المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الشيخ: لا يبرأ، ليش؟ لأن صاحب الحق سوَّى يطالب بالعين - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: الشيخ: لا يبرأ، ليش؟ لأن صاحب الحق سوَّى يطالب بالعين

الشيخ: لا يبرأ، ليش؟ لأن صاحب الحق سوَّى يطالب بالعين التي تلفت، يُطالب المتلِف، أو يطالب من هي بيده كما مر علينا.

طالب: له مطالبة الكفيل يا شيخ؟

الشيخ: إي، والكفيل؛ لأن الأصل أنه ما برئ، مثلًا أنا كفلت هذه الناقة، وجاء إنسان وأتلفها، الآن أنا لي حق أن أُطالِب.

***

[باب الحوالة]

ثم قال: (باب الحوالة) الحوالة معناها: التحويل أو التحول، تصح لهذا أو هذا، يعني تحول الحق من ذمة إلى ذمة، هذه الحوالة، وهو عبارة عن انتقال الحق من فلان إلى فلان، وهي من حُسن القضاء والاقتضاء منهما جميعًا؛ لأن المحال إذا قبِل فقد يسَّر الأمر على المحيل، ولأن المحيل أيضًا إذا أحال صاحب الدَّيْن بدينه، هذا أيضًا من التيسير؛ لأن المحيل قد يكون مُعسرًا فيحيله على موسر، وهي من الإحسان والمعروف، إذا كان فيها تيسير وتسهيل على المكلَّف، أما حكمها شرعًا فإنها جائزة، لكن بشروط، والدليل على جوازها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«وَمَنْ أُحِيلَ بِدَيْنِهِ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَحْتَلْ» (4)، فهذا أصل في جواز الحوالة، لكنها لها شروط:

الشرط الأول: أنه لا بد من استقرار المحال عليه؛ وذلك أن الحوالة لها خمسة أركان: مُحيل، ومُحال، ومُحال به، ومحال عليه، وصيغة. خمسة: مُحِيل، والثاني مُحال، ومُحال عليه، ومُحال به، وصيغة، خمسة أركان.

لا بد أن يكون الْمُحال عليه مستقرًّا؛ أي ثابتًا ثبوتًا ليس فيه فسْخ أو عُرْضة لفسخ، كثمن المبيع، والأجرة بعد تمام المدة، والقرْض، وغرم الجنايات، وما أشبهها.

ص: 1466

المهم أن يكون على دَيْن مستقر، احترازًا من الدين غير المستقر كدَيْن الكتابة مثلًا: إنسان كاتب عبده بعشرة آلاف، العبد الآن صار عليه دين، حيث اشترى نفسه من سيده بكم؟ بعشرة آلاف، لا يملك السيد الآن أن يحيل على الدين الذي في ذمة المكاتب، لماذا؟ لأنه غير مستقر، ولهذا إذا كان هذا السيد عليه عشرة آلاف، وأراد أن يُحيل صاحب الدَّيْن على دَيْن الكتابة، فقد تحصل وقد لا تحصل، فيكون هذا الذي تحول إما سالِمًا وإما غارمًا، يعني المعنى أنه لا يدري هل يغرم أو يحصل على حقه؛ فلهذا لا بد من أن يكون المحال عليه مُستقرًّا.

أما المحال به فلا يُشترط استقراره، المحال به، وهو الدَّيْن الذي على المحيل، والمحال عليه هو الدَّيْن الذي على المحال عليه.

(ولا يعتبر استقرار المحال به) فهذان شرطان يعودان على ركنين من أركان الحوالة.

الشرط الأول يعود على أي ركن؟ المحال عليه، والثاني على المحال به، فلو أن المكاتَب أحال سيده بدَيْنه على من في ذمته دين مستقر للمكاتب فإن الحوالة صحيحة؛ لأنه لا يُشترط استقرار المحال به.

ومن الشروط أيضًا: اتفاق الدَّينين، أي المحال به والمحال عليه، اتفاقهما جنسًا ووصفًا ووقتًا وقدرًا، اتفاقهما في أربعة أمور:

الأول: الجنس، بأن يُحيل مئة صاع بُرٍّ في ذمته على مَنْ له في ذمته مئة صاع بُرٍّ، فإن أحال بمئة صاع بر على مئة صاع شعير فإنه لا يصح لاختلاف الجنسين.

أحاله بعشرة دنانير على مئة درهم؟ لا يصح؛ لاختلاف الجنسين، أو القدْر؟ الجنس، قبل كل شيء، الجنسين، والقدر أيضًا.

ص: 1467

يُشترط أيضًا اتفاقهما وصفًا؛ بأن يكون كل منهما جيدًا أو رديئًا أو وسطًا، وظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح أن يُحيل جيدًا على رديء، ولا رديئًا على جيد، وفي هذا نظر؛ لأنه لا محظور من ذلك، فإذا أحال بجيد على رديء وقبل المحال الرديء عن الجيد فما المانع، ما دام الجنس واحدًا والقدر واحدًا فليس فيه ربا وليس فيه غرر، فهذا المحال الذي أُحِيل بالجيد على الرديء يقول: أنا أحب أن آخذ الرديء ولا يبقى حقي في ذمة هذا الرجل الفقير أو المماطل.

و(يُشْتَرَطُ) اتِّفاقُ الدَّيْنَيْنِ جِنْسًا ووَصْفًا ووَقْتًا وقَدْرًا، ولا يُؤْثَرُ الفاضلُ، وإذا صَحَّتْ نقِلتِ الحقُّ إلى ذِمَّةِ الْمُحالِ عليه وبَرِئَ الْمُحيلُ، ويُعتبَرُ رِضاهُ لا رِضَا الْمُحالِ عليه ، ولا رِضَا الْمُحْتَالِ على مَلِيءٍ، وإن كان مُفْلِسًا ولم يكنْ رَضِيَ رَجَعَ به، ومَن أُحيلَ بثَمَنِ مَبيعٍ ، أو أُحيلَ به عليه ، فَبانَ الْبَيْعُ باطلًا فلا حَوالةَ، وإذا فُسِخَ البيعُ لم تَبْطُلْ، ولهما أن يُحِيلَا.

