم السؤال، يقول: أحيانا الجامعة تمنح شخصًا سكنًا، فهل يجوز أن يؤجره؟ أو يتنازل لأحد؟
الجواب: لا؛ لأن هذه البيوت ليست تمليك منفعة، ولكنها تمليك انتفاع، فهي كالعارية لو أن شخصًا قدم البلد وأعرته بيتك لمدة أسبوع فإنه لا يملك أن يتصرف فيه، لا بتأجير ولا بتنازل؛ لأن الاستعارة ملك انتفاع لا ملك نفع، فهذا الطالب يقال له: إما أن تسكن وإما أن تترك.
الطالب: إذا استأجر المستأجر هذه العين، ولم يكن معروفًا بكثرة الضيوف، فتبين أنه كثير الضيوف، ويتكرر عليه الضيوف كثيرًا، فتختلف حينئذ صرفية الماء مثلًا؟
الشيخ: صرفية الماء ما هي على صاحب العقار.
الطالب: بلى على صاحب العقار ..
الشيخ: لا، راجع، ما هي على صاحب العقار، (
…
)، الكهرباء؟
الطالب: الكهرباء على صاحب ..
الشيخ: والماء، والشيء المستهلك، ما يمكن يصير على صاحب العقار؛ لأنه يؤدي إلى أن تكون الأجرة مجهولة، فرق بين من يصرف مثلًا في اليوم ماء كثيرًا، ومن لا يصرف إلا شيئًا قليلًا، هذا إذا كان الماء له قيمة بينة، أما مثلًا عندنا -والحمد لله- فالماء قيمته قليلة جدًّا، حتى لو بلغت أقصى ما يكون لا تجحف بالإنسان ولا يُهتم بها.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: لا.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: أبدًا، الضيف بيأكل ويشرب ويمشي.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: ما يخالف، خلوه كثيرًا، أبدًا ما فيها، لكن إذا كان خاف، إذا قدرنا أنه رجل؛ يعني أجنبي -مثلًا- ويجيه أجانب كثيرون، يقدر يشترط عليهم، يك ويش بيقولوا؟ يقول شرط ما تضيف باليوم أكثر من خمسة ..
طالب: يوميًّا عشرة.
الشيخ: (
…
) عشرة لا (
…
) يضيف العشرة، إذا جاء أحد عشر يقول للزائد: ارجع وراء، كذا؟ صعب ذلك.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى:
وَإِنْ أَجَّرَ الدَّارَ وَنَحْوَهَا مُدَّةً وَلَوْ طَويلَةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ العَيْنِ فِيهَا صَحَّ، وَإنِ اسْتَأْجَرَهَا لِعَمَلٍ، كَدَابَّةٍ لِرُكُوبٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ؛ أَوْ بَقَرٍ لِحَرْثٍ، أَوْ دِيَاسِ زَرْعٍ، أَوْ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ، اشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ، وَلَا تَصِحُّ عَلَى عَمَلٍ يخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ القُرْبَةِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، هل تجوز إجارة المستأجر، يعني أن يؤجر المؤجر غيره، مطلقًا؟
الطالب: بشرطين.
الشيخ: وهما؟
طالب: الشرط الأول: أن لا يكون أكثر منه ضررًا.
الشرط الثاني: (
…
).
الشيخ: الشرط الثاني متفق عليه؟ ولّا من أين أتيت به؟
الطالب: اشترط الفقهاء، ألّا يكون أكثر من الأجرة.
الشيخ: الفقهاء، من الفقهاء؟ من يعرف؟
طالب: (
…
) يا شيخ شرط واحد، هو ألا يكون أكثر منه ضررًا.
الشيخ: أن لا يكون أكثر منه ضررًا، لكن بعض العلماء اشترطوا شرطًا، المذهب أنه ما هو شرط، يعني له أن يؤجر بأكثر مما استأجر، ولا حرج؛ لأن المنفعة ملكه، لكن بعض العلماء قال: لا يجوز؛ لأنه داخل في ربح ما لم يضمن.
يقول مالك: إنها تجوز إجارة الوقف، فما هو الوقف؟
طالب: الوقف هو أن يوقف الإنسان بيتًا أو أرضًا لغيره ينتفع بها يجوز أن يتصرف بها ببيع أو هبة ..
الشيخ: نعم، تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، هكذا جاء الحديث، حين استشار عمر النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض التي أصابها في خيبر قال:«إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» (2)؛ أي: بمنفعتها و (
…
).
مثاله؟
طالب: مثال.
الشيخ: مثال الوقف.
طالب: مثال الوقف، أن يوقف الرجل مزرعته ..
الشيخ: فيقول؟
الطالب: فيقول: هي وقف، لا تُباع.
الشيخ: هذه وقف على من؟
الطالب: على أبنائه.
الشيخ: على أبنائه أو على ذريته، هذا هو الوقف.
هل يجوز لأهل الوقف أن يؤجروا هذا الوقف؟
طالب: نعم.
الشيخ: يجوز، أليس الوقف لا يجوز بيعه؟
طالب: لكن الإجارة غير البيع؛ لأنهم يملكون المنفعة، وإن لم يملكوا عينها.
الشيخ: الإجارة غالبة على المنفعة، والمنفعة ملك للموقوف عليه، يتصرف فيها كما شاء.
إذا مات المؤجر وانتقلت إلى من بعده هل تنفسخ الإجارة؟
الطالب: إذا كان أجر لمدة يغلب الظن أنه لا يعيش إليها، فصحيح أنها تنفسخ الإجارة، وإذا أجر إلى مدة يغلب عليه الظن أنه يعيش إليها، فاختلف الفقهاء؛ منهم من قال بانفساخ العقد، ومنهم من قال بعدم انفساخه، وهو الجاري عليه العمل الآن.
الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك، هذا هو القول الراجح، أنه إذا أجر الموقوف عليه مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش فيها، كما لو أجر مائتي سنة، وهو طبعًا في الغالب أنه لا يعيش مائتي سنة، فهنا إذا مات انفسخ، وإن كانت المدة مما يغلب على الظن أنه يعيش فيها خمس سنوات، عشر سنوات -مثلًا- فإنها لا تنفسخ.
العمل على أي الأمرين؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: إي نعم، تنفسخ ولّا لا تنفسخ؟
طالب: (
…
).
الشيخ: تنفسخ.
طالب: العمل على أنها لا تنفسخ.
الشيخ: أنها لا تنفسخ، وهو كذلك يُستثنى من هذا مسألة لم نذكرها بالأمس، وهو إذا كان الذي أجر الوقف هو الحاكم العام؛ يعني القاضي، مثل أن يكون هذا الوقف ليس له ناظر، فيؤجره القاضي، هنا لا تنفسخ الأجرة؛ لأن القاضي له النظر العام، فهو ناظر على هذا الوقف مطلقًا، فإذا كان ناظرًا عليه مطلقًا فإنها لا تنفسخ الإجارة بموت الحاكم أو بنقله إلى جهة أخرى بل تبقى الإجارة على ما كانت عليه.
ولكن هل للقاضي أن يؤجر مدة طويلة أو لا؟ هذه تنبني على المصلحة، إن رأى المصلحة في تأجيرها مدة طويلة أجر، وإلا أجر بنحو سنتين أو ثلاثة، حتى لا يحرم أصحاب البطون الأخرى.
***
ننتقل الآن إلى درس الليلة فنقول: (وَإِنْ أَجَّرَ الدَّارَ وَنَحْوَهَا مُدَّةً وَلَوْ طَويلَةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ العَيْنِ فِيهَا صَحَّ)، إذا (أَجَّرَ الدَّارَ وَنَحْوَهَا) كالدكان مثلًا، أجره مدة (وَلَوْ طَويلَةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ العَيْنِ فِيهَا صَحَّ)، مثل أن تؤجر هذا البيت لمدة ستين سنة فالإجارة صحيحة؛ لأن ستين سنة يغلب على الظن أن يبقى البيت إليها، ولا سيما إذا كان من المسلح وكان جديدًا، فإن الغالب أنه يبقى فإذا أجرها هذه المدة صح، لكن لو انهدمت قبل تمام المدة انفسخت الإجارة؛ لتلف العين المعقود عليها وللمستأجر حصته من الأجرة فيما لم يستوفِ منفعته، واضح؟ فإذا أجر هذا البيت لمدة ستين سنة، وبعد ثلاثين سنة سقط البيت نقول: تنفسخ الإجارة، لماذا؟ لتعذر استيفاء المنفعة، ويسقط من الأجرة بقدر ما بقي من المدة.
وقوله: إن أجرها مدة طويلة، لكن لو أجرها مدة طويلة يغلب على الظن أنها لا تبقى فيها فظاهر كلام المؤلف أن الإجارة لا تصح، ولكن يجب أن نعرف الفرق بين الأجرة التي يكون فيها العقد على نفس الدار، وبين الحكر أو الحكورة التي يكون العقد فيها على منفعة الأرض، وهذا أظنه موجودًا في كثير من البلدان، هل يوجد في مصر الحكر؟
طالب: (
…
).
الشيخ: إي، وهو موجود أيضًا في الحجاز، وموجود في نجد، وموجود في كثير من البلدان، تكون الأجرة ما هي على نفس البيت، بل على الأرض في الواقع، ولهذا يملك المستأجر أن يهدم هذا البيت، وأن يغيره، وأن يتصرف فيه كما شاء، لكن في الإجارة المحضة لا يملك أن يتصرف في البيت، انتبهوا للفرق، يعني الفرق بين أن آتي إلى رجل وأنا أريد أن أبقى في هذا البلد سنتين أو ثلاثة، وأقول أجرّني بيتًا فيؤجرني إياه، البيت لمن؟
طلبة: لصاحبه.
الشيخ: لصاحبه، المستأجر لا يملك إلا الانتفاع، حتى إنه لا يملك أن يعدل بابًا من الأبواب، ولا أن يفتح فرجة في جدار؛ لأنه إنما استأجر المنفعة فقط، أما العين فلا يتصرف فيها، في مسألة الحكورة، وتسمى عندنا: الصُّبرة، من الصَّبْر، وهو الحبس.
المعقود عليه ليست العين، المعقود عليه منفعة الأرض؛ ولهذا يجوز لمن عقَدَ عَقْدَ حكورة يجوز له أن يهدم البيت وينشئه من جديد، وصاحب الأرض لا يقول له شيئًا؛ لأنه يعرف أنه أنما أجره مدة بدراهم معينة، وليس له علاقة في نفس البيت أو في نفس الدكان، وهذا الآن هو الذي عليه العمل.
ولهذا في بلدنا هذه يؤجرون الحكرة إلى مدة خمس مئة سنة وست مئة سنة وألف سنة، ويُحكى أن أحد المغفلين استأجر بيتًا حكورة من شخص، وقال له صاحب البيت: المدة خمس مئة سنة. قال: لا، أنا أريد أن تكون المدة ألف سنة. قال: لا، فذهبوا إلى القاضي ليكتب بينهما، فقال المحكر: أنا أحكرك إياها بخمس مئة سنة، فقال هذا المغفل: خمس مئة سنة؟ ! بكرة تيجي لَمِّي تطلعني أنا وأولادي، أنا أريد ألف سنة. المهم أن القاضي عرف أنا صاحب البيت لا يريد أكثر من خمس مئة، فقال للرجل المغفل: إذا تمت خمس مئة سنة وأراد أن يخرجك أنت وأولادك فيأتي لَمِّي -إن شاء الله- ونحل المشكلة.
وكل منهم يعلم -إن لم يكن علم اليقين- أنه لن يبقى إلى خمس مئة سنة، لكن قال: جزاك الله خيرًا، ما دام أنك ضامن لي هذا ما فيه مانع تكتب خمس مئة سنة.
على كل حال أقول: إن هناك فرقًا بين الأجرة المحضة وبين أيش؟ الحكر؛ لأن الحكر إنما يقع العقد على الأرض، ولا يلتفت الآخذ بهذا العقد إلى مسألة العين، لكن إذا كانت على العين يقول المؤلف: لا بد أن يكون إلى مدة يغلب على الظن بقاء العين فيها.
لو أجره البعير لمدة خمسين سنة، يصح؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: ليش؟
طلبة: لا يبقى إلى خمسين سنة.
الشيخ: البعير لا يبقى إلى خمسين سنة، فلا يصح.
سيارة أجره إياها لمدة مئة سنة؟
طلبة: ما يصح.
الشيخ: ما يصح؛ لأن الغالب أنها لا تبقى، إلا أن تركن في الجراج ولا تستعمل، هذا شيء آخر، لكن إذا استعملت ما تبقى إلى هذا، فاشترط المؤلف في تأجير العين مدة أن يغلب على الظن بقاء العين فيها، فإن لم يغلب على الظن بقاء العين فيها فإنه لا يصح، لماذا لا يصح؟ قالوا: لأنه لا يمكن استيفاء المنفعة، ومن شرط الإجارة أن يمكن استيفاء المنفعة، إذا استأجرها لمدة يغلب على الظن بقاء العين فيها، ولكنها لم تبقَ، فماذا يكون الأمر؟
قلنا لكم قبل قليل: إن الإجارة تنفسخ، ويسقط عن المستأجر بقسطه من الأجرة.
يقول رحمه الله: (وَإنِ اسْتَأْجَرَهَا) أي: العين (لِعَمَلٍ كَدَابَّةٍ لِرُكُوبٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ؛ أَوْ بَقَرٍ لِحَرْثٍ، أَوْ دِيَاسِ زَرْعٍ، أَوْ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ، اشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ، وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ)، أفادنا المؤلف في هذا أنه يجوز أن تستأجر العين لعمل؛ يعني يستأجر عينًا ليعمل فيها؛ كسيارة ليسافر بها إلى مكة، وكموتور لتوليد كهرباء لمدة معينة، أو كموتور لاستخراج الماء لمدة معينة، وما أشبه ذلك كل هذا جائز، أن ليس به احتكار -والحمد الله- على العالَم، لكن يقول المؤلف: لا بد أن يكون من استأجر الدابة لركوب إلى موضع معين، فإن قال: استأجرت منك هذه الدابة لأطلب عليها ضالتي التي ضاعت مني، فالإجارة؟
طلبة: ما تصح.
الشيخ: ليش ما تصح؟ مجهول، ما ندري أيجدها قريبًا أم بعيدًا؟ فلا بد أن يكون إلى موضع معين.
إذا قال: استأجرت منك هذا البعير إلى بلد ما؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: ليش؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: للجهالة.
استأجرت منك هذا البعير إلى بلد معين، لكن صاحب البعير لا يدري أين هذا البلد؟ أيضًا لا يصح؛ لأنه لا بد من علم المؤجر والمستأجر، فإذا كان لا يدري فإنه لا يصح.
وهل يشترط أن يعلم الطريق أسَهْلٌ هو أم وعر، آمن أم خائف؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأنه يختلف به القصد، فمثلًا إذا استأجر بعيرًا إلى بلد والطريق آمن، والطريق مُيَسَّر، فليس كما لو استأجرها إلى بلد طريقه خائف وغير ميسر، بينهما فرق عظيم، فالمهم أنه لا بد أن يعرف كل ما تختلف به الأجرة.
إذا استأجرها للحمل ما هو للركوب لا بد أن يُعَيِّن المحمول؛ لأنه يختلف، فرق بين أن يكون الحمل من القطن أو من الإسفنج وبين أن يكون من الرصاص، أيهم أشد؟
طلبة: الرصاص.
الشيخ: خطأ، الوزن هو مئة رطل مثلًا.
طلبة: متساوٍ.
الشيخ: ما أيش؟
طالب: ما يختلف؟
الشيخ: لا، ما يختلف، مئة رطل، لكن إسفنج أو رصاص ..
طلبة: سواء.
الشيخ: لا، خطأ.
طالب: الإسفنج أسهل.
طالب آخر: (
…
).
الشيخ: كل واحد منهما أشد على البعير من الآخر؛ الإسفنج لا بد أن يكون كبيرًا، مئة رطل يكون كبيرًا فيتعب البعير؛ لأنه سوف يستقبل الهواء، والهواء يعوقه، يعوق البعير ويتعبه، أليس كذلك؟ لكن بالنسبة إلى ظهر البعير أيسر، الرصاص صغير، بالنسبة للهواء ما يضر، لكن بالنسبة لثقله على الظهر ربما يجرح الظهر، ويكون فيه الدَّبَر؛ لذلك لا بد أن يعين نوع المحمول؛ لأن ذلك يختلف، فصار لا بد أن يعين نوع المحمول، وأن يعين البلد، وأن يُعْرَف الطريق.
لو قال: استأجرت منك البعير لركوب رجل عليها إلى المدينة، يحتاج يعين الرجل أو لا؟
طلبة: يحتاج.
طلبة آخرون: لا يحتاج.
الشيخ: كلكلم لستم حمالين ولا تعرفون، الواقع أنه يحتاج؛ لأن من الركاب من هو خفيف على الدابة، خفيف، لو تحرك هكذا اشتدت البعير وسارت هملاجة، ومن الناس من لا تهتم به البعير، ثم يوجعها ضربًا وهي ما تمشي ترغي ولا تمشي، يختلفون الناس ولّا ما يختلفون؟ يختلفون؛ ولهذا الركاب الذين يعرفون الركوب سواء على الإبل أو على الخيل، يختلفون اختلافًا عظيمًا، ولهذا سيأتيكم -إن شاء الله- في المسابقة أنه لا بد من تعيين الراكب؛ لأنه يختلف الناس.
إذن فلا بد من تعيين الراكب، ثم هناك فرق بين أن يكون الراكب كبير الجسم أو صغير الجسم، أليس كذلك؟ إذن لا بد من تعيين الراكب، والقاعدة: أنه لا بد من ذكر كل ما يختلف به القصد واستيفاء المنفعة، دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بيع الغرر (3)، صلوات الله وسلامه عليه، كلامه واسع المعرفة، الإجارة بيع ولَّا غير بيع؟ بيع منافع، وعلى هذا فلا بد أن لا يكون في هذه المنفعة شيء من الغرر.
(أو بقر لحرث) استأجر بقرًا لحرث، هذا أيضًا فيما أظن لا يعرفه كثير منكم؛ لأن الحرث الآن عندنا في الوقت الحاضر بالحراثات؛ معدات آلية، لكن فيما سبق الحرث على البقر؛ لأن لها أرجلًا قوية تهشش الأرض، فيحرثون عليها، البقر تجتمع، عدة بقرات تسير في اتجاه واحد، ثم ترجع باتجاه آخر حتى تُلين الأرض.
استأجر هذا البقر للحرث، لا بد أن تعرف الأرض؛ لماذا؟ لاختلافها بالشدة والليونة، بالرطوبة واليبوسة، ولا بد أن تعرف المساحة طولًا وعرضًا، حتى يمكن استيفاء المنفعة على وجه معلوم لا نزاع فيه.
استأجر بَقَرًا لركوب؟
طالب: ما يصح.
طالب آخر: البقر لا يُركب.
الشيخ: الفقهاء يقولون: يجوز، يجوز أن يستعمل الحيوان في غير ما جرت العادة به، فيجوز أن يركب البقرة، الشاة لا تتحمل الظاهر.
طلبة: الجاموسة.
الشيخ: والجاموسة، المهم على كل حال، إذا استأجرها لهذا، وكان مما جرت العادة أنها تَحْمل، فلا بأس.
كذلك بقر (لدياس زرع)، هذا أيضًا مما لا يعرفه أكثركم، الزرع الآن يداس بالآليات، مكائن تخلص الحب من جرابه ومن ساقه، فيما سبق لا، يجمع الحب بجرابه وساقه، ثم تأتي البقر وتدوسه حتى ينقى الحب، فإذا استأجرها لدياس فلا بد من معرفة القدر أو معرفة الزمن؛ معرفة الزمن يكفي عن معرفة القدر؛ لأن الزمن محدد بالساعات، والدياس ما يختلف، غاية ما هنالك أنها البقر تدور حتى تدق السنبلة.
لو استأجر بقرًا لسقي؛ يعني بمعنى أنها تغرف الماء من البئر وتسقي به الزرع، يجوز؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لكن لا بد من معرفة الغرب الذي يُسقى به؛ لأن الغرب الكبير يشق عليها أكثر، فلا بد من معرفته حتى لا يحصل اختلاف.
(أو من يدله على طريق) إذا استأجر من يدله على طريق فلا بد من معرفة هذا الطريق، ولهذا قال:(اشترط معرفة ذلك، وضبطه بما لا يختلف).
استأجر رجلًا يدله على طريق، والطرق -فيما سبق- غير معبدة، ويضل الناس فيها كثيرًا، ويهلكون كثيرًا، يحتاجون إلى أدلاء، فإذا استأجر من يدله على الطريق كان ذلك جائزًا، وقد وقع هذا للنبي صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة إلى المدينة، حيث استأجر رجلًا يقال له: عبد الله بن أريقط، وكان جيدًا في الدلالة ماهرًا خرِّيتًا (4)، أي جيدًا في الدلالة، وكان مشركًا، فدلّهم على الطريق، فيجوز إذن أن أستأجرَ شخصًا يدلني على الطريق، لكن لا بد من ضبطه بما لا يختلف، فإذا كان البلد له طريقان فلا بد أن أقول: تدلني مع الطريق الفلاني، أعيِّنُه، قد يكون الإنسان له غرض في الطريق البعيد ليزور من فيه من القرى أو ما أشبه ذلك، المهم لا بد أن يضبطه.
