المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود] - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

شروط الدعوى، الدعوى هي ادعاء الإنسان على غيره حقًّا، سواء كان هذا الحق عينًا أو دينًا، أو أي حق من الحقوق (

) عليه، وإذا لم يكن متكلمًا فإنه لا (

) به الإشارة، قد لا تفهم، وإذا فهمت فإنها لا تفهم على سبيل التفصيل؛ ولهذا يقول: إلا تُقْبَل من الأخرس بخطه، إذا كتب ما شهد به قبلت؛ لأن المانع الذي من أجله منع من لا ينطق يزول بالكتابة.

فالحاصل الآن أن الشرط الثالث هو الكلام، وليس فيه دليل، ولكن فيه تعليل وهو أن مَنْ لا يتكلم لا يمكن العلم بما عنده، حتى ولو أشار إشارة تفهم فإنه لا يحصل بذلك التفصيل، والمسألة مهمة؛ الشهادة، ولكن إذا أدَّاها بخطه فإنها تُقْبَل منه.

هل تُقْبَل من الأخرس بما يسمع كما لو شهد بأن فلانًا طلق زوجته أو أقر بكذا لفلان؟

طالب: ما تُقْبَل.

الشيخ: ما تقبل لماذا؟ لأنه لا يُسْمَع، وإذا كان لا يُسْمَع؛ فكيف يشهد بما يسمع؟ فلا تقبل شهادته، قد يقول: أنا أفهم الكلام من حركة الشفتين واللسان ويش نقول؟

ما يصح ولا ينضبط، فيه ناس من الخُرْس -اللهم عافنا- يفهمون الكلام، لكنه إذا جعل الكلام كإشارة له؛ يعني: مثلًا اللي عنده قريبه اللي دائم معه تجد يكون معه إشارة تحريك الشفتين، ويعرف ما يقول بتحريك شفتيه فهذا يكون كالإشارة المفهومة، لكنها لا تنضبط فلا يُقْبَل إذن، شهادتُه تكون بأي شيء؟ (

).

طالب: (

).

الشيخ: لا ما هو بالأداء؛ يعني: تحمُّل الشهادة للأخرس؛ قلنا: ما يمكن أن يتحمل ما يسمع، يتحمل ما يرى، يتحمل ما يشم ولَّا لا؟ يتحمل ما يُلْمَس؛ يعني: عندنا بقية الحواس، ليست الحواس مخصوصة بالسمع؛ قد يُدْرَك الشيء بغير السمع،

[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

موانع الشهادة نحن عرفنا أن الأمور القاعدة العامة عندنا أن كل شيء لا يتم إلا بوجود شروطه وانتفاء موانعه؛ فالشروط عرفناها ستة هناك موانع توجب رد شهادة الشاهد، ولو كان اتصف بالشروط الستة وهي:

ص: 3920

أولًا القرابة؛ فالقرابة من موانع الشهادة، ولكن ليس كل قريب تُرَدُّ شهادته لقريبه؛ ولهذا قلنا: تختص في عمودَيِ النسب، وعمودا النسب هما الأصول والفروع فلا تُقْبَل شهادة الوالد لولده من أب أو أم، ولا تقبل شهادة الولد لوالده كذا؟ لا تُقْبَل شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، إذن الولد وإن نزل نقول ..

طالب: لا تقبل.

الشيخ: وإن نزل، وكذلك الوالد وإن علا قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135]، وهؤلاء يعني: ما فيه دليل على ما قلنا، لكن هؤلاء ثم قال:{وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ} ، لما كان الإنسان قد يحابي والديه وأقاربه قال:{وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} وهذه العلة أي: القرابة في الأصول والفروع مانعة مطلقًا على المشهور من المذهب، حتى لو فرض أن الشاهد مبرز في العدالة، ووجدت قرائن تدل على صدقه فإن شهادته لعمودي نسبه غير مقبولة.

