الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب الحدود)
[مدخل]
الحدود تعريفها؛ الحد في اللغة: المنع، وأما في الشرع فإنه يختلف في الحقيقة؛ قد تكون محارم الله تسمى حدودًا، وقد تكون موجباته حدودًا، لكنه هنا المراد به العقوبة؛ عقوبة مقدرة شرعًا في فعل معصية، هذه الحدود: عقوبات مقدرة شرعًا في فعل معصية.
والحدود ثابتة في الزنا، وفي السرقة، وفي القذف، في قطع الطريق، ويش بعد؟
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما هو حد.
طالب: الخمر.
الشيخ: الخمر ليس بحد على الصحيح، هذه أربعة، وبعض الناس -بعض الكتاب المتأخرين- يلحق بها القصاص، ولكنه ليس بصحيح؛ لأن القصاص ليس بحد؛ إذ إنه راجع إلى من؟ إلى الورثة؛ إن شاؤوا اقتصوا، وإن شاؤوا عفوا مجانًا أو إلى الدية، لكن الحدود يجب إقامتها، ما لأحد بها اختيار.
طالب: المرتد.
الشيخ: والمرتد أيضًا ليس حدًّا؛ لأن المرتد لو رجع إلى الإسلام ما أقيم عليه الحد، بل إنه يُطْلَب منه الرجوع؛ يستتاب ثلاثة أيام، فإذا رجع فلا يُقْتَل.
طالب: اللواط؟
الشيخ: اللواط داخل في الزنا أو أعظم منه.
الطالب: حتى لو تابوا؟
الشيخ: إذا تابوا قبل القدرة، أما بعد القدرة فإنه ما ينفع، أما المرتد فيستتاب يقال له: تب، معنا في قبضتنا، فإذا تاب لم يحد.
الحدود تعريفها هذا لغة وشرعًا فهمناه.
أما حكمها فإن إقامتها واجبة؛ إقامة الحدود واجبة، ولا تجوز الشفاعة فيها بعد وصولها إلى السلطة.
الدليل على وجوبها أمر الله تبارك وتعالى ورسوله؛ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وهكذا، أوامر صريحة واضحة، بل قال الله تعالى في الزاني والزانية:{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2]، ما يجوز للإنسان هنا أن يحكِّم العاطفة، بل يُحَكِّم العقل، لا هنا ولا في غير هذا المحل، يجب علينا أن نُحَكِّم العقل دون العاطفة في هذه الأمور، فالإقامة -إقامة الحدود- واجبة على القريب وعلى البعيد، وعلى الشريف والوضيع، والذكر والأنثى، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم:«وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (2)، أقسم عليه الصلاة والسلام -وهو الصادق البار بدون قسم- أن فاطمة بنته سيدة نساء العالمين في الجنة لو أنها سرقت لقطع يدها عليه الصلاة والسلام، فهو واجب.
ولا يجوز لولاة الأمور التهاون به ولا تمويعه -أيضًا- بالتحقيقات الباردة التي تفتح باب الأعذار وباب الرجوع، وما أشبه ذلك، كما هو متبع في بعض الدول الآن.
ولا يجوز -أيضًا- أن تستبدل حدود الله بأي شيء من العقوبات لا بأغلظ؛ لأنه ظلم، ولا بأنقص؛ لأنه إبطال لحكم الشرع، فنقول: أما إقامة الحد فيشترط فيها شروط عامة وخاصة، الشروط العامة في كل حد وهي:
أولًا: التكليف؛ بأن يكون بالغًا عاقلًا، فمن دون البلوغ لا حد عليه، ولكنه يعزر بما يردعه وأمثاله عن فعل هذه المعصية؛ فلو سرق شخص مراهق له أربع عشرة سنة فإننا لا نقطع يده، لماذا؟ لأنه ليس بمكلف، وقد جاء في الحديث:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» وذكر منهم الصغير حتى يكبر (3)، فإذا لم يكن مكلفًا لا يجرى عليه الحد، ولكن ما يترك أيضًا؛ لأننا لو تركناه لصار ذلك سجية له وطبيعة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:«اضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ» (4)، فإذا ضُرِبُوا لترك الواجب فليُضْرَبوا أيضًا لفعل المحرم، ولكن ليس على سبيل الحد.
