الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: بالرفاء والبنين، نسأل الله ألَّا يُعْمِيَ قلوبنا، يأتي لفظ عن الرسول عليه الصلاة والسلام خير وبركة ونعدِل عنه؟ ! بالرفاء والبنين! ! ربما لا يكون هذا رفاء، ربما يحصل من الخروق أكثر من الرفاء بين الزوج والزوجة، ثم البنين، البنات مسكينات قد تكون البنت خيرًا من الابن بكثير، فالمهم أن العدول عما جاءت به السنة لما كان عليه الجاهلية عنصر جاهل، قل: بارك الله لكما وعليكما، وجمع بينكما في خير، ثم إذا زُفَّتْ إليه يأخذ بناصيتها ويقول: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جَبَلْتَها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جَبَلْتَهَا عليه، لكن هل يقول ذلك جهرًا أو يقول ذلك سرًّا؟
طلبة: سرًّا.
الشيخ: نرى التفصيل في هذا؛ إن كانت امرأة متعلمة تدري أن هذا من المشروع فليقل ذلك جهرًا؛ لأن ربما تؤمِّن على دعائه، وإن كانت جاهلة فأخشى إن قال ذلك تنفر منه، تقول: أنا بي شر؟ وعلى كل حال لكل مقام مقال، والله أعلم. (
…
)
مثل غيره، ولهم الغنيمة النقلية اللي تُنْقَل.
طالب: أما الأرض فلا.
الشيخ: لا، إي نعم.
طالب: إذا أَمَرَ الإمام بمعصية ورَتَّبَ عليها عقوبة لمن يخالفها، فما الموقف، مثل مثلًا حلق اللحية أو .. ؟
الشيخ: الواجب الصبر والاحتساب وانتظار الفرج، إلا إذا قيل للشخص نفسه: إما أن تفعل هذه المعصية أو حبسناك.
الطالب: لو قال هكذا؟
الشيخ: لو قال هذا مُكْرَه.
الطالب: يعني ينزل على رأيه؟
الشيخ: أقول: مُكْرَه، إذا كان مُكْرَهًا على الكفر إذا لم ينشرح قلبه به فإنه لا شيء عليه، فالمعاصي التي دونه من باب أولى.
طالب: في هذه المسألة التي ذكرها الأخ، هل إذا كان مُكْرَهًا هل يحلقها هو أو يتركها حتى .. ؟
الشيخ: سواء حلقها هو ولَّا أخذوه بالقوة وحلقوها، يمكن بعد إذا حلقها هو أطيب لنفسه شوي.
***
[أركان النكاح]
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المصنف رحمه الله تعالى: فصل .. وأركانه الزوجان الخاليان من الموانع، والإيجابُ والقبولُ، ولا يصح ممن يُحْسِن العربية بغير لفظ: زَوَّجْت أو أَنْكَحْت، وقَبِلْت هذا النكاح، أو تَزَوَّجْتها، أو تَزَوَّجْت أو قَبِلْت، ومَن جَهِلَهُما لم يلزمه تعلُّمُهما، وكفاه معناهما الخاص بكل لسان، فإن تقدم القبول لم يصح، وإن تأخر عن الإيجاب صح ما دامَا في المجلس ولم يتشاغلَا بما يقطعه، وإن تفرَّقَا قبله بطل.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى:(فصل. وأركانه) أي: النكاح، (الزوجان الخاليان من الموانع).
سبق لنا بيان حكم خطبة الرجل على خطبة أخيه، وقولنا: إنها؟
طالب: تحرم.
الشيخ: حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولكنها تجوز إذا رُدَّ أو أَذِن أو تَرَك، إذا رُدَّ من أهل الزوجة، أو أَذِن للخاطب الثاني، أو ترك، يعني علمنا أنه ترك الخطبة.
واختلف العلماء فيما إذا جَهِل هل رُدّ أو قُبِلَ، والمذهب أنه أيش؟
طلبة: جائز.
الشيخ: أن الخطبة جائزة، والصحيح أنها غير جائزة؛ لأنه خطب، وصار أَحَقَّ بها من غيره، فإن جَهِل أنها مخطوبة، مثل أن سمع رجلًا يتحدث فيها، ولكنه لا يدري هل أقدم على الخطبة أو لا، هل يجوز؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم يجوز؛ لأن الأصل أنه لم يَخْطُب.
ثم ذكر المؤلف هذا الفصل -وهو بدء الدرس- قال: (فصلٌ. وأركانه) أي: أركان النكاح، (الزوجان)(والإيجاب والقبول) يعني ثلاثة، والركن هو جانب الشيء الأقوى، جانب الشيء الأقوى يسمى ركنًا، ولذلك نسمي الزاوية أيش؟
طالب: ركنًا.
