المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في تصرفات المريض] - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: ‌[فصل في تصرفات المريض]

وهذه نقطة يجب أن ننتبه لها، أن كلام الفقهاء رحمهم الله، يذكرون الأحكام بقطع النظر عن مسألة التربية والمروءة وما أشبه ذلك، هذا شيء آخر.

يقول رحمه الله: (إلا بنفقته الواجبة عليه) يعني فإن له مطالبته بها وحبسه عليها. إذا امتنع الأب من النفقة الواجبة عليه فللابن أن يطالبه؛ لأن وجوب النفقة ثابت بأصل الشرع، فهو كالزكاة، فإذا جَعل ابنه الفقير عاجزًا عن التكسب، وليس عنده مال، وقال لأبيه: أنفق عليَّ. قال: لا، ما أنفق، فله أن يُطالب أباه بالنفقة، وإذا امتنع فللحاكم أن يحكم بحبسه حتى يُسلِّم النفقة.

وأعتقد أن هذا العمل من الابن، أعني مطالبة أبيه بالنفقة لا يخالف المروءة؛ لأن الذي خرم المروءة مَنْ؟ الأب، كيف لم يُنفِق؟ فإذا طالب أباه بالنفقة فله ذلك، وله حبسه عليها.

العلة بأن النفقة واجبة بأصل الشرع فهي كالزكاة يُجبَر الإنسان على بذلها لمستحقها.

[فصل في تصرفات المريض]

ثم قال المؤلف رحمه الله: (فصل في تصرفات المريض) لما ذكر الهبة رحمه الله وأحكامًا كثيرة تتعلق بها وهي في حال الصحة، ذكر الهبة في حال المرض، هل الهبة في حال المرض كالهبة في حال الصحة؟ هنا يكون التفصيل. (قال: من مرضه غير مخُوف) أين السيبويه؟ اتفضل.

طالب: (من) اسم موصول في محل رفع مبتدأ.

(مرضُه) مبتدأ ثان.

(غير مخوف) خبر المبتدأ الثاني. المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول.

الشيخ: يا أبا علي، سيبويه والكسائي.

طالب: (من) اسم موصول مبتدأ.

و(مرضه) مبتدأ ثانٍ.

الطالب: والخبر محذوف.

الشيخ: يأبى عليك الشيخان.

طالب: (من) مبتدأ، و (مرضه) مبتدأ ثانٍ، (غير مَخُوف) خبر المبتدأ الأول، والجملة صلة الموصول خبر المبتدأ الأول ..

الشيخ: والثالث؟

طالب: رجعت يا شيخ.

الشيخ: رجعت، تقبلون رجوعه، نرد عليه ولا ندور غيره؟

طالب: (من) مبتدأ. (مرضه) ..

الشيخ: ويش اسم موصول، ولَّا استفهام، ولَّا شرط؟

ص: 2456

طالب: اسم موصول مبتدأ، (مرضه) مبتدأ ثانٍ، و (غير) خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره صلة الموصول (من).

الشيخ: خطأ.

طالب: اسم موصول مبتدأ.

الشيخ: أيش؟

طالب: مبنية (

).

الشيخ: هذه (مَنْ) منبية على السكون في محل رفع مبتدأ.

الطالب: (مرضه) مبتدأ ثانٍ، و (غير مخوف) خبره، والجملة خبر ثان.

الشيخ: خطأ.

طالب: (من) اسم موصول، و (مرضه) مبتدأ ثانٍ.

الشيخ: خطأ، لا إله إلا الله!

طالب: (

).

الشيخ: خطأ، سبحان الله! كيف تقولون؟ هذه (من) اسم موصول مبتدأ، متفقون عليها، أكثر الأجوبة عليها إلا الجواب الأخير، والأخير بعيد من الصواب، (مرضه) مبتدأ، ما نقول: مبتدأ ثانٍ؛ لأن صلة الموصول جملة مستقلة، فـ (مرضه) متبدأ، و (غير مخوف) خبر المبتدأ، والجملة صلة الموصول، لا محل لها من الإعراب، نقطة الخطأ في إعرابكم قولكم: متبدأ ثانٍ؛ لأن صلة الموصول جملة مستقلة ما لها علاقة بما سبق، تكون صلة الموصول.

(من مرضه غير مخوف كوجع ضِرْس) وجع الضرس لا شك أنه يُؤلم، وربما يسهر الإنسان ليلًا، لكنه غير مخوف، لو أن الإنسان مات من وجع ضرسه لقال الناس: هذا مات في صحته؛ لأنه لا يُنسب الموت إلى مثل هذا المرض، وإلا فإن وجع الضرس مؤلم بلا شك، وتناظَر رجلان فقال أحدهما: لا وجع إلا وجع الضرس، ولا همَّ إلا هم العرس. وقال الثاني: لا وجع إلا وجع العين، ولا هم إلا هم الدَّين، أيهما أصوب؟

طلبة: الثاني.

ص: 2457

الشيخ: لا، الثاني، كفاكم الله شر وجع العين، وجع العين مؤلم جدًّا، وكان الناس فيما سبق يجدون منه معاناة شديدة، لكن الآن -والحمد لله- لنظافة المياه، ووجود الأسباب الكثيرة في المعالجة سهل، وإلا كان الناس يتأذون، يعني الإنسان إذا وجعته عينه لا ينام، بل ولا يضطجع على الفراش، بل يحوم في البيت؛ فهي شديدة، فالثاني لا شك أنه أصح، والدَّيْن أيضًا مشكلة؛ لأن الدين وجوده مؤذٍ، عدم العرس فوات محبوب، لكن الدَّيْن كلما طلع من بيته لقي الزبانية عنده: أعطِنا أعطِنا، صعبة.

إذن وجع الضرس يعتبر من الأمراض غير المخوفة.

(وعين) أيضًا وجع العين غير مخوف، إلا أن هناك نوعًا من الأمراض يكون في أصل الضِّرْس، ويكون أيضًا في حدقة العين، يُسمى عندنا الحبة، هذه مخوفة لا شك، أن الإنسان لو مات منها لم يكن ذلك غريبًا، إنما وجع العين العادي ليس مخوفًا.

(وصُداع يسير) الصداع وجع رأس، لكن اشترط المؤلف أن يكون يسيرًا، فأما الصداع الشديد فهو من الأمراض المخوفة؛ لأن نسبة الموت إليه لا تُستَغرب.

قال: (فتصرفه لازم كالصحيح ولو مات منه). تصرفه، أي: من كان مصابًا بهذا المرض تصرفه لازم كالصحيح، يعني كمن ليس به مرض ولو مات منه، وهي إشارة خلاف.

مثال ذلك: رجل أصابه وجع في ضرسه، فأوقف نصف ماله، قال: نصف مالي وقْف. التصرف صحيح، وَهَبَ نصف ماله، التصرف صحيح؛ لأن المرض غير مخوف فهو كالصحيح.

وقوله: (فتصرفه لازم) قد يشكل على بعض الطلبة كيف جاءت الفاء في الجواب؟ فنقول في إزالة هذا الإشكال: إن (مَنْ) التي هي المبتدأ اسم موصول، والاسم الموصول يُشبه اسم الشرط في العموم؛ فلذلك وقعت الفاء في خبره؛ لأن قوله:(فتصرفه لازم) هذه الجملة خبر المبتدأ، ومنه المثال المشهور: الذي يأتيني فله درهم، الأصل الذي يأتينا له درهم، لكن لما كان اسم الموصول مُشبِهًا لاسم الشرط في العموم جاز دخول الفاء في خبره.

ص: 2458

قال: (وإن كان مخوفًا)(إن كان) الضمير يعود على المرض. (مخوفًا) وهو الذي يصح نسبة الموت إليه، مثاله:(كبرسام، وذات الجنب، ووجع قلب، ودوام القيام، ورعاف، وأول فالج، وآخر سل، والحُمَّى المطبقة والربِّع، وما قال طبيبان) إلى آخره (ومن وقع الطعون ببلده، ومن أخذها الطلق) عدَّ اثني عشر نوعًا.

البِرْسام: وجع يكون في الدماغ، نسأل الله العافية، يختل به العقل، فإذا أصاب الإنسان صار مرضه مخوفًا؛ لأنه لو مات به لم يُستغرب، ولا يقول الناس: هذا مات فجأة.

(ذات الجنب) هو وجع في الجنب في الضلوع، ويقولون: إن سببه أن الرئة تلصق في الضلوع، ولصوقها هذا يشل حركتها، فلا يحصل للقلب كمال دفع الدم وغير ذلك من أعماله، فهذه من الأمراض المخوفة، وكان هذا الداء كثيرًا فيما سبق، يعني عشنا ذلك كثيرًا جدًّا لا سيما في استقبال الشتاء، ويصيب الناس، ولكنه سبحان الله يُشفى -بإذن الله عز وجل بالكي، وأحسن .. ما له إلا الكي، حتى إن بعض المرضى يُغْمى عليه، ويبقى الأيام والليالي وقد أُغْمِي عليه، ثم يأتي الطبيب العربي، فيقص أثر الألم في الضلوع، ثم يسمها بوسم؛ محل الألم، ثم يكويه، إذا كواه -سبحان الله- لا يمضي ساعة واحدة إلا وقد تنفس المريض؛ ولذلك لا يوجد علاج فيما سبق لذات الجنب إلا الكي، ذات الجنب تؤدي إلى الهلاك لا شك، ومن مات من ذات الجنب لم يُعدَّ مات بشيء غريب، يعني لا يُستغرب.

ص: 2459

(وجع القلب) أيضًا من الأمراض المخوفة؛ لأن القلب إذا أصابه الألم لم يستطع أن يضخ الدم، أو ينقي الدم فيهلك البدن؛ لأن القلب -بإذن الله- مصفاة، سبحان الذي خلقه، يرد إليه الدم مستعملًا، وفي نبضة واحدة يعود نقيًّا فيدخل من عرق ويخرج من عرق آخر، في هذه اللحظة النبضة هذه، ثم إن الله سبحانه وتعالى أودعه قوة إذا احتاج الإنسان إليها وُجِدَت، وإن لم يحتج فهو طبيعي؛ ولذلك إذا حملت شيئًا شاقًّا، أو سعيت بشدة تجد نبضات القلب تزيد؛ لأنه يحتاج إلى ضخ بسرعة، إذا وُجِع القلب فهو خطر على الإنسان لا شك، وأوجاع القلب أنواع متنوعة يعرفها الأطباء، لكن منها ما هو قوي، ومنها ما دون ذلك.

(ودوام قيام) القيام هو الإسهال، معروف لكم، إذا كان دائمًا فلا شك أنه مخوف؛ لأن الأمعاء مع هذا الإسهال لا يبقى فيها شيء يمتص الجسم منه غذاءً؛ فيهلك الإنسان، أما القيام اليسير كيوم أو يومين، هذا لا يضر، ولا يُعدُّ مرضًا مخوفًا، لكن إذا دام مع الإنسان فآخِر مآله الموت.

(ودوام رعاف) ما هو الرعاف؟ خروج الدم من الأنف، هذا أيضًا إذا كان يسيرًا فإنه ليس مرضًا، وإن كان دائمًا فهو مرض؛ لأنه إذا دام فإن الدم ينزف، ومعلوم أن البدن لا يقوم إلا بالدم؛ لأن أصل البدن سبحان الله دم، أصله علقة، فلا يقوم إلا بذلك، فمع دوام الرعاف يُعتبر المرض مرضًا مخوفًا.

(وأول فالج) أول الفالج هو خدورة البدن. وأنواعه متعددة، لكن أول الفالج خطر؛ لأن هذه الخدورة قد تسري إلى البدن فتقضي عليه، أما إذا كان في آخر الفالج فلا، إلا أن يقطعه في الفراش كما سيأتي، الخطر في الفالج في أوله، السل الخطر في آخره؛ لأن أول السل ربما يُشفى منه المريض إما بحمية وإما بمعالجة يسيرة، لكن آخره خطر، مرض مخوف.

ص: 2460

وكذلك أيضًا (الحُمَّى المطبقة والرِّبع) الحمى المطبقة يعني الدائمة، و (الرِّبع) التي تأتي في اليوم الرابع، تتكرر عليه كل يوم أربعة تأتيه، والحمى هي السخونة، وهي معروفة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الحمى من فيح جهنم، وأنها تُطفأ بالماء البارد (15). وهذا سبحان الله، هذا الطب اليسير السهل قد عُلِم من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، والأطباء الآن يرجعون إليه، الآن الأطباء يصفون الدواء لمن أُصِيب بالحمى بهذا، حتى إنهم يجعلون بعض المرضى أمام المكيِّف.

ووجه ذلك ظاهر بأن الحمى معناها خروج الحرارة من داخل البدن إلى ظاهره، فيبقى البدن من الداخل يبقى باردًا، وإذا عُدِمت البرودة اختل التوازن بلا شك؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل البرودة حرارة، والرطوبة يبوسة يقوم بها البدن، إذا غلب أحدها على الآخر اختل طبيعة البدن، فإذا جاء الْمُبرِّد اضطرت البرودة أن تنتقل من الظاهر إلى الباطن فيتعدى البدن.