وبمناسبة ذكرنا عبد الله بن أريقط الذي دل النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم على الطريق في الهجرة، يؤخذ من ذلك أنه لا بأس من استئجار الكافر فيما يؤتمن عليه، سواء في دلالة الطريق أو في العلاج أو في الصنعة أو في البناء أو غير ذلك، لكن بشرط أن يكون أمينًا.
ويتفرع على ذلك أنه يجوز للمسلم أن يعمل بقول الطبيب الكافر في أن لا يصلي قائمًا مثلًا، أو أن لا يركع، إذا كان العلاج مما يحتاج إلى عدم الركوع والسجود لا يركع، وذلك في مداواة الأعين، فإن كثيرًا من الأطباء يقول للمعالَج: لا تركع، لا تسجد، هذا يؤخذ بقوله ولو كان كافرًا ما دام أمينًا، وكذلك في الإفطار.
وأما اشتراط بعضهم أنه لا بد أن يكون الطبيب مسلمًا ففيه نظر، والصواب أنه لا بد أن يكون الطبيب أمينًا سواء كان مسلمًا أم غير مسلم، وكثير من الكفار يكون عنده أمانة، هو لا يريد التقرب إلى الله عز وجل، ربما لا يريد ذلك، لكنه يريد أن يعرف الناس صنعته وحذقه ونصحه ويتجهون إليه.
وإذا قال قائل: ما دليلكم على هذا؟ قلنا: أيش؟
طلبة: (
…
)؟
الشيخ: نعم، هل يجوز أن نستأجر الكافر في بناء المساجد؟
نقول: إذا أَمِنَّا ذلك، وكان القائم عليه مهندسًا مسلمًا فلا بأس، أما إذا لم يكن كذلك فإنه لا يجوز.
طالب: الآن تؤجر السيارات ليس بالمدة أو المكان ..
الشيخ: ليس بالمسافة.
الطالب: بالقيمة، بالكيلو.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: فهل هذا يُشرع؟
الشيخ: لا بأس، إيجار السيارات الآن إما بالكيلو ولا بالزمن ..
الطالب: باليومية.
الشيخ: إي، إما باليومية، وإلا بالزمن ولّا بالمسافة.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، الآن لو أن طبيبًا نصرانيًّا ماهرًا قال: (
…
) المسلم لا تصم.
الشيخ: لا تصم.
الطالب: لا تصم؛ لأن ذلك يضرك، لكن خالفه مسلم هو أدنى منه في المهارة ليس لدرجة في المهارة في الطب، قال له: لا يضرك الصوم فبأيهما يأخذ؟
الشيخ: يأخذ بالأول، ما دام أحذق منه ومأمونًا فيأخذ بقوله.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، يقول بعضهم إن الطبيب الكافر في الاطلاع على العورات أو بالأحرى الطبيبة الكافرة في الاطلاع على عورات النساء كالرجل الأجنبي، فما صحة ذلك؟
الشيخ: غير صحيح، المرأة الكافرة كالمسلمة في مسألة العورة، وقوله تعالى:{أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31]، لا يُراد نساء المؤمنات، المراد الجنس؛ يعني: أو النساء اللاتي من جنسهن.
طالب: (
…
) إذا أجرها مدة طويلة، فهل له أن يكون الإيجار بما يكون عليه إيجار المثل في كل سنة؟
الشيخ: لا، يقول: إذا أجرها مدة طويلة فهل له أن يقول بما تكون عليه أجرة المثل في كل سنة، نقول: هذا لا يجوز، خصوصًا على القول بأنه لا يجوز أن يبيع كما يبيع الناس؛ لأن هذا مجهول، والإيجارات ترتفع وتنزل، لكن إذا خاف من ذلك فليؤجرها بالسنة.
طالب: (
…
) ثمن كيلو من الذهب مثلًا سنويًّا.
الشيخ: كيلو.
الطالب: كيلو من الذهب؛ يعني: يقدرها بالذهب.
الشيخ: ما فيه مانع، كيلو من الذهب ما فيه مانع معروف، (
…
).
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، قلنا: إن الماء والكهرباء لا بد أن يكون على المؤجر، فما حكم ما يجري في الفنادق؟
الشيخ: أنا الآن قلت لكم ذلك، لكن قلت: إن الماء عندنا -والحمد لله- أمره يسير لو التزم به المستأجر، ما فيه بأس.
طالب: لكن الكهرباء فرقها ظاهر، فما حكم ما يحصل في الفنادق والقصور في إجارتها يومًا ويومين وشهرًا شهرين؟
الشيخ: نعم، الظاهر من هذا أن المكان عام أنه لا بأس به؛ لأن نفس صاحب الفندق يعرف مقدار الكيلوات عمومًا، ويتحاسب مع الشركة على العموم، مع أنه في هذه الحال يجب على المستاجر أن يتقي الله عز وجل في صرف الكهرباء، ما يقول: أخلي الكهرباء في الليل والنهار والعًا؛ لأن هذا خيانة وإضاعة مال سواء عليه ولّا على المؤجر.
طالب: (
…
) الإيجار الذي ينتهي بالتمليك، فما حكمه؟
الشيخ: أرى أنه حرام، أن ذلك حرام؛ لأن المؤجر إجارة تنتهي بالتمليك لا بد أن يزيد في الأجرة؛ يعني مثلًا إذا كانت الأجرة عشرة آلاف لا بد تنتهي لعشرين ألفًا، أفهمت؟ وهذا يؤدي إلى الجهالة؛ لأنه بعد انتهاء المدة ما هو يملك على طول، أظنه ما بخير، فيه عقبة.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، يقول المؤلف:(ولو طويلة) ما دليله على ذلك؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: دليله على: ولو كانت طويلة (
…
) يجوز ذلك ..
الشيخ: هل أنت تدرس معنا أم لا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: تدرس، ماذا قلنا في المعاملات؟
الطالب: الأصل فيها الحل.
الشيخ: انتهى، هذا الدليل لكنه أشار إليها؛ لأن بعض العلماء يقولون: لا تجوز إذا كانت طويلة، والصواب أنها تجوز، إلا فيما ذكرنا قبل، وهو؟ اذكروه.
طلبة: (
…
).
الشيخ: لا، الوقف هو الذي لا يجوز للبطن الأول أن يؤجره مدة طويلة، يغلب على الظن أنهم لا يعيشوا إليها.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، إذا كانت الأجرة تؤخذ على عمل قد يكون مشروطًا فما (
…
) بعض الفقهاء فيما لو استأجر طبيبًا وشارطه على البرء.
الشيخ: نعم، هذه لا بأس بها؛ لأنه ورد بها النص، فإن قضية الذين قرءوا على سيد القوم، اشترطوا البرء.
طالب: شيخ، (
…
) مجهولة.
الشيخ: لا، هي مجهولة معلومة، البُرْء معلوم، والطبيب داخل على هذا، على أنه إما أن يكسب أو لا، ثم هو أيضًا -الطبيب- لا يمكن أن يشترط هذا إلا وهو عالم أو غالب على ظنه أنه سيبرأ.
طالب: بارك الله فيك، قلنا: لو أجره مدة طويلة ثم انهدم المستأجر، فإن المستأجر يطلب حصته من الأجرة، فهل هذا لأن الأجرة مقدمة أم ماذا؟
الشيخ: إي، هي إذا كانت مقدمة؛ يعني إذا كان ما بعد استعملها تسقط عنه.
طالب: كيف نقول يا شيخ: تسقط بقسطها.
الشيخ: إي نعم، بقسطها، مثلًا إذا قال: كل سنة بمئة، عشر سنوات كل سنة بمئة، بعد مضي خمس سنوات سقط، يسقط عنه خمس مئة.
طالب: (
…
).
الشيخ: هذه كقسط هذه.
طالب: (
…
) يا شيخ؟
الشيخ: لا، ما يختلف.
طالب: شيخ، المسألة التي ذكرها الأخ.
الشيخ: وهي ..
الطالب: الأجرة بالتمليك ما هي صورتها؟
الشيخ: صورتها يقول: إني أجرتك إياه مثلًا ثلاثين سنة على أنك مثلًا تعطيني كل سنة كذا وكذا، وبعد انتهاء المدة تخير بين أن تشتريها أو تبيعها، ما أدري يعني، لكننا تصورتها من قبل، وعرفت أنها تشتمل على غرر، وأفتيناه بعدم جوازها.
طالب: (
…
) على أقساط.
الشيخ: هي على أقساط الأجرة.
الطالب: أي على أقساط، تكون بيع بس على أقساط تقريبًا.
الشيخ: لا، إحنا قلنا لهم هذا، قلنا: خلوها بيعًا، لكن هم قالوا: كيف؟ إذا كانت بيعًا لو تلفت في ضمان من؟
طلبة: البائع.
طلبة آخرون: المشتري.
الشيخ: لا، في ضمان المشتري، والمشتري (
…
) في ضمان المؤجر.
طالب: أحسن الله إليك، بالنسبة لمسألة الحكر يا شيخ ..
الشيخ: أيش؟
الطالب: الحكر أو الحكارة ..
الشيخ: نعم، هي حكر وحكورة.
الطالب: حكورة.
الشيخ: أما حكارة هذه ما علمتها الآن.
الطالب: كون أنَّ المستأجر يا شيخ له أن يهدم هذا البيت مثلًا ويبنيه، ولو (
…
)؛ لأن الأجرة على أرضية هذا البيت.
الشيخ: نعم.
الطالب: لو انتهت المدة يا شيخ، وهو –المستأجر- بنى هذا البيت، وأراد المالك أن يأخذ منه الأرض، فما العمل؟
الشيخ: هذه، يقول العلماء: إن اشترط صاحب الأرض على أنه لا يثمن عليه البيت، يعني ما يُقَوِّم عليه فلا بأس، ما يُقَوِّم عليه، وإن لم يشترط هو -يُقوِّم يَعني- إما أن يقوِّم على صاحب الأرض، ويقال: هذا البيت يساوي مثلًا عشرة آلاف، خذه بعشرة آلاف، وإما أن تمدد المدة لصاحب البيت الذي بناه.
طالب: هل يمكن للمؤجر أن يمنع المستأجر (
…
)؟
الشيخ: هذه سبقت يا أخي أمس؟ في الدرس الذي قبل هذا قبل البارحة، قلنا للمستأجر أن يؤجر ما استأجره بشرط أن لا يكون أكثر منه ضررًا.
الطالب: إن اشترط المؤجر ألا يؤجره؟
الشيخ: لا بأس، إذا اشترط المؤجر ألا يؤجره فهو لا يؤجره.
***
طالب: (
…
) يخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ القُرْبَةِ، وَعَلَى المُؤَجِّرِ كُلُّ مَا يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ النَّفْعِ كَزِمَامِ الْجَمَلِ، وَرَحْلِهِ، وَحِزَامِهِ، وَالشَّدِّ عَلَيْهِ، وَشَدِّ الأَحْمَالِ وَالمَحَامِلِ، وَالرَّفْعِ وَالحَطِّ، وَلُزُومِ البَعِيرِ، وَمَفَاتِيحِ الدَّارِ وَعِمَارَتِهَا فَأَمَّا تَفْرِيغُ البَالُوعَةِ وَالكَنِيفِ، فَيَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبق لنا أن أهم شيء في شروط الإجارة أن تكون المنفعة معلومة؛ لأن لا يقع المتعاقدان تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم، بل تحت نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر (3)، وسبق لنا أنه إذا استأجر من يدله على طريق اشترط معرفة الطريق، وضبطه الطريق الأيمن، الأيسر، الطريق الرملي، الطريق الحجري، وما أشبه ذلك، لا بد أن يعلم هذا كله من أجل أن لا يقع في ذلك جهل وغرر.
وكذلك أيضًا، انتهى ما أردت.
(ولا تصح على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة) معنى هذه العبارة، وأقول: إن هذه العبارة تداولها العلماء رحمهم الله وتلقوها ناشئًا عن سابق، معناه أن العمل الذي لا يقع إلا قربة لا يصح أن يؤخذ عليه أجرة، كل عمل لا يصح إلا قربة، فإنه لا يؤخذ عليه أجر؛ ووجه ذلك أن ما كان لا يقع إلا قربة فإنه لا يجوز للإنسان أن يعتاض عن ثواب الآخرة شيئًا من ثواب الدنيا، قال الله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16] فحذَّر الله عز وجل أن يريد الإنسان بعبادته شيئًا من الدنيا، وقال تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20]، فما كان لا يقع إلا قربة فإنه لا يصح أن تؤخذ الأجرة عليه.
مثال ذلك: الصلاة، لو قال رجل لابنه: صلِّ يا بني، قال: لا أصلي إلا كل فرض بعشرة ريالات، ليستحق كل يوم خمسين ريالًا، فاستأجره، قال: نعم أنا أعطيك كل فرض عشرة ريالات، فالأجرة هذه لا تصح؛ لأن الصلاة لا تقع إلا قربة.
الأذان، لو أن إنسانًا قيل له: أذِّن، قال: ما فيه مانع، أنا أؤذن لكن كل أذان بخمسة ريالات، فإنه لا يصح، لو قيل لشخص: اقرأ القرآن ليكون ثوابه للميت، فقال: لا بأس، لكن لا أقرأ إلا الجزء بعشرة ريالات، لم تصح، واضح؟
كل شيء لا يقع إلا قربة فإنه لا يصح أن يقع عليه عقد الإجارة، والتعليل؛ لأن هذا عمل يُرجى به ثواب الآخرة أو يُقصد به ثواب الآخرة، ولا ينبغي أن يكون عمل الآخرة يُراد به عمل الدنيا، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله فيمن حج ليأخذ: ليس له في الآخرة من خلاق؛ أي ليس له نصيب، إنسان قال: أبغي الحج من أجل آخذ الأجرة، وأما من أخذ ليحج، قال: فلا بأس به؛ لأنه استعان بالمال على طاعة الله، والاستعانة بالمال على طاعة الله أمر جائز ولا بأس به.
سُئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل قيل له: أقم بنا في رمضان؛ يعني: صلِّ بنا القيام، فقال: لا أصلي لكم إلا بكذا وكذا، فقال الإمام أحمد رحمه الله: نعوذ بالله، ومن يصلي خلف هذا؟ ! وهذا يدل من الإمام أحمد على أنه أبطل عبادته، وبناءً على بطلان عبادته لا تصح الصلاة خلفه، وقد استعاذ الإمام أحمد رحمه الله من هذا الشرط، نعوذ بالله ومن يصلى خلف هذا؟
ولكن ما يقع قربة بالقصد وينتفع به الغير فلا بأس أن يأخذ الإنسان عليه أجرة من أجل نفع الغير، كالتعليم، إنسان قال: أريد أن تعلمني باب شروط الصلاة، قال: ما بي مانع، أنا أعلمك باب شروط الصلاة، لكن بشرط أن تعطيني كذا وكذا أجرة، نقول: هذا لا بأس به؛ لأن العوض هنا ليس عن التعبد بالعمل ولكن عن انتفاع الغير به، واضح؟
تعليم القرآن لو أن شخصًا طُلب منه أن يعلم فلانًا سورة البقرة، قال: لا أعلمه إلا بكذا وكذا، يجوز؟ نعم يجوز؛ لأن هذا للتعليم لا للتلاوة، وفرق بين أن يكون التعليم الذي يتعدى نفعه للغير وبين التلاوة.
إنسان قال لمريض: أنا لا أقرأ عليك؛ يعني: لا أرقيك إلا بكذا وكذا، وهو يريد أن يرقيه بالقرآن، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، فنزلوا على قوم ضيوفًا، فأبى القوم أن يضيفوهم، بعث الله على سيدهم عقربًا فلدغته -وكانت والله أعلم شديدة- فطلبوا من يعالجه، قالوا: لعل هؤلاء القوم فيهم من يقرأ، يعنون بذلك الصحابة الذين تنحوا عنهم لما لم يضيفوهم، فجاءوا إلى الصحابة وقالوا إن سيدهم قد لُدغ، فهل منكم من راقٍ؟ قالوا: نعم، منا من يرقيه، ولكن بكذا وكذا؛ لأنكم أنتم ما أكرمتمونا، ولا ضيفتمونا، بكذا وكذا لطائفة من الغنم، قالوا: لا بأس، فقرأ عليه القارئ، فقام كأنما نُشِط من عقال بإذن الله، ولم يقرأ عليه إلا سورة الفاتحة يا إخوان، سورة الفاتحة فقط، التي يقرؤها بعض الناس اليوم ألف مرة ولا يستفيد المريض، قرأ عليه سورة الفاتحة وبرأ بإذن الله، أعطوهم القطيع، الطائفة من الغنم، ولكن أشكل عليهم الأمر، فقالوا: لا نأكل حتى نسأل النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فلما قدموا المدينة وأخبروا الرسول بهذا قال:«نَعَمْ، كُلُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ» (5)، عليه الصلاة والسلام، أفتاهم بالقول وبالفعل من أجل أن تطمئن قلوبهم، وإلا الفتوى القولية تكفي، وهو عليه الصلاة والسلام لا يسأل أحدًا، لكنه سأل هذا لمصلحتهم، لا لمصلحته هو، هو ليس بحاجة ولا ضرورة إلى لحمهم، لكنه فعل ذلك أيش؟ لمصلحتهم لتطيب قلوبهم، قال:«خُذُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ فَإِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» ، فدل هذا على أنه لا بأس إذا كانت العبادة ذات نفع متعدٍّ، وأراد
الإنسان بها ذلك النفع المتعدي لا بأس أن يأخذ عليها أجرًا، ولو كانت من جنس الأشياء التي لا تقع إلا قربة؛ لأن هذا القارئ ما قصد التعبد لله بالقراءة، قصد نفع الغير، إما التعليم وإما الاستشفاء أو غير ذلك، فهذا لا بأس به.
أشكل على بعض الإخوة الملتزمين ما يأخذه الناس الآن على الأذان وعلى الإقامة، وعلى التدريس وعلى الدعوة، وقالوا: إن هذا نقص وخلل في التوحيد؛ لأن هذا الذي يأخذ المكافأة لا شك أنه يجنح إليها، يعني ليس يأخذها، وهي على حد سواء أخذها وعدمه، أليس كذلك؟
طلبة: بلى.
الشيخ: إي نعم، أكثر الناس هذا، أكثر الناس لا يستوي عنده عدم الأخذ والأخذ، بل ربما بعض الناس يصرِّح يقول: أنا أريد أن أكون إمامًا؛ لأني أريد أن أتزوج، أو: لأني تزوجت وأحتاج إلى نفقة، وقيل: تبغي أَلِفًا أو باء أو جِيمًا، قال: الألف؛ لأنه أكثر راتبًا.
فيقول بعض الناس: إن هذا شرك؛ لأنه أراد بهذا العمل الصالح أراد الدنيا، فيقال لهؤلاء: هذا الذي تأخذونه ليس أجرة، ولكنه حق تستحقونه من بيت المال، وغاية ما عند الحكومة أن توزع بيت المال على المستحقين، هذا مدرس له ما يليق بعمله، وهذا مؤذن له ما يليق بعمله، وهذا إمام له ما يليق بعمله، وهذا داعية له ما يليق بعمله، وهكذا، يعني ليس من الحكومة في هذا إلا التوزيع والتنظيم، أما أنت فلك حق، كل من عمل عملًا متعديًا في المسلمين فله حق من بيت المال على حسب نتيجة هذا العمل، ثمرة هذا العمل، وحتى من لم يكن كذلك؛ أي من لم يعمل له حق من بيت المال، كالفقراء واليتامى ومن أشبههم.
على كل حال هذه المسألة، أقول: إنها اشتبهت على بعض الملتزمين، ولهذا يسألون عنها كثيرًا، حتى إن بعضهم يكون أهلًا للإمامة تمامًا، قارئًا وفقيهًا ولا يرغب؛ لأنه يقول: إنه سوف يعطى مكافأة من بيت المال، فنقول: الحمد الله، أنت الآن لست مستأجرًا، ولكنك مستحق لهذا العمل الصالح ونفع المسلمين، فليس عليك أي بأس، فينبغي مثلًا لكم في مجالسكم إذا أحد أورد هذا الإشكال أن تبينه له.
تقول: ليس بينك وبين الحكومة عقد إيجار، الحكومة -وفقها الله- إنما هي راعية للمصالح العامة، وترى أن توزع مثلًا بيت المال، لهذا كذا، ولهذا كذا، ولهذا كذا، وأنت ممن يستحقون من بيت المال على هذا العمل.
إذن بقي علينا الحج، هل يجوز الاستئجار على الحج، مثل أن يستأجر شخصًا ليحج عنه أو لا؟
نقول: أولًا: إذا كان الحج فريضة والمستأجر قادر، فالإجارة لا تصح، لماذا؟ لأن هذا يجب عليه أن يؤدي الفرض بنفسه؛ لأنه قادر بدنيًّا وماليًّا، إذا كان عاجزًا عجزًا لا يُرجى زواله وحجه فريضة فقد سبق لنا في الوكالة أنه يجوز أن يُنيب عنه، واستدللنا لذلك بحديث الخثعمية التي قالت: إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخًا كبيرًا لا يستطيع الركوب، فأذن لها (6)، فهل تجوز الأجرة على ذلك؟ أو نقول: اتفق مع الذي أراد أن يُنيبك، ولا تبحث عن المقدار سواء أعطاك عشرة أو ألفًا؟ انتبهوا لهذا.