الشيخ: نسميها ركنًا، يعني البناء مربَّع، كل ربعة منه نسميها ركنًا؛ لأن الزاوية هي أقوى ما في البناء، فجانب الشيء الأقوى يسمى ركنًا، والمراد بالأركان ما لا يتم تركيب الماهية إلا به، فمثلًا: في الصلاة القيام ركن، والركوع ركن، والسجود ركن، والجلوس بين السجدتين والتشهد ركن؛ لأن هذه هي ماهية الصلاة، ولا تكون الماهية إلا بهذا، فأما ما كان من أجزاء الماهية ولكنها تتم بدونه فهذا لا يسمَّى ركنًا؛ كرفع اليدين في الصلاة مثلًا، هذا تتركب منه الماهية، لكن الصلاة تتم بدونه، ولهذا لا يسمى ركنًا، فالآن النكاح لا بد من زوج وزوجة، صح ولَّا لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: لا بد من زوج وزوجة، ولا بد من إيجاب وقبول؛ لأنه زوج وزوجة بماذا يكونان زوجين؟
طالب: بالإيجاب والقبول.
الشيخ: بالإيجاب والقبول، أما الولي فيمكن أن نعدَّه ركنًا، ويمكن ألَّا نعده؛ لأنه خارج عن الماهية، لكن من شرط وجود الماهية أن يوجد الولي، فصار أركان النكاح ثلاثة: الزوجان، والإيجاب، والقبول.
ولهذا قال المؤلف: (الزوجان)، وقوله:(الخاليان من الموانع) هذا ليس بشرط في الواقع؛ لأن الأصل الخُلُوّ من الموانع، فإذا قُدِّرَ أنه تزوَّج امرأة وكان بينه وبينها رضاع ولم يعلمَا به عند العقد فهنا نقول: بطل النكاح، أو تبيَّن بطلانه، فلو قال المؤلف:(الزوجان) وسكت لكان أنسب، ولكن ما ذكره أوضح.
قوله: (الخاليان من الموانع) ما هي الموانع؟ الموانع كل سبب يقتضي تحريم المرأة على الزوج، مثل العدة.
طالب: القرابة.
الشيخ: القرابة التي تريد الْمَحْرَمِيَّة، وما أشبه ذلك.
الثاني: (الإيجاب)، الإيجاب هو: اللفظ الصادر من الولي أو مَن يقوم مقامه، (والقبول): هو اللفظ الصادر من الزوج أو مَن يقوم مقامه، مثال الإيجاب، الأخ؟
طالب: أن يقول: زَوَّجْتُك.
الشيخ: أن يقول: زَوَّجْتُك، والقبول؟
طلبة: قَبِلْت.
الشيخ: أن يقول: قَبِلْت، فالإيجاب هو اللفظ الصادر من الولي أو مَن يقوم مقامه، فإذا كان الولي فسيقول: زَوَّجْتُك بنتي –مثلًا-، وإن كان ممن يقوم مقامه فإنه يقول: زَوَّجْتُك بنت مُوَكِّلِي فلان، ولا يصح أن يقول: زَوَّجْتُك بنتي، لماذا؟
طلبة: ليست بنته.
الشيخ: ليست بنتًا له، ولا يصح أن يقول: زَوَّجْتُك بنت فلان، لماذا؟ لأنه لا يمكن تزويجها إلا بوكالة.
إذن صيغة الإيجاب ممن يقوم مقام الولي أن يقول؟
طالب: زَوَّجْتُك.
الشيخ: زَوَّجْتُك بنت موكلي فلان، ولا بد، ثم عاد يُعَيِّنها يقول: فلانة –مثلًا-، زَوَّجْتُك فلانة بنت موكلي فلان.
الزوج يقول: قبلت النكاح، ومَن يقوم مقامه ماذا يقول؟ يقول: قبلت النكاح لموكلي فلان، ولا يصح أن يقول: قبلت النكاح، وظاهر كلامهم: ولو كنا نعلم أنه وكيل، يعني: يَعْلَم الشاهدان ويعلم الولي أنه وكيل فإنه لا يصح أن يقول: قبلت النكاح، حتى يقول: قبلت لِمُوَكِّلِي، واضح؟
طالب: نعم، هذا الظاهر.
الشيخ: كلامي واضح ولَّا غير واضح؟
طلبة: نعم واضح.
الشيخ: لو أن الوكيل الذي يقوم مقام الزوج قال: قبلت النكاح، فقط، يصح؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، لا بد يقول: لموكلي، فإن قال: أردتُ بقولي: قبلت، يعني: لنفسي، وخلَّى موكله وراء، يصح أو لا يصح؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؛ لأن الولي إنما زَوَّجَ مَن؟
الطلبة: موكلك.
الشيخ: موكلك، فصار القابِل الآن غير الذي عُقِدَ له، الإيجاب وارد على زيد اللي هو الموكِّل، وصار الإيجاب واردًا على عمرو الذي هو الوكيل، وعلى هذا فتَحَيُّل هذا الوكيل لا ينفعه، لو أن هذا الوكيل قد خطب من الناس جميعًا وكلهم يَرُدُّونَه، فذهب إلى شخص وقال: علمتُ أنك ستتزوج فلانة، قال: نعم، قال: اجعلني وكيلًا في قبول النكاح، فقال: أنت وكيلي، جزاك الله خيرًا، عاد عندي شغل أبغي أروح لفلان، عند العقد قال الولي: زَوَّجْت موكلك فلان وفلانة، فقال الوكيل: قبلتُ، وأراد؟
طلبة: نفسه.
الشيخ: لنفسه، فإن ذلك لا يصح؛ لأن الإيجاب إنما صدر لِمَن؟
طلبة: للموكِّل.
