الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: قيد؛ لأنه قد يحلف على ألا يطأها في دبرها، فإذا حلف ألا يطأها في دبرها لمدة سنة فليس بمول؛ لأنه إنما حلف على أمر واجب فإنه يحرم على الإنسان أن يطأ زوجته في دبرها.
(أكثر من أربعة أشهر) وأربعة فما دون ليس بمول؛ لأن الله تعالى جعل للمولي رخصة في خلال أربعة أشهر فقال: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226]، فإذا حلف ألا يطأ زوجته لمدة أربعة أشهر فليس بمول، لكنه حالف، فإذا وطأ كفر كفارة يمين، إلا أنه لا يثبت له حكم الإيلاء، لا نقول له: نضرب لك مدة أربعة أشهر، فإن فئت ورجعت إلى زوجتك وإلا طلقنا عليك.
[من يصح منه الإيلاء]
ثم قال: (ويصح من كافر، وقن، ومميز، وغضبان، وسكران، ومريض مرجو برؤه، وممن لم يدخل بها) هذه مسائل متعددة، يصح من كافر، فإذا حلف اليهودي أو النصراني على ألا يطأ زوجته لمدة ستة أشهر، وحاكمته إلينا، حكمنا بأنه مول (
…
) له إما أن تطأ قبل أربعة أشهر وإلا طلقنا عليك.
يصح أيضًا من قن: من هو القن؟ العبد المملوك، فإذا صار بين العبد المملوك وزوجته مشكلة، والعبد يقولون: إنه سريع الغضب، وقال لها: والله ما أطؤك لمدة ستة أشهر فهو أيش؟ مول؛ لأن عموم قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] تشمل الكافر والرقيق.
(ومميز) يعني لا بالغ، أجيبوا؟ ومميز أي لا بالغ.
طلبة: نعم.
الشيخ: غلط يا جماعة.
طلبة: (
…
).
الشيخ: (ومميز) أي لا من دون التمييز، أما البالغ فمن باب أولى؛ لأن البالغ مميز وزيادة ولا إشكال فيه، الإشكال في زوج له ثمان سنوات، وزوجته تبكته يومًا من الأيام لأنه صغير، لما تبكته غضب قال: والله لا أجامعك لمدة ستة أشهر، يصح الإيلاء ولا ما يصح؟
طالب: ما يصح.
الشيخ: لا، يصح المؤلف بيقول:(ومميز) ووجه صحته من المميز أن المميز يصح طلاقه، ومن صح طلاقه صح إيلاؤه؛ لأن الطلاق أشد من الإيلاء، فإذا صح الطلاق من المميز صح منه الإيلاء. وقال بعض أهل العلم: إن المميز لا يصح منه الإيلاء؛ لأنه لا يصح منه الحلف؛ إذ لا يمين له، فهو غير مكلف، ولكن المشهور من المذهب أنه يصح الإيلاء من المميز كالحلف.
(وغضبان) يعني يصح الإيلاء من الغضبان، كيف من الغضبان؟ نعم، كثيرًا ما يقع، يتنازع هو وزوجته ثم يحلف ألا يجامعها لمدة سنة، أو يقول: والله ما أنام معك على فراش لمدة سنة، هذا غضبان يصح منه الإيلاء، ولكن يجب أن نعلم أن الغضب ثلاثة أقسام: الغاية في الارتفاع، والغاية في الدنو، والوسط، الغاية في الدنو تترتب عليها الأحكام، ولا خلاف في هذا؛ كرجل غضب غضًبا يسيرًا بكامل عقله وقواه أثر فعلاً أو قولًا، فهذا قوله أو فعله معتبر، السبب لأنه هو وغير الغضبان سواء؛ لأن غضبه يسير، ويملك نفسه تمامًا، فينفذ، تنفذ أقواله وأفعاله، فلو أن الإنسان غضب مع زوجته غضبًا يسيرًا، أي غضبًا باردًا، وطلقها، فإنه يقع طلاقه ولا إشكال، أو غضب ووقف شيئًا من ملكه أو أعتق أحدًا من عبيده، لكنه غضب بارد يسير؛ فإن عمله ينفذ، ولا إشكال في هذا.