طالب: إذا ذهب إلى طبيب الأخ المسلم، فقال الطبيب: إن الحمى إذا جاءت للإنسان يقوم بتركها؟

الشيخ: بتركها؟

الطالب: بتركها حتى تخرج الميكروبات الموجودة بالجسم، استدل بالحديث:«لَا بُدَّ أَنْ يُبْرِدَهَا بِالْمَاءِ» (16). وقال الثالث: يمكن أن يحمل هذا على الحمى الخفيفة الأول، والثاني على الحمى الشديدة، فكيف؟

الشيخ: والله على كل حال، تعارض عندنا الآن قول الرسول عليه الصلاة والسلام مع قول غيره، فلا نقبل سواه، لكن المشكلة في مسألة الماء البارد أو القماش البارد أنه ربما يصعب على المريض تحمله، لكن نقول: اصبر.

طالب: أو يصح القول الثاني؟

الشيخ: والله أنا لا أمشي إلا على الحديث، الحديث مُقدَّم على كل شيء، ولو لم يكن من الحديث إلا أن الإنسان يقوله تصديقًا للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا يُؤثِّر نفسيًّا على المريض لا شك.

ص: 2461

طالب: إذا أتى الولد أعطى الأب مالًا ليكون عنده لأبيه، فجاء الوالد وأخذ هذا المال وتصدق به، واشترى أراضي.

الشيخ: يعني الولد أعطى أباه مالًا وديعة؟

الطالب: نعم، فالوالد تصرف في هذا المال واشترى أراضي، وزوج إخوته من هذا المال، فجاء الولد (

).

الشيخ: هل اشترى بعد التملك أو قبل؟

الطالب: هو أعطاه المال.

الشيخ: هو أعطاه وديعة، ما هو تمليك، هل الأب حينما اشترى بهذه الدراهم عقارًا هل نوى تملك هذا المال، ثم الشراء به؟ لا، أنا بأعلمك الآن التفصيل، إذا كان قد نوى تملُّكه، ثم اشترى به فهو صحيح، هذا كلام المؤلف، أما إذا كان ما نوى فكما علمتم أن تصرفه في مال ابنه غير صحيح إلا بنية التملك.

طالب: (

) هل هو خلاف الأولى لحديث (السبعون)؟

الشيخ: لا، السبعون لا يكتوون، يعني ما يطلبون الكي، لكن إذا جاء الطبيب وقال: أنا أريد أن أكويه فلا بأس، ولا يخرج من أوصاف السبعين.

طالب: ما هو الضابط (

الشيخ: الضابط الذي إذا نُسب الموت إليه لم يُعدَّ غريبًا، هذا مخوف؛ ولهذا من أخذها الطلق، كما سيأتينا من الأمراض المخوفة مع أن الطلق يُصيب نساء كثيرات، ولا يمتن؛ يعني فقول بعض الناس: إن المرض المخوف ما غلب على الظن موته به. هذا غير صحيح، بل يقال: المرض المخوف هو الذي إذا نُسب الموت إليه لم يُعد غريبًا.

طالب: إذا قال قائل: ألا يمكن أن يقال بأن تملك الأم ينفذ أخذًا بظاهر الحديث: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ وأن حديث: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» (10) واقعة عين.

الشيخ: ما يستقيم هذا؛ لأن الأب مِنَّتُه على الابن بالمال أكثر من مِنَّة الأم، بالإنفاق وغيره، فرُخِّص له بالأخذ من مال ابنه مكافأة له على الإنفاق عليه، وهذا في الغالب، لكن المسألة فيها قول: إن الأم والجد لهما أن يتملكا من مال الولد، وما له عندي وجه، ليس عندي وجه له، لكن كما قلت لك: ليس له أن يطالب أُمَّه بدَيْن أو نحوه.

ص: 2462

طالب: هل يشترط في تصرف الوالد مع ولده علم الولد؟

الشيخ: علمه، لا، ما هو شرط.

الطالب: هل يا شيخ، قد يحدث إشكال بأن يبيع مثلًا الأب سيارة ابنه (

الشيخ: لا، السيارة -بارك الله فيك- تتعلق بها بحاجته.

طالب: تمت الشروط.

الشيخ: تمت الشروط.

الطالب: (

) فرآها بالمعرض، وقال: هذه سيارتي.

الشيخ: قال: هذه سيارتي. سهلة يقول: باعها لي، وهذا (

).

طالب: أحسن الله إليك، حتى أذن الوالد (

) يريد أن يأخذ يتملك من ابنه، هنا يجوز له أن يتصرف مع أنه هو وماله لأبيه، يجوز التصرف في المال؟

الشيخ: إي، لا، هو الآن التصرف على أنه ملك ابنه.

طالب: (

).

الشيخ: لكن من شروط البيع وصحة البيع أن يكون ملكًا للبائع أو مأذونًا له فيه، والحمد لله المسألة ما فيها مشكلة، يقول: اشهدوا يا جماعة أني تملكت هذا، ويبيع.

طالب: ليس من المروءة أن يطالب الآباء الذي ما يكون ضررًا لي، ولو كان فيه ضرر، قلنا: (

) من ماله ويضره في ماله؟

الشيخ: لا، يضره لا؛ لأن شرط تملك الأب من مال ابنه ألا يضره ولا يحتاجه.

طالب: ولكن يا شيخ إذا (

).

الشيخ: لا، ما حصل هذا، حتى مثلًا لو كان الابن بيده مال يتجر به، ونفقته على نفسه وعياله مِنْ ربح هذا المال، فليس للأب أن يأخذ منه شيئًا؛ يعني مثلًا إنسان عنده مال مئة ألف يتجر بها وربحها، ينفقه على نفسه وعياله، فأراد الأب أن يأخذ من المئة ألف، قلنا: لا؛ لأنه يحتاجه.

طالب: شيخ، بارك الله فيك، (

) الابن غني، ثم أخذ الأب منه مثلًا مليونًا؛ عمارة مثلًا، ثم تملكها ووزعها حينها على الأولاد، وأعطاه نصيبه (

).

الشيخ: نعم، اشترط العلماء رحمهم الله لجواز أخذ الأب من مال ولده ألا يعطيه لولد آخر؛ يعني ما يأخذ من زيد ويعطي عمرًا وهم عياله.

طالب: شيخ، ليس (

)، لا يملك الأب حتى؟

الشيخ: كيف لا يملك؟ إذا تملك دخل ملكه.

الطالب: أوليس الأب له أن يعطي أولاده بالسوية؟

ص: 2463

الشيخ: بلى، يجب في هذه المسألة؛ لأن هذا يُحدث الضعائن بين الأولاد على أبيهم وفيما بينهم.

طالب: شيخ، أحسن الله إليك، (

) الابن، ثم بعده هل للابن أن يطالب الورثة؟

الشيخ: إي نعم، له أن يطالبهم، وهذا السؤال مهم، يعني لو استدان الأب من ابنه، ثم مات قبل الوفاء فله أن يطالَب بتركته.

طالب: إذا أراد أن يرجع في هبته لابنه لا بد من القول .. ؟

الشيخ: أو النية مع القبض المعتبَر.

طالب: شيخ، بارك الله فيك، إذا كان على الابن دَيْن أبيه، فهل للأب أن يبرئ الابن وإن لم يبرئ غيره من الأبناء؟

الشيخ: كيف يبرئ الابن؟ إذا كان للأب دين على ابنه؟

الطالب: على أحد أبنائه، هل له أن يبرئ أحدهم دون الآخرين أم يجب العدل حتى في الإبراء؟

الشيخ: هل هذا من العدل؟ أسألك؟

الطالب: لا، ليس من العدل.

الشيخ: إذا لم يكن من العدل صار حرامًا.

الطالب: كان يجب بعض الأبناء، ويسدد الدَّين والآخرون لا (

).

الشيخ: هذا عن شيء آخر حتى اللي ليس عنده ما يسدده اليوم، قدر يرزقه الله ويكون عنده ما يسدد، ينتظر.

***

الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى: وما قال طبيبان مسلمان عدلان: إنه مخوف، ومن وقع الطاعون ببلده، ومن أخذها الطلق، لا يلزم تبرعه لوارث بشيء، ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة لها إن مات منه، وإن عُوفي فكصحيح، ومن امتد مرضه بجذام أو سل أو فالج ولم يقطعه بفراش فمن كل ماله، والعكس بالعكس، ويعتبر الثلث عند موته.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبق لنا أن الأمراض ثلاثة أنواع.

طالب: مرض مخوف، ومرض غير المخوف، ومرض ممتد.

ص: 2464

الشيخ: (طبيبان مسلمان عدلان إنه مخوف) انظر للشروط، (ما قال طبيبان) فغير الطبيب لا يعتبر قوله، فلو أن عاميًّا قال لمريض من المرضى: إن مرضك هذا مخوف وهو غير طبيب، ولا يعرف الطب فإنه لا يُعتبر قوله، كما لو أفتاك الجاهل بأن هذه الصلاة صحيحة أو غير صحيحة، أو هذا الوضوء صحيح أو غير صحيح.

الشرط الثاني: (مسلمان)، وضدهما الكافران ولو كانا من أحذق الأطباء، فإنه لا عبرة بقولهما؛ لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، فإذا كان هذا في خبر الفاسق فخبر الكافر مردود لا يُقبَل.

الشرط الثالث: (عدلان)، والعدل هو المستقيم دِينًا ومروءةً، هذا العدل، مستقيم في دينه ومروءته، ففي دِينه يعني الاستقامة في الدين أن يؤدي الفرائض، ويجتنب المحارم؛ فالمتهاون بصلاة الجماعة مثلًا، والجماعة واجبة عليه، ليس بعدل، وحالق اللحية مثلًا ليس بعدل إذا استمر على ذلك.

فالعدالة إذن الاستقامة في الدِّين والمروءة، المروءة أن يفعل أو يقول ما يخرم المروءة عند الناس، وينزل قيمته عندهم وإن كان الفعل في نفسه ليس محرمًا، وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله من الأمثلة الرجل المتمسخر؛ يعني اللي يفعل التمثيليات سخرية وهزءًا فإن هذا خارم المروءة، وذكروا أيضًا الذي يأكل في السوق، قالوا: هذا ما له مروءة، ومعلوم أن هذا المثال في الوقت الحاضر لا ينطبق على ذلك، لماذا؟ لأن الناس اعتادوا أن يأكلوا في السوق الآن، يعني لا أقول: الولائم، يجعل وليمة ويجيبها بالسوق ويأكلها، لا، لكن جرت في المطاعم مثلًا، مطعم في السوق يأكل الإنسان فيه، كنا نستنكر أن يشرب الشاهي في دكان، ونرى أن هذا خارمًا للمروءة، الآن أجيبوا يا جماعة.

طلبة: ليس بخارم.

الشيخ: ليس بخارم للمروءة، الآن يشربون الشاي والقهوة في الدكاكين.

ص: 2465

قالوا: مما يخرم المروءة أن يمد الإنسان رجله بين الجالسين، إذا مد رجله بين الجالسين فهذا الفعل خارم للمروءة؛ لأنه من العادة أن الإنسان يُوقِّر جلساءه، وألا يمد رجليه بينهم، ولكن هذا -في الحقيقة- يختلف، إذا كان الإنسان معذورًا، وعرف الجالسون أنه معذور فإن ذلك لا يعد خرمًا للمروءة؛ لأنهم يعذرونه، أو كان الرجل استأذن منهم وقال: ائذنوا لي. ففعل، فليس خارمًا للمروءة، أو كان الإنسان بين أصحابه وقرنائه، ففعل ومد رجله بينهم وهم جلوس، فهذا لا يعد خارمًا للمروءة، ومن الأمثال العامية:(عند الأصحاب تسْقُط الآداب).

على كل حال الضابط في استعمال المروءة ألا يفعل ما ينتقده الناس فيه، لا من قول ولا من فعل.

الشروط الآن ثلاثة؛ عدد محصور باثنين: الإسلام، الثالث: العدالة، فإذا اختل شرط من ذلك فإنه لا عبرة بقوله مع أنهم قالوا في صفة الصلاة، قالوا: يجوز للإنسان أن يصلي قاعدًا إذا قال الطبيب المسلم الواحد: إن القيام يُؤثِّر عليه، لكنهم يفرقون بين هذا وذاك بأن ذاك خبر ديني يتعلق بأمور الدين، وهذا يتعلق بأمور المال، هذا ما قيده به المؤلف.