أما إذا كان نفلًا إذا كان الحج نفلًا فقد سبق لنا في الوكالة أيضًا أنه إن كان مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه؛ فإنه يمكن أن يُقال بالجواز قياسًا على أيش؟
طلبة: الفريضة.
الشيخ: على الفريضة، وإن كان صحيح البدن قويًّا فالذي نرى أنه لا يصح؛ لأن العبادات مطلوب من الإنسان أن يشعر بأنه عابد لله ذليل، لا أن يعطي دراهم واحدًا يحج عنه، أيش يستفاد؟ هل قال هذا الذي أنابه: لبيك اللهم لبيك؟ ما قال: لبيك اللهم لبيك، هل طاف بالبيت؟ هل سعى بين الصفا والمروة؟ هل وقف بعرفة؟ ما فعل، أين الحج؟ كيف نقول: إن هذا حج؟ كيف نقول: إن له أجر الحج؟ !
ولهذا قلنا: إن مثل هذا ينبغي أن يُعِينَ من يؤدي الحج بنفسه أفضل له من أن يقول: حُجَّ عني.
على كل حال، في الحال التي يجوز فيها أن يستنيب أحد عن أحد في الحج، هل يجوز أن يعقد عقد إجارة على هذه النيابة أو لا؟ المذهب لا، المذهب لا يجوِّزون هذا، ويقولون: الإجارة على الحج حرام؛ لأن الحج عبادة بدنية لا تقع إلا قربة، ليس كتعليم الفقه والحديث وما أشبه ذلك، فلا يجوز، وفيه رواية عن أحمد أو قول في مذهب أحمد أنه يجوز عقد الإجارة على الحج، وعمل الناس اليوم على الثاني ولّا الأول؟
طلبة: على الثاني.
الشيخ: على الثاني، عمل الناس اليوم على الثاني، ولا يسع الناس إلا هذا، يعني لو قلنا: بأن الإجارة حرام سددنا باب النيابة نهائيًّا، من يُوفَّق فيقول: أنا أريد أن أقضي حاجة أخي وأقوم عنه بالحج وما أعطاني فأنا راضٍ به، هذا نادر، نادر أن يكون.
المهم القاعدة كل عمل لا يقع إلا قربة فلا يصح عقد الإجارة عليه، وما كان نفعه متعديًا من القرب صح عقد الإجارة عليه، بشرط أن يكون العاقد لا يريد التعبد لله تعالى بهذه القربة، وإنما يريد نفع الغير، الذي استأجره لاستيفاء هذه المنفعة.
ما هو العمل الذي يشترط أن يكون فاعله من أهل القربة، ومن هو أهل القربة؟ أهل القربة، يقولون: هو المسلم، المسلم هو أهل القربة؛ لأن الكافر لا يكون أبدًا من أهل القربة إطلاقًا، إذ إنه مهما عمل فإنه لا يقرِّبه عمله إلى الله، ولهذا نقول: من أهل القربة؛ يعني: المسلم، فالكافر ليس من أهل القربة، فكل عمل يصح إيقاعه من الكافر فعقد الإجارة عليه صحيح لا بأس به، حتى بناء المسجد، لو أنك استأجرت إنسانًا يبني لك مسجدًا فلا بأس؛ لأن بناء المسجد يجوز أن يكون من الكافر؛ يعني يجوز أن يبني الكافر المسجد، إلا أننا نرى أنه لا بد أن يكون عليه قيم يراقب تنفيذه، البناء وأساسات البناء حتى لا يخون.
أهل القربة من هم؟
طلبة: المسلمون.
الشيخ: المسلمون؛ وذلك لأن الكفار مهما خشعوا، مهما بكوا، مهما ذلوا أمام صنمهم، فإن ذلك ليس بقربة، ولهذا يذكر أن النصارى في كنائسهم يخشعون خشوع المسلمين في محاريبهم، أو يخشعون خشوع المسلمين في مساجدهم بكاء، ونياح، وعويل، لكن هل ينفعهم هذا؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، هذا لا ينفعهم، حتى قال بعضهم في قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 2 - 4] إن هؤلاء هم النصارى في كنائسهم، لكن هذا على كل حال غير صحيح؛ لأن الآية صريحة بأن ذلك يوم؟
طلبة: يوم القيامة.
الشيخ: القيامة، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [الغاشية: 1، 2]، على كل حال، الكافر لا يمكن أن يكون من أهل القربة، فإن قال قائل: أرأيتم لو أن كافرًا بنى مسجدًا للمسلمين أتجوز الصلاة فيه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ولا يقبل منه.
طلبة: (
…
).
الشيخ: نعم، نحن لا يهمنا هو، هو لا ينفعه، حتى لو صلينا فيه ما له أجر، لكن نحن لا نمتنع من الصلاة فيه؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال:«الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ» (7)، «جُعِلَتِ الْأَرْضُ مَسْجِدًا» (8) نعم، إن خفنا أن يريد هذا الكافر أن يصطاد بالماء العكر، أو أن يضفي مِنَّةً على المسلمين، ويقول يومًا من الدهر: نحن الذين بنينا لكم المساجد، فهنا يجب علينا أن نهجر هذا المسجد، يجب علينا، ويجب على المسلمين أن يتعاونوا في هذا، وأن لا يخون بعضهم بعضًا، أما إذا كان الرجل هذا –الكافر- معروفًا بالكرم، وأنه يعطي هذا وهذا وهذا وهذا، ولا يبالي ولا يمن، ولا يرى أن له فضلًا فلا بأس ولا مانع.
ومن ذلك أيضًا ما أشكل على بعض الناس، يأتي إنسان يتعامل بالبنك أو يتعامل بأشياء أخرى محرم كسبها، ثم يبني مسجدًا أو يصلح طريقًا، فيقول: هل يجوز أن أصلي في هذا المسجد الذي أصلحه مَنْ مَالُهُ حرامٌ أو أمشي في الطريق؟ ماذا نقول؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم.
طلبة: نعم.
الشيخ: ولو كان من الربا.
طلبة: نعم.
الشيخ: جزاكم الله خيرًا، هذا هو الذي نرى أنه لا بأس أن يصلي في هذا المسجد ولو كان من مال ربوي أو من كسب محرم آخر؛ لأن إثمه على كاسبه، أما نحن فأمامنا مسجد بُنِيَ متوجها إلى القبلة، وليس فيه أي محذور، ثم نقول: لعل هذا الرجل الذي بنى المسجد، لعله أحدث توبة، وبنى هذا من أجل أن يتخلص من الإثم ومن الكسب الحرام، فنكون إذا صلينا في ذلك وشجعناه نكون عونًا له على التوبة.
والإنسان يجب أن ينظر الأمور بمقياس الشرع والعقل لا بمقياس العاطفة العمياء؛ لأنه ما ضرَّ المسلمين حتى في عهد الصحابة إلا هذا، العاطفة العمياء، ما الذي أوجب للخوارج أن يخرجوا إلا العاطفة العمياء، ودعواهم أن علي بن أبي طالب قد خان وأنه يجب أن يقاتَل، وأنه كفر برضاه بالتحكيم، وما أشبه ذلك.
فعلى كل حال، نقول: هذا لا بأس به؛ أعني ما بناه شخص من ماله المكتسب بحرام.
لو غصب أرضًا وبنى عليها مسجدًا؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: ما نصلي فيها؟
طلبة: لا.
الشيخ: أما على قول من قال: إن الصلاة في الأرض المغصوبة باطلة، فمعلوم أننا لا نصلي؛ لأننا لا نتقرب إلى الله تعالى بشيء باطل، لكن على قول من يرى أن الصلاة في الأرض المغصوبة جائزة فهذه أيضًا لا نصلي، لا نقول: إن الصلاة لا تصح، لكننا نقول: إن هذا تشجيع لهذا الغاصب الظالم أن يغصب أموال المسلمين، ثم يتبجح بأنه بنى عليها مسجدًا.
***
ثم قال المؤلف رحمه الله في بيان ما يلزم المؤجر والمستأجر قال: (وَعَلَى المُؤَجِّرِ كُلُّ مَا يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ النَّفْعِ كَزِمَامِ الْجَمَلِ، وَرَحْلِهِ، وَحِزَامِهِ، وَالشَّدِّ عَلَيْهِ، وَشَدِّ الأَحْمَالِ وَالمَحَامِلِ، وَالرَّفْعِ وَالحَطِّ، وَلُزُومِ البَعِيرِ) كل هذا على المؤجر، أنتم تصورتم هذه العبارات؟
إنسان أجر شخصًا بعيره ليحج به، يقول: عليك كل ما يتمكن به المستأجر من النفع (كزمام الجمل)، بَيِّن لنا ما هو الزمام؟
طالب: هو الحبل الذي تُقاد به الناقة.
الشيخ: الحبل الذي تُقاد به الناقة، بارك الله فيك، أو الجمل.
(ورحله)؟
طالب: هو ما يقعد عليه الراكب (
…
).
الشيخ: إي نعم، (وحزامه)؟
طالب: الذي ينزل من فوق الرحل تحت البطن.
الشيخ: ينزل من فوق النحر تحت البطن؟ !
الطالب: نعم، ينزل من الرحل.
الشيخ: يعني ما يُشد به الرحل.
الطالب: ما يُشد به.
الشيخ: إي، (ورحله وحزامه) يعني حزام الرحل.
(والشد عليه)؟
طالب: يعني شد هذا الحزام، يعني شده جيدًا.
الشيخ: والرحل أيضًا.
الطالب: (
…
) يصير الرحل غير (
…
).
الشيخ: أي يحتمل هذا، ويحتمل أنه إذا نزلوا في مكان، ونزلوا الرحل عن البعير، أنه هو الذي يحمل الرحل ويشده على البعير، كل هذا على المؤجر.
(وشد الأحمال) هذا الظاهر الذي يريده (شد الأحمال والمحامل) الأحمال: يعني الحمل الذي يكون على البعير كالأكياس والأواني وما أشبه ذلك، المحامل هي التي تكون على جنب البعير، على جنب الرَّحْل، يركب عليها الناس، وهذه شاهدناه قديمًا، تكون البعير عليها من اليمين ومن الشمال مقاعد يقعد عليها الراكب تسمى المحامل، والوسط يسمى الشداد.
(والرفع والحط) أيش الرفع والحط؟
طلبة: يحمل عليه ..
الشيخ: يعني يرفع المحامل، وما ذكره المؤلف: عند الاحتياج إليها، وينزلها عند الاحتياج إليها، فلو أنه -مثلًا- نزلها وبقوا في هذه الأرض لمدة يوم أو يومين، ولما أرادوا أن يسيروا قال المستأجر للمؤجر: يلّا، ارفع الرحل وشده. قال: لا، الحاجة لك أنت. يستقيم هذا أو لا؟
طلبة: لا يستقيم.
الشيخ: ما هي بالحاجة له؟
طلبة: بلى.
الشيخ: لكن هذه الحاجة عوض عنها الأجرة، فيقال للمؤجر: عليك بها.
(لزوم البعير) أيضًا هذه على المؤجر، (لزوم البعير) معناها أن يكون ملازمًا لها لئلَّا تشرد، أو يأتيها شيء يعيقها، فيلزم البعير.
وهذا فيما إذا كان المؤجر مع الرحل والإبل، أما إذا آجر البعير وحدها وقال: خذ هذه البعير اذهب سافر عليها وارجع بها، فمعلوم أن هذه الأشياء لا تلزم المؤجر؛ لأنه غير مصاحب لها، لكن مراد الفقهاء رحمهم الله فيما جرت به العادة أن المؤجر يكون مع رحله مع الإبل، ويسمى عندنا الجمَّال نسبة إلى الجمل، إذا كان الجَمَّال مع الجِمَال فإنه يلزمه ما قال المؤلف، أما إذا أجر الدابة فقط فلا يلزمه شيء من ذلك.
طالب: يا شيخ، بارك الله فيكم، (
…
) عن القربات، لكن في بعض الأئمة يا شيخ وبعض المؤذنين الذين يعملون –مثلًا- يؤمون الناس في بلاد خارج هذه البلاد، كأوروبا مثلًا، فهؤلاء لا يأخذون من .. ، وإنما يأخذون مما يجمع لهم الناس؛ لأنهم يصلون بهم في المساجد، فما هو التفصيل في هذه المسألة؟
الشيخ: الظاهر أنه لا بأس حتى هذا جمعوها لهذه المصلحة.
الطالب: باعتبار؟
الشيخ: باعتبار أنها مصلحة للجميع، ما أظن فيها شيئا إلا إذا اتفق معهم على أجرة، هذه (
…
).
الطالب: لا ما يتفقون، غالبًا يأخذ الذي ..
الشيخ: اللي يعطونه.
الطالب: اللي يعطونه.
الشيخ: ما فيه شيء.
الطالب: لكن يعتبر استحقاقا ولّا مكافأة ولّا ..
الشيخ: لا، مكافأة.
الطالب: مكافأة.
الشيخ: نعم.
الطالب: بارك الله فيك.
طالب آخر: شيخ، أحسن الله إليكم، الإنسان يطوف بوالده أو والدته، وهناك من يحج عنهم، (
…
) يجوز يا شيخ؟
الشيخ: (
…
) لا بأس؛ لأن المحجوج عنه ما يمكن يحج، لكني أرى وأطلب منكم أيها الطلاب أن تزرعوا في قلوب الناس أن الدعاء للأموات أفضل من العبادات؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:«إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (9)، ولم يتعرض للعمل، بلغوا الناس، الناس الآن لو تقول: ادعوا له بس قل: اللهم اغفر له، طيب أنا قلت: اللهم اغفر له، وغفر له، فائدة كبيرة.
على كل حال، هذه -كما قلت لك- لا بأس بها، لكن الأفضل أن يُبيَّن للناس أن الدعاء أفضل، وبقي علينا أنا قلنا قبل في أثناء الشرح: لو قال الأب لابنه: صل يا بني، قال: ما أصلي إلا كل صلاة بعشرة. قلنا: هذا لا يصح في الاستئجار، لكن لو قال الأب لأبنائه وبناته: من صلى منكم فله بكل صلاة عشرة، يجوز تشجيعًا لهم، لكن هو صحيح، يعني يجوز ها الشيء عليهم، لكن فيه بعض الحسكة، يعني أن الإنسان لا يطمئن لهذا؛ لأنه قد يكون في هذا مفسدة، وهي تعويدهم ألا يفعلوا عبادات إلا لعوض، ويُخشى أن يجعلوا الواحد منهم ما لك ما صليت اليوم؟ قال: ما أعطيتني شيئًا، ممكن هذا؟ إي نعم، فأخشى أنه تكون النية ما هي طيبة، إنما هي مبدئيًا لا بأس بها؛ يعني هذا من باب التشجيع على العمل الصالح، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحرب:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» (10).
طالب: شيخ أحسن الله إليك، إذا كان الرجل ليس له مصدر رزق إلا الحرام، كالذين يبيعون مثلًا أشرطة الفيديو (
…
) الموسيقى والدخان (
…
) وغيرها، ودعي الإنسان إلى إجابته، (
…
) فيجوز الإجابة؟
الشيخ: أعطيناكم قاعدة في الأول: كل ما حَرُم لكسبه فليس محرمًا على غير الكاسب، هذه القاعدة.
طالب: (
…
).
الشيخ: بناءً على أنه يجوز أن الإنسان يقرأ على المريض بأجرة لا بأس، لكن بس من الحقيقة هل الطريقة هذه سليمة؟
يقول: فيه ناس الآن يقرؤون بالماء، قُرَّاء، بجرار صحة، ويبيعون الصغير بكم؟
الطالب: بريالين.
الشيخ: بريالين، يبيعونها بريالين.
الطالب: لا، هي بريالين يا شيخ.
الشيخ: هي بريالين يبيعها بعشرين، واللي بخمسة؟
الطالب: (
…
) يبيعها بخمسين.
الشيخ: بخمسين، الله أعلم بنفع هؤلاء لكن ما أقدر أقول إنه حرام، ما دمنا نقول: إنه لا بأس أن يقرأ على المريض بأجر.
طالب: شيخ هل يمكن أن نعتبر الأذان وكذلك الإمامة وتكفين الميت من القرب التي يتعدى نفعها وبالتالي يجوز أخذ الأجرة عليها؟
الشيخ: لكن ما فيها نفع مباشر، تغسيل الميت نعم، تغسيل الميت واضح إنه مباشر للشخص نفسه، لكن الأذان ما هو لشخص معين، لعموم الناس.
طالب: لو امتنع الناس من الأذان لشق ذلك على الناس، (
…
).
الشيخ: ما هو مثل المعين، ليس كالمعين.
طالب: أحسن الله إليك، (
…
) على المؤجر كل ما يتمكن به النفع، إذا قيل: إن الأشياء هذه ترجع إلى العادة والعرف، هل يكون له وجه؟
الشيخ: هو هذا عرفهم، الآن هذا ما هو موجود عندنا، اللهم إلا إن كان في بلاد غير السعودية، ما دام عندكم موجود؟
طالب: (
…
).
الشيخ: عندكم أنتم في الجزائر.
طالب: في البادية قد يوجد، نعم.
الشيخ: موجود الآن؟
الطالب: نعم.
الشيخ: إي على كل حال، لدينا قاعدة -بارك الله فيكم- الفقهاء في مثل هذه الأمور يأتون بها بناءً على عاداتهم، ويرجع في هذا إلى العادة، هذا هو الأصل، ثم نقول: إن الاضطراد العرفي كالاستثناء اللفظي أو كالشرط اللفظي، الاضطراد العرفي كالشرط اللفظي، إي نعم.
***
طالب: قال رحمه الله تعالى: وَمَفَاتِيح الدَّارِ وَعِمَارَتِهَا، فَأَمَّا تَفْرِيغُ البَالُوعَةِ وَالكَنِيفِ فَيَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً.
فَصْلٌ
وَهِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَإِنْ آجَرَهُ شَيْئاً وَمَنَعَهُ كُلَّ المُدَّةِ أَوْ بَعْضَهَا فَلا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ بَدَأَ الآخَرُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَعَلَيْهِ، وتَنْفَسِخُ بِتَلَفِ العَيْنِ المُؤجرَةِ، وَبِمَوْتِ المُرْتَضِعِ وَالرَّاكِبِ إِنْ لَمْ يُخَلِّفْ بَدَلا، وَانْقِلاعِ ضِرْسٍ أَوْ بُرْئِهِ وَنَحْوِهِ، لا بِمَوْتِ المُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلا بِضَيَاعِ نَفَقَةِ المُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أن الإجارة لا تصح على عمل لا يقع إلا قربة، وهو الذي يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، أي أن يكون مسلمًا؛ لأن ما كان عبادة محضة لا يجوز أخذ أجر الدنيا عليه وسبق دليله أيضًا، سبق لنا أيضًا أنه على المؤجر كل ما يتمكن به المستأجر من استيفاء المنفعة، وذكر أشياء ومنها مفاتيح الدار، فإن مفاتيح الدار على المؤجر، وعلى هذا فإذا ضاعت من المستأجر بدون تعد ولا تفريط وجب على المؤجر أن يصنع له بدلها، لماذا؟ لأنها على المؤجر، وهي أمانة في يد المستأجر، فإذا تلفت بيده بدون تعدٍّ ولا تفريط ألزم المؤجر بأن يصنع بدلها ويعطيها إياه.
كذلك عمارتها لو تهدم منها شيء لا يتمكن به المستأجر من استيفاء المنفعة؛ فإن عليه عمارتها، وأما ما زاد على ذلك فإنه لا يلزمه إلا بشرط، كالذي يسمونه الديكور، هذا لا يلزم المؤجر إلا إذا شرط عليه.
طيب المراوح، المكيف، الدفايات على من؟ الدفايات على المؤجر؟ !
طلبة: لا.
الشيخ: على المستأجر، المكيف على المؤجر، المراوح على المؤجر، كل ما كان ثابتًا فعلى المؤجر، وأما الشيء المتنقل فإنه يكون على المستأجر.
ثم قال: (فَأَمَّا تَفْرِيغُ البَالُوعَةِ وَالكَنِيفِ، فَيَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) البالوعة هي الحفرة التي يُصب فيها الماء الفاضل من غسيل ونحوه، وسميت بالوعة؛ لأنها تبلع الماء، وأما الكنيف فهو مجمع العذرة، وكانوا فيما سبق يحفرون حفرة أيضًا يكون فيها العذرة، البيت هذا الذي يكون فيه هذه الحفرة يسمى الكنيف؛ لأن صاحبه يكتنف فيه؛ أي يستتر عن الغير، البالوعة والكنيف هل على المستأجر إفراغها أو على المؤجر؟
على المستأجر؛ لأنه هو الذي ملأها ولهذا اشترط المؤلف قال: (إذا تسلمها فارغة) تكون عليه؛ لأنه تسلمها فارغة، فلزمه أن يردها فارغة، فإن تسلمها وفيها النصف فعليه النصف، وهلم جرًّا، حسب ما أدرك من ملئها يكون عليه.