الشيخ: لموكِّله، وهو قَبِلَ لنفسه، فلا بد أن يقول: قبلت النكاح لموكِّلي فلان، وقيل: إنه إذا عُلِمَ أن قوله: قبلت، يعني: لموكلي، فإن المعلوم كالمنطوق؛ لأن الولي ماذا قال؟ قال: زَوَّجْت أيش؟
طالب: موكلك.
الشيخ: بنتي موكِّلَك فلانًا، فإذا قال: قبلت، فالمعنى: أني قبلت بوصفي؟
طالب: موكَّلًا.
الشيخ: بوصفي وكيلًا، فلا حاجة أن أقول: قبلت لموكلي فلان، وهذا القول الأرجح، بناء على أن العقود تنعقد بما دَلَّ عليها.
ويتفرع على هذه المسألة ما ذكره المؤلف رحمه الله في قوله: (ولا يصح ممن يحسن العربية بغير لفظ: زَوَّجْتُ أو أَنْكَحْت)، يشترط في الإيجاب والقبول أن يكون بلفظ: زَوَّجْت أو أَنْكَحْت، الإيجاب بلفظ: زَوَّجْت أو أَنْكَحْت، هذا إذا كان يُحْسِنُ العربية، فإن كان لا يُحْسِن العربية أتى بأي لفظ يفيد هذا المعنى، وتعرفون أن الناس يختلفون في اللغة العربية، فالأخ الأفغاني يعطيني لفظ الإنكاح والتزويج في اللغة الأفغانية.
طالب: ويش تبغي يا شيخ؟
الشيخ: زَوِّجْه بلغتكم.
طالب: زيد وعمرو.
الشيخ: زيد وعمرو؟
الطالب: إن كان هناك زيد وهناك عمرو، زيد يريد أن يزوِّج عَمْرًا فيقول له ..
الشيخ: باللغة الأفغانية.
الطالب: ازمالور مالوك، يعني مثلًا بنته اسمها فاطمة.
الشيخ: الاسم ما يهم.
الطالب: مالوك فاطمة ماتات كريما، يقول هو: ما كلوكريا واه.
الشيخ: هذا هو بلفظ: زَوَّجْت أو أنكحت؟
طالب: لا.
الشيخ: لا، لكن يصح؛ لأنه ليس لهم لفظ إلا هذا، وكذلك باللغة الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الروسية، أي شيء فهو بلغتهم، ولهذا اشترط المؤلف ممن يُحْسِن اللغة العربية، فإن كان يُحْسِن أن يقول: زَوَّجْت أو أنكحت، وهو غير عربي، لكن لا يدري ما معني زَوَّجْت أو أنكحت، فإنه يقولها بلسانه؛ لأنه لا يُتَعَبَّد بلفظه، بخلاف القرآن الكريم، فلو أراد أحد أن يتلو القرآن الكريم بلغته ولو بالمعنى المطابق قلنا له: لا؛ لأن القرآن كلام الله لا يمكن أن يغيَّر، ولأنه يُتَعَبَّد بتلاوته.
ما هو الدليل على أنه لا يصح إلا بهذين اللفظين؟ ليس هناك دليل لا في القرآن ولا في السنة أنه لا يصح النكاح إلا بهذا اللفظ، لكن يقولون: لأنهما اللفظان اللذان ورد بهما القرآن، ففي القرآن الكريم:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]، وفي القرآن الكريم:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20]، فاللفظان اللذان ورد بهما القرآن هما النكاح والزواج، فلا نتعداها.
ولا شك أن هذا التعليل عليل، بل هو ميت، لو أننا أخذنا بهذه القاعدة في الاستدلال لقلنا: والبيع لا ينعقد إلا بلفظ البيع؛ لأن ما في القرآن إلا البيع: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] هل تقولون: إنه لا يصح البيع إلا بلفظ البيع، والشراء لا يصح إلا بلفظ الشراء؟ لا يقولون بذلك، فأي فرق؟
ثم نقول: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها، ولم ينطق بلفظ الزواج، أتقولون: إن نكاح الرسول لصفية غير صحيح؟ كلا والله، ولهذا اضطروا أن يستثنوا هذه المسألة، قالوا: إلا إذا كان له أَمَة وقال: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، فإنه ينعقد؛ لأنه لا يمكنهم أن يدفعوا السنة، فقالوا: إلا فيما إذا كان له أَمَةٌ فأعتقها وجعل عتقها صداقها، فيصح أن يقول: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، عرفتم؟
والقول الراجح في هذه المسألة أن النكاح ينعقد بما دَلَّ عليه بأي لفظ كان، سواء قال: زَوَّجْتك، أو قال: جَوَّزْتك، أو قال: أعطيتك، أو قال ملَّكْتك، أو ما أشبه ذلك؛ لأن هذا عقد، فيُحْمَل على ما يتعارفه الناس ويرون أنه عقد، وليس مُتَعَبَّدًا بلفظه.
ثم إنه في حديث الواهبة نفسها قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» (2)، «مَلَّكْتُكَهَا» ، وفي بعض الألفاظ:«زَوَّجْتُكَهَا» ، فلما اختلفت الألفاظ في ذلك دَلَّ على أنها سواء، وإلا لو كان يختلف هذا وهذا ما جاز للرواة أن يَرْوُوه على وجهين، على لفظ:(زَوَّجْتُكَ)، وعلى لفظ:(مَلَّكْتُكَ)، انتبهوا يا جماعة إلى هذه النقطة؛ لأن بعض الناس قال: هذا ليس فيه دليل -حديث سهل في قصة الواهبة نفسها- قالوا: لأن القصة واحدة، والعقد؟
طالب: واحد.
