الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دليل آخر أن سليمان: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَركًا لِحَاجَتِهِ وَقَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (3)، وإذا كان لم يحنث معناه أن الاستثناء صحيح.
المهم أن الصواب أنه متى استثنى فإنه يصح الاستثناء، فلو سمع رجل شخصًا يقول: نسائي الأربع طوالق؛ فلانة وفلانة وفلانة وفلانة، وله صاحب له إلى جنبه قال له: قل: إلا أُمَّ فلان أم عيالك امرأة طيبة حبيبة تحفظ السر وتعين المرء، قال: الله يذكرك بالخير، إلا فلانة، ما تقولون؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: على المذهب؟
الطلبة: لا يصح.
الشيخ: والصحيح أنه يصح.
يقال: الإنسان لو نواه من الأول، وأنه تَأَنَّى في الأمور، وبنى أموره على التروَّي لكان أحسن، لكن أحيانًا يُذَكَّر الإنسان فيذكر (
…
).
***
[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
بابُ الطلاقِ في المَاضِي والمُسْتَقْبَل
إذا قال: أنتِ طالقٌ أمسِ أو قبلَ أن أنكِحَكِ، ولم ينوِ وقوعَه في الحالِ لم يقعْ، وإن أراد بطلاقٍ سبق منه أو من زيدٍ وأمكنَ قُبِلَ، فإن مات أو جُنَّ أو خرس قبل بيانِ مُرادِه لم تَطْلُقْ.
وإن قال: طالقٌ ثلاثًا قبلَ قدومِ زيدٍ بشهرٍ، فَقَدِمَ قبلَ مُضِيِّهِ لم تطلُقْ، وبعدَ شهرٍ وجُزءٍ تطلُقُ فيه يَقعُ، فإن خالعَها بعد اليمينِ بيومٍ وقدم بعد شهر ويومين صحَّ الخلع وبطل الطلاق، وعكسها بعد شهر وساعة.
وإن قال: طالقٌ قبل موتي، طَلقَتْ في الحالِ، وعكسُه معَه أو بعدَه.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى:(باب الطلاق في الماضي والمستقبل).
اعلم أن العلماء رحمهم الله بناء على أن مؤلفاتهم للتعليم والتمرين يذكرون مسائل قد لا تقع، وإن وقعت فهي نادرة، حتى إنهم ذكروا لو مات عن عشرين جدة، عشرين جدة (
…
)؟ وكذلك لو أوصى بأشياء خيالية، يذكرون هذا تمرينًا للطالب.
هنا يقول: (باب الطلاق في الماضي والمستقبل).
الطلاق في الماضي هو ما سبق لفظَ الطلاق، ولو كان قبله بدقيقة، والمستقبل ما كان معه أو بعده، ولو بدقيقة.
فإذا قال لزوجته: أنت طالق الساعة التاسعة وثمان عشرة دقيقة، والآن نحن في التاسعة وتسع عشرة دقيقة، تطلق أو لا تطلق؟ يعني: قبله بدقيقة واحدة، فإنها لا تطلق؛ لأن الطلاق إنشاء، والإنشاء لا بد أن يكون مُقارِنًا للفظ أو متأخرًا عنه؛ لأنه إنشاء ليس إخبارًا.
أما إذا قال: أنت طالق أمس، يخبر عن طلاق وقع منه بالأمس، فإنها تطلق: بالقول الثاني هذا ولَّا بالطلاق الأول؟ بالطلاق الأول؛ لأن الثاني صار خبرًا وليس إنشاء.
إذا قال: أنت طالق أمس، ونوى وقوعه الآن، فالمؤلف يقول رحمه الله:(إذا قال: أنت طالق أمس ولم ينو وقوعه في الحال لم يقع)، وظاهر كلامه أنه إذا نوى وقوعه في الحال يقع، وَيُلْغَى قوله:(أمس).
إذن إذا قال: أنت طالق أمس، فإن نوى الإخبار عن طلاق وقع منه أمس يقع الطلاق باللفظ هذا أو بالطلاق السابق؟ بالطلاق السابق، وهذه واضحة.
إذا قال: أنت طالق أمس، ويريد الآن، يقول المؤلف: إنه يقع، إذا نوى وقوعه الآن يقع.
إذا نوى أنت طالق أمس، ونوى وقوعه أمس، فإنه لا يقع؛ لأنه لا يمكن أن يقع الشيء قبل أن يوجد سببه.
