الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل عدم ذلك، هذا قَتْل نفسٍ، لكن لوجود القرينة -وهي العداوة الظاهرة بين القبيلتين- تُجْرَى القسامة، وإذا حلف أولياء المقتول خمسين يمينًا أن هذا الرجل هو الذي قتل صاحبهم قُتِل، فهذا حكم بالقرينة.
فينبغي أن يقال: إن إطلاق الفقهاء في مثل هذا ما لم تكن قرينة قوية تغلب على الأصل، فإذا وُجِدت قرينة قوية تغلب على الأصل فإنه يُعمَل بها، قد تكون قرينة أقوى من البينة؛ لأن مثل هذا مثالنا نرجع إليه مُعِير ومستعير.
المستعير رجل أمين صدوق حافظ ادَّعى أنه رد العاريَّة، وصاحب العاريَّة بالعكس، هنا يكاد الإنسان يشهد أن القول قول المستعير، وربما تكون هذه القرينة أقوى من أن يأتي بشاهد واحد ويحلف معه، أو يأتي بشاهِدَيْن أو شاهد وامرأتين.
فعلى كل حال ما ذكروه رحمهم الله في هذه المسائل ينبغي أن يقال: أن يُقيَّد بما إذا لم توجَد قرينة قوية تؤيد أحد المدَّعِيَيْن فيُعمل بها.
[باب الغصب]
ثم قال المؤلف رحمه الله: (باب الغصب)؛ (الغصب) مصدر غصب يغصب غصبًا.
وعرَّفه المؤلف بقوله: (هو الاستيلاء على حق غيرِه قهرًا بغير حق)، هذا الغصب.
فقوله: (على حق غيره قهرًا) خرج به السرقة، وخرج به الاختلاس، وخرج به الانتهاب، وما أشبه ذلك؛ لأن السرقة والاختلاس والانتهاب ليست قهرًا.
وقوله: (بغير حق) خرج به ما إذا استولى عليه بحق، فإذا استولى عليه بحق فإنه ليس بغاصب.
مثال ذلك: أَخْذ الولي أموال اليتامى وحفظها، والقيام عليها والاتجار بها، وما أشبه ذلك، هذا حق، فلا يُعَدّ الولي إذا أخذ مال اليتيم وتصرف فيه ببيع وشراء لمصلحة اليتيم لا يُعَدّ غاصبًا.
وقوله رحمه الله: (مِن عقار ومنقول) هذه بيان للحق، يعني: سواء كان الحق عقارًا كالأراضي والأشجار والبيوت، أو كان منقولًا؛ وهو ما يُنْقَل عادة، مثل: السيارات والأثاث من فُرُش وغيرها، وكذلك الأغراض اليدوية كالساعة والقلم وغيرها.
المهم العقار كالدور والبساتين ونحوها، والمنقول ما يُنْقَل عادة.
ولم يُفصح المؤلف رحمه الله بحكمه الشرعي، حكمه الشرعي أنه حرام –أي: الغصب- بل من كبائر الذنوب؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
وإذا كان في حق اليتامى ونحوهم من القُصَّار صار أشد إثمًا، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].
ودليل من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب المسلمين في أوسع تجمُّع لهم في حجة الوداع، حيث قال:«إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . (3)
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . (4)
وثبت عنه أنه قال: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» . (5)
والعلماء مُجْمِعُون على هذا في الجملة -أي: على أنه يحرم على الإنسان أن يأخذ مال أخيه بغير حق- فصار حكم الغصب الشرعي حكمه أيش؟ أنه مُحَرَّم، بل من كبائر الذنوب.
أما الأحكام الوضعية من ضمان ونحوه فبيَّنها المؤلف.
قال: (وإن غَصَب كلبًا يُقْتَنَى أو خمر ذمي ردَّهُمَا)، (إن غصب كلبًا يُقتنى) وهو كلب الحرث والصيد والماشية، هذه هي الكلاب التي تُقْتَنَى، وما عداها يحرُم اقتناؤه.
إذا غصب كلبًا يُقْتَنَى وطلبه صاحبه وجب رَدُّه، وإن لم يكن مالًا لكن لصاحبه حق الاختصاص به؛ لأنه أولى الناس به وأحق الناس بمنفعته.
وإن غصب كلبًا لا يُقْتَنَى فهدر؛ لأن صاحبه ليس له حق اقتنائه، فهو عنده غير مستحَق.
(أو خمر ذمي رَدَّهُمَا) إذا غصب خمر ذمي وجب عليه ردها وجوبًا، أليس الخمر حرامًا؟
الطلبة: بلى.
الشيخ: لكنه بالنسبة للذمي حلال، فإن قال قائل: أنا إذا أعطيته هذا الخمر فإني كما لو صنعت له تمثالًا يعبده.
قلنا: غلط، هذا ليس بصحيح، التمثال الذي يعبده محرَّم حتى في شريعته، لكن الخمر عنده حلال.
وقوله: (أو خمر ذمي) خرج به ما لو غصب خمر حربي، فإنه أيش؟ لا يضمنه، هدر.
ومتى يكون حربيًّا؟ يكون حربيًّا إذا نقض الذميُّ العهد صار حربيًّا انتقض عهده.
وإن غصب خمر مسلم؟
الطلبة: هدر.
الشيخ: هدر؟ ولو طلب المسلم ردَّه؟
الطلبة: لا يرده.
الشيخ: لا يرده، ولكن يُرِيقُه، هذا إذا كان له السلطة في التغيير باليد، وأما إذا لم يكن له ذلك فإنه لا يحل له أن يتجرأ على حق السلطان ويفتات عليه.
وبهذا التقييد اللي ذكره المؤلف رحمه الله يتبين خطأ أولئك الذين يعتدون على الذميين في بيوتهم ويدخلون عليهم ويريقون خمورهم فإن هذا لا يجوز؛ لأن الذمي له حق، يُبَاح له ما يعتقد إباحته، لكنه لا يُعْلِنُه، إذا أعلنه نمنعه، ولنا الحق أن نأخذه ولا نرده.
قال: (ولا يرد جلد ميتة)، لو أن شخصًا رأى شاة ميتة.
مثال هذا: رجل رأى شاة ميتة وسلخ جلدها وأخذه، فطالبه مالكها به، فهل يرده؟
الطلبة: لا يرده.
الشيخ: المؤلف يقول: لا يرد جلد الميتة؛ لأن جلد الميتة ليس بمال، وهو داخل في عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ» (6) فلا قيمة له شرعًا.
ولكن إذا قال صاحب الجلد: أنا أريد أن آخذ الجلد لأدبغه، فإذا دُبغ صار -على القول الراجح- طاهرًا، فهو كالثوب النجس إذا غصبه غاصب يرده على صاحبه، فيقول: الشاة التي ماتت ملكي، والجلد يمكنني أن أنتفع به، وذلك بدبغه.
ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة أنه يجب عليه أن يرد جلد الميتة، وذلك لإمكان معالجته حتى يصبح طاهرًا.
(وإتلاف الثلاثة هدر)، الثلاثة يعني: الكلب، وخمر الذمي، وجلد الميتة، يعني لو أتلفها مُتْلِف فإنها لا تُضْمَن.
دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ» (7)، وهذا يدل على أن الكلب لا قيمة له شرعًا، فإذا أتلفه مُتْلِف فليس عليه ضمان.
الخمر أيضًا، دليله أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم بيعه، وهذا يدل على أنه لا عِوَض له شرعًا، فإذا أُتْلِف فلا ضمان.
أما جلد الميتة فيدخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْمَيْتَةِ» (6)، وهذا يدل على أن الميتة ليس لها قيمة شرعًا، فإذا أتلفها متلف فإنه لا يضمن.
ولكن هل يُعاقَب على تعديه على حقوق الغير المحترَمة؟ الجواب: نعم، يعاقَب ويؤدَّب حيث أتلف شيئًا محترَمًا.
إنما ذكر المؤلف هذه الأشياء الثلاثة في باب الغصب؛ لقوله: (وإتلاف الثلاثة هدر)، أما غيرها مما يُتلَف ففيه الضمان، وسيأتي إن شاء الله.
قال: (وإن استولى على حر لم يضمنه)، يعني أنه أخذ حُرًّا واستولى عليه حتى جعله كالرقيق له، ثم مات الحر ويد الغاصب عليه فإنه لا يَضْمَن، لماذا؟ لأنه حر، ليس بمال، والحر لا تثبت عليه اليد، وإن استولى على عبد؟
الطلبة: ضمنه.
الشيخ: إذا استولى على عبد ضمنه؛ لأن العبد مال، كما لو استولى على سيارة، أو على بيت، أو ما أشبه ذلك، فإنه يضمنه.
يقول رحمه الله: (وإن استعمله كرهًا أو حبسه فعليه أجرته)، يعني: إن أكرهه على أن يخدمه، أو أكرهه على أن يبقى في الدكان فعليه أجرته؛ لأنه أتلف منفعته ظلمًا وعدوانًا.
فإذا قال قائل: وهل يمكن أن يستولي على حر ولا يستعمله؟
نقول: نعم يمكن، يستولي على حر، حتى إذا جاءه الضيوف وجدوا عنده هؤلاء على أنهم عبيده، أو أولاده أيضًا؛ لأن الإنسان يفخر بالأولاد، ولكنه لا يستعملهم، يكرمهم، إنما يريد أن يكون أمام الضيوف عنده أولاد أو خدم.
فهؤلاء لا يضمنهم؛ لأنه لم يستعملهم، بل كان يكرمهم، أما لو استعمله وقال: تعال خذ العصا، اذهب إلى الماشية كن راعيًا فيها، أو خذ الجرَّافة واذهب إلى الأرض احرثها، أو خذ الدفاتر قيِّد الداخل والخارج؛ فهنا يقول المؤلف: إن عليه أجرتهم.
فإن استعمله طوعًا فليس عليه أجرة.
وظاهر كلام المؤلف سواء كان هذا الحر صغيرًا أو كبيرًا فيما إذا استعمله طوعًا، وهو مسلَّم في الكبير، أما الصغير ففيه نظر؛ لأن الصغير ربما يُطِيع وهو لا يدري عن الأمور، فكيف نقول: إنه لا يُضمَن مع أن تصرفه لا يُعتبر تصرفًا؟ فينبغي أن يقال: إن استعمله كرهًا وهو أيش؟
طلبة: كبير.
طالب آخر: كبير أو صغير.
الشيخ: كبير أو صغير؛ إن استعمله طوعًا؛ فإن كان كبيرًا فلا أجرة له، وإن كان صغيرًا فله الأجرة.
(أو حبسه)، إذا حبسه فعليه أجرته، وظاهر كلامه رحمه الله أن عليه أجرته مطلقًا، حتى وإن كان حبسه في وقت لا ينتفع فيه، كما لو حبسه في الليل، فالليل ليس محلًّا للعمل، ومع ذلك نقول: عليه الأجرة.
إذا حبسه فمات من الحبس هل يضمنه بِدِيَة؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم يضمنه بدية؛ لأنه مات بحبسه، فإن حبسه فنزلت عليه صاعقة من السماء، يضمنه أو لا؟
طلبة: يضمنه.
طالب آخر: إذا كانت الصاعقة بسبب.
الشيخ: سبب أيش؟ ما تتصور، هذه اختلف فيها الفقهاء رحمهم الله؛ منهم من قال: إنه يضمنه؛ لأنه لولا أنه حبسه في هذا المكان ما نزلت عليه الصاعقة.
ومنهم من قال: لا يضمنه، إلا إذا عُرِف أن هذا الموضع عادة تكثر فيه الصواعق، فإذا كان كذلك فإنه يضمنه.
ومثل ذلك لو لدغته حية ومات في مكان الحبس، فإنا نقول: لا يضمن، إلا إذا عُرِف أن هذا المكان تكثر فيه الحيات.
طالب: شيخ، قلنا: إن خمر الذمي تُرَدّ، فهل مثلها ما يعلقونه من الصلبان؟
الشيخ: إي نعم، حتى ما يعلقونه من الصلبان يُرَد إلا إذا كانوا يظهرونه، إذا أظهروه ما له حُرْمَة.
الطالب: هم يُظْهِرونه.
الشيخ: لا، أنا أسمع إنهم ما يظهرونه، يحطونه تحت الجيب، الصلبان يجعلونها تحت الجيب.
طالب: شيخ، إذا خِيفَ من أهل الذمة إذا شرب الخمر أن ينتشر بين المسلمين ولو كان بالخفية، هل يُمْنَعُوا من ذلك أو يُضيَّق عليهم؟
الشيخ: لا ما يُمنعون، يُمنع المسلمون من الاتصال بهم.
طالب: كيف نجمع بين إتلاف الخمر، قلنا: هدر، وبين وجوب رد ..
الشيخ: إي نعم؛ لأنه إذا تلف فليس له قيمة شرعًا، وإذا كان موجودًا بعينه فهو مضمون لصاحبه يجب رده إليه.
الطالب: ويُعَزَّر؟
الشيخ: مَن يُعزَّر؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: ربما نقول: إنه يُعَزَّر من جهة أنه لا يجوز الاعتداء على أهل الذمة.
طالب: أحسن الله إليك، قلنا: إن الكلب الذي لا يُقْتَنَى يا شيخ فإنه هدر، هذا يؤدي إلى مفسدة بين الإنسان -الجار وجاره- فلو قلنا بالرد ممكن ده يا شيخ يحصل فيه قتال بسبب هذا.
الشيخ: ويش اللي حطه عند جاره أصلًا.
الطالب: ممكن يا شيخ، يحصل.
الشيخ: إن كان هو للحفظ فهو من جنس الماشية، من جنس كلب الماشية، وإن كان للزينة أو تقليدًا للكفار فليس له حُرْمة.
طالب: شيخ، إذا كانت لقطة محرَّمة، فهل على الإنسان أن يتلفها ولا ضمان عليه؟
الشيخ: ويش معنى لقطة محرَّمة؟
الطالب: يعني كمن وجد آلة موسيقى مثلًا، فهل له أن يتلفها ولا ضمان عليه؟
الشيخ: إي نعم، يتلفها ولا ضمان عليه؛ لأن صاحبها غير معروف، فلا يُخْشَى من فتنة.
طالب: شيخ بارك الله فيكم، هذا الغاصب الذي مات هذا الطفل تحت يديه من صاعقة أو من حية، هذا يده يد ضمانات، يده مضمونة بكل حال يعني ..
الشيخ: لا، ما هي مضمونة، لكن هذا سبب، ولَّا الحر ما هو يُضْمَن؛ لأن اليد لا تستولي عليه على قواعد الفقهاء رحمهم الله.
الطالب: سبق معنا أن الغاصب يضمن ما تلف تحت يده بكل حال.
الشيخ: إي، بس هذا يقولون: لا تثبت عليه اليد، الحر لا تثبت اليد؛ لأنه ليس بمال.
طالب: شيخ، استعرت من أحد العمال غير الناطقين باللغة العربية كتابًا، وجدت فيه بعض الشِّرْكِيَّات؛ تمائم ونحوها، فأخذته، فلم أُعْطِه إياه خوفًا على دينه، وبَيَّنْتُ له الصواب، فأخاف إن رددت له الكتاب أنه يُصدِّق ببعض ما فيه، وأخاف أني أكون أخذت ماله حقه.
الشيخ: يعني مثلًا استعرتَ من شخص كتاب بدعٍ.
الطالب: إي نعم، وهذا الكتاب لَمَّا نظرت فيه فإذا فيه بِدَع، كلمته ونَبَّهْتُه، فأخاف أنه لم يفهم كلامي، بيَّنْتُ له الحجة وأن الصواب غير ما في هذا الكتاب، لأنه ..
الشيخ: هذا سهل يا أخي، الشيء اللي ما هو صواب، أو شرك، أو ما أشبه ذلك، حُطّ عليه خطًّا أحمر.
الطالب: بس اللغة ما يعرف عربية.
الشيخ: ما يفهم، أجيبه، وأقول: تعال، شوف الأحمر هذا؟ يقول: نعم، قل: هذا خراب، وانتهى.
الطالب: لكن يا شيخ الإشكال أن الكتاب ما هو باللغة العربية.
الشيخ: طيب، أنت فهمت الآن الذي فيه، هو إذا كان ليس لغة عربية وهو لغتك أنت فستفهم ما فيه.
الطالب: وفيه رموز كذا هذه فهمتها، أما الإشكال (
…
).
الشيخ: المهم أنك تفهم، اللي تفهم ضع عليه خطًّا أحمر وبيِّن له.
طالب: شيخ بارك الله فيك، إذا مات المحبوس بمرض؟
الشيخ: لا؛ لأن المرض لا يختص بالبقعة، إلا إذا كانت هذه الأرض التي حبسه فيها وَبِيئَة معروفة به فنعم.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، قلنا: إنه لو استعمله يضمن أجرة المثل.
الشيخ: استعمل أيش؟
الطالب: استعمل الفرد.
الشيخ: نعم.
الطالب: فكيف يقال: لو منعه أو عطَّله عن العمل استعمال.
الشيخ: كيف؟
الطالب: لو عطَّله عن عمله حتى خرج الوقت أو فاته بذلك شيء من المال، هل عليه الضمان؟
الشيخ: المذهب ليس عليه ضمان؛ لأنه لم ينتفع به، إلا إذا حبسه، فيفرِّقون بأنه إذا انتفع به فهو ضامن.
الطالب: هو حبسه، وبسبب الحبس فات عليه بعض المنافع.
الشيخ: إي نعم، ما عليه إلا الأجرة فقط، أما ما فات من المنافع فلا، لكن كما قلنا سابقًا: إن الظالم يجب أن يُغرَّم كل ما فات بسبب ظلمه.
طالب: المحبوس هل له أن يأخذ حقه قهرًا؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: يقتص من غاصبه، هل له أن يأخذ حقه قهرًا؟
الشيخ: لا، ليس له، إلا إذا غصبه مالًا ووجد ماله عنده يأخذه قهرًا.
طالب: أحسن الله إليك، إن أتلف الكلب الذي يُقْتَنَى في بلد يباع ويُشْتَرى، هل يضمن؟
الشيخ: يضمنه، إذا كان في بلد يرى علماؤه أنه يجوز بيع الكلاب الْمُعَلَّمَة فإنه يضمنه.
طالب: شيخ، قلنا في الدرس الماضي: إذا اختلف المالك والذي (
…
) الاستعارة، إذا كان بعد مُضِيّ مدة من الأجرة فعليه أجرة المثل، إذا تبين أن الأجرة أكثر من اللي بيدعيه صاحب الـ ..
الشيخ: إذا كانت أجرة المثل أكثر مما ادَّعاه، فالمذهب له أجرة المثل؛ لأن الإجارة انفسخت، والقول الثاني: إنه ليس له إلا ما ادَّعاه؛ لأنه مُقِرّ على نفسه بأن هناك عقدًا تم على هذا العِوَض.
طالب: المحبوس عند الغاصب، هل يلزم الغاصب أن يدفع أجرته على حسب العمل الذي استعمله، أم على ما فاته من منافع؟
الشيخ: لا، على حسب العمل الذي انتفع به فيه.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، إذا قلنا: صاحب الميتة رماها، ثم لما رأى أن أحدًا أراد أن يأخذ الجلد قال: أنا آخذه، هل له ذلك أم يكون لما رماها .. ؟
الشيخ: إذا رمى الإنسان شيئًا ما طابت نفسه منه، وليكن مثلًا هيكل برَّادة، فجاء إنسان وأخذه، ثم عاد صاحبه ليأخذه، هل يُقْبَل؟
الطالب: لا.
الشيخ: لا يُقْبَل، والأول كذلك، كل مَن رمى شيئًا زاهدًا فيه ورغبةً عنه فإنه يملكه آخِذُه.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، لماذا فرَّقنا بين الاستيلاء والحبس إذا مات الحابس؟
الشيخ: بأيش؟
الطالب: بين الاستيلاء والحبس، يعني استولى عليه وبقي عنده ثم مات فإنه لا يضمن لأن الحر لا .. وإذا حبسه فمات فإنه يضمن؟
الشيخ: لأن بينهم فرقًا، الحبيس لا يمكن أن يتعدى محبسه.
الطالب: والاستيلاء ما يُعَدّ حبسًا.
الشيخ: لا الاستيلاء معناه يقول: تعال أنت ابني، مثلًا، أو ما أشبه ذلك، ولكنه طليق يخرج بالأسواق، يخرج في المساجد، المدارس. (
…
)
***
طالب: .. الأرض أو غرس لزمه القَلْعُ وأرشُ نقصِها وتسويتها والأجرة، ولو غصب جارِحًا أو عبدًا أو فرسًا فحصل بذلك صيد فلمالكه.
وإن ضرب المصوغَ ونسج الغزلَ، وقَصَّر الثوبَ أو صَبَغَه، ونَجَر الخشبَ ونحوَه، أو صار الحبُّ زرعًا، أو البيضة فرخًا، والنوى غرسًا، رَدَّه وأرشَ نقصِه، ولا شيء للغاصب، ويلزمه ضمان نقصِه.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ما هو الغصب في اصطلاح الفقهاء؟
طالب: هو الاستيلاء على حق الغير بغير حق، من عقار أو ما يُنْقَل.
الشيخ: الاستيلاء على حق الغير بغير حق من عقار أو ما يُنْقَل.
طالب: الاستيلاء على حق الغير قهرًا.
الشيخ: قهرًا، لا بد أن يكون قهرًا؟
الطالب: لا بد يا شيخ.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لتخرج السرقة والاختلاس وغيرها التي بها أَخْذ حق الغير بغير قهر.
الشيخ: أحسنت، إذن لا بد أن نُقَيِّد قهرًا، حكمه من الناحية الشرعية؟
طالب: الحرمة، من كبائر الذنوب.
الشيخ: نعم، محرَّم، هل هناك دليل من القرآن؟
الطالب: نعم، قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].
الشيخ: ومن السنة؟
الطالب: من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . (3)
الشيخ: نعم، والإجماع أيضًا؟
الطالب: الإجماع؛ أجمعت الأمة على تحريمه.
الشيخ: على تحريم؟
الطالب: على تحريم الغصب.
الشيخ: على تحريم الغصب، وكذلك أيضًا المصلحة تقتضي أنه حرام، وما يحصل من ..
الطالب: من العدوان على أموال الناس.
الشيخ: من عدوان على أموال الناس، والفوضى، وكل إنسان يريد أن يأخذ بحقه، إي نعم، هو من كبائر الذنوب، ليس هناك نص عام على أن الغصب من كبائر الذنوب، لكن فيه أشياء من الغصب جُعِلَت شرعًا من كبائر الذنوب، مثل: اقتطاع الأرض، أكل أموال اليتامى، فهل نقتصر على ما وَرَد فيه الوعيد، ونقول: الباقي يدخل في عموم التحريم، أو نقول: إن ما ذُكِر على سبيل المثال، ويكون هذا عامًّا؟
طالب: فيه احتمال.
الشيخ: إي نعم، الإنسان يرى أنه محتمِل، قد لا يجزم بأنه من كبائر الذنوب على سبيل العموم، ويقول: ما ورد فيه التخصيص نقف عليه، {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10]، «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (5)، ونقتصر على ما ورد به الوعيد يكون من الكبائر، وما لم يَرِد يكون من المحرَّمات على وجه العموم.
قوله: (من عقار ومنقول) ما الفرق بين العقار والمنقول؟
طالب: العقار الأشياء الثابتة كالأراضي.
الشيخ: الأشياء الثابتة كالأراضي والعمائر والأشجار، وما أشبهها، والمنقول؟
طالب: الأشياء التي تُنْقَل كالسيارات.
الشيخ: نعم، التي تُنْقَل كالأواني والسيارات والساعات، وما أشبه ذلك.
رجل غصب كلبًا، هل يجب عليه رَدُّه؟
طالب: إن كان هذا الكلب مما يُقْتَنَى.
الشيخ: إن كان مما يُقتنى وجب رده، وإلا فلا.
ما هو الْمُقْتَنَى؟
الطالب: الْمُقْتَنَى هو كلب الصيد أو الحراسة أو الماشية.
الشيخ: كلب الصيد.
الطالب: أو الحراسة.
الشيخ: الحراسة أي شيء؟
الطالب: يعني إنسان يخاف من عدو.
الشيخ: ويش اللي جاء في الشرع، ما الذي جاء في السنة؟ الماشية.
الطالب: الماشية.
الشيخ: والصيد.
الطالب: والصيد.
الشيخ: ويش بعد؟
طالب: الزرع.
الشيخ: الحرث، الحراسة ربما نأخذها من قوله:«إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ» ، نأخذها من كلمة (ماشية) أن جميع الكلاب التي للحراسة يجوز اقتناؤها.
أتلف كلبَ الصيد، هل يضمنه أو لا؟
طالب: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن، لماذا؟
طالب: لأنه لا قيمة له شرعًا.
الشيخ: ليس له قيمة شرعًا، دليل ذلك؟
الطالب: النهي عن أَخْذ ثمنه.
الشيخ: أحسنت، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ثمن الكلب (8)، بارك الله فيك.
لو غصب جِلْد ميتة أيرده أم لا؟
طالب: على المذهب ما يرده.
الشيخ: نعم، على ما مشى عليه المؤلف لا يرده، لماذا؟
الطالب: لأنه لا يُنْتَفع به.
الشيخ: لا، إذا دُبِغ يُنْتَفَع به.
الطالب: لأنه داخل في قول الله تعالى: إن الله حرم عليكم الميتة والخنزير ..
الشيخ: ليس نسأل عن ضمانه، لكن عن رَدِّه، المؤلف يقول: لا يرده، قل: ما فيه دليل.
الطالب: ما فيه دليل.
الشيخ: ويش الدليل؟ ما هو القول الراجح في هذه المسألة؟
الطالب: الراجح أنه يرده.
الشيخ: أنه يرده، لماذا؟
الطالب: لأنه يمكن الانتفاع به.
الشيخ: لأنه يمكن الانتفاع به، إذا دُبِغَ فإنه -على القول الراجح- يطهر، ويكون على هذا كالثوب الذي أصابته نجاسة.
لو أن رجلًا رمى بشاته في الشارع بعد أن ماتت، وهو لا يريدها ولا يريد جلدها، فلما رأى شخصًا سلخها وأخذ جلدها قال: إنه لي، ما تقول؟
طالب: ليس له ذلك.
الشيخ: ليست له؟ ليه؟
الطالب: لأنه رماها رغب عنها.
الشيخ: لأنه رماها زاهدًا بها راغبًا عنها، ومثل ذلك أي شيء يتركه صاحبه رغبةً عنه فإنه يملكه آخِذُه.
هل نقول: مثل ذلك السيارات المشلَّحة، يعني يوجد الآن سيارات تُصاب بحوادث ما تصلح للاستعمال، لكن فيها بعض الآلات نافعة، هل نقول: إن هذا مما تركه صاحبه رغبة عنه؟
طالب: نعم يا شيخ إذا رماها.
الشيخ: هو ما رماها، حصل عليها حادث وخربت.
الطالب: الناس يختلفون في هذا، من يتركها في مكان الحادث كي يتسنى له جبرها فيما بعد، فهنا لا يجوز (
…
) منها.
الشيخ: طيب.
الطالب: وأما إذا تركها في المحرقة ورماها فيجوز أخذها.
الشيخ: إذا رماها للمحرقة انحرقت، ويش عاد يأخذ فحمًا؟
الطالب: هذه ترجع للعُرف.
الشيخ: إي صحيح، إذن ترجع للعُرف، والناس يفرِّقون بين سيارة حادثها يسير، تركها صاحبها بنية (
…
) عليها، وبين حادث كبير تحطمت السيارة تحطمًا تامًّا فالغالب أن صاحبها لا يريدها.
استولى رجل على عبد؟
طالب: يضمن.
الشيخ: ليش؟
الطالب: لأنه مال.
الشيخ: لأنه مال، إذا استولى على عبد ضمنه؛ لأنه مال، كما لو استولى على بهيمة؛ على بعير، على حصان.
وعلى حُرّ؟
الطالب: لا يجوز؛ لأنه ..
الشيخ: لأنه ليس بمال فلا تثبت عليه اليد.
استولى على الحر واستعمله؟
طالب: عليه أجرته.
الشيخ: عليه أجرته؟
طلبة: إي نعم.
الشيخ: إي، اضرب مثلًا لهذا.
الطالب: لو غصب حرًّا واستعمله فعليه أجرة المثل.
الشيخ: إي، ويش لونها أجرة المثل؟ أنت ذكرت كلام المؤلف فقط.
الطالب: لو جعله للخدمة.
الشيخ: يعني غصب حرًّا وقال له: تعال.
الطالب: استخدمه.
الشيخ: استخدمه، هذه الأرض احرثها وحرثها.
الطالب: فعليه أجرة المثل.
الشيخ: صحيح، حبسه بدون أن يستعمله؟
طالب: إذا كان الحبس لمدة لها أجرة يضمن، وإلا فليس له أجرة فلا ضمان.
الشيخ: إن حبسه مدة لها أجرة فعليه أجرته، وإلَّا فلا.
هل يُعَزَّر على حبسه الحر؟
طالب: يُعَزَّر.
الشيخ: يُعَزَّر؟
الطالب: مَن له الحق في تعزيره، الحاكم.
الشيخ: إي، هذا المحبوس رفع الأمر إلى القاضي أو إلى ولي الأمر، هل يعزِّره أو لا؟
الطالب: يُعَزِّرُه.
الشيخ: يُعَزِّرُه، توافقون على هذا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: نعم يُعَزِّرُه، أي عدوان من أحد على أحد، إذا طالب المعتدَى عليه بحقه فإنه يُعَزَّر.
***
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ويجب رد المغصوب بزيادته، وإن غَرِمَ أضعافه).
الطلبة: ويَلْزَم.
الشيخ: عندي: (ويجب)، نسخة ما يخالف، (ويجب رد المغصوب بزيادته وإن غَرِمَ أضعافه)، أفادنا المؤلف أنه يجب على الغاصب رد المغصوب، يجب شرعًا، ومؤونة رَدِّه على مَن؟
الطالب: الغاصب.
الشيخ: على الغاصب؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (9)، هذا لفظ الحديث، فيجب عليه رده، ومؤونة الرد على الغاصب.
المثال الثاني، قال:(وإن غَرِمَ أضعافه)، يعني: لو غصب شعيرًا فخلطه في بُرٍّ، عشرة آصُع من الشعير غصبها وخلطها في عشرة آصُع من البُرّ، فطالب المالِك، قال: أعطني شعيري، قال: أنا خلطته بالبُرّ، لو بقيت أخلصه من البُرّ أكل عليّ أضعاف القيمة، ماذا نقول؟
طالب: يلزم.