في الوقت الحاضر ليس هناك بالوعة ولا كنيف في أكثر البلاد، فيُقال: على المؤجر إصلاح المواسير؛ المجاري؛ لأن هذا يبقى، لكن لو تسددت هذه المجاري فهي على المستأجر؛ لأنها تسددت بفعله، وكل هذا الذي قاله الفقهاء رحمهم الله يمكن أن يُقال: إنه يرجع إلى العرف فيما جرت العادة أنه على المستأجر، أو على المؤجر، فإن تنازع الناس فربما نرجع إلى كلام الفقهاء، وأما بدون تنازع ويكون العرف مضطردًا بأن هذا على المؤجر وهذا على المستأجر فالواجب الرجوع إلى العرف؛ لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وهذا أمر بالوفاء بالعقد من أصله أو من صفاته وشرطه.
ثم قال المؤلف: (فصل. وَهِيَ عَقْدٌ لازِمٌ)(وهي) أي الضمير يعود على الإجارة
(فصلٌ)
وهي عَقْدٌ لازمٌ، فإن آجَرَه شيئًا ومَنَعَه كلَّ الْمُدَّةِ أو بعضَها فلا شيءَ له، وإن بدأَ الآخَرُ قَبلَ انقضائِها فعليه، وتَنْفَسِخُ بتَلَفِ العينِ المؤَجَّرَةِ وبموتِ الْمُرْتَضِعِ والراكبِ ، إن لم يُخَلِّفْ بَدَلًا وانقلاعِ ضِرْسٍ أو بُرْئِه ونحوِه، لا بموتِ الْمُتعاقِدَيْنِ أو أحدِهما ولا بضَياعِ نَفقةِ المستأْجِرِ ونحوِه، وإن اكْتَرى دارًا فانْهَدَمَتْ ، أو أَرْضًا لزَرْعٍ فانْقَطَعَ ماؤُها ، أو غَرِفَتْ انْفَسَخَت الإجارةُ في الباقي، وإن وَجَدَ العينَ مَعيبةً أو حَدَثَ بها عيبٌ فله الفَسْخُ وعليه أُجرةُ ما مَضَى ، ولا يَضمنُ أجيرٌ خاصٌّ ما جَنَتْ يَدُه خطأً ولا حَجَّامٌ وطَبيبٌ وبَيطارٌ لم تَجْنِ أَيْدِيهم إن عُرِفَ حِذْقُهم ولا راعٍ لم يَتَعَدَّ، ويَضمنُ المشتَرِكُ ما تَلِفَ بفِعْلِه، ولا يَضْمَنُ ما تَلِفَ من حِرْزِه أو بغيرِ فِعْلِه ولا أُجرةَ له،
بأن هذا على المؤجِر وهذا على المستأجر، فالواجب الرجوع إلى العرف؛ لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وهذا أَمْرٌ بالوفاء بالعقد من أصله، أو من صفاته وشرطه.
ثم قال المؤلف: (فصل: وهي عقد لازم)، (وهي) الضمير يعود على الإجارة.
(عقد لازم)، ومعنى (لازم) أي: لا يمكن فسخه إلا لسبب، وذلك أن العقود تنقسم إلى ثلاثة أقسام: عقود جائزة من الطرفين، وعقود لازمة من الطرفين، وعقود لازمة من طرف جائزة من طرف آخر. ومعنى لازمة أي: نافذة لا يمكن فسخها.
البيع لازم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» . (1)
الوكالة جائزة، عقد جائز من الطرفين.
الكتابة؛ أي كتابة العبد -وهو شراء نفسه من سيده- عقد لازم من جهة السيد، وجائز من جهة العبد.
الرهن عقد جائز من جهة المرتهِن، ولازم من جهة الراهن.
الإجارة عقد لازم، وذلك لأنها نوع من البيع، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» ، ثم ذكر أنهما إذا تفرَّقَا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع.
ثم فرَّع على هذا الضابط -وهو أن الإجارة عقد لازم- بقوله: (فإن آجَرَهُ شيئًا ومنعه) أي: المؤجِر، والضمير (الهاء) يعود على المستأجر، أي: منع المؤجِرُ المستأجرَ (كل المدة أو بعضها فلا شيء له).
مثال ذلك: أَجَّرَه هذه الدار سنة من الآن، فجاء المستأجِرُ يطلبها فمنعه، مضت السنة كلها وهو قد منعها، فهل له أجرة؟ لا، لا شيء له؛ لأنه هو الذي منعه، ولكن هل يلزمه فرق ما بين الأجرتين؛ أجرة المثل والأجرة التي تم العقد عليها لو اختلفت، أو لا يلزمه؟ يلزمه.
فمثلًا لو كان أجَّرَها بعشرة آلاف وارتفعت الأجور، حتى صارت تساوي في هذه السنة عشرين ألفًا، فهل يلزم المؤجِر أن يُسَلِّم للمستأجر عشرة آلاف؟ الجواب: نعم يلزمه؛ لأن المنفعة من حين العقد ملك لِمَن يا إخوان؟ للمستأجر، فإذا منعه إياها فهو غاصب، والغاصب عليه الضمان.
وإن كانت الأجرة نزلت، هل يلزمه النقص؟ انتبهوا، إذا كانت نقصت أصلًا لن يُعْطَى شيئًا، المؤجِر لن يُعْطَى شيئًا، إن بقيت الأجرة كما هي فالأمر واضح، إن نقصت هو أصلًا لا يعطى حتى يقال: يضمن المستأجر النقص، إن زادت الأجرة ضمن المؤجِر الزيادة، لمن؟ للمستأجر؛ لأن المستأجر ملك المنفعة في المدة التي تم العقد عليها، فيكون بمنزلة الغاصب؛ عليه الضمان.
لو أَجَّرَه إياها لمدة سنة باثني عشر ألفًا ثم منعه ستة أشهر، ثم قال: تفضل، فرَّغ البيت له، وسكن المستأجرُ بقية المدة، هل عليه شيء؛ على المستأجر؟ المؤلف يقول: لا شيء له، منعه كل المدة أو بعضها فلا شيء له، لماذا؟ لأنه فَوَّتَ على المستأجِر منفعة الدار؛ إذ قد يكون من غرض المستأجِر أن يبقى فيها مدة سنة كاملة.
ومثل ذلك لو أَجَّرَه البعير يسافر عليها، ومنعه إياها، وفي أثناء الطريق سَلَّمَها له، فهل له أجرة فيما بقي؟ كلام المؤلف يقول: لا، ليس له أجرة؛ لأنه منع المستأجر حقه، فسقط حقُّه، أي: المؤجِر.
وظاهر كلامه أيضًا أنه لا فرق بين أن يمنعه بعض المدة لعذر أو لغير عذر؛ وذلك لأن حقوق الآدميين لا يُفَرَّق بها بين العذر وغيره، وقد يقال: إنه إذا كان لعذر فإنه يلزمه –أي: يلزم المستأجِر- أجرة بقية المدة، والعذر مثل أن يُمْنَع صاحب الدار من الاستيلاء عليها، فحينئذ نقول: له ما بقي من المدة، وللمستأجِر أن يطالِب الذي منعه بمقدار المدة التي منعه.
مثال ذلك: رجل أجَّرَ هذا الشخص البيت لمدة سنة، تبتدئ من الآن، لكن سُلِّط على هذا البيت جنود استحلوه غصبًا، ولم يُسَلِّمْهُ إلى صاحبه إلا بعد نصف سنة، فصاحب البيت الآن معذور ولَّا غير معذور؟ معذور، صاحب البيت معذور، له نصف الأجرة؛ لأنه سَلَّم البيت عند انتصاف المدة، والمستأجر يطالب مَن؟ يطالب الجنود الذين منعوا صاحب البيت منه، فإن تعذَّر عليه مطالبتهم فلا يرجع على المؤجِر؛ لأن المؤجِر يقول: هذا حصل بغير اختياري.
قال: (وإن بدأ الآخر قبل انقضائها فعليه).
(إن بدأ الآخر) الآخر هو المستأجر.
(قبل انقضائها) يعني: امتنع من سُكْنَاها.
(فعليه الأجرة) كاملة، ولا يقال: إنه ليس عليه إلا مقدار المدة؛ لأن المؤجِر يقول: أنا الآن سلَّمتك البيت بأجرة، فوجب لي في ذمتك الأجرة، ووجب لك أنت أيش؟ النفع، والنفع قد استلمت النفع.
مثال ذلك: رجل استأجر بيتًا مدة الإجازة، مدة الإجازة ثلاثة شهور، كل شهر بألف ريال، ثم إن المستأجِر تأخَّر ولم يَقْدَم البلد إلا بعد أن مضى شهر، فيلزمه للمؤجِر كم؟
طلبة: ثلاثة آلاف.
الشيخ: ثلاثة آلاف، يعني الأجرة كاملة؛ لأن المؤجر لم يحصل منه لا منع ولا غيره، المؤجِر قد بذل العين المؤجَرة، ولكن التأخير ممن؟ من المستأجِر، ولهذا قال:(إن بدأ الآخر قبل انقضائها) أي: قبل انقضاء المدة، (فعليه) أي: عليه الأجرة.
استأجر هذا البيت مدة ثلاثة أشهر، وسكن فيه شهرين، ثم بَدَا له أن يرجع إلى بلده وقد بقي شهر، هل عليه أجرة الشهر الباقي؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأن المؤجِر يقول: أنا لا أمنعه، استوفِ المنفعة، المنفعة الآن أمامك، فيكون عليه الباقي.
المهم على كل حال الآن فهمنا أن الإجارة عقد لازم، وأنها إن فُسِخَت من قِبَل المؤجِر فالحكم لا شيء له، وإن فُسِخَت من قِبَل المستأجر فعليه الأجرة، وإن فُسِخَت باختيارهما فعلى المستأجر أيش؟ مدة سكناه، ولا شيء عليه أكثر من ذلك، فإذا استأجرها بألف لمدة ثلاثة شهور، ولما مضى شهر اتفق هو والمؤجِر على فسخ الإجارة، فهل عليه شيء؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لا، لكن عليه الشهر الذي سكنه، وأما الباقي فلا شيء عليه؛ لأنهما اتفقَا على ذلك.
ثم قال المؤلف مبيِّنًا ما تنفسخ به الإجارة: (وتنفسخ) أي: الإجارة، (بتلف العين المؤجَرة)، فلو آجَرَه دارًا فانهدمت انفسخت الإجارة، وعلى المستأجر أجرة ما سبق من المدة.
استأجر سيارة فانحرقت، تنفسخ الإجارة أو لا؟ تنفسخ، وعلى المستأجر قسط المدة التي استأجرها لها.
ثانيًا: (وبموت المرتَضِع) أيضًا، لو أن شخصًا استأجر امرأة لتُرْضِع ولده، فمات الولد، يعني استأجرها لمدة سنة، فمات الولد، فإن الإجارة تنفسخ؛ لأن العين المعقود عليها -وهو الراضِع- قد تلفت، فلا يمكن استيفاء المنفعة مع تلفها.
قال: (والراكب إن لم يُخَلِّف بدلًا)، الراكب يعني: لو أن شخصًا في النقل الجماعي، استأجر نقلًا جماعيًّا مثلًا من مكة إلى المدينة، وفي أثناء الطريق مات، تنفسخ الإجارة؟ المؤلف يقول: في ذلك تفصيل؛ إن خَلَّفَ بدلًا فإنها لا تنفسخ، وإن لم يُخَلِّف بدلًا انفسخت، وذلك لأنه إذا خَلَّف بدلًا فإنه يقوم مقامه، وإذا لم يُخَلِّف بدلًا فقد تعذَّر استيفاء المنفعة من قِبَل المعقود عليه.
وتنفسخ أيضًا (بانقلاع ضرس)، يعني لو أن شخصًا استأجر طبيبًا ليقلع ضرسه، فانقلع، قلع الضرس قبل أن يأتي الطبيب، فالإجارة تنفسخ، لماذا؟ لتعذُّر الاستيفاء؛ لأن المعقود عليه -وهو الضرس الذي استؤجر لقلعه- انقلع، فلو أصرَّ الطبيب وقال: لا بد أن أقلع الضرس الثاني! يُمَكَّن أو لا؟ لا يُمَكَّن، معلوم؛ لأنه استؤجر على قلع ضرس معين، والضرس المعين انقلع، فلا شيء له.
(أو بُرْئِه) يعني: لو برئ الضرس فإن الإجارة تنفسخ، مثلًا: رجل التهب ضرسه وتَوَرَّم، واستأجر طبيبًا لقلعه، ثم إن الله سبحانه وتعالى مَنَّ عليه بالشفاء، وزال الورم وسكن الألم، فإن الإجارة تنفسخ، لماذا؟ لأنه قد عُلِم بالضرورة أنه إنما استأجره لقلع ضرسه من أجل ألمه ومرضه، ليس من أجل أنه لا يريد الضرس، فتنفسخ.
وهنا لو وقع خلاف بين الطبيب الذي أتى بآلاته واستعد، وفرَّغ زمنًا من وقته لقلع هذا الضرس، فقال صاحب الضرس: إنه قد سكن الألم وبرئ، وقال الطبيب: لا، لم يبرأ، مَن نصدق؟
الطلبة: صاحب الضرس.
الشيخ: أليس صاحب الضرس يمكن أنه ادَّعَى البرء لأنه عرف أن هذا الطبيب سيأخذ أجرة كثيرة؟ فيه احتمال، لكن هذا الاحتمال لو كان واردًا لا نقبله؛ لأن معرفة كونه برئ أو لم يبرأ لا يُعلم إلا من جهته، فإن قال الطبيب: أنا أسقيه ماء باردًا، فإن صقع ضرسه شوفناه مثلًا تغيَّر وجهه، أو شد لحييه، عرفنا أنه لم يبرأ، وإلا فهو بارئ، يمكن هذا ولَّا لا؟ نعم يمكن، إذا قيل: إن هذا الاختبار يؤدي إلى المقصود اختبرناه، كما قال العلماء في الجنايات فيمن جُنِيَ عليه فادَّعى أنه فَقَدَ السمع، وتعلمون أن الرجل إذا جُنِيَ عليه حتى فَقَدَ السمع فعلى الجاني دية كاملة، مئة بعير، والجاني يقول: أبدًا، ما فقدتَ السمع، وهو يقول: فقدتُ السمع، قالوا: يُخْتبَر، بأن يُؤتَى على غفلة ويُصاح به، أو يثَوَّر عنده بندق، فإن أحسّ فإنه كاذب في دعواه أنه ذهب السمع، وإن لم يُحِسّ فهو صادق، وهذا لا شك أنه من الأسباب التي تدل.
ومثل البصر، قالوا: إذا ادَّعى أن بصره فُقد من جناية فإنه يُخْتَبر، بماذا نختبره؟
طلبة: الشمس.
الشيخ: الشمس يمكن يصبر عليها.
طالب: نضع المصباح في عينه بدخانه.
الشيخ: والله هذه مشكلة، صعبة!
قالوا أيضًا: يغتفله الإنسان، ثم يقول هكذا حول عينه، إن أَرْمَشَ فهو مُبْصِر، وإلا فلا.
هذا الذي قاله الفقهاء يرحمهم الله، لكن ربما يكون الآن وسائل أدق من هذا يُختبر بها ذلك، لكن على كل حال نحن في الضرس الآن، الطبيب جاء بآلاته واستعد لقلع الضرس، واختزل زمنًا من وقته، ثم ادعى صاحب الضرس أنه برئ، فهذا لا بد من الاختبار، وإذا تيقنا أنه برئ فإن الإجارة تنفسخ لتَعَذُّر استيفاء المنفعة.
قال: (ونحوه) مثل أن يُستأجَر شخص لمداواة مريض، فلما وصل هذا الرجل لمداواة المريض إذا المريض قد مات، تنفسخ الإجارة.
في البيت مريض آخر، فقال الطبيب: مات المريض الذي دعوتموني له، فأنا أداوي الثاني، ولا تنفسخ الأجرة، يوافق ولَّا ولا؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟ لأن المعقود عليه عين المريض، وقد فات.
طالب: (
…
) لما طُلب، فهو جاي من مكان بعيد، جهَّز السيارة (
…
) البنزين والزيت (
…
)، فجاء، لما جاء ادعى الرجل أنه قد برئ، فهل يضمن الشيء الذي ..
الشيخ: لكن هل ثبت أنه بريء؟
الطالب: ادعى.
الشيخ: إذا ثبت فلا شيء له؛ لأن هذا الرجل إنما أنفق هذه النفقة لحضوره بناء على أن الإجارة لازمة.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، كيف بعض الأطباء الآن ما يخرج من عيادته إلا بثمن؟
الشيخ: إي، بأجرة.
الطالب: إي، يقول مثلًا: المجيء إلى البيت بمئة ريال مثلًا، فإذا وصل إلى البيت وبرئ ثبت أن المريض قد برئ، فهل تلزمه الـ .. ؟
الشيخ: لا، هذا يلزمه؛ لأنه إنما أخذ المئة ريال ليس على المداواة، ولكن على حضوره من دكانه.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، بعض الناس يكون عنده وسواس في مسألة المرض، فكثيرًا ما يتشكَّى أو يذهب إلى الطبيب وليس به أي مرض، فإذا ذهب إلى الطبيب واشتكى إليه مرضًا، ووجده الطبيب بريئًا من ذلك المرض، فبعدما أجرى عليه (
…
) فهل يحل للطبيب أَخْذ هذه الأجرة؟
الشيخ: الظاهر أنه لا يحل له، إلا إذا كان هناك .. اللي أعرف أن الأطباء لهم أجرة خاصة للكشف فقط، فهذا يأخذ.
الطالب: هو ما يدخل على الطبيب أصلًا إلا إذا دفع أجرة الكشف.
الشيخ: خلاص، يدفع أجرة الكشف وتكون الأجرة على كشفه لا على مداواته.
الطالب: إذا وجد به مرضًا آخر؟
الشيخ: يقول له، يعني ينشئ عقدًا جديدًا، إذا كان مستأجَرًا لعمل معين ووجد مرضًا آخر، يعني إذا كان مستأجرًا لعمل معين في مرض معين، ثم وجد مرضًا آخر فلا بد من تجديد العقد، يعني إضافة.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، إن منع المؤجِرُ المستأجرَ بعض (
…
) ذكرنا تفصيلًا أنه إن كان لعذر ونحوه، أنا اختلط عليّ يعني كأني فهمت شيئين، فما هو (
…
)، هل يُلزَم المؤجِر بتمكين المستأجر مما فاته من المدة أم لا إن كان لعذر؟
الشيخ: لكن ما يمكن الآن أن تسيطر على العين، العين الآن تعذر الاستيفاء منها، نحن مثلنا فيما إذا أخذها الجند، هذا لا يمكن الاستيفاء منه، لكن أنت تريد هل يمكن أن نضيف إلى المدة بقدر ما حُبِسَت عن المستأجر؟ لا؛ لأن المدة هنا مقدرة بزمن، إذا انتهى انتهى الأجر.
الطالب: وهل نقول: إن المستأجر يرجع على الجنود إن أمكن؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: أو يطالب المؤجِر بذلك؟
الشيخ: لا، يرجع على الجنود.
الطالب: المستأجر؟
الشيخ: نعم؛ لأن المؤجِر ما فَرَّط.
طالب: شيخ، حفظك الله، المعروف الآن في محلات التأجير الشقق والغرف أنهم يحسبون مثلًا من الساعة الثانية إلى الساعة الثانية هذا اليوم.
الشيخ: من الساعة أيش؟
الطالب: من الساعة ثنتين الظهر إلى الساعة ثنتين من الغد، فلو جاء إنسان في الساعة الواحدة من اليوم حسبوا له المدة مدة يوم كامل.
الشيخ: ما دام هذا عُرفًا مُطَّرِدًا فيمشي عليه، يعني ما دام أن الإنسان لو جاء الساعة الواحدة إلى الثانية (
…
) الساعة الواحدة يومًا، وهذا عرف مطَّرد معروف، فعلى ما اصطلح عليه الناس.
طالب: صاحب الضرس قد مَثَّلْنَا عليه لو تَبَيَّن أنه يريد أن يهرب من الأجرة لأن الأجرة غالية، هل تلزمه أو لا؟
الشيخ: مَن اللي أَعْلَمَنا بهذا؟
الطالب: هو تَبَيَّن (
…
).
الشيخ: إذا تبين تلزمه الأجرة أو يُخْلَع الضرس.
طالب: شيخ، يحدث كثيرًا عند استئجار السيارة ولا يكون بعقد يعني، بمجرد ركوب السيارة، ومعروف أن أجرتها مثلًا من المدينة إلى مكة كذا، فيجد الراكب بعدما ركب سيارة أجود، أو أنها ستنطلق مبكرًا عن الأخرى، أو لسبب ما، فينزل ويركب الأخرى، تلزمه الأجرة؟
الشيخ: ما تلزمه الأجرة، تلزمه الأجرة إذا كان معروفًا أنه بمجرد ركوبه يعتبر عقدًا، لكن ما أدري عن النظام هنا في النقل الجماعي هل هو بمجرد ما يركب يُعْتَبر عقدًا؟
الطالب: الأهلية، الأخرى، غير النقل الجماعي التي بغير تذاكر، الأهلية.