مفهوم الكلام ولَّا غير مفهوم؟ قل: نعم ولَّا لا، المسألة ما فيها إشكال.
مفهوم ولّا غير مفهوم؟
طالب: مفهوم.
الشيخ: معك زوجة؟
الطالب: لا.
الشيخ: إذا كان معك زوجة، وقلت لها: أنت طالق أمس تريد أن تخبرها أنك طلقتها أمس، تطلق ولَّا ما تطلق، أسألك؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا تخف، ما هي طالق، ما دام ما عندك زوجة، ما فيه طلاق.
الطالب: تطلق.
الشيخ: تطلق؟ تطلق بهذا اللفظ ولَّا بالطلاق اللي مضى أمس؟
الطالب: بالذي مضى.
الشيخ: بالذي مضى، واضح الآن ولّا غير واضح.
إذا قال: أنت طالق أمس، ونوى وقوعه الآن، تطلق ولَّا ما تطلق؟ يقول المؤلف: إنها تطلق.
إذا قال: أنت طالق أمس، ولم ينو وقوعه الآن، فإنها لا تطلق؛ لأن الطلاق إنشاء، والإنشاء لا بد أن يكون في الحاضر أو المستقبل.
أعود مرةً ثانية: إذا قال: أنت طالق أمس، ونوى الإخبار عن طلاق وقع منه بالأمس، فالطلاق يقع بأيش؟ بالطلاق الماضي.
إذا قال: أنت طالق أمس، ولم ينو وقوعه الآن، فإنه لا يقع؛ التعليل لأنه إنشاء، والإنشاء لا يمكن أن يكون في ماض.
إذا قال: أنت طالق أمس، ونوى الآن، يقول المؤلف: إنه يقع، والصحيح أنه لا يقع؛ لأن اللفظ لا يحتمل، كيف يقول: أنت طالق أمس، ونقول: إن هذه بمعنى أنت طالق الآن؟ ما يصير هذا.
ولهذا اشترطوا في التأويل في الحلف أن يكون اللفظ ممكنًا لقبوله، وعليه فنقول: في هذه الحال لا يقع على القول الراجح للتناقض بين ما أراد وبين اللفظ، اللفظ يقول: أمس، وهو يريد اليوم، ما يمكن أمس اليوم.
إذا قال لزوجته: أنت طالق قبل أن أنكحك، يقع ولَّا ما يقع؟ ما يقع، لكن ينبغي أن نجعل لها الخيار بين أن تبقى معه أو لا تبقى؛ لأن الذي يقول: أنت طالق قبل أن أنكحك مجنون، والمجنون لزوجته الخيار إذا جُنَّ، كيف طالق قبل أن أنكحك؟ نعم لو قال: أنت طالق قبل أن أنكحك؛ يعني غير مُقَيَّدة باليدين أو الرجلين صار المعنى صحيحًا، أما طالق من نكاح قبل أن ينكحها، فهذا كما قلت لكم في الأول: لا يمكن أن يقع أبدًا إلا من مجنون، والمجنون له حال أخرى؛ يعني: إنسان عاقل يقول لزوجته: أنت طالق قبل أن أتزوجك؟ ما يمكن هذا، لكن الفقهاء رحمهم الله يمثِّلون بالأشياء من باب التمرين.
يقول: (إذا قال: أنتِ طالقٌ أمس أو قبلَ أن أنكحَكِ، ولم ينوِ وقوعَه في الحالِ لم يقعْ) ومفهومه: إن نوى وقوعه في الحال وقع، والصحيح أنه لا يقع.
(وإن أراد بطلاقٍ سَبَقَ منه أو سبق من زيدٍ وأمكنَ قُبِلَ).
إذا قال: أنت طالق أمس، وأراد أنها طالق بطلاق (سبق منه) بالأمس، يُقْبَل ولَّا لا؟ يُقْبَل، أو سبق (من زيد) يقبل، لكن بشرط أن يكون ممكنًا، والإمكان بأن يكون قد سبق له نكاحها أو سبق لزيد نكاحها، فإذا قال: أنت طالق، وقال: أردتُّ من زيد، وزيد ما تزوجها، لم يقبل، وهذا واضح.
(وأمكن قُبِلَ، فإن ماتَ) يعني: مات مَن قال: أنت طالق أمس أو قبل أن أنكحك.