ص: 3921

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا كان مبرزًا في العدالة، ووُجِدَتْ قرائن تدل على صدقه فإن شهادته مقبولة؛ لأن الشروط موجودة والموانع مفقودة هنا، وليس عندنا نص شامل يقول: إن الوالدين أو الأولاد لا يشهد بعضهم لبعض، ما عندنا نص، وإنما عندنا عمومات واحترازات في الشهادة، فإذا قُدِّر أن هذا الوالد شهد لولده في أمر دلت عليه القرينة، والوالد معروف بالعدالة التامة، فما المانع من قبول شهادته؟ ألا يدخل في قوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]؟ هذا عدل، ولم يوجد مانع يرد شهادته، بل وُجِدتْ قرائن تؤيد شهادته، لكن المعمول به الآن هو رد شهادة الأصول والفروع بعضهم لبعض مطلقًا، وإنما ردوها؛ لأن تحقيق المناط في المسألة صعب؛ لأن العلم بظاهر هذا الرجل وباطنه وأنه مبرز في العدالة أمر يشق، ثم إنه يفتح لنا باب الفوضى؛ يأتي رجل يشهد لولده في قضية فنحكم بشهادته، ويأتي بعده رجل يشهد لولده في قضية فنمنع شهادته؛ لأن الأول دلت القرائن على صدقه، والثاني لم تدل، حينئذ يحصل التباس بين الناس، ويعزون القضاة إلى أي شيء؛ إلى الجور والجنح، ويقولون: قَبِلَ شهادة فلان لابنه، ورد شهادة فلان لابنه، هل يمنع هذا المانع الشهادة على الشخص ولّا لا؟

طالب: (

).

الشيخ: أو عليه.

طالب: له.

الشيخ: إي نعم، له؛ لأن له هي محل التهمة، أما عليه فإنها ليست محل تهمة، بل قد قال الله تعالى:{وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينْ} [النساء: 135]{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ، ومن المعلوم أنه يبعد غاية البعد أن يشهد الوالد على ابنه وهو كاذب، لكن يشهد لابنه وهو كاذب، ممكن أما أن يشهد عليه وهو كاذب، فهذا بعيد، ولهذا قال الله:{وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} .

إذن هنا المانع مانع للشهادة له لا للشهادة عليه.

ص: 3922

ثانيًا: الزوجية؛ ما تُقْبَل شهادة الزوج لزوجته، ولا الزوجة لزوجها، فيه دليل؟ لا، ما فيه دليل، ولكن فيه تعليل، وهو أن العادة جرت بأن الزوجين يحابي بعضهما بعضًا لا سيما في الغالب مَنْ؟ الزوجة، الغالب أن الزوجة تحابي زوجها أكثر من العادة، ولا سيما أيضًا أن الزوجة في الغالب أقل دينًا من الرجل، وتحملها العاطفة أكثر، فالمهم أن شهادة الزوجة لزوجها لا تُقْبَل، وشهادة الزوج لزوجته لا تُقْبَل، بعد الفراق تُقْبَل ولَّا لا؟

طالب: فيه تفصيل، إن كانت تحبه (

).

الشيخ: (

).

طالب: (

).

الشيخ: إي نعم، وإن كانت تكرهه.

طالب: وإن كانت تكرهه في الغالب، فإنها تقبل شهادتها.

الشيخ: إذن -على كلامك- تكون العلة المحبة والكراهة، لو كانت تكرهه وهي في حباله ..

طالب: (

).

الشيخ: هي تحاول بكل ما تستطيع أنها تتخلص منه، لكن ما هو بيدها وهي تكرهه وتدعو عليه بالليل والنهار، وتقول: الله يفرجني من هذا الرجل؛ يعني: إذا جعلنا العلة المحبة لزم أن الحكم يدور مع علته، فإذا كانت تكرهه فتُقْبَل شهادتها. ثابت على هذا ولَّا عندك رأي ثاني؟

طالب: (

).

الشيخ: (

).

الطالب: (

).

الشيخ: إي نعم، هذا هو الصحيح، المذهب يقول: ولو بعد الفراق، لكن ليس له وجه، فالصواب أنه بعد الفراق تزول مع أن الأصل كما قلنا قبل قليل: الأصل قبول الشهادة، لكن نظرًا إلى أنه ربما تحصل محاباة منعت الشهادة للزوجة أو للزوج.

طالب: (

) الزواج (

).

الشيخ: كيف (

) بعد الزواج؟

طالب: (

) بعد الفراق.

الشيخ: حتى ولو كانت معه يعني.

الطالب: بعد الفراق.

الشيخ: بعد الفراق إذا شهدت له ما هي عليه، إذا شهدت له فلا بأس.