الشيخ: واحد، ولا يمكن أن يقول الرسول: زَوَّجْتُكَ بما معك من القرآن، ثم يقول: مَلَّكْتُكَ، ما يمكن، فهو قد قال أحد اللفظين ولا بد، نقول: الأمر كما قولتم، هو قال أحد اللفظين، لكن كون الرواة ينقلونه بلفظ: ملكت، وزَوَّجْت دليل على أنه ليس بينهما فرق؛ لأن نقل الحديث بالمعنى لا يجوز إلا إذا كان المعنى مطابقًا للفظ النبوي.
وعلى هذا فنقول: القول الراجح في هذه المسألة أنه يصح بلفظ الإنكاح والتزويج والتمليك والإعطاء، وما أشبه ذلك مما يعرف الناس أنه إيجاب، فإن تردَّد فقال له: آجَرْتُك بِنْتِي على صداق ألف ريال، يصح ولَّا ما يصح؟
طلبة: ما يصح.
الشيخ: اصبروا يا جماعة، لا إله إلا الله، ما أعجلكم فيما لا تفهمون! وما أقل إجابتكم فيما تفهمون!
إذا قال: آجَرْتُكَ بنتي على صداق قدره ألف ريال، يصح ولَّا ما يصح؟
طالب: ما يصح.
طالب آخر: العُرْف.
الشيخ: يا إخواني، على صداق، الصداق ماذا يكون، بأي شيء؟
طالب: الزواج.
الشيخ: بالنكاح، والله سَمَّى الصداق أجرة {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24]، {آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} .
طالب: شيخ، في البداية قال: آجَرْتُك؟
الشيخ: نعم، آجَرْتُك على صداق، أما لو قال: آجَرْتُك بنتي بألف ريال؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: هذا معلوم، ما يصح لا شك؛ لأن الأجرة لا تستعمل في النكاح إطلاقًا، لكننا بالأول صَحَّحْنَا العقد؛ لأن فيه ما يدل على المراد بالأجرة هنا؟ النكاح، وقد سَمَّى الله المهر أجرة، إذن الزوجة مُسْتَأْجَرَة.
على كل حال خذوا القاعدة: جميع العقود تنعقد بما دَلَّ عليها عُرْفًا، سواء كانت باللفظ الوارد أو بغير اللفظ الوارد، وسواء كان ذلك في النكاح أو في غير النكاح، هذا هو القول الصحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
يقول شيخ الإسلام -عندي بالحاشية هنا- يقول: ولم ينقل أحد عن أحمد -يعني ابن حنبل- أنه خَصَّه -أي النكاح- بهذين اللفظين، وأول مَن قال ذلك من أصحاب الإمام أحمد فيما علمت -أنه يختص بلفظ الإنكاح والتزويج- أول من قاله ابن حامد، وتبعه على ذلك القاضي ومَن جاء بعده بسبب انتشار كتبه وكثرة أصحابه وأتباعه، وبناء على ذلك لا يصح نسبة هذا القول إلى مذهب الإمام الشخصي، وإنما يقال: هو مذهب الإمام الاصطلاحي.
وأنا أقول لكم: إن هناك فرقًا بين المذهب الشخصي الذي يدين به الإمام لله عز وجل، وبين المذهب الاصطلاحي، المذهب الاصطلاحي قد يكون الإمام أحمد ما قاله، أو قال بخلافه، والمذهب الاصطلاحي هو ما اصطلح عليه أتباع هذا الإمام أن يكون هو مذهبه، مثل أن يختاروا مثلًا أئمة من أتباعه يقولون: إذا اتفق فلان وفلان من أئمة أتباعه على كذا فهو المذهب، أو إذا كان أكثر أتباعه على هذا فهو المذهب، لكن مذهب الشخص غير، المذهب الشخصي هو ما يدين به الإمام لله عز وجل، وقد يكون موافقًا لما قيل: إنه مذهبه اصطلاحًا، وقد يكون مخالفًا.
طالب: شيخ، سؤال مهم جدًّا يا شيخ بارك الله فيك، عندنا -جزاك الله خيرًا- عادة تحصل كثيرًا، وهي مثلًا يكونون في مجلس، فيقول أحدهم لابنته الصغيرة، يقول لجاره أو صديقه أو ابن عمه: زَوِّجْنِي ابنتك هذه لابني فلان، وهم صغار يعني، فيقول: نعم قبلت، أو قبلت تزويجك فلانة من فلان من ابنك فلان، فيقول الثاني: قبلت، والأمر كله هكذا فقط مجرد كلام.
الشيخ: هذا وعد وليس بعقد.