(فإن ماتَ أو جُنَّ أو خَرِسَ قبلَ بيانِ مُرادِه لم تَطْلُقْ) اعتبارًا بظاهر اللفظ؛ لأنه طلاق في الماضي، والطلاق في الماضي لا يقع.
(وإن قال: أنت طالق ثلاثًا قبلَ قدومِ زيد بشهر، وقدِمَ قبل مُضِيِّه، لم تطلق).
إذا قال: أنت طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر، وقدم زيد يوم ثمانية وعشرين من كلامه، تطلق أو لا؟
طلبة: لا تطلق.
الشيخ: يا جماعة، ما تطلق؟ !
الطلبة: نعم.
الشيخ: ليه؟
الطلبة: (
…
).
الشيخ: إي؛ لأنه تبين الآن أن طلاقه قبل قدومه بيومين، يعني تبين أن طلاقه قبل إيقاعه بيومين، فيكون من باب الطلاق في الماضي، والطلاق في الماضي لا يقع.
وقال المؤلف رحمه الله: (ثلاثًا) لأنه سيبني على هذا شيئًا، وإلَّا ما حاجة ثلاثًا أو واحدة كله واحد، لكن سيبني عليه ما بعده.
يقول: (وقدمَ قبل مُضِيِّه، لم تطلق، وبعد شهر وجزء تطلق فيه يقع).
إذا قال مثلًا: الآن الساعة التاسعة من يوم عشرة أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر، فقدم زيد في اليوم العاشر من الشهر الثاني الساعة تسع إلا دقيقة، تطلق ولَّا ما تطلق؟
طلبة: لا تطلق.
الشيخ: لا يا أخي، كيف ما تطلق؟
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، (وبعد شهر وجزء تطلق فيه يقع).
طلبة: (
…
).
الشيخ: يقع.
طالب: (وجزء).
الشيخ: (وجزء) هذا جزء.
طالب: هذا قبل.
الشيخ: قبل؟ أنا قلت: تسع إلا، إذن نقول: تسع ودقيقة، يقع؟
طلبة: يقع.
الشيخ: يقع، تمام؛ لأنه تبين الآن أنه طلقها في وقت يصح فيه الطلاق.
يقول رحمه الله: (فإن خالعَها) هذا الذي ترتب عليه (إن خالعَها بعد اليمين بيوم وقدم بعد شهر ويومين صحَّ الخلع وبطل الطلاق) وعكسه بعكسه، هو الآن قال: أنت طالق ثلاثًا، وإنما قال: ثلاثًا؛ لأنها تبين بالثلاث، قبل قدوم زيد بشهر، في اليوم الثاني خالعها، يصح الخلع ولَّا لا؟ يصح؛ لأنه لم يتبين أنها طلقت إلى الآن، خالعها في اليوم الثاني.
قدم زيد بعد شهر ويومين، يصح الخلع ولا يصح الطلاق؛ لماذا؟ لأنه تَبَيَّن أن الطلاق وقع بعد المخالعة؛ لأنه خالعها بعد اليمين بيوم، وزيد قدم بعد اليمين بيومين.
طالب: قبل يا شيخ.
الشيخ: واضح.
(فإن خالعَها بعد اليمينِ بيومٍ، وقدمَ بعد شهرٍ ويومينِ صحَّ الخُلْعُ وبَطَلَ الطلاقُ)، تخمر برؤوسكم ولَّا لا؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: قال: يوم السبت، أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر، طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر، هذا يوم السبت، في يوم الأحد خالعها، الخلع الآن ما ندري هو يصح ولَّا ما يصح حتى الآن.