الشيخ: يلزم، نقول: هات أناسًا يُلَقِّطُون الشعير من البُرّ، ولو كان قيمة البُرّ والشعير خمسين ريال، واللي يجيؤون يميِّزُونه بخمس مئة ريال، لازم، ولهذا قال:(وإن غَرِم أضعافه).
وقوله: (بزيادته) يعني: لو زاد المغصوب فإن الزيادة لمالكه، سواء كانت متصلة أم منفصلة؛ لعموم قول المؤلف:(بزيادته) المتصلة والمنفصلة.
مثال المتصلة: إنسان غصب شاةً صغيرة، ثم قام عليها بالإرضاع والإعلاف وشبَّت، نمت، هل يرجع الغاصب على مالك الشاة بما زاد من قيمتها؟ لا، الزيادة لمن؟
الطلبة: للمالك.
الشيخ: للمالك، غصب هذه الشاة وولدت عنده وأنتجت، وصار يبيع من ألبانها وألبان نتاجها، فلمن هذه الزيادة؟
الطلبة: لمالكها.
الشيخ: لمالكها.
فقول المؤلف رحمه الله: (بزيادته) يشمل الزيادة المتصلة؛ وهي التي لا يمكن انفكاكها كالسِّمَن، وتعلُّم الصنعة، وما أشبه ذلك، والمنفصلة كالولد واللبن وما أشبه ذلك.
غصب عبدًا، غلامًا صغيرًا، فعَلَّمَه الكتابة، وعلَّمَه علومًا عظيمة، فازدادت قيمته عشرة أضعاف، هل يرجع على مالك الغلام بالتعليم؟ لا؛ لأنه غاصب.
دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (10)، أيّ عرق ظالم فليس له حق. لو تلف، عليه ضمان؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم، عليه ضمانه، بقيمته الأصلية أو بزيادته؟ عليه الضمان بزيادته؛ لأن زيادة المغصوب تحدث على ملك المالك، فيجب عليه إذا أتلفه أن يَضْمَنَه بزيادته.
ثم قال المؤلف: (وإن بنى في الأرض أو غَرَسَ).
(إن بنى) أي: الغاصب.
(في الأرض) أي: المغصوبة.
(أو غرس) أي: في الأرض المغصوبة.
(لزمه القلع وأرشُ نقصِها وتسويتها والأجرة)، هذا مع الإثم، يلزمه أشياء:
أولًا: القلع، وهذا إذا طالَبه صاحب الأرض، وقال: اقلع الذي غرست في أرضي، يلزمه.
أو بنى فيها، وقال له: اهدم البناء، فإنه يلزمه أن يهدم البناء، وهذا مقبول إذا كان لصاحب الأرض غَرَض في تخليتها من الغِرَاس والبناء.
لكن إذا كان يريد أن يبني عليها، فهل نُلْزِم الغاصب بالقلع؟ لو قال الغاصب: أنا لا أريدها، الشجر لك، والبناء لك، ولا تكلفني أن آتي بالمعاول وآتي بالرجال يقلعون الشجر ويهدمون البناء.
نقول: إن كان يفوت بذلك غَرَض صاحب الأرض بأن يقول صاحب الأرض: أنا أريد أن أغرسها نخلًا، وهي الآن مغروسة برتقالًا، أو قال: أنا أريد أن أغرسها من النوع المعيَّن من النخل دون النوع الموجود فيها، فهنا له الحق بأن يُلزم أيش؟
طالب: الغاصب.
الشيخ: الغاصب بقلع الغَرْس.
كذلك في البناء، لو قال: أنا أريد أن أبنيها فيلّا، لكنها ليس على هذا الوجه، هذا البناء لا يطيب لي، إما من حيث رداءة البناء، أو من حيث تصنيف البناء مثلًا، فهل له الحق أن يُجْبِرَه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، لكن إذا علمنا أنه ليس له غرض إلا الْمُضارَّة، وأن صاحب الأرض يريد أن يبنيها على (
…
) هذه، أو يريد أن يغرسها بهذا النوع من الشجر، لكن يريد أن يُضَارّ بالغاصب، يكلفه، فهنا نمنعه ونقول: ليس لك أن تُجْبِرَ الغاصب على إزالة البناء أو الغِرَاس.
الدليل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (10)، وهذا لا شك إنه ضَرّ صاحبه وأضَرّ به أيضًا، هذا واحد.
دليل آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال (11)، وهذا فيه إضاعة مال على مَن؟
طلبة: على الغاصب.
طلبة آخرون: عليهما.
الشيخ: عليهما جميعًا، على الغاصب واضح، وعلى المالك؛ لأنه الآن يريد أن ينشئ هذا البناء من جديد، وكان البناء أو الغِرَاس موجودًا، فقد أضاع المال، وسيخسر المرة الثانية بإنشائه، فصار كلام المؤلف ليس على إطلاقه، بماذا نقيِّده؟ بما إذا لم يتبين أن المقصود به المضارَّة، فإن تبين ذلك فإنه يُمنَع، «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» .
بقينا قول (أرشُ نقصها)، أرش نقص الأرض، هل تنقص الأرض بالبناء عليها؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم، ربما تنقص، يكون مثلًا أخذ من تربتها وهي صلبة، أو ما أشبه ذلك.
وأما في الغَرْس واضح أنها تنقص؛ لأن الأرض يسمونها الفلاحون إذا لم تُغْرَس يسمونها أرضًا بكرًا، وإن ماتت الأرض وصارت غير جيدة، فهنا فيها نقص، فيلزمه أرش نقصها، وكيف ذلك؟
نقول: نقدر الأرض مغروسة وغير مغروسة، يعني أن نقدرها بكرًا أو مغروسة قد نُزِع غرسها، فالفرق بين القيمتين هو أيش؟
طالب: الأَرْش.
الشيخ: هو أَرْش النقص، فيُلْزَم الغاصب بأرش النقص.
الثالث: قال: (وتسويتها)، تسوية الأرض، تعرفون أن الأرض بعد أن يُهْدَم البناء الذي عليها لا بد أن يكون فيها حُفَر، ولا بد أن يكون لبقية الأنقاض الجذور أساسات الحيطان، نقول: نُلْزِم الغاصب بأيش؟ بأن يسوي الأرض ويردها على ما كانت عليه.
الرابع: قال: الأجرة، أجرة الأرض مدة استيلاء الغاصب عليها، فإذا قَدَّرْنَا أنه استولى عليها لمدة أربع سنوات ألزمناه بأجرتها لمدة أربع سنوات.
لكن هل نُلْزِمه بأجرتها مسكونةً ومعمورةً، أو بأجرتها بيضاء ليس فيها عمران؟
ما دمنا قلنا: إن الزيادة تكون لصاحب الملك فإنها تُقَوَّم على أنها مسكونة، الآن هي جعلها عمارات تُسْكَن، فله الأجرة.
ويحتمل أن يُقال: الأجرة هذه حصلت ببناء الغاصب وبأرض المالك، فتُجْعَل الأجرة بينهما نصفين؛ لأنّا الآن سنعطي المالك أكثر من أجرة الأرض، لاحظوا يا جماعة، سنعطي المالك أكثر من أجرة الأرض، أجرة الأرض بيضاء يمكن أن تكون عشرة آلاف في السنة، تكون مستودعات، تكون مواقف، لكن إذا كانت مبنية مئة ألف في السنة.
لكن من أين حصلنا مئة ألف في السنة؟ من بناء الغاصب، ومن أرض المالك.
فهنا لو قال قائل بأن لكل من الغاصب والمالك قسطَه من الأجرة، لكان جيدًا.
قال المؤلف: (ولو غَصَبَ جارِحًا، أو عبدًا، أو فرسًا، فحصَّل بذلك صيدًا فلمالكه).
(إذا غَصَبَ جارحًا)، الجارح يُطْلَق على الكاسب، مثل كلب الصيد، طير الصيد، هذا يُسَمَّى جارحًا، قال الله تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]، فهذا إنسان غصب كلب صيدٍ وصاد به، لمن الصيد؟
طلبة: للمالك.
الشيخ: للمالك؛ لأن الكلب لمالكه، ولم يكن من الغاصب إلا أنه أَشْلَاهُ بالصيد (12) فصاد، فيكون الصيد للمالك، كذلك أيضًا عبدًا، غصب عبدًا وقال للعبد: يلَّا روح صِدْ لنا طيورًا ..
ولو غَصَبَ جارحًا أو عَبْدًا أو فَرَسًا فحَصَّلَ بذلك صَيْدًا فلِمَالِكِه، وإن ضَرَبَ الْمَصوغَ ونَسَجَ الْغَزْلَ وقَصَّرَ الثوبَ أو صَبَغَه ونَجَّرَ الخشبَ ونحوَه أو صارَ الحبُّ زَرْعًا ، أو البيضةُ فَرْخًا ، والنَّوَى غَرْسًا رَدَّه وأَرْشَ نَقْصِه، ولا شيءَ للغاصبِ، ويَلزَمُه ضَمانُ نَقْصِه وإن خُصِيَ الرقيقُ رَدَّه مع قِيمتِه، وما نَقَصَ بسعرٍ لم يضْمَنْ ولا بِمَرَضٍ عَادَ ببُرْئِه، وإن عادَ بتعليمِ صَنعةٍ ضَمِنَ النَّقْصَ، وإن تَعَلَّمَ أو سَمِنَ فزَادَتْ قِيمتُه ثُم نَسِيَ أو هَزِلَ فنَقَصَتْ ضَمِنَ الزيادةَ كما لو عادَتْ من غيرِ جِنْسِ الأَوَّلِ، ومن جِنْسِها لا يَضْمَنُ إلا أَكْثَرَهما.
(فصلٌ)
وإن خَلَطَ بما لا يَتَمَيَّزُ كزيتٍ، أو حِنطةٍ بِمِثْلِهما، أو صَبَغَ الثوبَ، أو لَتَّ سَوِيقًا بدُهْنٍ أو عكسُه - ولم تَنْقُص القيمةُ ولم تَزِدْ - فهما شَريكانِ بقَدْرِ مالَيْهِما فيه، وإن نَقَصَت القيمةُ ضَمِنَها، وإن زادَتْ قِيمةُ أحدِهما فلصاحبِه، ولا يُجْبَرُ مَن أَبَى قَلْعَ الصبْغِ، ولو قُلَعَ غرسُ المشترِي أو بِنَاؤُهُ لاستحقاقِ الأرضِ رَجَعَ على بائعِها بالغَرامةِ، وإن أَطْعَمَه لعالِمٍ بغَصْبِه فالضمانُ عليه ، وعَكْسُه بعَكْسِه، وإن أَطْعَمَه لِمَالِكِه أو رَهَنَه أو أَوْدَعَه أو آجَرَه إيَّاه لم يَبْرَأْ إلا أن يَعْلَمَ، ويَبرأُ بإعارتِه،
يكون الصيد للمالك، كذلك أيضًا: عبدًا، غصب عبدًا، وقال: يا عبد، يلّا روح صِدْ لنا طيورًا، صد لنا حمار وحش، صد لنا ظباء. وذهب وصاد، فلمن؟ فللمالك، وذلك لأنه كسب ملكه فيكون له، كسب ملكه؛ أي: ملك المالك فيكون له.
الثالث: فرسًا، الفرس ليس هو الذي يصيد، العبد يصيد، والجارح يصيد، الفرس لا يصيد، بل يُصاد عليه، والصائد هو الغاصب؛ لأن الغاصب صاده بسهمه أو صاده بوثبه، أما الفرس فليس له إلا العَدْو فقط، ولهذا ينبغي أن يُفرق بينه وبين الجارح والعبد؛ لأن الجارح والعبد حصل الصيد من فعلهما، وأما الفرس فليس من فعله.
ولهذا نقول: الراجح في مسألة الفرس أن الصيد للغاصب، لكن عليه أجرة الفرس، ربما تكون أجرة الفرس أكثر من قيمة الصيد، قد يصيد حمامة قيمتها خمسة ريالات، ولكن استعمال الفرس بخمسين ريالًا مثلًا، المهم أن في مسألة الفرس ينبغي أن يقال: الفرس لم يصد به، وإنما صاد عليه، فيكون الصيد للغاصب، وعليه لمالك الفرس الأجرة.
طالب: أكرمكم الله يا شيخ، لو غصب غاصب الأول (
…
) صاحب الملك؟
الشيخ: لا، هذا قبل أن يطالب صاحب الملك، إذا طالب صاحب الملك إن طالب بإزالته أُزيل، إلا على ما وصفنا إذا كان فيه مضارة، وإذا لم يطالب فسيأتينا إن شاء الله تعالى حكم هل لمالك الأرض أن يقول: تبقى لي وأعطيك قيمة البناء؟ بيجينا إن شاء الله هذا.
طالب: لو كان هناك رجلان يا شيخ، فرأى أحدهما صيدًا فأخذ بندقية من صاحبه غصبًا، ثم صاد الصيد، لم يغصبه، إنما أخذه بدون ..
الشيخ: (
…
) عليه.
الطالب: إي.
الشيخ: الصيد للصائد.
الطالب: ولكن لم يأذن لصاحبه.
الشيخ: وإن لم يأذن، كما لو أخذ سكينًا وذبح بها الشاة تكون الشاة لذاك (
…
)، المهم أن الصيد لصائده.
طالب: لو حصل الغصب بشبهة، هل يلزم من هذه الأمور (
…
)؟
الشيخ: هذه تأتي إن شاء الله في الدعاوي، تأتينا إن شاء الله في آخر الكتاب بعد عشر سنوات.
طالب: شيخ بارك الله فيك، لو رد إليه الشعير والبر -في المثال الذي ذكرناه- وقلنا: إنه يلزم أنه يرد إليه (
…
) غرم مثله مضاعفُا، فلو قال: أرد إليك الشعير والبر جميعًا أيسر من أن أميز لك حقك؟
الشيخ: لا يلزمه القبول.
الطالب: لا يلزمه القبول؟
الشيخ: إي نعم؛ لأنه يقول: أنا أحب أن يكون لي خبز شعير.
الطالب: ولو لم يكن له غرض صحيح في ذلك؟
الشيخ: لا، يقول: لي غرض صحيح (
…
)، وأجره ونيته فيما بينه وبين الله.
الطالب: لو لم يهدِ لغرض صحيح، فهل نفصل كما فصلنا ..
الشيخ: ربما نقول: إذا قصد المضارة، وهذاك يقول: وهبته لك، لكن مشكلتنا هذه بالنسبة للبر والشعير أنه إذا قال: أنا أريد أن أبيع، وإذا خلطت الشعير بالبر وعرضته للبيع اتهمني الناس بالغش، وأنا لا أريد أن أغير سمعتي.
(
…
)
***
طالب:
…
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الغصب:
وَلَوْ غَصَبَ جَارِحًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ فَرَسًا، فَحَصَّلَ بِذَلِكَ صَيْدًا فَلِمَالِكِهِ وَإِنْ ضَرَبَ المَصُوغَ، وَنَسَجَ الغَزْلَ، وَقَصَّرَ الثَّوْبَ، أَوْ صَبَغَهُ، وَنَجَرَ الخَشَبَ وَنَحْوَهُ، أَوْ صَارَ الحَبُّ زَرْعًا، أو البَيْضَةُ فَرْخًا، وَالنَّوَى غَرْسًا، رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلغَاصِبِ، وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ، وَإِنْ خَصَى الرَّقِيقَ رَدَّهُ مَعَ قِيمَتِهِ وَمَا نَقَصَ بِسِعْرٍ لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بِمَرَضٍ عَادَ بِبُرْئِهِ، وَإِنْ عَادَ بِتَعْلِيمِ صَنْعَةٍ ضَمِنَ النَّقْصَ، وَإِنْ تَعَلَّمَ أَوْ سَمِنَ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ثُمَّ نَسِيَ أَوْ هُزِلَ فَنَقَصَتْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ كَمَا لَوْ عَادَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَوَّلِ، وَمِنْ جِنْسِهَا لَا يَضْمَنُ إِلَّا أَكْثَرَهُمَا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم هذه المسائل التي ذكرها المؤلف رحمه الله مبنية على حديث: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1)، فنذكر منها ما ذكر المؤلف، يقول:(وَلَوْ غَصَبَ جَارِحًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ فَرَسًا فَحَصَّلَ بِذَلِكَ صَيْدًا فَلِمَالِكِهِ) هذه ثلاث مسائل، غَصَبَ جَارِحًا -الجارح مثل الكلب المُعلَّم والصقر- وما أشبه ذلك، فحصل بذلك صيدًا فهو لمالكه، أي: لمالك الجارح، وليس للغاصب شيء؛ لأنه ظالم معتدٍ، والكسب حصل من ملك غيره.
العبد أيضًا لو أنه غصب عبدًا، وهذا العبد اصطاد صيودًا، فالصيود لمالك العبد، لماذا لا تكون للعبد؟ لأن العبد لا يملك، وما يملكه العبد فهو لسيده، وعلى هذا فيكون لمالك العبد.
كذلك لو حصَّل فرسًا يعدو عليه؛ ليصطاد عليه، فالصيد لمالكه؛ لمالك الفرس، ولا شك أن هذه الصور بينها فرق فالجارح يصيد بنفسه فيتضح كون الصيد لمالك الجارح العبد أيضًا يصيد بنفسه فيتضح كون صيده لمالكه، الفرس لا يصيد بنفسه، وإنما يصيد راكبه، فكون ما حصل على الفرس الذي غصبه لمالك الفرس فيه نظر، والصواب أنه للصائد، لكن يلزمه أجرة المثل للفرس فيقال مثلًا: الصيد للغاصب، وعليه لمالك الفرس أجرة المثل، وذلك لأن الفرس ليس هو الذي صاد، بل الذي صاد راكبه، فالفرق بين المسائل الثلاث واضح، وهذا هو الحكم.
إذا غصب جارحًا فاصطاد الجارح صيدًا فالصيد لمالك الجارح، عبدًا فاصطاد العبد صيدًا فالصيد لمالكه، فرسًا فاصطاد به صيدًا فلمن؟ فللغاصب، لكن عليه أجرة المثل، كما لو غصب سكينًا وصاد بها، فما صاد بالسكين فهو له، وعليه أجرة المثل لمالك السكين، أو مثلًا في الرمح أو غير ذلك.
يقول رحمه الله: (وَإِنْ ضَرَبَ الْمَصُوغَ، وَنَسَجَ الغَزْلَ، وَقَصَّرَ الثَّوْبَ، أَوْ صَبَغَهُ، وَنَجَرَ الخَشَبَ وَنَحْوَهُ، أَوْ صَارَ الحَبُّ زَرْعًا، أَوِ البَيْضَةُ فَرْخًا، أَو النَّوَى غَرْسًا، رَدَّهُ وَرَدَّ أَرْشَ نَقْصِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلغَاصِبِ).
هذه عدة مسائل أيضًا:
إذا (ضَرَبَ الْمَصُوغَ) بأن غصب مثقالًا من الذهب وحوَّله إلى حلي، أو مثقالًا من الفضة وحوله إلى حلي، فلمن تكون هذه الزيادة التي زادت بالصنعة تكون لمن؟ تكون لمالك المصوغ، وليس للغاصب شيء؛ لأنه ظالم.
كذلك لو (نَسَجَ الغَزْلَ) غصب غزلًا من صوف أو وبر أو شعر، ثم حوله إلى نسيج فهو لمن؟ لمالكه، وليس للغاصب شيء؛ لأنه ظالم.
كذلك (قَصَّرَ الثَّوْبَ) أي: غسله بعد أن كان وسخًا غسله، ومن المعلوم أن قيمته ستزداد، لكن الزيادة لمالك الثوب، وليس للغاصب شيء، والعلة أنه ظالم.
(أَوْ صَبَغَهُ) إذا صبغ الثوب إلى صبغ مرغوب عند الناس بعد أن كان أبيض غير مرغوب فإن الصبغ يكون لمالك الثوب، هكذا قال المؤلف هنا، لكن فيه نظر؛ لأن الصبغ لا بد فيه من شيء يصبغه به، والشيء الذي صبغه به ملك للغاصب، فكوننا نقول: إن الصبغ يكون لمالك الثوب، مع أن في هذا الثوب عينًا للغاصب. فيه نظر، وينبغي أن يقال: للغاصب قيمة صبغه، لكن لو نقص الثوب بالصبغ بأن حوله إلى صبغ تنقص به القيمة فعلى الغاصب ضمان النقص.
قال: (وَنَجَرَ الخَشَبَ) إنسان أخذ أعمدة من الخشب ونجرها أبوابًا، فهنا لا بد أن تتغير القيمة وتزداد، فقيمته لمن؟ للمالك؛ لأن هذا ناتج عن فعل ظالم.
النجارة التي تتساقط عند النجر لتسوية الباب وما أشبه ذلك قد يكون لها قيمة، فمن يضمنها؟ يضمنها الغاصب، والنجارة كان الناس فيما سبق يتخذونها حطبًا، يشترون من النجار، يشترون منه هذه النجارة، أتعرفون هذه النجارة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نقول: هذه النجارة يضمنها الغاصب؛ لأنه ظالم.
وقوله: (وَنَحْوَهُ) كما لو حول الحديد إلى أبواب غصب صاجات من الحديد، وحولها إلى أبواب فلمن تكون؟ تكون للمالك والغاصب لا يستحق شيئًا.
(أَوْ صَارَ الحَبُّ زَرْعًا) إذا صار الحب زرعًا فهو للغاصب كيف صار الحب زرعًا؟
الطالب: يزرعه يا شيخ.
الشيخ: يعني أيش؟ مثال.
الطالب: مثال لو أخذ حبًّا ..
الشيخ: لو غصب حبًّا.
الطالب: حبًّا من القمح (
…
).
الشيخ: ثم زرعه.
الطالب: ألقى الحب ثم زرعه ..
الشيخ: ألقى الحب في الأرض، وصار زرعًا، فالزرع لمن؟
الطالب: الزرع للغاصب.
الشيخ: الزرع للغاصب؟
الطالب: لا هو على كلام المؤلف للمالك.
الشيخ: وهو كذلك، يكون الزرع لمالك الحب لا للغاصب؛ لأن هذا الزرع هو عين ملكه، لكنه تحول بإرادة الله عز وجل إلى هذا.
كذلك صارت (البَيْضَةُ فَرْخًا) فالفرخ لمالك البيضة؛ يعني: رجل غصب بيضة، ووضعها تحت طائر، وصارت فرخًا، فالفرخ هذا لمن؟ لمالك البيضة؛ لأن هو ملكه وعين ماله.
وهل يستحق الغاصب في هذه المسائل أجرًا؟
الجواب: لا، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
أو صار (النَّوَى غَرْسًا) النوى معروف، وهو نواة التمرة، غَصَبَ نوى ووضعه في الأرض فصار غرسًا، فالغرس لصاحب النوى، فهذا الذي غصب مئة نواة ودفنها في الأرض صارت كم؟ مئة نخلة، تكون لصاحب النواة وليس للغاصب شيء؛ لأنه ظالم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» .
يقول المؤلف: (إِنْ ضَرَبَ المَصُوغَ) إلى آخره، الجواب جواب (إن) في هذه المسائل كلها، (رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ) معلوم أن بعضه لا يمكن الرد، مثل: الحب يكون زرعًا، النوى يكون غرسًا، البيضة تكون فرخًا، لكن الثوب إذا قصره يمكن يرده أو لا؟ يرد الثوب ويرد نقصه؛ يعني: لو فرض أنه نقص بهذا، وأنه كان في الأول جديدًا لكنْ فيه وسخ، ثم لما غسله صار غسيلًا، ومعلوم أن قيمة الغسيل أنقص من قيمة الجديد، ولو كان وسخًا؛ لأن الذي يرى الجديد الوسخ يعلم أن استعماله قليل، لكن الذي يرى الغسيل يقدر أنه استعمل استعمالًا كثيرًا ثم غسل.
يقول: (رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلغَاصِبِ)، أما وجوب رده فظاهر؛ لأنه ملك لغيره، فيجب رده إليه، وأما كونه لا شيء له فلأنه ظالم، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
(وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ) هذه مسألة جديدة، يعني يلزم الغاصب ضمان نقص ما غصب من أي شيء كان، إن كانت أرضًا فنقصت بحرثه إياها وتغييره إياها فهو ضامن.
إن كان كتابًا فاستعمله ونقص فإنه يلزمه ضمان نقصه وهذه مسألة مستقلة ليست مضافة على المسائل التي ذكرها؛ لأن المسائل التي ذكرها قال: (رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ) وانتهت، (يَلْزَمُهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ) نقص أيش؟ المغصوب مطلقًا؛ حبر استعمله فنقص يلزمه ضمان نقصه.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وَإِنْ خَصَى الرَّقِيقَ رَدَّهُ مَعَ قِيمَتِهِ) رجل غصب رقيقًا فخصاه، وخصاء الرقيق حرام؛ لأنه يؤدي إلى قلة النسل، ولكن الغاصب خصاه من أجل أن تزيد قيمته؛ لأن الرقيق إذا كان خصيًّا كانت قيمته أكثر، لماذا؟ لماذا تكون قيمة الخصي من الرقيق أكثر من قيمة الفحل؟
طالب: قد يجالس النساء (
…
).
الشيخ: لأنه أقل خطرًا على النساء من الفحل.
لكن يقول المؤلف: زادت قيمته، يقول:(رَدَّهُ مَعَ قِيمَتِهِ) قيمته خصيًّا أو قيمته فحلًا؟
طلبة: فحلًا.
الشيخ: لا، قيمته خصيًّا؛ لأن هذا الخصاء زادت به القيمة، وهو فعل من ظالم، وليس له فيه حق مثال هذا: غصب رقيقًا فحلًا يساوي عشرة آلاف فخصاه، فصار يساوي عشرين ألفًا، يرده ويرد معه عشرين ألفًا، كذا؟
طالب: عشرة آلاف.
الشيخ: الصواب عشرة، لماذا يرد عشرة آلاف؟ لأنه أتلف منه ما فيه دية كاملة بالنسبة للحر، الإنسان لو خصى حرًّا ويش يجب عليه؟
طلبة: الدية كاملة.
الشيخ: الدية كاملة، الرقيق ديته قيمته، فهذا الرجل خصى الرقيق، لما خصى الرقيق نقول: عليك قيمته؛ لأنك أتلفت منه ما فيه دية كاملة بالنسبة للحر، وما فيه دية كاملة بالنسبة للحر ففيه قيمة العبد كاملة، فصار هذا الإنسان زاد صاحب العبد بضمان القيمة، وزيادة قيمته بالخصاء ويرد العبد أيضًا؛ لأن العبد ليس ملكًا له فإن قال قائل: هل خصاء الآدميين جائز؟
فالجواب: لا، لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى قطع النسل، إذ إن الخصي لا ينجب.
خصاء غير الآدميين هل يجوز أو لا يجوز؟ إذا كان لمصلحة البهيمة فهو جائز، ولو كان من أجل زيادة الثمن، ولا شك أن خصاء البهيمة يجعل لحمها أحسن وأطيب، وهذا في المأكول ظاهر، لو خصى خروفًا أو ثورًا أو جملًا أو فرسًا؛ يعني ذكرًا من الخيل، فهذا لا شك أنه يستفاد منه؛ لأنه يزيد اللحم، يطيب، لكن إذا كان لا يؤكل -كالحمار مثلًا- ما الفائدة من خصائه؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: لا، الفائدة اتقاء شره؛ لأن الفحل من الحمير يتعب صاحبه، إذا رأى أنثى من الحمير ركب إليها، وربما يسقط صاحبه، وكذلك أيضًا يأخذ بالنهيق فيتعب فإذا خصي بردت شهوته ولم يحصل منه هذه المفسدة.
المهم، إذا خصى الرقيق رده مع قيمته (وَمَا نَقَصَ بِسِعْرٍ لَمْ يُضْمَنْ) (ما نقص بسعر) يعني: أن هذا الغاصب غصب هذه العين تساوي عشرة آلاف، ثم نزل السعر حتى صارت لا تساوي إلا خمسة، فهل يضمن الخمسة أو لا يضمن؟
المؤلف يقول: إنه لا يضمن، وهو المذهب؛ لأن هذا النقص ليس عائدًا إلى عين المغصوب، بل لأمر خارج، وهي قيمته عند الناس، ومعلوم أن القيمة ترتفع أحيانًا وتنخفض أحيانًا، فلو غصب شاة قيمتها مئتا ريال، وبقيت عنده ولم تنقص عينها، بل ربما زادت، ثم نقص السعر حتى صارت لا تساوي إلا مئة ريال، فهل يرد الشاة ومئة ريال؟
على كلام المؤلف: لا، يرد الشاة ولا يضمن نقص السعر، مع أنه حين غصبها من مالكها كانت تساوي مئتين، وحال بينه وبينها حتى نقص السعر فلم تبلغ قيمتها إلا مئة، فالمذهب -وهو ما مشى عليه المؤلف- أنه لا يضمن، وعللوا ذلك بأن عين المغصوب لم تنقص، وإذا كانت لم تنقص فزيادة القيمة ونقصها لأمر خارج، وهو الطلب أو الجلب، إذا كثر الطلب لزم من ذلك ارتفاع القيمة، وإذا كثر الجلب لزم من ذلك نقص القيمة، أما عينها فلم تتغير.
قالوا: نظير ذلك لو استقرض صاعًا من بر من شخص يساوي ثلاثة دراهم، ثم ردَّه عليه وهو يساوي درهمين، هل يعطيه درهمًا؟ لا؛ لأنه رد عليه عين ماله أو رد عليه مثل ماله، وكذلك بالعكس لو استقرض صاعًا من البر يساوي درهمين، ثم ارتفعت القيمة فصار يساوي ثلاثة، يرد الصاع ويأخذ من صاحبه درهمًا؟ أجيبوا؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، يرد الصاع، فالنقص أو الزيادة في السعر لأمر خارج، لكن يقال: إن هذا الغاصب حال بين المالك وملكه حتى نزل السعر فهو ظالم، ونقص السعر في الواقع نقص صفة؛ لأن السعر قيمة السلعة، والقيمة تعتبر صفة في الواقع، ولهذا كان القول الصحيح أنه إذا نقص السعر فإن الغاصب يضمن النقص، فنقول: ردَّ العين إلى صاحبها ومعها نقص السعر.
رجل غصب كتابًا يساوي خمسين ريالًا، ثم بعد شهر أو شهرين رده وهو يساوي أربعين ريالًا، فماذا نقول؟
طالب: المذهب (
…
).
الشيخ: لا يضمن نقص السعر، لكن إن كان الكتاب نقص بالاستعمال يضمن النقص، وعلى القول الثاني؟
طالب: القول الثاني: يضمن.