الطالب: لماذا يا شيخ؟
الشيخ: لأن معنى زَوِّجْنِي كل يعرف أن معنى أبغيك زوجًا لفلانة معناه: إذا حان وقت زواجها، أما الآن واحد بالمهد الصبي، يصيح يبغي ثدي أمه، وهذه أيضًا تصيح تبغي اللبن توّها مولودة، أحد يقول: هذا يتزوج هذه؟
الطالب: ولكن يا شيخ قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ» (3)؟
الشيخ: لا، هم ما قالوا على سبيل المزح، العقد على سبيل المزح كالعقد على سبيل الجد، لكن نحن نقول: هذا ليس بعقد، هذا وعد، ولها نظير عندنا هنا، يقول: أبغيك زوجة من ابني (
…
)، موجودة هذه.
طالب: وعندنا.
الشيخ: وعندكم، وكل الظاهر أهل نجد.
طالب: إحنا كنا ننهي عن ذلك يعني ..
الشيخ: على كل حال، إذا نهيتم هذا من باب الاحتياط، وإلا فلو تحاكم إلَيَّ لم أحكم بالنكاح، لكن نعم من باب الاحتياط لا يجيء أحد مُدَّعٍ، ومشكلة بعدُ إذا كان الإنسان يرى أن هذا تزويج، ثم حان وقت زواجها يروحوا يدوِّروا في ..
طالب: بعضهم يطالبون، يقولون: ألم يكن فلان وفلان.
الشيخ: ثم بارك الله فيك هذه يعتريها شيء آخر، قد لا يكون الشهود متوفِّرين، وإذا توفروا ينقصها شيء آخر، وهو على القول الراجح الرضا؛ رضا المرأة ورضا الزوج أيضًا، ما ندري، فعلى كل حال هو لا يصح هذا العقد، وأنا أرى أنه ليس بعقد بل هو وعد؛ لأن كلًا يعرف أن العقد له سن معين ويكون بصفة معينة.
طالب: أحسن الله إليكم، يمكن يكون قول المؤلف:(ولا يصح ممن يحسن العربية بغير لفظ زَوَّجت أو أنكحت) لعله يريد البعد عن التعريض (
…
) احترازًا من أن يأتي بلفظ.
الشيخ: لا لا، ما هو مراده، مراده أن العقد لا بد يكون بالإنكاح والتزويج.
الطالب: يا شيخ جزاكم الله خيرًا، في بعض البلاد عادة حين العقد يضع وَلِيّ الزوج وولي الزوجة أيديهما في أيدي بعض، ثم تغطى الأيدي بمنديل أو فوطة أو ما أشبه ذلك، ولا ينعقد إلا إذا كان بمثل هذه الصيغة، عند العقد ينادي الناس: جيبوا منديل جيبوا منديل.
الشيخ: يمكن لعل هذا إشارة إلى أن الزوج والزوجة سيكونان في لحاف واحد.
الطالب: هل هذا له أصل ولَّا هذه بدعة.
الشيخ: هذه بدعة، ولازم ما ينعقد إلا إذا جاب منديل؟ !
الطالب: (
…
).
طالب آخر: يقرؤون الفاتحة.
الشيخ: هذا بأي عرف؟ من مصر يعني؟
الطالب: إي نعم، والمأذون الشرعي يكون جالسًا.
الشيخ: سبحان الله، أريد معك واحدًا يشهد.
طلبة: نعم يا شيخ.
طالب: ويتزاحمون على المنديل يا شيخ.
الشيخ: هذا مصر، والسودان؟
طالب: ما عندنا.
الشيخ: الحمد لله، الشام كذلك؟
طالب: الشام بدون منديل يا شيخ.
الشيخ: بدون منديل؟
طالب: بلى، لا بد من منديل.
الشيخ: خلاص لا يوجد شيء، انتهينا، ثلاث دول إسلامية من أين جاءتهم هذه؟ يعني هم لو قالوا: يشتبك الزوج والولي مثلًا كذا، قلنا: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، يعني لها شيء من الوجه، لكن منديل إلا مثل ما قلت: إن كان هم يريدون الإشارة إلى أن مستقبل هذا الزوج والزوجة أن يكونَا في لحاف واحد، وهذا المنديل بمنزلة اللحاف تفاؤلًا مثلًا.
طالب: لكن يا شيخ يتزاحمون على المنديل.
طالب آخر: يحتفظون بالمنديل يا شيخ، ويتقاتلون على مَن يأخذه وقت العقد.
الشيخ: عجيب.
الطالب: يعني يختطفونه من بعض.
الشيخ: يخطفون مَن؟
الطالب: المنديل على يد المأذون بمجرد ما ينهي العقد.
الشيخ: المأذون والزوج ولَّا الولي والزوج؟
الطالب: الولي والزوج.
الشيخ: عليهم المنديل الآن.
الطالب: عليهم المنديل، فبمجرد ما العقد ينتهي الواقفون حولهم يخطفون المنديل من يسبق أولًا ويحتفظ به مدى الحياة.
الشيخ: سواء كانوا من أقارب الزوج والولي أو لا؟
الطالب: نعم، وأحيانًا الزوج هو الذي يأخذه، يكون المنديل هو اللي طلَّعه.
الشيخ: أنا أخشى أن هذه بعد تصبح عقيدة.
طالب: ما داموا يحتفظون به فهم يعتقدون فيه.
الشيخ: أنا أخشى أن هي بعدُ اعتقاد.
الطالب: من باب الذكرى.
الشيخ: يا جماعة ها المنديل يُكْتَب فيه: في هذه الليلة أو في هذا اليوم تزوج فلان وفلانة؟
طالب: نعم هو يحتفظ به ويعلم أن هذا منديل فلان.