قدم زيد يوم الاثنين؛ يعني بعد اليمين بكم؟ بيومين، متى يصادف وقوع الطلاق؟ وقوع الطلاق يصادف يوم الاثنين قبل قدوم زيد بشهر، لكن الخلع سبق؛ حيث خالعها يوم الأحد؛ إذن يصادف وقوع الطلاق عليها وهي بائن بالخلع، وإذا كانت بائنًا هل يقع عليها الطلاق أو لا يقع؟ لا يقع؛ ولهذا يقول رحمه الله:(صحَّ الخلع وبطل الطلاق)، تخمرت المسألة ولَّا تحتاج إلى عجن آخر؟
إذا قال: أنت طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر، ثم خالعها في اليوم التالي -والله ما أدري تعرفون المخالعة ولَّا لا؟ تعرفون المخالعة؟ المخالعة معناها: أن تشتري نفسها منه، تعطيه فلوسًا ويطلقها- قَدِمَ بعد شهر ويومين، متى يكون الطلاق؟ يكون بعد الخلع؛ لأنه خالعها هو بعد اليمين بيوم، وزيد قَدِمَ بعد شهر ويومين، يكون الطلاق وقع بعد الخلع، فوقع على امرأة مخلوعة، والطلاق على امرأة مخلوعة لا يقع، ما يصح؛ إذن يصح الخلع ولا يصح الطلاق.
(عكسُها بعد شهرٍ وساعةٍ).
كيف بعد شهر وساعة؟ يعني: مثلًا يوم السبت قال: أنت طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر، في يوم الأحد خالعها، زيد قدم بعد قول: أنت طالق بساعة واحدة؟ يصح الطلاق ولا يصح الخلع؛ ليش؟ لأنه تبين أن الخلع وقع على امرأة بائن، وهذا هو السر في أنه قال:(إذا قال: أنت طالق ثلاثًا)، لأجل أن يقع الخلع على امرأة بائن، والخلع على امرأة بائن لا يصح.
الآن فهمتم المسألة الأولى؛ إذا قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر، وخالعها في اليوم الثاني، وقدم زيد بعد الشهر بثلاثة أيام أو بيومين، كله واحد، ما الذي يصح؟ يصح الخلع دون الطلاق؛ لأن الطلاق صادفها وهي قد بانت بالخلع فلا يقع، لكن خالعها بعد اليمين بيوم، وقَدِمَ زيد بعد شهر وساعة، ويش اللي يصح؟ الطلاق، ولا يصح الخلع؛ لأن الخلع صادفها وهي بائن بالطلاق الثلاث، والخلع لا يقع على المطلقة طلاقًا بائنًا؛ ولهذا قال:(عكسها بعد شهر وساعة).
(وإن قال: أنتِ طالق قبل موتي، طلقت في الحال)(أنت طالق قبل موتي) تطلق حالًا، ليش؟ لأن هذا قبل الموت، الذي قبل الموت سواء قبل الموت بعشرين سنة أو بمئة سنة أو بدقيقة، هذا واحد، يصدق عليه أنه قبل موته.
وأيضًا هل الموت معلوم؟ لا، ما هو معلوم، وإذا لم يكن معلومًا تطلق في الحال؛ (قبل موتي، طَلُقَتْ في الحالِ).
(وعكسُه معَه أو بعدَه)(عكسه معه)، قال: أنت طالق مع خروج روحي، مع موتي، تطلق ولَّا لا؟ ما تطلق، ليش؟ لأنها بانت بالموت، قال: أنت طالق بعد موتي بيوم، بعد موتي، تطلق ولَّا ما تطلق؟
طالب: ما تطلق.
الشيخ: ما تطلق، ليش؟ لأنها بانت بالموت فكيف تطلق؟ وهذه مسألة هل يمكن أحد يقولها؟
طالب: نعم.
الشيخ: يمكن يقولها؟ يمكن يقول: أنت طالق بعد موتي؟
طالب: (
…
).
الشيخ: عجيب، يقول: أنت طالق بعد موتي! هذا مجنون.
طالب: بعض الناس يقولون هذا اللفظ.
الشيخ: أنا ما سمعت إلا كلام الفقهاء فقط، أنتم سمعتم بهذا؟
طالب: لا.
الشيخ: يوجد في بلادكم؟
طالب: أعجب من هذا.
الشيخ: أعجب من هذا، أعطنا أعجب من هذا.
الطالب: (
…
) يقولون أعجب من هذا.
الشيخ: يقول: أنت طالق قبل قيام الساعة.
على كل حال إذا قال: أنت طالق بعد موتي فلا تطلق، ليش؟ لأنه بموته بانت منه، بالموت، والطلاق لا يقع على امرأة بائن، كذلك مع موتي؛ لأنه مجرد ما تخرج الروح تنفسخ الزوجية؛ تنتهي.
العلماء رحمهم الله -كما قلت لكم- يذكرون أشياء للتمرين فقط، وقد يكون وقوعها قليلًا، وقد يكون نادرًا جدًّا، وقد لا تقع.