الشيخ: يضمن نقص السعر فيردُّ الكتاب ويرد معه عشرة دراهم، ويرد أيضًا أرش النقص الذي حصل باستعمال الكتاب، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، وشيخنا عبد الرحمن السعدي، وهو الصواب، وهذا القول ينبغي أن يكون هو المتعين؛ لأنه إذا قلنا: إن السعر لا يُضمن ربما يعتدي المعتدي على شخص، فيغصبه ماله ويحبسه عنده يريد أن تنقص الأسعار ثم يسلمه إلى صاحبه، وهذا لا شك في أنه يضمن؛ لأنه تعمد إدخال أيش؟
طلبة: الضرر.
الشيخ: الضرر على المالك فيضمن، يعني هذا ليس كالذي غصبه وحبسه ليستعمله أو لغير ذلك، ولم يخطر بباله أنه يريد إضرار المالك بنقص السعر، هذا أهون، لكن قد يعتدي المعتدي ويغصب الأشياء ويجعلها عنده، حتى إذا نقص السعر قال: يا رجل خذ مالك، على كل حال الصواب أن ما نقص بالسعر فإنه مضمون.
قال: (وَلَا بِمَرَضٍ عَادَ بِبُرْئِهِ) يعني: ولا يُضمن نقص بمرض (عَادَ) يعني: النقص (بِبُرْئِهِ) أي: ببرء المرض.
مثال ذلك: غَصَبَ شاة، مرضت الشاة نقص لبنها، ثم شُفيت الشاة وعاد لبنها على طبيعته، فهل يضمنها أو لا؟
يقول المؤلف: لا يضمن؛ لأن النقص الذي حصل عنده عاد، ورجعت إلى حالها الأولى، لكن لو فُرِض أنه كان رده إياها حين مرضها فإنه يضمن، أما بعد أن شُفيت فإنه لا يضمن؛ لأنه عاد على ما كان عليه حين الغصب، ولهذا قال:(وَلَا بِمَرَضٍ عَادَ بِبُرْئِهِ)، برء أيش؟
طلبة: المرض.
الشيخ: برء المرض، وصورتها كما سمعتم، غصب شاة فمرضت فنقصت قيمتها، نقصت هي عينها، ثم شفيت، فعادت على ما كانت عليه، ثم ردها بعد ذلك، فإنه لا يضمنها، لكن لاحظوا أن كل ما أخذه من لبن فإنه يضمنه؛ لأن المنافع مضمونة على الغاصب، والكلام الآن على ضمان الأعيان.
(وَإِنْ عَادَ بِتَعْلِيمِ صَنْعَةٍ ضَمِنَ النَّقْصَ)، (إِنْ عَادَ) يعني: النقص، لا ببرء المرض ولكن بتعليم صنعة؛ ضمن النقص؛ لأن عَوْدَه هنا ليس هو عودة النقص الذي حصل.
مثاله: غَصَبَ عبدًا، ومرض العبد وهُزِل، تنقص قيمته لا شك، لكنه علَّمه صنعة ارتفعت بها قيمته، كم يساوي هذا العبد قبل أن يمرض؟ يساوي عشرة آلاف، مرض فصار يساوي خمسة آلاف، تعلم صنعة فصار يساوي عشرة آلاف؛ يعني عاد الآن إلى القيمة الأولى، فهل يضمن نقصه؟
الجواب: نعم؛ لأن الغاصب ضامن للنقص، والزيادة للمالك، فنقول: الآن العبد يساوي ناقصًا غير متعلم للصنعة يساوي نصف قيمته قبل أن ينقص، فيرد العبد ونصف قيمته؛ وما زاد بتعلم الصنعة فإنه أيش؟
طلبة: للمالك.
الشيخ: للمالك.
غصب عبدًا كاتبًا فنسي الكتابة، لكنه تعلم صنعة الآلات الكهربائية مثلًا، وصار ما نقصه بنسيان الكتابة مجبورًا بما تعلمه من الصناعة الكهربائية، هل نقول: هذا يجبر هذا؟ لا، نقول: اضمن نقصه بالكتابة، وزيادة قيمته بالصناعة الكهربائية لمالكه.
ثم قال: (وَإِنْ تَعَلَّمَ أَوْ سَمِنَ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ثُمَّ نَسِيَ) في مسألة التعلم (أَوْ هُزِلَ) في مسألة السمن (فَنَقَصَتْ) أي: قيمته (ضَمِنَ الزِّيَادَةَ).
رجل غصب عبدًا جاهلًا لا يعرف، فعلَّمه فتعلَّم فزادت القيمة، ثم نسي فنقصت، كانت قيمته قبل أن يتعلم عشرة، ولما تعَلَّم صارت قيمته عشرين، ولما نسي عاد إلى عشرة، فيقول المؤلف: فإنه يضمن الزيادة اللي حصلت بأيش؟ بالتعلم، يضمنها؛ لأنه لما زادت قيمته بالتعلم وهو على ملك صاحبه -أي: مالكه- نقصت الزيادة وهو في ضمان الغاصب، فيضمن الزيادة.
ومثله أيضًا لو أنه سَمِن بعد غصبه، سمن بأن يكون غصب شاة هزيلة، ثم علفها حتى صارت سمينة، ثم عادت وهزلت، هل يضمن الزيادة التي زادت؟ نعم، يضمنها؛ لأن زيادتها كانت في ملك مَن؟ في ملك صاحبها، والنقص صار في ضمان الغاصب فيضمن الزيادة.
(كَمَا لَوْ عَادَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَوَّلِ) يعني كما لو عادت الصنعة من غير جنس الأول، بأن غصب عبدًا جاهلًا لا يعرف الصناعة، فتعلم النجارة وصار جيدًا ماهرًا في النجارة، ثم نسي فتعلم الحدادة وصار متقنًا لها، فهل يضمن نقصه حين نقص بنسيان النجارة؟ نعم، يضمنه؛ لأن الجنس الآن مختلف، نجارة وحدادة، فعَادَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَوَّلِ.
أما لو عادت من جنسها فإنه لا يضمن إلا أكثرها، كما لو تعلم الكمبيوتر في شيء معين، ثم تعلمه في شيء آخر، ونسي العلم الأول، فهنا الزيادة من جنس ما نسيه، فلا يضمن إلا أكثرهما، فإذا كانت الزيادة بعد النقص فلا ضمان عليه؛ لأنه زاده خيرًا، لكن إن كان ما نسيه أكثر فإنه يضمن الأكثر؛ لأنهما من جنس واحد.
طالب: شيخ بارك الله فيكم، هل للسلطان أن يعزر من غصب فرسا مثلًا، نحن قلنا: إذا غصب فرسًا أو سكينًا أصاب بهما، فإن الفعل فعل الغاصب، ولذلك فالصيد الراجح أنه له، فهل إذا قَلَّت خشية الله من الناس، وهل للسلطان أن يجعل مثلًا ما صاد به الغاصب للمالك تعزيرًا؟
الشيخ: هذا ينبني على جواز التعزير بالمال، وإذا قلنا بجواز التعزير بالمال فإن هذا المال الذي أخذ تعزيرًا يكون في بيت المال.
طالب: ليس للمالك.
الشيخ: ليس للمالك، لكن في الغالب أنه قد يقول المالك: مدة بقاء الفرس عند هذا الرجل تستحق الأجرة. فيطالب بالأجرة.
طالب: يا شيخ، مثلًا من غصب فرسًا فصاد إن الصيد للغاصب وللمالك أجرة المثل؟
الشيخ: إي نعم، هذا الراجح، هذا هو الراجح.
طالب: ما هي مسألة من غصب حبًّا حتى صار زرعًا فمثل هذه المسألة؟
الشيخ: لا.
طالب: ما الفرق؟
الشيخ: الفرق أن الحب هو عين ملك المالك، نفس الحب هذا.
طالب: أليس الزرع (
…
)؟
الشيخ: ما يخالف، بفعله كما لو نجر خشبًا، أرأيت لو جعل الخشب بابًا؟ فهو بفعله ومع ذلك نقول: إن الباب للمالك، وعليك ضمان ما نقص من الخشب.
طالب: يا شيخ، أحسن الله إليك، ما حكم دخول المخصي (
…
) على النساء؟
الشيخ: القاعدة كل من لا شهوة له فهو كالصبي، يعني يدخل على النساء ولا فيه شيء.
طالب: شيخ في ضمان النقص والزيادة بالنسبة للغاصب، هل هناك فرق بين الغاصب والسارق في هذا؟
الشيخ: لا فرق، الضمان واحد كل من أخذ مالًا من غيره بغير حق فإنه يعامل هذه المعاملة.
طالب: يا شيخ، نأخذ قياس يا شيخ على الشرح بغصب الفرس وصيد الصائد على أن الفرس له سهمان ..
الشيخ: على أنه أيش؟
طالب: على أن الفرس له السهام في المغازي والفارس له سهم واحد (
…
) في الغنائم له سهمان.
الشيخ: إي، الفارس له ثلاثة أسهم.
طالب: إي نعم، وللفرس سهم زيادة عن حق ..
الشيخ: إي، معلوم؛ لأن منفعة الفارس أكثر من منفعة الراجل.
طالب: يمكن بعض الطلاب يستغرب (
…
) أن غاصب الفرس له الصيد والمالك له ..
الشيخ: لا، بينهما فرق؛ لأن هذا انتفاعه بالفرس في القتال انتفاع في جهاد الأعداء أما هذه مسألة مالية.
طالب: لكن يا شيخ مقصدي أنا أني أقول: (
…
) لها وجه نظر في الشرع.
الشيخ: أيهم؟
طالب: تنبيهكم على صيد الغاصب (
…
).
الشيخ: إي نعم، هذا هو الراجح.
طالب: شيخ بارك الله فيك، قوله:(وَمِنْ جِنْسِهَا لَا يَضْمَنُ إِلَّا أَكْثَرَهُمَا) لو تعلم صنعة -مثلًا البناء- ثم نسي البناء، وتعلم مثلًا التلييس، وكان الأخيرة أكثر نفعًا هل يضمن أم لا.
الشيخ: لا، ما يضمن؛ لأن التلييس داخل في البناء فالظاهر أنه من جنسه.
طالب: قوله (لَا يَضْمَنُ إِلَّا أَكْثَرَهُمَا) يعني؟
الشيخ: يعني مثلًا لو كان البناء أكثر قيمة من التلييس ضمن الزيادة هذه.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، إذا غصب عبدًا فجنى العبد، العبد عند الغاصب، والعبد جنى على أحد ..
الشيخ: على الغاصب، تكون على الغاصب، الغاصب يتحمل جميع النقوص، وليس له شيء من الزيادة؛ لأنه ظالم.
طالب: فيما ذكر المصنف: (إذا صار الحب زرعًا، والفرخة بيضًا) إذا قال المالك: ليس لي غرض في أن ينتقل إلى هذه العين، هل له أن يطالب الغاصب بمثل ماله الأول؟
الشيخ: هو الظاهر؛ لأنه تحول -في الواقع- تحوَّل إلى زرع، وهو يقول: أنا لا أريد الزرع، أنا أريد الحب، فله أن يطالبه بذلك.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، (
…
) في إخراجنا للثوب المصبوغ يا شيخ، قلنا: إن الصحيح أنه يرجع بقيمته على المالك إذا كان الصبغ مرغوبًا فيه؛ لأن العين صبغ عين الزائد على الـ .. ، ما تبين الفرق بين إخراجنا هذه الصورة عن باقي الصور اللي ذكرها المؤلف.
الشيخ: الفرق لأن الغاصب أدخل في هذا عينا أخرى، وهو الصبغ.
طالب: لو قال قائل: في صياغة الحلي ..
الشيخ: في أيش؟
طالب: صياغة الذهب.
الشيخ: إي نعم.
طالب: أدخل شيئًا زائدا على ..
الشيخ: ما أدخل شيئًا.
طالب: غير الصناعة يا شيخ.
الشيخ: الصناعة خارجة عن نفس العين، غاية ما هنالك حَوَّل العين من شيء إلى آخر، فلا بينهما فرق، وسيأتي إن شاء الله في الفصل الثاني اللي بعده ما يبين أن المؤلف في هذا أخطأ، أن عندي عليه تعليق، الظاهر يقول: لو سبقه صريحه أنه لا شيء للغاصب وهذا خلاف المذهب ولعلها سبق قلم؛ لأني لم أجد ذلك في الفروع في المحرر ولا في الإقناع ولا في الممتع، وهو مخالف لكلامه الآتي في الفصل الذي بعده، وكلامه في الفصل الذي بعده هو المذهب الصحيح.
طالب: بالنسبة يا شيخ إذا حَوَّل النوى إلى غرس، إذا احتاج إلى مؤونة من الغاصب كأسمدة، وغير ذلك هل يرجع بها على المالك؟
الشيخ: لا أبدًا، لا يرجع بشيء إطلاقًا.
طالب: نحن قلنا في الثوب المغصوب ..
الشيخ: إي نعم؛ لأن الصبغ في نفس العين.
طالب: عين جديدة؟
الشيخ: في نفس العين، الثوب هذا أبيض وصبغه أسود، صار الثوب في نفس العين، لكن مسألة السماد خارجة عن الشجرة.
طالب: ولأنه اتخذ مؤونة ..
الشيخ: لا، ما يضر.
طالب: أبدًا؟
الشيخ: أبدًا، حتى لو قلنا بهذا، وقلنا: إذا علمه الصنعة فله أجرة التعليم، وليس له أجرة.
طالب: بل يعلمه هو؟
الشيخ: حتى لو علمه، وحتى لو علمه هو أيضًا يحتاج إلى أجرة منفعته.
***
الطالب: قال المؤلف رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
وَإِنْ خُلِطَ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ، أَوْ حِنْطَةٍ بِمِثْلِهِمَا، أَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ، أَوْ لَتَّ سَوِيقًا بِدُهْنٍ، أَوْ عَكْسُهُ وَلَمْ تَنْقُصِ القِيمَةُ وَلَمْ تَزِدْ، فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا فِيهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ القِيمَةُ ضَمِنَهَا، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فِلِصَاحِبِهِ، وَلَا يُجْبَرُ مَنْ أَبَى قَلْعَ الصِّبْغ، وَلَوْ قُلِعَ غرْسُ المُشْتَرِي أَوْ بِنَاؤُهُ لاسْتِحْقَاقِ الأَرْضِ، رَجَعَ عَلَى بَائِعِهَا بِالغَرَامَةِ، وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِعَالِمٍ بِغَصْبِه، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ما تقول في رجل غصب بندقية وصاد بها صيدًا، فلمن يكون الصيد؟
طالب: يكون الصيد للغاصب.
الشيخ: للغاصب؟
طالب: نعم، وعليه أجرة البندقية لصاحبها.
الشيخ: وعليه أجرة البندقية لصاحبها.
لو زادت الأجرة على قيمة الصيد؟
طالب: لا يُلزم إلا بدفع الأجرة.
الشيخ: الأجرة أكثر من قيمة الصيد، الصيد يساوي خمسة ريالات وأجرة هذه البندقية تساوي خمسين ريالا؟
طالب: ما فهمت يا شيخ.
الشيخ: غصب بندقية وصاد بها صيدًا، صاد طيرًا يساوي خمسة ريالات، قلنا: عليك الأجرة، والصيد لك، الأجرة يقول: خمسون ريالا، والصيد خمسة ريالات.
طالب: لأن الغاصب يلزمه الأجرة إلى أن يرد المغصوب مهما بلغت.
الشيخ: نعم؛ يعني يلزمه الأجرة، ولو زادت على منفعته التي انتفع بها.
غصب فرسًا فصاد عليه صيدًا، فلمن يكون الصيد؟
طالب: الصيد لصاحب الفرس.
الشيخ: لمالك الفرس، تمام، وتعب هذا في لحوق الصيد ومطاردته؟
طالب: يذهب هدرًا؛ لأنه غاصب.
الشيخ: يذهب هدرًا؛ لأنه غاصب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
هل هناك قول آخر؟
طالب: نعم أنها تكون للغاصب وعليه الأجرة.
الشيخ: تكون للغاصب وعليه أجرة الفرس، كذا؟ وهذا هو الذي رجحناه.
لو غصب كلب صيد فصاد به؟
طالب: الصيد للمالك.
الشيخ: لمالك مَن؟ أو لمالك ما؟
طالب: صاحب الكلب.
الشيخ: لمالك الكلب، كذا؟ أجب.
طالب: لصاحب الكلب.
الشيخ: لصاحب الكلب، هنا صاحب الكلب يعني الذي غصبه ولّا المالك له؟
طالب: المالك.
الشيخ: وهل يُملك الكلب؟
طالب: لا يملكه.
الشيخ: إذن نعبر بأنه؟
طالب: صاحبه.
الشيخ: صاحب الكلب، بارك الله فيك، جيد.
رجل غصب بُرًّا وبذره وخرج زرعًا لمن يكون؟
طالب: الزرع لمالك البر.
الشيخ: لمالك البر؟ لماذا؟
طالب: لأنه (
…
).
الشيخ: لأنه نماء ملكه، كما لو غصب شاة هزيلة ثم سمنت، فالسِّمَن لمالكه.
يضيع عمل الغاصب؟
طالب: يضيع.
الشيخ: الغاصب بقي ستة شهور يسقي هذا الزرع وتعب عليه؟
طالب: ولو، ليس له حق.
الشيخ: ليس له حق؟ الدليل؟
طالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
الشيخ: أحسنت.
غصب عبدًا فتعلم صنعة، ثم نسيها وتعلم أخرى، فهل يضمن الغاصب قيمة الصنعة التي نسيها أو لا؟
طالب: يضمن قيمة النقص.
الشيخ: يضمن قيمة نقصه بنسيان الصنعة الأولى، لكن هو تعلَّم صنعة أخرى سدت النقص.
طالب: (
…
).
الشيخ: يعني كان نجارًا، علمه النجارة وصار نجارًا جيدًا ثم نسي أو أصابه شيء لا يستطيع معه أن ينجّر، لكن تعلم صنعة أخرى كالكمبيوتر مثلًا، وصار قيمته في الثاني أكثر.
طالب: يضمن الأولى.
الشيخ: يضمن الأولى، توافقون على هذا، على المثال خاصة، ما هو ضابط.
إذا عادت من جنس الزيادة الأولى؟
طالب: فإن كانت منه يضمن الأعلى.
الشيخ: يضمن الأعلى فقط؛ لأن الجنس واحد فهي كأنها صفة واحدة.
***
قال المؤلف رحمه الله: (وَإِنْ خُلِطَ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ)، (وَإِنْ خُلِطَ) الضمير يعود على المغصوب، إذا خُلط المغصوب، فإما أن يُخلط بما يتميز، وإما أن يُخلط بما لا يتميز، فهذان قسمان:
الأول: إذا (خُلِطَ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ، أَوْ حِنْطَةٍ بِمِثْلِهِمَا) ما مِثْلُ الزيت؟
طالب: الزيت.
الشيخ: الزيت، الحنطة؟
طالب: الحنطة.
الشيخ: الحنطة، غصب إناء من الزيت، وخلطه بإناء عنده من الزيوت، هنا لا يمكن تمييز المغصوب من غيره، كيف يميزه؟ اختلط، حنطة بحنطة، اختلط، لا يمكن تمييز الحبة التي للغاصب من الحبة التي للمغصوب منه، فماذا يكون الحكم؟
قال المؤلف رحمه الله: (وَلَمْ تَنْقُصِ القِيمَةُ وَلَمْ تَزِدْ، فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا فِيهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ القِيمَةُ ضَمِنَهَا) لَمْ تَنْقُصِ القِيمَةُ وَلَمْ تَزِدْ فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ المال، مثال ذلك: غصب صاعًا من البر وخلطه بصاع من البر من جنسه، فهنا يكونان شريكين، بشرط أن لا تنقص القيمة ولم تزد، فإن نقصت القيمة بالخلط بأن كان الناس يختارون أن يشتروا شيئًا قليلًا من البر، وهو خلط مئة صاع بمئة صاع فتنقص القيمة، إذا نقصت فعلى الغاصب ضمان النقص، وأما إذا لم تنقص ولم تزد فهما شريكان بقدر ماليهما، فإذا كان للغاصب صاعان وللمغصوب منه صاع فكم تكون القيمة؟
طالب: أثلاثًا.
الشيخ: أثلاثًا، وهلم جرًّا.
هذا مثال، مثل أن يقول:(أَوْ صَبَغَ) الغاصب (الثَّوْبَ) صبغه بلون، ولم تزد القيمة ولم تنقص فهما شريكان، فللغاصب قيمة الصبغ، ولمالك الثوب قيمة الثوب، فإذا قُدِّر أن قيمة الصبغ عشرة وقيمة الثوب عشرة، وبِيع بعشرين فلكل واحد منهما ثَمَنُ ملكه، وهذا يتناقض مع ما سبق أنه إذا صبغ الثوب فهو لمالك الثوب، وقد أشرنا إليه في الشرح أمس.
يقول: (أَوْ لَتَّ سَوِيقًا بِدُهْنٍ) غصب سويقًا ولتَّه بدهن، معنى لتَّه يعني: صب عليه الدهن، ومعلوم أن الدهن الآن لا يمكن أن يتميز، فهما شريكان، (أَوْ عَكْسُهُ) ويش معنى عكسه؟ لت دهنًا بسويق؛ يعني غصب دهنًا فأضاف إليه السويق.
(وَلَمْ تَنْقُصِ القِيمَةُ وَلَمْ تَزِدْ، فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا فِيهِ)، وعند التنازع فالأصل أن الغارم يُقبل قوله، (وَإِنْ نَقَصَتْ القِيمَةُ ضَمِنَهَا) مَن الضامن؟ الغاصب، لو أن هذا السويق الذي لتَّه بدهن نقصت قيمته؛ لأن الناس لا يرغبون الدهن، أو لَتَّه بدهن له رائحة كريهة أو ما أشبه ذلك، فعلى الغاصب أيش؟ ضمان النقص؛ لأنه ظالم.
(وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فِلِصَاحِبِهِ) يعني مثلًا: هذا الدهن يساوي عشرة، والسويق يساوي عشرة، الدهن للغاصب لكنه لما لُتَّ بالسويق زادت قيمته؛ لأنه صار فيه نفع، فتكون الزيادة لمن؟
طالب: للمالك.
الشيخ: لا، الغاصب لته بالدهن؛ يعني الدهن من الغاصب، وزادت قيمة الدهن فلصاحبه، أما لو نقصت قيمة السويق بلته بالدهن والسويق هو المغصوب فعلى الغاصب ضمان النقص.
والخلاصة أن القاعدة عندنا الآن: كل نقص يترتب على فعل الغاصب أو على غير فعله في المغصوب فإنه مضمون على الغاصب.
قال: (وَلَا يُجْبَرُ مَنْ أَبَى قَلْعَ الصِّبْغ)، المؤلف رحمه الله ما ذكر القسم الثاني فيما إذا خلط بما يتميز، إذا خلط بما يتميز وجب على الغاصب تخليصه ولو ضاع عليه مال كثير، فإذا غصب برًّا وخلطه بشعير، فهل يتميز البر من الشعير يا إخوان؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يتميز، نقول للغاصب: خلِّص البر من الشعير، قال: يا جماعة هذا يتعبني ويكلفني، أبغي أبقى يومين أو ثلاثة وأنا أخلصها له، نقول: وليكن؛ لأن عين المال المغصوب الآن موجودة فيجب ردها إلى صاحبها، فإذا قال: هذا إضرار بي؟ فالجواب سهل، ماذا نقول؟ أنت الذي جنيت على نفسك، لماذا تغصب أولًا؟ ولماذا تخلطه ثانيًا؟ و «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1)، إذن يلزمه التخليص ولو غرم أضعافه.
لو قال الغاصب: الآن أنا خلطت البر بالشعير، والبر الذي خلطته خمسة أصواع، أنا أعطيك أيها المالك عشرة أصواع، ما تقولون؟ هل يجبر المالك أو لا؟ يقولون: لا يجبر، بل يقال: خَلِّص البر، أعطيكم أكثر من مثله، نقول له خَلِّص البر.
هذا في الحقيقة من جهة قد نقول: إنه قول جيد؛ لأن في ذلك ردعًا للغاصبين، يردعهم إذا علموا أنهم سوف يضمن إلى هذا الحد لا يغصب، وإن نظرنا إلى أن فيه إضرارًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (2)، قلنا: هنا يتوجه القول بأن المغصوب منه يجبر على قبول مثل بره الذي غُصِب، ويعد البر الآن كالتالف، وإذا أتلف شخص بُرًّا ضمنه بمثله، فالمسألة فيها تردد، وحينئذٍ ننظر -في مسألة القضاء والحكم بين الغاصب والمغصوب منه- ننظر إلى المصلحة، إذا رأى القاضي أن من المصلحة أن يُلزَم الغاصِبَ بتخليص مال المغصوب منه فليفعل، وإن رأى العكس فلا حرج؛ لأن المضارة في هذا واضحة.
قال: (وَلَا يُجْبَرُ مَنْ أَبَى قَلْعَ الصِّبْغ) من أين؟ من الذي يأبى، الغاصب أو المغصوب منه؟ ما ندري هل المغصوب الصبغ، أو المغصوب الثوب؟ على كل حال سواء هذا أو هذا، إذا قيل: اقلع الصبغ، لا يمكن هذا؛ لأن الصبغ بعد أن صار في الثوب صار من جنس الصفة لا يمكن فصلها عن الموصوف، وكيف يمكن أن يقلعه؟ ! لا يمكن، اللهم إلا أن يُرَبَّص في الماء ثم يخرج الماء –مثلًا- ملونًا بلون هذا الصبغ، ويعود الثوب على ما كان عليه، وهذا فيه إفساد، حتى الثوب يتضرر بهذا، فلا يُجبر من أبى قلع الصبغ.
إذن كيف تكون الحال؟
نقول: الحال كما قال في الأول: إذا صبغ الثوب صار شريكًا لصاحب الثوب، هما شريكان.
فإن قال صاحب الثوب: أنا لا أريد مشاركته؛ ثمنوا صبغه وأسلم الثوب، فهنا نقول: نعم نجيبه إلى هذا، إذا قال: أنا لا أريد مشاركته هذا لو شاركته في هذا الثوب وأردت أن أبيعه قال: لا تبع. أردت أن أبقيه قال: لا، بعه. يحصل ولّا ما يحصل؟ يحصل نزاع لا شك، فنقول: إذا طلب صاحب الثوب أن يدفع قيمة الصبغ ويكون له الثوب مصبوغًا فإنه يتعين إجابته؛ لما في عدم الإجابة من الإضرار بالجميع، وربما يحصل نزاع لا ينتهي.
قال رحمه الله: (وَلَوْ قُلِعَ غرْسُ المُشْتَرِي أَوْ بِنَاؤُهُ لاسْتِحْقَاقِ الأَرْضِ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهَا بِالغَرَامَةِ) رجل باع أرضًا، والمشتري غرس فيها، أو بنى، ثم أقام مالك الأرض بَيِّنة على أن هذا غاصب، الآن الأرض مستحقة لمن؟ للذي أقام البيِّنة على أنها ملكه، تبين الآن أن الأرض التي باعها الغاصب مغصوبة لا يصح العقد عليها، صاحب الأرض قال للمشتري -الذي غرس أو بنى- قال: اقلع الغرس، اقلع البناء، فهنا المشتري يرجع على البائع؛ لأنه غَرَّه، حيث أظهر أنه مالك.
وهل يرجع المالك على الغاصب رأسًا؟ لأنه قد يكون من مصلحة المالك أن يرجع على الغاصب.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، هو راجع على الغاصب، لكن الآن نقول: المشتري يرجع على الغاصب؛ لأنه غره، ويأخذ قيمة الشجر من أين؟
طلبة: من الغاصب.
الشيخ: من الغاصب.
لو علم المشتري أن الأرض مغصوبة، لكنه تجاهل الأمر وطمع في الأرض، وقال: لعل مالكها لا يكون عنده بينة، وغرس أو بنى، فهل يرجع على الغاصب أو لا يرجع؟
طلبة: لا يرجع.
الشيخ: لا يرجع؛ لأنه دخل على بصيرة، فلا يرجع على الغاصب.
(وَلَوْ قُلِعَ غرْسُ المُشْتَرِي أَوْ بِنَاؤُهُ لاسْتِحْقَاقِ الأَرْضِ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهَا) من هو بائعها؟
طلبة: الغاصب.
الشيخ: الغاصب، (بِالغَرَامَةِ) أي: فيغرمه ما نقص.
(وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِعَالِمٍ بِغَصْبِه فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ)(أطعمه) أي: الغاصب، أطعم المغصوب، (لعالم بغصبه فالضمان عليه) أي: على الآكل، (وعكسه بعكسه)، مثال ذلك: رجل غصب شاة، وذبحها وأطعمها شخصًا آخر، والشخص الآخر يعلم أنها مغصوبة، فالضمان على مَن؟ الضمان على الآكل؛ لأنه مباشر للإتلاف والغاصب متسبب، والقاعدة الشرعية عندنا في المتلفات: أنه إذا اجتمع متسبب ومباشر فالضمان على المباشر، وعليه فهنا نقول: إذا كان الآكل يعلم أن هذه هي العين المغصوبة فعليه الضمان، وإن كان لا يعلم فالضمان على الغاصب الذي أطعمه.
بقي علينا أن نقول: صاحب الشاة في هذه الحال، هل له أن يرجع على الغاصب مع أن الآكل قد علم أنها مغصوبة؟
الجواب: نعم، له ذلك، فهو مُخَيَّر بين أن يرجع على مَن؟ على الغاصب أو على الآكل، لكن قرار الضمان على الآكل إن كان عالمًا بالغصب، وإن لم يكن عالمًا بالغصب فالقرار على الغاصب، حينئذٍ نقول: يخير المالك بين الرجوع على الغاصب -لأنه هو الذي غصب ملكه، باشر الغصب- والرجوع على الآكل؛ لأن التلف كان تحت يده، ولكن إذا رجع على أحدهما فعلى من يكون قرار الضمان عليه؟ نقول: على الآكل إن كان عالمًا بأنه مغصوب، وعلى الغاصب إذا كان الآكل غير عالم.
وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في القواعد الفقهية: أن الأيدي المترتبة على يد الغاصب عشرة أيدي، وأنها كلها أيدي ضمان، يعني يصح أن نضمِّنَها، إلا ما دخل الذي انتقلت إليه على أنه لا ضمان عليه فلا ضمان عليه.
طالب: المسألة الأخيرة؟
الشيخ: وهي؟
طالب: ما ذكر ابن رجب.
الشيخ: المسألة الأخيرة ما ذكر ابن رجب، الآكل -الذي أطعمه الغاصب- دخل على أن الأكل مضمون عليه ولَّا غير مضمون؟
الطالب: غير مضمون.