(باب الصلح).

إذا أَقَرَّ له بدَيْنٍ أو عَينٍ فأَسْقَطَ ، أو وَهَبَ البعضَ وتَرَكَ الباقيَ صَحَّ إن لم يكنْ شَرَطَاه، ومِمَّنْ لا يَصِحُّ تَبَرُّعُه، وإن وَضَعَ بعضَ الحالِّ وأَجَّلَ باقِيَه صَحَّ الإسقاطُ فقط، وإن صالَحَ عن الْمُؤَجَّلِ ببعضِه حالًا أو بالعكسِ ، أو أَقَرَّ له ببيتٍ فصالَحَه على سُكناهُ ، أو يبني له فوقَه غُرْفةً ، أو صالَحَ مُكَلَّفًا لِيُقِرَّ له بالعُبودِيَّةِ أو امرأةً لتُقِرَّ له بالزوجيَّةِ بعِوَضٍ لم يَصِحَّ، وإن بَذَلَاهُما له صُلْحًا عن دَعواهُ صَحَّ، وإن قالَ: أُقِرَّ بدَيْنِي وأُعطيكَ منه كذا ففَعَلَ صَحَّ الإقرارُ لا الصلْحُ.

فهذا المحال الذي أُحيل بالجيد على رديء، يقول: أنا أحب أن آخذ الرديء، ولا يبقى حقي في ذمة هذا الرجل الفقير أو المماطل.

ص: 1468

وكذلك بالعكس: لو أحال بمئة صاع رديء على مئة صاع جيد فليس في ذلك شيء، ما هي محذورة؛ لأن المحيل الآن أحال بأيش؟ باختياره ولّا بإكراه؟ باختياره، كما لو أوفاه جيدًا عن الرديء، فالصواب أن الوصف إذا قُصد به الرداءة والجودة أنه لا بأس به.

وكذلك أيضًا (وقتًا)، وذلك فيما إذا كان الدَّينان مؤجلين، فلا بد من اتفاق الدينين في الأجل، فلا يحيل ما يَحِلُّ بعد شهر على ما يَحِلُّ بعد شهرين، أو ما يَحِلُّ بعد شهرين على ما يَحِلُّ بعد شهر؛ وذلك لعدم الاتفاق في الوقت.

وهذا أيضًا فيه نظر، أيُّ مانع يمنع إذا أحال بعشرة دراهم تحل بعد شهر على عشرة دراهم لا تحل إلا بعد شهرين ورضي المحال؟ ليس في ذلك أي ضرر، قد يقول قائل: إن هذه تشبه بيع الدراهم بالدراهم إلى أجل؟ فيقال: هذا ليس بيعًا، ولكنه استيفاء، ومن المعلوم أنه لو عجل المؤجَّل أو أجل المعجَّل، فإنه لا بأس به، فالصواب إذن أنه لا يشترط اتفاقهما في الوقت.

(وقَدْرًا) يُشترط أيضًا اتفاق الدَّينين قدرًا، فلا يحيل بعشرة على ثمانية، أما بثمانية على عشرة فلا بأس، ولهذا قال المؤلف:(ولا يؤثِّر الفاضل) يعني: الزائد في المحال عليه لا بأس به؛ لأنه كأنه أحاله على ثمانية من عشرة، وهذا لا بأس به.

فإن قال: أحلتك بثمانية على عشرة؛ ليقبض كل العشرة، فهذا لا يجوز؛ لأنه صار معاوضة، والمعاوضة بين جنسين ربويين لا بد أن يكون أحدهما مساويًا للآخر إذا كان الجنس واحدًا، ومعلومٌ أنه إذا اختلف الجنس فهو معاوضة من باب أوْلى.

فصار اتفاقهما في القدر التحويل بالناقص على الزائد، على أساس أنه يأخذ مقدار حقه والباقي يبقى في ذمة المحال عليه، جائز ولّا غير جائز؟ جائز.

ص: 1469

والتحويل بالزائد على الناقص؛ على كلام المؤلف لا يصح، لكن ما هو الطريق؟ الطريق أن يبرئه من الزائد، ثم يحيله على المساوي؛ يعني مثلًا عنده عشرة آلاف في ذمته لفلان، وأراد أن يُحيله بالعشرة على ثمانية، قلنا: هذا لا يجوز، فإن أحاله بالعشرة على أساس أنه بثمانية من عشرة، أحاله بثمانية من العشرة على الثمانية جائز؛ لأن الدَّينين اتفقا قدرًا.

فإذا قال: أنا أريد أن أبرأ منه نهائيًّا؟ قلنا: الطريق إلى هذا أن يبرئه من الزائد ثم يحيله، وهذه حيلة لا بأس بها؛ لأنها حيلة على مباح، ولو قيل -إذا لم يكن في المسألة إجماع- لو قيل بأنه يصح بدون إبراء لكان له وجه؛ لأن حقيقة استحالة الدائن على ما هو أقل من حقه، حقيقته أيش؟ الإبراء، لكن بدلًا من أن يقول: أبرأتك ثم ذاك يقول: أحلتك، اكتفى بالحوالة.

والخلاصة: أن الحوالة من باب الاستيفاء، فإذا انقلبت إلى معاوضة صار لا بد من مراعاة شروط البيع المعروفة، هذه هي القاعدة، أما هذه الشروط التي ذكرها المؤلف فكما عرفتم أن بعضها فيه نظر.