والصواب في هذه المسألة أنه إذا قال طبيب ماهر: إن هذا مرض مخوف قُبِل قوله، سواء كان مسلمًا أو كافرًا واحدًا أو متعددًا، ولو أننا مشينا على ما قاله المؤلف لم نثق بأي طبيب غير مُسلِم مع أننا أحيانًا نثق بالطبيب غير المسلم أكثر مما نثق بالطبيب المسلم إذا كان الأول أشد حذقًا من الثاني، أليس كذلك؟

ثم إن صناعة الطب لا يمكن فيها الغدر من الكافر، يعني الخوف من الكافر أن يغدر لا يمكن فيه الغدر لسببين؛ السبب الأول: أن كل إنسان يريد أن تنجح صناعته، أليس كذلك؟ فالطبيب، ولو كان غير مسلم، يريد أن تنجح صناعته، وأن يكون مصيبًا في العلاج، مصيبًا في الجراحة.

ص: 2466

الثاني: أن من الأطباء من يكون داعية لدِينه وهو كافر، وإذا كان داعية لدينه هل يمكن أن يُغرِّر بالمسلم؟ لا يمكن؛ لأنه يريد أن يمدحه الناس، وأن يحبوه، وأن يحترموه؛ لأنه ناصح.

فالصواب في هذه المسألة أن المعتبَر حذق الطبيب والثقة بقوله، ولو كان غير مسلم، فإذا قال طبيب حاذق: هذا المرض مخوف، يُتوقع منه الموت، فإننا نعمل بقوله، ونقول: إن المريض بهذا المرض عطاياه من الثلث ولَّا من رأس المال؟ من الثلث.

ومن وقع الطاعون ببلده، فهو كالمريض مرضًا مخوفًا؛ لأن الطاعون أجارنا الله وإياكم والمسلمين منه، الطاعون إذا وقع في أرض انتشر بسرعة، لكن مع ذلك قد ينجو منه من شاء الله نجاته، إنما الأصل فيه أنه ينتشر، كل إنسان في البلد التي وقع فيها الطاعون يتوقع أن يُصاب به بين عشية وضحاها، فعطاياه في حكم عطايا المريض.

الطاعون قيل: إنه نوع معين من المرض يؤدي إلى الهلاك، وقيل: إن الطاعون كل مرض فتَّاك منتشر فهو طاعون، مثلًا الكوليرا، المعروف أنها إذا وقعت في أرض فإنها تنتشر بسرعة، الحمى الشوكية وغيرها من الأمراض التي يعرفها الأطباء، ونجهل كثيرًا منها، فهذه الأمراض التي تنتشر بسرعة، وتؤدي إلى الهلاك يصح أن نقول: إنها طاعون حقيقة أو حكمًا.

هذا عطاياه، أي عطايا الصحيح الذي وقع الطاعون في بلده من أين؟ من الثلث ولَّا من رأس المال؟

طلبة: من الثلث.

الشيخ: من الثلث. طيب بالنسبة للطاعون هل يجوز للإنسان أن يخرج من البلد إذا وقع فيه؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَخْرُجُوا مِنْهُ -أي من البلد الذي وقع فيه- فِرَارًا مِنْهُ» (17). فقيد النبي صلى الله عليه وسلم منع الخروج بما إذا كان فرارًا، أما إذا كان الإنسان له غرض جاء لهذا البلد بتجارة وانتهت تجارته، وأراد يرجع إلى بلده فلا نقول: هذا حرام عليك، لا نقول هذا، نقول: لك أن تذهب.

بقي علينا هل نأذن له أن يذهب إذا خِيفَ أن الوباء أصابه؟ أجيبوا.

طلبة: لا.

ص: 2467

الشيخ: لا، نعم، نمنعه، حتى إن بعض الأطباء ظن أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام:«إِذَا وَقَعَ فِي أَرْضٍ وَأَنْتُمْ فِيهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا» . ظن أن هذا من باب الحجر الصحي، وقال: إن مراد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألا يخرج الناس من هذه الأرض الموبؤة كحَجْر صحي، ولكن هذا غير صحيح، إن النبي صلى الله عليه وسلم راعى ما هو أعم وأهم، وهو الفرار من قدَر الله، قال:«لَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ» .

إذا سمع الإنسان أنه وقع في أرض هل يجوز أن يقدم عليها؟ لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهَا» (17)؛ لأن هذا من باب الإلقاء بالتهلكة، ومن باب قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]، كيف تقدم على بلد وقع فيه الطاعون؟ ما مثلك إلا مثل من أقدم على النار ليقتحم فيها.

فإن قال: أليس يمكن أن يسلم الإنسان وهو في بلد الطاعون؟ قلنا: بلى، لكن ما الأصل؟ الأصل الإصابة؛ فلا يجوز أن تقدم.

ص: 2468

ارتحل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، وفي أثناء الطريق قيل له: إنه قد وقع فيها الطاعون، وهو طاعون عظيم، مات فيه خَلْق كثير في أثناء الطريق، عمر رضي الله عنه ليس عنده أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، لكنه عنده عقل كأنه قال: كيف نقدم على أرض فيها هذا الوباء الْمُعدِي الفتاك، وكان من عادته رضي الله عنه أنه إذا أشكل عليه الأمر يجمع الصحابة ويستشيرهم، جَمَعَ الصحابة واختلفوا، ثم جمع المهاجرين، ثم الأولين من المهاجرين وكان الرأي الذي استقر عليه رأي المهاجرين الأولين أن يرجعوا، وقال: يا أمير المؤمنين، معك المجاهدون، معك المسلمون كيف تقدم إلى هذه الأرض؟ ارجع. فقرر الرجوع بمشورة الصحابة رضي الله عنهم، وأمر بالارتحال، فجاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«إِنَّهُ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» (18). وقال فيه عمر حين طُعِن: لو كان أبو عبيدة حيًّا لجعلته خليفة؛ لأن الرسول قال: «هُوَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» . قال: يا أمير المؤمنين، كيف تقرر الرحيل؟ أفرارًا من قدر الله؟ !

خفي على أبي عبيدة رضي الله عنه بأن القدَر لم يقع حتى نفر منه، لكن لو أقدموا لكانوا هم الذين جاؤوا إلى القدر فخفي عليه، وقال: أفرارًا من قدَر الله؟ قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! يعني أتمنى أن غيرك قالها؛ لأن منزلة أبي عبيدة عند أمير المؤمنين عمر منزلة عالية، نحن نفر من قدَر الله إلى قدَر الله. من قدَر الله الذي نُلقي بأيدينا إلى التهلكة لو قدمنا عليه إلى قدَر الله الذي نسلم به.

وهذا واضح إن مضو إلى الشام بقدر الله، وإن رجعوا بقدر الله، ثم ضرب له مثلًا، أن لو كان له إبل في وادٍ له عِدوتان، واحدة مخصبة، والثانية مجدبة إلى أين يذهب؟

طلبة: إلى المخصبة.

ص: 2469

الشيخ: إلى المخصبة، فقال له: أما تذهب إلى المخصبة؟ قال: بلى. قال: إذن إن ذهبت إلى المخصبة فبقَدر الله، وإلى المجدبة فبقدَر الله، لكن لن تختار المجدبة، إذن نحن كذلك لا نختار القدوم على أرض الطاعون، فرجعوا والحمد لله ووُفِّقوا للصواب.

في أثناء ذلك أتى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكان قد تغيَّب في حاجة له، فبلَغَه الخبر، وجاء إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:«إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي أَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهَا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ» أيضًا اللفظ الآخر: «لَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» (17). فقال: الحمد لله ..

شوف الآن كل الصحابة ما سمعوا هذا الحديث إلا عبد الرحمن بن عوف، لكن الحمد لله الشريعة محفوظة، لا يمكن أن تخبو.

ومَن وَقَعَ الطاعونُ ببَلَدِه ومَن أَخَذَها الطَّلْقُ لا يَلْزَمُ تَبَرُّعُه لوارِثٍ بشيءٍ، ولا بما فَوقَ الثُّّّّلُثِ إلا بإجازةِ الوَرَثَةِ لها إن مَاتَ منه، وإن عُوفِيَ فكصحيحٍ، ومَن امْتَدَّ مَرَضُه بِجُذامٍ أو سُلٍّ أو فالِجٍ ولم يَقْطَعْه بفِراشٍ فمِن كلِّ مالِه، والعكْسُ بالعكسِ، ويُعْتَبَرُ الثُّلُثُ عندَ موتِه ويُسَوِّي بينَ الْمُتَقَدِّمِ والمتَأَخِّرِ في الوَصِيَّةِ، ويَبدأُ بالأَوَّلِ فالأَوَّلِ في العَطِيَّةِ، ولا يَمْلِكُ الرجوعَ فيها، ويُعْتَبَرُ القَبولُ لها عندَ وُجودِها، ويَثْبُتُ الْمِلكُ إِذن، والوصِيَّةُ بخِلافِ ذلك.

ص: 2470

كيف تُقَرِّر الرحيل؟ ! أفرارًا من قَدَرِ الله؟ ! خفي على أبي عبيدة رضي الله عنه بأن القَدَر لم يقع حتى نفر منه، لكن لو أقدموا لكانوا هم الذي جاؤوا للقدر، فخفي عليه وقال: أفرارًا من قدر الله؟ قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! يعني: أتمنى أن غيرك قالها؛ لأن منزلة أبي عبيدة عند أمير المؤمنين عمر منزلة عالية، نحن نفر من قدر الله إلى قدر الله، من قدر الله الذي نُلقي بأيدينا إلى التهلكة لو قدمنا عليه إلى قدر الله الذي نَسْلَم به.

وهذا واضح؛ إن مَضَوْا إلى الشام بقدر الله، وإن رجعوا بقدر الله، ثم ضرب لهم مثلًا؛ قال: لو كان له إبل في وادٍ له عُدوتان واحدة مُخْصبة والثانية مجدبة، إلى أن يذهب؟

طلبة: إلى المخصبة.

الشيخ: إلى المخصبة، فقال له: أما تذهب إلى المخصبة؟ قال: بلى، قال: إذن إن ذهبت إلى المخصبة فبقدر الله، وإلى المُجْدِبة فبقدر الله، لكن لن تختار المجدبة، إذن نحن كذلك، لا نختار القدوم على أرض الطاعون فرجعوا، والحمد لله، ووفقوا للصواب.

في أثناء ذلك أتى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان قد تغيب في حاجة له، فبلغه الخبر، فجاء إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي أَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهَا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ» أيضًا اللفظ الآخر: «لَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» فقال: الحمد لله (1).

شوف الآن كل الصحابة ما سمعوا هذا الحديث إلا عبد الرحمن بن عوف، لكن الحمد لله الشريعة محفوظة لا يمكن أن تَخْبو.

كلُّ ما صدَر من الرسول عليه الصلاة والسلام من شريعة الله فهو محفوظ؛ كما قال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

إذن إذا وقع الطاعون في أرض فإننا منهيُّون أن نخرج منها فرارًا منه، وإذا وقع في أرض فإننا منهيُّون أن نقدم على هذه الأرض.

ص: 2471

قال: (ومن وقع الطاعون ببلده) كانت الطواعين تكثر في البلاد في الجزيرة زمان، لكن -الحمد لله الآن- الله عز وجل أنعم علينا نعمًا -أسأل الله ألا يجعلها استدراجًا- نعمًا كثيرة.

يحكون لنا أنه قد يُقَدَّم في الصلاة في الفريضة ثماني جنائز، وكانت بلدنا هذه من قَبْلُ قريةً صغيرة، ما فيها أحد، لكن كثر الأموات حتى إنه إذا دخل البيت أفنى العائلة كلها، بقي البيت موصدَ الأبواب على غير أحد.

وقالوا: إن القاضي في البلد وهو صالح بن عثمان القاضي رحمه الله خرجوا يومًا من الأيام من المسجد من الجامع هنا بثماني جنائز، وكان ناس عندهم سيارات يحملون الجنائز فأرعب الناس هذا، أرعبهم، ثماني جنائز يتبع بعضها بعضًا لا شك أنه يُرْعِب، فنهاهم، قال: لا يأتِ أحد بجنازته إلى الجامع إلا أهل الحي، والبقية كل حي يصلي على ميته بمسجده ويخرج به للمقبرة خوفًا من الرعب؛ لأنكم تعلمون ثماني جنائز كم لها من عائلة؟ قد تكون كل جنازة من بيت، ثمانية أبيات وربما يكون بكاء ونحيب لا من المشهد ولا من المصيبة فيمن أصيب بقريب، فكان من حكمته رحمه الله أن مَنَع أن يُؤْتَى بجنازة للجامع إلَّا من كان في حي الجامع.

فالمهم أن الأوبئة -الحمد لله- خفت الآن، ونسأل الله ألا يجعله استدراجًا، وهذا حكم من وقع الطاعون في بلده.

قال: (ومن أخذها الطلق) يعني: (من أخذها)(من) هذه اسم موصول لأنثى ولَّا لذكر نعم؟

طلبة: (

).