الشيخ: غير مضمون، فهنا يكون قرار الضمان على؟
الطالب: الغاصب.
الشيخ: الغاصب، لكن المستعير –مثلًا- من الغاصب دخل على أنه ضامن أو غير ضامن؟
الطالب: ضامن.
الشيخ: ضامن، فيكون قرار الضمان عليه، حتى وإن كان جاهلًا؛ لأنه لو أعاره المالك لكان قرار الضمان عليه، فإذن يكون لو أنه ضمن الغاصب يرجع به على المستعير.
طالب: لو غصب غاصب برًّا وخلطه بشعير، وعند رَدِّه وافق المغصوب منه على أن يرد أكثر من النوع الذي اغتصب منه، هل له ذلك؟
الشيخ: إي نعم؛ يعني: لو غصب برًّا وخلطه بشعير، غصب صاعًا وخلطه بشعير، وقال لصاحبه: أصالحك على أن أعطيك صاعين، فلا بأس، هذه من باب المصالحة.
الطالب: مع أنه ربوي.
الشيخ: نعم، مع أنه مال ربوي، المصالحة لا بأس بها.
طالب: بارك الله فيك يا شيخ، لو أن إنسانا غصب أرض مصلحة عامة كأرض مدرسة، وباعها على إنسان، الإنسان إذا أراد أن يبني في هذا الأرض المشتري يمنعه منها فيقول: أعد لي المال ..
الشيخ: كيف؟ غصب أرضًا معدة لمدرسة.
الطالب: ثم باعها على مشترٍ، هل نرجع على المشتري أو على البائع الأول؟
الشيخ: يعني الحكومة؟
الطالب: نعم الحكومة.
الشيخ: ترجع على من شاءت.
الطالب: (
…
).
الشيخ: ترجع على من شاءت.
الطالب: المشتري دفع مالًا مقابل هذه ..
الشيخ: ما يخالف، ترجع على المشتري، وهو يرجع على البائع.
الطالب: إي نعم، البائع الآن يا شيخ يقول: نفد المال عنده (
…
).
الشيخ: يبقى في ذمته.
طالب: شيخ، لو زادت قيمة المغصوب الذي أعاره الغاصب، المالك يرجع على من الآن في الزيادة هذه؟ يرجع على الغاصب ولّا على المستعير؟
الشيخ: كما لو تلف الأصل؛ يعني لو زاد فالزيادة لصاحب الملك؛ للمالك الأول، ولكن لو نقص فإنه يرجع إما على المستعير وإما على المعير، يُخيَّر.
طالب: شيخ (
…
) جميع الملك (
…
) صح في البيع (
…
) المسألة الأخيرة (
…
) صح في البيع؟
الشيخ: لا، بترجع لمالكها، العين المغصوبة سوف ترجع لمالكها، لكن لو تلفت فعلى المتلف المثل أو القيمة؟
طالب: شيخ (
…
) إذا كان جاهلًا بأنها مغصوبة (
…
).
الشيخ: لكن أكل على أنه غير مضمون عليه، على أن ذلك متبرع به.
طالب: (
…
).
الشيخ: مِنه.
طالب: هو مباشر، يعتبر مباشرًا.
الشيخ: نعم، للمالك إن كان عالمًا فعليه.
طالب: وإن كان جاهلًا؟
الشيخ: وإن كان جاهلًا فعلى المؤكِّل على الغاصب، لكن نقول: إذا غَرَّم المالك الآكل فللآكل أن يرجع على الغاصب.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، مثل ما مر علينا في الدرس من أكل من شاة غصبًا فالضمان على الآكل ما هي على الغاصب؟
الشيخ: على الآكل إن كان عالمًا.
طالب: ولكن يا شيخ نفس الشاة هذه حية تساوي لها خمس مئة ريال، وميتة تساوي لها مئة ريال، وهذا هو الذي أتلف المصلحة العامة.
الشيخ: الآكل يضمنها لحمًا كما أكل، وإذا كانت تختلف القيمة -كما قلت- فالزائد على الغاصب؛ لأنه هو الذي ذبحها، أما لو أنه غصبها ثم أعطاها هذا الرجل وذبحها فهذا الرجل يضمن قيمتها على أنها حية.
طالب: شيخ، قلنا: الغاصب لو صبغ الثوب فإنه يكون شريكًا للمالك، لكن يا شيخ هذا الحديث «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1)، جعلنا له حقًّا؟
الشيخ: لا؛ لأن الغاصب الذي غصب الثوب قلنا: لك حق في الصبغ، الذي صبغ نقول: له حق في الصبغ؛ لأن الصبغ عين، وملكها باقٍ، لكن لو زاد الثوب بالصبغ قلنا: الزيادة لمالك الثوب، وليس لك حق في الزيادة، أما قيمة الصبغ لا بد أن أعطيه إياه.
هذا رجل غصب خشبًا ونجره بابًا، والمسامير من عنده، هل نقول: إن مالك الخشب يكون له الباب بمساميره؟
لا، المسامير للغاصب؛ لأنها ملكه، هذا مثله تمامًا، لأن الصبغ عين قائمة بنفسها، فتكون للغاصب، لكن كما قال المؤلف رحمه الله: من أَبَى قلع الصبغ فإنه لا يُجبر.
طالب: يا شيخ (
…
) يفعلوا جميعًا، الغاصب أم الآكل (
…
)؟
الشيخ: مالك الطعام هو بالخيار، مالك الطعام إن شاء ضمن الغاصب، وإن شاء ضمن الآكل، لكن إن كان الآكل عالمًا فقرار الضمان عليه، وإن كان غير عالم فقرار الضمان على الغاصب.
طالب: (
…
) الغاصب (
…
)؟
الشيخ: هذا عاد يرجع إلى ما يسمونه في عصرنا الحاضر الحق العام، وكلام الفقهاء رحمهم الله في الحقوق الخاصة، أما هذا الغاصب فلولي الأمر أن يؤدبه حتى لا يعتدي على الناس ويغصبهم.
طالب: يا شيخ، مثلًا إذا نجر بابًا (
…
) لصاحب الخشب (
…
) أصل الخشب (
…
) يعني صاحب المال قال: هذه المسامير؛ يعني (
…
) على الخشب (
…
).
الشيخ: لكن هذه المسامير زادت قيمة الخشب بها.
طالب: (
…
).
الشيخ: المسامير له، تثمن له.
***
الطالب: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الغصب:
وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ آجَرَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ وَيَبْرَأُ بِإِعَارَتِهِ وَمَا تَلِفَ أَوْ تَفيَّبَ مِنْ مَغْصُوبٍ مِثْلِيٍّ غَرِمَ مِثْلَهُ إِذن، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ يَوْمَ تَعَذُّرِهِ، وَيُضْمَنُ غَيْرُ المِثْلِيِّ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ، وَإِنْ تَخَمَّرَ عَصِيرٌ فَالمِثْلُ، فَإِنِ انْقَلَبَ خَلًّا دَفَعَهُ وَمَعَهُ نَقْصُ قِيمَتِهِ عَصِيرًا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أن جميع ما يحصل من نقص بيد الغاصب فهو مضمون عليه، وما حصل من زيادة فهو لمالكه، هذه القاعدة العامة، واستدللنا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
ثم ذكرنا أنه إذا خلط المغصوب بغيره فعلى قسمين؟
طالب: إما أن يكون مما يتميز، فإن كان مما يتميز أُجْبِر على تمييزه.
الشيخ: أُجبر على تخليصه، إذا خلطه بما يتميز أُجبر على تخليصه، ولو غرم أضعاف أضعاف القيمة، والقسم الثاني؟
طالب: إن كان مما لا يتميز.
الشيخ: القسم الثاني: أن يخلطه بما لا يتميز، فما الحكم؟
الطالب: فهذا يُنظر إن لم تنقص القيمة فهما شريكان بقدر ماليهما، وإن نقصت القيمة أو زادت فالنقص على الغاصب والزيادة لصاحبها.
الشيخ: يعني يشتركان في هذا، يشتركان في المخلوط على حسب ماليهما، فمثلًا الصاع بصاعين صاحب الصاع له الثلث، وصاحب الصاعين له الثلثان، ثم إن نقصت قيمة المغصوب ضمنها الغاصب، وإن زادت فللمالك.
مثال المخلوط بما يتميز؟
طالب: مثل أن يخلط حنطة بشعير.
الشيخ: مثل أن يخلط حنطة بشعير، فماذا يعمل؟
الطالب: يُجبر على التمييز.
الشيخ: يلقط الحنطة؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يلقطها؟
الطالب: نعم، يُجبر على تمييز الشعير.
الشيخ: إي، ما يتميز إلا بالتلقيط، يلقطها حبَّة حبَّة؟
الطالب: هو إما أن يقال: إنه (
…
).
الشيخ: أسأله إما أن يقال أو ما يقال، الكلام على كلام المؤلف اللي إحنا شرحنا.
طالب: (
…
).
الشيخ: يلقط حبَّة حبَّة، ولو كان وعاءً كبيرًا يبقى يومين، ثلاثة أيام.
الطالب: حتى ولو بقي.
الشيخ: ولو بقي، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأن الملك معين الآن، وثابت لصاحبه.
إذا كان لا يتميز، مثل أيش؟
طالب: كما لو غصب زيتًا وخلطه بزيت.
الشيخ: كخلط زيت بزيت، أو بدهن مثلًا؟
طالب: نعم، ولا يكونان شريكين فيه، ويضمن المغصوب النقص إن نقص.
الشيخ: فهنا لا يمكن التمييز؟
طالب: نعم.
الشيخ: يكونان شريكين؟
طالب: يكونان شريكين بقدر ماليهما.
الشيخ: مَثِّل؟
طالب: غصب صاعين من زيت بصاع، هنا إذا لم تزد القيمة ولم تنقص ..
الشيخ: فلمالك الزيت؟
طالب: فلمالك الزيت صاعان.
الشيخ: إي، يعني: ثلثان.
طالب: يعني ثلثان، وللغاصب الثلث، إن نقصت القيمة ..
الشيخ: وإن نقصت؟
طالب: يكون للمالك الثلثان، ويضمن الغاصب النقص.
الشيخ: صحيح، واضح؟
رجل باع أرضًا على شخص وهي مغصوبة، فطُلِب من المشتري أن يخلص الأرض، يرجع المشتري على مَن؟
طالب: على الغاصب.
الشيخ: على الذي باعها؟
الطالب: إي نعم، الغاصب اللي باعها.
الشيخ: على الذي باعها، يرجع عليه بالغرامة؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأن الغاصب غبنه.
الشيخ: لأنه غبنه، فإن علم أنها مستحقة للغير فهل يرجع أو لا يرجع؟
الطالب: لا يرجع.
الشيخ: لا يرجع؛ لأنه دخل على بصيرة.
غصب طعامًا فأطعمه مالكه؟
طالب: إذا اجتمع يا شيخ مسدد وضامن ..
الشيخ: إلى الآن ما وصلنا للتعليل، إنسان غصب طعامًا خبزًا وأطعمه مالكه، هل يضمن أو لا يضمن؟
طالب: يضمن (
…
) آكله.
الشيخ: الآكل مالكه.
طلبة: (
…
).
الشيخ: (
…
).
***
بسم الله الرحمن الرحيم، قال:(وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ) فإنه (لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ).
رجل غصب طعامًا كخبز ورز وغيره فأطعمه لمالكه، المالك أكله على أنه ملك الغاصب، فهنا نقول: إنه لا يبرأ -يعني: الغاصب- إلا إذا أعلمه، بأن قال: تفضل، أنا غصبت هذا المال منك، والآن أنا تائب فتفضل كُلْه. فإذا أكله برئ؛ لأنه علم.
كذلك لو رهنه إياه، استدان من المالك دينًا وأرهنه المغصوب، فإنه لا يبرأ، لماذا؟ لأن المرتهن داخل على أنه لا ضمان عليه، يده يد أمان، فلو تلف فإن الغاصب لا يضمن إلا إذا أعلمه بأن قال: إن الذي رهنتك هو مالك ..
طلبة: (
…
).
الشيخ: نعم، الغاصب.
طالب: فلو تلف.
الشيخ: إذا رهنه شيئًا فيده –أي: يد المرتهن- يد أمانة، إذا تلف بغير تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه، فإذا رهنه -أي: رهن المغصوب لمالكه- فإنه لا يبرأ لو تلف، إلا إذا علم مالكه أن هذا ملكه فإنه يبرأ الغاصب؛ لأنه الآن مكَّنه منه وسلَّطه عليه.
(أَوْ أَوْدَعَهُ)(إِيَّاهُ)، (أَوْدَعَهُ) أي: أودع المغصوب (إِيَّاهُ) أي: المالك أودعه إياه، يقول:(لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ)، والوديعة هي الاستحفاظ؛ يعني: استحفاظ المالك بأن تعطي الشخص مالًا يحفظه لك، ويُسمى عند الناس أمانة، وهو في الحقيقة وديعة، فإذا أودعه عنده فمن المعلوم أن المُودَع لا يضمن إلا إن تعدى أو فرط، فإذا أعلمه -أي: الغاصب- أن هذا ملكه برئ منه سواء تلف أم لم يتلف؛ لأنه إذا تلف فهو بيد مالكه، وأما إذا أودعه إياه ولم يعلم فإنه يضمنه إذا أودع الغاصب المال المغصوب لمالكه، ومالكه لم يعلم فالضمان على مَن؟ على الغاصب، حتى لو تلف تحت يد المُودَع بلا تعدٍّ ولا تفريط، فإن الغاصب يضمنه؛ لأنه معتدٍ، والمالك أخذه على أنه ملك لمن؟ للغاصب.
(أَوْ آجَرَهُ إِيَّاهُ) غصبه سيارة -مثلًا- وآجره إياها يومًا أو أكثر ولم يعلم، فالضمان لو حصل عليها تلف -ولو بلا تعدٍّ ولا تفريط- الضمان على الغاصب؛ لأن يده يد عدوان، و «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
يقول: (أَوْ آجَرَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ) يعني إلا أن يعلم مَن؟ المالك الذي أُودِع أو ارتهن أو أكل أو استأجر، فإذا علم، فمعلوم أن السلطة له على ماله والغاصب برئ.
قال: (وَيَبْرَأُ بِإِعَارَتِهِ)، (يَبْرَأُ) الفاعل الغاصب (بِإِعَارَتِهِ) يعود الضمير إلى المغصوب، لمن؟ إعارته لمن؟ لمالكه، يبرأ بإعارته لمالكه، مثال ذلك: رجل غصب كتابًا وأعاره مالكه، فهنا يبرأ، سواء علم المالك أم لم يعلم؛ وجه ذلك أنه إن علم أنه ملكه فقد تلف تحت يده، وإن لم يعلم فالمستعير ضامن بكل حال، فهو حتى وإن أخذه على أنه ملك للغاصب، فهو أيش؟ ضامن، ضامن بكل حال، وهذا مبني على أن المستعير ضامن بكل حال.
وقد سبق أن القول الراجح أن المستعير كغيره ممن يكون المال تحت يده بإذن من المالك أو إذن من الشارع، وأن يد المستعير يد أمانة، وعلى هذا لو تلف تحت يد مالكه في إعارة فالضمان على مَن؟ على الغاصب، إلا أن يعلم المالك أنه ملكه فيبرأ به، فكونه يبرأ بالإعارة وجهه أن المستعير ضامن بكل حال، وهنا نقول: إن أخذه المالك على أنه ملك للغاصب فهو مستعير، والمستعير ضامن، وإن أخذه عالمًا أنه ملكه فقد تم استيلاؤه عليه، فلا يضمن الغاصب، واضح؟
وعليه فيكون هذا مبني على القول بأن المستعير ضامن على كل حال سواء فرط أو تعدى أو لم يتعدَّ ولم يفرط، والصواب أنه كغيره من الأمناء؛ لأن المال حصل بيده أي بيد المستعير بإذن مِن، مِمَّن؟ من مالكه فإن تعدى أو فرط ضمن وإلا فلا.
قال: (وَمَا تَلِفَ أَوْ تَفيَّبَ مِنْ مَغْصُوبٍ مِثْلِيٍّ غَرِمَ مِثْلَهُ إِذن) أي: حين تلفه، (وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ يَوْمَ تَعَذُّرِهِ، وَيُضْمَنُ غَيْرُ المِثْلِيِّ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ).
المغصوبات تنقسم إلى قسمين:
مغصوب مثلي؛ يعني له مثيل، ومغصوب غير مثلي.
المغصوب المثلي يُضمن بمثله، وغير المثلي يُضمن بقيمته، فلننظر ما هو المثلي؟
المثلي ضيق جدًا على المذهب، هو كل مكيل أو موزون يصح السلم فيه، وليس فيه صناعة مباحة، هذا هو المثلي، كل مكيل أو موزون يصح السلم فيه، وليس فيه صناعة مباحة.
فخرج بقولنا: "كل مكيل أو موزون" ما عدا المكيل أو الموزون، وعلى هذا فتعتبر البهائم مثلية أو غير مثلية؟
طلبة: غير مثلية.
الشيخ: غير مثلية، وخرج بقولنا:"يصح السلم فيه" المكيل المخلط الذي لا يصح السلم فيه لعدم انضباط صفاته، فهذا ليس بمثلي حتى ولو كان مخلطًا على وجه دقيق، بأن يكون فيه مثلًا جرام من كذا، وجرام من كذا، وجرام من كذا، فإنه لا يُعتبر مثليًّا؛ لأنه لا يصح السلم فيه، وخرج بقولنا:"ليس فيه صناعة مباحة" ما كان مصنوعًا صناعة مباحة، فليس بمثليٍّ، فالأواني كلها ليست مثلية، لماذا؟ لأن فيها صناعة مباحة، وأواني الذهب والفضة؟
طلبة: مثلية.
الشيخ: لا، غير مثلية، الصناعة حرام ولّا حلال؟
طلبة: حرام، نعم تكون على كلامهم مثلية؛ لأن هذه الصناعة ليس لها قيمة، فنعود إلى أصل الذهب والفضة، وهو الوزن، ويصح هذا على المذهب، كل مكيل أو موزون يصح السلم فيه وليس فيه صناعة مباحة.
الفناجيل الموجودة الآن مثلية ولّا غير مثلية؟
طلبة: على المذهب غير مثلية.
الشيخ: إحنا على المذهب الآن، (
…
).
طلبة: غير مثلية.
الشيخ: غير مثلية، لماذا؟
طلبة: فيها صناعة مباحة.
الشيخ: لأن فيها صناعة مباحة، الأواني كلها -حتى ولو كانت طقمًا واحدًا وفي سنة واحدة- ليست مثلية؛ لأن فيها صناعة مباحة ..
وما تَلِفَ أو تَغَيَّبَ من مغصوبٍ مِثْلَيْ غُرْمِ مِثلِه إِذْنٌ، وإلا فقيمتُه يومَ تَعَذُّرِهِ، ويَضْمَنُ غيرَ المِثْلِيِّ بقيمتِهِ يومَ تَلَفِهِ، وإن تَخَمَّرَ عصيرٌ فالمِثْلُ، فإن انْقَلَبَ خَلًّا دَفَعَه ومعَه نَقْصُ قِيمتِه عَصِيرًا.
(فصلٌ)
وتَصَرُّفَاتُ الغاصِبِ الحُكْمِيَّةُ باطلةٌ، والقولُ في قِيمةِ التالِفِ أو قَدْرِه أو صِفَتِه قولُه، وفي رَدِّه وعَدَمِ عَيْبِه قولُ رَبِّه، وإن جَهِلَ ربَّه تَصَدَّقَ به عنه مَضمونًا، ومَن أَتْلَفَ مُحْتَرَمًا أو فَتَحَ قَفَصًا أو بابًا أو حَلَّ وِكاءً أو رِباطًا أو قَيْدًا ، فذَهَبَ ما فيه أو أَتْلَفَ شيئًا ونحوَه ضَمِنَه،
غير مثليَّة، الصناعة حرام ولَّا حلال؟
الطلبة: حرام.
الشيخ: حرام، إذن تكون على كلامهم مثلية؛ لأن هذه الصناعة ليس لها قيمة فنعود إلى أصل الذهب والفضة وهو الوزن ويصح هذا على المذهب كل مكيل أو موزون، أيش؟ يصح السلَّم فيه، وليس فيه صناعة مباحة.
الفناجين الموجودة الآن مثليَّة ولَّا غير مثلية؟ على المذهب؛ الآن نعرف المذهب قبل ..
الطلبة: غير مثلية.
الشيخ: غير مثلية؛ لماذا؟
الطلبة: لأنها مباحة.
الشيخ: لأن فيها صناعة مباحة.
الأواني كلها حتى ولو كانت طقمًا واحدًا، وفي سنة واحدة ليست مثلية؛ لأن فيها صناعة مباحة.
الأقلام؛ لو أنه غصب القلم وكسَّره نعم؛ ليس مثليًّا لماذا؟ لأن فيه صناعة مباحة، مع أن القلم صنف واحد وشكل واحد في اللون والحجم وكل شيء يقول: هذا ليس بمثليٍّ؛ لأن فيه صناعة مباحة.
ولكن القول الراجح في هذا أن المثليَّ ما له مثيل أو مشابه سواء كان مكيلًا أو موزونًا، مصنوعًا أو غير مصنوع، كل ماله مثيلٌ أو مشابه فإنه مثلي.
القاعدة الآن: المِثليُّ يُضمن بمثله، متفَق عليها ولا غير متفق؟ القاعدة هذه متفق عليها، المثلي يضمن بمثله، لكن ما هو المثلي؟
هنا يأتي الكلام؛ وعلى هذا فلو أن شخصًا كسر فنجانًا لشخص، فهل نلزمه أن يأتي بفنجان مثله لصاحب الفنجان الأول؟
على المذهب لا، له قيمة الفنجان، وعلى القول الراجح يلزمه أن يأتي بفنجان.
لو أنه ذبح شاة ثنية التي صفتها كذا وكذا في السِّمَن والهزال واللون، وعنده أي عند ذابح الشاة شاة مثلها تمامًا، هل يضمن الشاة بهذه الشاة أو بالقيمة؟
طالب: المذهب، لا.
الشيخ: المذهب يُلزِمه بالقيمة، والقول الراجح في المسألتين جميعًا في الفنجان، يضمن بفنجان وفي الشاة يضمن بشاة.
لو أن رجلًا أخذ خبزة إنسان وأكلها، بماذا يضمنها على المذهب وعلى القول الراجح؟
على المذهب بالقيمة؛ ليش؟ لأن فيها صناعة، وأيضًا هي غير مكيلة، وعلى القول الراجح: يضمنها بمثلها، فإذا كان رجلان واقفين عند الفرَّان، فقدَّم الفران الخبزة لفلان وأخذها ثم خطفها الثاني من يده وأكلها فكيف يضمن؟
على المذهب بالقيمة، وعلى القول الراجح يقول: انتظر حتى يعطيني خبزتي، وخذها وينتهي كل شيء.
فالقول الراجح هو هذا أن المثلي أيش؟ كل ما له مثل أو شبه، وسواء كان مكيلًا أو موزونًا أو حيوانًا أو جمادًا أو مصنوعًا أو غير مصنوع، ويدلُّ لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف إبلًا فرد مثلها ولم يرد القيمة.
وعلى المذهب لو استسلفت شاة من جارك تردُّ قيمتَها لا مثلها؛ لأنها غير مثلية ليست مكيلة ولا موزونة، ويدل لهذا أيضًا قصة الصحفة والطعام؛ حيث أرسلت إحدى أمهات المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا بصحفة مع رسول لها، فأتى الرسول بالطعام بالصحفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت إحدى نسائه، فغارت التي هو في بيتها، وضربت بيد الرسول حتى سقطت الصحفة وتكسَّرت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم صاحبة البيت أن تعطي هذه صحفتها وهو طعامها، وقال:«طَعَامٌ بِطَعَامٍ وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ» (1) وهذا دليل واضح، ثم -سبحان الله- أيُّما أدق أن يضمن الإنسان فنجانًا بفنجان أو صاعًا بصاع؟
الطلبة: الأول.
الشيخ: الأول، بلا شك؛ لأن المماثلة في الفنجان بالفنجان متطابقة تمامًا، والمماثلة بين صاع وصاع لا بد أن تختلف، لا بد أن يكون هناك زيادة يسيرة فصارت القاعدة، أولًا القاعدة ما هي؟
أن المثليَّ يضمَّن بمثله؛ لأن مطابقة المثلي لمثله أقوى من مطابقة القيمة للشيء، القيمة تقدير وتخمين، والمماثلة مماثلة، لكن يبقى النظر ما هو المثلي؟ المذهب عرفتموه وأنه ضيق، والصواب أنه أعمُّ مما قالوا، إذا قدَّرنا أنه أتلف مثليًّا ولكن تعذر المثلي؛ مثل غصبه في مُحَرَّم وأتلفه، وما زال له نظير في السوق، وفي ربيع مثلًا فُقِدَ من السوق، ثم في جمادى طالبه المالك أن يضمَّن، فماذا يضمن الآن؟
الطلبة: القيمة.
الشيخ: القيمة متى؟ وقت الضمان أو وقت التعذر؟ يقول المؤلف: (وإلَّا فقيمته يوم تعذره) ووجه هذا القول أنه لما تعذَّر ثبتت القيمة فلزمه الضمان بالقيمة وقت التعذر، ولو قيل: إن عليه الضمان بالقيمة وقت الاستيفاء منه لكان له وجه؛ وذلك أن الأصل ثبوت المثل في ذمته حتى يسلمه، هذا هو الأصل، وهو إذا تعذَّر فيما بين الإتلاف وبين الاستيفاء فقد لا يتعذر عند الاستيفاء، ربما يتعذر مثلًا في ربيع ولكن لا يتعذر في جمادى، لو قيل بهذا لكان أوجه وهو أن نضمنه المثل، فإن تعذَّر فقيمة المثل متى؟ وقت الضمان؛ لأن الأصل أن الذي ثبت في ذمة الغاصب هو المثل، والتعذر قد يكون في حين ولا يكون في حين آخر؛ فالصواب أنه يضمنه؛ يضمن المثلي إذا تعذر بقيمته وقت الضمان.
قال: (ويضمَّن غيرُ المثليِّ بقيمتِه يومَ تَلَفِه) غيرُ المثليِّ يضمنه بقيمته يوم تلفه؛ وذلك لأن غير المثلي تثبت القيمة من حين ما يغصبه من حين الغصب تثبت القيمة، وإذا كانت تثبت القيمة فإننا نقول: لو تلف هذا الذي ليس بمثلي فقيمته وقت التلف؛ لأنه قبل التلف لا يزال ملكًا لأيش؟ لصاحبه، فزيادته ونقصه على صاحبه، لكن المغصوب كما تعرفون اختلف العلماء هل يُضمَّن بنقص السعر أو لا؟ وسبق القول فيه.
قال: (وإن تخمَّر عصيرٌ فالمثل) إنسان غصب عصير عنب ثم تخمر، لما تخمَّر العصير زالت ماليته وصار الواجب إراقته، فيقول المؤلف: إنه إذا تخمَّر العصير ضمنه بالمثل أي: مثل أيش؟ مثل العصير لا مثل الخمر؛ وذلك لأن تخمره بمنزلة تلفه والعصير مثليٌّ؛ لأنه مكيل أو موزون؛ قال: (وإن تخمَّر عصير فالمثل) مثل أيش؟ مثل العصير؛ وذلك لأن تخمره بمنزلة التلف.
(فإن انقلبَ خَلًّا)(انقلب) يعني: بعد أن تخمر (انقلب خلًّا) يعني: زالت الشدة المسكرة فيه، (دفعه) أي: دفع الخل، (ومعه نقص قيمته عصيرًا)؛ لأنه إذا تخمَّر ثم تخلل، لا بد أن ينقُص فيضمن نقص قيمته عصيرًا؛ لأنه حصل النقص وهو في يد الغاصب.
وكونه يضمَّن النقص الآن نقص القيمة قد يكون مؤيدًا لما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ وهو ضمان نقص السعر، لكن هم يقولون: إن النقص هنا ليس لمجرد السعر، لكن لنقص العين، ما هو لنقص السعر؛ لأنه لو بقي خمرًا فهو على قيمته، لكن نقصت قيمته؛ لأنه تخمَّر ثم عاد فصار خلًّا فصار هذا النقص في الحقيقة ليس عائدًا لمجرد نقص السعر، ولكنه لنقص العين، معلوم هذا فاهمين الصورة الأخيرة؟
الطلبة: لا يا شيخ.
الشيخ: لا إله إلا الله، كما يقول العامة: نسقي بلا ماء؛ رجل غصب عصير عنب، أتعرفون عصير العنب أو ما تعرفونه؟ ثم تخمَّر لما تخمر صار تحول الآن من عين حلال إلى عين حرام، لكنه في نفس الوقت عاد خلًّا؛ لأنه قد يتخلل الخمر بنفسه، وإذا تخللت الخمرة بنفسها فهي حلال، الآن عاد إلى كونه عصيرًا، لكنه عصير متخلل من خمر، هل يَنْقُص أو لا ينقص؟ ينقص طبعًا؛ لأنك لو أتيت بهذا الإناء الذي تخلل بعد التخمر وإناء مثله عصير لكانت قيمة الإناء العصير أكثر بلا شك، يقول المؤلف: يدفعه يعني الغاصب يدفع هذا الخمر الذي تخلل؛ لماذا؟ لأنه عين ملكه عين ملك صاحبه، فيدفعه المالك يقول: نقصت عينه غصبه عصيرًا يساوي مئة الآن، ما يساوي إلا ثمانين، هل يضمن النقص أو لا؟
الطلبة: يضمَّن.
الشيخ: يضمَّن النقص؛ ولهذا قال: (ومعه نقصُ قيمته عصيرًا) يعني: نقص قيمته عن كونه عصيرًا، واضح الآن، ولَّا ما هو بواضح؟
الطلبة: واضح.
الشيخ: الحمد لله، قلنا: هل يمكن أن يقال: إن هذا شاهد لما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية من أن نقص السعر مضمون على الغاصب؟
نعم قلنا: لا يمكن، لماذا؟ لأن نقص السعر هنا لنقص العين، ليس للقيمة، بل لنقص العين، فلا يكون فيه رَدٌّ على من قالوا: إن النقص بالسعر لا يضمن، ولكن سبق لنا أننا فصَّلْنا في هذا، وأنه إن قَصَد تأخير تسليمه حتى يزول الموسم وينقص السعر فعليه الضمان وإلا فلا، ثم قال المؤلف رحمه الله:(فصل: وتصرفاتُ الغاصبِ الحُكْمِيَّةُ باطلة) تصرفات الغاصب الحكمية.