***

قال: (وَإِذَا صَحَّتْ نَقَلَتِ الحقَّ إِلَى ذِمَّةِ المُحَالِ عَلَيْهِ وَبَرِئَ المُحِيلُ).

(إذا صحت) ومتى تصح؟ بتمام الشروط وانتفاء الموانع؛ لأن كُلَّ شيء من عبادة أو معاملة لا يَصِح إلا باجتماع شروطه وانتفاء موانعه، إذا صحت نَقلت الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وبرئ المحيل براءة تامة، وهذا غير الضمان، الضمان سبق أنه لا ينقل الحق؛ يعني الضمان لا ينقل الحق من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، وكذلك الكفالة، لكن الحوالة تَنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، ويبقى المحيل بريئًا.

لو فرض أن المحال عليه أعسَر، فهل يرجع المحال على المحيل؟ لا، لماذا؟ لأن الحق انتقل، وبرئ المحيل براءةً تامة، أليس كذلك؟

ص: 1470

(وإذا صحت نقلت الحق إلى ذمة المحال عليه وبرئ المحيل)، ودليل ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أُحِيلَ بِدَيْنِهِ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَحْتَلْ» (1)؛ أي: يتحول من المحيل إلى المحال عليه، فلو كان رجل عليه مئة ألف، وأحال بها على شخص، وتمت الشروط، ثم إن المحال عليه افتقر، ورجع المحال إلى المحيل، فإنه لا يملك ذلك، يقول المحيل: أنا أحلتك والحوالة تمت، وإذا تمت فإنها تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.

***

قال: (ويعتبر رضاه، لا رضا المحال عليه، ولا المحتال على مليء).

هذه ثلاثة أركان:

(رضاه)، أي: المحيل.

(لا رضا المحال عليه)؛ هذا الركن الثاني.

(ولا المحتال على مليء)؛ هذا هو الركن الثالث، ولّا لا؟

يعتبر رضا المحيل، فلا يمكن أن يكرَه على الحوالة، لا بد من رضاه.

فإذا قال قائل: ما هو الدليل على رضاه؟

قلنا: الدليل على ذلك أن الله تعالى قال: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، والرضا لا بد منه في جميع العقود، حتى عقد النكاح -على القول الراجح- فيما إذا كانت البنت بكرًا، لا بد من الرضا.

(لا رضا المحال عليه)، المحال عليه لا يعتبر رضاه، فلو أحال رجل بدينه على آخر، وقال المحال عليه: لا أقبل؛ لأن المحال رجلٌ سيئ الطلب، يُتعب المطلوب، وقال المحال عليه: أنا أريد الأول؛ لأنه أسهل وأيسر، هل يملك ذلك؟ لا، لماذا؟ قال العلماء: لأنه -أي: صاحب الحق- يملك استيفاءه بنفسه وبوكيله، والمحال كأنه وكيل، فكما أن لصاحب الحق أن يوكل رجلًا خَصِمًا لدودًا في استيفاء حقه فله أن يحيله.

إذا امتنع المحيل عن الحوالة لكونه فقيرًا، فهل يملك صاحب الدين أن يجبره على إحالته على دينه في ذمة غني؟

ص: 1471

على كلام المؤلف لا؛ لأنه يشترط رضاه على كل حال، فلو قال الدائن: أنت الآن ليس عندك شيء، لكن لك في ذمة فلان الغني الباذل كذا وكذا، أحلني عليه، قال: لا أحيلك، فإنه لا يُلْزِمه، لكن لو رأى القاضي أن إحالته لا بد منها فله ذلك.

نظير هذا: لو أن الرجل غيَّبَ ماله؛ الرجل المدين غيَّبَ ماله وقال: ليس عندي شيء، وكان عنده مال لكنه غيبه وكتمه، فإنه يُلزم بأن يُظهر هذا المال ويوفي منه، فالقول بأنه في هذه الحال لا يعتبر رضاه، وأنه يجبَر على الإحالة قولٌ قوي؛ لئلا يضيع حق صاحب الدين.

***

قال: (لا رضا المحال عليه، ولا المحتال على مليء)، المحتال في رضاه تفصيل؛ إن كان على مليٍّ لم يعتبر رضاه، وإن كان على غير ملي اعتُبر رضاه.

فصار المحيل والمحال والمحال عليه باعتبار الرضا على ثلاثة أقسام:

الأول: من يعتبر رضاه بكل حال، مَنْ؟

طلبة: المحيل.

الشيخ: الثاني: من لا يُعتبر رضاه على كل حال؛ المحال عليه.

والثالث: من فيه التفصيل، وهو المحال، وكما عبر المؤلف نقول: المحتال؛ إن كان على ملي لم يشترط رضاه، وإن كان على غير ملي اشترط رضاه.

مَنْ هو الملي؟

الملي، قال العلماء: هو القادر على الوفاء بقوله وماله وبدنه، هذا الملي.

الملي: هو القادر على الوفاء بقوله، والثاني؟ ماله، وبدنه.

أما (قوله): فألا يكون كاذبًا يَعِدُ ويُخْلِفُ، وهذا هو المماطل، فإذا أحاله على شخصٍ غني لا إشكال فيه، لكنه من عادَته أن يماطل فيَعِد ويكذب، فإنه يعتبر رضاه؛ رضا مَنْ؟ رضا المحتال، يعتبر رضا المحتال.

و(ماله): بأن يكون عنده مال يستطيع الوفاء منه، فإن كان فقيرًا اعتُبر رضا المحتال.

الثالث: (بدنه) وهو أن يمكن إحضاره عند المحاكمة إلى مجلس الحكم، فإن كان لا يمكن شرعًا أو لا يمكن واقعًا فإنه لا يلزمه أن يتحول، لا بد من رضاه.