الثاني غضب في غاية أيش؟
طلبة: الارتفاع.
الشيخ: نعم، يعني غضبه في غاية الارتفاع بحيث لا يعلم الإنسان ما يقول ولا يدري أقال أم لم يقل، ولا يدري أفي الصيف هو أم في الشتاء، ولا يدري أفي الأرض أم في السماء، مرض فقد عقله، فهذا لا حكم لقوله ولا لفعله بالاتفاق، حتى الطلاق؟ نعم حتى الطلاق، حتى الإيلاء، حتى الظهار، بل حتى الكفر لا حكم لقوله إطلاقًا، لماذا؟ لأنه فاقد العقل، لا يملك التصرف أبدًا، تسأله وتقول: قلت كذا؟ قال: أبدًا ما قلت (
…
) القول، وأما الفعل فيعامل معاملة المجنون.
(
…
) الوسط ليس غضبًا باردًا ولا حارًّا، يدري ما يقول، لكن مضغوط عليه في الغضب، كأن أحدًا أكرهه، فهذا محل خلاف بين العلماء، منهم من يقول: إن قوله نافذ وعمله نافذ كغير الغضبان، وهذا هو المشهور من المذهب، وعلى هذا فإذا طلق الرجل زوجته وهو غضبان لكنه يملك نفسه فالطلاق يقع.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يقع الطلاق في هذه الحال؛ لأنه كالمكره عليه، فإن بعض الناس إذا غضب يكون كالمكره على أن يقول أو يفعل، ولهذا ربما يلعن والديه أو نحو ذلك فيندم سريعًا، نعم أنا بشعوري وأعقل لكن غصبًا علي، فهذا على القول الراجح لا حكم لقوله؛ دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» (1)، إغلاق يعني: تضييق على الإنسان.
نرجع الآن إلى كلام المؤلف في الإيلاء، يقول: إنه يصح من الغضبان، وهل هذا على إطلاقه؟ الجواب: لا، الغضب المنتهي اللي هو غاية الغضب لا يقع به الإيلاء مطلقًا على كل قول، وقد حكى الاتفاق عليه ابن القيم في كتابه المعروف إغاثة اللهفان في عدم وقوع طلاق الغضبان قال: هذا متفق عليه؛ إذا كان الإنسان مغمى عليه ما يدري ما يقول، فهذا لا يقع طلاقه ولا إيلاؤه ولا ظهاره. إذا كان في أول الغضب يقع أو لا يقع؟ في أول الغضب يقع؟
طلبة: نعم، يقع.
الشيخ: نعم يقع؛ لأن هذا غضب بارد لا يثير الإنسان إذا كان وسطًا بينهما؟
طلبة: فيه خلاف.
الشيخ: ففيه خلاف على ما ذهب إليه المؤلف.
طلبة: يقع.
الشيخ: يقع، وعلى القول الراجح لا يقع.
قال: (وسكران) السكران هو الذي شرب الخمر. والسكر: التغطية، ومنه قول الناس: سكر الباب، يعني سكه، يعني أغلقه، فالسكران هو ذهاب العقل على وجه اللذة والطرب، يعني الذي شرب المسكر فهذا رجل شرب مسكرًا، ومعلوم أن الإنسان إذا سكر صار بمنزلة المجانين تمامًا، فسكر الرجل وفي أثناء هذيانه قال: والله لا أجامع زوجتي لمدة ستة أشهر، هل يقع الإيلاء أو لا يقع؟
المؤلف صرح بأنه يقع، والصحيح أنه لا يقع؛ لأن السكران ليس عنده عقل، هو بمنزلة المجانين، فكيف يمضي إيلاؤه مع أن في الإيلاء ضررًا على من؟
طلبة: الزوجة.
الشيخ: على الزوجة، فالصحيح أن السكران لا يقع طلاقه ولا إيلاؤه ولا ظهاره ولا أي شيء من أقواله، السكران مجنون، ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم في أن طلاق السكران لا يقع (2)، وكذلك إيلاؤه، وأيهما أولى أن نقول: بالوقوع أو بعدم الوقوع؟ الأول؛ عدم الوقوع:
أولًا: لأن هذا لا يعقل، فهو بمنزلة المجنون.