كذلك المجنون لا يُقَام عليه الحد، ولكن هل يعزر؟ لا يعزر؛ لأنه ما يفيده التعزير، مجنون، نعم يسجن؛ يعني معناه يمنع شره بأي وسيلة؛ إما أن يسجن، أو يلزم أهله بإنسان ملازم له يمنعه من العدوان، وأما أن يؤدب، فإنك وإن أدبته الآن ما ينتفع؛ مسلوب العقل، نسأل الله السلامة.
كذلك أيضًا يشترط الالتزام، ويش معنى الالتزام؟ أن يكون الإنسان ملتزمًا لأحكام الإسلام، والملتزم لأحكام الإسلام نوعان؛ المسلم، والذمي، أما المعاهد والمستأمن والحربي ما هو ملتزم، فإذا سرق مسلم وجب قطع يده، وإذا سرق ذمي أقيم عليه الحد فيما هو من شريعته؛ إذا كانت تقطع اليد في شريعتهم قطعنا يده، وإلا فلا.
نأتي للزنا لأنه ثابت أنه في شريعتهم كالشريعة الإسلامية، لو زنى ذمي فإنه يُرْجَم إن كان محصنًا، وإذا كان غير محصن يجلد مئة جلدة ويغرب سنة.
المعاهد والحربي والمستأمن تلحقهم هذه الأحكام ولَّا لا؟ لا، ما تلحقهم؛ لأنهم غير ملتزمين.
طالب: (
…
) شريعتهم؟
الشيخ: إذا لم يعلم لهذا حكم في شريعتهم الظاهر أنه لا بأس من إقامته حسب مقتضى الشريعة الإسلامية.
طالب: شرب الخمر؟
الشيخ: شرب الخمر عندهم مباح فلا نقيم عليه الحد، لكننا نمنعه من إعلانه، نعزره إن أعلنه.
الثالث: العلم بالتحريم والحال.
العلم بالتحريم؛ إذا كان غير عالم بالتحريم فإنه لا يُقَام عليه الحد؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] فقال الله: «قَدْ فَعَلْتُ» (5).
ولكن هل يُقْبَل منه الجهل بالتحريم ولَّا ما يقبل؟ نقول: إن كان قد عاش في الإسلام فإنه لا يقبل؛ لأن كل واحد من المسلمين يعرف أن السرقة محرمة، ويعرف أن الزنا محرم -مثلًَا- وإن لم يكن عاش في الإسلام وإنما هو حديث عهد به فإنه يقبل منه الجهل بالتحريم.
كذلك الجهل بالحال يمنع من إقامة الحد؛ فلو زنى شخص بامرأة يظنها زوجته فإنه لا يقام عليه الحد، ولو سرق مالًا يظنه ماله فإنه لا يقام عليه الحد؛ لأنه جاهل بالحال.
وهذا هل يُصَدَّق إذا ادعى الجهل بالحال ولَّا ما يصدق؟ يُصَدَّق؛ لأننا ما نعرف عما في قلبه.
الجهل بالعقوبة هل هو مانع من إقامة الحد ولَّا لا؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لو قال: إنه زنى لكن ما دري أنه بيرجم، لو دري أنه بيرجم ما فعل، ويش نقول له؟
نقول: ما دام علمت أنه محرم ليش تجرأ عليه؟ أما كونك تعلم أن الحد هو الرجم أو غير الرجم ما هو شرط؛ لأنك الآن انتهكت حرمات الله، والمقصود بالحدود الردع عن محارم الله، واضح؟
طالب: نعم.
الشيخ: فإذن العلم بالعقوبة شرط ولَّا لا؟
الطلبة: ليس بشرط.
الشيخ: ليس بشرط، إنما الشرط أن يكون عالمًا بالتحريم وبالحال؛ بأن يعرف أنه ارتكب محرمًا، أما إذا كان لا يدري فإنه لا شيء عليه (
…
).
الرابع الاختيار.
طالب: الجهل (
…
) قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما (
…
) الذي شرب الخمر، فقال استدل بقوله:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93].
طالب آخر: (
…
).
الشيخ: نعم.
الطالب: هذا جاهل (
…
).