الشيخ: الأهلية؟
الطالب: نعم، لأنه يغضب السائق، عند النزول يغضب.
الشيخ: هذه يُرْجَع إلى العرف من جهة، وإلى تفويت المصلحة من جهة أخرى، قد يكون هذا التاكسي لا يحمل إلا خمسة، وجاء إنسان يقول: أنا بمشي معكم وما يمكن يركب ستة، فصرفوه، فلما صرفوه نزل واحد من هؤلاء، هذا ينبغي أن نُضَمِّنَه الأجرة؛ لأنه فَوَّت على صاحب السيارة.
طالب: إذا منعه (
…
) فلا شيء للمؤجر، إنما يطالب المؤجِّر مقدار ما سقط من الأجرة.
الشيخ: ما يطالب؛ لأنه هو المعتدي، المعتدي ظالم، فلا حق له.
الطالب: ربما في هذه الحال إذا عرف المؤجر أنه لا شيء له (
…
) بقية المدة.
الشيخ: إذا منعه له أن يطالب.
الطالب: لأنه لم يذكر يا شيخ مثلًا.
الشيخ: لا، إذا منعه المدة أو بعضها، هو إذا منعه بعض المدة في النهاية واضح؛ لأنه ما يمكن يرجع، يعني لو مضى تسعة أشهر وهو ساكن، ثم منعه البقية، هذا واضح، لكن لو منعه الثلاثة الأولى ثم مَكَّنَه فإنه أيضا لا شيء له؛ لأنه لم يُسَلِّم المعقود عليه.
الطالب: لا شيء له؛ كل الـ ..
الشيخ: كله.
الطالب: عند هذا يَمْنَع المستأجر من بقية المدة.
الشيخ: ما يمكن يمنعه؛ لأنه يقول: هذا حقي، لكن في هذه الحال يعني ربما يقال: إنه في هذه الحال إذا مَكَّنَه من بقية المدة فينبغي أن يعطَى أجرة البقية بالقسط.
طالب: إذا استأجر من فندق غرفة، كل يوم بمئة، سبعة أيام، فسكن فيها خمسة أيام، فهل يطالب بالباقي؟
الشيخ: نعم، صاحب الفندق يأخذ الباقي.
الطالب: هو استأجر سبعة أيام، دفع له سبع مئة ريال، فسكن فيها خمسة أيام، فهل يطالب بالمئتين الباقية؟
الشيخ: لا، ما يطالب.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، أحيانًا يكون في البيت المستأجر أشياء (
…
) والدفايات وغيرها والأواني، فهل يجوز للمستأجر أن ينتفع بها من غير أن (
…
)؟
الشيخ: هي لا شك أنها ما وُضِعَت في البيت إلا للمنفعة.
الطالب: هو ما وضعها خصيصًا ليستنفع بها المستأجِر، لكن هو على سبيل كونه في بيته الأول، ثم طرأ عليه عقد الإيجار ..
الشيخ: إذا لم يغلق الدولاب فمعناه أنه أَذِنَ له.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، بعض المستأجرين، (
…
) خصوصًا السيارات، حصل منه تفريط يا شيخ، فبعضهم يسوق بسرعة ولا من غيرها، وتتلف السيارة بسبب تفريطه؟
الشيخ: إي نعم، هذا سيأتينا إن شاء الله تعالى أن المستأجَر -العين المؤجرة- بيد المستأجِر أمانة، إن تلفت بغير تَعَدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه، وإن تلفت بتعديه أو تفريطه فعليه الضمان.
طالب: بارك الله فيك، (
…
) يدفع المستأجر الأجرة على نصفين، ثم إذا بَدَا له في النصف الأول أنه يغير البيت هل يلزمه دفع الستة أشهر الباقية أو لا؟
الشيخ: إذا طالبه المؤجِّر بذلك فإن له ذلك؛ لأن المؤجِّر يقول له: الآن البيت أمامك، استوفِ منفعته بنفسك أو أَجِّرْهُ غيرك بأجرة أو بغير أجرة.
الطالب: قال: البيت لم يعجبني.
الشيخ: الله المستعان، هو ما شافه بالأول؟ ! رآه بالأول.
طالب: شيخ، (
…
) هل يقال: إن المستأجِر يُلْزَم (
…
) العين المؤجَرة (
…
) تسلمها أمانة، إذا كان أصبح البيت قذرًا (
…
)؟
الشيخ: إذا تسلَّمَه مُرَتَّبًا يسلِّمه مُرَتَّبًا، نعم يلزم.
طالب: شيخ، بالنسبة هناك بعض الأشياء اللي تكون ثابتة في المنزل (
…
) يكون لها عمر افتراضي، يعني خمس عشرة سنة مثلًا، فيأتي يستلمها المستأجر بعد عشر سنوات، فإذا جلس خمس سنوات تلف هذا الشيء، فهل نقول: على هذا المستأجِر أن يُصْلِحَها بما يبقى خمس عشرة سنة، حتى إذا كان لا يريد أن يسكن المدة؟
الشيخ: لا، إذا تلفت المعدات بانتهاء وقتها بدون تَعَدٍّ ولا تفريط من المستأجر فليس عليه شيء، لكن نقول: هل يُلزِم المؤجِر بأن يغيرها؟ الظاهر لا يلزِمه إلا بشرط، يعني مثلًا المكيِّف بقي له مثلًا سنة أو سنتان أو خرب بشيء حادث فإنه لا يَلْزَم المؤجِر أن يؤمِّن له ذلك إلا بشرط.
الطالب: وإذا أصلحها المستأجر هل يرجع؟
الشيخ: إذا أصلحها بإذن المؤجِر رجع، وبغير إذنه لا يرجع.
طالب: المستأجر في العادة إنه إذا دخل المنزل يثبت بعض المسامير في الجدار، وإذا خرج يكون للمسامير أثر في الجدار، هل يلزمه إصلاح ذلك؟
الشيخ: إي نعم، ما لم يكن قد اشترطه على المؤجِّر.
الطالب: العُرف أنه حاصل (
…
).
الشيخ: لا، بالعكس، العُرْف أنه يُمْنَع من دق المسمار في الجدار، إلا إذا كان من بيوت الطين، صحيح؛ لأن المسمار في جدار طين لا يؤثر.
***
طالب: ولا بضياع نفقة المستأجر ونحوه، وإن اكترى دارًا فانهدمت، أو أرضًا لزرعٍ فانقطع ماؤها أو غرقت، انفسخت الإجارة في الباقي، وإن وَجَدَ العين معيبة أو حدث بها عيب فله الفسخ، وعليه أجرة ما مضى.
ولا يَضْمَن أجيرٌ خاصٌّ ما جَنَت يدُه خطأً، ولا حجامٌ وطبيب وبَيْطَار لم تَجْنِ أيديهم إن عُرِفَ حِذْقُهم، ولا راعٍ لم يَتَعَدّ، ويضمن المشترك ما تلف بفعله، ولا يضمن ما تلف من حِرْزِه أو بغير فعله، ولا أجرة له.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الإجارة من العقود الجائزة أو اللازمة؟
طالب: من العقود اللازمة.
الشيخ: من الطرفين، أو من طرف واحد؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: الدليل؟
الطالب: الإجارة بيع منافع، فيدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ» . (1)
الشيخ: أن الإجارة بيع منافع، فتدخل في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ .. » إلى آخره، بارك الله فيك.
رجل استأجر من شخص بيتًا، فمنعه صاحب البيت جميع المدة، هل يستحق الأجرة على المستأجِر؟
طالب: لا.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأن المستأجر لم يَسْتَوْفِ المنفعة.
الشيخ: لم يستوف المنفعة، هل تنفسخ الإجارة، أو نقول: إنها لا تنفسخ، ويطالِب المستأجِرُ المؤجِرَ بأجرة المثل؟
الطالب: الثاني.
الشيخ: الثاني؛ لا تنفسخ، إي، ويطالِب؟
الطالب: لأنه غاصب.
الشيخ: ما الذي يُفهَم من كلام المؤلف؟
الطالب: (فإن أَجَّرَهُ شيئًا ومنعه كل المدة أو بعضها فلا شيء له).
الشيخ: أيش يُفهَم منه؟
الطالب: إنها ما تنفسخ.
الشيخ: ما تنفسخ ويقول: لا شيء له؟ !
الطالب: إي لا شيء له، يعني ..
الشيخ: لا شيء للمؤجِر، إي نعم، ولكنها تنفسخ.
في قول: إنها ما تنفسخ، ويطالِب المستأجرُ المؤجِرَ بأجرة المثل، لكن إذا كانت أجرة المثل أقل من الأجرة أو أكثر فهنا يحصل خلاف، فالقول بأنه في مثل هذه الحال يُوكَل الأمر إلى القاضي؛ إن رأى أن يؤدِّب المؤجِر إذا كانت أجرة المثل أكثر من الأجرة المعقود عليها، ورأى أن يطالِب المؤجِر بأجرة المثل تنكيلًا له، فهذا حسن، لكن لو كانت أقل فهنا نقول: للمستأجر أن يأخذ كامل الأجرة التي دفعها.
مثاله: استأجر هذا البيت لمدة سنة بعشرة آلاف ريال، ثم إن المؤجِر منعه حتى تمت السنة، على ما مشى عليه المؤلف رحمه الله نقول: الإجارة انتهت، ولا شيء للمؤجِر، ولا شيء على المستأجِر.
وعلى القول الثاني يقول: إنها لا تنفسخ؛ لأن المؤجِر صار بمنزلة الغاصب، كما لو منع البائعُ المشتريَ من قبض المبيع فإنه يضمنه ضمانَ غَصْبٍ، وبناء على ذلك نقول للمستأجر: ارجع على المؤجر بأيش؟ بأجرة المثل.
إذا كانت أجرة المثل، هو استأجرها سنة بكم؟
طلبة: عشرة آلاف.
الشيخ: أجرة المثل خمسة عشر ألفًا، نقول هنا: لا بأس أن يرجع المستأجر على المؤجر بخمسة عشر ألفًا، لكن لو كانت أجرة المثل أنقص؛ بثمانية آلاف، هل نقول: ليس للمؤجِر هنا إلا ثمانية آلاف؟ إذا قلنا بذلك صار فيه ضرر، على مَن؟ على المؤجِر؛ لأنه سَلَّم عشرة، وإذا قلنا: لك أجرة المثل، صار ضرر.
فالحاصل أن المذهب أنه ليس له شيء ولا عليه شيء، يعني المؤجِر، يعني الإجارة تنفسخ.
والقول الثاني: إن المؤجِر يضمنه ضمانَ غَصْبٍ، وهذا القول وجيه، لكن بشرط ألَّا تكون أجرة المثل أيش؟ أقل من الأجرة المعقود عليها.
إن تأخر المستأجر ولم يَسْتَوْفِ المنفعة؟
طالب: عليه الأجرة.
الشيخ: عليه الأجرة، لماذا؟
الطالب: لأنه هو الذي لم يَسْتَوْفِ المنفعة، وقد مَكَّنَه المؤجِر من استيفائها.
الشيخ: لأن المؤجِر بذل له المنفعة ومَكَّنَه من الاستيفاء، وهو الذي تركها باختياره.
فإذا قال: أنا انتهيت من البلد، أنا أقمت شهرين وأريد أن أكمل مثلًا الشهر الثالث الذي استأجرها إليه في محل آخر؟
طالب: نقول: الأصل أن الإيجار عليه، لكن إذا اتفق هو والمؤجِر على أن ..
الشيخ: خَلِّيه إذا اتفقَا ما فيه إشكال.
الطالب: عليه الإيجار بكل حال.
الشيخ: لو قال هو: انتهت مدتي، أنا منتدب لمدة ثلاثة شهور، واستأجرت هذا البيت لمدة ثلاثة شهور بناء على الانتداب، وانتهت المهمة، وبرجع إلى بلدي.
طالب: الإجارة في حق اللازم، فيكمل باقي المدة.
الشيخ: ما أنا بجالس.
الطالب: خلاص يتركها ويدفع الأجرة.
الشيخ: نقول هنا: عليه الأجرة كاملة؛ لأنه يمكنه الاستيفاء بتأجيرها، أليس كذلك؟ يجوز المستأجِر أن يؤجرها لمن يقوم مقامه، ولا عليه ضرر.
استأجر بعيرًا يحج عليه، فمات البعير؟
طالب: (
…
).
الشيخ: تنفسخ الإجارة؛ لأن العين المعقود عليها تلفت، توافقون على هذا؟
استأجر جَمَّالا أن يحج به، فأتى الْجَمَّال بالبعير وقد (
…
) خُذ البعير، وماتت في أثناء الطريق، تنفسخ الإجارة؟
طالب: إن لم يخلف بدلا.
الشيخ: اللي مات البعير ما هو الراكب.
الطالب: تنفسخ الإجارة.
الشيخ: تنفسخ الإجارة، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: خطأ.
طالب: على قولين يا شيخ.
الشيخ: ما عندك قولان.
طالب: هل هي مدة ما ركب؟
الشيخ: لا، دعنا من مدة ما ركب، لكن هل نقول: إنها انفسخت الإجارة فيما بقي، أو نقول: يلزم صاحب البعير أن يُؤَمِّن له بعيرًا؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني يا إخوان، العقد هنا ليس على عين البعير، اتفق مع جَمَّال صاحب إبل على أن يُرْكِبَه حتى يحج ويرجع، فوافق الْجَمَّال وأعطاه البعير، بدون أن تُعَيَّن البعير عن العقد، فهنا إذا ماتت البعير في أثناء الطريق أيش؟ ألزمنا صاحبَها أن يُؤَمِّن له بعيرًا؛ لأن العقد هنا على أيش؟ على عين البعير ولَّا على العمل؟
الطلبة: العمل.
الشيخ: إي نعم، على العمل، فيجب فَهْم الفرق، ولهذا قلنا: إذا تلفت البعير؛ لأن المعقود عليه تلف.
استأجر شخصًا لخلع ضرس، فانقلع الضرس قبل أن يقلعه الطبيب؟ فماذا تقول؟
طالب: تنفسخ الإجارة.
الشيخ: تنفسخ الإجارة، ولو قال الطبيب: أقلع الضرس الثاني، أنا مستعد.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا يُقْبَل؟ ماذا تقولون؟ صحيح؟ نعم؛ لأن المعقود عليه الآن تلف، صح.
استأجر بيتًا ثم مات في أثناء المدة، تنفسخ الإجارة؟
طالب: إن خَلَّف بدلًا فعليه، وإلَّا لا.
الشيخ: إن خلف بدلًا لم تنفسخ، وإلا انفسخت، هذا نعم قياسًا على الراكب، لكن القياس فيه نظر، فنقول: إنها لا تنفسخ الأجرة، وينتقل الحق إلى ورثة الميت، فإن لم يكن له ورثة فلبيت المال، وإن شاء فَسَخَهُ.
قال: (لا بموت المتعاقدين أو أحدهما)، يعني: لا تنفسخ الإجارة بموت المتعاقدين أو أحدهما؛ وذلك لأن المعقود عليه باقٍ، فلو آجَرَ بيته شخصًا ثم مات المؤجِر لم تنفسخ؛ لأن الإجارة عقد لازم، ولو مات المستأجِر لم تنفسخ أيضًا؛ لأن الإجارة عقد لازم، وكما تشاهدون الآن الناس يستأجرون البيوت، وهذا يموت ويُولَد له إلى آخره.
لو ماتَا جميعًا؟
طالب: لم تنفسخ.
الشيخ: لم تنفسخ أيضًا؛ لأنهما إذا ماتَا انتقل إلى ورثتهما.
سبق لنا في كلام المؤلف أنه إذا مات الراكب ولم يُخَلِّف بدلًا فإنها تنفسخ، والراكب أحد المتعاقِدَيْنِ، فهل نقول: إن في كلامه تناقضًا، أو نقول: إنه مشى فيما سبق على قول، وفي الثاني على قول آخر؟ مشى صاحب الإنصاف على هذا، وقال: إن صاحب المقنع رحمه الله مشى في أول كلامه على قول، وفي الثاني على قول آخر، ولكن عندي أن الجمع بينهما هو أنه في الأول عُيِّن الراكب، قال: أنا أستأجر البعير إلى مكة، ثم مات، فهنا يكون تعيين المستأجر كتعيين المعقود عليه، وأما هنا فلم يُعيَّن، وحينئذ لا تنفسخ الإجارة بموت المتعاقِدَيْنِ أو أحدهما.
سبق لنا أيضًا أن الإجارة -إجارة الوقف- سبق أن مُؤْجِر الوقف إذا مات فإن الإجارة تنفسخ، إذا كان المؤجِر الموقوف عليه بأصل الاستحقاق، وسبق لنا الخلاف في هذه المسألة، وأن عمل الناس على أن إجارة الوقف لا تنفسخ.
قال: (ولا بضياع نفقة المستأجر ونحوه)، ضياع نفقة المستأجر: إنسان مثلًا استأجر مني دكَّانًا من أجل أن يبيع فيه أموالًا، فاحترقت الأموال، هل نقول: إن الإجارة تنفسخ؟ المؤلف يقول: لا، ما تنفسخ الإجارة، ويُلزَم هذا الذي احترق ماله بدفع أيش؟ الأجرة؛ لأنه بإمكانه إذا لم ينتفع هو بالدكان أن يؤجره، وربما يكون الأسعار ارتفعت بعد، فلهذا لا تنفسخ باحتراق متاع مستأجِر الدكان.
واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنها تنفسخ؛ لأن هذا عذر لا حيلة فيه، وعرض الدكان للتأجير قد يؤجَّر وقد لا يؤجَّر، وقاسَه رحمه الله على وضع الجوائح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ» . (2)
وقال: هذا الرجل الذي احترق متاعه لم يقبض المنفعة؛ لأن المنفعة -كما تعلمون- في الإجارة تأتي أيش؟ لا إله إلا الله! المنفعة في الإجارة؟
طالب: في العين.
الشيخ: تأتي شيئًا فشيئًا، وهو لم يستأجر .. العين ليس عليها عقد إيجار، المنفعة تأتي شيئًا فشيئًا، وهو لم يقبضها، وتعذَّر قبضه إياها بأمر لا قِبَل له به، فيكون كالثمر الذي أصابته جائحة.
وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله أولى، لا سيما إذا كان المستأجِر يعلم أن هذا إنما استأجر البيت لبيع هذا المتاع الذي أيش؟ احترق، أما إذا كان لا يدري؛ جاءه إنسان واستأجر منه الدكان، ولم يقل له شيئًا، فهنا قد يتوجَّه ما قاله المؤلف رحمه الله؛ أن الإجارة لا تنفسخ؛ لأن المؤجِّر لا يعلم.
فالحاصل الآن أنه إذا احترق متاع الرجل الذي استأجر الدكان لبيعه فيه، فالمذهب أن الإجارة لا تنفسخ، وإذا قال المستأجِر: يا جماعة أنا ما عندي شيء، ماذا نقول له؟ نقول: أَجِّرْه، ربما تؤجره بأكثر، أو بمثل ما استأجرت به، أو بأقل، المهم أَجِّرْه، أنت مالك المنفعة.
والقول الثاني في هذه المسألة: أن الإجارة تنفسخ، قياسًا على الثمر الذي على رؤوس النخل إذا أصابته جائحة فالضمان على مَن؟ على البائع، هذا هنا نقول: الضمان على المؤجِر؛ لأن المنفعة التي يريد أن يستغلها المستأجر لم تُقبَض بعد، فهو كالثمر الذي لم يُقبَض، وقلنا: هذا القول أصح.
مثل أيضًا ضياع نفقة المستأجر؛ رجل استأجر بعيرًا ليحج عليه، فأراد الله عز وجل أن تضيع نفقته، إذا ضاعت النفقة هل يمكن أن يحج؟ لا يمكن، اللهم إلا بِقَرْض، والقرض لا يَلزمه، المهم أنها ضاعت النفقة، يقول المؤلف: إن الإجارة لا تنفسخ؛ لأن العذر هنا لا يتعلق بنفس المعقود عليه، ونقول لهذا الذي ضاعت نفقته وترك الحج: أَجِّر البعير، بإمكانك أن تؤجره.
ولكن القول الراجح في هذه المسألة أيضًا أن الإجارة تنفسخ؛ لأن صاحب البعير حيث علم أن الرجل استأجرها ليحج عليها وأن نفقته ضاعت فالعذر هنا أيش؟ واضح، لا قِبَل له به، فهو كوضع الجوائح.
يقول رحمه الله: (وإن اكترى دارًا فانهدمت انفسخت الإجارة في الباقي)، اكترى دارًا فانهدمت، يعني إما بالسيول، أو انهدمت بزلزال -والعياذ بالله- أو بغير ذلك من أسباب الهدم، أو أنه هُدِمَت لصالح شارع المسلمين، فإن الإجارة تنفسخ؛ لتعذُّر استيفاء المنفعة في المعقود عليه، وما قبل ذلك ينفسخ أو لا؟
طلبة: لا ينفسخ.
الشيخ: لا ينفسخ، ولهذا قال:(انفسخت الإجارة في الباقي)، وأما ما استوفاه من قبل فهو على ما استوفاه، ولكن هل يؤخَذ من الأجرة بقسط المدة أو بقسط الأجرة؟ أيش الفرق؟
طالب: الفرق أن بقسط المدة تكون الأقساط متساوية، فإذا مضى ربع مدة كانت له ربع الأجرة، وبقسط الأجرة ما لو إذا ارتفعت أو انخفضت الأسعار أو أجرة العين المؤجرة.