ثانيًا: أن الأصل بقاء النكاح، ونحن عندنا شك في صحة إرادة السكران، وإذا شككنا فالأصل إلغاء الشك والبناء على اليقين.
ثالثًا: أن الأمر كما قال الإمام أحمد رحمه الله: كنت أقول بوقوع طلاق السكران حتى تبينته، أي حتى تبين لي فرأيت أني إذا قلت بوقوع طلاقه أتيت خصلتين حرمتها على زوجها وأبحتها لغيره وإذا قلت بعدم وقوع طلاقه أتيت خصلة واحدة، وهي أني أحللتها لزوجها الذي كان طلقها، هذا الذي ذهب إليه الإمام أحمد في الرواية هو الصحيح؛ أن السكران لا يقع طلاقه، لكن لو قال قائل: لماذا لا نوقع الطلاق عليه تأديبًا له؛ لأن بعض الناس يقول: اجلدوه ألف جلدة ولا تفرقوا بينه وبين زوجته، فالتفريق بينه وبين زوجته أشد ردعًا، أفلا يمكن أن نقول بوقوع طلاق السكران ردعًا له وأمثاله؟ فالجواب: لا، لا نقول هذا؛ لأن الخمر له عقوبة معروفة، وهي الجلد، فكيف نزيد على العقوبة بشيء آخر، هذا وجه، الوجه الثاني: إذا قلنا بوقوع طلاقه صار في هذا ضرر على غيره، على من؟
طلبة: الزوجة.
الشيخ: على الزوجة، وربما تكون ذات أولاد، فيكون فيه ضرر على الزوجة وتفكك العائلة، وقد تكون هذه الطلقة هي الأخيرة فلا تحل لزوجها. فالصواب أنه لا يقع طلاق السكران متى ثبت أنه سكر، لكن مع ذلك من حيث التربية والإفتاء لا ينبغي أن تجعل المسألة خبزة مدهونة رقيقة لينة بمجرد ما يأتيك السكران الذي عيونه حمراء كبُسرة الحلوة، تعرفون بسرة الحلوة؟ البلح الأحمر يأتيك عينه حمراء من السكر، ويقول: إنه طلق زوجته، تقول: والله القول الراجح أن السكران ما عليه طلاق، يروح يسكر تاني ويطلق تاني، لا ينبغي هذا، عذِّب هذا حتى كما يقول العوام- حتى يرى النجوم في النهار، ثم بعد ذلك أفته. إذا جاءك مثلًا يستفتي، يعني أنا أستعمل معه، اذهب إلى المحكمة، قال: المحكمة مشغولة وكذا وكذا، انتظر حتى نراجع، خليه يروح، وأعده بعد يومين ثلاثة أربعة، فإذا جاء في الرابع أقول له: ما حصل؟ وصحيح أنا أريد شيئًا معينًا ولا حصل، وهذا يسمى تأويلًا، اذهب بعد عشرين يومًا حتى نخليه يمل الحياة، فإذا تعب نقول له: تعال تعاهدنا ألا تعود لشرب الخمر، إذا قال: نعم أعاهدك، حينئذ نفتيه بما نراه، أما من أراد أن يقلد المذهب فماذا يقول؟
يقول: خلاص الزوجة طلقت، فإن كانت هذه الثالثة حرمت عليك حتى تنكح زوجًا غيرك، وإن كانت الثانية أو الأولى فراجع إن كانت في العدة.
قال: (وسكران، ومريض مرجو برؤه) يصح أيضا الإيلاء من مريض مرجو برؤه؛ كالزكام والصداع اليسير وما أشبه ذلك؛ لأن المريض المرجو برؤه كالصحيح تمامًا في كل تصرفاته.
(وممن لم يدخل بها) يعني لو أن إنسانًا تزوج امرأة عقد عليها، صادفه بعض أصحابه قال: ما شاء الله، تزوجت، سوف تفرح الليلة وتستأنس، قال: والله لا أطؤها إلا بعد ستة أشهر عنادًا لك، هذه تقع من بعض السفهاء، نحن نقول شيئًا واقعًا، هل يصح إيلاؤه وهو لم يدخل بها أو لا؟
طلبة: يصح إيلاؤه.