ص: 1472

الذي لا يمكن إحضاره لمجلس الحكم شرعًا الأب، فإن العلماء رحمهم الله يقولون: لا تُمكِن مطالبة الأبِ بالدَّيْن إلا ما كان من النفقة فقط، أما غيره ما يمكن، فلو استقرض أبوك منك مالًا وطالبته به، لا يمكن أن تحضره لمجلس الحكم، ولو طالبته أن يحضر فإن القاضي لا ينظر في ذلك، فإذا أحالك إنسان على أبيك، قال: أنت تطلبني عشرة آلاف، وأنا أطلب والدك عشرة آلاف، أحيلك على أبيك. لك أن ترفض؟

طلبة: (

).

الشيخ: هذه مشكلة؛ لأنك إذا رَفَضْتَ، صار قدحًا عظيمًا في والدك، وإن قبِلت ربما يضيع حقك، فما هو حل هذه المشكلة؟ يعني واقعيًّا، وإلا حكمها فقهًا واضح.

طالب: توكيل.

الشيخ: يعني يقبل الحوالة على أبيه، ويوكِّل؟ أخشى أن القاضي يقول: الفرع له حكم الأصل، والوكيل فرعٌ عن موكِّله فلا يمكن تحضر والدك، لا بنفسك ولا بوكيلك، على كل حال نحن نعرف المسألة فقهًا الآن، أما واقعًا فينبغي للإنسان أن ينظر إلى ما يترتب على ذلك من مفاسد، قد يكون بِرّه بأبيه ورفع معنوية أبيه خيرًا من أن يحصل على مقصوده.

ومن لا يمكن إحضاره لمجلس الحكم عادةً، مثل السلطان، إنسان يطلبك عشرة آلاف ريال، وأنت تطلب الأمير عشرة آلاف ريال، فقلت: أحلتك على الأمير، يلزمه القبول؟ لا يلزم، لا بد من رضاه؛ لأن الأمير لا تمكن مطالبته، فإذا ألزمناه بأن يتحول، صار هذا سببًا لضياع حقه، والظلم ظلمات يوم القيامة.

إذن رضا المحتال فيه تفصيل الآن.

طالب: (

).

الشيخ: إن كان على مليِّ لم يُعتبر رضاه، وإن كان على غير ملي اعتُبر رضاه، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو الذي مشى عليه المؤلف، وعلى هذا فيُجبَر المحتال أن يتحول وتبرأ ذمة المحيل، إذا كان المحال عليه مليئًا.

ص: 1473

وذهب أكثر العلماء إلى اعتبار رضاه حتى وإن أحيل على مليّ، وقالوا: إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «فَلْيَحْتَلْ» (1) على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب، أفهمتم؟ يقولون: إن هذا على سبيل الاستحباب؛ لأنه من حُسن الاقتضاء، والوجوب لا يجب. وأنا أميل إلى هذا القول، أميل إلى أنه لا يجب القبول -أي: قبول التحول- لأنه صاحب حق، وأنت ربما تُحيلني على مليٍّ قادر على الوفاء بقوله وماله وبدنه، لكن له احترام عندي، أنا أستطيع أن أحضره إلى مجلس الحكم، لكن له احترام عندي، إما أنه أخ أو قريب أو صديق أو ذو شرف وجاه، فكيف تجبرني؟ أو بالعكس، فلا أُنَزِّل نفسي بمنزلة هذا السفيه مثلًا، والصواب أنه لا بد من رضاه؛ أي: رضا المحتال سواءٌ كان على مليّ أم على غير مليٍّ.

طالب: الشروط التي ذكرها المؤلف ألا تحمل على حال النزاع والخصومة؟ لأنها لو حملناها على هذا المحمل كُلّها متجهة إلى هذه الشروط، ولو حملناها على مَحْمَل آخر أنها حسب الاتفاق والرضا أنها كلها غير متجهة.

الشيخ: لا، هو المؤلف يقول: يشترط للصحة. لا للإلزام، للصحة.

طالب: على فرض يا شيخ أن الحوالة (

) تصير قريبة من القرض.

الشيخ: لا، ما هي قريبة من القرض؛ لأن القرض بين اثنين فقط، وهذه بين ثلاثة: محيل، ومحتال، ومحال عليه.

طالب: (

).

الشيخ: ما سمعت.

***

طالب: (

) وهو في الظاهر أنه مليٌّ، ثم تبين بعد ..

الشيخ: نجيء به، في كلام المؤلف.

طالب: أحسن الله إليكم، هل تصح إحالة المحال عليه على محالٍ عليه آخر؟

الشيخ: كيف يعني؟ يعني: محال عليه أحالها على آخر؟ ما فيه بأس.

الطالب: (

).

الشيخ: يقول لا، إذا تمت شروط الرفض يرفض.

الطالب: إذا اشترى -يا شيخ مثلًا- فقير اشترى شيئًا، ثم أحال البائع على مال الزكاة، يعني مثلًا عادة يأتيه زكاة (

).

الشيخ: هذه ما أجيبك عنها، أنت تعرف أن هذا ما فيه دين أصلًا.

الطالب: ولو كان عارفًا نيته؟

ص: 1474

الشيخ: ولو كان عارفًا، هل للفقير دين على بيت المال مثلًا؟ !

الطالب: لا، ليس بدين.