ص: 2472

الشيخ: لأنثى ما فيها شك، يعني: إذن والتي، (من) هنا بدل (والتي)، والتي أخذها الطلق، يعني: بدأت تُطلَق من أجل الولادة، والطلق مؤلم وصعب، وسببه انتقال الولد من حال إلى أخرى؛ لأن الولد في الرحم وجهه إلى ظهر أمه وظهره إلى بطنها، وإذا أراد الله عز وجل أن يخرج انقلب حتى يكون رأسه الذي يخرج أولًا، هذا الانقلاب ليس بهين، المكان ضيق والرحم كيس من العصب والعروق، لا شك أنه سيكون ألم شديد، ولولا أن الله تعالى أحاط الولد بما أحاط به من المشيمة التي تُسَهِّل انقلابه لكان الأمر صعبًا جدًّا.

على كل حال: المرأة إذا أخذها الطلق ثم أعطت عطية في حال الطلق، هل يكون من رأس مالها ولَّا من الثلث؟

طلبة: من الثلث.

الشيخ: من الثلث؛ لأنها على خطر، فهي حكمها حكم المريض مرضًا مَخوفًا مع أن الأمر -ولله النعمة والفضل- السلامة أكثر بكثير من الهلاك، لكن العلماء يقولون: إن هذا يصح أن يكون سببًا للموت، ولا يُسْتَغرب لو ماتت في طلقها.

(ومن أخذها الطلق لا يلزم تبرعه)، كلمة (لا يلزم) جواب الشرط في قوله:(وإن كان مخوفًا)؛ وعلى هذا فيجوز فيها الرفع ويجوز فيه الجزم (لا يلزمْ) و (لا يلزمُ)؛ لأنه إذا كان فعل الشرط ماضيًا فإنه يجوز رفع المضارع إذا كان جوابًا بخلاف ما إذا كان فعل الشرط مضارعًا فإنه يضعف أن يكون الجواب مرفوعًا، يقول ابن مالك في الألفية:

وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ

وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ

ص: 2473

(لا يلزم تبرعه لوارث بشيء)؛ يعني: لو تبرع لوارثه بشيء فهذا غير لازم؛ بمعنى أن للورثة أن يعترضوا على هذا؛ لأنه في هذه الحال قد انعقد سبب ميراث الورثة منه فكان لهم حق في المال، فإذا أعطي الوارث فهذا من تعدي حدود الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قَسَمَ مال الميت بين الورثة قسمة عدل بلا شك كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» (2).

ولكن هل يجوز أن يُعْطِيَ الوارث؟ الجواب: لا يجوز؛ ولهذا لم تلزم هذه العطية؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (3). حتى وإن كان هذا الوارث ليس من الأولاد؛ يعني: ولو فرضنا رجل له إخوة وليس له أولاد، ولما أُصِيب بالمرض المَخوف أعطى بعض الإخوة نصف ماله أو ربع ماله فإن هذا لا يجوز، ولا تَلْزَم العطية، ليش؟

طلبة: (

).

الشيخ: لأنه وارث، والرجل المعطي الآن في مرض الموت فيُخْشى أنه عَطى هذا الوارث لينال من التركة أكثر من الآخرين.

قال: (ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة) يعني: ولا بما فوق الثلث لأجنبي إلا بإجازة الورثة، فإذا أجاز الورثة فلا بأس، ولا بد أن تكون الإجازة بعد الموت، كما سيأتي.

(ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة) بما فوق الثلث لمَنْ؟ لغير وارث، حتى لو أعطى شخصًا يبني له مسجدًا بزائد على الثلث فإنه لا ينفذ، لو أعطى الفقراء زائدًا على الثلث فإنه لا يَنْفُذ؛ لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه استأذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم -وكان مريضًا- استأذنه أن يتصدق بثلثي ماله. كم الثلثان؟ اثنان من ثلاثة، الثلثان اثنان من ثلاثة. قال:«لَا» قال: فالشَّطر؟ كم الشطر؟

طلبة: واحد من اثنين.

الشيخ: واحد من اثنين. قال: «لَا» . قال: فالثلث؟ كم الثلث؟

طلبة: واحد من ثلاثة.

ص: 2474

الشيخ: واحد من ثلاثة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«الثُّلُثَ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» (4). يعني: لا بأس بالثلث، مع أنه كثير.

ومن فقه ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لو أن الناس غَضُّوا من الثلث إلى الربع. فإن النبي صلى الله عليه وعليه وسلم قال: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» (5). وهذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون أنزل من الثلث.

إذن نقول لهذا المريض مرض الموت المخوف نقول: لا تَصَدَّق بأكثر من الثلث، هذه واحدة، اثنين لا تصدق لوارث، الوارث لا يمكن أن تُعْطِيَه تحريمًا أو كراهة؟ تحريمًا؛ لأن المال الآن انعقد السبب الذي به ينتقل المال إلى الورثة.

وقوله: (إلا بإجازة الورثة) إجازة الورثة، متى يكونون ورثة؟ بعد الموت، فلو أجازوا فإن إجازتهم لا تُقْبَل، ولا يُعْتَد بها، فلو أن هذا المريض أحضر ورثته، وقال لهم: يا جماعة، هذا الوارث منكم فقير، وأنا أريد أن أَتْبَرع له بشيء من مالي، فقالوا: لا بأس (

)، هل يجوز؟ لا يجوز؛ لأن إجازتهم الآن في غير مَحَلِّها، فلا يجوز.

من أين نأخذ أنه لا تجوز إجازتهم ما دام حيًّا؟ من قوله: (الورثة)؛ إذ لا يتحقق أنهم ورثة إلا بعد الموت، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

وقيل: إنه إذا كان مريضًا مرضًا مَخوفًا فإن إجازتهم جائزة؛ لأنه انعقد السبب لكونهم يرثون هذا المال، وهو مرض الموت، وهذا القول أرجح، ولا مانع من اعتباره، فعلى هذا نقول: تصح إجازة الورثة في مرض الموت المخوف؛ لأن سبب إرثهم قد انعقد وهم أحرار.

(إلا بإجازة الورثة لها إن مات منها، وإن عُوفي فكصحيح) إن مات من هذا المرض فلا بد من إجازة الورثة، (وإن عوفي فكصحيح) إذا كان كصحيح فهل يجوز أن يعطي بعض الورثة دون الآخرين؟

طلبة: نعم.

الشيخ: نعم، على القول الراجح، وهل يجوز أن يتبرع بأكثر من الثلث؟

طلبة: نعم.

ص: 2475

الشيخ: نعم؛ لأن الصحيح يجوز أن يتبرع بجميع ماله؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حثَّ على الصدقة أتى عمر بشطر ماله مسابقًا أبا بكر؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم يتسابقون في الخير، أتى بشطر ماله وقال: اليوم أسبق أبا بكر -الله أكبر- لم يقل هذا حسدًا، ولكن غبطة، وأتى أبو بكر بجميع ماله، فقال: لا أسابقك بعد هذا أبدًا (6). الله أكبر، اعتراف.

فالمهم أنه إذا كان هذا المريض الذي أعطى أكثر من الثلث إذا كان أعطاه في حال المرض ثم عافاه الله فإن عطيته تكون أيش؟ نافذة كعطية الصحيح للوارث ولغير الوارث؛ لأنه زال المحظور.

طالب: شيخ -بارك الله فيك- قلنا: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي بَلَدٍ وَأَنْتُمْ فِيهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ» (7) ذكرنا أنه ليس من الحجر الصحي، إنما النهي عن الفرار من قدر الله، فهل يا شيخ يستقل بنفسه أم أن هذا هو (

الشيخ: لا؛ لأنه لو كان الحجر الصحي لقال: لا تخرجوا أبدًا، بل هو من باب النهي عن الفرار من قدر الله، ولكن الحجر الصحي ذكرناه نحن، وقلنا: إذا علمنا أن هذا الرجل إذا خرج وقد أُصِيب به أعدى الآخرين فإننا نمنعه للقواعد العامة ما هو لهذا الحديث.

طالب: أحسن الله إليك على القول بأن الطاعون مرض خاص، هل سائر الأمراض المعدية مثل الطاعون (

).

الشيخ: إي نعم، نحن ذكرنا أنه إذا لم يصدق الطاعون على كل مرض فَتَّاكٍ معدٍ فإنه يكون طاعونًا حكمًا.

طالب: أحسن الله إليك، توجيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (

).

الشيخ: نعم، أيش فيه؟

طالب: توجيهه إذا قلنا: إن القدر (

)

الشيخ: نعم، الفرق واضح، المجذوم فرد فقط ما يعتبر وباء، لكن الطاعون -أعاذنا الله وإياكم منه- وباء، فبينهما فرق، فهذا الفرار من باب الأمر بالوقاية مما يضر اللي هو «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» (8).

ص: 2476

طالب: أقول بارك الله فيك يا شيخ اتفاق أهل السنة على أن الخلفاء الراشدين هم أفضل الصحابة، فكيف بارك الله فيك نُوَجِّه قول عمر في أبي عبيدة؟

الشيخ: إي نعم، هو يرى أنه من الخلفاء الراشدين؛ يعني: عمر رضي الله عنه رأى أنه لو كان أبو عبيدة حيًّا عامر بن الجراح لجعله خليفة ونصبه هو بنفسه كما نصب أبو بكر عمر بنفسه فيكون من الخلفاء، لكن قدر الله عز وجل على خلاف ذلك.

طالب: بارك الله فيك، لو قال قائل: بالنسبة لإجازة الورثة ومرض مرضًا مخوفًا (

) يبعد أن يرفضوا نظرًا لمرضه.

الشيخ: هذه مسألة أخرى؛ يعني: لو قال قائل: إننا نخشى أن تكون إجازة الورثة في حال الحياة حياء وخجلًا؛ فإذا كنا نخشى هذا فإجازتهم غير معتبرة، أرأيت لو جيت يمي، وأنا عند بيتي عند الباب أبغي أدخل وقلت: تفضل خجلًا منك، يحق لك تدخل ولَّا ما تدخل؟ لا تدخل إلا أن تكون طفيليًّا، هذا (

).

طالب: الإسلام والعدالة (

).

الشيخ: الإسلام والعدالة لا بد منها إلا إذا وَثِق الإنسان والأشياء ما يترتب عليها مسائل دينية أمرها سهل.

طالب: (

) بالنسبة للإذاعات (

) كثير من المسلمين يصدقون مثلًا وخاصة المغرضين الذين لهم إذاعات يصدقونهم لمجرد نقل الأخبار هذه، فهل نقول لهم: الواجب التثبت من هذه الأخبار؟

الشيخ: والله على كل حال غالبًا الإذاعات الآن غالبها يصدق بعضها بعضًا، الخبر الذي تسمعه في لندن تسمعه في صوت أمريكا أو في مونت كارلو، أو ما أشبه ذلك فيصدق بعضها بعضًا.

طالب: إذا كانوا متواطئين؟

الشيخ: الأصل عدمه.

طالب: عفا الله عنك يا شيخ، مثل الطلاق والنكاح يا شيخ (

) إنسان ويترك البنت (

).

الشيخ: عشان طلاقًا ولَّا عشان واضح.

الطالب: أولًا (

).

الشيخ: يعني لما -مثلًا- شاف نفسه بيموت طلق زوجته.

طالب: فهل المرض مخوف؟

الشيخ: إي نعم مرضًا مخوف، طلق زوجته طيب، هل الطلاق بائن ولا رجعي؟

طالب: (

).

ص: 2477

الشيخ: طيب، إذا كان رجعيًّا فلا بأس تطلق المرأة، وإذا تمت عدتها قبل أن يموت فإنها لا تحتد، إذا كان بائنًا فالمرأة تطلق وترث ولو بعد انقضاء عدتها؛ لأنه في البائن متهم، وفي الرجعية غير متهم، في النكاح كيف هذا؟ صوره لنا.

طالب: إذا كان من (

) شخصًا (

)، وعلم الناس أن الورثة ما يوافقون عليها (

).

الشيخ: لكن المريض مرضًا مخوفًا، ويش يبغي بالنكاح؟ يبغي يتزوج ..

طالب: (

) الدين في الخصوص ويرغب أن ابنته تصير عند واحد صاحب دين (

).

الشيخ: ويش تقولون يا جماعة؟ إنسان مريض مرضًا مخوفًا أولًا غالبًا أن هذا ما يطلب النكاح.

طلبة: (

).

الشيخ: إي.

طالب: (

).

الشيخ: إي نعم.

طالب: (

) يلحقها عنده عشان صاحب دين.

الشيخ: زين، وصاحب الدين مريض؟

طالب: لا، ما هو مريض.

الشيخ: الأب هو المريض، طيب ما فيه مشكلة، البنت ما هي تورث.

طالب: نعم.

الشيخ: البنت لا تورث.

طالب: إذا كانت (

) يصح ولا ما يصح؟

الشيخ: يصح، ما فيه إشكال.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى في باب الهبة والعطية في فصل تصرفات المريض: ومن امتد مرضه بجذام أو سل أو فالج ولم يقطعه بفراش فمن كل ماله، والعكس بالعكس، ويعتبر الثلث عند موته ويُسَوَّى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، ويُبدأ بالأول فالأول في العطية ولا يملك الرجوع فيها، ويعتبر القبول لها عند وجودها ويثبت الملك إذن، والوصية بخلاف ذلك.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، مما سبق لنا تَبَيَّن أن المرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام.