الشيخ: يصح إيلاؤه، وإن لم يدخل بها؛ لأنها داخلة في عموم قوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226]، ولهذا لو ماتت ورثها ولو مات ورثته.
(لا من مجنون) المجنون لا يصح إيلاؤه كما لا تصح جميع أقواله، لو أن المجنون كان يهذي ويقول يحب الخير قال: جميع أملاكي التي في البلد الفلاني وقف، ونحن نعرف أن الرجل يحب الخير دائمًا قبل أن يجن، صاحب خير، قال جميع أملاكي التي في البلد الفلاني وقف، يصح الوقف؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؛ لأن المجنون ليس له قصد وليس عنده عقل، هذا المجنون حصل بينه وبين زوجته شيء من سوء التفاهم، قال: والله لا أجامعك لمدة ستة أشهر، ماذا نقول؟ ينعقد يمينه ولَّا ما ينعقد؟
طلبة: ما ينعقد.
الشيخ: لا ينعقد؛ لأنه مجنون لا يصح منه حلف ولا إيلاء ولا طلاق ولا غير ذلك من الأقوال، هل المسحور مثل المجنون؟ الجواب: نعم، المسحور -نسأل الله العافية- من جنس المجنون، فلو طلق لم يقع طلاقه، ولو آلى لم يصح إيلاؤه، ولو ظاهر لم يصح ظهاره؛ لأن المجنون مغلوب على عقله تمامًا ولا يستطيع أن يتخلص.
(ومغمًى عليه) المغمى عليه يعني المغطى عقله بمرض أو سقطة أو ما أشبه ذلك، فلو أن الإنسان وهو مغمى عليه حلف ألا يطأ زوجته لمدة سنة فلا إيلاء، بقية أقواله المغمى عليه نافذة أو غير نافذة؟
طلبة: غير نافذة.
الشيخ: غير نافذة يا إخواني، هذا غير عاقل مغمى عليه، يهذي، لا يدري ما يقول. ومثله ما يسميه العوام بالمهذري، المهذري الذي بلغ من السن عتيًّا وصار يلخبط في كلامه، فلا عبرة بكلامه.
طالب: شيخ، فتح الله عليك، المولي قبل الدخول (
…
)؟
الشيخ: من إيلائه، إلا إذا كان الدخول منها، فمن تسليمها نفسها.
طالب: المسحور يا شيخ يعني طلق مثلًا في حال يعني ..
الشيخ: سحره.
الطالب: ما يقع طلاقه؟
الشيخ: ما يقع.
الطالب: طيب إذا كان يأتيه السحر ثم يذهب عنه؟
الشيخ: في حال ذهابه عنه يقع، وفي حال وجوده -نسأل الله لنا ولكم العافية- لا يقع؛ لأنه مغلوب عليه.
طالب: بارك الله فيك، السكر هل هو خاص بالخمر أم هو عمومًا بالمخدرات؟
الشيخ: لا، كل ما أذهب العقل فهو سكر، قال عمر رضي الله عنه: الخمر ما خامر العقل (3) يعني غطاه وستره.
طالب: جزاك الله خيرًا، إذا آلى من زوجته في حيض أو نفاس هل يقع؟
الشيخ: يقع.
طالب: إن كانت حائضًا؟
الشيخ: وإن كانت حائضًا، الحائض تبقى حائضًا أربعة أشهر؟
طالب: (
…
) لا يجوز له أن يجامعها أو كذلك (
…
).
الشيخ: هو إذا قال: والله لا أجامعها في أيام الحيض هذا ما فيه إشكال، لكن إذا قال: والله لا أجامعها لمدة ستة أشهر، وهي الآن حائض، الحيض يبقى أيامًا ثم ينتهي.
طالب: يقع.
الشيخ: يقع نعم.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: إذا كان معه عقله يقع.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: ما (
…
) العبرة بزوال العقل.