طالب: (

).

الشيخ: هل تقبل شهادة أحد الزوجين على الآخر؟ نعم، تقبل على الآخر، أما له فلا تقبل، إذا كانت الزوجية باقية. طيب، ما رأيكم في الخطيبة شهادة الإنسان لخطيبته أي: لمخطوبته أو بالعكس؟

طالب: ما تقبل.

ص: 3923

الشيخ: الزوجية ما تمت الآن، لكن أنا عندي أن المحاباة أكثر ولَّا لا؟ لأنه (

) علشان توافق على خطبته أو بالعكس، فلهذا ما دامت المسألة مبناها على العلة؛ فإننا نقول: وكذلك المخطوبة إذا شهد لها أو شهدت له؛ لأن هذه من وسائل التودد بين الخاطب والمخطوبة.

ثالثًا: التهمة بسبب ظاهر.

طالب: (

) العلة (

).

الشيخ: هذا هو الذي مشى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية على أن العلة التهمة مطلقًا، فإذا انتفت التهمة حتى في الأصول والفروع فإنها تُقْبَل الشهادة.

طالب: (

).

الشيخ: على كل حال الأصل أن ما فيه تهمة بعد الفراق؛ لأنه ويش يراعي؟ وهي أيضًا ماذا تراعي؟ لكن إن وجد في قضية معينة تهمة فللحاكم أن ينظر في الموضوع.

التهمة بسبب ظاهر؛ كمن يشهد بما يَجُرُّ إليه نفعًا أو يدفع عنه ضررًا، التهمة بسبب ظاهر؛ يعني: معلوم ما تكون التهمة بسبب تكون مانعًا؛ ولهذا لو شهد الصديق لصديقه تقبل ولَّا لا؟ تقبل، وشهادة المحب لمحبه تقبل، ولو لم نقل بذلك لزم أن نرد شهادة المؤمنين بعضهم لبعض؛ لأنهم يتحابون في الله لكن إذا كان السبب ظاهرًا -سبب التهمة- فإنه يُرَدُّ؛ مثل شهد إنسان بشيء يجر إليه نفعًا؛ مثل أن يشهد الوارث بأن هذا الميت الذي مات قد طلَّق زوجته، وانقضت عدتها منه قبل وفاته، ويش اللي بيصير؟

طالب: (

).

الشيخ: يجُرُّ إلى نفسه نفعًا ولَّا لا؟ يجر إلى نفسه نفعًا؛ وهو أن يتوفر مال الميت له، بدل ما تأخذ الزوجة الربع مثلًا وله ثلاثة أرباع، يكون له المال كله، فقد جَرَّ إلى نفسه نفعًا.

كذلك أيضًا شهادة الورثة بجرح المورث قبل اندمال الجرح؛ يعني: شهدوا بأن الذي جرحه فلان، والجُرح ما بعد بَرِئ، هذا لا شك أنه يجر إليه نفعًا؛ لأنه لو مات بهذا الجرح وجبت عليه الدية؛ على الجارح، والدية من تكون له؟

طلبة: للورثة.

الشيخ: تكون للورثة فلا تُقْبَل شهادتهم في هذه الحال؛ لأنهم يجرون إلى أنفسهم نفعًا.

ص: 3924

كذلك إذا شهد بما يدفع عنه ضررًا؛ إنسان شهد بشهادة توجب أن يندفع بذلك عنه الضرر؛ مثل أن يشهد بجرح الشهود بدين على مورثه، إنسان بعد ما مات هذا الرجل جاء وادعى عليه بدين، كم الدين؟ قال: الدين عشرة آلاف ريال. وين شهودك؟ جاء بالشهود، الورثة جرحوا بهؤلاء الشهود؛ قالوا: هؤلاء الشهود ما هم بعدول، هؤلاء فُسَّاق؛ لأجل ويش؟ لأجل ألَّا يسقط الدين، إذا لم يسقط الدين صار ما جاءهم ضرر، لكن لو ثبت الدين صار عليهم ضرر؛ لأنه يأخذ من التركة؛ فإذا شهد إنسان بما يدفع به الضرر عن نفسه؛ فإن شهادته لا تقبل؛ لماذا؟ لأنه مُتَّهَمٌ بجر النفع إلى نفسه أو دفع الضرر عنه، ومثلُها أيضًا لو زكى الشفيع شهادة بالبيع ببيع شريكه؛ زكَّاه؛ فإنها لا تُقْبَل؛ لأنه يَجُرُّ إلى نفسه نفعًا.