تصرفات الغاصب تنقسم إلى قسمين حُكْمِيَّة وغير حكمية، الحكمية هي التي توصف بالحكم صحة أو فسادًا، هذه الحكمية، البيع منه صحيح وفاسد، الإجارة منها صحيح وفاسد، الوقف منه صحيح وفاسد، الرهن منه صحيح وفاسد، جميع التصرفات الحكمية التي يلحقها حكم بالصحة أو الفساد تعتبر بقول المؤلف باطلة، فبيع الغاصب للمغصوب باطل، تأجيره للمغصوب باطل، ويظهر ذلك فيما لو غصب دارًا وآجرها شخصًا بعشرة آلاف ريال، ثم مَنَّ الله عليه بالتوبة ورَدِّ الدار إلى مالكها، فهل تأجيره هذا صحيح أو باطل؟ فهذا باطل، لو قلنا: إنه صحيح، لكان لمالك البيت الأجرة التي تم العقد عليها، كم هي؟
الطلبة: عشرة آلاف.
الشيخ: عشرة آلاف، وإذا قلنا: غير صحيح. فإنه يضمَّن -أي الغاصب- الأجرة، فإذا قدَّرْنا أنه يؤجر باثني عشر ألفًا فإنه يضمن الغاصب العشرة والألفين؛ لأن العقد الأول غير صحيح، ولو قلنا: إنه صحيح لم يلزمه إلا عشرة.
رجل غصب بيتًا وآجره بعشرة آلاف ريال، الإجارة تنقسم إلى صحيحة وفاسدة ثم مَنَّ الله عليه واهتدى وردَّ البيت إلى مالكه، وقد أخذ عشرة آلاف، الأجرة هل نقول: نمضي هذه الأجرة ونقول لمالك البيت: خذ عشرة آلاف؟ لأن الإجارة باطلة، إذن ما الذي يجب؟
يجب الأجرة، يقدِّر البيت بالأجرة قالوا: الأجرة باثنا عشر ألفًا نأخذ عشرة من المستأجر ونطلب من الغاصب كم؟ ألفين؛ لأن عقد الإجارة صار غير صحيح وهي باطلة، ويجب أن يُضمن لصاحب البيت الأجرة المعتادة. لو قلنا: إن الإجارة صحيحة، كم يلزم؟
الطلبة: عشرة آلاف.
الشيخ: عشرة آلاف فقط، لكن الإجارة فاسدة، أما المستأجر الذي أخذها بعشرة آلاف، والبيت يساوي اثني عشر ألفًا، هل نضمنه اثني عشر ألفًا أو عشرة؟
طلبة: عشرة.
الشيخ: خطأ.
طالب: فيه التفصيل.
الشيخ: فيه التفصيل؛ إن كان عالمًا بأنه مغصوب نضمنه بكم؟
الطلبة: باثني عشر.
الشيخ: باثني عشر إن كان غير عالم نضمنه عشرة (
…
).
طالب: لو غَصَب آلةَ صانع وردَّها إليه بعد فترة، وكان العامل الصانع منع العمل في هذه الفترة من أجل غصب الآلة، فهل يضمن ما كان يكسبه الصانع في هذه المدة؟
الشيخ: لا، يضمن الأجرة، أجرة الماكينة هذه.
الطالب: لكن يقول الصانع: إنه منع العمل بسبب الغصب.
الشيخ: من؟
الطالب: الصانع.
الشيخ: هو منع الصانع ولَّا غصب الآلة؟
الطالب: غصب الآلة التي يعمل بها.
الشيخ: ما عليه منه.
طالب: شيخ، ليس فيه صناعة مباحة.
الشيخ: ليس فيه صناعة مباحة، الحلي صناعة مباحة ولَّا غير مباحة للنساء؟
طالب: مباحة.
الشيخ: مباحة، هذا ليس بمثلي؛ لأن فيه صناعة مباحة، آنية الذهب صناعة غير مباحة، هذا مثلي لكن لا يضمنه بآنية، أفهمت؟
يعني: مثلًا إنسان غصب حليَّ امرأة مباحًا، وأتلفه نقول: عليك أيش؟
طالب: إذا كان فيه صناعة مباحة؟
الشيخ: إي، حلي، مباحة.
طالب: القيمة يا شيخ.
الشيخ: عليه القيمة. ورجل آخر غصب إناء من ذهب وأتلفه؟
الطالب: عليه المثل.
الشيخ: المثل، ويش المثل؟
الطالب: يعني: (
…
).
الشيخ: يعني: إناء من ذهب يجوز الإناء من الذهب؟
الطالب: لا يجوز.
الشيخ: أيش نعمل؟
نقول: كم وزن هذا الإناء من الذهب؟ قالوا: وزنه مثلًا ثلاثين غرامًا نعطيه ثلاثين غرامًا من الذهب فإذا قال مالك الإناء: الإناء مصنوع، وأنا أريد قيمة المصنوع، قلنا: هذه الصناعة صناعة محرمة ليس لها قيمة شرعًا فنعطيك ذهبًا غير مصنوع، واضح ولَّا لا؟
طالب: (
…
) الغاصب تصرفاته الحكمية باطلة إذا غصب بيتًا مثلًا وأَجَّره مثلًا بعشرين ألف، وأجرة المثل عشرة آلاف، ثم قبض قيمته، المستأجر ماذا يدفع (
…
)؟
الشيخ: (
…
) أمثلك يجهل هذا؟
طالب: قيمة المثل يا شيخ، عشرة آلاف.
الشيخ: إي نعم، يعني: قيمة المثل أنقص مما آجره به، أمثلك يجهل هذا؟ ألم يتقدمنا إِنَّ كَسْبَ المغصوب ونماءه لمن؟ للمالك.
طالب: (
…
) المغصوب الغاصب.
الشيخ: سيأتينا إن شاء الله.
طالب: قول (
…
) هل على المالك أن يقبلها أو له أن يقبلها وله أن يردها ويأخذ عين عصيره؟
الشيخ: سمعتك، كلام المؤلف واضح.
الطالب: (
…
) قبوله.
الشيخ: يقول: يرده يا رجل نقص القيمة.
الطالب: بنقص القيمة، هل يلزم بهذا؟
الشيخ: من الذي يلزم؟
الطالب: المالك.
الشيخ: إي يلزم (
…
).
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
فصل
وتصرفات الغاصب الحكمية باطلة، والقول في قيمة التالف أو قدره أو صفته قوله، وفي رده وعدم عيبه قول ربه، وإن جهل ربه تصدق به عنه مضمونا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين سبق لنا.
(وما تلف أو تعيَّب من مغصوب) إنها نسختان (تعيَّب) و (تغيَّب) لكن الشارح حلها على أنها (تغيَّب) بالْغَيْنِ، ومراده تغيب غيبة لا يمكن الحصول عليها؛ لأنه إذا تغيب غيبة لا يمكن الحصول عليه فكأنما تلف، فتصحح النسخ إلى تغيب.
قال المؤلف رحمه الله: (فصل: وتصرفات الغاصب الحكمية باطلة)(تصرفات) مبتدأ و (الحكمية) نعت لـ (تصرفات).
(الحكمية) يعني التي يلحقها حكم من صحة أو فساد؛ لأن تصرفات الغاصب من حيث الحكم التكليفي كلها حرام من حيث الحكم الوضعي، وهو الحكم بالصحة والفساد، ما كان له حكم من صحة أو فساد فإن تصرفات الغاصب فيه باطلة، يعني أن وجودها كالعدم؛ فمثلًا إذا غصب ثوبًا فباعه، الغصب حكمه حرام البيع حرام، هل هو صحيح أو فاسد؟ ننظر؛ هل البيوع منها صحيح وفاسد؟
الجواب: نعم، منها صحيح وفاسد، وعلى هذا فيكون هذا البيع باطلًا، لا ينتقل به الملك إلى المشتري؛ لأن من شرط البيع أن يكون من مالك أو من يقوم مقامه، والغاصب لا يقوم مقام المالك.
وفُهِمَ من قوله: (الحكمية) أن غير الحكمية لا يُحكم لها بصحة أو فساد، فلو غصب ماءً فأزال به نجاسة، فهل نقول: إن الإزالة غير صحيحة؟
الجواب: لا؛ لأن إزالة النجاسة لا يقال: صحيحة وفاسدة، وعلى هذا فلو غصب ماء فأزال به نجاسة على ثوبه طهر الثوب؛ لماذا؟ لأن إزالة النجاسة ليس له حكم بالصحة ولا بالفساد.
لو غصب ماء فتوضأ به فهل يصح وضوؤه؟ ننظر هل الوضوء ينقسم إلى فاسد وصحيح؟
الجواب: نعم، إذن لا يصح وضوؤه بالماء المغصوب؛ لأنه تصرفٌ حكمي، أي: يلحقه الصحة والفساد. فصار الضابط الآن تصرفات الغاصب من حيث الحكم التكليفي حرام مطلقًا، من حيث الصحة والنفوذ تنقسم إلى قسمين؛ ما له حكم من صحة أو فساد يكون تصرفُّ الغاصب به باطلًا، وما ليس له حكمُ تصرفٍ فيه نافذًا؛ المثال: رجل غصب ماءً فأزال به نجاسة على ثوبه، فهل يطهر الثوب؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأنه لا يقال: إزالة النجاسة قسمان صحيحة وفاسدة. وآخر غصب الماء وتوضأ به نقول: وضوؤه ليس بصحيح، لماذا؟ لأن الوضوء ينقسم إلى صحيح وفاسد.
مثال آخر: رجل غصب ثوبًا فباعه، حكم البيع فاسد، لماذا؟ لأنه من التصرفات الحكمية التي يلحقها الصحة والفساد. هذا هو الضابط.
وظاهر كلام المؤلف أن تصرفات الغاصب الحكمية باطلة سواء أجازه المالك أم لم يجزه، وسواء تضرر الغاصب وغيره بذلك أم لا.
ولننظر فالقول الراجح في هذه المسألة خلاف ظاهر المؤلف، وهو أنه إذا أجازه المالك فالتصرف صحيح؛ لأن تحريم التصرف لحق الغير لا لحق له، فإذا أجازه صاحب الحق زال المانع، وعلى هذا فإذا قيل للمالك: إن الغاصب قد باع ثوبك، فقال: أنا أجزته. فالبيع صحيح، والمشتري يملك الثوب، أما إذا لم يجزه فإن البيع لا يصح، ويجب على المشتري ردُّ الثوب وأخذ ثمنه الذي بذله فيه؛ لأن التصرف غير صحيح.
الآن فهمنا ظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح سواء أجازه المالك أم لا، والصحيح أنه إذا أجازه فهو صحيح نافذ؛ لأن تحريم التصرف فيه في حق الغير، فإذا أسقط حقه سقط.
القول الثاني في هذه المسألة يقول: إن كانت التصرفات يسيرة؛ مثل أن باعه على شخص ثم اطلع عليه المالك وطالب به فهو له ويأخذه من المشتري، أما إذا صَعُبَ وتعسَّر أو تعذر، مثل أن باعه الغاصب على واحد، والواحد على آخر، وهكذا تناقل الناس هذا المغصوب، فإن التصرفات صحيحة، بناء على الحرج والمشقة التي تلحق فيما لو حكمنا ببطلان التصرف؛ لأن فيه مشقة، وأيضًا ربما يكون المغصوب بعيرًا غصبه الغاصب وباعه على شخص وولدت البعير وكثُر نسلها، فكيف نقول: إنه باطل مع العسر والمشقة العظيمة؟ !
المخرج من هذه المشقة أن يجيزه المالك؛ إذا أجازه المالك على القول الراجح صح البيع وانتهى كل شيء، لكن إذا لم يجزه فالمذهب لا بد أن يرد إلى مالكه مهما كانت الظروف، والقول الثاني أنه مع العسر والمشقة يُحكَم بالصحة للضرورة، ويقال لمالكه: لك مثل بعيرك إذا قلنا بأن الحيوان مثلي أو قيمته إذا قلنا: إن الحيوان ليس بمثلي.
ظاهر كلام المؤلف: أن الغاصب لو ذكَّى الشاة التي غصبها صارت حرامًا؛ لأن التذكية تنقسم إلى صحيحة وفاسدة، فتكون تذكية الغاصب غير مبيحة للمذكاة.
القول الثاني في أصل المسألة أن تصرفات الغاصب صحيحة، وهي رواية عن أحمد رحمه الله رواية مطلقة أن تصرفاته صحيحة، ولكن للمالك أن يستردها؛ فمثلًا إذا ذكى الشاة، فالتذكية على هذه الرواية صحيحة والشاة لمن؟ لمالكها ترجع لمالكها وإذا طالب بالمثل وقلنا: إنها مثلية ضمنها بمثلها، وإذا قلنا: إنها متقومة وطالب بمثلها حية، وقال: إن قيمتها حية أكثر من قيمتها لحما أعطيناه الفرق أو أعطيناه القيمة كاملة واللحم يكون للغاصب.
كذلك أيضًا لو توضأ بماء مغصوب فعلى هذه الرواية التي هي خلاف المذهب الوضوء صحيح وهو الصحيح أن الوضوء صحيح؛ لأن هذا التصرف لا يختص بالوضوء؛ إذ إن تصرف الغاصب بالمغصوب يشمل الوضوء وغير الوضوء، فالغاصب لم يُنه عن الوضوء، لم يُقل له: لا تتوضأ من الماء المغصوب، بل قيل له: لا تتصرف بالماء المغصوب، ولما لم يكن النهي خاصًّا بل كان عامًّا صارت العبادة صحيحة، هذا هو القول الراجح، ويدلُّ لهذا الغِيبة على الصائم حرام ولا حلال؟
الطلبة: حرام.
الشيخ: والأكل؟
الطلبة: حرام.
الشيخ: حرام، لو أكل فسد صومه، لو اغتاب لم يفسد؛ لماذا؟ لأن الأكل حرام على الصائم بخصوصه، والغِيبة ليست حرامًا على الصائم بخصوصها، عليه وعلى غيره، فتبين بهذا الفرق الواضح بين العموم والخصوص.
إذن خلاصة القول الراجح: تصرفات الغاصب أيش؟ صحيحة، أما إن أجازها المالك فهذا أمر واضح مثل الشمس، وأما إذا لم يجزها.
فالصحيح أيضًا صحتها، لكن إذا كان عين ماله باقيًا أي عين المالك باقيًا؛ فله أن يسترده ويقول: هذا عين مالي، وأنت أيها المشتري اذهب إلى الغاصب ومالي أريده.
ثم قال: (والقول في قيمة التالف، أو قدره، أو صفته قوله). أي: قول الغاصب.
(القول في قيمة التالف) يعني: لو غصب شيئًا فتلف -وكان متقومًا- فقال المالك: قيمته ألف، وقال الغاصب: قيمته خمس مئة، مَنِ القول قوله؟
الطلبة: الغاصب.
الشيخ: قول الغاصب، لماذا؟
إن شئت فقل: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (2) والآن الغاصب والمالك اتفقا على أن القيمة خمس مئة وادعى المالك الزيادة، فيكون المالك مدعيًا، والبينة على من؟ على المدعي واليمين على من أنكر، ومن هذا الحديث أخذ العلماء القاعدة التي ذكرناها لكم، وهي أن كل غارم فالقول قوله.
لكن كل من قلنا: القول قوله -وهو يتعلق بحق الآدميين- فإنه لا بد من اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، أما الذي يتعلق بحق الله فالقول قول المنكِر بلا يمين، فلو قال المحتسِب: يعني: الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لصاحب المال: أدِّ الزكاة، فقال: والله أنا زكيت مالي، فقال المحتسب: لا، الزكاة باقية عليك قال: أبدًا ما بقيت؛ فالقول قول مَنْ؟ المالك، بيمين أو بغير يمين؟
الطلبة: بغير يمين.
الشيخ: بغير يمين، ولو قيل له: صَلِّ، قال: صليَّتُ، لا يجوز أن نحلِّفَه، ولا يَلْزمه اليمين، لو قلنا: احلف، قال: ما أنا بحالف، لَكُنَّا نحن الآثمين؛ الذين نأمره باليمين هذا شيء بينه وبين ربه، والناس مؤتمنون على أديانهم، لكن بما يتعلق بحق الآدميين؛ المنكِر لا بد من اليمين على إنكاره (
…
).
طالب: المساجد (
…
) أحدًا (
…
) المساجد، هل لنا أن نلزمه أو نحلفه أو نسكت عنه؟
الشيخ: لا، أبدًا نسكت عنه إذا قال: صلى؛ صلى، نعم إذا قلنا: صلِّ مع الجماعة، وقال: صليت مع الجماعة وهو لم يُصلِّ، نقول: نسأله في أي مسجد؟ حتى لو قال: صليت في أي مسجد ما نقول: عيِّن، لكن لكل مقام مقال، بعض الناس يقف على ظني أنه لم يصل مع الجماعة وبعض الناس لا.
طالب: (
…
) أن الراجح (
…
) فعل الغاصب أشكل عليَّ أنه قلنا في بداية شروط البيع أنه لا بد أن يكون البائع مالكًا أو من ينوب منابه، كيف صححنا؟
الشيخ: إي على هذا الرأي الغاصب مستثنى.
طالب: هل إذا قُذف الإنسان فهل يُطالب بالإنكار ثم بالحلف؟
الشيخ: كيف يُطالب بالإنكار؟ يُقال للقاذف: إما أن تقيم بينة على قذفك فلانًا وإلا فثمانون جلدة.
الطالب: هل يطالب بالإنكار المقذوف؟
الشيخ: كيف يطالب؟
الطالب: يعني: يقال: أنكر بأنه وقع منك هذا الذي قُذفت به.
الشيخ: إذا كان المقذوف قد زنى، ما يجوز يُنكر؛ لأنه إذا أنكر جلد هذا.
الطالب: هل يطلب منه ابتداء أو لا يطلب أبدًا؟
الشيخ: أيش؟
الطالب: هل يطالب بهذا الإنكار أو لا يطالب أصلًا؟
الشيخ: من؟
الطالب: المقذوف.
الشيخ: إذا علم المقذوف أنه زان ما يجوز ينكر فضلًا عن أن يقال له: أنكرْ.
طالب: بارك الله فيك (
…
).
الشيخ: (
…
).
الطالب: (
…
).
الشيخ: في أيش؟
الطالب: تصرفات الغاصب، ما قولكم؟
الشيخ: هو على كل حال تحتاج إلى القاضي، وأنا قلت لكم: إذا وَجد المالك عين ماله فله أن يأخذه ويقول للمشتري أو المستأجر: ارجع إلى الغاصب.
طالب: ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في المسألة وهي في الحقيقة أن لها وجهة أخرى وهو قرينة العدالة في المنكِر والمدَّعي.
الشيخ: منكر إيه؟
الطالب: المنكر الحق يعني قرينة العدالة يخاصمه اثنان؛ واحد صاحب عدالة، وواحد صاحب فسوق.
الشيخ: ما قال شيخ الإسلام؟
الطالب: قال إيه؟
الشيخ: لو ادعى مسلم على كافر، وأنكر الكافر ما حكمنا للمسلم.
الطالب: أذكر، مرت علينا.
الشيخ: دور وأعطيني إياها، لعلها في غير هذا، في غير المسألة هذه لعلها فيمن قُتِلَ للدفاع عن النفس وادعى أولياء المقتول أنه غير صائل، وكان القاتل الذي ادعى الصولة معروف بالصلاح والخير وكان الصائل المقتول معروف بالشر والفساد لعلك ذهب وهمك إلى هذا.
الطالب: الله أعلم يا شيخ، أتأكد هذا.
الشيخ: تعمله وتعطيني إياه جزاك الله خيرًا.
***
طالب: (
…
) نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الغصب:
(والقولُ فِي قيمة التالف أو قدره أو صفته قولُه. وفي ردِّه وعدم عيبه قول ربه، وإن جهل ربَّه تصدق به عنه مضمونًا.
ومن أتلف محترمًا أو فتح قفصًا أو بابًا أو حلَّ وكاء أو رباطًا أو قيدًا فذهب ما فيه أو أتلف شيئًا ونحوه ضمنه، وإن ربط دابة بطريق ضيق فعثر به إنسان ضَمِنَ).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، ما حكم تصرفات الغاصب في الحكم التكليفي والحكم الوضعي؟
طالب: في الحكم التكليفي التصرفات الحكمية باطلة.
الشيخ: في الحكم التكليفي؟
الطالب: صحيحة.
الشيخ: إي.
طالب: تصرفاته حرام.
الشيخ: حرام، تصرفاته حرام؛ لأنه تصرف في غير ملكه؛ يعني: ليس له حق التصرف لا بملك ولا بالولاية، تصرفاتُه الوضعية؟
طالب: فيها تفصيل؛ إن كان مما يُحكَم فيه بصحة وفساد.
الشيخ: إن كان مما يحكم فيه بصحة وفساد فهي فاسدة وإلَّا ..
الطالب: فهي صحيحة.
الشيخ: وإلا فهي صحيحة.
توافقه على هذا ولَّا لا؟ توافقه؛ أيش قال؟
طالب: إذا كانت (
…
) بالصحة والفساد فهي فاسدة.
الشيخ: إذا كانت مما يلحقه الحكم بالصحة والفساد وإلَّا ..
طالب: فهي صحيحة.
الشيخ: مثلٌ للأول؟
الطالب: كالبيع.
الشيخ: البيع؛ يعني؟
الطالب: إذا غصب ثوبًا وباعه فلا يصح البيع.
الشيخ: فإذا غصب ثوبًا وباعه فالبيع غير صحيح، هل ينتقل الملك إلى المشتري أو لا؟
الطالب: لا ينتقل.
الشيخ: لا ينتقل؛ مثال تصرفات الغاصب غير الحكمية؟
طالب: الرهن.
الشيخ: لا، الرهن ما فيه صحيح وفاسد؟
الطالب: فيه.
الشيخ: إذن لا يصح التمثيل به.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا.
طالب: إذا غصب طعامًا وأكله.
الشيخ: إي، صحيح، ماذا نقول: هل نقول: هذا الأكل صحيح ولَّا باطل؟
الطالب: ما فيه باطل وغير باطل.
الشيخ: يعني: ما فيه فاسد وغير فاسد، صحيح، مثال آخر؟
طالب: إزالة النجاسة، غصب ماء وأزال به النجاسة ..
الشيخ: مثل أن يغصب ماء فيزيل به النجاسة، فالثوب يطهر كذا؟ ثم إنا ذكرنا أن المسألة فيها رواية أخرى عن أحمد ..
طالب: صلاة الغاصب صحيحة.
الشيخ: أنها صحيحة، وبناء على ذلك لو توضأ بماء مغصوب.
الطالب: فالوضوء صحيح.
الشيخ: فالوضوء صحيح، وعليه لصاحبه قيمة الماء أو مثله، فيه قول ثالث وهو أصح؟
طالب: إن كان في حقه مشقة (
…
) قلنا له بأن البيع هذا التصرف صحيح ليس بفاسد ..
الشيخ: للضرورة يعني: إذا كان يشق أن تُبطل تصرفات الغاصب لكون المغصوب، انتقل من شخص لشخص وما أشبه ذلك، فهنا يُحكم بالصحة للضرورة، في قول رابع؟
طالب: قول ثالث.
الشيخ: لا، تكلم قول رابع، ولعله أحسنه.
طالب: قلنا: إن تصرفات الغاصب صحيحة، إن أجازها المالك وإذا لم يجزها.
الشيخ: أنه إذا أجازها المالك.
الطالب: فهي صحيحة.
الشيخ: فهي صحيحة، وإذا لم يجزها فهي باطلة، فلو غصب شاة فباعها فجاء مالكها فله أن يبطل البيع ويأخذ الشاة، ولكن على من يرجع المشتري بالثمن؟
الطلبة: على الغاصب.
الشيخ: يرجع على الغاصب؛ لأن قرار الضمان عليه، الصحيح أن أصح الأربعة هو إما أن يُوقف على إجازة المالك أو يقال: إنه إذا كان يلحق بذلك مشقة، فإنا نمضي التصرف للضرورة.
قال: (والقول في قيمة التالف أو قَدْرِه أو صفته قولُه)(القول في قيمة التالف) يعني؛ لو غصب شيئًا فتلف؛ غصب مأكولًا فأكله، أو ملبوسًا فأبلاه، أو حيوانًا فهلك ثم اختلفا المالك والغاصب في قيمة التالف فالقول قول الغاصب؛ مثاله غصب شاة وهلكت؛ ماتت فأراد أن يضمنها لصاحبها فقال صاحبها: قيمتها مئة، وقال الغاصب: بل ثمانون، فالقول قول الغاصب، الدليل لذلك؛ قول النبي صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (2) فهنا القيمة التي قدرها ثمانون متفق عليها، أليس كذلك؟ رب الشاة يقول: قيمتها ثمانون. والغاصب يقول: قيمتها ثمانون، العشرون الزائدة هذه بها مدع ومنكر، مَن المدعي؟ المالك، والمنكر الغاصب فنقول للمالك: ائت ببينة على أن قيمتها مئة وإلا فلك يمين الغاصب، هذا دليل من السنة، هذه السنة بنى عليها العلماء رحمهم الله قاعدة؛ وهي أن القول قول الغارم؛ ولهذا تجدون في كتب الفقهاء تعاليل كثيرة القول قوله؛ لأنه غارم وهذا التعليل مأخوذ من الحديث الذي سمعتم.
القول في قَدْرِه قول الغاصب؛ فرجل غصب شاة وتلفت ثم جاء صاحبها وقال: إنك غصبت شاتين أو شاة وولدها، فقال: بل غصبت واحدة لا ولد معها.
فالقول قول مَنْ؟
طالب: الغاصب.
الشيخ: ماذا قلت؟
الطالب: لو اختلفا في القدر فإن القول قول الغاصب.
الشيخ: لكن بماذا مثلت؟
الطالب: إذا قال: غصبت شاة (
…
) الغاصب.
الشيخ: أو شاتين فالقول قول الغاصب الدليل «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» .
ومن التعليل؛ أن الغاصب غارم وكل غارم فإنه يُقبَل قوله فيما غرم ولكن لاحظوا أن كل من قلنا القول قوله، فإنه لا بد من اليمين فيما يتعلق بحقوق العباد، أما حق الرب عز وجل فإن الإنسان لا يُحلَّف لو قيل له: صلِّ. قال: صليت، لا يجوز أن نحلفه، قيل له: أدِّ زكاة مالك. قال: أديتها. لا يجوز أن نحلفه، هذا شيء بينه وبين ربه.
(أو صفته) صفة أيش؟ صفة المغصوب القول قوله، فإذا غصب من شخص شاة، وتلفت، فقال مالكها: إنها سمينة لبون بمعنى؟
الطلبة: ذات لبن.
الشيخ: ذات لبن، فقال الغاصب: بل هزيلة لا لبن فيها، فالقول قول الغاصب، والدليل والتعليل كما عرفتم.
(وفي ردِّه وعدم عيبه قول ربه) يعني: إذا اختلف الغاصب والمالك؛ فقال للغاصب: إني رددته عليك، وقال المالك: لم ترده، فهنا قد اتفقا على شيء وادعى أحدهما خلاف ما اتفقا عليه، اتفقا على أن العين كانت عند الغاصب، ثم ادعى الغاصب أنه ردَّها، وهذه دعوى فوق ما اتفقا عليه، فنقول: القول قول المالك، الدليل:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فالطرفان متفقان على أن العين المغصوبة كانت عند الغاصب، ثم ادَّعى الغاصب أنه ردَّها فنقول: عليك البينة، وإلا فيحلف المالك ويُحْكَم له بها، هذا من حيث الدليل.
من حيث التعليل؛ نقول: الأصل عدم الرد، ما دام الغاصب قد أقرَّ أنها عنده وأنه غصبها فالأصل عدم الرد، وهذا يقاس على قول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ وَجَدَ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ، أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؛ فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» (3) فإن هذا الحديث أصل في بناء الأمور على ما كانت عليه، كذلك أيضًا.
(في ردِّه وعدم عيبه قولُ ربِّه) هنا يجب أن ننظر بعض الشيء؛ غصب شاة فتلفت فأراد أن يضمنها بقيمتها، لكنه -أي: الغاصب- قال: إنها معيبة، إنها تعرج وعرجها بَيِّن، وقال المالك: بل هي سليمة؛ ومعلوم أن السليمة أغلى من المعيبة، فهنا مَن القول قوله؟
تعارَضَ في الحقيقة أصلان، أو أصل وظاهر، الأصل الأول السلامة، وإذا أخذنا بهذا الأصل قلنا: القول قول المالك؛ لأن الأصل السلامة وعدم العيب، وتعارض أصل آخر وهو الغرم؛ لأن الغاصب -إذا قلنا: إنها سليمة- فسوف يَغرم زيادة على ما أقر به؛ أليس كذلك؟
الطلبة: بلى.
الشيخ: لأنها إذا كانت معيبة سيغرم -مثلًا- ثمانين ريالًا، وإذا كانت سليمة سيغرم مئة، الآن زاد الغرم عليه، والأصل أن الغارم يُقبَل قوله.
فهل نقول: إن القول قول الغاصب؛ لأنه غارم، أو نقول: إن القول قول المالك؛ لأن الأصل السلامة؟
نقول: القول قول المالك؛ لأن الأصل السلامة، وهذا الأصل متقدم على الأصل الثاني؛ لأن العيب حادث على السلامة فقُدم هذا الأصل على أصل الغرم، وهذه في الحقيقة قاعدة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها، أحيانًا يتعارض الأصل والظاهر، وأحيانًا يتعارض أصلان فيُقَدَّم بعضهما على بعض حسب ما تقتضيه الشريعة، وحسب ما تقتضيه قرائن الأحوال؛ لهذا -مثلًا- لو أن امرأة فارقت زوجها وأمسكت بيدها بالدلة؛ دلة القهوة -وقهوة البُنِّ يشربها غالبًا الرجال- وادعت أن الدلة لها، والزوج يقول: لي.
فعندنا أصل وظاهر، ما هو الأصل؟ الأصل أن ما بيد الإنسان فهو له، وعندنا ظاهر؛ أن ظاهر الحال أن هذا الدلة لمن؟
طالب: للرجال.
الشيخ: للرجال، فأيهما نقدم؟ ينظر الإنسان إذا كان الظاهر قويًّا أقوى من الأصل قدمنا الظاهر.
(وفي ردِّه وعدم عيبِه قولُ ربه) هذا النزاع الذي ذكره المؤلف وقال: قول الغاصب، أو القول قول ربه، من الذي يُحْكَم به؟ يوجه هذا إلى القاضي، أو إلى رجلٍ حُكِّم؛ أي حَكّمه الغاصب ورب المال، فيعطى هذه القواعد.