الشيخ: هذا ربما أن عمر رضي الله عنه جلده؛ لأن تأويله للآية ليس بصحيح، الرجل عارف أنه حرام، عارف أن الخمر حرام؛ الصحابي، لكنه ظن أن قوله:{إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [المائدة: 93] أنه إذا اتقى الإنسان فإنه يجوز أن يشرب كل شيء ويأكل كل شيء، مع العلم بأن الإنسان اللي يشرب الخمر هل يقال: إنه متقٍّ؟ !
الطلبة: (
…
).
الشيخ: الرابع الاختيار؛ بمعنى أن يفعل الإنسان هذا المحرم اللي فيه الحد مختارًا بدون إكراه، فإن أكره فلا حد عليه؛ وذلك لأن الإكراه فوق طاقة الإنسان وقد قال الله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
وكذلك أباح الله للمرء أن يقول كلمة الكفر وهو مكره عليها إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان، فلو أكره على السرقة إنسان قال: يلَّا روح ها الساعة، روح جيب لي من دكان فلان خمسين جنيهًا، يا ابن الحلال حرام، قال: ما فيه تجيبه ولا (
…
)، وراح الرجل وكسر الباب وأخذ، ويش يكون هذا؟
طالب: مكره.
الشيخ: مكره، عليه حد ولَّا لا؟
طالب: لا حد ..
الشيخ: ليس عليه حد، كذلك لو أكرهت المرأة على الزنا، يُقام عليها الحد ولَّا لا؟ لا؛ لأنها مكرهة.
لو أُكره الرجل على الزنا؟
الطلبة: لا يقام عليه الحد.
الشيخ: لا يقام عليه الحد؛ لأنه مكره.
طالب: يقال: لا يتصور إكراهه.
الشيخ: إي نعم، بعض العلماء يقول: ما يتصور إكراه الرجل على الزنا؛ لأن جماع الرجل لا بد أن يكون انتشار، ولا انتشار مع الإكراه، ولكن هذا ليس بصحيح؛ فإن الإنسان إذا أكره على هذا الأمر قد تحصل منه الشهوة وينتشر، وأما أنه ما يمكن فهذا ليس بصحيح؛ قد يكون الرجل قوي الشهوة والمكره عليه امرأة جميلة شابة كل إنسان يجعل في مكان مع امرأة جميلة ويلزم بذلك فإنه لا بد أن يحصل منه شيء، فالصواب أن الإكراه على الزنا من رجل أو امرأة ليس فيه حد، والله أعلم. (
…
)
تقدم لنا شروط إقامة الحد؛ وهي: التكليف، والالتزام، والعلم بالتحريم وبالحال، والرابع الاختيار، هذه الشروط العامة شروط عامة لا يمكن إقامة الحد إلا بوجودها.
وتقدم لنا أن من تخلف منه شرط من هذه الشروط فإنه قد يخلفه التعزير كل (
…
)، لو كان غير مكلف -كالصغير مثلًا- وأتى ما يوجب الحد فإنه يعزر، ما يترك هكذا، وأما المجنون فإنه لا يعزر؛ لأنه لا يستفيد من هذا التعزير شيئًا.
الالتزام معناه أن يكون مسلمًا أو ذميًّا، هذا ملتزم؛ أن يكون مسلمًا أو ذميًّا؛ ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد على اليهوديين اللذين زنيا؛ رجل وامرأة (6).
أما العلم بالتحريم وبالحال، الجاهل لا يمكن أن يقام عليه الحد، ولا يعزر أيضًا؛ لأنه معذور عذرًا تامًّا.
ولكن فإنه إذا ادعى الجهل بالتحريم هل يقبل منه ذلك أو لا يقبل؟ إذا كان قد عاش في الإسلام فإنه لا يقبل؛ لأن أحدًا لا يجهل أن الزنا محرم، أو أن السرقة محرمة، أو أن شرب الخمر محرم، ما أحد يجهل هذا وهو مسلم عاش في الإسلام، أما إذا كان حديث عهد بإسلام فإنه يقبل منه دعوى الجهل ويرتفع عنه الحد.
هل يشترط أن يكون عالمًا بالعقوبة؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لا يشترط؛ فلو زنى محصن وحكمنا عليه بالرجم وقال: انتظروا، أنا ما علمت أن الحد هو الرجم، لو علمت أن الحد هو الرجم ما فعلت هذا، نقول له: إن ذلك ليس بشرط؛ لأنك إذا قلت: إنه لو علمت بالحد ما فعلت؛ فإنك تركت هذا لا خوفًا من الله، ولكن خوفًا من العقوبة، ونحن نريد أن يكون تركك لهذا الشيء خوفًا من الله سبحانه وتعالى.