الشيخ: ليس بدين، إذا كان الدين اللي غير مستغل لا تقبل الحوالة عليه كيف على الدين اللي ما هو دين أصلًا.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، قال المصنف رحمه الله تعالى في باب الحوالة: ويُعتبرُ رضاهُ لا رِضَا المُحَالِ عليه، ولا رضا المُحْتالِ على مَلِيء، وَإِنْ كَانَ مُفْلِسًا وَلَمْ يَكُنْ رَضِيَ رَجَعَ بِهِ، وَمَنْ أُحِيلَ بِثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ أُحِيلَ بِهِ عَلَيْهِ فَبَانَ البَيْعُ بَاطِلًا فلا حَوَالَةَ، وإذا فُسِخَ البيعُ لم تَبْطُلْ، ولَهُمَا أَنْ يُحِيلا ..

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الضمان والكفالة والحوالة كلها من حسن القضاء والاقتضاء، فما هو الذي يعتبر استقراره؛ الدين المحال عليه ولّا المحال به؟

طالب: الدين المحال عليه.

الشيخ: المحال عليه، أما المحال به؟

الطالب: فلا يعتبر استقراره.

الشيخ: فلا يشترط.

ما هو الفرق بين الدين المحال به والمحال عليه؟

الطالب: الدين المحال عليه هو الحق الذي للمحيل على المحتال عليه، أما دين المحال به فهو الحق الذي على المحيل للمحتال.

الشيخ: نعم، صح. ما معنى قول المؤلف:(ولا يؤثِّر الفاضل)؟

طالب: إذا أحال المحيل على الدين الأكثر، على حدٍّ له أكثر، فلا يؤثر هذا، إذا كان ليس بهم جميعًا.

الشيخ: يعني إذا كان لزيد على عمرو مئة، وأحال شخصًا ثالثًا بثمانين على هذه المئة، فإن كان على كُلِّ المئة حرام، وإن كان على ثمانين منها جاز ذلك، وهذا معنى قوله:(ولا يؤثِّر الفاضل).

ما هو القول الراجح فيما إذا أحال بجيد على رديء؟

طالب: على قول المؤلف لا يجوز.

الشيخ: ما هو القول الراجح؟

ص: 1475

الطالب: القول الراجح يجوز إذا رضي.

الشيخ: إذا رضي بذلك، ما هو الدليل على رجحانه؟

الطالب: لأن الحق له.

الشيخ: لأن الحق له، وقد رضي بالرديء عن الجيد، والأصل في المعاملات الإباحة، ولهذا من أباح شيئًا لا يحتاج إلى أن يقال: ما دليلك؛ لأنه هو الأصل.

أحيل برديءٍ على جيد.

طالب: (

).

الشيخ: والأصل في المعاملات الحِلُّ والصحة إلا ما قام عليه الدليل.

أركان الحوالة؟

طالب: خمسة يا شيخ.

الشيخ: خمسة، ما هي؟

الطالب: المحيل والمحال.

الشيخ: المحيل، والمحال؛ يعني: المحتال.

الطالب: والمحال عليه، والمحال به، و

الشيخ: والخامس؟

طالب: الصيغة.

الشيخ: الصيغة، من الذي يشترط للرهن من هؤلاء؟

طالب: الذي يُشترط للرهن: المحيل.

الشيخ: المحيل، والثاني؟

الطالب: على القول الراجح المحال عليه.

الشيخ: لا، ما رجحنا هذا.

الطالب: لا يا شيخ، المحيل والمحال عليه.

طالب آخر: المحتال، وفيه تفصيل.

الشيخ: لا، أعطني الذي يشترط رضاه.

الطالب: على المذهب أنه المحيل فقط.

الشيخ: المحيل فقط، لا.

طالب: اشترط رضا المحيل والمحتال على مليٍّ.

الشيخ: المحتال على مليٍّ؟

الطالب: (

).

الشيخ: نحن نقول: اللي يشترط رضاه مَنْ؟

طالب: المحيل، والمحتال على غير ملي.

الشيخ: أحسنت، المحيل والمحتال على غير ملي.

وهل يشترط رضا المحال عليه؟

طالب: لا يشترط.

***

طالب آخر: المحال عليه لا يعتبر رضاه.

الشيخ: المحال عليه لا يعتبر رضاه.

لو فرضنا أن المحيل أحال شخصًا عدوًّا للمحال عليه، بمعنى أن هذا المحتال سوف يُتعب المحال عليه.

طالب: هنا يعتبر رضاه؛ لأنه يترتب عليه عدم أخذ حقه.

الشيخ: لا، بيأخذ حقه بالدبوس بعد.

طالب: لا يُعتَبَر رضاه في كل حال، سواء كان عدوًّا أو غير عدو.

الشيخ: يعني مثلًا لو جاء صاحب الدين المحال عليه، وقال للمحيل: لماذا تحيل عليَّ هذا الرجل وهو عدو لي، سوف يقلقني ويبقى على عتبة بابي حتى أوفيه.

طالب: لا يعتبر رضاه.

ص: 1476

الشيخ: لا يعتبر؟ ما تقولون؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: صحيح؛ لأنه يقول له: أوفه و (

) من شره.

الظاهر انتهت المناقشة، ونبدأ الآن بالدرس الجديد.

***

يقول: (وإن كان مفلسًا ولم يكن رضي رجع به).

(إن كان) يعني: المحال عليه (مفلسًا ولم يكن) أي: المحتال (رضي) أي: بالحوالة عليه (رجع به) رجع بأيش؟ أي: بما أحيل به.

مثال ذلك: أحلت فلانًا على زيدٍ، ثم تبين أنه مفلس، فإنه يرجع بذلك؛ لأن صاحبه كان مفلسًا، لكن إن رضي فإنه لا يرجع؛ إن رضي المحتال وتبين أن المحال عليه مفلس، فإنه لا يرجع.

وهذه المسألة لها ثلاث حالات:

الحال الأول: ألا يكون رَضِيَ؛ ألا يكون المحتال رَضِيَ، بأن قال المحيل للمحتال: أحلتك على فلان، وهو مفلس ليس عنده دراهم، فقال: لا أقبل، فهنا يرجع قولًا واحدًا، ولا خلاف في ذلك؛ لأنه يشترط للمحتال على غير مليٍّ أن يكون راضيًا، وهنا لم يرضَ، فيرجع بلا خلاف.