الشيخ: نعم الفرق هو هذا، إذا قلنا بقسط الأجرة مثلًا، وهو استأجرها سنة، مضت ثلاثة أشهر هي موسم الإجارة، ثم انهدمت بعد ثلاثة أشهر، إذا قلنا بقسط المدة معناه يلزمه كم؟ ربع الأجرة؛ لأنه راح ثلاثًا من اثني عشر، وإذا قلنا: إنه بقسط المنفعة والأجرة، قلنا: إن أجرتها في هذه الأشهر الثلاثة تقابل أجرتها بقية السنة، انظر مثلًا إلى بيوت مكة إجارتها في الحج أكثر من إجارتها كل السنة، أليس كذلك؟
فنقول: هنا لا نعتبر القسط بالمدة، وإنما نعتبره بأيش؟ بالمنفعة.
كذلك أيضًا يقول: (أرضًا لزرع فانقطع ماؤها)، استأجر أرضًا لزرع، وقد نص في عقد الإجارة أنها للزرع، فانقطع الماء، يقول المؤلف: إن الإجارة تنفسخ، السبب: لتعذُّر استيفاء المنفعة؛ لأن الزرع لا يمكن أن يقوم إلا أيش؟ إلا بماء، كذلك بالعكس لو غرقت الأرض، مثلًا هذه الأرض روضة وتداركت الأمطار عليها، وصارت بحرًا كلَّ مدة الزرع، فهل تنفسخ الإجارة؟
طالب: نعم.
الشيخ: لماذا؟ لتعذُّر استيفاء المنفعة من غير أحد الطرفين، يعني بأمر لا قِبَل لهما به.
(وإن وَجَدَ العين معيبة، أو حدث بها عيب، فله الفسخ، وعليه أجرةُ ما مضى) إذا وجد عينًا معيبة، والعيب هنا ما تنقص به الأجرة، ليس كل عيب يُعْتَبَر عيبًا، لكن العيب هنا ما تنقص به الأجرة، وقد يقال: إن العيب ما يفوت به غَرَض المستأجر، سواء نقصت الأجرة أم لم تنقص، لكن على قياس قولهم في عيب المبيع أن العيب هو ما ينقص الأجرة، فإذا وجدها معيبة يقول المؤلف:(فله الفسخ، وعليه أجرة ما مضى)، (له) الضمير يعود على مَن؟ المستأجر، (الفسخ) يعني فسخ الإجارة، (وعليه أجرة ما مضى) هذا إذا حدث بها العيب.
وهل له أن يُبْقِيَها في الأَرْش؟ بمعنى أن يقول: أنا بصبر على العيب اللي فيها، لكن أريد الفرق بين أجرتها سليمة وأجرتها معيبة، هل له ذلك؟
ظاهر كلام المؤلف: لا، أنه لا يُخَيَّر، وأنه يقال له: إما أن تأخذها بما فيها من العيب وإلا فاتركها، أنت مُخَيَّر بين أيش؟ بين أَخْذِها على ما فيها من عيب، أو ردها وتفسخ الأجرة.
مثال ذلك: استأجر بيتًا فجاء المطر وأصاب البيت وخَرّ السقف، وأفسد بعض ما فيها من الديكور وما أشبه ذلك، فنقول: للمستأجِر أن يفسخ، لكن لو قال المؤجِر: أنا أزيل العيب الآن بدون ضرر عليك، فهنا نقول: لا، ليس له فسخ، ما دام العيب سيُزَال بدون ضرر عليه فإنه لا فسخ له؛ لأنه لن يفوته شيء، وهذا يقع كثيرًا مثل أن تأتي السيول وتدخل البيت وتأتي بقش من الشارع وبالأشياء التي يمكن تنظيفها، فقال له المؤجر: أنا أزيل عنك هذا كله، فهنا نقول: لا فسخ، ما دام أنه سيزيل هذا العيب على وجه لا يفوت به غرض المستأجر فإنه لا داعي لتمكينه من الفسخ.
يقول: (أو حدث به عيب فله الفسخ، وعليه أجرة ما مضى).
طالب: لو أَجَّرَه يعني ثم منعه من تمكينه من الاستيفاء من هذا المستأجَر، ثم انخفضت الأسعار، فلما علم بانخفاض الأسعار مَكَّنَه من هذا المستأجَر؟
الشيخ: سبق لنا هذه المسألة؛ أنه ليس له شيء، المؤجِر إذا منع المستأجر ولو يومًا واحدًا فليس له شيء.
الطالب: المؤجِر منعه في الأول لكن لما علم بانخفاض الأسعار ..
الشيخ: لا، هذه هي، حتى في هذا الحال، نقول: ليس لك شيء؛ لأنه عقد على سنة مثلًا، أنت الآن ما أوفيت، ما مر علينا هذا؟ أنه إذا منعه المدة أو بعضها فلا شيء له.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، إذا اكترى أرضًا لزرع فإن المؤجِر يعود على المستأجر بقدر الأجرة، ولا يعود بقدر قسط من المدة.
الشيخ: ما قلنا هذا، استأجر أرضًا أو (
…
) بيتًا.
الطالب: بيتًا.
الشيخ: بيتًا طيب.
الطالب: قلنا بأنه يرجع عليه بقدر الأجرة، ويرجع عليه بقدر مدة الـ ..
الشيخ: نعم.
الطالب: شيخ، أشكل عليَّ أنه أليست قدرة الإجارة أو ثمن الإجارة يعيَّن حين عقد الإيجار؟
الشيخ: بلى.
الطالب: فكيف إذن يا شيخ يقال بأنه قدر (
…
).
الشيخ: أنا مثلًا أَجَّرت هذا الرجلَ هذا البيتَ بعشرة آلاف ريال، من ضمنها الموسم الذي يساوي البيت فيه خمسة آلاف ريال، الموسم ثلاثة أشهر، ولهذا لو جاءني هذا الرجل بعد فوات الموسم أجرته بخمسة آلاف ريال، مع أنها تسعة أشهر.
طالب: إذا كان هذا البيت ليس فيه موسم، لكن ترتفع الأسعار، فهل ..
الشيخ: لا عبرة بها، لا عبرة بارتفاع الأسعار؛ لأن هذا شيء طارئ، وليس شيئًا ..
طالب: قلنا: إذا الراكب مات وخَلَّفَ بدلًا لا تنفسخ الإجارة، الخليفة مَن الذي يعينه؟
الشيخ: مثلًا هذا الرجل استأجر الجمل ليحج به، ومعه ابنه، ابنه يركب معه عُقبةً، مرة الأب يركب ومرة الابن، ومات الأب، خَلَّف بدله.
الطالب: المنفعة لا تكون في التركة، وتكون من حق الابن وغيره؟
الشيخ: بلى، لكن في هذه الحال غيره لا يمكن، وهذا يستوفي ويرجع بقية الورثة عليه.
الطالب: وهل يكون شخص آخر لا يركب معه؟ يعني يأتي زيد ابنه ويقول: أنا أريد أن أستوفي منفعة؟
الشيخ: نعم.
الطالب: وإذا رفض المؤجِر؟
الشيخ: ما يرفض.
الطالب: يقول: لأن الجسم هذا صغير وهذا كبير، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا جسمه على الراحلة.
الشيخ: والله ما أظن أن فرقًا بيصير بين راكبين .. (
…
)
***
طالب: ولا حَجَّام وطبيب وبَيْطار لم تَجْنِ أيديهم إن عُرِف حِذْقُهم، ولا راعٍ لم يَتَعَدّ، ويضمن المشترك ما تلف بفعله، ولا يضمن ما تلف من حِرْزِه أو بغير فعله، ولا أجرة له، وتجب الأجرة بالعقد إن لم تؤجَّل، وتُسْتَحَقّ بتسليم العمل الذي في الذمة، ومَن تَسَلَّم عينًا بإجارة فاسدة وفرغت المدة لزمه أجرة الْمِثْل.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كيف نتصور قول المؤلف: (أرضًا لزرع فانقطع ماؤها أو غرقت)؟
طالب: شيخ، استأجر مزرعة ثم غارت البئر.
الشيخ: أرضًا يزرعها، ثم؟
الطالب: ثم غارت البئر، فهذه تنفسخ الإجارة.
الشيخ: يكون فسخًا للإجارة، وذلك لتعذُّر ..
الطالب: استيفاء المنفعة.
الشيخ: نعم، أحسنت، (أو غرقت)؟
الطالب: كأن تكون مثلًا قرب نهر، ثم زادت المياه في هذا النهر وطَمَّتْهَا المياه فلم يستطع الانتفاع بها.
الشيخ: كذلك لو كان أودية مثلًا تدك في هذه الأرض، واستمرت كل مدة الزرع فكذلك.
اكترى دارًا فانهدمت، هل لصاحبها الأجرة كاملة، أو ليس له شيء؟
طالب: ليس لصاحبها شيء، إلا على خلاف، هناك قول أنه يدفع المدة التي سكنها، والقول الآخر أنه لا يدفع شيئًا، وهو الراجح.
الشيخ: انهدمت؟
الطالب: لتعذُّر استيفاء المنفعة، فإنه لا يستطيع أن ينتفع من الدار.
الشيخ: يعني إذن فيها قولان.
الطالب: الذي ذكرناه يا شيخ؟
الشيخ: فيها قولان، فهمت من كلامك الآن فيها قولان، قول أنه ليس لصاحب الدار شيء، وقول آخر أنه يستحق من الأجرة بقدر ما انتفع المستأجِر.
الطالب: هذا يبدو أنه مرجوح، ما ..
الشيخ: المهم فيها قولان، ما أقول: مرجوح ولَّا راجح، فيها قولان.
طالب: فيها قول واحد.
الشيخ: وهو؟
الطالب: أنه يستحق ما انتفع به من العين المؤجَّرة.
الشيخ: يستحق من الأجرة بقدر ما انتفع به المستأجِر؟
الطالب: قبل الانهدام.
الشيخ: إي نعم، بقدر ما انتفع به المستأجر، كذا؟ طيب، هذا هو الصحيح، ما فيها قولان، إنما القولان فيما إذا أخرجه صاحب الدار.
إذا حدث عيب في العين المستأجرة فهل للمستأجِر الفسخ؟
طالب: (
…
).
الشيخ: ما فيه قيمة.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا ما فيه بيت، ما هو بيع، ليس بيعًا، استأجر بيتًا فحصل فيه عيب، هل نقول: بمجرد العيب لك أن تفسخ؟
طالب: لا، (
…
) ينتهي عند استيفاء المنفعة ..
الشيخ: تمام، يعني ما منع استيفاء المنفعة فله الفسخ.
قلنا: لو أنه أمكنه أن يُصْلِح هذا العيب قبل أن يمضي وقت تفوت فيه المنفعة؟
طالب: ليس له الفسخ.
الشيخ: ليس له الفسخ، صح.
إذا قال: أنا أريد أن أبقى، لكن أريد أن تُنَزِّل لي من الأجرة بقدر الفرق بين أجرتها سليمة وأجرتها معيبة؟
طالب: إذا اتفقَا ..
الشيخ: لا، إذا اتفقَا واضح، إذا لم يتفقَا؟
الطالب: ليس له ذلك.
الشيخ: ليس له ذلك، سمعتم هذا؟ هذا يسمى عند الفقهاء الأَرْش، فالمشهور من المذهب أنه لا أَرْش له، يقال: إما أن تبقى بها معيبة، وإما أن تفسخ، والقول الثاني: إن فيها الأَرْش قياسًا على العيب في المبيع، والأقرب أنه ليس له أَرْش، حتى العيب في المبيع سبق لنا أن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن الأرش معاوضة جديدة ما يُجْبَر عليها أحد إلا برضا منه.
***
قال: (ولا يضمن أجيرٌ خاص، ويضمن المشترك)، أفادنا المؤلف رحمه الله من هذا أن الأُجَرَاء نوعان:
أجير خاص، وأجير مشترك، فما هو الفرق بينهما؟
ما كان مستأجَرًا بالزمن فهو أجير خاص، وما كان مستأجَرًا على عمل فهو أجير مشترك.
يظهر ذلك بالمثال: استأجرت عاملًا يعمل عندي في البيت، أو في الدكان، أو في المزرعة، هذا أيش هو؟ هذا أجير خاص؛ لأن عمله مقدَّر بالزمن، الشهر بكذا وكذا، الأسبوع بكذا وكذا، اليوم بكذا وكذا.
استأجرت خياطًا يخيط لي ثوبًا، هذا مشترك؛ لأن نفعه مقدَّر بأيش؟ بالعمل، وإنما سُمِّيَ الأول خاصًّا؛ لأن زمنه خاص بالمستأجِر، لا يملك المؤجَر أن يتصرف فيه، لا يملك أن يعمل لرجل آخر في هذه المدة؛ لأن المدة خاصة بِمَن؟ بالمستأجِر، المشترك ليس خاصًّا بالمستأجِر، المشترك قد فتح بابه لكل أحد، فتجد الخياط مثلًا يأتيه فلان وفلان وفلان، كل واحد منهم يريد أن يخيط له ثوبًا، فهو مشترك، إذن الفرق بين الخاص والمشترك ما قُدِّر نفعه بالزمن فهو خاص، وما قُدِّرَ بالعمل فهو مشترك.
هل يمكن أن يجتمعَا؟ بمعنى أن أستخدم هذا الرجل عندي على عمل معيَّن، أقول: أنا أريد أن أستأجرك لمدة خمسة أيام، تخيط لي في اليوم كذا وكذا ثوبًا؟ الجواب: لا؛ لأن الخاص يقضي على العام، ما دمت قدَّرْت مدته بالزمن فهو خاص وإن كنت قد عيَّنْتَ له عملًا معينًا، انتبه للفرق بينهما من حيث الحكم.
قال: (ولا يضمن أجير خاص ما جَنَت يدُه خطأ)، وذلك لأن الأجير الخاص يعمل كالوكيل عن المستأجِر.
مثال ذلك: استأجرت عاملًا عندي شهرًا بكذا وكذا أجرة، ليعمل، في يوم من الأيام أخطأ العمل، وصار في هذا الخطأ ضرر عَلَيّ، أيضمن أو لا؟ يقول المؤلف: لا، لا يضمن؛ لأنه يشتغل عندي بالوكالة عني، والوكيل لا يضمن ما تلف من فعله بلا تَعَدٍّ ولا تفريط.
استأجرت خياطًا عندي، قلت: يا فلان، تعال، أنا أريد أن أستأجرك لمدة شهر للخياطة، ولا عَيَّنت له ثوبًا معينًا ولا شيئًا، هو عندي يخيط آتي له بثوب (
…
) بأي شيء يخيطه، أخطأ في التفصيل، يضمن أو لا يضمن؟
طلبة: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن؛ لأنه لم يَتَعَدّ، وهو يتصرف بالوكالة عني، والوكيل لا يضمن ما لم يَتَعَدّ أو يُفَرِّط.
كذلك (ولا حَجَّام وطبيب وبَيْطَار لم تَجْنِ أيديهم إن عُرِف حِذْقُهم)، يعني: ولا يضمن الْحَجَّام، والْحِجَامة: هي استخراج الدم من الإنسان بطرق معينة، ولها أحوال وأوقات، أحوال يُطْلَب من الإنسان أنه يحتجم، وأحيانًا يُنْهَى أن يحتجم، وكذلك لها أزمان معينة معروفة عند الذين يمارسون هذه المهنة.
الطبيب معروف، من هو الطبيب؟ هو الذي يعالج البشر، يسمى طبيبًا.
بَيْطَار: هو الذي يعالج البهائم.
(لم تَجْنِ أيديهم إن عُرِف حِذْقُهم)، اشترط المؤلف رحمه الله في خطأ الحجام والطبيب والبَيْطَار في عدم ضمانه اشترط شرطين: الأول ألَّا تَجْنِي أيديهم، ومعنى تَجْنِي أي: تزيد على قدر الحاجة، سواء عن عمد أو عن خطأ، والشرط الثاني: إن عُرِفَ حذقهم، أي: إجادتهم للصنعة ومعرفتهم بها، فإذا اجتمع هذان الشرطان فلا ضمان.
مثال ذلك؛ أولًا في الحجّام: الحجَّام هذا رجل معروف بالحذق، لكنه أخطأ وقطع عرقًا لا يُقْطَع مثله في الحجامة، فهلك الرجل المحجوم، أيضمن أو لا؟
طلبة: يضمن.
الشيخ: يضمن، لماذا؟ لأن يده تعدت موضع الحاجة وإن كان خطأ؛ لأن ضمان الأنفس والأموال لا يُشْتَرَط فيه القصد، ولهذا يجب الضمان على المجنون إذا أتلف المال، وإذا أتلف البهيمة، وإذا أتلف النفس، إلا أنّ عَمْدَه خطأ، هذا الحجّام.
الطبيب أراد أن يفعل عملية، ولتكن عملية زائدة، أجرى العملية لكن المشرط تجاوز الحاجة، بأن فتح أكثر مما يحتاج إليه، فهلك المريض، يضمن أو لا يضمن؟
الطلبة: يضمن.
الشيخ: لماذا؟ لأنه جَنَت يده.
والبَيْطَار كذلك، البَيْطَار الذي يداوي البهائم تعدى فيضمن.
في وصف الدواء؛ طبيب وصف الدواء للشخص، قال: خذ مثلًا خمسة أقراص من هذا الدواء، ويكفيه ثلاثة، هذا أخذ خمسة أقراص فهلك، أيضمن أو لا يضمن؟ يضمن؛ لأنه جَنَت يده في الواقع، أخطأ في التقدير فيكون ضامنًا، وإن كان غير آثم لكنه ضامن.
الشرط الثاني: إن عُرِف حِذْقُهم، يعني بأن يكون مُجَرَّبًا في الإصابة، عارفًا، فإن لم يُعْرَف فإنه يضمن بكل حال، حتى وإن لم يتعدَّ موضع الحاجة.
رجل لا يعرف الجراحة، ولا يعرف يعمل عمليات، فجاءه إنسان، وقال: والله فيه الزائدة، قال: الزائدة سهلة، أنا قد رأيت صورتها في الكتاب الفلاني، وتوكَّل على الله، اضطجع! ما هو حاذِق، ففعل، شق البطن لكن عجز أن يخيطه، هذا يضمن أو لا يضمن؟
طلبة: يضمن.
الشيخ: هذا يضمن لا شك؛ لأنه يحرُم على الإنسان أن يتعاطى الطب وهو لا يعرفه، فكما أن المسائل الدينية يحرُم على الإنسان أن يُفْتِيَ فيها بلا علم، كذلك أيضًا المسائل غير الدينية لا يجوز للإنسان أن يتقدم إليها بلا علم، فيكون ضامنًا، مثال ذلك أيضًا إنسان قلنا له: هذا صبي نحب أن تَخْتِنَه، وهو غير خَتَّان، من اجتهاده قال: أنا أريد أن أبالغ في الختن؛ لأنه أطهر وأحسن، فقطع الحشفة مع القلفة، أيش يكون هذا؟ يضمن ولَّا لا؟
الطلبة: يضمن.
الشيخ: ليش؟
طالب: تعدى.
الشيخ: لا، ما هو تعدى، هذا أصلًا؛ لأنه غير حاذق، هذا من الأصل يُمْنَع؛ لأنه غير حاذق، فإن كان حاذقًا وأخطأ واحترز غاية الاحتراز من أن يتعدى على الحشفة، إلا أنه أصاب أعلى الحشفة، يضمن أو لا؟ يضمن؛ الأول لعدم الحذق، والثاني لأن يده جَنَت، وإن شئت فقل: الأول للأمرين جميعًا.
إذا أردنا أن نُصَوِّر الأول، الذي هو عدم الحذق بدون التعدي، لو أن هذا الخاتن ختن وقطع القلفة فقط قطعًا تامًّا، بمعنى أنه ليس فيه نقص، لكن الجرح تَعَفَّن حتى أدى إلى هلاك الصبي، فيضمن أو لا؟
الطلبة: يضمن.
الشيخ: لماذا؟ لأنه غير حاذق، لا لأن يده جَنَت، لكن لأنه غير حاذق، فصار مُمْكِنًا الآن أن نقول: يجتمع الضمان في عدم الحذق وحده، وفي جناية اليد وحدها، وفيهما جميعًا، حسب الأمثلة التي ذكرنا.
لو قال قائل: إذا قلتم باشتراط الحذق، معناه أنه لا يمكن أن يتقدم الطب؛ لأننا إذا قلنا: إنه لا يتطبب بوصف الدواء أو الجراحة أو غير ذلك إلا مَن كان حاذقًا، فمتى يتعلَّم الإنسان؟
نقول: يمكن يتعلم بالدراسة والتطبيق العملي قبل أن يباشر هو المعالَجة، أما أن يأتي إنسان متعلم ولم يكن حاذقًا ليجري التجارب على الأصحاء حتى يموتوا هذا لا يجوز.