أما الاختيار فقد ذكرنا أن من أُكره على فعل الجريمة التي فيها الحد فإنه لا يُقام عليه الحد، ولكن هل يقام الحد على من أكرهه؟ يعني: واحد أكره إنسانًا على سرقة فسرق، هل يُقام الحد على المُكرِه؟
طالب: لا.
الشيخ: لا؛ لأنه ليس بسارق.
أكره امرأةً على الزنا -مثلًا- هل يُقام على هذا الزاني حدان؛ حد لزناه، وحد لإكراه المرأة؟ لا، ولكنه يعزر بما يردعه عن هذا العمل.
كيفية إقامة الحد؛ إقامة الحد وردت الآثار بكيفيته:
أما السارق فإنه سيأتي أنه يُقطع من مفصل الكف، ثم بعد ذلك يُحسم بزيت يُغلى ثم يُغمس فيه طرف اليد؛ لأجل تنسد أفواه العروق فلا ينزف الدم.
وأما الرجم فإن كيفيته أن يُقام الإنسان بين الناس يوقف ويجمع حصى ليس بالكبير ولا بالصغير ثم يُرجم به حتى يموت.
وأما في الجلد فإنه يقام يضرب الرجل قائمًا، وتضرب المرأة جالسة، يضرب الرجل قائمًا بسوط ليس بجديد ولا بخَلِق؛ لأن الجديد يضره، والخَلَق لا يؤثر فيه، فيكون شيئًا متوسطًا.
والمهم أنه إذا لم يوجد جديد أو خَلَقٌ أو ما أشبه ذلك أو تعسر ضبطه فإننا نقول: يُضرب بسوط لا يؤثر عليه؛ لا يجرح الجلد ولا يورمه، ولا يكسر العظم.
وقدَّره بعضهم بالإصبع، وطبعًا قصدهم بذلك الأصبع المتوسط، قال: إنه يكون طول ذراع. وهذا أيضًا غير صحيح، بل يكون الطول على حسب ما يرى المؤدب أو المقيم للحد.
هل يُربط على شيء ولَّا ما يربط؟ يعني: يُثَبَّت على جدار أو على عمود أو على خشبة حين الضرب؟ لا.
هل يمد على الأرض؟ لا، العلماء يقولون: إنه يُضرب قائمًا.
كيف يضرب؛ مع موضع واحد أو يُفَرَّق عليه الضرب؟
طالب: يُفَرَّق.
الشيخ: يُفَرَّق عليه الضرب؛ لأجل أن ينال الألم جميع جسده من وجه، ولأنه أخف عليه؛ إذ لو كانت الضربات كلها على موضع واحد تأثر هذا الموضع، فتفريق الضرب أسهل وأعم، فيفرق على بدنه.
واستدل علماؤنا لهذا بأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه ليس في ديننا مَدٌّ ولا تجريد (7). معنى (مد ولا تجريد) يعني: ما يُمد الإنسان عند الضرب ولا يُجرد من ثيابه.
ولكن كما أنه لا يجرد أيضًا كذلك أيضًا لا يُلبَّس أكثر من اللباس العادي، بل يكون عليه -كما قال أهل العلم- قميص أو قميصان، أما أنه يملأ جلده من الثياب علشان ما يحس بالضرب، هذا ما يجوز، وليس بشيء.
كذلك أيضًا في صفة الضرب ما يجوز أنه يضربه ضربًا مستطيلًا بمعنى كأنه ينظف ثوبه من الوسخ، بل يكون الضرب واقعًا على الجسم مباشرة؛ لأن بعض الناس إذا كان يضرب يسلت العصا أو السوط سلكًا معنى ذلك أنه ما يتأثر، والمقصود بهذه العقوبة أن يذوق الألم، وأن يُردَع بمثل هذا.
هل يرفع يده؟ نقول: نعم، إذا توقف الألم على رفع اليد فإنه يرفعها.