طالب: شيخ، هل الخلع فسخ أو طلاق؟
الشيخ: الخلع؟
الطالب: إي.
الشيخ: هل تعرف الكلام هذا زين؟
الطالب: إي يا شيخ أعرفه.
الشيخ: طيب، ما المقصود من الخلع؟
الطالب: الخلع يعني المرأة (
…
).
الشيخ: تطلق؟
الطالب: إي.
الشيخ: زين، إذن يكون طلاقًا ولَّا فسخًا؟
الطالب: هذا هو سؤالي يا شيخ؟
الشيخ: إي، هو فسخ، وليس بطلاق.
الطالب: يا شيخ لو (
…
).
الشيخ: لأن الله قال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] هذه ثنتان، {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 229، 230]، لو جعلنا الخلع طلاقًا لكان قوله:{فَإِنْ طَلَّقَهَا} الرابعة ولَّا الثالثة؟
طالب: الرابعة.
طالب آخر: الثالثة.
الشيخ: الثالثة ولَّا الرابعة؟
طالب: الثالثة يا شيخ.
الشيخ: لا، سمعت الآية:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ، ثم قال:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} هذه فراق ثالث، {فَإِنْ طَلَّقَهَا} الرابعة {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} ، يكون قوله:{فَإِنْ طَلَّقَهَا} هي الرابعة، وهذا بالإجماع ليس هو الرابعة، {فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني: الثالثة {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} ، فتكون {طَلَّقَهَا} هي الثالثة بالإجماع، وهذا يعني أن طلاق الفداء فسخ، وليس بطلاق.
هذا الذي قلت لك هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه، وأن كل فراق بعوض فليس بطلاق.
بعض العلماء يرى أنه إن وقع بلفظ الطلاق فهو طلاق، وبلفظ الفسخ فهو فسخ؛ فإذا قال مثلًا: طلقت زوجتي على عوض قدره ألف ريال صار طلاقًا، وإذا قال: فسختها أو خالعتها صار فسخًا، لكن القول الأول أصح.
بقي أن يقال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال لثابت بن قيس: «خُذِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» (4)، قلنا: أولًا: هذه اللفظة شاذة، أكثر الرواة لم يذكروها، وهي قوله:«طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» .
وثانيًا: على فرض أنه قالها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالمراد فارقْها.
فالقول الراجح أن الخلع فسخ بكل حال لا يُحْسَب من الطلاق، فإذا طلقها مرتين ثم خالعها، فهل يجوز أن يتزوجها بعقد؟ لو قلنا: إن الخلع طلاق ما جاز، وإذا قلنا: ليس بطلاق جاز، وهذا هو القول الراجح (
…
).
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
فصل
وإن قال: أنت طالقٌ إن طِرْتِ أو صَعِدْتِ إلى السماء أو قلبتِ الحجرَ ذهبًا ونحوه من المستحيل لم تطلق، وتطلقُ في عكسِه فورًا، وهو النفيُ في المستحيلِ، مثل: لأقتلنَّ الميتَ أو لأصعدَنَّ السماءَ ونحوهما، وأنتِ طالقٌ اليومَ إذا جاء غدٌ لغوٌ.
وإذا قال: أنتِ طالقٌ في هذا الشهرِ أو اليومِ طلقتْ في الحالِ، وإن قال: في غدٍ أو السبت أو رمضانَ طلقتْ في أولِه، وإن قال: أردتُ آخِرَ الكُلِّ دُيِّنَ وقُبِلَ، وأنتِ طَالِقٌ إلى شهر، طلقتْ عند انقضائِه، إلا أن ينويَ في الحال فيقع، وطالق إلى سنة تطلق باثنَيْ عَشَرَ شهرًا، فإن عَرَّفَها باللامِ طلقتْ بانسلاخِ ذي الحجَّةِ).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فصل) إلى آخره.
وقبل ذلك ننظر فيما سبق مناقشة.
إذا طلَّقها في الماضي هل يقع الطلاق أو لا؟
طالب: إذا أراد به إخبارًا عن طلاق وقع فهذا يقع، وإلا فعلى رأي المصنف أنه إذا نوى في الحال فإنه يقع وإلا فلا يقع، والصحيح في الاثنين فلا يقع.
الشيخ: بارك الله فيك.