قال: (وإن جهل رَبَّهُ تَصَدَّقَ به عنه مضمونًا).
(إن جَهِلَ) الفاعل الغاصب (ربه) أي: رب المغصوب، أي: صاحبه، إذا جهل صاحبه، بأن يكون قد غصب هذا الشيء من زمان قديم ونسي، أو غصب شيئًا من عند باب المسجد، أخذ نعلًا ومشى به، أو أخذه من شخص معين لكنه لا يعرفه، المهم إذا جهل مَن ربه يقول المؤلف:(تصدق به عنه مضمونًا)، وهنا طريقان:
الطريق الأول: أن يدفعه إلى الحاكم -أي: إلى القاضي- فيبرأ منه بلا نزاع، يعني: لم ينازع أحد من العلماء في ذلك أنه إذا جهل ربه يعطيه الحاكم، والحاكم يتصرف فيه، وهذا لا شك أنه أسهل على الإنسان.
لكن أحيانًا لا يكون الحاكم ثقة، اسمعوا إلى ما قال الإمام أحمد رحمه الله قال: أما حكامنا هؤلاء فلا أرى أن يُدْفَع إليهم شيئًا.
ومات الإمام أحمد في القرن الثالث يقول: حكامه لا يرى أن يدفع إليهم شيئًا؛ لأنهم ما هم ثقات، كيف عاد حكام الوقت؟ ! الثقة فيهم أندر من الكبريت الأحمر إلا أن يشاء الله، لكن على كل حال إذا كان الحاكم غير ثقة وخاف أنه إذا أعطاه إياه مشاه من جهة أخرى، أو أن الحاكم أبى، أحيانًا يأبى الحاكم يقول: لا، فالأول -يعني: إذا كان غير ثقة- لا يجوز أن يعطيه إياه.
والثاني: هل يلزم الحاكم أن يُقبَل أو لا يلزمه؟
هذا محل نظر وتفصيل، يقال: إذا كانت الدولة قد جعلت جهة معينة لاستقبال الضائع فللحاكم أيش أن يمتنع، ويقول: اذهب إلى الجهة الأخرى، لكن إذا لم يكن هناك جهات مسؤولة عن استقبال الضائع، فأرى أنه يجب على القاضي أن يقبل هذا.
وهذه المشكلة قد لا تكون في مسألة الغصب إلا قليلًا -والحمد لله- لكن تكون في لُقَطَة مكة كثيرًا، لقطة مكة تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» (4) يعني: إلا لشخص يُنشِد عنها مدى حياته ويوصي بها بعد مماته؛ لأنه لا يمكن يملكها أبدًا، كل ما في الحرم آمن حتى الجمادات؛ فالإنسان الآن إذا رأى -مثلًا- دراهم، ألف ريال، ألفين ريال، عشرة آلاف ريال في سوق من أسواق مكة، إن تركها فيا ويلها من اللصوص، وإن أخذها مُشكل تعب فيها، ماذا يصنع؟
إذا كان هناك جهة مسؤولة لاستقبال الضائع هذا واضح الآن الأمر سهل -والحمد لله- يأخذها ويُؤْجَر على إيصالها إلى هذه الجهة، لكن إذا لم يكن جهة فأرى أنه يجب على الحاكم الشرعي أن يستقبلها؛ لأن هذه من جملة ما يتولاه الحاكم، السلطان ولي من لا ولي له، ماذا يصنع الناس؟
الإنسان ليس مستعدًّا أن يأخذ هذه اللقطة من مكة وينشد عنها مدى الدهر، لكن يسهل عليه جدًّا أن يأخذها ويوديها إلى المحكمة مثلًا إذا لم تكن جهة مسؤولة عن ذلك.
المهم؛ إذا جهل الغاصب (ربه) رب أيش؟ أي:
الطلبة: مالكه.
الشيخ: مالكه، يقول المؤلف: يتصدق عنه، ولكننا ذكرنا طريقين؛ الطريق الأول: أن يسلمه إلى الحاكم فإن لم يفعل يقول: (تصدَّق به عنه) يعني: دفعه للفقراء.
(عنه) أي: عن ربه، عن المالك (مضمونًا) أي: بشرط الضمان إذا وجده، يعني: يعتقد أنه تصدق بهذا عن ربه مضمونًا عليه لو وجد ربه، فعندنا شيئان:
الشيء الأول: أن تكون الصدقة عن ربه لا عن نفس الغاصب.
والثاني: أن ينوي أنه ضامن له إذا وجد ربه وطالب به.
فإن تصدَّق به عن نفسه؛ فإن ذمته لا تبرأ وصدَقتَه لا تُقْبَل؛ لأنها صدقة غير طيبة، والله عز وجل لا يقبل إلا ما كان طيبًا، وذمته لا تبرأ؛ لأنه لم ينو هذه الصدقة عن ربها ولم ينو الضمان، فلم يستفد الآن، لم يستفد التقرب إلى الله، ولم يستفد إبراء الذمة، بل أقول: إن ذلك لا يزيده إلا إثمًا؛ يعني: لو تصدق به عن نفسه فهو آثم.
إذا وجد ربها بعد أن تصدق فإنه يقول: أنت الآن مخيَّرٌ إن شئت فأمضِ الصدقة والأجر لك، وإن شئت ضمنت لك مالك، والأجر لمن؟ للغاصب؛ لأن الغاصب اتَّقى الله وهذا غاية ما يستطيع فيُؤجَر على تصرفه.
وهذه المسألة من مسائل تصرف الفضولي التي أجازها الفقهاء رحمهم الله؛ لأنها ضرورة، إذ إنه لا يعرف صاحبها فلا بد أن يتخلص منها بهذا.
وقوله: (تَصَدَّق به عنه) لو أراد أن لا يتصدق بها أن يجعلها في مسجد فهل يجوز ذلك؟ ظاهر كلام المؤلف: لا، ولكن هذا الظاهر غير مراد، بل له أن يجعلها في طرق الخير من بناء مسجد، بناء أربطة للفقراء، شراء كتب لطلبة العلم، المهم أن يصرفها فيما يقرِّب إلى الله، وحينئذٍ هل يُخَيَّر بين جهات الخير أو يَنْظُر ما هو أفضل؟ نسأل: هل هو متصرف لنفسه ولَّا لغيره؟ فإذا كان يتصرف لغيره فماذا يصنع؟ ينظر للأصلح؛ قد يكون هذا البلد أهله ليسوا بذاك الفقراء لكنهم محتاجون إلى مسجد، فهنا نقول: صرفُه في بناء المسجد أفضل، وقد يكون العكس، المساجد كثيرة وأهل البلد فقراء، فنقول أيش: الصدقة أفضل.
فعلى كل حال كلام المؤلف رحمه الله غير مراد، وإن قلنا: إنه مراد فإن الراجح خلافه، وأن له أن يصرف هذا المغصوب في أي جهة خيرية. لو قُدِّرَ أن له أقارب محتاجين، هل يصرف هذا في أقاربه؟
الجواب: نعم، يصرف هذا في أقاربه، لكنه لا يجوز أن يحابيهم، فيرى غيرهم أحوج ويعطي أقاربه هذا لا يجوز، لكن إذا كان أقاربه مساوين لغيرهم أو أحوج من غيرهم فلا بأس أن يعطيهم.
وهل له أن يأخذه هو إذا كان فقيرًا؟
الجواب: فيه خلاف؛ من العلماء من قال: إنه إذا تاب إلى الله -وهو على كل حال تائب؛ لأنه الآن يريد أن يتخلص- وكان فقيرًا فله أن يأخذه، ومن العلماء من قال: لا يجوز سدًّا للباب؛ لأن الإنسان ربما يُفتِي نفسه بأنه فقير وليس كذلك، فيتهاون أو يتربص حتى يفتقر، وهذا القول بمنعه من أن يجعل نفسه مَصرفًا قول قوي، لكن لو سلمه إلى الحاكم وكان هو فقيرًا فأعطاه الحاكم منه، فهذا يجوز بلا شك؛ لأن التهمة الآن أيش؟ منتفية تمامًا، وعلى هذا فلو أعطاه الحاكم وهو من أهل الحاجة ودفع إليه ما غصبه فلا حرج عليه أن يقبله وذمته قد برئت.
(إن جهل رَبَّهُ) يعني: ربَّ المغصوبِ أي: مالكه، هل يقال هذا في كل مال مجهول صاحبه؟
الجواب: نعم يقال، كوديعة أُودعها الإنسانُ ثم نسي الذي أودعها فنقول: إذا نسيت وأيست تصدق به مضمونًا.
كذلك إنسان خياط يخيط، أعطاه شخص ثوبًا ليخيطه، وذهب الرجل وأيسنا منه، فماذا يصنع الخياط في هذا الثوب؟
الطلبة: يتصدق به مضمونًا.
الشيخ: يتصدق به مضمونًا، أو يبيعه إذا رأى أن المصلحة في بيعه مثل أن يكون ثوبًا كبيرًا واسعًا لا يشتريه أحد فيبيعه ويشتري ثوبين -مثلًا- فله ذلك.
فالقاعدة إذن: كل مَنْ بيده مال جُهِلَ صاحبُه وأيس من العثور عليه؛ فله أن يتصدق به بشرط أيش الضمان.
هنا مسألة تشبه هذه من بعض الوجوه؛ وهي ما يؤخذ غرامة على المخالفين؛ هل يجوز أن يُشترى أو لا يجوز؟
يعني مثلًا في غرامة على المخالفين في بعض البضائع، إذا دخلوا فيها وصودرت منهم، فهل يجوز أن تُشتَرى من الجهات المسؤولة أو لا؟
الجواب: نعم يجوز أن تُشْتَرى؛ لأنها الآن خرجت عن ملك أصحابها بمقتضى أيش العقوبة، والعقوبة المالية جائزة في الشريعة ولها وقائع وقعت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؛ فيجوز أن يشتريها الإنسان وتدخل ملكه ولا حرج عليه في ذلك.
كالمغصوب إذ جُهِلَ مالكُه وبِيعَ وتُصُرِّف فيه على وجه جائز فلا حرج أن يشتريه.
فإن قال قائل: أنا أعلم رب هذه العين التي صودرت أنه فلان، فكيف يجوز لي أن أشتريها؟ !
نقول: نعم؛ لأنها أُخِذَت بحق، أما لو جاءتك وهي مسروقة تعرف أنها سرقت فهنا لا يجوز أن تشتريها، لكن إذا صودرت عقوبة فقد أُخِذَت بحق؛ لأن لولي الأمر أن يعاقب من خالفَ ما يجب عليه بما يرى أنه أردع وأنفع، ولولا هذا لكانت الأمور فوضى، وصار كل إنسان يعمل على ما يريد، وهذا لا يمكن، ولذلك نرى أن الأنظمة التي ليس فيها مخالفة للشريعة وإنما هي اجتهادية أنه يجب اتباعها امتثالًا لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ولو لم نفعل وقلنا: لا يجب أن يطاع ولي الأمر إلا فيما أمر الله به، لقلنا: الجواب على هذا من وجهين:
الأول: أن طاعته في غير معصية أيش؟ مما أمر الله به.
الثاني؛ إذا قلنا: إنه لا يطاع إلا إذا أمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج وبر الوالدين، قلنا: هذا أمر لا فائدة منه؛ لأن هذه الأشياء قد أُمر بها من قِبَلِ الشرع، ويكون الأمر بطاعة ولي الأمر عبثًا؛ لأن طاعته في هذه الأشياء داخلة في قوله:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ولهذا يغلط غلطًا عظيمًا من ظن أن أوامر ولاة الأمور لا يجب تنفيذها إلا إذا كان مأمورًا بها شرعًا لأننا نقول الجواب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن طاعتهم في غير المعصية مأمور بها شرعًا، وإن لم يكن في هذا الشيء بعينه.
والثاني: أننا لو قلنا بذلك لكان قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} عديم الفائدة؛ لأننا إذا قلنا: لا يطاعون إلا فيما أمر الله به ورسوله لم يكن لأمرهم فائدة إطلاقًا.
ومثل هذه المسائل ينبغي لطلبة العلم أن يبيِّنوها لبعض الإخوة الذين ينطلقون في الكلام في الحكام من العاطفة دون التأمل والتأنِّي، وهذه مسألة خطيرة في الحقيقة؛ يعني: كون الإنسان ينطلق بمقتضى العاطفة، هذا غلط سواء في معاملة الحكام أو غيره حتى في الصلاة والزكاة، بعض الناس ينطلق من العاطفة ثم يوجب على المسلمين ما لا يجب، وكذلك بالعكس بعض الناس ينطلق من منطلق التأخر بمعنى أنه يقول: هذا غير واجب والدين يسر وما أشبه ذلك، وينفلت الزمام، كل هذا خطأ، الواجب الوسط، فالوسط هو الحق والغالب؛ أي: إذا تأملت خلاف العلماء وتأملت تصرفات الناس وجدت أن الصواب يكون غالبًا في أيش؟ في الوسط، حتى مسائل خلاف العلماء الآن -مثلًا- أهل التعطيل وأهل التمثيل في صفات الله، ما هو الوسط؟ الإثبات بلا تمثيل، وكذلك في القدَر، وكذلك في الإيمان وغير ذلك.
طالب: بعض المغاسل؛ يبدو أن المغسلة غير مسؤولة عن الثياب بعد مثلًا مرور شهر فهل هذا الشرط يصح؟
الشيخ: هذا صحيح، هذا شرط صحيح بعض المغاسل يقول لك: إلى شهر، بعد الشهر أبيع الثوب مثلًا، لا بأس به، كذلك أيضًا يوجد بعض المخازن ولا سيما على الموانئ يقدِّرُون المدة وبعد أن تمضي يخرج ويباع، إي نعم.
طالب: نسمع أن الخياط لو باع الثوب، ثم جاء المالك، فهل على المالك أن يدفع الراتب حق الخياط؟
الشيخ: نعم، يدفع الأجرة.
الطالب: وعلى الخياط أن يدفع حق القماش؟
الشيخ: نعم، وعلى الخياط أن يرد عليه القيمة قيمة الثوب اللي باع.
طالب: إذا أراد الغاصب أن يُرجِع المال إلى صاحبه ويعلم أن بإرجاعه المال سيستخدمه صاحبه في الحرام.
الشيخ: مثاله.
طالب: مثل مثلًا غصب مالًا، وصاحبه صاحب ..
الشيخ: غصب تلفزيونًا.
الطالب: لا، مالًا.
الشيخ: مالًا.
طالب: صاحب المال بيبع به مخدرات إذا أرجعه سيشتري به مخدرات.
الشيخ: ما عليه منه، ما دام أنه ماله يرده عليه والإثم على هذا (
…
).
طالب: قلنا يا شيخ: إنه يتصدق بنصيبه (
…
) ولكن ألَا يتصدق أيضًا (
…
) صدقات.
الشيخ: هذا شيء ثانٍ إذا جاء رَبُّه ضمَّنه ما ذكره إلا يتصدق به فقط.
طالب: هل يُعمل بالقرائن إذا عارضت أصل الغُرم؟ يعني: رجل غصب ساعة من شخص فادعى أن الساعة بعشرين ريالًا، ومعروف أن هذا الشخص لا يلبسها؛ يعني: مثله لا يلبس أقل من مئة ريال، وقال: أنا لو أعلم (
…
) لوضعت (
…
).
الشيخ: لا، ما يلزم؛ لأن ربما يكون هذا الرجل المغصوب منه لا يلبس مثل هذه الساعة لكن تكون ساعته مثلًا ضاعت ولبسها للضرورة، دائمًا الإنسان يفعل هذا، أليس كذلك؟
الطالب: في غير يعني ..
الشيخ: المهم، بطل هذا.
طالب: هل يجوز الاستئجار من الغاصب مع العلم بتعذر الرد؟ يعني: معلوم أن الغاصب غصب منزلًا أو بيتًا، ويقينًا أنه لا يعود إلى صاحبه كما يحصل في البلاد الشيوعية، هل يجوز للإنسان أن يستأجر من هذه الحكومة مع أنه يعلم أنه لن يعود إلى صاحبه أبدًا للحاجة؟
الشيخ: إي نعم، لا بأس؛ لأنه الآن إما أن يستأجر أو يتعطل الملك ولا تنتفع ضرورة هذا.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- القول بأن الغاصب يقبل قوله في التلف.
الشيخ: يعني: هذه قاعدة لو فرضنا أن الدولة الشيوعية تغصب أموال الناس وتؤجرها أو تبيعها ولا يمكن ترجع عليه فلا حرج.
الطالب: يا شيخ، بالنسبة للغاصب؛ قلنا بأنه يقبل قوله في ادعاء التلف والقدْر.
الشيخ: يقبل.
طالب: نعم يقبل.
الشيخ: يقبل أيش؟
الطالب: قوله.
الشيخ: قوله في؟
الطالب: في ادعاء التلف والقدر؛ قدر المال المغصوب.
الشيخ: لا، القول في قيمة التالف، لكن لو ادعى التلف ما يقبل قوله.
الطالب: نعم، قدر قيمة التالف، هل (
…
) القبول مطلقًا يا شيخ؟
الشيخ: إي نعم، مطلقًا إلا إذا خالف العائد؛ يعني: لو اتفقوا على أن المغصوب شاة واتفقوا على وصفها، وقال: قيمتها كذا وذاك. قال: قيمتها كذا، ونعلم أنه ما يمكن هذا قال: قيمتها عشرة، وربُّها قال: قيمتها مئة، ونعلم إن ما يمكن تباع هذه بعشرة.
الطالب: لو كان يا شيخ معروف إن هذا الرجل (
…
).
الشيخ: لا، الدعاوي ما فيها فسق ولا عدل؛ حتى الكافر مع المسلم يُعمل بما تقتضيه القواعد انتهى (
…
).
***
طالب: وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
قال رحمه الله تعالى في باب الغصب: ومَنْ أتلف محترمًا، أو فتح قفصًا، أو بابًا، أو حَلَّ وِكاء، أو رباطًا أو قيدًا، فذهب ما فيه، أو أتلف شيئًا ونحوه ضمنه، وإن ربط دابة بطريق ضيق فعثر به إنسان ضُمِّنَ؛ كالكلب العقور لمن دخل بيته بإذنه أو عَقَره خارج منزله.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى:(ومَنْ أتلف محترمًا) إلى آخره (من) هذه شرطية، المعنى؛ أي إنسان (أتلف محترمًا) أي: شيئًا محترمًا واحترز به عما ليس بمحترم كالكافر الحربي، فالكافر الحربي غير محترم فمن أتلفه فلا ضمان عليه، الخمر في يد المسلم غير محترم، فمن أتلفه فعليه ضمانه؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟ لأنه ليس بمحترم، وقوله:(من أتلف محترمًا) يعمُّ الصغير والكبير، والحيوان وغير الحيوان، ويعم -أيضًا- ما كان عن عمد وما كان عن غير عمد، إلا أن الفرق بين العامد وغير العامد هو أن العامد آثم، وغير العامد ليس بآثم، لكن حق الآدمي لا يسقط، يجب عليه ضمانه.
فلو أتلف الإنسان مالًا يظنه مال نفسه، فتبين أنه مالُ غيره فعليه الضمان؛ وذلك لأنه أتلف محترمًا، فإذا قال: إن الله يقول: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قلنا: نعم، قال الله هذا، لكن هذا في حق مَنْ؟ في حق الله تعالى فقط، أما في حق الآدمي فعليه الضمان.
ولو أن رجلًا مُحْرِمًا قتل صيدًا مملوكًا جهلًا أو نسيانًا فعليه الضمان لصاحبه وليس عليه الجزاء، والفرق أن الجزاء حق لله، والضمان حق للآدمي، ولو أنه أتلفه عمدًا؛ قتله عمدًا وهو مملوك لزمه ضمانان؛ الضمان الأول للآدمي، والضمان الثاني الجزاء حق لله عز وجل.
إذن كل من أتلف محترمًا فعليه الضمان سواء كان عالمًا أو جاهلًا أو ناسيًا أو ذاكرًا أو عامدًا أو مخطئًا، فعليه الضمان بكل حال، وسواء كان هذا المحترم قليلًا أم كثيرًا.
(أو فتح قفصًا فذهب ما فيه أو أتلف شيئًا) القفص وعاء تُجعل فيه الطيور، ففتح القفص فطار الطائر فعليه ضمانه؛ لأنه متسبب، والمتسبب إذا لم يكن معه مباشر فعليه الضمان.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يهيج الطائر أو لا؛ يعني أنه لا فرق بين أن ينهر الطائر حين فتح القفص أو لم يفعل، وأنه لا فرق بين أن ينضم الطائر إلى جانب القفص لمَّا فُتِح عليه ثم يطير بعد أن يتولى هذا الذي فتحه، أو يطير وهو حاضر؛ لأن بعض الطيور إذا فتحت عليه الباب انحاز إلى جهة من القفص خوفًا من فتح الباب، فظاهر كلام المؤلف أنه متى فتح القفص وطار ما فيه فإنه ضامن.
نظير القفص في وقتنا الحاضر الشبك؛ لو كان هناك شبك فيه طيور وفتح الباب شخص ثم طارت الطيور فعليه الضمان؛ لأنه متسبب، فإن اجتمع معه مباشر فالضمان على المباشر، مثل أن يفتح الباب ثم يأتي آخر فيهيج الطائر فيطير فعليه الضمان؛ مَنْ؟ المباشر الذي أهاج الطائر.
(أو بابًا) يعني: فتح بابًا فذهب ما فيه، فتح بابًا عن مواش، عن شاة -مثلًا- ولما فتح الباب خرجت الشاة فتلفت، فعلى فاتح الباب الضمان؛ لماذا؟
لأنه متسبب، والمتسبب عليه الضمان، فإن اجتمع معه مباشر فالضمان على المباشر، يعني: لو فتح الباب وجاء إنسان وأخرج الشاة وتلفت فالضمان على الثاني؛ لأنه مباشر ولا ضمان على المتسبب مع المباشر إلا إذا كانت المباشرة مبنية على السبب.
كذلك أيضًا: (حَلَّ وِكَاءً) يعني: دهن أو عسل في وعاء، فَحَلَّ هذا الوعاء، فاندفق الدهن أو العسل، فعليه الضمان؛ علِّلْ. لأنه متسبب.
وظاهر كلام المؤلف أنه ضامن ولو كان حين حلَّ الوكاء جامدًا ثم أذابته الشمس، أو كان حين حل الوكاء واقفًا ثم حرفته الريح فعليه الضمان؛ لأنه متسبب.
(أو رباطًا) يعني: وجد حيوانًا مربوطًا؛ فحل رباطه فذهب، فعليه الضمان.
وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله أمثلة، ما هي قواعد، لكن القاعدة أن كل من أتلف شيئًا بسببٍ فعليه الضمان.
وما هذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله إلا أمثلة أو صُوَر فذهب ما فيه فعليه الضمان.
ثم قال المؤلف: (أو أتلف شيئًا ونحوه) زيادة على هذا؛ لو فُرِض أن هذه الشاة التي فُتِحَ الباب لها خرجت وأكلت زرع إنسان، فعلى مَنْ فَتَحَ الباب ضمان الشاة، وضمان ما أتلف من الزرع، وكذلك لو أن الطائر اصطدم بشيء وتلف هذا الشيء فعلى من فتح قفصه الضمان، وكذلك لو أن الدهن اندفق على شيء فأفسده فعليه ضمان الدهن وضمان ما أفسده، المهم أنه يضمن الشيء وما ترتب عليه.
ثم قال المؤلف: (وإن رَبَطَ دابةً بطريق ضيِّق فعَثَر به إنسانٌ ضمن).
في وقت المؤلف لا توجد السيارات، وفي وقتنا لا توجد الدواب لكن الشيء يقاس بالشيء، إذا ربط دابة بطريق ضيق فعثر بها إنسان انكسر هلك فعليه الضمان؛ لأنه متعدٍّ في ربطها في هذا المكان الضيق.
وعُلِم من كلام المؤلف: أنه لو ربطها بطريق واسع فلا ضمان عليه، وهذا متجه إذا لم يربطها في طريق المارة، فإن ربطها في طريق المارة فهو كما لو ربطها في طريق ضيق، يعني: عليه الضمان.
فإن قال قائل: الطريق الواسع -وإن كان مطرق الناس في وسطه مثلًا- يستطيع الإنسان أن ينحرف يمينًا أو شمالًا.
قلنا: لنسأل هل هذا الرجل الذي ربط الدابة في الطريق الواسع -في مطرق الناس- هل هو معتدٍ أو غير معتدٍ؟
الجواب: معتدٍ لا شك، وإذا كان معتديًا فهو ظالم، وقد قال الله تعالى:{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42] نعم لو ربطها في طريق واسع في أحد جوانبه فلا بأس؛ لا ضمان.
وإنْ رَبَطَ دابَّةً بطريقٍ ضَيِّقٍ فعَثَرَ به إنسانٌ ضَمِنَ، كالكلبِ العَقورِ لِمَن دَخَلَ بيتَه بإِذْنِه أو عَقَرَه خارجَ مَنْزِلِه، وما أَتلَفَت البهيمةُ من الزرعِ لَيْلًا ضَمِنَه صاحبُها، وعَكْسُه النهارُ، إلا أنْ تُرْسَلَ بقُرْبِ ما تُتْلِفُه عادةً وإن كانت بِيَدِ راكبٍ أو قائدٍ أو سائقٍ ضَمِنَ جِنايتَها بِمُقَدَّمها لا بِمُؤَخَّرِها، وباقي جِنايتِها هَدَرٌ كقْتَلِ الصائلِ عليه وكَسْرِ مِزمارٍ وصَليبٍ ، وآنيةِ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ ، وآنيةِ خَمْرٍ غيرِ مُحترَمَةٍ.
ثم قال المؤلف: (وإن ربط دابةً بطريقٍ ضيق، فعثر به إنسانٌ ضمِن) في وقت المؤلف لا توجد السيارات، وفي وقتنا لا توجد الدواب، لكن الشيء يُقاس بالشيء؛ إذا ربط دابةً بطريقٍ ضيق فعثر بها إنسان وانكسر، هلك، فعليه الضمان؛ لأنه متعدٍّ في ربطها في هذا المكان الضيق.
وعُلِم من كلام المؤلف أنه لو ربطها بطريقٍ واسع فلا ضمان عليه، وهذا متجه إذا لم يربطها في طريق المارة، فإن ربطها بطريق المارة فهو كما لو ربطها في طريقٍ ضيق؛ يعني عليه الضمان.
فإن قال قائل: الطريق الواسع يستطيع الإنسان، وإن كان مطرق الناس في وسطه مثلًا، يستطيع الإنسان أن ينحرف يمينًا أو شمالًا؟
قلنا: لنسأل: هل هذا الرجل الذي ربط الدابة في الطريق الواسع في مطرق الناس، هل هو معتدٍ أو غير معتدٍ؟
طالب: معتدٍ.
الشيخ: الجواب: معتدٍ لا شك، وإذا كان معتديًا فهو ظالم؛ وقد قال الله تعالى:{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42]، نعم، لو ربطها في طريقٍ واسع في أحد جوانبه فلا بأس، لا ضمان.
وقوله: (إن ربط) ظاهر كلامه رحمه الله أنه لو أوقفها بلا ربط فلا ضمان عليه؛ لأنه إذا أوقفها تمشي وتذهب، ولكن في هذا الظاهر نظر، والصواب أن إيقافها كربطها؛ لأن مجرد وقوفها في هذا المكان في الطريق الضيق أو الواسع إذا أوقفها في طريق الناس يُعتبر عدوانًا.
نعم، لو فُرض أنه أوقفها لتحميل متاعه عليها، أو لتنزيل متاعه منها، فعثر بها إنسان، فهذا لا ضمان عليه؛ وذلك لأنه غير معتدٍ، ولا متعدٍّ، وهذه عادة الناس، ولو قلنا بالضمان لكان حصل إشكال عظيم، لكان الإنسان لا يمكن أن يحمل متاعه على بعيره إلا إذا أدخلها إلى بيته، وهذا مشقة عظيمة.
إذن الضابط أنه إذا كان إذا أوقفها أو ربطها في مكانٍ يُعتبر متعديًا فعليه الضمان. طيب، السيارات الآن حُكمها حكم الدابة، إذا أوقفها في مكانٍ واسع وليس في طريق الناس، فعثر بها إنسان، فإنه لا ضمان على صاحب السيارة؛ لأنه لم يعتدِ، حيث إن العادة جرت بأن الناس يوقفون سياراتهم في الأمكنة الواسعة، ولا يُعدُّ هذا اعتداءً، فإن أوقفها في مكانٍ واسع في مطرق الناس، فعليه الضمان؛ لأنه متعدٍّ، وإن أوقفها في طريقٍ واسع في جانب الطريق فلا ضمان عليه، لكن ما هي السعة؟ السعة أن يُبقي مكانًا يمكن أن تمر به السيارات، فإذا ترك مكانًا يمكن أن تمر به السيارات، فهذا ليس بمعتدٍ، والعادة الآن جارية بذلك؛ كل الناس يُوقفون سياراتهم عند بيوتهم لكنهم يدعون ممرًّا واسعًا، لكن هل يجب أن نقول: لا بد أن يترك ممرًّا يستطيع أن ينفد فيه المتقابلان؟
الظاهر أنه بلى، لا سيما في الطرقات النافذة، أما غير النافذة فهي إلى أصحابها، لكن في الطرقات النافذة، ولا سيما الطويلة يبقى إشكال إذا أوقفها بحيث يمر سيارة واحدة؛ لأنه كثيرًا ما تتلاقى السيارات في الطريق الطويل، ولا يمكن أن يجوز بعضها بعضًا إلا أن ترجع إحداهما إلى أعلى السوق، وهذا ضرر وتضييق على الناس، وما دُمنا نعتبر الاعتداء والضرر فلنُطبِّق كل ما يحصل على هذه القاعدة.
لو أنه أوقف سيارته في مكانٍ بارح واسع، وكان حوله فِتيان يلعبون كرة، ثم إن أحدهم لحق الكرة لما طارت واصطدم بالسيارة، فهل عليه الضمان؟ لماذا تتوقفون يا جماعة؟
طلبة: لا ضمانَ عليه.
الشيخ: لا ضمان عليه؛ لأن المكان واسع، والعادة جارية بذلك، وهذا هو الذي اصطدم بها كما لو اصطدم بالجدار؛ جدار البيت وما أشبهه.
(وإن ربط دابةً بطريقٍ ضيق فعثر به)، عندكم (به) ولَّا (بها)؟
طلبة: به.