طالب: مخوف وغير مخوف وممتد.

الشيخ: طيب، مخوف وغير مخوف وممتد. تصرفات المريض مرضًا مخوفًا؟

طالب: تكون من الثلث.

الشيخ: تكون من الثلث فأقل، زد شرطًا.

طالب: تكون من الثلث ولا تكون لوارث.

الشيخ: نعم، من الثلث فأقل لغير وارث. تصرفات مَنْ مرضه ممتد؟

طالب: في الثلث أيضًا.

الشيخ: في الثلث؟ خطأ، لا تعرف؟

طالب: فيه تفصيل.

الشيخ: ما هو التفصيل؟

ص: 2478

طالب: إن لم يقطعه في الفراش فمن كل ماله، وإن قطعه في الفراش فمن الثلث فأقل.

الشيخ: طيب، وأيش معنى (قطعه) و (لم يقطعه)؟

طالب: (قطعه في الفراش) يعني: لا يخرج إلى الناس.

الشيخ: يعني: إن لزم الفراش فكالمخوف، وإن لم يلزم المخوف فكغير المخوف.

رجل تصرف في ماله في أول السل؛ أصيب بالسل وهو في أوله الآن، هل يُعْتَبر مخوفًا أو غير مخوف؟

طالب: (

).

الشيخ: غير مخوف، ما هو الذي أوله مخوف والذي آخره غير مخوف؟ والذي أوله مخوف وآخره غير مخوف؟

طالب: اللي أوله غير مخوف وآخره مخوف السل.

الشيخ: نعم. والذي أوله مخوف وآخره غير مخوف؟

طالب: الفالج.

الشيخ: الفالج، نعم، بارك الله فيك.

يقول: هذا الذي أمراضه مخوفة لا يلزم تبرعه لوارث بشيء؛ يعني: لو تبرع لوارث بأي شيء فإنه غير لازم.

وعُلِمَ من قوله: (لا يلزم تبرعه لوارث) أنه لو أنفق على وارث في هذا المرض المخوف فإنه جائز وليس حرامًا؛ لأن النفقة ليست من باب التبرع، ولكنها من باب القيام بالواجب كالزكاة.

لو أقرَّ لوارث في مرض المخوف فهذا يُنْظَر إن وجدت قرائن تدل على صدقه عملنا بإقراره، وإن لم توجد فإقراره كتبرعه يعني: لا يصح ولا يقبل؛ لأنه ربما يكون بعض الناس -والعياذ بالله- لا يخاف الله ففي مرضه المخوف يقر لبعض الورثة بشيء، يقول: هذا في ذمتي لفلان كذا وكذا، وليس كذلك.

فإذا علمنا أن هذا الرجل عنده من الإيمان بالله عز وجل والخوف منه، ووجدت قرينة أخرى تدل على أنه كان فقيرًا وأن الوارث كان غنيًّا فحينئذ أيش؟ نقبل إقراره.

فالأصل عدم قبول إقراره، وإذا وجدت قرينة تدل على صدقه فإننا لا يمكن أن نحرم صاحب الدين من دينه وتبقى ذمة الميت متعلقة.

ص: 2479

قال: (ولا بما فوق الثلث) لمن؟ قال: (لوارث) في الأول، ولا بما فوق الثلث؛ يعني: لغير وارث، فهو لا يلزم تبرعه لوارث ولا بقليل، أما غير الوارث فحَدُّه الثلث؛ الدليل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسعد بن أبي وقاص:«الثُّلُثَ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» (4)؛ لأن سعدًا رضي الله عنه يريد أن يتصدق فطلب الثلثين، ثم النصف، ثم الثلث، وأقرَّه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الثلث.

(إلا بإجازة الورثة لها) أي: للعطية، فإذا أجاز الورثة ما زاد على الثلث لغير الوارث أو أجاز الورثة للوارث نفذت، وحيئذ تكون هذه العطية تكون مراعاة موقوفة على أيش؟ على إجازة الورثة.

وقوله: (إجازة الورثة) لم يبين المؤلف رحمه الله أيَّ الورثة تعتبر إجازتهم لكن نعلم من الشروط في الأبواب الأخرى أنه لا بد أن يكون الوارث ممن يصح تبرعه؛ فإن كان الوارث لا يصح تبرعه كالمحجور عليه لفَلَس أو سفه فإن إجازته غير معتبرة، لا بد أن يكون هذا الوارث الذي أجاز أو لم يُجِزْ ممن يصح تبرعه إلا بإجازة الورثة.

(إن مات منه) من هذا المرض الذي تبرع فيه للوارث أو بما زاد على الثلث لغير الوارث فإنه يتوقف على إجازة الورثة، وإن لم يمت يقول:(فإن عوفي فكصحيح) طيب إذا كان كصحيح فما حكم هذا التبرع؟

لغير الوارث لا إشكال فيه، جائز، وللوارث إن قلنا: إنه يجب التعديل بين الورثة في العطية -كما هو المذهب- فلا بد من التعديل، وإن قلنا: لا يجب التعديل إلا بين الأولاد -كما هو الصحيح- فإن كان الوارث من غير الأولاد فإنه لا يجب التعديل.

ص: 2480

ثم قال: (ومن امتدَّ مرضُه بجذام أو سل أو فالج ولم يقطعه في الفراش فمن كل ماله والعكس بالعكس) طيب (مَنِ امتددَّ مرضه) يعني: من كان مرضه مستمرًّا بجذام، هذا مثال، الجذام: جروح وقروح -والعياذ بالله- إذا أصابت الإنسان سرت في جميع بدنه وقضت عليه، فهو مرض يسري في البدن، وله أسماء أظنها معروفة عند العوام اسمها (غرغرينة) وما أشبهها، هذا جذام -والعياذ بالله- ويجب على ولي الأمر أن يعزل الجزماء عن الأصحاء؛ يعني: حجر صحي لازم، ولا يُعَدُّ هذا ظلمًا له، بل هذا يُعَدُّ من باب اتقاء شره؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:«فِرَّ مِنَ الْمجذوم فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» (9). وهنا نسأل: هذا الحديث ألا يعارض قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» (10)؟

طالب: لا.

الشيخ: ظاهره التعارض، كيف لا؟ لأنه إذا انتفت العدوى فما يضرنا أن يكون المجذوم بيننا؟ ففي ظاهره التعارض لا شك في هذا، لكن العلماء رحمهم الله أجابوا بأن العدوى التي نفاها رسول الله عليه الصلاة والسلام إنما هي العدوى التي يعتقدها أهل الجاهلية وأنها تعدي ولا بد؛ ولهذا لما قال الأعرابي: يا رسول الله، كيف يقول: لا عدوى، والإبل في الرمل كأنها الظباء؟ يعني: ما فيها أي شيء، يأتيها الجمل الأجرب، فتُجْرَب، فقال النبي صلى الله عليه وعليه وسلم:«مَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟ » (11) ويش الجواب؟ الله، الذي جعل فيها جربًا هو الله، إذن فالعدوى التي انتقلت من الأجرب إلى الصحيحات كان بأمر الله عز وجل، كلُّه بأمر الله تبارك وتعالى.

ص: 2481

وأما قوله: «فِرَّ مِنَ الْمجذوم» فهذا أمر بالبعد عن أسباب؛ العطب لأن الشريعة الإسلامية تمنع أن يُلْقِي الإنسان بنفسه إلى التهلكة؛ ولهذا إذا قَوِيَ التوكل فلا بأس بمخالطة الأجذم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ذات يوم بيد مجذوم، وقال له:«كُلْ بِاسْمِ اللَّهِ» (12) فشاركه في أكله، لماذا؟ لقوة توكله صلى الله عليه وسلم على الله، وأن هذا الجذام مهما كانت العدوى إذا منعه الله عز وجل لا يمكن أن يتعدى.

إذن الجذام من الأمراض الممتدة -أعاذنا الله وإياكم منه- لأنه يصيب الإنسان ويسري فيه شيئًا فشيئًا حتى يقضي عليه.

الثاني: السل معروف، السل يقولون: إنها قروح تكون في الرئة فتجلط وتخف تمنع عن الحركة؛ لأنها دائمة الحركة، فإذ أصاب الإنسان -نسأل الله العافية- خرق هذه الرئة وقضى عليها، ولكن -الحمد لله- الآن الطب بتعليم الله عز وجل للبشر تقدَّم وصار يمكن أن يُقْضَى على السل لا سيما في أوله.

(أو فالج) الفالج يعني أيش؟ عندنا الخدورة الآن يصيب الإنسان فالج في أحد جنبيه، أو في رأسه أو في ظهره، المهم أن هذا الفالج أول ما يصيب الإنسان خطر، لكن إذا امتد صار أهون خطرًا.

قال: (ولم يقطعه بفراش فمن كل ماله والعكس بالعكس)، وجه ذلك أنه إذا قطعه في الفراش صار مخوفًا، وصار المريض يشعر بقرب أجله فصار يتصرف بماله بالتبرع لفلان أو لفلان أما إذا لم تقطعه بالفراش، فالمريض -وإن كان المريض يعرف أن هذا مآله الموت- لكنه يستبطئ الموت، وكل إنسان مآله الموت حتى ولو كان صحيحًا، لكن إذا كان المرض لم يلزمه الفراش فإنه يرجو الصحة من وجه وأيضًا لا يتوقع وقوع الموت عن أيش؟ عن قرب، فيعتقد أن في الأجل فسحة، فتصرف هذا الذي لم يقطعه هذا المرض بالفراش من كل ماله؛ يعني: ولكل أحد، إلا الأولاد فإنه يجب التعديل في عطيتهم.

ص: 2482

قال: (والعكس بالعكس) ما هو العكس؟ أيش؟ مَنْ قَطَعَه بفراش فليس تصرُّفه مِنْ كلِّ ماله، ولكن من الثلث، ثم متى يُعْتَبر الثلث؟ يقول المؤلف: يُعْتَبر عند موته؛ وعلى هذا فالعطية يجب ألا يتصرف فيها المُعْطَى، العطية في مرض الموت لا يتصرف فيها المُعْطَى إلا بتأمين الورثة، ليش؟ لأن المعتبر أيش؟ الثلث عند الموت، ولا ندري ربما يتلف مال هذا المريض كلُّه ولا يبقى إلا هذه العطية.

فنقول: إذا كان يُعْتَبر عند الموت فإن هذا المُعْطَى لا يتصرف إلا أيش؟ بتأمين وتوثيق للورثة.

فإن قال قائل: لماذا لا تُجِيزُون له أن يتصرف بثلثها؟ لأننا لو قَدَّرنا أن الميت مات وليس عنده إلا هذه العطية؛ أخذه المعطى؛ الثلث.

نقول: فيه احتمال آخر أن يموت هذا الميت وعليه دين، وإذا مات وعليه دين فإنه لا حظَّ للمُعْطى، المهم هل يُعْتَبر الثلث وقت الإعطاء أو عند الموت؟ نقول: عند الموت؛ لأنه هو وقت استحقاق الورثة.

إذا أعطيناه فهل يملك التصرف المطلق في هذه العطية؟

الجواب: لا، لا بد أن يكون هناك توثيق للورثة يطمئنون به لئلا يضيع حقهم.

قال: (ويسوى بين المتقدم والمتأخر في الوصية) بدأ المؤلف ببيان الفروق بين العطية والوصية، ويجب أن نعلم ما الفرق بين العطية والوصية قبل كل شيء؛ الوصية إيصاء بالمال بعد الموت بأن يقول: إذا مت فأعطوا فلانًا كذا، والعطية تبرع بالمال في الحال في مرض الموت. هذا هو الفرق بينهما.

من المعلوم أنهما يشتركان بأنه لا يجوز أن يوصي لوارث ولا لغير وارث بما فوق الثلث، ولا يجوز أن يعطي وارثًا ولا غير وارث بما فوق الثلث، يستويان في هذا.

ص: 2483

ويستويان أيضًا بأنهما أدنى أجرًا وثوابًا من العطية في الصحة؛ لأن المراتب الآن: عطية في الصحة، عطية في مرض الموت، وصية. مراتب؛ أفضلها العطية في الصحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«خَيْرُ الصَّدَقَةِ» أو قال: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمَلُ الْبَقَاءَ وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ» (13) يلي ذلك العطية، يلي ذلك الوصية، الوصية متأخرة.

فإن قال إنسان: لماذا تجعلون العطية وهي في مرض الموت أفضل من الوصية؟ لأن المعطي يأمل أن يُشْفَى من هذا المرض، والوصية ما تكون إلا بعد الموت، فلذلك كانت العطايا صدقات كانت أو غير صدقات على النحو التالي أفضلها؟ أجيبوا يا جماعة.

طلبة: في الصحة.

الشيخ: في الصحة، ثم؟

طلبة: في المرض.

الشيخ: في المرض المخوف، ثم؟

طلبة: في الوصية.