إذا طلق في الماضي بأن قال: أنت طالق أمس، فإن كان إخبارًا عن طلاق وقع منه بالأمس فهي طالق، وهذا إقرار وليس بإنشاء، إذا نوى أنت طالق أمس يعني الآن فهو على كلام المؤلف تطلق، والصحيح أنها لا تطلق للتناقض.
وإذا قال: أنت طالق أمس، ونوى أنها طالق أمس، فإنها لا تطلق حتى على رأي المؤلف؛ لأن الطلاق في الماضي لا يقع.
وإذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر، وقدم زيد بعد خمسة عشر يومًا؟
طالب: لا يقع.
الشيخ: أنت طالق ثلاثًا قبل قدوم زيد بشهر، وقدم بعد خمسة عشر يومًا؟
الطالب: لا يقع.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه قدم قبل ذلك.
الشيخ: لأنه صادف أن الطلاق قبل قدومه بشهر، فيكون هنا طلاقًا في الماضي فلا يقع.
***
ثم ذكر المؤلف في هذا الفصل مسائل أخرى تختلف عما سبق.
قال: (أنت طالقٌ إن طِرْتِ)، تطلق ولَّا ما تطلق؟ ما تطلق أبدًا؛ لماذا؟ لأنها لا يمكن أن تطير.
لكن لو نوى (إن طرت) يعني: إن ركبت الطائرة وطرت فيها؟
طالب: يقع.
الشيخ: يقع، لكن في عهد المؤلف ومن سَبَقَه لا يوجد هذا، فلذلك قالوا: إنه إذا قال: أنت طالق إن طرت، فهذا تعليق على مستحل، والمستحيل قد عُلِمَ عدمُه، وإذا كان قد علم عدمه فإن المعلَّق به معدوم.
أو قال: (أنت طالق إن صعدت السماء)، نفس الشيء لا تطلق؛ لأنها لا يمكن أن تصعد إلى السماء.
وهذه المسألة غير الأولى، الأولى:(إن طرت) ولو قريبًا من الأرض، لو مقدار متر، تطير مثلًا من المسجد الجامع إلى موقف السيارات، لكنها قريبة من الأرض، لا يقع.
(إن صعدت السماء) يعني: إلى أعلى، لا يقع الطلاق؛ لأن هذا شيء مستحيل، والمعلق على المستحيل مستحيل.
(أو قلبتِ الحجرَ ذهبًا) قلبًا حقيقيًّا، ما هو وهميًّا، هذا أيضًا لا يقع الطلاق؛ لماذا؟ لأنه مستحيل.
قال: (ونحوه من المستحيل لم تطلقْ)، لو قال: أنت طالق إن رددت أمس وجعلتِ يوم الأحد يوم السبت؟ مستحيل؟
طالب: نعم.
الشيخ: مستحيل؛ إذن لا يقع الطلاق.
يقول: (وتطلق في عكسِه فورًا) أي: عكس هذا، مثل أن يقول: إن لم تطيري فأنت طالق، تطلق أو لا تطلق؟
طالب: على طول.
الشيخ: على طول ليش؟ لأنه محال أن تطير، والنفي المحال معناه الوجود، فإذا قال: أنت طالق إن لم تطيري؟ نقول: تطلق على طول، لو قالت: اصبر يا رجَّال، لا، انتظر ربما أطير؛ تقول هي؛ لأنها ما ودها يفارقها، تقبل ولَّا لا؟ لا تقبل؛ لأنه لا يمكن.
ولهذا قال: (تطلُق في عكسه فورًا، وهو النفي في المستحيل).
ثم ضرب مثلًا فقال: (كقوله: أنت طالق لأقتلُنَّ الميتَ)، هل يمكن أن يقتل الميت؟
طلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟ لأنه قد مات فتطلق في الحال؛ لأننا نعلم أنه لن يقتل الميت.
فإن قال: أردت بالميت من سيموت؟
طالب: تطلق.
الشيخ: لا، تطلق إن قتله، وإلا فلا تطلق؛ يعني: إذا قال: أردت الميت من سيموت، قلنا: الآن علَّقه على غير مستحيل، أما على المستحيل فلا تطلق.
يقول أيضًا: (أو لأصعدن السماء)، أيضًا يريد النفي، نقول: تطلق في الحال؛ لأنه لا يمكن أن يصعد السماء.