يقول رحمه الله: (ولا راعٍ لم يَتَعَدّ الرعي)، يعني: رعي الماشية، سواء رعي إبل، أو رعي غنم، أو بقر، أو ظباء، أو غيرها، لا يضمن إذا لم يَتَعَدّ، يعني أو يُفَرِّط، إذا لم يتعد أو يُفَرِّط فإنه لا يضمن؛ لأنه أمين مؤتَمَن، والبهائم حصلت بيده بإذن من؟ بإذن مالكها، فيَدُه يَدُ أمانة، هذا الراعي عَدَا عليه ذئاب، وأكلت ما أكلت من الماشية، هل عليه الضمان؟ لا، ليس عليه ضمان، لكن عليه أن يدافع، إلا أنه عجز عن مدافعة هذه الذئاب، وأكلت ما أكلت من الماشية، نقول: ليس عليه ضمان.
الثاني: راعٍ فَرَّط، أوقف الماشية في بطن الوادي، والسماء مغيمة، والمطر حَرِيّ بالنزول، فأنزل الله المطر، ومشى الوادي، واجترف الماشية، أعليه ضمان أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: عليه ضمان؛ لأنه مُفَرِّط.
مثال ثالث؛ المتعدِّي: راعٍ كان بينه وبين الأرض التي يريد أن يذهب إليها وادٍ يمشي، فجازَف، وقال: سأتعدى هذا الوادي بالماشية، فخاض الماء فهلكت الماشية، فيضمن أو لا؟ يضمن؛ لأنه مُتَعَدّ، هو مَنْهِي عن أن يفعل أو أن يعمل عملًا يضر بالماشية.
ومن ذلك أيضًا لو نزل بَرَد من السحاب، ولم يُدْخِلْها في الظل تحت السقف حتى ماتت فعليه الضمان؛ لأنه مُفَرِّط، والواجب أن يُدْخِلها في محل تنجو به.
(ولا راعٍ لم يتعد)، ثم قال:(ويضمن المشترَك)، يعني الأجير المشترك.
(ما تلف بفعله، ولا يضمن ما تلف من حِرْزِه أو بغير فعله، ولا أجرة له)، المشترك يضمن ما تلف بفعله، ولو بالخطأ في الخياطة، عليه الضمان؛ لأن الأموال والأنفس لا يُشْتَرَط فيها القصد، مضمونة بكل حال، فهذا خَيَّاط مشترك أتى الشخص إليه بخرقة وقال: خِطْهَا لي قميصًا، فأخطأ وخاطها سراويل، عليه الضمان أو لا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: قال: والله أنا نسيت، أو تَوَهَّمت أنك تريد السراويل، نقول: لا يسقط الضمان؛ لأنك أنت الذي فعلت، نعم يسقط الإثم، وأما الضمان الذي هو حق آدمي فإنه لا يسقط، وهذا معنى قوله:(ما تلف بفعله).
كذلك أيضًا لو أنه قال له: خِطْ هذا الثوب قميصًا واسعًا، والخرقة تكفي، لكن اجتهادًا منه قال: ليش أخلِّيه واسع، بخليه ضيق يعني معقولًا لأوفر الخرقة على صاحب الثوب، ففعل، يضمن أو لا يضمن؟ يضمن؛ لأنه فَعَلَ غير ما أُذِنَ له فيه، فيضمن.
إذا قلنا: إنه يضمن، هل له أجرة؟ الرجل تعب، خاط الخرقة على أنها سراويل، وأمضى وقتًا وخيوطًا واستعمالًا للآلة، هل له أجرة أو لا؟ ليس له أجرة.
في هذه الحال إذا قلنا: يضمن، هل نقول: يأخذ السراويل ويرد بدلها خرقة، أو نقول: يأخذ صاحب الخرقة السراويل، ويُعطَى الفرق بين القميص والسروال؟ الأول هو الواجب، لكن إذا اصطلحَا على شيء فلا بأس، لو قال: أنا آخذ السراويل ولكن أعطني الفرق بين السراويل والقميص، لا بأس إذا اتفقَا.
(ولا يضمن ما تلف من حِرْزِه أو بغير فعله)، لا يضمن مَن؟ الأجير المشترك.
(ما تلف من حِرزه)، فهذا الخياط مثلًا لما كان الليل أغلق الدكان بما جرت العادة أن يُغلَق به، ما قَصَّر في الإغلاق، ولكن أتت السُّرَّاق فسرقوا هذا الدكان، ومِن جملته الثياب التي استأجره صاحبُها لخياطتها، فهل يضمن أو لا يضمن؟
طلبة: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن؛ لأنه لم يُفَرِّط، وضعها في حِرز.
عَلَّق الثوب خارج الدكان ليتذكر صاحبه إذا مَرَّ، فيقف ويأخذه ويعطيه الأجر، فنسي أن يُدْخِلَه في الدكان، فأُخِذَ الثوب.
الطلبة: يضمن.
الشيخ: يضمن، لماذا؟ لأنه تلف في غير حرزه، والمؤلف يقول:(لا يضمن ما تلف من حرزه)، وهذا لا شك أنه ليس حرزًا؛ أن يعلقه عند باب الدكان من الخارج.
كذلك أيضًا (أو بغير فعله)، ما تلف بغير فعله كذلك لا يضمن، كما لو احترق الدكان فتلف الثوب الذي استُؤْجِر لخياطته، هذا التلف هل هو من فعله؟ لا، ليس من فعله، إذن لا ضمان عليه؛ وذلك لأنه لم يَتَعَدّ ولم يُفَرِّط، لكن يقول:(ولا أجرة له) لا أجرة لهذا الأجير، مع أنه خاطه وعمل فيه، وأمضى زمنًا في خياطته، وأتى بكل ما استُؤْجِر عليه، يقول المؤلف: لا أجرة له؛ لأنه لم يُسَلِّم الثوب لصاحبه، وصاحبه إنما استأجره ليعمله ثوبًا يلبسه وينتفع به، وقد فاتت هذه المنفعة، فلا يكون لهذا الأجير أجرة.
والصحيح أن له الأجرة، والقول الراجح أن له الأجرة؛ لأنه وَفَّىَ بما .. أيش؟ بما استُؤْجِر عليه، وتلف الثوب مثلًا على حساب مَن؟ حساب صاحبه المالك، أما الأجير فقد أدى ما عليه، فكيف نقول: لا أجرة له؟ !
فإن قال صاحب الثوب: إنك لم تعمل فيه شيئًا، لم تَخِطْه، وقال: إني خِطْته، فمَن القول قوله؟ قول المالك ولَّا قول الخياط؟
الطلبة: الخياط.
الشيخ: لا إله إلا الله، ويش الأصل، الخياطة أو عدمها؟
طلبة: عدمها.
الشيخ: الأصل عدم الخياطة، حتى لو فُرِضَ أنه مضى مدة يمكنه أن يَخِيط هذا الثوب فيها، ثم ادَّعى أنه خاطَه، ولكن المالك قال: لم تَخِطْه، فالقول قول المالك؛ لأن الأصل عدم الخياطة، ولكن لاحظوا أن مَن قُلْنا: القول قوله، فلا بد من اليمين.
وهل اليمين هنا على البَتّ أو على نفي العلم؟ نقول: على البت، فإذا قال: أنا لا أحلف على البَتّ، قلنا: إذن نأخذ بقول الخياط، وإن قال: أنا أحلف على نفي العلم، قلنا: هذا لا يُدْفَع به قول الخصم؛ لأن الأصل أن دعواه إذا لم يعارضها ما هو أقوى منها حق.
طالب: (
…
).
الشيخ: ولا وجهة له، إذن الصحيح أن له الأجرة.
طالب: هذا الطبيب الذي ادعى الطبابة وكان بسببه هلاك هذا المريض، لماذا لا يُحَدُّ قصاصًا حيث إنه ادعى ما ليس له به علم؟
الشيخ: أسمعتم كلامه؟ يقال: إن هذا الطبيب الذي تَطَبَّبَ بغير علم، لماذا لا يُقتَل قصاصًا؟ نقول: أولًا: هذا الرجل ما أراد القتل، مجتهد لكن أخطأ.
طالب: عَمْدًا يا شيخ.
الشيخ: لا ما عمد، لو قيل له: هل أنت أتيت بالْمِشْرَط لتشق بطنه ليموت؟ قال: لا، أنا أريد شق بطنه ليَسْلَم.
طالب: شيخ، بالنسبة إذا تلف في حرزه على قول المذهب ..
الشيخ: كيف؟
الطالب: ماذا لو تلف إذا كان يا شيخ (
…
).
الشيخ: كيف؟
الطالب: (
…
) الخياط يا شيخ.
الشيخ: المؤلف يقول: لا يضمن ما تلف من حرزه، لا يضمن، ولا أجرة له، لكن قلنا: الصحيح أنه إذا كان عمل فيه فله أجرة.
الطالب: على قول المذهب؟
الشيخ: المذهب لا أجرة له.
الطالب: (
…
) يضمن (
…
).
الشيخ: ما يضمن، هذا كلام المؤلف، يقول: لا يضمن ما تلف من حِرْزه.
طالب: بناء على أن (
…
) على أن يأتي به بعد ثلاثة أيام، فأتى به بعد أربعة؟
الشيخ: المذهب لا تصح الإجارة، يعني يقول: لا يجوز الجمع بين الزمن والعمل.
الطالب: (
…
) يأخذه يوم السبت، فذهب يوم السبت فلم ينته منه، فأعطاه يوم الأحد، فهل يجوز ..
الشيخ: أصل الإجارة على المذهب فاسدة، والصحيح أنها غير فاسدة، الصحيح أنه يجوز الجمع بين مدة العمل والعمل، ولا بأس به؛ لأن هذا فيه مصلحة، لكن يستعمل بعض الناس الآن في المقاولة يقول: نَفِّذْ لي هذه الفيلَّا في خلال سنة، فإن تمت السنة فعليك بكل يوم خصم كذا وكذا، فهل هذا جائز؟ العمل على هذا الآن، والصحيح أنه جائز بشرط أن تكون المدة المقدَّرَة مدة معقولة، بحيث إن هذه الفيلّا تُبْنَى في هذه المدة، أما لو كانت تُبنى بسنة وقال: في خلال ستة أشهر، فهذا لا يجوز؛ لأنه غَرَر.
طالب: المعروف الآن الذي عليه عمل الناس أن القماش من الخيّاط، هل يختلف الأمر في ذلك؟
الشيخ: إي نعم؛ لأنه إذا صار من الخيّاط فهو على حساب الخياط، يعني معناه إذا تلف ليس له أجرة وليس له قيمة.
طالب: إذا لم يدفع صاحب الثوب الثمن، وأمسك الأجيرُ الثوبَ حتى يدفع صاحب الثوب، على ما هو موجود الآن ..
الشيخ: يعني حبسه على الأجرة.
الطالب: على ما هو موجود الآن.
الشيخ: هو موجود الآن هذا؟ يعني هل مثلًا الخيّاط يقول: أنا ما أعطيك الثوب إلا أن تعطيني الأجرة، موجود هذا؟
طلبة: موجود.
الشيخ: موجود؟ لا، يمكن إذا لم يَثِق من الرجل.
الطالب: (
…
).
الشيخ: أنا فهمت؟
الطالب: نعم.
الشيخ: إذا لم يثق، معلوم، لا بد أن يقول: ما أعطيك الثوب إلا أن تعطيني الأجرة، لكن في هذه الحال لو أنه تلف فهل يضمن الخياط أو لا يضمن؟
نقول: إن قلنا بجواز حبسه على أجرته فلا يضمن؛ لأنه بحق، وهذا هو الحق؛ أنه لا يضمن؛ لأن له الحق أن يقول: لا أُسَلِّمه حتى يعطيني الأجرة.
طالب: شيخ، على ما هو جارٍ الآن.
طالب آخر: عقد خياطة الثوب، اجتماع البيع والإيجار، مع عدم تحديد قيمة القماش؟
الشيخ: ما له وجه، هذا يسمونه استصناع السلعة، والصحيح أنه جائز، إذا وُصِفَ بالوصف فلا بأس.
الطالب: هذه جهالة.
الشيخ: هذه جهالة يسيرة (
…
).
طالب: شيخ بارك الله فيكم، سبق في الوديعة بأن المودَع إذا ادعى الرد (
…
) لأنه أمين، مع أن الأصل عدم الرد، وهذه الصورة تشبه تلك من ناحية.
الشيخ: لعلك نسيت القاعدة، إذا قبض (
…
) فيُقْبَل قوله في الرد، إذا كان بحظه هو ..
وتَجِبُ الأجرةُ بالعَقْدِ إن لم تُؤَجَّلْ وتَستحِقُّ بتسليمِ العملِ الذي في الذِّمَّةِ، ومَن تَسَلَّمَ عينًا بإجارةٍ فاسدةٍ وفَرَغَت الْمُدَّةُ لَزِمَه أُجرةُ الْمِثلِ.
(باب السَّبْق)
يَصِحُّ على الأقدامِ وسائرِ الحيواناتِ والسفُنِ والْمَزَارِيقِ، ولا تَصِحُّ بعِوَضٍ إلا في إِبِلٍ وَخَيْلٍ وسِهامٍ، ولا بُدَّ من تَعيينِ الْمَرْكُوبَيْنِ واتِّحادِهما والرماةِ والمسافةِ بقَدْرٍ مُعتادٍ، وهي جِعالةٌ لكلِّ واحدٍ فَسْخُها، وتَصِحُّ الْمُناضَلَةُ على مُعَيَّنَيْنِ يُحْسِنون الرَّمْيَ.
(بابُ العَارِيَّةِ)
وهي إباحةُ نفْعِ عينٍ تَبْقَى بعدَ استيفائِه، وتُباحُ إعارةُ كلِّ ذي نَفْعٍ مُباحٍ،
في حال لو أنه تلف، فهل يضمن الخياط أو لا يضمن؟ نقول: إن قلنا بجواز حبسه على أجرته فلا يضمن؛ لأنه بحق، وهذا هو الحق أنه لا يضمن؛ لأن له الحق أن يقول: لا أسلمه حتى يعطيني الأجرة.
طالب: شيخ، هذا ما هو جارٍ الآن يا شيخ.
الشيخ: نعم.
طالب: حق خياطة الثوب (
…
) بيعًا وإجارة .. اجتماع البيع والإجارة ما عدم تحديد قيمة القماش.
الشيخ: ما يضر، هذا يسمونه استصناع السلعة، والصحيح أنه جائز إذا ضُبط بالوصف فلا بأس.
الطالب: هذه جهالة!
الشيخ: هذه جهالة يسيرة، هو إذا ضُبط بالوصف (
…
).
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- سبق في الوديعة بأن المودع (
…
) مع أن الأصل عدم الرد، وهذه الصورة تشبه تلك من (
…
)؟
الشيخ: لعلك نسيت القاعدة؛ إذا قُبض المال لحظ مالكه فقط فيُقبل قوله في الرد، إذا كان لحظه هو أو لحظه مع المالك فلا يُقبَل. هذه القاعدة.
طالب: إذا استشار رجل آخر في شيء ما فأشار عليه (
…
)، فعلى من يكون الضمان؟
الشيخ: على من أتلفه، إن أتلفه أجنبي فعلى من أتلفه، وإن تلف بفعل الله فلا ضمان فيه.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: لا أبدًا، أنت الذي استنصحتني، وأنت الذي وثقت بي، وأنا ما غشيتك هذا اللي أعرفه.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، حتى لو (
…
)، فالواجب أن يقول: لا أدري، لكن المفرط هذا الذي استشار من لا يعرف أنه أهل للمشورة، هو اللي فرط.
الطالب: الضمان على هذا حتى وإن كان هذا بغير علم؟
الشيخ: ما عليه شيء.
الطالب: يعني (
…
) المستشار.
الشيخ: المالك هو اللي استشار الرجل، قال: ماذا تقول في كذا وكذا؟ هل تشير عليَّ أن أرسل مثلًا غنمي إلى الجهة الفلانية؟ قال: نعم.
الطالب: من غير علم.
الشيخ: بغير علم، لا ما هو إلا بعلم، وإذا قُدِّرَ أنه بغير علم، نقول: أنت الذي استشرته أنت اللي فرطت.
طالب: (
…
) البيطار (
…
) يضمنه، وقلنا في الراعي: (
…
) ما يضمنه (
…
).
الشيخ: لا يا أخي؛ لأن هؤلاء بفعلهم، الطبيب، والبيطار، والحجام بفعلهم، الراعي ما من فعله، الراعي يتصرف لصاحب المال بالوكالة، فتلف الغنم بغير تعدٍّ منه ولا تفريط، ولهذا لو تعدى مثلًا أوجبنا عليه الضمان.
طالب: (
…
) اجتهد.
الشيخ: إي، لكن بفعله، هو اجتهد فأخطأ في أنه تجاوز محل الحاجم، هذا التجاوز نقول: ليس فيه إثم؛ لأنك لم تتعمد، لكن في حق الآدمي لا بد من الضمان. (
…
)
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى في باب الإجارة: وتجب الأجرة بالعقد إن لم تؤجل، وتُستحَق بتسليم العمل الذي في الذمة، ومن تَسلَّم عينًا بإجارة فاسدة، وفرغت المدة لزمه أُجرة المثل.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، لما ذكر المؤلف أحكام الإجارة وهي تتعلق بالعين المؤجرة في كل ما سبق ذكر ما يتعلق بالأجرة، والأُجرة هي العِوض التي اتفق عليها المتعاقدانِ، سواء كانت دراهم نقدًا أو عينًا أو منفعة، ولهذا يجوز استئجار منفعة بمنفعة، واستئجار عين بمنفعة، واستئجار عامل يعمل بمنفعة، فالمهم أن الأجرة هي ما يصح عقْد البيع عليه سواء كان منفعة أو عينًا أو نقدًا، تجب بالعقد؛ أي بعقد الإجارة، لكنها لا تستحق إلا بتسليم العمل الذي في الذمة، أو تسليم العين مع مُضِيِّ المدة.
وقوله: (إن لم تُؤجَّل) لأنها إذا أُجِّلت فقد رضي كلا الطرفين ألا تجب إلا بعد تمام الأجل، مثل أن أقول: أجَّرتك بيتي هذا بعشرة آلاف تحل في شهر محرم عام ثمانية عشر، فالأجرة الآن لم تجب؛ لأن الطرفين اتفقا على أن تكون متى؟ مؤجلة إلى محرم.
وتستحق بأمور: منها تسليم العمل الذي في الذمة؛ فإذا استأجرت عاملًا على أن يحرث لك هذه الأرض، وحرثها، استحق الأُجرة الآن، بكل حال؛ لأنه أدَّى ما عليه فاستحق ما له.
كذلك أيضًا تُستحق بتسليم العين المؤجرة إذا مضت المدة، سواء انتفع بها المستأجر أو لا، فإذا استأجرت بيتًا من شخص وسلَّمك المفتاح، ثم مضت المدة وأنت لم تسكنه، ولم تُؤجره، ولم تُسكنه أحدًا تبرعًا، فإن الأجرة ثابتة عليك؛ لماذا؟ لأنه سلَّمك العين التي وقع العقد عليها، وتسليم العين التي وقع عليها العقد بمنزلة تسليم العمل الذي في الذمة.
لكن لو منعه من هذه العين يد ظالمة قادرة على منعه، فهل نقول: إن الأجرة تُرد على صاحب العين؟ أو نقول: إن الظلم وقع على المنفعة التي استأجرها الأجير لها؟
الجواب: الثاني؛ يعني أن المنفعة تذهب على مَنْ؟ على المستأجر، ما هي على صاحب العين، فمثلًا لو أن شخصًا استأجر بيتًا من آخر، وسلَّمه المفتاح، ثم سُلِّط على هذا المستأجر يد ظالمة أخذت منه البيت قهرًا وسكنته مثلًا، فمن الضمان عليه؟ هل هو على مستأجر البيت، أو على مُؤجِر البيت؟
الأول: على مُستأجِر البيت؛ لأن المستأجر لما قبض العين المؤجرة ملك المنفعة الآن، فالظلم وقع عليه هو، وليس على المؤجِّر، أما لو تسلطت هذه اليد الظالمة على العين المؤجرة قبْل أن يُسلِّمها المؤجر، فهنا تفوت على مَنْ؟ تفوت على المؤجر؛ لأن الأجرة لم تُستحق بعد، إذ لا يستحقها إلا إذا تَسلَّم العين.
فصارت تستحق بتسليم العمل الذي في الذمة، والثاني: تسليم العَيْن التي وقع عليها العقد إذا مضت المدة، ثم قال:(ومن تَسلَّم عينًا بإجارة فاسدة وفرغت المدة لزمه أجرة المثل)، يعني لو عقد إنسان عقد إجارة فاسدة، وتسلَّم العين، ومضت المدة فإنه يلزمه أجرة الْمِثل دون الأجرة التي وقع عليها العقد، وذلك لأن الأجرة التي وقع عليها العقد أجرة فاسدة لعدم صحة العقد.
وظاهر كلام المؤلف سواء كانت أُجرة الْمِثل أقل مما وقع عليه العقد أو أكثر؛ لأنه لما ارتفع العقد الفاسد ارتفعت جميع متعلقاته، مثال ذلك رجل استأجر من شخص حُرًّا ليعمل عنده، ومعلوم أن تأجير الحر لا يجوز، كما جاء في الحديث الصحيح:«رَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ» (1).