الشيخ: في الوصية، أما المرض غير المخوف فهذا حكمُه حكم الصحة؛ لأن الرجل لا يتوقع الهلاك.

يقول المؤلف: (يساوى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، وفي العطية يُبْدَأ بالأول فالأول) إي نعم، مثال ذلك: رجل أعطى شخصًا عشرة آلاف عطيةً، ثم أعطى الآخر عشرة آلاف، ثم صار ثُلُثَه عشرة آلاف فقط، من يستحقها؟

طلبة: الأول.

الشيخ: الأول، ألا نقسمها بينهم بنصفين؟ ألا نقرع؟ لا؛ وذلك لأن الأول لما أُعْطِي ملك العطية ودخلت في ملكه، فتأتي عطية الثاني زائدة على الثلث فلا تُنَفَّذ إلا بإجازة الورثة المرشدين.

في الوصية؛ أوصى لشخص بعشرة آلاف، وبعد مدة أوصى لآخر بعشرة آلاف، ثم مات، وصار الثلث عشرة آلاف فقط؟

طلبة: (

).

الشيخ: يقسم بينهما، ليش ما نعطي اللي أوصى له أولًا؟ لأن الوصية إنما تثبت حين الموت، وهما في هذه الحال سواء، فصار سبب ثبوت الملك لهما، أيش؟ متفقًا في الزمن، فاستويا فيما يملكان.

ص: 2484

طالب: (

) التفريق في العطية والوصية، وقلنا: إن التبرعات ثلاثة: صدقة، هبة، عطية. الصدقة ما ذكرناها.

الشيخ: لا، أصل العطية تشمل الصدقة؛ العطية في مرض الموت تشمل الصدقة أو الهبة التي يُقْصَد بها مجرد انتفاعه (

).

الطالب: الأفضل -يا شيخ- أن الصدقة والهبة قبل ..

الشيخ: الصدقة؛ لأنه حسب النية؛ لأن المتصدق يقصد بذلك ثواب الآخرة، والمعطي قد يَقْصِد بذلك نفع المُعْطَى بقطع النظر عن ثواب الآخرة، إنما كلامه في العطية يشمل الصدقة والهدية والهبة.

طالب: ويش الفرق بين العطية حال مرض الموت المخوف والوصية؟

الشيخ: الفرق: الوصية تكون بعد الموت، وبيذكر الفروق، أربعة فروق إن شاء الله تعالى، وفيها زيادة أيضًا.

طالب: رضي الله عنك يا شيخ (

) مرض مخوف (

الشيخ: (

) لا، ما هو (

).

طالب: (

).

الشيخ: لا، المشهور إذا كان فالجًا فممتد، ومقطوع الرجلين ما هو مريض.

طالب: الشلل (

) سنوات.

الشيخ: الشلل هو هذا، هو يُعْتَبر من الفالج، أما الشيء المعتاد ما يعتبر مرضًا، بعض الناس إذا كبر ما عاد يقدر يمشي نعم.

طالب: (

).

الشيخ: بارك يا شيخ في مَنْ؟ ما سمعنا، هذا مثل بعض الناس: جزاك الله. لازم يقيد، نعم.

طالب: (يُبْدَأ بالأول فالأول في العطية) ذكرنا مثالًا أنه أعطى واحدًا عشرة آلاف، ثم أعطى الثاني عشرة آلاف، وثلث ماله عشرة آلاف، فيعطى الأول ويحرم الثاني. هذا الكلام في المريض؟

الشيخ: إي، المريض مرضًا مخوفًا.

طالب: لماذا حرمنا الثاني؟

الشيخ: لأنه زائد على الثلث، الثلث لم يكن إلا عشرة، وهو أعطى الأول عشرة وأعطى الثاني عشرة.

***

طالب: قال رحمه الله تعالى: ويُسَوَّى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، ويُبْدَأ بالأول فالأول في العطية ولا يملك الرجوع فيها، ويُعتبر القبول لها عند وجودها ويثبت الملك إذن، والوصية بخلاف ذلك.

ص: 2485

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد على آله وصحبه أجمعين.

نريد أن يمثل لنا أحمد الخير رجلين أحدهما أوصى والثاني أعطى.

طالب: (

).

الشيخ: أوصى بماله والثاني أعطى ماله.

طالب: (

).

الشيخ: مثاله: رجل ..

طالب: (

).

الشيخ: نعم، رجل قال: إذا مت فأعطوا فلانًا سيارة، طيب الثاني؟

طالب: (

).

الشيخ: وهو مريض مرض الموت المخوف، طيب، أنا أريد العطية الخاصة لا بالمعنى العام، أكثر الأحكام تتفق العطية والوصية في أكثر الأحكام، لكنهما يفترقان في أشياء يقول المؤلف رحمه الله في ذلك: ويُسَوَّى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، ويُبْدَأ بالأول فالأول في العطية؛ يعني: إذا ضاق الثلث عن تنفيذ العطايا أو تنفيذ الوصايا فإنه في العطية يُبْدَأ بالأول فالأول، وفي الوصية يتساوى الجميع مثال ذلك رجل أعطى شخصًا ألف ريال وأعطى آخر ألفين ريال وأعطى ثالثًا ثلاثة آلاف ريال، ثم تُوِفِّي ووجدنا تركته تسعة آلاف ريال، كم الذي أعطى الآن؟

واحد واثنين: ثلاثة وثلاثة: ستة، ووجدنا التركة تسعة آلاف ريال، من المعلوم أن العطايا هذه زادت على الثلث، فماذا نصنع؟ نقول: نعطي الأول فالأول، الأول نقول: ألف ريال لك، صح؟ والثاني: الألفين له، كم هذه؟ ثلاثة آلاف، والثالث لا شيء له؛ لأن التركة تسعة آلاف ثلثُها ثلاثة والثلاثة استوعبتها عطية الأول والثاني، فلا يكون للثالث شيء، واضح؟

وجه ذلك أن العطية تَلْزَم بالقبض، ويملكها المعطى بالقبض؛ فإذا أعطينا الأول ألفًا وأعطينا الثاني ألفين استقرَّ ملكُهما على ما أُعْطِياه، يأتي الثالث زائدًا على الثلث فلا يُعطى.

الوصية؛ أوصى رجل لشخص بألف ريال، ولآخر بألفي ريال، ولثالث بثلاثة آلاف ريال، ثم مات ووجدنا تركته تسعة آلاف ريال، فهنا الوصايا؟

طلبة: مستوية.

ص: 2486

الشيخ: لا، مقدارها زادت على الثلث، الثلث ثلاثة، والوصايا تبلغ ستة، إذن لا بد أن نرد الوصايا إلى الثلث، فهل نُقَدِّم الأول والثاني كما فعلنا في العطية؟ لا، بل نُسَوِّي، ونقول: الآن لهم ستة ولا يستحقون إلَّا ثلاثة، انسب الثلاثة إلى الستة، كم تكون؟

طلبة: النصف.

الشيخ: تكون نصفها؛ يُعْطى كل واحد نصفَ ما أوصي له به؛ لأن نسبة الثلث إلى مجموع الوصايا النصفُ؛ فلكل واحد منهم نصفُ ما أُوصي له به، كم نُعْطي صاحب الألف؟ خمس مئة. صاحب الألفين؟ ألفًا، صاحب الثلاثة؟ ألفًا وخمس مئة، كم الجميع؟ ثلاثة آلاف هذه هي الثلث، واضح؟

وجه ذلك أن هؤلاء الموصى لهم إنما يملكون الوصية بعد موت الموصي، وموت الموصي يقع مرة واحدة ما فيه تقديم وتأخير، فهم ملكوا المال الموصى لهم به في آن واحد وهو وقت موت الموصي، هذا وجه الفرق.

لو قال قائل: لماذا لا تقولون: إن الوصية الثانية تَنْسَخ الأولى، والثالثة تنسخ الثانية، وحينئذ يُحْرَم الأول والثاني من الوصية ويعطى الثالث ما أُوصي له به وهو ثلاثة آلاف؟

نقول: هذا لا يصح؛ لأن الجميع تزاحموا في الاستحقاق فلا نُقَدِّم بعضهم بعضهم على بعض، نعم إن قال الموصي: ووصيتي الثالث ناسخة لما سبق من الوصايا. فحينئذ يُعْمَل بها؛ لأن الموصي يجوز أن يرجع في وصيته، أفهمتم؟

رجل أوصى بداره أن تكون وقفًا على الفقراء، ثم أوصى بالدار الأخرى أن تكون وقفًا على طلبة العلم، ثم أوصى بالثالثة أن تكون وقفًا على شؤون المساجد، وبعد موته تبين أن هذه الوصايا تزيد على الثلث فهل نبدأ بالأخيرة ونقول: هي ناسخة أو بالأُولى ونقول: هي سابقة، أو في الجميع؟ الثالث: في الجميع.

ص: 2487

ولهذا يقع مشكلة الآن في وصايا الناس؛ تجد الرجل يوصي بوصية وتكون عنده في الدفتر وينساها، ثم يوصي وصية أخرى لو جُمِعَت إلى الأولى لضاق الثلث، وإن عَمِلْتَ بإحداهما نفدت، كذلك تختلف الشروط التي اشترطها فيها؛ مثلًا هذه يقول: الفقراء، وهذه يقول: على طلبة العلم، وهذه يقول: على المساجد، وهذه يقول: على إصلاح الطرق فيُشْكِل على الورثة.

ومن ثَمَّ نقول: أنتم طلاب علم وربما تصلون إلى القضاء، أرشدوا الناس على أنهم إذا أَوْصَوْا وصية يقول: وهذه الوصية ناسخة لما سبق، يُؤْخَذ بقوله هذا أو لا يؤخذ؟ يؤخذ؛ ليش؟ بأي شيء يؤخذ؟ لأن الرجوع في الوصية جائز، فكلما كتب الإنسان وصية ينبغي أن ينتبه إلى هذا، ويقول: هذه الوصية ناسخة لما سبق حتى لا يوقع الموصى لهم والورثة في حيرة فيما بعد، يستريح ويريح إذا قال: هذه الوصية ناسخة لما سبقها، نبهوا على هذا، وانتبهوا له؛ لأن الأمر فيما يُعْرَض علينا، وإن كان لا يُعْرَض من هذه الأمور إلا الشيء اليسير، لكن يجد الإنسان حرجًا، تجدهم يعثرون على وصية لها أربعون سنة مثلًا كتبها ونسيها، ثم أوصى ولم يُشِرْ إلى الأولى؛ لأنه ناس، فنقول: كلما كَتَبْتَ وصيةً اكتب: هذه الوصية ناسخة لما سبقها.

قال: (ولا يملك الرجوع فيها) أي: في العطية، العطية لا يملك الرجوع فيها؛ لأنها لزمت، أعطى هذا الرجل ألف ريال وقبض الألف ريال وانتهى، من صار ملك الألف له؟ المعطى لا يمكن أن يرجع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» (14).

ص: 2488

والوصية يملك الرجوع فيها؛ فلو أوصى ببيته لفلان؛ قال: هذا البيت بعد موتي يُعْطى فلانًا ملكًا له، ثم رجع، يجوز ولَّا لا يجوز؟ يجوز؛ لأن الوصية لا تلزم إلا بعد الموت فله أن يرجع، هذا فرق ثان؛ العطية اللازمة وهي المقبوضة لا يملك الرجوع فيها، والوصية ولو قبضها الموصى له فإن الموصي يملك الرجوع فيها؛ لأنها -أي الوصية- لا تلزم إلا بعد موته، هذان فرقان.

(ويُعتبر القبول لها عند وجودها)(يُعْتبر القبول لها) أي: للعطية عند وجودها؛ لأنها هبة فيُعْتَبر أن يقبل المعطى العطية عند وجودها قبل موت المعطي ولَّا بعده؟ قبله، أعطاه العطية يقبل في الحال، والوصية متى؟ لا يصح قبولها إلا بعد الموت، حتى لو قال الموصى له -قال: إني أوصيت لك بهذا البيت بعد موتي ملكًا لك- قال: قَبِلْتُ وشكر الله سعيك وجزاك الله خيرًا، وإلى كاتب العدل نكتب. فذهبا لكاتبٍ عدل بأن أوصيت ببيتي لفلان بعد موتي. له أن يرجع ولَّا ما يرجع؟

طلبة: يرجع.

الشيخ: يا جماعة، الرجل راح إلى كاتب العدل وكتبه، نعم؛ لأنها وصية.

هل يثبت الملك للموصى له من حين تم عقد الوصية؟ لا، الملك للموصي بخلاف العطية، فإنه يثبت الملك فيها حين وجودها وقبولها؛ ولهذا قال:(ويثبت الملك إذن) عند وجودها وقبولها، والوصية بخلاف ذلك، أن يثبت الملك؛ هذا الفرق الرابع؛ يثبت الملك بها عند وجودها، هذه أربعة فروق.

رأيتوني كتبت سابقًا فروقًا الأخرى، إذا تحبون أمليها عليكم أمليها وإلَّا تركناها، نمليها؟

طلبة: إي نعم.