والخلاصة أن ما عُلِّق على وجود المستحيل لا يقع، كذا ولَّا لا؟ لماذا؟
الطلبة: مستحيل.
الشيخ: لأن المعلَّق على المستحيل مستحيل، وما عُلِّقَ على نفي المستحيل يقع في الحال ولا فيه انتظار؛ لأن نفي المستحيل محقق.
(وأنت طالق اليوم إذا جاءَ غدٌ)(اليوم) الأحد، (إذا جاء غد) يعني: الاثنين، هل يمكن أن يأتي الاثنين يوم الأحد؟ لا يمكن.
المؤلف يقول: إن هذا (لغو)؛ لأنه لا يمكن أن يأتي الغد في اليوم، ولا يمكن أن يرجع اليوم إلى أمس، كل هذا من المستحيل.
(وإذا قال: أنتِ طالقٌ في هذا الشهرِ أو اليومِ طلقتْ في الحالِ).
(قال: أنت طالق في هذا الشهر) شهر ربيع، متى تطلق؟ الآن؛ لأن اليوم من الشهر، فتطلق فيه.
كذلك أيضًا إذا قال: أنت طالق في هذا اليوم تطلق في الحال.
(فإن قال: أردت آخره) سواء الشهر أو اليوم، يقول المؤلف إنه (دُيِّنَ وقُبِلَ).
(دُيِّنَ) يعني: يُرْجَع في ذلك إلى دينه، فإن كان صاحب دين ولا يمكن أن يكذب في قوله: أردت آخره، فإننا نقبله، وإن لم يكن ذلك فإننا لا نقبله حكمًا.
وهكذا كل شيء نقول فيه: يُدَيَّنُ، فهو إذا كان صاحب دِين قبلناه، وإن لم يكن صاحب دين حكمنا عليه بالظاهر.
(وإن قال: في غدٍ أو السبت أو في رمضانَ طلقتْ في أوله، وإن قال: أردتُ آخِرَ الكُلِّ دُيِّنَ وقُبِلَ).
لماذا يُدَيَّن ويُقْبَل؟ لأن كلامه يحتمل ما قال، فإذا كان يحتمل ما قال وهو رجل صاحب دين، نأخذ بقوله.
(وأنتِ طالق إلى شهرٍ) ظاهر اللفظ أنه وقت الطلاق أنها تطلق إلى شهر، وبعد الشهر لا تطلق.
لكن يقول المؤلف رحمه الله: (طلُقَتْ عند انقضائِه)، فيكون هذا التوقيت توقيتًا لإيقاعه أو إن شئت قل: لوقوعه، لا لبقاء حكمه.
انتبه، إذا قال: أنت طالق إلى شهر، فظاهر العبارة أن الطلاق مُوَقَّت من الآن إلى تمام الشهر، لكن هذا لا يمكن؛ إذ إن الطلاق ما فيه التوقيت، فلما تعذَّر توقيت انتهائه أخذنا بتوقيت ابتدائه، ونقول: بعد شهر تطلق، وقبل الشهر لا تطلق.
الآن أنت طالق إلى شهر، ما هو ظاهر اللفظ؟ أن الموقَّت هو نهاية الطلاق، لكن لا يمكن أن توقت نهاية الطلاق؛ لأن الطلاق ما يوقت، ما يقول الرجل لزوجته: أنت طالق لمدة شهر، هذا لا يمكن، فلما تعذَّر هذا جعلنا هذا التوقيت لابتدائه، أي: لابتداء الطلاق، فنقول: أنت طالق إلى شهر، يعني: إذا تم الشهر طلقتِ، وذكر في الشرح أنه روي عن ابن عباس رضي الله عنه وأبي ذر.
قال: (إلا أن ينويَ في الحال فيقعُ).
إن نوى أنت طالق إلى شهر في الحال (فيقع)؛ لأنه نوى شيئًا ممكنًا، وفيه أيضًا التشديد عليه، فيُقْبَل قوله.
(وأنت طالقٌ إلى سنةٍ تطلقُ باثنَيْ عَشَرَ شهرًا، فإن عَرَّفَها باللامِ طلُقتْ بانسلاخِ ذي الحجَّةِ).
هذا يستفيد منه العارف بالنحو، إذا قال: أنت طالق إلى سنة، تطلق إذا تم له سنة، اثني عشر شهرًا، هلاليًّا أو شمسيًّا؟ هلاليًّا.