الثانية: أن يَعلم أنه مُفلس ويرضى بذلك، فهنا أيش؟ لا يرجع بلا خلاف؛ لأنه رضي به فلا يرجع.

الحالة الثالثة: أن يرضى وهو لا يعلم بحاله، ثم يتبين أنه مفلس، فعلى كلام المؤلف لا يرجع؛ لأنه قيد ذلك بما إذا لم يكن رَضِيَ، وهذا الرجل رَضِيَ، فإن قال المحتال: أنا رضيت، أحسب أن فلانًا غني، فلما تبين أنه مفلس أنا أريد أرجع إلى الذي أحالني، وآخذ حقي منه؟ قلنا: لا رجوع لك؛ لأنك فَرَّطْتَ، لماذا لم تشترط حين أحالك -وأنت لا تدري عن صاحبك المحال عليه- لماذا لا تشترط الملاءة؟ ما دام لم تشترطها أنت الذي فرطت، فلا رجوع لك.

فالأحوال إذن كم؟ الأحوال ثلاثة: حالان لا خلاف فيهما، وحال فيها تفصيل:

إذا كان يعلم أنه مفلس ورضي، فلا رجوع، قولًا واحدًا.

إذا كان لم يرض، والمحال عليه مفلس، فيرجع بكل حال.

ص: 1477

إذا كان رَضِيَ ولم يعلم عن حال المحال عليه، ثم تبين أنه مفلس، فيقول المؤلف: إنه لا يرجع، لماذا؟ لأنه مفرِّط، لماذا لم يشترط أن يكون المحال عليه مليًّا حين كان يجهل حاله؟ !

وقيل: إنه يرجع في هذه الحال؛ لأن كثيرًا من الناس قد يستحيي أن يستفصل أو يشترط عند الحوالة، ويُحسن الظن بالمحيل والمحال عليه ويسكت، فإذا تبين أنه مفلس فإنه يرجع، ولا سيما إذا غلب على ظننا أن المحيل قد غرَّه، وهو يعلم أنه مفلس ولم يخبره، فهنا يتوجه القول بالرجوع.

كذلك أيضًا: لو كانت حال المحال عليه جيدة، وكان غنيًّا بالأمس، وقَبِلَ المحتال الحوالة دون اشتراط الملاءة، بناءً على حال المحال عليه، وأنه غني، ثم تبين أن المحال عليه قد أصيب بجائحة، وأنه لا يمكن الاستيفاء منه، فحينئذٍ يتوجه القول بأنه يرجع؛ لأن المحتال إنما قبِل بناءً على ما كان من حال المحال عليه.

فتبين الآن أن ما ذهب إليه المؤلف الراجح أن فيه تفصيلًا، وهو أننا إذا علمنا أن المحيل قد غَرّ المحتال بحيث يكون عالمًا بإفلاس المحال عليه ولكن لم يخبره، أو كان المحتال قد بنى على حال المحال عليه من قبل، حيث كان غنيًّا ثم اجتيح ماله؛ فإن له أن يرجع، وإلا فإن ما ذهب إليه المؤلف وجيه؛ لأن المحتَال مفرِّط؛ إذ كان يلزمه أن يسأل ويبحث عن المحال عليه، أو على الأقل يشترط عند التحويل أن يكون مليًّا.

***

ثم قال: (ومن أحيل بثمن مبيع، أو أحيل به عليه فبان البيع باطلًا فلا حوالة، وإذا فُسِخ البيع لم تَبْطل، ولهما أن يحيلا).

(من أحيل بثمن مبيع) المسألة الآن عندنا بائع ومشترٍ ومحال عليه؛ ثلاثة، فمَنِ الذي يُحال بثمن المبيع؟

طالب: (

).

الشيخ: البائع؛ يعني أن المشتري أحال البائع على مدين له، فَقَبِل الحوالة، ولكن تبين أن البيع باطل، فالحوالة باطلة؛ وذلك لأن المبني على باطل يكون باطلًا.

ص: 1478

مثال ذلك: عبد الرحمن اشترى من الطاهر، اشترى كتابًا بعشرة ريالات، فأحال الطاهرَ على سامي؛ لأنه كان مدينًا له، فتبين بطلان البيع؛ لكون الكتاب وقفًا، والوقف لا يُباع، فهنا تبطل الحوالة ولّا لا؟ تبطل الحوالة، والبائع يرجع بالمبيع، والثمن لا ثمن، البائع من هو الآن؟ الطاهر، يرجع ويأخذ الكتاب، وتنتهي المسألة.

لكن إذا فُسِخ البيع فإنها لا تبطل، كيف فُسِخ؟ يعني مثلًا لما اشترى عبد الرحمن من الطاهر الكتاب وجد أن فيه عيبًا، فرده لِعَيبه، فهل هذا بطلان للعقد ولّا فسخ؟ فسخ للعقد، فالحوالة لا تبطل، وللطاهر أن يطالب سامي بالثمن؛ لأنه أُحيل عليه به، فله أن يطالبه، ولكنه إذا قبضه يرده إلى مَنْ؟ إلى المشتري؛ لأن المشتري فسخ العقد، واضح؟

إذن إذا كانت الحوالة مبنية على باطل فهي باطلة، وإن كانت مبنية على صحيح لكن فُسخ هذا الصحيح، فالحوالة صحيحة ولا تبطل.