الشيخ: به، كان مقتضى السياق أن يقول: عثر بها، (فعثر به إنسان ضمن)؛ أي رابط الدابة، وكذلك موقفها. طيب، لو لم يعثر بها، ولكنها رفسته، فعليه الضمان؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأن هذا المكان يحرم عليه أن يُوقف الدابة فيه، فإن أوقفها في هذا المكان الضيق، وجاء إنسانٌ فنخسها فرفسته؟
طالب: ليس عليه ضمان.
الشيخ: رفست الرجل الذي نخسها؟
طالب: لا ضمان.
الشيخ: فنقول: لا ضمان على الرابط؛ لأن التلف الآن حصل بفعله، فهو مباشر، فلا ضمان على رابطها، وإن نخسها فضربت برجلها آخر؟
طلبة: على من نخسها.
الشيخ: فعلى من نخسها، نعم، على القاعدة؛ مباشر ومُتسبِّب؛ كالكلب العقور لمن دخل بيته بإذنه أو عقره خارج منزله؛ يعني كما يضمن صاحب الكلب العقور؛ إذا عقر الكلب من دخل بيته بإذنه، أو عقر من كان خارج المنزل؛ وذلك لأن الكلب العقور، وهو الذي عُرِفَ منه العدوان على الناس، وعض الناس لا يجوز اقتناؤه بأي حالٍ من الأحوال، ويجب قتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:«خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» (1). فاقتناؤه حرام، وعلى هذا كل ما تلف به -أي بعقْره- فهو مضمون على صاحبه، إلا من دخل بيته بغير إذنه، إلا من دخل بيت صاحبه بغير إذنه فلا ضمان فيه؛ لأن الداخل معتدٍ؛ حيث دخل البيت بغير إذن صاحبه؛ والله عز وجل يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27].
فإن أذن له ودخل الرجل، وصاحب المنزل في داخل المنزل، فعقره الكلب، فهل عليه الضمان أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: عليه الضمان؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لماذا؟
طلبة: دخل بإذنه.
الشيخ: لأنه دخل بإذن رب البيت، وقيل: إنه يضمن إلا أن يُعلِمه؛ لأنه عقره وهو لا يدري؛ الداخل، فإذا عقره فعليه الضمان، على مَنْ؟ على صاحب الكلب العَقُور، عليه أن يضمن إذا دخل. ففهمنا الآن الكلب العقور، إذا عقر إنسانًا خارج المنزل؟
طلبة: الضمان على صاحبه.
الشيخ: فعليه الضمان، على صاحبه الضمان على كل حال، إذا عقر إنسانًا في داخل المنزل، لكنه عقر من دخل بغير إذن رب المنزل؛ فعليه الضمان.
طلبة: ليس عليه ضمان.
الشيخ: لماذا؟ لأنه معتدٍ، طيب، هذان شيئان متقابلان؛ إذا دخل بإذنه؛ بإذن صاحب المنزل، فعقره؟
طلبة: عليه الضمان.
الشيخ: على مَنْ؟
طلبة: على صاحب الكلب.
الشيخ: على صاحب الكلب؛ لأن الرجل الداخل غير معتدٍ، فيكون ضامنًا، وقيل: إن أعلمه؛ لأن الداخل في هذه الحال غير معتدٍ، فيكون صاحب الكلب ضامنًا ولَّا غير ضامن؟
طلبة: ضامنًا.
الشيخ: ضامنًا، وقيل: إنه إن أعلمه أنه عقور، فإنه لا ضمان عليه. غير الكلب العقور، هل يضمن صاحبه؛ يعني أن رجلًا عنده كلبٌ هادئ؛ ليس بعقور، فخرج الكلب فعقر إنسانًا، وليس من عادته العقر، فهل يضمن؟ لا؛ لأنه يقول: الكلب العقور، وهذا كلب غير عقور، فلا ضمان عليه. طيب، لكن لو كان غير عقور فأشلاه صاحبه بالرجل؟
طالب: ضمن.
الشيخ: عليه الضمان؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، عليه الضمان؛ لأنه معتدٍ بذلك.
على ذكر الكلب العقور، قال العلماء: الكلاب ثلاثة: عقور، وأسود، وما سواهما. العقور يجب قتلُه، والأسود يُباح قتله، وغيرهما لا يُباح قتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الكلاب إلا إذا آذى؛ إذا آذى فإنه يُقتل؛ لأن القاعدة هي أن كل مُؤذٍ يُسن قتله، سواءٌ كانت الأذية طبيعته أم حدثت له بعد ذلك.
ثم قال: (وما أتلفت البهيمة من الزرع ليلًا ضمنه صاحبها، وعكسه النهار إلا أن ترسل بقُرب ما تتلفه عادة).
(ما أتلفت البهيمة من الزرع ليلًا ضمنه صاحبها)، نقف على هذا؛ لأنه موقف.
طالب: أحسن الله إليك، إذا كانت سيارة في مكان واسع، فلحق بالطريق الأخرى واصطدم بالسيارة قلنا بأنه لا ضمان على صاحب السيارة، لكن إذا كان من نظام الدولة أن السيارات الكبيرة لا تدخل هذه المنطقة، ثم اصطدم (
…
)؟
الشيخ: هذه أقول: إذا كانت السيارة في مكانٍ واسع، لكن الدولة منعت إيقاف السيارات الكبيرة في هذه البرحة الكبيرة، فنقول: مخالفة النظام معصية، فيكون هذا الرجل معتديًا، فعليه الضمان.
طالب: أحسن الله إليكم، شخصٌ ركب سيارة شخصٍ آخر دون إذنه، وسقط فمات، هل يضمنه؟
الشيخ: سقط؟
الطالب: سقط فمات.
الشيخ: يعني هو راكب؟ إي، وهل سقط مثلًا في وقتٍ يتمكن السائق -سائق السيارة- من إيقافها أو لا؟
الطالب: لا يتمكن.
الشيخ: لا يتمكن، لا ضمان فيه؛ لأنه معتدٍ بكونه ركب بدون إذنه، والرجل حينما سقط الراكب لا يتمكن من إيقاف السيارة، أما إن كان يتمكن من إيقاف السيارة فالواجب أن يُوقِف السيارة، فإن لم يفعل فهو معتدٍ.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- لو اصطدمت سيارتان، وكان الخطأ مئة في المئة على الثاني، ومات الثاني، فهل على الأول شيء؟
الشيخ: لا، ليس عليه شيء، وهذه مسألة ينبغي أن ننزلها على كلام المؤلف؛ الخط إذا كان فيه رائح وجاي، الخط، ثم خرج أحد السيارات عن مسارها، فهو معتدٍ، أي شيء يترتب على خروجه فالضمان عليه؛ لأنه معتدٍ، إلا لو أنه تعمد أن يخرج مثلًا إلى .. قصدي أنه خرج بدون عمد؛ يعني بمعنى أنه رأى الخط فارغًا، فهذه ينظر فيها، أما إذا كان خط يسلكه الناس وهو مساران، فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يخرج إلى مسار المقابل.
طالب: شيخ، لو كان الأول جزءًا بسيطًا جدًّا من الخطأ، مثلًا سرعة ودفع (
…
)؟
الشيخ: المعتدي غير مضمون.
الطالب: لكن الذين مع السائق الثاني، الذين ماتوا، بسبب الأول الذي اعتدى عليه؟
الشيخ: أقول: كل من خرج عن مساره فهو معتدٍ.
الطالب: شيخ، هذه المسألة يعني يحتاج الناس (
…
)
الشيخ: كيف؟
الطالب: بعض الناس يموت معه اثنان ثلاث أربع كل ..
الشيخ: نعم.
الطالب: مع أنه لم يتخطَّ إلا ثلاثين في المئة تقريبًا، ثلاثين في المئة بسبب سرعته مثلًا، أو ما أشبه ذلك، ويموت (
…
) أيش يسوي؟ سقط؟
الشيخ: ما علينا.
الطالب: يصوم؟
الشيخ: يصوم هذا المعتدي، لكن المعتدي تقول: إنه مات.
الطالب: مات.
الشيخ: ما عليه صيام.
الطالب: ما عليه شيء.
الشيخ: مِنْ؟
الطالب: الثاني.
الشيخ: اللي غير معتدٍ؟ ما عليه شيء أبدًا ما فيه إشكال.
الطالب: يقولون: الخطأ على هذا نسبة (
…
).
الشيخ: هذه النسبة إحنا سألنا عنها، قالوا: من أجل ألا يتهور الناس، وإلا نعلم أنه ما عليه شيء؛ إن الخطأ من الأول.
الطالب: ما دام نسبة الجانب هذاك أكبر خلاص؟
الشيخ: لا، ما هي بأكبر؛ ما دام أنه ليس عليه نسبة مئة بالمئة، لكن حُمِّل خمسة وعشرين في المئة للغرامة فقط كما يقولون، مع أن هذا نرى أنه خطأ، لا يُحمل شيئًا، ما دام أنه ليس من الخطأ فلا يُحَمَّل؛ لأن المشكلة تأتي إذا جاء إلى المفتي وقال: إن عليه خمسة وعشرين بالمئة، بيقول له: صُم؛ الكفارة ما تتبعَّض؛ يعني بيقول: كَفِّر بعتقٍ أو صوم.
طالب: شيخ، قلنا: الكلب غير العقور إذا عقر شخصًا لم يضمن صاحبه؟
الشيخ: نعم، إلا؟ استثنينا؟ ويش استثنينا؟
الطالب: استثنينا أشياء، ولكن ألم نقل هذا الباب (
…
)؟
الشيخ: من باب أيش؟
الطالب: الخطاب الوضعي.
الشيخ: كيف الخطاب الوضعي؟
الطالب: (
…
) وجب على صاحب الكلب ..
الشيخ: ما أتلفه، الذي أتلف الكلب، «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2).
الطالب: وصاحب الشياه؟
الشيخ: ما عليه شيء.
الطالب: صاحب الشياه ..
الشيخ: سيأتينا أنه يفرق في الليل والنهار، على أن العلماء مختلفون؛ هل يفرق بين الليل والنهار في الزرع أو في كل شيء؟
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، أكبر حوادث البهايم (
…
)، وأتلف شيئًا بعدما أخدها من جانب المستعير، على من يكون .. ؟
الشيخ: المستعير، على الذي بيده.
الطالب: يعني صاحبه ما عليه ضمان؟
الشيخ: ما عليه شيء إلا إذا كان غرَّه.
الطالب: لا، علمه ..
الشيخ: لا، ما على صاحبه شيء. {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
طالب: شيخ، إذا كان سائق سيارة معه أحد رديف، ثم تجاوز السرعة المحدَّدة، وأُصيب بحادث ليس عن طريق السرعة، وإنما جاء أحد (
…
) فتوفي الرجل؟
الشيخ: توفي المقابل ولا المسرع؟
الطالب: لا المسرع.
الشيخ: أنا ما أرى أن مخالفة النظام، لا أظن أننا نُثبت فيها الضمان؛ يعني مثلًا إذا قدروا السرعة بمئة وثلاثين، ثم حصل تلف، أنا أتردد في أننا نلزمه؛ لأن هذه معصية في مخالفة الأمر فقط، ولا يرد علينا مسألة السيارة؛ مسألة السيارة اللي في البرحة، هذه أصلًا ما يُؤذَن له إطلاقًا، أما مسألة السرعة فهم أحيانًا يتجاوزونها حتى أظن عشرة زيادة.
طالب: ما يُربط الضمان -يا شيخ- بالسرعة؟
الشيخ: لا، أنا أتردد فيها.
طالب: شيخ، قلنا: الكلب لا يُباح قتله إلا إذا آذى؛ غير الأسود والعقور.
الشيخ: نعم.
الطالب: هل من الأذية كثرة النبيح؟
الشيخ: إي، ما فيه شك، أن من الأذية كثرة النباح، إذا صار تحت بيتك ولا يجعلك تنام ويش تسوي، تضربه يرجع.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- بعض الجمال يعتدي على الناس بالقتل، والإنسان يتدافع، وهل إذا قتله الإنسان بمثل هذا يضمن؟
الشيخ: إذا دافعه ولم يندفع إلا بالقتل فلا ضمان عليه؛ يعني لو هاج الجمل عليه، ثم دافعه ولم يندفع إلا بالقتل، فلا ضمان عليه.
الطالب: وإذا قتله الجمل نفسه، هل يضمن صاحب الجمل؟
الشيخ: يأتينا إن شاء الله، لكن لا بد أن تعلم أنه إذا قتله لصوْله، ثم ادعى صاحبه أنه لم يصُل عليهن، فهنا يحتاج إلى بيِّنة، ومشكلة هذه، إلا على القول الراجح؛ أن من عُرِف منه الصدق والأمانة، فإنه لا يحتاج إلى بينة، ولكن يحلف؛ فيقول: والله إنه صال عليه، ولم يستطع مدافعته.
طالب: شيخ، إذا أوقف إنسانٌ سيارته في مكان سد على أخيه، فخرج هذا صاحب السيارة الأول، فاصطدم (
…
).
الشيخ: كيف؟
الطالب: يعني أتلف بعضها؛ باحتكاكٍ أو بنحوه، فهل على صاحب السيارة الذي وقف ..
الشيخ: الذي أوقفها أولًا هو الضامن؛ لأنه معتدٍ، لا بد أن يدع في الطريق ما يمكن أن تمر به السيارة.
الطالب: الأول أوقف سيارته في مكان بعيد؛ الْمُخصَّص له، الثاني أتى وسد عليه الطريق، أو جعل فتحة ضيقة لا يخرج (
…
)، فخرج هذا الأول؛ صاحب السيارة الأول.
الشيخ: يعني حاول الخروج؟
الطالب: حاول الخروج.
الشيخ: طيب.
الطالب: فاصطك بالثاني، فهل على .. ؟
الشيخ: المعتدي لا يضمن له.
طالب: صاحب البيت (
…
) كلبه ليلًا للحراسة، والكلب لا يؤذي الذين يترددون على هذا البيت، فأتاه شخص غريب وآذاه الكلب، فهل على .. ؟
الشيخ: آذاه أو عقره؟
الطالب: ربما.
الشيخ: شقَّق ثيابه؟
الطالب: نعم، هل على صاحب البيت الضمان؟
الشيخ: لكن المعلوم اللي يأتي حول البيت هو الذي أخطأ، وهو لم يضع الكلب إلا لهذا، أما لو كان الكلب يعتدي على من كانوا بعيدًا عن البيت فعليه الضمان، ولا يجوز له أن يخرجه خارج البيت وهو يعرف أنه يعتدي على الناس حتى من بُعد.
***
طالب: وباقي جنايتها هدرٌ، كقتل الصائل عليه، وكسر مزمارٍ وصليبٍ، وآنية ذهبٍ وفضة، وآنية خمرٍ غير محترمة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
رجلٌ ربط دابةً بطريق، فعثر بها إنسان، فما الحكم؟
الطالب: إذا ربطها بطريقٍ متسع أو واسع فعثر بها إنسان فلا ضمان على الذي أوقفها فيه ..
الشيخ: فلا ضمان على الذي أوقفها فيه.
الطالب: نعم، يا شيخ الذي أوقفها فيه.
الشيخ: إي، ما هو قال: الذي أوقفها فيه.
الطالب: الذي أوقف الدابة.
الشيخ: يعني إذا ربطها بطريقٍ واسع، نعم.
الطالب: إذا ربطها بطريقٍ ضيق فاصطدم بها إنسان، أو أتلفت شيئًا فعليه الضمان.
الشيخ: طيب، الطريق الواسع، هل يحتاج إلى تفصيل؟
طالب: نعم، الطريق الواسع إذا كان مُنَفَّذًا ..
الشيخ: نافذ، هو نافذ.
الطالب: نعم، فيحتاج إلى تفصيل ..
الشيخ: ما هو التفصيل؟
الطالب: التفصيل؛ إذا أرادها بجانبه .. العادة أن الناس لا يمرون على هذا المكان.
الشيخ: أحسنت.
الطالب: إذا أتلف في هذا الوضع شيئًا لا يضمن.
الشيخ: إذا ربطها بجوانب الطريق الواسع، فعثر بها إنسان فلا ضمان عليه، وإن ربطها في وسط الطريق؟
الطالب: وعثر عليها إنسان يضمن.
الشيخ: وإن ربطها في وسط الطريق؛ في وسط الطريق الواسع؟
الطالب: يضمن.
الشيخ: يضمن، تمام. طيب إذا وضع على الرصيف صندوقًا فيه مال، هل يضمن أو لا؟ على الرصيف، فعثر به إنسان من المارة؟
طالب: يضمن.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه ..
الشيخ: الطريق واسع، وهذا على الجانب؟
الطالب: لأنه ..
الشيخ: طريق واسع؟
الطالب: لأنه تعدَّى على الطريق.
الشيخ: أي طريق؟
الطالب: الرصيف.
الشيخ: لكن الطريق واسع؟
الطالب: هو ..
الشيخ: وفيه رصيفان وضع على أحدهما؟
الطالب: لكن الرصيف هذا للمارة، فإذا ..
الشيخ: يعني يُعتبر الرصيف كالطريق؟
الطالب: الضيق.
الشيخ: كالطريق الضيق، توافقونه على هذا؟ نعم، وهو كذلك. الكلب العقور إذا عقر إنسانًا، هل يضمن صاحب الكلب أو لا؟
طالب: الكلب العقور؟
الشيخ: كلب عقور نعم.
الطالب: نعم، يضمن.
الشيخ: على كل حال؟
الطالب: على كل حال يضمن.
الشيخ: كل حال؟
الطالب: نعم.
الشيخ: نعم.
طالب: إن دخل بدون إذن صاحب البيت.
الشيخ: إن عقره في داخل البيت، وقد دخل بإذن صاحبه؟
الطالب: إن دخل بإذن صاحبه فيضمن.
الشيخ: من اللي يضمن؟
الطالب: يضمن صاحب البيت.
الشيخ: يضمن صاحب الكلب.
الطالب: بإذن صاحبه.
الشيخ: إي، هو معلوم بإذن صاحبه، يضمن، وإن كان بغير إذنه؟ يعني إن دخل بغير إذنه فلا ضمان عليه، كذا؟ وإن دخل بإذنه فعليه الضمان؟
طالب: العكس.
الشيخ: طيب، إذا دخل بغير إذنه فلا ضمان عليه، وإن دخل بإذنه فعليه الضمان، تصور المسألة، تراها سهلة وواضحة.
طالب: إن دخل يا شيخ بإذنه يضمن.
الشيخ: إن دخل بإذنه فعليه الضمان، صاحب الكلب، طيب وإن دخل بغير إذنه؛ لم يضمن صاحب الكلب، لماذا؟
الطالب: لأنه متعدٍّ.
الشيخ: لأنه متعدٍّ، توافقونه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إي نعم، هذا هو. طيب إذا عقره بالسوق؟
طالب: نعم، إذا عقره بالسوق؟
الشيخ: نعم.
الطالب: يضمن.
الشيخ: من اللي يضمن؟
الطالب: صاحب الكلب.
الشيخ: صاحب الكلب، توافقونه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: صح.
قال المؤلف رحمه الله: (وما أتلفت البهيمة من الزرع ليلًا؛ ضمنه صاحبها، وعكسه النهار)، (ما أتلفت البهيمة) البهيمة هي الحيوان؛ من إبل، بقر، غنم؛ ضأنه ومعزه، وغير ذلك. وسُمِّيت بهيمة؛ لأنها لا تنطق، ولهذا تُسمى عجماء أيضًا؛ لأنها لا يُفهم نُطْقُهَا؛ قال الله تعالى:{عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} [النمل: 16]. فالبهيمة إذن تشمل جميع الحيوان الذي يُقتنى؛ من إبل، وبقر، وغنم، وحُمُر، وخيل، وظباء، وغير ذلك.
(ما أتلفت البهيمة من الزرع ليلًا ضمنه صاحبها) قوله: (من الزرع) يُفهم منه أن غير الزرع ليس هذا حكمه، فثمر النخل، وثمر التين والبرتقال وغيرها ليس هذا حكمه، الأطعمة من حبوب وغيرها ليس هذا حكمها؛ لأن المؤلف خصه بالزرع خاصة.
وقوله: (ليلًا) يدخل الليل بغروب الشمس، ويخرج بطلوع الشمس، فإنه يضمنه صاحبها. دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن على أهل المواشي حفظها في الليل، وعلى أهل الزروع حفظها في النهار (3)، وهذا واضح؛ ذلك لأن العادة جرت أن أهل المواشي يحفظونها في الليل؛ إما بقيودها، وإما بأحواشها أو غير ذلك؛ لأنها لا ترعى في الليل، وأهل المزارع يحفظونها في النهار وينامون في الليل، وهم مسؤولون عنها بالنهار، فكان هذا الحديث مطابقًا للحِكمة تمامًا؛ أن ما أتلفت البهائم من الزرع في الليل فالضمان على مَنْ؟ على أصحابها؛ لأنهم مأمورون بحفظها، ولأن العادة جرت بذلك، وما أتلفت بالنهار فليس على أصحابها شيء؛ لأن المسؤول عن المزارع هم أهلها، وهكذا جاءت السُّنَّة.
نرجع إلى المفاهيم؛ قوله: (ما أتلفت من الزرع) لو أتلفت شيئًا من الثمار بأن انطلقت في النهار أو في الليل على نخلٍ قصير، فأكلت ثمرتها، فهل يضمن صاحبها أو لا؟ ظاهر كلام المؤلف أنه لا يضمن صاحبها، لا ضمان عليه، لا في الليل ولا في النهار؛ لأنه خص ذلك بالزرع، وهذه المسألة فيها للعلماء ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه خاص بالزرع كما هو ظاهر كلام المؤلف.
الثاني: أنه خاص بالزرع والثمار التي في الحوائط؛ لأن الثمار التي في الحوائط بمنزلة الزرع؛ إذ العادة جرت بأن الناس يحفظون زروعهم وثمارهم في النهار وينامون عنها في الليل، كما أن العادة جرت بأن أهل المواشي يحفظونها في الليل ويتركونها في النهار لترعى.
القول الثالث: أن جميع ما أتلفت من زرع وثمار وأموال وغيرها حُكْمه حُكم ما أتلفت من الزرع، فعلى هذا يكون عموم ما أتلفته البهائم إن كان في الليل، فعلى من؟
طلبة: أصحابها.
الشيخ: فعلى أصحابها الضمان، وإن كان في النهار فليس على أصحابها شيء؛ ودليل ذلك عموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2)، وضمنَّا صاحبها في الليل قياسًا على الزرع؛ لأن العلة أيش؟
طالب: واحدة.
الشيخ: العلة واحدة؛ أن أهل المواشي يحفظون مواشيهم في الليل ويُطلقونها في النهار لترعى، وهذا القول أصح؛ أنه لا فرق بين الزروع وغيرها؛ لأن أهل الأموال في الليل ينامون عنها، لو أن إنسانًا كان عند بيته أكياس من القمح، فجاءت المواشي فأكلته، فهنا ماذا نقول؟
طالب: الضمان على صاحبها.
الشيخ: نقول: الضمان على صاحبها؛ لأن الناس في الليل ينامون ولا ينتبهون لأموالهم، وفي النهار؟
طالب: لا ضمان.
الشيخ: لا ضمان على صاحبها؛ لأن الواجب على أهل الأموال حمايتها. وبعض العلماء فرَّق بين الْمُفَرِّط في حفظ البهيمة وغير المفرط؛ يعني أن الإنسان في الليل إذا حفظ البهيمة؛ إما برباط، أو قيد، أو شد، أو سور، ثم انطلقت مع تمام التحفُّظ فإنه لا ضمان على صاحبها، وهذا هو المشهور من المذهب؛ لأن الرجل لم يُفرِّط، والعادة جرت أن الناس يحفظون مواشيهم، ثم ينامون، فإذا انطلقت بأن عضت القيد حتى انقطع مثلًا، أو تسوَّرت الجدار الذي لا تتسور مثله البهائمُ فلا ضمان.
وهذا الحقيقة قد يُقال: إنه قولٌ لا بأس به؛ لأن الإنسان لم يُفرِّط ولم يتعدَّ، فإذا لم يُفرِّط ولم يتعدَّ فإنه لا ضمان عليه، ويدخل هذا في عموم قوله:«الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2)؛ العجماء يعني البهائم، وجبار يعني هدر.
يقول: (وعكسه النهار، إلا أن تُرسل بقُرب ما تتلفه عادة) هذا مستثنى من قوله: (وعكسه) عكسه النهار يكون الضمان على صاحب الزرع؛ يعني ليس على صاحب البهيمة ضمان، إلا أن المؤلف –رحمه الله استثنى معنى وجيهًا يؤيد ما نقلناه أخيرًا؛ وهو أنها إذا أرسلت بقُرْب ما تتلفه عادة فعليه الضمان، مثال ذلك: رجل يرعى إبله في النهار، فأطلقها قُرْب مزرعة، والمزرعة ليس عليها شبك، وليس عليها جدار، مثل هذا جرت العادة أن البهيمة تذهب وتأكل الزرع كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:«كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» (4).
وهذا الاستثناء الذي ذكره المؤلف وجيه وصحيح، يُرسلها على بُعد خمسة أمتار أو عشرة أمتار، أو على مرآها، ثم يذهب، من المعلوم أنها سوف تذهب إلى الزرع وتأكله، فيكون الضمان هنا على صاحبها؛ ولهذا قال:(إلا أن تُرسَل بقُرْب ما تُتلِفه عادة).
لو قال قائل: إذا انعكس الأمر، وصار الناس يحفظون أموالهم في الليل، والمواشي أيضًا تُطلَق في الليل، فهل انعكس الحكم؟
قال بعض العلماء: إنه ينعكس؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وقال بعض العلماء: لا ينعكس؛ لأن هذه مسائل، مسألة نادرة؛ يعني يندر أن تكون المواشي تُرعَى في الليل، وأن يكون حفظ الأموال في الليل، والنادر لا حُكم له.
فإن قال قائل: ما هو الأصل فيما أتلفت البهيمة علشان نعرف ما خرج عن هذا الأصل؟ هل الأصل الضمان أو لا؟
قلنا: الأصل عدم الضمان، الأصل فيما أتلفت البهيمة عدم الضمان؛ الدليل:«الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2)، ما لم يكن عدوان من صاحبها أو تفريط، فإن كان عدوانٌ أو تفريط عُمِل بما يقتضيه ذلك العدوان والتفريط؛ فمثلًا الكلب العقور يحرم اقتناؤه، فإذا أتلف شيئًا خارج منزل صاحبه، فعليه الضمان.
الكلب العادي إذا أتلف شيئًا خارج منزل صاحبه ليس فيه ضمان بناءً على القاعدة: أن الأصل فيما أتلفت البهيمة عدم الضمان، هذا هو الأصل.
قال: (إلا أن تُرسل بقُرب ما تتلفه عادة)؛ يعني فعلى صاحبها الضمان، لو كان ذلك في النهار.
(وإن كانت) الضمير يعود على البهيمة (بيد راكب، أو قائد، أو سائق؛ ضمن جنايتها) إلى آخره.
(إن كانت بيد) ومعنى بيد أي أنه متمكنٌ من التصرف فيها؛ ولهذا يقول الناس لما يخرج عن طاقتهم، يقول: هذا ما هو بيدي؛ فالمراد (بيد) أي يمكنه أن يتصرف فيها.
(بيد راكب) الراكب إذا لم تكن البهيمة شكسة يتصرف، فإذا أتلفت شيئًا -كما سيأتي- فعليه الضمان؛ لأنه يستطيع أن يتصرف، فإن انفلتت منه وشردت وعجز عن أن يتصرف فلا ضمان عليه، هذا نفهمه من كلام أيش؟ من قوله:(بيد).
(إن كانت بيد راكب أو قائد) قائد يقودها؛ لأن القائد يتصرف فيها، خصوصًا البهيمة الذلول التي تنقاد مع صاحبها، فهي ستتبعه، فأما إن شردت يعني نفرت وشردت وعجز؛ يعني أحيانًا تكون البعير تشرد ويعجز عن ضبطها، وربما تطؤه هو، فهذا ليس بيده.
(أو سائق) والسائق أقل الرجلين تصرفًا في البهيمة، الراكب يتصرف، القائد يتصرف، السائق يتصرف، لكن تصرفه قليل؛ لأن السائق يتصرف في إيقافها إذا تكلم معها فيما يدل على الوقوف يتصرف في هذا، لكن فيما أمامها لا يستطيع أن يتصرف كما ينبغي، ومع ذلك جعلوا السائق مثل الراكب والقائد.
يقول: (ضمن جنايتها بِمقدَّمِها لا بِمؤخَّرها)؛ يعني ما عضت بفمها، أو وطئت بيدها فعليه ضمان، أما ما كان بالرجل فلا ضمان فيه؛ مثل: وطئت على شيء؛ فلا ضمان، أو نفحت برجلها شيئًا؛ فلا ضمان؛ لأنه لا يستطيع أن يتصرف برجلها، أما يدها يستطيع أن يحرفها يمينًا وشمالًا إذا أقبلت على شيء تتلفه، وكذلك السائق.
لكن هذا أيضًا في النفس منه شيء؛ لأن الراكب إذا كان راكبًا، ثم إن البعير رأت على رصيف الدكان؛ رأت طعامًا، هي على كل حال سوف تنقض عليه انقضاض الطير على اللحم، وتأكل هذا الطعام، هل نقول في هذه الحال: على صاحبها الضمان؟
ظاهر كلام المؤلف عليه الضمان، ولكن في النفس من هذا شيء؛ لأن صاحبها في هذه الحال لا يتمكن منها؛ فلهذا ينبغي أن يُقال: إذا كان بيد الراكب أو القائد أو السائق وأتلفت شيئًا بناءً على تفريطه أو تعديه فعليه الضمان، وأما إذا كان بغير تعدٍّ ولا تفريط، فلدينا قاعدة أسسها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ وهي «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2)، فأما إذا كان يستطيع أن يتصرف فيها، ولكنه أهمل أو تعدى بأن مَرَّ بشيء يعرف أنها سوف تأكل منه، فحينئذٍ نقول: عليه الضمان، فينبغي أن نجعل مَناط الحكم في هذا؛ أي فيما يتعلق بالبهائم من الجنايات، أن نجعل مناط الحكم هو التعدي أو التفريط، فإذا كان متعديًا أو مفرطًا فعليه الضمان، وإلا فلا.
التعدي مثل أن يمر بها إلى جنب شجر مثلًا، أو إلى جنب أطعمة، يعرف أنها سوف تنهش من هذه الثمرة، أو من هذه الأطعمة، هذا مُتعدٍّ، التفريط أن يُمكنه كبح لجامها، ولكنه لا يفعل، هذا نقول: إنه مُفرِّط.