طالب: إذا قتل السكران؟
الشيخ: إذا قتل السكران ويش تقولون؟ المذهب يُقتل، لا إشكال في هذا، والقول الثاني: إن سكر ليَقتل قُتل وإلا فلا، وهذه تقع، يكون الرجل -والعياذ بالله- بينه وبين شخص عداوة، ويعرف أنه إذا قتله عمدًا وهو صاح يُقتل، أو أنه إذا كان صاحيًا لا يمكن أن تسمح له نفسه بالإقدام، فيذهب يشرب المسكر علشان يقتل صاحبه، هذا لا شك أنه يقتل، وأما إذا لم يكن بباله أن يقتل أحدًا وسكر ثم مر به إنسان فقتله فإنه لا يقتل؛ لأنه كالمجنون تمامًا، والمجنون لا يمكن القصاص منه.
طالب: هل عليه دية .. ؟
الشيخ: عليه دية معلوم، الدية ما تضيع.
***
طالب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
قال رحمه الله تعالى في كتاب الإيلاء:
لا من مجنون، ومغمًى عليه، وعاجز عن وطء لجب كامل أو شلل. فإذا قال: والله لا وطئتك أبدًا، أو عين مدةً تزيد على أربعة أشهر، أو حتى ينزل عيسى، أو يخرج الدجال أو حتى تشربي الخمر، أو تسقطي دينك، أو تهبي مالك، ونحوه، فمول، فإذا مضى أربعة أشهر من يمينه ولو قنًّا، فإن وطئ ولو بتغييب حشفة فقد فاء، وإلا أمره بالطلاق، فإن أبى طلق حاكم عليه واحدةً أو ثلاثًا أو فسخ، وإن وطئ في الدبر أو دون الفرج فما فاء، وإن ادعى بقاء المدة، أو أنه وطئها، وهي ثيب، صدق مع يمينه، وإن كانت بكرًا أو ادعت البكارة وشهد بذلك امرأة عدل صدقت، وإن ترك وطأها إضرارًا بها بلا يمين ولا عذر فكمول.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. ما هو الإيلاء شرعًا؟
طالب: هو أن يحلف بالله على ترك وطء زوجته مدة تزيد على أربعة أشهر.
الشيخ: أحسنت، هل في القرآن ما يدل عليه؟
طالب: نعم، قوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226، 227].
الشيخ: نعم، الإيلاء هل هو محرم أو جائز أو مستحب أو واجب؟
طالب: محرم.
الشيخ: لماذا؟
طالب: لأنه متعد.
الشيخ: على من؟
طالب: متعد على (
…
).
الشيخ: على حق الزوجة؛ لأنه عدوان على حق الزوجة؛ إذ إن الرجل يجب عليه أن يجامع زوجته بالمعروف، ولا يمكن أن يزيد على أكثر من أربعة أشهر. هل يجوز الإيلاء تأديبًا لأقل من أربعة أشهر؟
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: الدليل؟
الطالب: الآية.
الشيخ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} ؟
الطالب: لا، ليس هذا.
الطالب: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34].
الشيخ: أحسنت {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} ، ولم يحدد، ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم آلى من نسائه شهرًا كاملًا (4). هل يصح الإيلاء من الغضبان؟
طالب: الغضب على ثلاثة أنواع، إن كان الغاية للارتفاع فإنه لا يؤخذ بأقواله ولا بأفعاله بالاتفاق، وإن كان الغضب الدنو فإنه يؤخذ بأقواله وأفعاله، وإن كان الغضب وسطًا فاختلف أهل العلم على قولين، المذهب أنه يؤخذ بأقواله وأفعاله، والصحيح أنه لا يؤخذ بأقواله وأفعاله.
الشيخ: إذن نقول: الغضب إذا كان في قمة الغضب فلا عبرة بقوله، ولا يكون موليًا، وإذا كان في أدنى الغضب حركة يسيرة مع برودة النفس وقع الإيلاء، وإذا كان بين ذلك فللعلماء في هذا قولان، والراجح أنه لا يقع.
يقول المؤلف رحمه الله: يقع من مريض مرجو برؤه. والمريض المرجو البرؤ؟
طالب: مفهوم كلام المؤلف لا يقع.