وأما قول من قال: إنه لا يرفع يده بل يجعل في إبطه مصحفًا؛ لأجل أنه ما يرفع إيده لو يرفع إيده -مثلًا- سقط المصحف، هذا ليس بصحيح؛ لأن اللي بيضربه ما رفع إيده (
…
) هكذا، ما فيها شيء، لا وكس ولا شطط، لا يبالغ في ضربه بحيث يؤثر عليه ويشق جلده أو يورم الجلد، ولا يكون خفيفًا بحيث لا يتأثر به؛ لأن هذا لو كانت الحدود على هذا الوجه لكانت إلى الهزء أقرب منها إلى الجد، وشريعة الله تبارك وتعالى تنزه عن مثل هذا اللعب.
بالنسبة للمرأة؛ المرأة تُضرب جالسة، وتُربط عليها ثيابها؛ لئلا تنكشف، وهذا لا بأس به؛ يعني: قول لا بأس به؛ لأنه بين الغلو والجفاء.
ولقد شاهدنا من قبل أنهم يعزرون، ما فيه حدود في الواقع لكن يعزرون الرجل بالمد على الأرض، ويأتون برطائب من رطائب النخل الرويانة من الماء ويضربونه بها، حتى إن بعضهم يغشى عليه، ورأيناهم أيضًا بالنسبة للمرأة يجعلونها في عِدل -ولا أدري تعرفون العِدل ولَّا لا؟ - يجعلونها في عِدل، العدل تعرفونه؟ كيس من الصوف مثل كيس الخيش لكنه أكبر، يجعلونها في العدل ويحزمون عليه؛ يربطون عليه، لا ما هو خياط.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي، المهم أنهم يفعلون به هكذا، ثم يجيبونه ويضربونه مع أي (
…
) -والعياذ بالله- إحنا شاهدناهم، هذا أيضًا حرام، ما فيه شك؛ يعني هي المرأة (
…
) والضرب بيقع على أي شيء من أعضائها، ثم إنها بتنغمس أيضًا ينحجب نَفَسُها.
فالمهم أن الحدود ليس يُقْصَد بها الإتلاف، يُقْصَد بها التأديب، فما نقص عن ذلك فهو خطأ، وما زاد على ذلك فهو خطأ أيضًا.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: لا، هذا ورد في شارب الخمر أن منهم من ضربه (
…
)؛ لأنه تعزير ولا هو بحد معين (
…
)، ثم الجريد، لاحظوا -يا جماعة- الجريد يختلف؛ يعني أعلى العسيب يكون مثل السوط، لكن أسفل العسيب لا (
…
)، صعب جدًّا وثقيل.
أما من يقيم الحد؛ هل كل إنسان رأى شخصًا على جريمة توجب الحد يقيمه؟ لا؛ لأنه لو كان كذلك لكان فيه من الفوضى والتلاعب ما يفسد الخلق، ولكن الذي يقيمه والمسؤول عنه هو الإمام أو نائب الإمام، وعندنا في إقامة الحد أمران:
الأمر الأول: في إثباته، وهذا يرجع إلى القضاة.
والأمر الثاني: في تنفيذه، وهذا يرجع إلى الأمراء ونوابهم، فالجهة المسؤولة عن التنفيذ في عرفنا الآن ما هي؟ وزارة الداخلية هي المسؤولة أو من تُنِيبُه في البلدان، وبالنسبة لإثباته وزارة العدل أو من تُنِيبُه في البلدان فهي المسؤولة عن ذلك، فالذي يتولى إثباته والحكم به القضاة، والذي يتولى تنفيذه الأمراء، ولا يجوز لأحد سواهم أن يقيمه، إلا أنه اسْتُثني من ذلك السيد مع مملوكه فإن له أن يقيمه عليه.
وهل يختص ذلك بالجلد فقط أو بالجلد وغيره؟ الصحيح أنه عام بالجلد وغيره؛ لأن منع إقامة الحد بغير الجلد خوف الزيادة والعدوان، والسيد مأمون بالنسبة إلى رقيقه؛ لأنه لا يمكن أن يعتدي عليه بأكثر مما يجب.
فلو سرق العبد -مثلًا- وتم وجوب القطع في حقه فإنه يجوز للسيد -على القول الراجح- أن يقطع يده، وقد روي ذلك عن عائشة -وغيرها من الصحابة- أنها قطعت يد عبد لها سرق (8)، فالصحيح أنه عام.