طالب آخر: أحسن الله إليكم، سألت أحدَهم عن هذه المسألة.
الشيخ: أيهم؟
الطالب: مسألة المنديل، أولًا: هي لا تحصل إلا في الأوساط العامة.
الشيخ: أنت من أي بلد؟
الطالب: من مصر.
الشيخ: من مصر.
الطالب: لا تحصل إلا في الأوساط العامة اللي هما الجاهلِيِّين يعني بعيدين عن الالتزام، ثانيًا: سألت المأذون، فقال: هذا من باب المداعبة ومن باب المزاح حتى يحصل الطَّرَف بأخذ المنديل ومن هذا القبيل فقط، يعني هم ليس ناشئًا عند اعتقاد.
الشيخ: ليش يحتفظ به إلى الأبد؟
الطالب: هي توارثت التقليد من هذا القبيل.
الشيخ: على كل حال الواجب عليكم أنتم يا طلبة العلم أن تُبَيِّنُوا للناس أن هذا بدعة وليس له أصل.
طالب: والفاتحة يا شيخ؟
طلبة: الفاتحة؟
الشيخ: كيف؟
طالب: بعض الناس يُتْبِعُون العقد بالفاتحة.
الشيخ: عجيب، يقرؤون الفاتحة؟ !
طالب: وهذه عندنا كذلك يا شيخ.
الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، معناها كأنها تفاؤل بالمرض؛ لأن الفاتحة رُقْيَة، نسأل الله العافية، أعوذ بالله.
طالب: بدل ما يقولوا: فلانة مخطوبة يقولون: قُرِئَت فاتحتها.
الشيخ: سبحان الله! الله يهديهم، والله هذه الحقيقة تدل على أن طلبة العلم هناك مُقَصِّرون.
طالب: نعم.
الشيخ: عندهم تقصير.
الطالب: صحيح.
الشيخ: أنا أذكر كان عندنا .. (
…
)
***
طالب: .. في المجلس، ولم يتشاغلَا بما يقطعه، وإن تفرَّقَا قبله بطل.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبق لنا أن للنكاح أركانًا ثلاثة، وهي: الزوجان الخاليان من الموانع، والثاني: الإيجاب، والثالث: القبول.
والإيجاب: هو اللفظ الصادر من الولي أو مَن يقوم مقامه، والقبول: هو اللفظ الصادر من الزوج أو مَن يقوم مقامه.
وسبق لنا أنه لا يصح الإيجاب إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وبَيَّنَّا أن هذا القول قولٌ مُحْدَث، وأنه لم يُعرَف عن الإمام أحمد، وأن أول مَن قال به ابن حامد، وتبعه على ذلك تلميذه القاضي أبو يعلى، وانتشر هذا القول واشتهر بين الأصحاب؛ لكثرة كتبهما وتلاميذهما.
وأن القول الراجح أنه يصح بكل لفظ يدل عليه: الإنكاح، التزويج، الإعطاء، الهبة، لكن بشرط أن نعلم أن المراد بالهبة يعني النكاح، لا الهبة المجانية؛ لأن النكاح بالهبة المجانية لا يكون إلا لمن؟ للرسول عليه الصلاة والسلام، التمليك؛ ملَّكْتك بنتي، التجويز؛ جَوَّزْتك بنتي، وهذه اللغة العامية يقولون: فلان تَجَوَّز، ويندر أن تسمع قولهم: فلان تَزَوَّج.
على كل حال بَيَّنَّا فيما سبق أن الصحيح أن النكاح ينعقد بما دَلَّ عليه، وأن تعليلهم بأن الإنكاح والتزويج هو الذي ورد بهما القرآن نقول لهم: إذن البيع لا ينعقد إلا بلفظ البيع؛ لأنه اللفظ الذي جاء به القرآن.
قال المؤلف رحمه الله: (ومَن جَهِلَهُمَا لم يلزمه تعلُّمُهما)، -هذا ابتداء الدرس الجديد-.
(مَن جهلهما) أي: جَهِل الإنكاح والتزويج، بأن كانت لغته غير عربية، فهل نقول: يجب أن يتعلم لفظ الإنكاح والتزويج أو لا؟ نقول: لا يجب، كما قال المؤلف رحمه الله، قال:(لم يلزمه تعلُّمُهما وكفاه معناهما الخاص بكل لسان).
وهذا حق؛ فالأعجمي لا نقول: يلزمك أن تتعلم لفظ الإنكاح والتزويج لتعقد به لابنتك مثلًا، نقول: المعنى الخاص بلسانك، والمعنى الخاص يعني الذي يختص بالنكاح، ينعقد به النكاح مِن قِبَلِكَ، بينما هذا اللفظ الذي أنت عقدت به النكاح لو عقد به عربي لم ينعقد حتى وإن عُرِفَ المعنى.
يقول: (بكل لسان)، معنى بكل لسان، أي: بكل لغة.
وإذا قلنا بالقول الراجح أنه ينعقد بما دَلَّ عليه، فأوجب الولي العقد بلغة غير عربية، لكنها معروفة للزوج والشاهِدَيْنِ فهل ينعقد؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، على القول الراجح ينعقد، كأن يُوجِب الولي العقد باللغة الإنجليزية، وهو يعلم المعنى، والزوج يعلم المعنى، والشاهدان يعلمان المعنى، فالقول الراجح أنه ينعقد؛ لأن العبرة بماذا، باللفظ ولا بالمعنى؟
طلبة: بالمعنى.