الشيخ: مفهوم كلام المؤلف أنه لا يقع، والحقيقة أن هذه العبارة موهمة، وقد سألني بعض الطلبة أمس عنها، المراد بالمريض هنا العاجز عن الوطء، وليس المريض مرض البدن؛ لأن المريض مرض البدن يصح منه الإيلاء، سواء كان يرجى برؤه أو لا يرجى، لكن المراد المريض أي العاجز عن الجماع، هذا إن كان يرجى برؤه فإن إيلاءه صحيح، وإن كان لا يرجى فإيلاؤه غير صحيح؛ لأنه لا يمكنه الوطء، فمثلًا إذا كان الرجل مجبوبًا -أي مقطوع الذكر- فهو عاجز عن الوطء، فهل يصح الإيلاء منه أو لا يصح؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؛ لأنه ليس بواطئ؛ لأنه لن يطأ سواء آلى أم لم يؤل، وإذا كان الرجل عاجزًا عن الوطء لحدث ألم بآلة الوطء لكنه يُرجى أن يُشفى، هو الآن يعالج ويرجى أن يشفى، يصح أو لا يصح؟
طلبة: يصح.
الشيخ: يصح، إذن كلام المؤلف رحمه الله فيه إيهام، وقد تبع في هذه العبارة أصله، أي أصل هذا الكتاب، وهو المقنع، والصواب أن تكون العبارة: وعاجز عن الوطء عجزًا يرجى برؤه.
هل يصح الإيلاء من مغمى عليه؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: ليش؟
طالب: لا يعقل.
الشيخ: لأنه لا يعقل، نعم. هل يصح الإيلاء من شيخ كبير بلغ حد الهذرمة؟
طالب: لا يا شيخ لا يصح إيلاؤه.
الشيخ: لا يصح إيلاؤه، لماذا؟
طالب: لأنه لا يعقل.
الشيخ: لأنه لا يعقل، ولهذا لا يصح طلاقه، فلو أن أحدًا بلغ حد الهذرمة وصار يهذي ولا يزن ما يقول، قال لزوجته: أنت طالق، فلا تطلق.
قال رحمه الله تعالى، وقفنا على قوله:(وعاجز عن وطء لجب كامل أو شلل)، أي لا يصح الإيلاء ممن هو عاجز عن الوطء عجزًا لا يُرجى زواله لجب كامل، الجب قطع الذكر، وكامل احترازًا مما لو جب نصف ذكره، بحيث يتمكن من الوطء بباقيه، فإنه يصح منه الإيلاء، لكن إذا كان الجب كاملًا فإنه لا يصح منه الإيلاء؛ لأنه غير قادر أصلًا.
(أو شلل) الشلل هو فقدان الحركة في العضو، سواء في اليد أو الرجل أو إصبع أو ذكر، أو أذن.
طالب: (
…
).
الشيخ: صح.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، صحيح.
طالب: (
…
).
الشيخ: الظاهر أن جميع الناس آذانهم شلاء، ما حد يقدر يحرك أذنه.
طالب: (
…
).
الشيخ: لم (
…
) هذا قصدنا الشلل عمومًا، هل يمكن أن أحدًا يحرك أذنيه؟
طلبة: يمكن؟
الشيخ: سبحان الله، أنا ما شاهدته (
…
) سماع أسمع أن أحدًا يحرك أذنيه.
طالب: (
…
).
الشيخ: صحيح؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يحرك كذا؟
الطالب: يحرك هذه من أعلى إلى أسفل.
الشيخ: بيده؟
الطالب: لا، يعني بدون يده.
الشيخ: عجيب.
الطالب: ويتحدى الغير يعني بذلك أن يفعلوا مثلما يفعل.
الشيخ: يعني الشحمة هذه تبقى فوق؟
الطالب: ظاهر الأذن يحركها إلى أعلى وأسفل.
الشيخ: هذه ما هي مربوطة جيدًا، ما ربطت جيدًا يعني معناه تطيح فوق وتنكس.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: ولا تتحرك من مكانها؟
طالب: لا، يطلعها إلى فوق وينزلها إلى أسفل.