الشيخ: تكثُر عليكم، وأمتحنكم فيها الدرس القادم.

أنا كتبتها سابقًا وأرجو أن تكون هي مفيدة إن شاء الله.

طيب، الفرق الخامس: اشتراط التنجيز في العطية، وهذا ربما يُؤْخَذ من قوله:(ويعتبر القبول لها عند وجودها)، وأما الوصية فلا تَصِحُّ مُنَجَّزة، الوصية ما تكون إلا بعد الموت فهي مؤجلة على كل حال.

الوصية تصح من المحجور عليه ..

طالب: السادس؟

ص: 2489

الشيخ: إي، هو السادس، الوصية تصح من المحجور عليه ولا تَصِحُّ العطية؛ رجل عليه ديون أكثر من ماله؛ الديون اللي عليه عشرة آلاف ريال وماله ثمانية آلاف ريال، وحُجِرَ عليه، هل يمكن أن يعطي أحدًا من هذه الثمانية؟ لا؛ لأنه محجور عليه، لكن لو أوصى بعد موته بألفين ريال يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، ما الفرق؟ الفرق أن الوصية لا تُنَفَّذ إلا بعد قضاء الدين؟ وهل على أهل الدين ضرر إذا أوصى بشيء من ماله؟ الجواب: لا ليس عليهم ضرر؛ لأنه إذا مات الميت نبدأ أولًا بتجهيزه، ثم بالديون التي عليه، ثم بعد ذلك بالوصية، فهو لا ضرر عليه؛ إذن الوصية تَصِحُّ من المحجور عليه، والعطية لا تصح؛ والفرق أن العطية فيها إضرار بالغرماء، والوصية ليس فيها إضرار؛ لأنها لن تُنَفَّذ إلا بعد قضاء الدين.

وهل تصح من المحجور عليه لسفه؟

قال بعض أهل العلم: نعم تصح؛ المحجور عليه لسفه هو الذي لا يُحْسِن التصرف، أما المجنون فلا تصح منه؛ لأنه لا قَصْدَ له ولا يعرف لكن إذا كان بالغًا عاقلًا لكن لا يحسن التصرف، يبذِّر المال إذا أُعْطِيَ مالًا على طول اشترى به مفرقعات، اشترى به مُلهِيَات، هذا سفيه يُحْجَر عليه أو لا يُحجَر؟ يحجر عليه لسفهه، فهل تصح الوصية منه؟

يرى بعض العلماء أن الوصية منه تَصِحُّ؛ لأنه إنما حُجِرَ عليه لسفهه لمصلحته، والآن تُوُفِّيَ الرجل، ومن مصلحته أن نُنَفِّذ وصيته، لكن في القلب من هذا شيء؛ لأنه سفيه لا يدري ما الوصية، ولا العطية، ولا يدري شيئًا؛ إذن المحجور عليه لفلس، عندكم الجواب؟

طلبة: تصح.

ص: 2490

الشيخ: تصح الوصية منه دون العطية؛ المحجور عليه لسفه إما أن يكون صغيرًا، إما أن يكون مجنونًا، إما أن يكون سفيهًا لا يُحْسِن التصرف، لكنه بالغ عاقل، أما الأول والثاني فلا تَصِحُّ وصيته ولا عطيته، وأما الثالث ففيها قولان؛ قال بعض أهل العلم: تصح؛ لأنه إنما حُجِر عليه لمصلحة نفسه، وبعد موته لا يضره ما ذهب من ماله إلى ثواب الآخرة مثلًا، لكن في النفس من هذا شيء لأن السفيه على اسمه لا يُحْسِن التصرف، فأنا أتوقف في هذا.

طيب، الوصية تَصِحُّ بالمعجوز عنه، والعطية لا تصح؛ يعني: لو أعطى شيئًا معجوزًا عنه؛ كجمل شارد، وعبد آبق، وما أشبه ذلك؛ فإنها لا تصح العطية على المشهور من المذهب، والقول الراجح أنها تصح؛ لأن المعطى إما أن يَغْنَم وإما أن يسلم ما فيه مراهنة، لكن على المذهب لا تَصِحُّ العطية بالمعجوز عنه وتصح الوصية، والصحيح في هذا أن كِلْتَيْهِما تصح بالمعجوز عنه.

الوصية لها شيء معين ينبغي أن يوصي فيه والعطية لا؛ الشيء المعين الذي ينبغي أن يوصي فيه هو الخمس، يعني: الإنسان إذا أراد أن يوصي بتبرع فليوص بالخمس، لدينا خُمُس وربع وثلث ونصف وأجزاء أخرى، لكن هذه أتكلم عليها؛ الوصية بالنصف حرام، الوصية بالثلث جائزة، الوصية بالربع جائزة ولكنها أحسن من الثلث، الوصية بالخمس أفضل منهما من الثلث والربع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين أستأذنه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في أن يوصي بأكثر من الثلث، قال:«الثُّلُثَ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» (4)، وكلام نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله:«الثُّلُثُ كَثِيرٌ» يُوحي بأن الأولى أيش؟ النقص عنه.

ابن عباس رضي الله عنهما مع ما أعطاه الله من الفَهْمِ يقول: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» (5) يعني: لكان أحسن.

ص: 2491

أبو بكر رضي الله عنه سلك مسلكًا آخر واستنبط استنباطًا آخر؛ فَهْمًا عميقًا قال: أرضى ما رضيه الله لنفسه ورسوله؛ أُوصِي بالخمس (15)؛ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} [الأنفال: 41] إلى آخره، ولذلك اعتمد الفقهاء رحمهم الله أن الجزء الذي ينبغي أن يُوصِيَ به هو الخمس، واضح؟

هذه أيضا نقطة أحب منكم -طلبةَ العلم- أن تنبهوا الناس عليها، الآن الوصايا كلها إلا ما شاء الله بأيش؟ بالثلث، أوصيتُ بثلثي، أوصى بثلثه، سبحان الله! الرسول عليه الصلاة والسلام ماكسه سعد من الثلثين إلى النصف إلى الثلث فقال:«الثُّلُثُ كَثِيرٌ» . لماذا لا نرشد العامة لا سيما إذا كان ورثتهم فقراء أن يوصوا بالربع فأقل؟ لكن هذا قليل مع الأسف، الكتاب يُرضون مَنْ حضر، ويش تبغي أن توصي؟ قال: أبغي الثلث. ما يقول: يا رجل، الربعَ أو الخُمُسَ. وهذا غلط أنا أرى أنه إذا طُلِبَ من إنسان أن يكتب وصية بالثلث أن يقول: يا أخي، تريد الأفضل؟ قال: نعم. الخُمُسَ. قال: لا، بدي أكثر. ننقل إلى الربع، يقول له: يا أخي، هذا هو الأفضل، أنت لو أردْتَ التقرب إلى الله حقًّا لتصدقتَ وأنت صحيح شحيح، تأمل البقاء وتخشى الفقر، أما الآن إذا فارقت المال تذهب تحرمه مَنْ جعله الله له، ما يصير هذا.

على كل حال الوصية لها جزء معين ينبغي أن تكون به، والعطية لا، لا نقول: يا فلان، يُسَنُّ أن تُعْطي الخمس أو الربع.

يقولون -الفقهاء-: الوصية تصح للحمل والعطية لا تصح؛ ووجه ذلك أن الحمل لا يَمْلِك؛ فإذا أعطيته لم يملك، ولا يصلح أن يتملك له والده؛ لأنه -أي: الحمل- لم يكن أهلًا للتملك وعرفتم أن العطية لا يكون التملك فيها من حينه ناجزًا، والوصية لا بأس بها.

طيب رجل عنده عبد مُدَبَّر، العبد المُدَبَّر هو الذي علَّق سيده عِتْقَه بموته؛ أي موت سيده ولَّا موت العبد؟

ص: 2492

طلبة: سيده.

الشيخ: لا، لعله موت العبد! ليش؟ إذا مات العبد ما فيه عِتْق ولا رق.

طيب، قال له: إذا متُّ فأنت حر. هذا مُدَبَّر؛ لأن عتقه يكون دبر حياة سيده. يصح أن يوصي لعبده ولا يصح أن يعطي عبده؛ بناء على أن العبد لا يملك بالتمليك، والعطية لا بد أن أيش؟ يتملكها في حينها، لكن الوصية تُصادِف العبد وقد عَتَق، وإذا عتق صحَّ أن يتملك.

طيب، هذه كم فرقًا؟ ستة؟

طلبة: (

).

الشيخ: لا بالبسط كذا، وبالاختصار كذا! عندكم بسط واختصار؟ أنا عندي هذا هو الفرق السادس.

طلبة: (

).

الشيخ: نعم، كيف؟

طلبة: (

).

الشيخ: إن العبد المُدَبَّر يصح أن يُوصى له ولا تصح له العطية، هذا السادس.

السابع: العطية خاصة بالمال، والوصية بالمال والحقوق؛ ولذلك يَصِحُّ أن يوصيَ شخصًا يكون ناظرًا على وقفه، ويصح على قول ضعيف أن يوصي شخصًا بتزويج بناته، ولكن العطية خاصة بماذا؟ بالمال، هذا ما تيسر لنا، وقد يكون عند التأمل هناك فروق أخرى، لكن هذا ما تيسر.

وذكرنا لكم أن يوصي الإنسان بتزويج بناته، هذا هو المذهب، والصحيح أنه لا تصح وصيته في تزويج بناته؛ لأنه ولي على بناته ما دام حيًّا، وترتيب الولاية ليست إلى الوليِّ، بل هي إلى وَلِيِّ الولي من هو؟ الله عز وجل.

ترتيب ولاية النكاح ما هي للولي، للشرع؛ وعلى هذا فإذا مات الإنسان انقطعت ولايته في تزويج بناته كما تنقطع ولاية بقية الأولياء.

الصواب أنه لو قال شخص عند موته: أوصيت إلى فلان أن يتولى تزويج بناتي، ثم مات ولهنَّ عمٌّ، من يُزَوِّجُهن؟ القول الراجح: العم، والقول الثاني: الوصي.

ص: 2493

هذه الفروق بين العطية والوصية، وليُعْلَم أن من أسباب تحصيل العلم هو أن يعرف الإنسان الفروق بين المسائل المشتبهة، وقد ألَّف بعض العلماء في هذا كتبًا؛ مثلًا الفروق بين البيع والإجارة، بين الإجارة والجعالة، بين العطية والوصية، كل المسائل المشتبه يعني: من أسباب اتساع نظر الإنسان وتَعَمُّقِه بالعلم أن يحرص على تَتَبُّع الفروق ويقيدها.

طالب: بارك الله فيك، بعض الكتب التي تكلمت في الفروق (

).

الشيخ:

واللهِ أنا ما أستحضر شيئًا لكن هي معروفة الفروق؛ الأشباه والنظائر للسيوطي، ومثل الفروق

للزريراني وغيرها.

طالب: الشيخ ابن سعدي يا شيخ.

الشيخ: نعم، وكذلك لشيخنا، ولكن مختصرًا.

طالب: إذا قال: أوصيت لفلان ومن معه ولم يعين.

الشيخ: فلا شيء، لا شيء، إذا قال: أوصيت لفلان وسكت فلا شيء.

طالب: لا (

) قبل أن (

).

الشيخ: المهم سكت ما صار شيء.

طالب: الوصية تصح (

) والعطية لا تصح على المذهب، ما الفرق بين (

الشيخ: الفرق أن الوصية لا يشترط لها التملك الآن، فربما يُقْدَر عليها فيما بين الوصية والموت.

طالب: هل الوصية كفيل كلام ولا يحتاج أن يكتب لوصيته؟

الشيخ: إي معلوم أنه إذا أوصى الإنسان بالكلام ثبتت الوصية، لكن لا بد من الإشهاد عليها؛ لأنه إذا لم يُشْهِد ربما ينسى، وربما ينكر الورثة، فلا بد من الإشهاد، ولكن ضبطها بالكتابة هو الأولى لحديث ابن عمر رضي الله عنه:«مَا حَقُّ امْرِءٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» (16)«مَكْتُوبَةٌ» هكذا جاء الحديث.

طالب: (

) كتب وصية لكنهم لم يطلعوا على هذه الوصية إلا بعد قسمة التركة، فهل للموصى له أن يرجع على الورثة؟

الشيخ: إي نعم، لو لم نعلم بالوصية الثابتة إلا بعد توزيع التركة فإن الموصى له يرجع على الورثة بما أوصي له به؛ لأنه حقه.

طالب: (

).

الشيخ: أيش؟

طالب: بعكس هذه الصورة.

ص: 2494

الشيخ: أيُّ صورة؟

طالب: صورة رجل (

) وبعد موته كانت (

) تزيد، فهل يجعل (

الشيخ: نعم، إذا أوصى لإنسان بأرض كما قال السائل وقبضها، فقبضه وجوده كعدمه لا أثر له لكن حين مات صارت هذه الأرض تزيد على الثلث فللورثة أن يُبْطِلوا ما زاد على الثلث.