قال: (وباقي جنايتها هدَر) باقي جنايتها أيش؟ جناية البهيمة، كل جنايتها هدر، ما عدا ما استُثني، وما استُثني -كما عرفتم- مبني على التعدي أو التفريط، فإن لم يكن تعدٍّ ولا تفريط، فلا ضمان على صاحبها. هذه القاعدة تطمئن إليها النفس وتركن إليها، وهي قاعدة منضبطة تمامًا، ومأخوذة من السُّنَّة، لا من قول فلان وفلان، فنقول: لا فرْق بين أن تكون بيد راكب، أو قائد، أو سائق، أو أي إنسان، فالحكم أنه إذا لم يكن تعدٍّ ولا تفريط ممن هي بيده فلا ضمان عليه، وإن كان هناك تعدٍّ أو تفريط؛ فعليه الضمان.
نحن الآن ليس عندنا بهائم فيما يتعلق بالراكب والقائد والسائق، عندنا سيارات، أيضًا السيارات الحكم فيها مبني على القاعدة؛ إن كان هناك تعدٍّ أو تفريط من السائق فعليه الضمان، وإن لم يكن تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه. هذه القاعدة، فلو فُرض أن شخصًا أتى مُسرِعًا، والسيارة ماشية في طريقها، ثم اصطدم بالسيارة، بالجنب أو بالمؤخَّر، فهل على السائق ضمان؟
طلبة: لا، ليس عليه ضمان.
الشيخ: والله جواب هش هذا، ليس عليه ضمان أبدًا، هل تعدَّى أو فرَّط؟ أبدًا، ما تعدَّى ولا فرَّط، يمشي بالطريق مشيًا معتادًا، وهذا هو اللي جاء مُسرعًا واصطدم بالسيارة، فلا (
…
) عليه.
لو أن رجلًا يمشي في الطريق على العادة، وإذا بشخصٍ ينجز، ويكون بين عجلة السيارة؟
طالب: ليس عليه ضمان.
الشيخ: عليه ضمان أو لا؟
طلبة: ليس عليه.
الشيخ: ليس عليه ضمان؛ لأن الرجل لم يتعدَّ ولم يُفرِّط، أما لو رأى رجلًا نجز حتى صار في وسط الطريق، وهو يملك السيارة، ولكنه تهاون، أو ظن أنه سوف يجتاز؛ فهذا عليه الضمان، الفرْق أن هذا مُفرِّط، والأول غير مُفرِّط.
قال المؤلف: (كقتل الصائل عليه)؛ قتل الصائل لا ضمان فيه، الصائل على أيش؟ على النفس، نقول: الصائل على النفس، الصائل على العِرْض، الصائل على الأهْل، الصائل على المال، هذا يُدافَع بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل فقتلَه فلا ضمان؛ لأن العدوان حصل من الصائل، فهو الذي قتل نفسه في الحقيقة، فلا ضمان على القاتل، ولكن يجب أن يدافعه بالأسهل فالأسهل، إذا اندفع بالتهديد فلا يضربه، إذا اندفع بالضرب الخفيف فلا يضربه ضربًا شديدًا، إذا اندفع بالضرب الشديد فلا يقتله، إذا لم يندفع إلا بالقتل فله قتله.
طيب، إذا كان لا يدري، هذا الصائل لا يدري، المصول عليه لا يدري، هل يُبادره بالقتل؛ لأن الصائل ربما يكون معه سلاح، فإذا رأى أنه قد علم به المصول عليه ربما يبادره بالقتل، فهل للمصول عليه في هذه الحال أن يبادره بالقتل؟
طلبة: نعم.
الشيخ: الجواب: نعم، إذا غلب ظنه غلبة قوية أنه إن سكت يدافعه بالأسهل فالأسهل قتله، فإنه يقتله ولا شيء عليه، وهذا فيما بينه وبين الله، لكن لو ادعى فيما بعد أولياء المقتول أنه لم يصُلْ على هذا الرجل، وأن الرجل هو الذي اعتدى عليه وقتله، ثم ادعى أنه صائل، فهنا تقع المشكلة، سيقال للقاتل: أثبِت أن الرجل صالَ عليك، قال: أُثْبِت ذلك في بيتي، هو لم يقتلْه في الشارع، قتلَه في بيته، قالوا: نعم، قتلته في بيتك؛ لأنك دعوته، فأجاب الدعوة، فاستغللت الفرصة، أيمكن هذا أو لا؟ يمكن، إذن ماذا نصنع؟
المشهور عند الأصحاب رحمهم الله على المذهب أنه يُقتَل القاتل، مع أنه مدافِع، إلا إذا أثبت أن هذا صائلٌ عليه فلا يُقتل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجب أن ينظَر للقرائن في القاتل والمقتول، فإذا كان القاتل ممن عُرِف بالصلاح والاستقامة، وأنه لا يمكن أن يعتدي على أحدٍ بالقتل، وعُرِف الصائل بالشر والفساد والهجوم على الناس فالقول قول القاتل، لكن بيمينه، ولا حاجة للبينة.
وما قاله شيخ الإسلام هو الذي لا يسع الناس العمل إلا به، للمشكِل، يأتي إنسان مجرم يصول على بيت الرجل، على أهله، على ماله، ثم نقول: إن قتلته ولم تُقِم بينة في الصول فإنك ستُقتل، هذا صعب جدًّا، فالصواب ما قاله الشيخ رحمه الله، وأهل الشر معروفون، وأهل الخير معروفون.
إذن فهمنا أن قتل الصائل لا ضمان فيه، ويشمل الصائل من بني آدم ومن غير بني آدم، فلو صالَ عليه جمل فقتَله دفْعًا للصول، فهل يضمن لصاحب الجمل؟ لا؛ لأن الجمل أصبح لا قيمة له.
طيب، ولو قتل صيدًا وهو مُحرِم صال عليه، فعليه الجزاء؟
طلبة: لا، ليس عليه الجزاء.
الشيخ: ليش؟
طلبة: لأنه صال.
الشيخ: لأنه صال عليه، فهو معذور.
وقول المؤلف: (كقتل الصائل عليه) هل يجب قتله إذا صال؟ بمعنى هل يلزم الإنسان أن يدافع عن نفسه أو لا؟
أما أهله وحُرمته ونفسه فيجب أن يُدافِع وجوبًا، وأما المال فمختلفٌ فيه، والصحيح أنه يجب أن يُدافِع عن ماله؛ لأن المال، وإن كان أهون من العِرْض وأهون من النفس، لكن الذل الذي يُصيب الإنسان بتمكين هذا المجرم من إتلاف المال أو سرقته أو ما أشبه ذلك، وقد سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، قال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال:«لَا تُعْطِهِ» . قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قَاتِلْهُ» . قال: أرأيت إن قتلتُه؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ» ، وإن قتلني؟ قال:«أَنْتَ شَهِيدٌ» (5).
(كقتل الصائل عليه، وكسر مزمار).
طالب: يا شيخ؛ لو أن مجرمًا هجم على ..
الشيخ: لو؟
الطالب: لو أن صائلًا صال على شخصٍ في بيته، ولم يكن عنده شهود، فأمكنه أن يسجل صوته تسجيلًا؛ يعني في أثناء المدافعة، ثم قتله فطُلبت منه بينة، فعرض التسجيل؟
الشيخ: الله المستعان، متى يجيب المسجل ويدخل الشريط .. ؟ !
الطالب: إذا أمكنه يا شيخ؟
الشيخ: لا، هذه مسألة فرضية، ثم تقليد الأصوات الآن سهل، وقد ذكرنا لكم أنه لا يمكن ينعقد البيع ولا النكاح ولا غيره بالصوت.
طالب: إذا كان من الجائز عقلًا أن يُدفَع الصائل دون القتل، ولكن ..
الشيخ: إذا كان من الجائز عقلًا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ويش معنى الكلام هذا؟
الطالب: إذا ..
الشيخ: أو من الممكن.
الطالب: إذا كان من الممكن أن يدفع الصائل بدون القتل، ولكن المصول عليه قتله، ثم ادعى أولياؤه أنه كان يمكن ألا يقتله؛ يعني كان يمكن أن يدفع بدون القتل؟
الشيخ: إي، هو متى ثبت الصول فإنه لا يُلزَم بأن يُثبت أنه لم يندفع إلا بالقتل.
الطالب: إذن لا ضمان عليه؟
الشيخ: لا ضمان عليه؛ لأن هذه مسألة لا يمكن الإحاطة بها.
طالب: أحسن الله إليكم، لو كان عادة الناس أن الضمان على صاحب البهيمة سواء أتلفت الزرع مثلًا ليلًا أو نهارًا، فهل يجوز العمل بهذا .. ؟
الشيخ: أما ما خالف السُّنة فلا يجوز العمل به، وأما ما كان باجتهادٍ من العلماء فلكل اجتهاده، أما ما خالف السنة لا يمكن أن يعمل به حتى ولو كان النظام والقانون، فإنه لا يجوز العمل به، وإذا حُكِم على الإنسان بمقتضى القانون وهو مخالفٌ للشرع، فهو مظلوم، فيستسلم ويُوافق ويؤدي ما حُكم به عليه، والحساب غدًا.
طالب: شيخ؛ كثير من حوادث السيارات التي يذهب ضحيتها أناس تكون خارجة عن طاقة الإنسان، ومن غير تعدٍّ ولا تفريط، فهل نقول بسقوط الدية والصيام؟
الشيخ: إي معلوم، إذا لم يتعدَّ ولم يُفرِّط فليس عليه شيء.
الطالب: الصيام؟
الشيخ: كيف الصيام؟ ويش الصيام؟ قل: الكفارة سواء عتق ولَّا صيام.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- بالنسبة للبهائم إذا أتلفت زرعًا يعني قبل إكماله، ولا يُعرف ما أتلف، فكيف الضمان؟
الشيخ: هذا إما أن يقر صاحب البهيمة، وفي الصورة التي لا ضمان فيها ما فيه إشكال؛ في الصور التي ليس فيها ضمان ما فيه إشكال، سواء أكلت كثيرًا أو قليلًا، أليس كذلك؟
الطالب: بلى يا شيخ.
الشيخ: في الصور اللي فيها الضمان يصطلح صاحب البهيمة وصاحب الزرع.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- إذا تمكن المصول عليه من دفع الصائل بالتهديد أو بالضرب الخفيف، لكن المصول عليه طمع في أن يلقي القبض على هذا الصائل بالضرب الشديد، أو قد يقوم بإتلاف رجله أو يده ..
الشيخ: أيش؟
الطالب: يعني بالضرب الشديد الذي قد يؤدي إلى إتلاف بعضه، أو كل هذا الصائل، فهل له ذلك أو لا؟
الشيخ: لا؛ لأنه معنى (أتلفت) أنه إذا ضربه الضرب الخفيف هرب.
الطالب: يهرب، ولكنه يطمع في أن يلقي القبض عليه.
الشيخ: إلا إذا كان له حق الولاية، فلا بأس.
طالب: أحسن الله إليكم يا شيخ، في الوقت الحاضر يا شيخ أكثر الصائلين اللي يتسلطون على المحال يفاجأ أنه متسلح.
الشيخ: أيش؟ سلاح، نعم.
الطالب: وكثير ما يحدث القتل بالصفة هذه يا شيخ.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: في الوقت الحاضر.
الشيخ: نعم.
الطالب: كثير ممن حصل له القتل من الصائل على المصول عليه؛ لأنه ما (
…
).
الشيخ: والسؤال؟
الطالب: السؤال يا شيخ؛ الإنسان يعني (
…
) القتل (
…
) والسؤال عن ..
الشيخ: يعني أنت تقول الآن: يجب أن يبادره بالقتل؟
الطالب: شيخ؛ يعني هل الأقرب (
…
)؟
الشيخ: يعني أنت تريد أننا نقول: إذا صال عليه يُبادر بالقتل؟
الطالب: لا يا شيخ؛ أنا أنتظر تفسيرك، لكن الزمن الحاضر ما ..
الشيخ: في الزمن الحاضر، يعني أنت ترى في الزمن الحاضر يبادر بالقتل؟
الطالب: يعني أحوط ما يكون (
…
)، الأقرب ما يكون ..
الشيخ: هذا الآن ما خرج عن القاعدة، نحن قلنا: القاعدة إذا خاف ألا يندفع، فإذا خاف أن يقتله قبل أن ينصرف فله قتله.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- حوادث الإبل (
…
).
الشيخ: حوادث الإبل؟ كيف حوادث الإبل؟
الطالب: يعني يحصل كثيرًا، الإبل تطلع على الطرق الأسفلت (
…
) السيارة.
الشيخ: هذه صدر فيها قرار من هيئة كبار العلماء فليُرجع إليه.
طالب: ما الفرق بين القائد والسائق؟
الشيخ: السائق من وراء.
الطالب: والقائد؟
الشيخ: والقائد من أمام.
الطالب: هم واحد، في السيارة القائد والسائق واحد.
الشيخ: لا، بس السيارة على إطلاقها، الناس الآن القائد والسائق واحد، لكن في الإبل السائق اللي يكون خلفه، والقائد اللي يكون أمامه.
***
طالب: وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب الغصْب: وباقي جنايتها هدر كقتل الصائل عليه، وكسر مزمار وصليب، وآنية ذهبٍ وفضة، وآنية خمرٍ غير محترمة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، ما هو الأصل فيما أتلفت البهائم، أمضمونٌ هو أم لا؟
الطالب: غير مضمون.
الشيخ: (
…
).
الطالب: الأصل أنه غير مضمون.
الشيخ: الأصل أنه غير مضمون، ما هو الدليل؟
الطالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2).
الشيخ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» ، ما هي العجماء؟
الطالب: العجماء هي البهيمة.
الشيخ: والْجُبار؟
الطالب: يعني هدر.
الشيخ: يعني هدرًا، هذا الأصل، ومتى يكون ما أتلفته مضمونًا على مالكها؟
الطالب: إذا تعدَّى أو فرَّط على الصحيح.
الشيخ: إذا تعدَّى أو فرَّط، سواء كانت بيد الراكب أو السائق أو غير ذلك.
طيب، رجلٌ راكبٌ على بهيمة، فنفرت وعجز عن التصرف فيها، فدعست إنسانًا؟
طالب: ليس عليه ضمان.
الشيخ: ليس عليه ضمان، لماذا؟
الطالب: لأنه لم يتعدَّ، ولم يُفرِّط.
الشيخ: لأنه لم يتعدَّ ولم يُفرِّط، لماذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم ما أتلفت البهيمة من الزرع في الليل على صاحبها؟
طالب: لأن العادة أن أهل الحوائط يحفظون زروعهم في النهار.
الشيخ: لأن العادة أن أهل الحوائط يحفظون زروعهم في النهار.
الطالب: وأن أهل الماشية ..
الشيخ: وأن أهل الماشية يرسلونها لترعى، طيب، في الليل؟
الطالب: في الليل جرت العادة أن أهل المواشي (
…
).
الشيخ: نعم، طيب، جرت العادة في الليل أن أهل البهائم يحفظونها؛ لأنه لا حاجة لإرسالها، وأما أهل الحوائط فهم ينامون؛ لأنهم يعملون في النهار فيريدون أن يناموا بالليل.
طيب، إذن هل هذا الحكم الذي جاءت به السُّنة، هل توافقه القاعدة اللي ذكرنا؟
طالب: نعم.
الشيخ: كيف؟
الطالب: لأنه في حال النهار إذا أرسلها، وأتلفت شيئًا من الزرع، فإنه يكون صاحب الأرض مُفرِّطًا.
الشيخ: نعم؛ يعني لا تفريط من صاحب البهيمة إذا أرسلها في النهار؛ لأن هذا ما جرت به العادة، وهو مُفرِّط إذا أرسلها في الليل.
قول المؤلف رحمه الله: (إلا أن تُرسل بقُرب ما تتلفه عادة)، هل يمكن لقائل أن يقول: إن هذا خلاف الحديث؟
طالب: لا يا شيخ.
الشيخ: لا، لماذا؟
الطالب: لأن العادة (
…
).
الشيخ: لأنه لما أرسلها قُربَ الزرع صار معتديًا؛ لأن العادة أن تذهب إلى الزرع، الدليل على أن هذا هو العادة؟
الطالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى» .
الشيخ: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى .. » كَمِّل؟
الطالب: «يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» .
الشيخ: «يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» أو: «أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ» (4). الصائل إذا كان مجنونًا، فقتله المصول عليه، أيكون ضامنًا؟
طالب: لا يكون ضامنًا؛ لأن حكم الصائل عام بأنه قتله لدفع ضرره فلا عِبْرة (
…
).
الشيخ: ما يحتاج لتفصيل؟
الطالب: لا يحتاج.
الشيخ: طيب، توافقونه على هذا؟ المجنون إذا صال على شخص وقتله، هل يضمن أو لا؟ يقول: إنه يضمن ولا حاجة للتفصيل؟
طالب: لا يضمن.
طالب آخر: فيه تفصيل.
الشيخ: ما هو التفصيل؟
الطالب: إن كان يغلب على ظنه أنه يندفع بدون قتل فإنه يدفعه.
الشيخ: يعني إن كان يندفع بدون القتل فقتَلَه فهو ضامِن، وإن كان لا يندفع إلا به فلا ضمان. طيب، إذا اختلف أولياء المقتول والقاتل، فقال القاتل: إنه صال عليَّ، وقال أولياء المقتول: إنه لم يَصُل، فأيهما نصدق؟
طالب: ننظر إلى أيهما أصلح.
الشيخ: أيهما أصلح؟ ! أولياء المقتول يقولون: أصلح لنا أن يكون غير صائل. أيهما أصلح؟ ! أولياء المقتول يقولون: أصلح لنا أنه يكون غير صائل حتى نأخذ الدية أو القصاص.
طالب: (
…
) القرينة تدل على أنه صادق إنه قاتل (
…
) هو الكلام معه، وإن كان القرينة تدل على أنه أهل المقتول يعني يحلفون، وهم ..
الشيخ: وإذا صار ما فيه قرينة تصدق هذا ولَّا هذا؟
الطالب: تصير للقاضي يا شيخ.
الشيخ: القاضي! حضِّره هنا عشان نسأله.
طالب: أن يكون اليمين على ..
الشيخ: أولًا: ما هو المذهب في هذه المسألة علشان نعرفه؟ إن القول قوْل أولياء المقتول ولَّا قول القاتل؟
الطالب: إن القول قول أولياء المقتول.
طالب آخر: أن القول قول أولياء المقتول.
الشيخ: أن القول قول أولياء المقتول؛ لأن الأصل العِصمة.
الطالب: وعدم الصول.
الشيخ: وعدم الصول، طيب.
الطالب: إلا إن جاء ببينة.
الشيخ: إلا إن جاء ببينة، نعم.
الطالب: ولكن الشيء اللي وجدناه أنها إن لم تكن بينة ينظر للقرائن، إن لم تقرن بقرائن، ننظر إذا كان القاتل (
…
) العدالة، وكان المقتول فيه ..
الشيخ: أصل هذه هي القرينة.
الطالب: أو هي القرينة.
الشيخ: يعني معناه أنا رجحنا أن القول قول من دلت القرائن على صلاحه، سواء القاتل أو المقتول، فلو أن المدعي للصول كان رجلًا فاسقًا، والمقتول معروف بالاستقامة والصلاح، فهنا لا نقبل قول القاتل، وإذا كان الأمر بالعكس، فالقول قول القاتل لكن باليمين، وإذا لم يكن هذا ولا هذا، فالأخ سليم يقول: نرجع للقاضي، ونحن نقول: الأصل الضمان وعدم الصول.
قال: (وكسر مزمار)؛ يعني وكما لا يُضمَن كسر المزمار. المزمار هو من آلات العزْف، وآلات العزف كلها حرام، سواء اقترنت بالغناء أم لم تقترن، وإن كان الغالب أنها تقترن. والدليل على تحريمها ما ثبت في صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري أو أبي مالك الأشعري؛ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:«لَيَكُونَنَّ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» (6). هذه أربعة كلها تكاد تكون متلازِمة: المعازف يصحبها غناء في الغالب، والغناء يكون مع المعازف فيه الغزل والإغراء، ينبني عليه الزِّنا؛ حيث قال:«يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ» ؛ أي الزنا.
الخمر والحرير؛ الحرير سببه الترف، وأن الإنسان يميل إلى أعلى ما يكون من الترف، وحينئذٍ يشرب الخمر ليُكمل على ما يزعم ترفه، فهذه الأربعة التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام في سياقٍ واحد تكاد تكون متلازمة، وهذا نصٌّ صريح بأن المعازف حرام؛ لأن قوله:«يَسْتَحِلُّونَ» يدل على أنها حرامٌ، وهل الاستحلال هنا اعتقاد أنها حلال أو ممارستها كممارسة الحلال؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني؛ لأن اعتقاد أنها حلال قد يُخرِج من الإسلام؛ إذا اعتقد أن الخمر حلال وهو في أمة الإسلام قد عاش وفهم ذلك كان مرتدًّا، لكن المراد يستحلونها أي يفعلونها فعل المستحل لها، فلا ينكرونها ولا يدعونها، وإذا كانت المعازف -أي المعازف عامة- كل آلات العزف، لكن هناك شيء مخصِّص للعموم؛ وهو استعمال الدُّفِّ في المناسبات، فإن السُّنَّة جاءت بجوازه؛ كاستعمال الدف في الأعراس، واستعمال الدف في أيام الأعياد، واستعمال الدف في قدوم الغائب الكبير الذي له إمْرة أو نحو ذلك، كل هذا جاءت به السنة؛ أما الأول فظاهر فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:«أَعْلِنُوا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ» (7)، وإن كان هذا الحديث فيه ما فيه، لكنه له مؤيدات، وأما الأعياد فلأن أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنه رأى جاريتين تغنيان وتدفان عند النبي صلى الله عليه وسلم فانتهرهما، وقال: أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ ! فقال: «دَعْهُمَا؛ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ» (8).
وأما قدوم الغائب فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم غائبًا من سفر، فجاءت امرأةٌ إليه فقالت: يا رسول الله، إني نذرتُ إن ردَّك الله سالمًا أن أدف بين يديك، أو أن أضرب الدف بين يديك، قال:«أَوْفِ بِنَذْرِكَ» (9).
وما عدا ذلك فالأصل التحريم، ما عدا ذلك؛ أي ما عدا الدف من آلات الزمر، فهو داخلٌ في العموم؛ أي أنه حرام، وما عدا ذلك أيضًا؛ ما عدا الأحوال التي رُخِّص فيها، فإنه حتى الدُّف يكون حرامًا؛ لأن ما خُصص بحال يجب أن يَتخصص بها.
إذن المزمار من آلات العزف التي لا تُباح بحال، وعلى هذا فيجب إتلافه، فإذا أتلفه متلِف لم يكن عليه ضمان، ولكن من الذي يُخاطَب في إتلافه؟ يُخاطَب في إتلافه من هو بيده، من هو بيده هو الذي يخاطب بإتلافه، ويقال: يجب عليك أن تُكسِّر هذا. فإن قال: أُحرقه أو أُكسِّره؟ قلنا: إن كانت مادته يمكن أن يُنتفَع بها في شيء مباح فلا تحرقه؛ يعني بحيث نحولها إلى صندوق من خشب أو ما أشبه ذلك، فلا تتلفه؛ لأن هذا إنما حرم لا لأنه خشب، لكن لكونه استُعمل في حرام، فإذا كان يمكن أن يُحوَّل إلى حلال فإنه لا يجوز أن يُكسَّر؛ لأن في ذلك إتلاف مال، وأما إذا كان لا يمكن الانتفاع به فإنه يُحرق؛ لأن إحراقه أبلغ في التنفير عنه، ولئلا تدعوه نفسه فيما بعد إلى جمع المكسرات بعضها إلى بعض حتى يُكوِّن منها مزمارًا.
ويدلنا على أن التحريق أبلغ وأنكى أن الرسول عليه الصلاة والسلام حرَّق نخل بني النضير ولم يُقطِّعها، مع أنه يمكن أن تُقطَّع وينتفع بنبوعها وينتفع برماحها وأوراقها، لكنه حرَّقها؛ لأنه أبلغ في الإهانة.
طيب، إذن نُخاطب مَنْ؟ من هي بيده، ثم يجب على ولاة الأمور أن يُكسِّروها ويتلفوها؛ لأنهم مسؤولون عن الأمة في هذا الشيء، وهم قادرون على أن يُكسِّروها، وليسوا عاجزين، فيلزمهم أن يُكسِّروها لئلا يشيع المنكر في أمتهم، وهم إذا اتقوا الله تعالى في الأمة اتقت الأمة ربها فيهم، وإذا كان الأمر بالعكس صار الأمر بالعكس؛ لأن من أذل الخلق في طاعة الله أعزه الله بهذه الطاعة، وهذا شيء مُسلَّم؛ لذلك يجب على ولاة الأمور أن يكسروا هذه الآلات، أن يكسروها؛ لأنها ضرر على المجتمع عامة، وعلى الأمن، وعلى الولاة أيضًا؛ لأن النفوس إذا أبعدت عن الخالق لم ترحم المخلوق، وهذه الأشياء تُبعد الخلق عن الخالق؛ لأنها تلهي، وتصد عن سبيل الله، وعن ذكر الله، وعن الصلاة.
ثالثًا: هل يجب على الواحد من الناس أن يكسر هذه المزامير؟
الجواب: لا؛ لأنه ليس له السلطة، هل يجوز أن يكسرها؟ يُنظر؛ إن كان يترتب على ذلك ضرر أكبر فإنه لا يكسرها، كما لو حصلت فتنة في تكسيرها بأن يقوم صاحبها على هذا وينازعه ويخاصمه، وربما يحصل بينهم شر فهنا لا يكسرها، ولكن إذا سمعها يهرب منها، وإن لم يكن فتنة بحيث أتى على حين غفلة ووجدها وكسَّرها فلا بأس، لكن مع هذا إذا كان يخشى أنه يمكن أن يتتبَّع حتى يُعرَف ويحصل الشر والفتنة فإنه لا يجب عليه؛ لا يجوز له أن يكسرها فضلًا عن كونه يجب.
قال: (وصليب) يعني كذلك كسر الصليب؛ الصليب هو عبارة عن خطين؛ أحدهما قائم والثاني معترِض، ادعت النصارى أن المسيح عيسى بن مريم قُتل وصُلب عليه، ولعل ذلك -والله أعلم- لقوة اليهود وظهورهم عليهم، ذلوا أمام اليهود، وإلا من المعلوم أن النصارى يُعظِّمون عيسى، والذين ادعوا أنهم قتلوه وصلبوه اليهود، كما قال الله عنهم:{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 157]. ولهذا يجب علينا نحن المسلمين أن نعتقد أن عيسى لم يُقتل، ولم يُصلب، ويجب علينا أن نعتقد أن اليهود باؤوا بإثم قتله وصلبه، لماذا؟ لأنهم هم أقروا بأنهم قتلوه وصلبوه، فباؤوا بالإثم لإقرارهم.
هذا الصليب تُعظِّمه النصارى، وتُعلِّقه في أعناقها، وترسمه على أبواب بيوتها، وفي مجالسها، وفي كل شيء تُعظِّمه بحجة أن المسيح عليه الصلاة والسلام قُتل وصُلب عليه، ونحن نرى أنه منكر عظيم؛ لأنه شعار كُفْر، ولأنه مبني على كذب لا حقيقة له، والمبني على الكذب، والكذب باطل، يكون باطلًا، فإذا كسر إنسان صليبًا فإنه لا يضمنه؛ لأنه ليس له قيمةٌ شرعًا، ولكن هل للإنسان أن يكسر الصلبان التي ينصبها النصارى مثلًا؟
الجواب: لا؛ لأنه ليس له ولاية حتى يمكَّن من كسر هذه الصلبان، نعم، لو فُرض أن النصراني أظهر الصليب وأعلنه في لباسه أو غير ذلك، فهنا يجب على وُلاة الأمر في البلاد الإسلامية أن يمنعوهم من إظهار الصليب؛ لأنه شعار كفر، وهم يعتقدون تعظيمه دِينًا يدينون لله تعالى به.
(وآنية ذهبٍ وفضة) آنية الذهب والفضة إذا كسرها الإنسان فإنه لا ضمان عليه؛ لأن آنية الذهب حرام، وآنية الفضة حرام مطلقًا، سواء كان يستعملها صاحبها في الأكل والشرب أو للزينة أو لغير ذلك، بناءً على أن آنية الذهب والفضة يحرم استعمالها واتخاذها.
وهذه المسألة فيها خلاف، وظاهر السنة أن المحرَّم الأكل والشرب بها فقط دون بقية الاستعمالات ودون اتخاذها للزينة، اللهم إلا أن يكون هذا من باب السرف فيُنهى عن ذلك للإسراف لا لذاتها؛ ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا» (10). فلم يذكر إلا الأكل والشرب، ولو كان الأكل والشرب وغيرهما لقال: لا تستعملوا، ولو كان الاتخاذ بدون استعمال حرامًا لقال: لا تتخذوا، فلا يمكن أن يدع النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أعم ويذكر ما هو أخص، وإذا كان كذلك فلا يُمكن أن نستدل بالأخص على الأعم؛ لأن الدليل لا بد أن يكون أعم من المدلول أو مساويًا له حتى يمكن الاستدلال، أما إذا كان الدليل أخص فالشارع قد وسع للأمة، ويدل لهذا أن أم سلمة، وهي ممن روى النهي عن آنية الذهب والفضة -بل الفضة خاصة- كان عندها جلجل من فضة؛ يعني مثلما نسميه نحن؟
طالب: قارورة.
الشيخ: قارورة أو طابوق، نعم، وابحثوا عن طابوق هل هو لغة عربية ولَّا لا؟ هي التي روت التحذير من الشرب في آنية الفضة كان عندها جلجل من فضة حفظت فيه شعراتٍ من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الناس يستشفون بهذه الشعرات؛ إذا مرض مريض صبَّت في هذا الجلجل ماء ورجَّته بالشعرات واستشفى به الناس.
بناءً على هذا القول الذي هو ظاهِر السنة، نقول: لا يجوز كسر آنية الذهب والفضة إلا لمن يستعملها في الأكل والشرب؛ لأن أصل الجواز كسر آنية الذهب والفضة، وعدم ضمانها بالإتلاف؛ أنها محرمة الاستعمال.
ماذا نقول على القول الراجح في هذه المسألة (وآنية ذهبٍ وفضة) عند من يستعملهما في الأكل والشرب.
(وآنية خمرٍ غير محترمة) آنية الخمر إذا كسرها الإنسان فلا ضمان عليه؛ لأن فيها ما لا يضمن؛ وهو الخمر، فإن الخمر لا يُضمن حتى لو كان يساوي آلافًا، فأتلفه الإنسان، فلا ضمان عليه؛ لأنه لا قيمة له شرعًا.