وكذلك لو أجره فأكل أجرته فإنه لا يحل، فهذا إنسان مثلًا قال لشخص: أنت تريد عاملًا عندك؟ قال: نعم. قال: هذا غلامي، خذه الشهر بمئة ريال -وهو حُرٌّ- فالإجارة هنا صحيحة أو فاسدة؟ فاسدة لأنه لا يصح العقد عقد الإجارة على الحر، المهم أن المستأجر أخذ هذا الغلام واستعمله حتى تمت المدة، يقول المؤلف: إنه يلزمه أجرة المثل، يلزم من؟ المستأجر يلزمه أُجرة المثل، وذلك لأن عقد الإجارة كان فاسدًا، والفاسد وجوده كالعدم، ولكن كيف يقول المؤلف: أُجرة الْمِثل وهو حر لا يصح تأجيره؟ نقول: يُقدَّر كأنه قِنٌّ، كأنه عبد، فما أجرة هذا العبد؟ قالوا مثلًا: أجرته مئتا ريال، وهو قد استأجره بكم بمئة ريال، نقول: سلِّم مئتي ريال، لماذا؟ لأن الأجرة فاسدة، وهذا فيما إذا كان المستأجر عالِمًا بأن هذا الغلام ليس ملكًا له، هذا واضح أنه يلزمه أجرة المثل، وهو في المثال اللي ذكرنا كم؟ مئتا ريال مع أن العقد وقع على مئة، لكن هذا العقد فاسد.
فهنا لا شك أن القول بأنه يلزم المستأجر أجرة المثل قول صحيح؛ لأن المستأجر دخل على بصيرة وعلى عِلم بأن الإجارة غير صحيحة، لكن إذا كان لا يدري، وقد عقد الأُجرة على مئة، فكيف نُلزمه بمئتين وهو لا يدري؟ يقول الفقهاء رحمهم الله في التعليل: إن إتلاف مال الآدمي لا فرق فيه -أي في ضمانه- بين العالم والجاهل.
كما لو استعمل الإنسان شخصًا يظنه عبده، واستعمله في عمل، فعليه ضمانه، وإن كان لا يدري، ولكن في هذا نظر؛ لأن هذا الذي استعمله بالأجرة التي يظنها صحيحة كان مغرورًا، مَنِ الذي غرَّه؟
غرَّه المؤجر، وإذا كان مغرورًا فيجب أن يكون الضمان على الغار، وهذا هو مقتضى القياس الصحيح والنظر الصحيح، وعليه فنقول: يجب على المستأجر في المثال اللي ذكرنا كم؟ مئة، ويُضمن الآخر الذي أجره المئة الثانية، ويكون لهذا الغلام الحر مئتان، هذا هو العدل.
وأما أن نُضمِّن شخصًا ما لم يلتزمه مع أن العقد -حسب رأيه وحسب اعتقاده- عقد صحيح، فهذا فيه نظر. فالصواب إذن أنه يلزمه أجرة المثل، لكن إن كان مغرورًا فما زاد على الأجرة التي تم العقد عليها فعلى من غر.
إذا قدَّرْنا أن أجرة المثل أقل، مثلًا أجره بمئتين، وأجرة مثله مئة، فهل نلزمه بالمئتين؟ أو نقول: إن المئتين كانتا بعقد فاسد فلا عِبْرة بهما، ونرجع إلى أجْرة المثل وهي كم؟ وهي مئة. نقول: إن كان عالِمًا بأن الأجرة فاسدة ألزمناه بمئتين؛ لأنه دخل على بصيرة، ثم ما زاد على أجرة المثل يكون لهذا الغلام؛ لأنه مظلوم، ولا يكون للذي أجَّره؛ لأن الذي أجره لا يملكه فليس له شيء، وإن كان غير عالم، إن كان غير عالم فعليه أن يضمن لهذا الحر ما وقع عليه العقد؛ لأنه رضي به واعتبره صحيحًا فيُلزم بما ظنه، وإذا مثلًا رأى القاضي أن يأخذ الزيادة هذه، ويصرفها في بيت المال فلا حرَج عليه؛ لأنه مال -في الحقيقة- ليس خالصًا لمن استحق، وما اشتُبه فيه فإنه يُلحق إلى بيت المال، وإن كانت أجرة المثل بمقدار ما وقع عليه العقد فلا إشكال؛ لأنه ليس فيه زيادة وليس فيه نقص.
والخلاصة أن كل من تسلَّم عينًا بإجارة فاسدة فإنه لا عِبرة بما حصل عليه العقد، تُفسخ الإجارة، ويرجع إلى أجرة المثل، فإن كانت أجرة المثل مساوية لما وقع عليه العقد، فلا إشكال، وإن كانت أجرة المثل أكثر ألزمنا المستأجر بها، ثم إن كان عالِمًا فالزيادة عليه، وإن كان جاهلًا مغرورًا فالزيادة على من غر، وإن كانت أجرة المثل أقل، فإن كان عالِمًا ألزمناه بما التزم به؛ لأنه دخل على بصيرة، يعلم أن العقد فاسد، والتزم الزيادة على أجرة المثل، وإن كان جاهلًا لم يلزمه أكثر من أجرة المثل، وإن رأى القاضي قضاءً أن يلزمه بما التزم به ولو كان جاهلًا، ولكن يجعل في بيت المال؛ فلا حرج.
مثل ذلك أيضًا من استأجر شخصًا على عمل مُحرَّم، مثل أن يستأجر شخصًا ليبيع له خمرًا، أو يحمل له خمرًا، أو ما أشبه ذلك؛ فالإجارة فاسدة، لكن عمل العامل الآن، هل نقول: ليس له شيء؛ لأن الإجارة فاسدة والعمل المحرم لا قيمة له، أو نقول: يُلزم المستأجِر بالأجرة التي وقع عليها العقد؟ الثاني: يجب أن يُلزم بالأجرة التي وقع عليها العقد، ثم إن كان العامل إن كان يعلم أن هذا شيء محرم فإنها تُصرف في بيت المال، وإن كان لا يعلم فإنه يعُطى إياها، ويُؤمر بالتوبة والاستغفار، وكفى، والله أعلم.
طالب: في الصورة الأولى الذي أخذ غلامًا وأجره شخصًا وهو حر، المؤجر كيف يُعطي الذي أجره الأجرة وهو ليس مالكًا له؟
الشيخ: لا، المستأجر، المؤجر ما هو معطيه.
الطالب: ممكن يعطي المؤجر.
الشيخ: ما هو يعطيه أجرة، الأجرة هذه تعود إلى المستخدم.
طالب: كلها حتى ..
الشيخ: كلها، هذا فليس له شيء، هذاك يؤدب (
…
).
طالب: يا شيخ، إذا استأجر حر، وأجرة المثل مئتان، وهو استأجره على مئة، أخذ أجرة المثل مئتي ريال.
الشيخ: لكن إنسان حر عقد معه، ولا جاء إنسان آخر وقال: هذا غلامي؟
الطالب: لا، شخص استأجر حرًّا وكان استأجره بمئة ريال، وأجرة المثل مئتان، إذا كان جاهل يا شيخ، ما نقول يلزم المستأجر خمسين؟
الشيخ: يعني قصدك الغبن؟ إذا غبنه؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: استأجره بمئة والأجرة مئتان، مثلًا ارتفعت أجور العمال، وهذا العامل ما درى، ما يعلم، فجاء شخص واستأجره بمئة يُلزم بأن يدفع له مئة أخرى، يُلزم لأن هذا غرَّه.
الطالب: ما نقول يا شيخ مثلما قلنا: إذا كانت أجرة المثل أكثر يلزم المستأجر خمسين؟
الشيخ: لا، هذه أجَّره شخصًا آخر، الصورة اللي ذكرنا ثلاثة: حُر، ومؤجر، ومستأجر، المؤجر قال: هذا غلامي أبغي أؤجرك إياه، أما الصورة اللي ذكرت أنت فليس عندنا إلا شخصان مستأجر ومؤجر نفسه، ما هذا سؤالك؟ هذا بس يعطى الغبن وهو أجرة المثل.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- ما حكم ما تأخذه ضاربات الدف في أيام الزفاف من أُجرة كبيرة جدًّا قد تصل إلى تسعة آلاف ريال في الليلة الواحدة؟
الشيخ: هنا نخاطب الدافع، يعني ما يأخذه المغنيات أيام الأعراس والدفافات من أُجرة كبيرة، هنا نوجه الخطاب إلى الدافع، ونقول: إن دفعك هذه الأموال الكثيرة من إفساد المال، وإضاعة المال، أما بالنسبة للدفافات فلا حرج عليهن، هن يقلن: بنطلب بالليلة مئة ألف، لكن الكلام يوجه على من دفع إليهن.
طالب: أحيانًا قد يصحب ضربهن للدف إخراج صوتهن على الرجال وكذا مما هو فيه محظور شرعي؟
الشيخ: هو إذا كان فيه محظور شرعي مُنِع، يعني يجب خفض الصوت حتى لا يكون فيه محظور شرعي، أما إذا لم يكن فيه محظور شرعي فلا بأس؛ لأن صوت المرأة ليس بعورة.
طالب: لا يعد مفسدًا للإجارة إذا كنا علمنا بأنه سوف .. ؟
الشيخ: لا؛ لأن هذا شيء زائد على العقد.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، من أجَّر حُرًّا وادعى أنه عبد، ما عليه شيخ غرامة، ما عليه دفع .. ؟
الشيخ: لا، مسألة (
…
) هذا شيء آخر، هذا يُعذَّر، لكن كلامنا على مقتضى الإجارة، ماذا يلزم؟ أما مسألة أنه يعذر فلا بد أن يعذر.
طالب: هل يحرم تأجير الابن؟
الشيخ: إي نعم، يحرم تأجير الابن؛ لأنه حر.
الطالب: وقوله: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» (2).
الشيخ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» يعني يستخدمه لا أنه يؤجره.
الطالب: ولو رضي يا شيخ؟
الشيخ: لا، إذا رضي ما فيه إشكال.
طالب: قلنا: إن الأجير المشترك لا يضمن ما تلف في يده بغير تفريط، وقلنا: إن الراجح أن المؤجر يُلزم بدفع الأجرة.
الشيخ: قلنا: إن الراجح أن الأجير المشترك إذا أتم العمل أُلزِم المستأجر بدفع الأجرة.
الطالب: كيف يمكن وهو لم يتسلَّم العين التي وقع عليها الإجارة؟
الشيخ: ما يخالف، تلفت، هي أمانة بيد الأجير، هي أمانة وتلفت بغير تفريط منه.
الطالب: وإن كان لم يتسلمها؟
الشيخ: إي نعم.
طالب: شيخ -حفظك الله- لو استأجر عاملًا غير مسلم، لا يرى حرمة هذا الشيء كصناعة الخمر وغيره، لكنه يعلم أنه ممنوع نظام الدولة معينة ..
الشيخ: والسؤال؟
الطالب: السؤال: هل له أن يحرمه المال أو يُحرم المال الأجرة المتفق عليها؟
الشيخ: أصلًا ما يجوز استئجاره.
الطالب: هو استؤجر وانتهى العمل.
الشيخ: هذا يرجع إلى نظر الإمام، يجب أن يؤجر الطرفان بما يراه.
طالب: قلنا: إذا استأجر العين يملكها، ويملك منافعها.
الشيخ: لا، ما هو بيملكها، يملك منافعها.
الطالب: يملك منافعها، وإذا استأجر حر أمة، هل يجوز له الوطء؟
الشيخ: هل يجوز استئجار الأمة للجماع؟ أجب.
ما يجوز؛ لأن الله قال: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]، فلا يجوز أنه يملك هذا، لكن يملك منافعها؛ خدمة، تنظيف البيت، تنظيف الأواني، وما أشبه ذلك.
طالب: استقر عندنا أن الإجارة منفعة تُسلَّم شيئًا فشيئًا، فإذا ذكرنا هنا قلنا: إذا اعتدى شخص على العين المؤجرة بعد (
…
) ما وضح لي كيف قلنا إنه يعتبر ..
الشيخ: يُعتبر استيفاء الظالم كاستيفاء المظلوم، تمام بمعنى أن صاحب العين غير مسؤول.
الطالب: ما نقول: إن صاحب العين ما سلَّم بقية ..
الشيخ: سلَّمها، هي الآن بيده بيد المستأجر، البيت الآن، المفتاح معه، والمؤجر متخلٍّ عنه إطلاقًا، والظلم وقع على المستأجر.
الطالب: شيخ -بارك الله فيك- سؤال في الزكاة، كيفية تزكية الدَّيْن الذي يُوقع شيئًا فشيئًا مثل الأقساط يعني؟
الشيخ: شوف الدَّيْن تبع مالك في مسألة الحول؛ لأنه من مالك غاية ما هنالك بدل ما تحطه في الصندوق جعلته في ذمة الرجل، فمثلًا إذا استوفيت القِسط قبل وجوب الزكاة في المال دخِّله في مالك، وإذا جاء وقت الوجوب زَكِّه، وإن استوفيته بعد أن أدَّيْت الزكاة في مالك فأدِّ زكاته في الحال؛ لأن زكاته قد وجبت.
الطالب: شيخ، إذن على هذا يزكي إحدى عشرة مرة في الشهر.
الشيخ: في الشهر؟ !
الطالب: في السنة.
الشيخ: ويش لون؟ !
الطالب: لأن كل شهرين يعطيه مثلًا ألف ريال.
الشيخ: أما قلنا: الألف هذه يدخله قبل وجوب الزكاة، مثلًا كان الأقساط، تحل من محرم، وصفر، وربيع وربيع، وجمادى وجمادى، رجب وشعبان ورمضان، وهو يزكي في رمضان، ما يزكيها، كل ما مضى ما يزكيه، بس يدخله في ماله، وإذا جاء رمضان يحصي ما عنده من المال الذي ليس دينًا، ومن الدَّيْن الذي كان يقبضه؛ فالزكاة واحدة، فهمت هذه ولَّا لا؟
الطالب: ما فهمت زين.
الشيخ: الآن أنت مثلًا بايع هذا البيت بأقساط، بعته في محرم، يحل القسط الأول في محرم، والثاني في صفر، والثالث في ربيع، والرابع إلى آخره، إلى رمضان، إذا جاء رمضان قلنا لك: هذه الأقساط دخلها في مالك في الصندوق مثلًا أو في البنك، فهمت؟
الطالب: إي.
الشيخ: طيب زَكِّها في رمضان مرة واحدة بس.
الطالب: الباقي اللي في ذمتي أنا.
الشيخ: الباقي اللي في ذمتك، إذا قبضته بعد أن تم الزكاة زكِّ في الحال؛ لأنه قد وجبت فيه الزكاة في العام الماضي، ثم دخِّله في مالك.
الطالب: كما قلنا في زكاة الدَّيْن إن كان أنا موسر أزكيه كل ..
الشيخ: لا، إحنا كلامنا على الموسِر، أما إذا كان على مُعسِر فما قبضته منه دخِّله في مالك، وما لم تقبضه فإذا قبضته زكِّه سنة واحدة، دا كلامنا في الموسر.
الطالب: على هذا يا شيخ، يعود (
…
) بعد رمضان في شوال، في ذي الحجة، في محرم ..
الشيخ: لكن ما تزكي إلا اللي لم تُزكِّ، أنت الآن مرة واحدة، ما هي بإحدى عشرة مرة.
الطالب: على هذا يزكي -مثلًا- كل مرة حتي يأتي رمضان الثاني.
الشيخ: كيف؟
الطالب: أزكي كل ما أقبض حتى يأتي رمضان يزكي كل ماله.
الشيخ: إي نعم، كيف؟ لأنك بتزكي، وتقبض الآن بعد رمضان، تزكي عن السنة الماضية، ما هو عن السنة المستقبلة، فإذا جاء رمضان وأنت مُدخِّله مالك تبغي تزكي عن السنة الحاضرة.
الطالب: زكاة الحلي إذا كانت وقت زكاتها في ربيع الأول، ويؤخِّره في رمضان، هل له أن يؤخر؟
الشيخ: لا، لا يجوز، لكن إذا كانت ترى أن تُزكِّي في رمضان فإنها تزكي في ربيع عند تمام الحوْل، فإذا جاء رمضان تزكي للسنة المقبلة تعجيلًا، وتمشي على هذا.
طالب: رجل في إحدى ليالي رمضان قام من الليل فجامع أهله، وأثناء الجِماع سمع المؤذن يُقيم لصلاة الفجر، وهو لم يحتط لم ينظر في الساعة، أو لم يرها، ومع أنه سمع الآذان استكمل حتى انتهى؟
الشيخ: سمع الآذان ولَّا الإقامة؟
الطالب: الإقامة بعد سماع الإقامة استمر حتى انتهى.
الشيخ: هذا حرام عليه؛ يعني الواجب أنه من يوم يسمع الإقامة أن ينزع.
الطالب: طيب هو استمر؟
الشيخ: عليه الكفَّارة، إذا كان عالِمًا، إذا كان يظن أنه ما يجوز واستمر فعليه الكفَّارة، القضاء لا بد منه إلا إذا كان بعد جاهلًا، إذا كان يحس أنه لا بأس.
الطالب: إذا كان من غير أهل الحديث، ولكنه لا يعرف الحكم.
الشيخ: المهم أنه ما يعرف جاهل، ما عليه شيء.
الطالب: يجب عليه القضاء والكفارة أو لا؟
الشيخ: ما عليه شيء أبدًا، كل إنسان جاهل -ذكرنا لكم هذا- جميع المحظورات إذا فعلها الإنسان جاهلًا فليس عليه شيء.
الطالب: عليه القضاء فقط؟
الشيخ: ولا عليه القضاء.
الطالب: استمر حتى ..
الشيخ: إي، لكن ما دري حسبه ما يخالف، بحسبه ما دام تورط ووقع في الورطة أنه لا بأس يكمل.
الطالب: هذا هو اللي.
الشيخ: هذا اللي حصل ما عليه.
الطالب: ما عليه شيء؟
الشيخ: أبدًا، عليه أنه يُخبَر بالحكم، ولا يعود.
طالب: إذا استأجر رجلًا ليحجز له مكانًا في الحرم في ليالي رمضان، حكم الإجارة هذه؟
الشيخ: الإجارة -على القول الراجح- حرام، ما تجوز، أما على قول من يقول بالجواز بجواز التحجُّر، فهي إجارة على عمل مباح، فتكون حلالًا، لكن القول الراجح أنه ما يجوز.
الطالب: تقصد في الحرم؟
الشيخ: لا، ما هو في الحرم، خارج الحرم.
الطالب: في الحرم؟
الشيخ: في نفس الحرم.
الطالب: (
…
) الصف الأول (
…
)؟
الشيخ: إي، ما يخالف، لكن هل الاتفاق بينه وبين الرجل هذا خارج الحرم ولَّا في الحرم؟
الطالب: في المسجد الحرام، يقول له مثلًا: أنت المسؤول عن ليالي رمضان، تحجز لي مكانًا في هذا يحدد له مكانًا.
الشيخ: ولكن ما قال بكذا وكذا؟
الطالب: إذا جاء في العيد يعطيه مئتي ريال.
الشيخ: هذه ما هي بإجارة، هذه مكافأة على عمل مُباح على القول بالإباحة، أما على القول بالتحريم فهو حرام على الطرفين، ولا يحل للذي يتحجر أن يأخذ هذه المكافأة؛ لأنها عوض عن فعل مُحرَّم.
طالب: ولو يعلم المستأجر والمؤجر كلاهما بأن هذه الإجارة فاسدة، إجارة الغلام، وأُجرة المثل زائد على ما وقع على إطلاقه، لماذا يلزم به فقط المؤجر بهذه الزيادة المستأجر، ولم يلزم المؤجر؛ لأن كليهما يتعدى على هذا الغلام؟
الشيخ: لا، يلزم المستأجر؛ لأنه استوفى المنفعة، المؤجر ما استوفى شيئًا، أفهمت؟ الآن من الذي استوفى المنفعة؟ المستأجر يُلزم بمئتين.
الطالب: لو كان هذا عالِمًا.
الشيخ: إي، إذا كان عالِمًا، لكن يؤدب كلا الطرفين، لكن الذي استوفى المنفعة هو الذي يُلزم بأجرة المثل فتُعطى الولاء.
الطالب: ولو لم يعلم هذا المستأجر؟
الشيخ: لو لم يعلم قلنا: لا يلزمه إلا أجرة الْمِثل، ويؤخذ الزيادة من المؤجر.
طالب: أحسن الله إليك، قول المؤلف:(وتجب الأجرة بالعقد)، هذا إذا تفرقا، وإن لم يتفرقا؟
الشيخ: إي نعم، لكنها لا تلزم عقد الإجارة إلا بالتفرق، فإذا تفرقا من غير فسخ تبين أن الأُجرة ثبتت من العقد.
طالب: صرف الزكاة يا شيخ، هل يمكن صرفه للجمعية الخيرية وبعض المؤسسات؟
الشيخ: صرف الزكاة للجمعية الخيرية إذا كانت تقبل الزكوات، ولها بند خاص وهم ثقات فلا بأس.
طالب: (
…
) الأيتام (
…
).
الشيخ: لا، اليتيم ليس من أهل الزكاة إلا إذا كان فقيرًا فهو يُعطَى لا ليتمه ولكن لفقره.