طالب: (

الشيخ: تبقى عند الموصي، كل إنسان لا بد أن يكون عنده كتاب مثلًا يحتفظ به في هذه الأمور، وإذا كان خطه معروفًا كفى، وإن لم يكن معروفًا فلْيُشْهِد.

طالب: (

) للموصى له؟

الشيخ: لا بأس، هذا طيب، لا سيما إذا كنا نخشى أن الورثة يجحدونها.

طالب: العطية الأولى إذا كانت غير مقبوضة والثانية مقبوضة، أيها يقدم؟

الشيخ: يُقَدَّم المقبوضة؛ لأن الأولى لم تلزم، وأنتم مر عليكم -إن كان مر عليكم- أن الهبة إذا لم تُقْبَض فإنها تبطل بموت الواهب.

طالب: أحسن الله إليك، قال المؤلف: يبدأ في العطية يبدأ بالأول فالأول إذا زاد على الثلث والمعروف أن تكون منجزة في الحال، فهل (

) مات فهل تختلط بالعطية الوصية؟

الشيخ: لا، قبضها المعطى دخلت ملكه، وخرجت عن ملك المعطي.

طالب: فإذا دخلت في ملك (

الشيخ: دخلت، أبدًا، دخلت في ملكه، لكن إن زادت على الثلث عند الموت فللورثة أن يرجعوا فيما زاد.

طالب: في الوقت الحاضر (

) السيارات والموت فجأة، ولكن الوصايا هذه يحتمل (

) بعضها على بعض (

) مثلما تفضلْتَ جزاك الله خيرًا (

الشيخ: هذه بارك الله فيك، إذا كان الورثة وافقوا على تنفيذ الوصايا كلها فلا إشكال، أفهمت؟ وإذا لم يوافقوا وكانت الوصايا كلها لا تزيد على الثلث فلا إشكال، تُنَفَّذ كلها وإذا لم يوافقوا وكانت تزيد على الثلث فحينئذ يكون النقص على الجميع، أو يُنَفَّذ الجميع بقدر الإمكان فلا يُعْتَبر التاريخ؛ يعني الثانية لا تكون ناسخة للأولى إلا إذا نصَّ الموصي على إنها ناسخة، فهمت؟ لماذا؟

ص: 2495

لأن الثانية يحتمل أن الموصي لو ذكر الأولى ما أوصى بها ولاقتصر على الأولى، ويحتمل أنه عدل عن الأولى إلى الثانية فمع الاحتمال لا يمكن أن تبطل إحداهما بالأخرى فتنفذان جيمعًا؛ ولهذا نكرر عليكم أن تنتبهوا لهذا وتنبهوا غيركم؛ أن الإنسان ينبغي له إذا أوصى مهما كان لو يوصي في الشهر مرتين فليقل في الأخيرة: هذه الوصية ناسخة للأولى علشان يريح الناس ولا يحصل إشكال ولا نزاع.

طالب: (

).

الشيخ: متى؟

طالب: (

).

الشيخ: إن كان ترك شيئًا مرهونًا برأت ذمته بالدين الذي فيه الرهن كما تبرأ بالضمان، وإلَّا فذمته لم تبرأ.

طالب: (

).

الشيخ: إذا استغرق (

) تجاوزت ويش؟

طالب: (

).

الشيخ: يعني: أجازوا للثاني اللي زاد على الثلث، لا بأس ما فيه مانع، لكن الأول لا يُنْقَص.

طالب: إذا تصرَّف الموصى له بالوصية ثم اتضح أنها أكثر من الثلث، هل يغرم؟

الشيخ: زائدة عن الثلث؟ نعم يغرم إلا إذا وافق الورثة؛ ولهذا ذكر بعض أهل العلم أنه لا يُمَكَّن المعطى من التصرف بالعطية إذا كان في احتمال أن تزيد على الثلث.

طالب: (

) صحيح هذا؟

الشيخ: صحيح.

طالب: (

) هل تعتبر (

الشيخ: قلناها، ضربنا أمثلة كثيرة.

طالب: (

) إذا أوصى برجل بألف، ولرجل بألفين، ولرجل بثلاثة (

الشيخ: إي، سوينا بينهم، أليس كذلك يا جماعة؟ والله السكوت كثير يا جماعة، هل سوينا بينهم ولَّا لا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: سوينا بينهم، وقلنا: إنه يدخل النقص على الجميع بحسبه.

طالب: (

) ما ورد عن ابن عباس ..

الشيخ: ما صحته؟

طالب: ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: الوصية بالخمس أفضل من الربع؟

الشيخ: ما أعرف هذا، هذا الأثر عن ابن عباس لا أعرفه، الوصية بالخمس أفضل، لكن الذي صحَّ عنه: لو أن الناس غَضُّوا من الثلث إلى الربع؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» (5)، أما الوصية بالخُمُس فعن أبي بكر رضي الله عنه.

***

ص: 2496

(

) يقول المؤلف رحمه الله: (إن الهبة والعطية هي التبرع) فما معنى قوله: (التبرع)؟

طالب: (

)

الشيخ: ويش معنى (يتبرع)؟

طالب: (

).

الشيخ: هو بذل مالٍ بلا عوض عليه، هذا التبرع؛ يعني: يعطي المال، ولا يأخذ عليه شيئًا.

قول المؤلف رحمه الله: (ولا يصح مجهولًا إلا ما تعذر علمه) معنى العبارة؟

طالب: أن التبرع لا يصح مجهولًا (

) مجهولًا، إلا ما كان علمه (

) يصح.

الشيخ: (

).

طالب: مثل أن يكون معناه (

) اثنين (

) فيتبرع هذا الآخر بنصيبه.

الشيخ: فيصح؛ لأنه متعذر.

رجل وهب شيئًا لشخص ثم رجع فيه، هل يجوز أو لا يجوز؟

طالب: يجوز قبل أن يقبض.

الشيخ: إن كان قبل القبض جائز وبعد القبض؟

طالب: لا يجوز؛ لأنه لازم.

الشيخ: لا يجوز مطلقًا بدون استثناء؟

طالب: إلا الأب.

الشيخ: إلا الأب نعم، ما هو الدليل على أن الأب له أن يرجع؟

طالب: ورد في هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا يَجُوزُ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ إِلَّا الْأَبُ فِيمَا يُعْطِيهِ» ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

الشيخ: نعم، الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ إِلَّا الْأَبُ فِيمَا يُعْطِيهِ لِوَلَدِهِ» (17).

قول المؤلف: (في هبته اللازمة إلا الأب)؟

طالب: يخرج من هذا الهبة غير اللازمة، الهبة اللازمة هي التي قبضها (

).

الشيخ: اللازمة هي التي قُبِضت، فيخرج بهذا القيد غير اللازمة؛ وهي التي لم تُقْبَض، فإذا وهب شخصًا شيئًا ولم يقبضه فله أن يرجع فيه، طيب.

رجل تملك سيارة ابنه وهو لا يجد غيرها؟

طالب: لا يجوز له أن يتملكها.

الشيخ: لا يجوز أن يتملكها؟ أبوه؟ !

الطالب: لأن فيها ضررًا عليه.

الشيخ: لأنه يحتاجها (

)؛ لأنه يحتاجها، والمؤلف قيَّد:(ما لا يضره) ولا يحتاجه.

متى يجوز مطالبة الولد لأبيه؟

طالب: النفقة الواجبة.

الشيخ: النفقة الواجبة.

ص: 2497

طيب، والدين؟

الطالب: والدين ليس له مطالبته.

الشيخ: ليس له مطالبته، طيب. ما الفرق؟

الطالب: لأن النفقة ثابتة بأصل الشرع كالزكاة.

الشيخ: ثابتة بأصل الشرع، فيُلْزَم الأب بها، وإذا أبى وجب أن يُجْبَر عليها كالزكاة.

ما هي صيغ الإبراء من الدين؟

طالب: (

).

الشيخ: إنسان يطلب من شخص ألف ريال فقال: أحللتك، هذا واحد.

الطالب: صدقة.

الشيخ: تصدقت.

الطالب: (

).

الشيخ: طيب لو قال: الدين اللي عليك مسامح فيه؟

الطالب: أيضًا.

الشيخ: يجوز؟

الطالب: (

).

الشيخ: نعم، العبرة لا بالألفاظ، لكن بالمعاني طيب.

أبرأ شخصٌ آخرَ من دينه ولكن المُبْرَأ أبى قال: لا أقبل لك مِنَّة عَلَيَّ.

الطالب: (

).

الشيخ: (

) لا قبول، قال: يا فلان، في ذمتك لي ألف ريال قد وهتبك إياها أو قد أبرأتك منها.

الطالب: له ألَّا يقبل.

الشيخ: له ألَّا يقبل؟

الطالب: له ألا يقبلها (

) اشترط المؤلف شرطًا (

).

الشيخ: أين شرط المؤلف هذا؟

طالب: (

) له ألا يقبل.

الشيخ: أريد أن تجيبني بما قال المؤلف.

طالب: المؤلف قال: (ولو لم يقبل) (

) ..

الشيخ: اصبر، نحن نقول: تبرأ ذمته، وإن لم يقبل؟

طالب: نعم.

الشيخ: طيب، هل هناك قول آخر في المسألة؟

طالب: إذا كان يخشى المنة يعطيها إياه.

الشيخ: يعني إذا كان يخشى أن يَمُنَّ عليه فلا بد من قبوله، كذا؟

الطالب: لا بد من قبوله (

) وإلا تصدق بها.

الشيخ: المهم أنه إذا كان يخشى المنة فإنه لا يبرأ بذلك، لا بد أن يقبل.

هل هناك تعليل لهذا المسألة وأن الإنسان يجبر على أن يقبل؟

طالب: لأن له إسقاط الحق (

).

الشيخ: نعم، لا الإبراء؟

الطالب: (

) وليس ..

الشيخ: وليس هبة عين، هكذا قالوا، كما قالوا فيما لو كان على الإنسان شيء متوسط يعني: بر أو تمر متوسط فأتى بتمرٍ جيد لزم قبوله؛ لأن هذا وصف وليس بعين.

ص: 2498

(كتابُ الوَصايا)

يُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَ خيرًا - وهو المالُ الكثيرُ - أن يُوصِيَ بالْخُمُسِ، ولا تَجوزُ بأكثرَ من الثُّلُثِ لأَجْنَبِيٍّ، ولا لوارثٍ بشيءٍ إلا بإجازةِ الوَرَثَةِ لها بعدَ الموتِ فتَصِحُّ تَنْفِيذًا، وتُكْرَهُ وَصِيَّةُ فقيرٍ وارثُه مُحتاجٌ، وتَجوزُ بالكُلِّ لِمَن لا وَارثَ له، وإن لم يَفِ الثلُثُ بالوَصايا فالنَّقْصُ بالقِسطِ، وإن أَوْصَى لوارِثٍ فصارَ عندَ الموتِ غيرَ وارثٍ صَحَّتْ والعكْسُ بالعكسِ، ويُعتبَرُ القَبولُ بعدَ الموتِ وإن طالَ لا قَبْلَه، ويَثْبُتُ الْمِلكُ به عَقِبَ الموتِ، ومَن قَبِلَها ثم رَدَّها لم يَصِحَّ الرَّدُّ، ويَجوزُ الرجوعُ في الوَصِيَّةِ، وإن قالَ: إن قَدِمَ زيدٌ فله ما أَوْصَيْتُ به لعمرٍو فقَدِمَ في حياتِه فله، وبعدَها لعمرٍو، ويَخْرُجُ الواجبُ كلُّه

كذا؟ طيب، هل هناك تعليل لهذه المسألة، وأن الإنسان يُجْبَر على أن يقبل؟

طالب: (

).

الشيخ: لأن الإبراء؟

الطالب: (

).

الشيخ: نعم.

الطالب: وليس هبة.

الشيخ: وليس هبة عين، هكذا قالوا، كما قالوا فيما لو كان على الإنسان شيء متوسط، يعني بُرّ أو تمر متوسط فأتى بتمر جيد لزم قبوله؛ لأن هذا وصف وليس بعين، ماذا نقول عن كلام المؤلف عن التعديل في العطية؟

طالب: (

).

الشيخ: كل إنسان تعطيه مع صاحب له يجب .. ؟

طالب: بدك تعطيها الأولاد.

الشيخ: الأولاد؟

طالب: نعم.

الشيخ: الذكور ولَّا الإناث؟

الطالب: كلهم.

الشيخ: كلهم، الإخوان؟

الطالب: التعديل غير واجب.

الشيخ: غير واجب، من أين تأخذه من كلام المؤلف؟

طالب: يجب التعديل بين أولاده.

الشيخ: لقوله: يجب التعديل في عطية أولاده، الدليل على هذا؟ نأخذ الأول ثم الثاني.

طالب: «اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» (1).

الشيخ: من قال، هذا عمر ولَّا أبو بكر؟

الطالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 2499