الشيخ: بالمعنى، ولكنه يؤدَّب على كونه يعقد النكاح -الذي هو عقد شرعي من أفضل العقود وأهمها في الشريعة- بلغة غير العربية مع كونه يعلمها، ولهذا كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يضرب مَن تكلم بالرطانة الأعجمية، يضرب ضربًا، وبعض إخواننا الآن من المسلمين لضعف الإيمان في قلوبهم وضعف الشخصية في نفوسهم يذهبون ويتكلمون باللغة الإنجليزية، فتجده إذا كَلَّم صاحبه باللغة الإنجليزية وخاطبه ذاك مجيبًا إياه باللغة الإنجليزية يزم وينتفخ، وكأنه نال مشارق الأرض ومغاربها؛ لأنه صار يعرف يتكلم باللغة الإنجليزية، وحينئذ يتمثل بقول الشاعر:
أَنَا ابْنُ جَلَا وَطَلَّاعُ الثَّنَايَا
مَتَى أَضَعِ الْعِمَامَةَ تَعْرِفُونِي
ليش؟ لأنه عرف يتكلم باللغة الإنجليزية، حتى بلغني أن بعض الناس -والعياذ بالله- يعلِّم صبيانه اللغة الإنجليزية، صبيان، ويقول إذا أراد أن يودِّعه أو يسلِّم عليه: باي باي، سبحان الله! ! تأتي بهذه اللغة البابُيَّة وتترك (السلام عليكم) أو (عليكم السلام) فضيحة، عار، يعني لو لم تكن المسألة شرعية لكان يجب أن تكون على الأقل قومية، أذهب إلى لغة قوم وعندي اللغة العربية بهذا اللفظ، عربية مُعْرَبة فصيحة، أفصح اللغات لغة العرب، وأذهب للغات الأخرى.
ولهذا أنا فيما أرى أن الذي يعلِّم صبيه اللغة الإنجليزية من الصِّغَر سوف يحاسب عليه يوم القيامة؛ لأنه يؤدي إلى محبة الصبي لهذه اللغة، وإثارها على اللغة العربية، وبالتالي يؤدي إلى محبة مَن ينطق بها من أهلها، واستهجان مَن ينطقون بغير هذه اللغة، فسوف يحاسَب الرجل يوم القيامة إذا أدخل أولاده لتعلم اللغة الإنجليزية وهم صغار.
أما مَن كبر وترعرع وقال: أنا أريد أن أتعلم اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات الأجنبية لأدعو إلى الله بها، فإنا نقول له: هذا خير، ونساعدك على هذا ونشجعك. أو قال: أنا أحتاج إلى اللغة غير العربية؛ لأنني أمارس التجارة مع هؤلاء القوم، فأريد أن أتعلم لأتمكن، قلنا: هذا لا بأس به، هذا عمل مقصود وغرض صحيح، فلا بأس، أما الإنسان يفعل ذلك تعشُّقًا لها، وتعظيمًا لقومها، وإيثارًا لها على اللغة العربية فهذا خطأ.
المهم، رجل يعرف اللغة العربية أَوْجَبَ النكاح باللغة الإنجليزية لآخر يعرف اللغة الإنجليزية، وَقَبِل باللغة الإنجليزية، والشاهدان يعرفان ذلك، ما تقولون في نكاحه؟
طلبة: على القول ..
الشيخ: على القول الصحيح صحيح، وعلى المذهب؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليس بصحيح؛ لأنه لا بد أن يكون باللغة العربية.
قال: (فإن تقدم القبول لم يصح)، يعني: يُشْتَرَط أن يتقدم الإيجاب، لا بد أن يتقدم الإيجاب، فيقول: زَوَّجْتك، ويقول: قَبِلت، لماذا؟ لأن العقد لا يكون إلا به، ولأن القبول قبول شيء بُذِل، فكيف يتقدم القبول على الإيجاب وهو لم يُبْذَل شيء حتى الآن، فلا بد أن يتقدم الإيجاب على القبول، فإن تأخر الإيجاب عن القبول وتقدم القبول فإنه لا يصح.
لكن كيف الطريق إلى تصحيحه؟
الطريق أن يعاد القبول بعد الإيجاب؛ لأن القبول متقدِّم وقع في غير محله، فإذا جاء الإيجاب أردفناه بالقبول وصَحّ.
مثال ذلك: قال الزوج عند حضوره العقد: يا عمي، -وأتكلم باللغة العامية لأن العم أخو الأب، لكن هم يسمون أبا الزوجة عَمًّا- قال: يا عم، قَبِلْتُ نكاح ابنتك فلانة، فقال له العم: زَوَّجْتك بنتي فلانة، يصح العقد ولَّا لا؟
طلبة: ما يصح.
الشيخ: كيف نعمل؟
طلبة: يعيد.
الشيخ: نقول: يعيد الزوج القبول، فيقول: قَبِلْتُ، ويلغي الأول، لكن لو بقي على ما كان عليه أولًا فإن العقد لا يصح.