الشيخ: لا إله إلا الله، عجيب هذا، بعد أغرب وأغرب. ولهذا لو قطع أذنًا شلاء فعليه نصف الدية، ولو قطع يدًا شلاء فعليه حكومة؛ لأن اليد الشلاء ما فيها منفعة، فهمتم؟ العلماء في باب الديات اعتبروا هذا، قالوا: الأذن الشلاء ليس فيها دية، إي نعم فيها دية كاملة أصلًا، واليد الشلاء ليس فيها دية ولكن فيها حكومة.
(لجب كامل أو شلل) شلل العضو بحيث يفقد حركته، ثم ضرب أمثلة قال:(فإذا قال: والله لا وطئتك أبدًا) فيها إشكال من حيث التركيب (والله لا وطئتك) معناها والله لا أطؤك، وهنا عبر بالماضي: لا وطئتك، قال أهل النحو: إن الماضي في باب الأيمان بمعنى المستقبل، فمعنى والله لا وطئتك: والله لا أطؤك؛ لأنها وقعت في جواب القسم. (أبدًا) كذا قال: والله لا أطؤك أبدًا، فهو مول، يعني أبدًا تزيد على؟
طالب: أربعة أشهر.
الشيخ: الأربعة أشهر، وكذلك لو قال: والله لا أطؤك، ولو لم يقل: أبدًا، فهو مول.
الثاني يقول: (أو عين مدةً تزيد على أربعة أشهر) قال: والله لا أطؤك حتى يأتي رمضان، ونحن الآن في ربيع الأول، المدة الآن تزيد؟
طالب: أربعة أشهر.
الشيخ: على أربعة أشهر، فهو مول، أو قال لها: والله لا أطؤك لمدة خمسين يومًا، تزيد؟
طلبة: أقل.
الشيخ: أقل من أربعة أشهر، إذن هو غير مول، لا بد أن تزيد المدة على أربعة أشهر.
أو قال: لا أطؤك (حتى ينزل عيسى) فهو مولٍ، فإذا قال الإنسان: حتى ينزل عيسى ربما ينزل قبل أربعة أشهر؟ فالجواب: هذا احتمال لا شك، ولكنه بعيد، فيؤخذ بما يغلب على الظن، فإذا أمسكنا الرجل الذي قال لزوجته: والله لا أطؤها حتى ينزل عيسى نقول: تعال، أنت الآن مول. قال: أبدًا ما آليت، أنا لم أذكر مدة تزيد على أربعة أشهر، ذكرت: حتى ينزل عيسى، وما أدري ربما ينزل الليلة. ماذا نقول له؟ نقول: نأخذ بالأمر الغالب على الظن، فإنه يغلب على ظننا أن عيسى لن ينزل قبل أربعة أشهر، أو يخرج الدجال أيضًا، والدجال قبل نزول عيسى، قال: والله لا أطؤك حتى يخرج الدجال، فنقول: هو مول.
(أو حتى تشربي الخمر) هذا غير مستحيل حسًّا، ولكنه مستحيل شرعًا، فإذا قال لها: والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر فهو مول، وإذا قال: إنما أردت منها حثها على أن تشرب الخمر، قلنا: وهذا أخبث، فأنت مول؛ لأنها هي لن تشرب الخمر لا بعد أربعة أشهر ولا ما وراءها.
(أو تسقطي دينك)، قال لها: والله لا أطؤك حتى تسقطي دينك، فهو أيش؟ مول؛ لأن إسقاط دينها ليس بواجب عليها، ولا فرق بين أن يقول: حتى تسقطي دينك عني، أو يقول: حتى تسقطي دينك عن فلان، لا فرق؛ لأنه لا يلزم الزوجة أن تسقط دينها عن زوجها.
(أو تهبي مالك) قال لها: والله لا أطؤها حتى تعطي فلانًا مئة ريال، فإنه مول؛ لأنه لا يلزمها أن تعطيه، في هذه الحال، لو أعطته، لو وهبت مالها أو أسقطت دينها يلزمه أن يطأ؟ نعم، يلزمه أن يطأ؛ لأنه علقه على فعل شيء حصل.