فإن طالب الطاهر -الذي هو البائع- طالب المحال عليه، -وهو سامي- بالثمن، وقال: ما دام البيع قد انفسخ فلا حق لك أيضًا، أنا أعطي ديني الذي عليَّ لصاحبي، فهل يملك ذلك؟ لا يملك هذا؛ لأن المفروض أن الذي يسلم الثمن بعد الفسخ هو البائع، فالبائع يقول: إنه لما فُسخ البيع فإن المشتري سوف يطالبني، فأعطني الدراهم التي أحلت بها عليك وأنا أسلمها للمشتري.

لكن يقول: (أو أحيل به عليه) الآن الطاهر أحال بثمن المبيع، (أو أحيل به عليه) يعني أن البائع -عكس المسألة الأولى- البائع -وهو الطاهر- أحال شخصًا يطلبه؛ يطلب البائع على المشتري؛ يعني عكس الصورة الأولى، واضحة؟

طالب: غير واضحة.

الشيخ: الآن اشترى منك عبد الرحمن كتابًا بعشرة ريالات، الصورة الأولى الذي أحيل بثمن المبيع كيف هي عندك؟

الطالب: (

) أحالني على سامي الذي (

).

ص: 1479

الشيخ: أحالك على سامي الذي يطلبه هو عشرة ريالات، أفهمت الأولى؟ الثاني بالعكس: أحيل به عليه، أنت الآن مطلوب؛ يطلبك سامي عشرة ريالات، وبِعت الكتاب على عبد الرحمن، فأحلت سامي على عبد الرحمن، مفهومة هذه؟ يعني عكس الأولى.

طالب: ما وضحت.

الشيخ: باع عليك جابر كتابًا بعشرة ريالات، ثبت في ذمتك له عشرة ريالات.

عمران يطلب جابرًا عشرة ريالات، فقال جابر لعمران: أحولك على عبيد الله، جابر الذي باع الكتاب على عبيد الله قال لعمران وهو يطلبه قال: أحيلك على عبيد الله؛ هذا أحيل بالثمن عليه.

فالمسألة صورتان، تارة يحيل المشتري البائعَ على مدين له، وتارة يحيل البائعُ مدينَه على المشتري، الصورة واضحة للجميع ولّا لا؟ ولا كل صف نعطيه مثالًا، واضحة؟

يقول المؤلف: إن الحوالة لم تبطل (ولهما أن يحيلا)، لمَن؟ للمشتري في الأولى، والبائع في الثانية.

مثلًا، الآن في المثال الأول: عبد الرحمن اشترى من الطاهر كتابًا بعشرة ريالات، وأحال الطاهرَ على سامي بالعشرة، كذا ولّا لا؟ الآن العشرة اللي في ذمة سامي ثبتت لمَنْ؟ للطاهر، للطاهر لما فُسخ البيع أن يحيل مَنْ؟ أن يحيل المشتري عبد الرحمن؛ أن يحيله على سامي، أفهمتم هذا ولّا لا؟

نعيد من الأول، المثال الأول: اشترى عبد الرحمن من الطاهر كتابًا بعشرة ريالات، ثبتت في ذمة عبد الرحمن للطاهر عشرة ريالات، وكان سامي مدينًا لعبد الرحمن بعشرة ريالات، فأحال عبد الرحمن الطاهر على سامي بعشرة ريالات، واضح الآن؟ فُسخ البيع، مَنِ الذي يستحق أن يقبض العشرة من سامي، هل هو عبد الرحمن ولّا الطاهر؟

طالب: عبد الرحمن.

الشيخ: لا يا أخي الطاهر، الحوالة باقية، الذي يستحق أن يستلم العشرة من المحال عليه هو البائع، كذا ولّا لا؟

ص: 1480

لما فُسخ البيع، عبد الرحمن الآن ما يملك يطالب سامي، لماذا؟ لأن الحق انتقل إلى البائع، لكن للبائع أن يحيل عبد الرحمن على سامي، يعني اعكس القضية، خط رجعي، ولهذا يقال: واحد جاي يستفتي أحد العلماء، يقول: إنه طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط، والطواف سبعة، قال: لا شيء عليك، الشوط هذا يعتبر لاغيًا ولا شيء عليك، فكأنه ما قنع، كَبُر عليه، قال: إذن ارجع من المروة إلى الصفا على وَرَاك، علشان ينقص.

القضية الآن: للطاهر أن يحيل مَنْ؟ عبد الرحمن على سامي؛ لأن الآن لما فسخ البيع، ثبت في ذمة الطاهر لعبد الرحمن عشرة ريالات، فللطاهر أن يحيل المشتري على من أحاله عليه في هذه المسألة، واضحة هذه ولّا مو بواضحة؟ وهي الحقيقة؛ يعني لو لم يقلها المؤلف هي واضحة في الواقع، واضحة جدًّا؛ لأن الطاهر الآن صار مدينًا للمشتري فأحاله على مدينه، وسامي كان مدينًا بالأول للمشتري ثم صار مدينًا للبائع، فأحال البائع بدينه عليه، واضح؟

المسألة الثانية بالعكس، إذا صار بالعكس الآن: الذي أحال البائع أحال المشتري على مدينه، فهمتم؟

(أو أحيل به عليه) أحال مدينه على المشتري، البائع أحال مدينه على المشتري، أفهمتم الآن؟

لا نزال على هذا المثال ما فيه مانع، اشترى عبد الرحمن من الطاهر كتابًا بعشرة ريالات، ثبت في ذمة عبد الرحمن للطاهر عشرة ريالات، كان سامي يطلب الطاهر عشرة ريالات، فقال له الطاهر: أحلتك على عبد الرحمن الذي هو المشتري، فصارت الصورة الثانية أن البائع يحيل مدينه على المشتري، إذا فُسخ البيع فإن مدين الطاهر سوف يستلم من المشتري، مع أن البيع قد فسخ، يقول: لهما أن يحيلا، من الذي يحيل في هذه الصورة؟ يحيل ..