يقول رحمه الله: (وإن تأخَّر عن الإيجاب صح)، لكن هذا قد يقول قائل: إنه تحصيل حاصل، إن تأخر القبول عن الإيجاب صح؟
نقول: ليس مراد المؤلف رحمه الله أن يبين لنا أن القبول إذا تأخر عن الإيجاب صح، لكنه قال هذا القول تمهيدًا لما بعده، وهو قوله:(ما دامَا في المجلس ولم يتشاغَلَا بما يقطعه) ولَّا من المعلوم أنه إذا تأخر يصح ما فيه إشكال، وليس هذا من باب (السماء فوقنا والأرض تحتنا)، ولكن قال ذلك تمهيدًا لما يأتي بعد، وهو قوله:(ما دامَا في المجلس)، يعني: ولو طال الزمن، (ولم يتشاغَلَا بما يقطعه) فإن تفرَّقَا؟ يقول:(إن تفرَّقَا قبله بَطَلَ)، وكذلك لو تشاغَلَا بما يقطعه.
رجل قال للزوج: زَوَّجْتك بنتي، فسكت الزوج وبدأ يشرب القهوة والشاهي، لما مضى عشر دقائق أو ربع ساعة قال: قَبِلْت، يصح ولَّا لا؟
طلبة: يصح.
الشيخ: نعم يصح؛ لأنه لم يتشاغل بما يقطعه، ولم يتفرقَا من المكان، لكن كأن الزوج لما قيل له: زَوَّجْتك، كأنه جعل يفكر، كان بالأول مشفقًا، فلما حصل ما يريد تردَّد، وهكذا طبيعة الإنسان هو مشفِق على الشيء ما لم يدركه، فإن أدركه هان في نفسه.
انظر إلى الصيادين الذين يصيدون الطيور أول ما يرى الطير يجد قلبه يطير معه مِن حُرْقَتِه على حصوله، فإذا رماه وسقط بالأرض لم يساوِ عنده ريشة.
فهذا الزوج لما قال له: زَوَّجْتك بنتي، وكان بالأول مشفقًا، سكت له ربع ساعة، ثم قال: قبلت، نقول: يصح، لماذا؟ لأن القبول في محله، فهما لم يتفرقَا ولم يتشاغلَا بما يقطعه، فإن قال: زَوَّجْتُك بنتي، وذهب الزوج بعد هذا القول، ولَمَّا صار العصر جاء إليه، هذا في الصباح، وفي العصر جاء إليه قال: قبلت النكاح، يصح؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: فإن قال: أَمْهِلْنِي إلى العصر، قال: أمهلتك، فجاءه بالعصر وقال: قبلت.
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، لكن نقول للولي: أَعِد الإيجاب، ما هي مشكلة، كذلك إذا تشاغلَا بما يقطعه فإنه يبطل، يعني لما قال: زَوَّجْتك بنتي، قال: ما هي نتيجة الاختبار اليوم؟ هل مررت على الكلية؟ فقال الولي: نعم مررت ورأيت اسمك ناجحًا، فمع الفرح قال: إذن أَقْبَل الزواج، يمكن لو قال: راسب، ما قَبِل، تَكَدَّر ولم يقبل، لكن قال: رأيتك ناجحًا، قال: قبلت النكاح، يصح؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح القبول، لماذا؟
طلبة: تشاغلَا بما يقطعه.
الشيخ: تشاغَلَا بما يقطعه، أو قال له مثلًا: زَوَّجْتك بنتي، فقال: ما أخبار البوسنة والهرسك اليوم؟ لعلها أخبار تسر، قال: نعم الحمد لله، انتصر المسلمون وحصل كذا وكذا، فقال: قبلت، أيضًا لا يصح.
فصار يُشْتَرَط في القبول شرطان:
الشرط الأول: أن يكون في المجلس، والثاني: ألَّا يتشاغلَا بما يقطعه.
فيه شرط ثالث ما ذكره المؤلف لأنه معلوم: أن يكون القبول لمن أُوجِبَت له، فلو قال: زَوَّجْتك بنتي فلانة، قال: قبلت نكاح ابنتك فلانة، الثانية، فإن العقد لا يصح، لماذا؟ لعدم التطابق بين الإيجاب والقبول، كان له بنت اسمها رقية وهي المخطوبة، وبنت أخرى اسمها عائشة، فقال: زَوَّجْتك بنتي رقية، قال الزوج: قبلت نكاح ابنتك عائشة، يصح أو لا؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لعدم التطابق، كذلك أيضًا لو سُمِّي له غير مخطوبته، هو قد خطب عائشة، فقال الولي: زَوَّجْتك بنتي أيش؟
طالب: رقية.
الشيخ: رقية، فهذا سُمِّيَ له غير مخطوبته، فإذا قال: قبلت، وهو يظن أن رقية هي عائشة التي خطبها فإن النكاح لا يصح؛ لعدم تطابق الإيجاب والقبول، إذن يُشْتَرَط شرط ثالث وهو تطابق الإيجاب والقبول.
استمع عندي في الشرح يقول: وكذلك لو جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه قبل القبول، يعني: إذن يُشْتَرَط ألَّا يزول عقل القابل قبل قبوله، فإن زال عقله؛ جُنَّ، فإنه يبطل الإيجاب.