طالب: (

).

الشيخ: الآن من الذي ثبت عليه الحق بعد الفسخ؟ البائع، ففي هذه الصورة للبائع -وهو الطاهر- أن يحيل المشتري على مدينه؛ يعني يرده عليه مرة ثانية.

ص: 1481

نعيدها للمرة الثانية: الآن الطاهر باع لعبد الرحمن كتابًا بعشرة، فهمنا الحين، ثم إن الطاهر لم يستلم العشرة، بل أحال دائنًا يطلبه على المشتري، صح ولّا لا؟

طلبة: صح.

الشيخ: لا، الدراهم لم تقبض حتى الآن، فسخ البيع قبل التقابض، في هذه الصورة الآن من الذي يستلم العشرة من المشتري؟ أهو البائع أو دائنه؟

طلبة: دائنه.

الشيخ: دائنه، كذا ولّا لا؟ هو الدائن.

لما فسخ العقد فإن المشتري الذي أُخذ منه الكتاب وأحيل عليه الدائن له أن يحيل على البائع، من أجل فسخ البيع، فهي عكس المسألة الأولى بالضبط، ونجعل فيها إن شاء الله تعالى امتحانًا إلى الدرس القادم. وبهذا انتهت الحوالة.

طالب: بارك الله فيكم، الصورة الأخيرة (

) ما دام أن البيع فسخ؛ لأنه لم يثبت في حق المشتري شيء، فلماذا ..

الشيخ: ألسنا قلنا: إذا صحت الحوالة نقلت الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه؟

الطالب: بلى.

الشيخ: طيب.

الطالب: ولكن لما فسخ، ما ترتبت عليه فسخ ..

الشيخ: لا ما يثبت.

طالب: كيف يا شيخ يثبت في ذمته شيء وقد برئت ذمة الآخر؟

الشيخ: سهلة، هذا يُحَوّل، تأتي الحوالة.

الطالب: يا شيخ لن يعطيه شيئًا بكل حال.

الشيخ: يعني لو فرضنا أن المحال عليه امتنع فأمامه الشكوى.

الطالب: (

).

الشيخ: أقول: لو فرضنا أن المحال عليه امتنع فأمام المحتال الشكوى.

الطالب: يشتكي من؟

الشيخ: يشتكي المحال عليه، (

) يحول عليه وأَبَى.

الطالب: الصورة الآن المحال عليه الآن لم يثبت في ذمته شيء، فلن يوجد أحد في الدنيا يقبل هذا.

الشيخ: لا، سبحان الله، ثابت في ذمته؛ لأنه لما حوله عليه صار الحق اللي كان على المحيل انتقل إلى ذمة المحال عليه، صار ثابتًا، ولا بد من دينٍ ثابت أولًا، على كل حال صَوِّرْها إن شاء الله أنت وتأتي بها في الدرس القادم.

طالب: الفرق بين الآثار المترتبة على فسخ البيع وعلى بطلان البيع؟

ص: 1482

الشيخ: الفسخ هو ما أشار إليه الأخ، يعني لو حصل إفلاس أو نحوه سيلاحق المحيل.

طالب: (

).

الشيخ: إي نعم، الحوالة هو أنه إذا بطل العقد لم يترتب عليه أي شيء، وإذا فُسخ فإن ما بين العقد إلى الفسخ تترتب عليه الآثار، مثلًا لو نما أو حمل إذا كان دابة أو ما أشبه ذلك.

طالب: هل يقع الربا في الحوالة؟

الشيخ: يقع، إلا في الإبراء، على القول الراجح كما سبق، يعني لو أحال ثمانية على عشرة، أحال بثمانية على عشرة ما يجوز.

الطالب: ولو أحال بمئة صاع من البُرِّ على ثمانين صاع (

).

الشيخ: لا بأس به؛ لأن هذا إبراء، على القول الراجح لا بأس به.

طالب: وعلى (

) الدراهم.

الشيخ: ويش لون؟

الطالب: الدراهم.

الشيخ: كيف يعني؟

الطالب: يعني أحال ثمانين على مئة.

الشيخ: لا، ما هو إبراء؛ لأن المحتال الآن أخذ أكثر من حقه.

طالب: وإذا أحال (

) على ثمانين.

الشيخ: لا بأس، على القول الراجح لا بأس به.

طالب: كيف يحال على ثمن المبيع (

) إذا احتمل الفسخ (

الشيخ: لا يا أخي، هذا فُسخ من جديد، إما عيب، أو تَقَايَلَا، أو ما أشبه ذلك.

طالب: شيخ أحسن الله إليك، إذا اختلفا فقال أحدهما: أحلتك، وقال الآخر: وكلتني، فالقول قول مَن؟

الشيخ: الأصل عدم الحوالة؛ لأن الحوالة تنقل الحق، والوكالة ما فيها إلا التصرف.

طالب: أحسن الله إليكم، إذا أحال المحيل على المحال عليه والمحال عليه غائب، هل يجوز هذا؟

الشيخ: الجواز يجوز، لكن هل يُلزم المحتال أن يتحوَّل؟ ما يُلزَم؛ لأن الغائب كالمفلس أو أشد.

طالب: أحسن الله إليك، هل يعتبر سبق الحوالة على الفسخ أو لا يعتبر؟

الشيخ: هي سابقة على الفسخ؛ لأنه بعد الفسخ ما يمكن يكون حوالة، بعد الفسخ انتهى، برئ كُلٌّ منهما من الآخر.

الطالب: بأن فسخ العقد يا شيخ ثم أحاله.

الشيخ: كيف؟

الطالب: انفسخ العقد والمحتال لم يدرِ أن العقد انفسخ، ومع ذلك أحاله.

ص: 1483