مثلًا شريكي باع نصيبه من أرض مشتركة بيني وبينه يكون لي فيها الشفعة ولَّا لا؟ لي فيها شفعة، لكن شريكي أنكر البيع، فأتى المشتري بشهود يشهدون بالبيع، فجرحهم شريكي، ولكني أنا زكيتهم، لماذا زكيتهم؟ لأنه إذا ثبت البيع ثبتت لي الشفعة، فأنا بهذه الشهادة أجر إلى نفسي نفعًا.

وعلى كل حال الأمثلة كثيرة، ولكن الضابط أنه إذا كلما كانت الشهادة تتضمن جَلْبَ نفع إلى الشاهد أو دفع ضرر عنه فإنها لا تقبل.

كذلك لو شهد الإنسان على عدوه فإنها تهمة ظاهرة، ولكن من هو العدو؟ هل هو الكافر؟

يقول العلماء في ضابط العدو هنا: (مَنْ سرَّه مساءةُ شخص أو غَمَّه فَرَحُه فهو عدوُّه)؛ كل إنسان يفرح بما يسيء إلى هذا الرجل، ويغتم بما يفرح؛ هذا الرجل فإنه يعتبر عدوًّا له، شوفوا هذا الضابط هل هو صحيح، ولَّا غير صحيح؟

طالب: غير صحيح.

الشيخ: لماذا؟

الطالب: لأن كثيرًا من الناس تتوفر فيه هذه الأشياء.

الشيخ: كيف تتوفر؟

طالب: تتوفر فيه أنه يفرح بمصيبة شخصٍ؛ مثلًا بمجرد أن حصل بينه وبينهما شيءٌ وإن كان بسيطًا، ويساء أيضًا لمسرة هذا الشخص (

).

ص: 3925

طالب آخر: قد يكون بينه وبين شخص (

)؛ يفرح إذا أصابته ضراء، ويكون عدلًا في نفسه فلا يشهد إلا بالحق، فالحاصل يا شيخ (

) للمصلحة (

).

الشيخ: إي صحيح، هذه النقطة التي نريد أن نشوف؛ لأنا إذا أخذنا بهذه القاعدة، فإن الحاسد يغتم بكل سرور، كل أحد يُسَرُّ بنعمة تجد الحاسد يَغْتَمُّ له؛ فإذا أصيب أحد بنقمة فإنه قد يفرح لذلك، وهذا في الحقيقة إذا كانت هذه -والعياذ بالله- صفةَ الإنسان يبقى جميع الناس أعداءً له، لكن مراد أهل العلم غير هذا؛ مرادهم بذلك إذا كان هذا الشيء متعلقًا بعين الشخص؛ لأن الحاسد ما يكون هذا وصفه بالنسبة لفلان دون فلان، بل هو لجميع الناس، إنما إذا كان لهذا الشخص المعين إذا أصيب بنكبة فرح بها، وإذا أصيب بنعمة اغتم بها، فإنه يكون عدوًّا له، فلا تقبل شهادتُه عليه؛ لماذا لا تقبل؟ قالوا: لأنه إذا كان يغتم بما يَسُرُّه، فإن الحكم على هذا الشخص يسوؤه ولّا لا؟

إذا صار يغتم بما يسوء هذا الشخص فإن القاضي إذا حكم على هذا الشخص، فهل يسوؤه الحكم عليه؟ يعني: هل يسوء المحكوم عليه هذا الحكم ولّا لا؟ خصمان عند القاضي حُكِمَ على أحدهما بما ادعاه خصمه هذا الحكم، هل يسوء هذا المحكوم عليه ولّا لا؟

يسوؤه بلا شك، إذا حكم عليه مثلًا بمليون ريال أو حكم عليه مثلًا بدفع دية أو ما أشبه ذلك، لا شك أنه يسوؤه، ولولا أنه يسوؤه فمن يخاصم لو كان لا يهمه لاعترف به، ولم يخاصم؛ فيقولون: إذا كان يسرُّه ما يسوء هذا الشخص فإنه يسره أن يحكم عليه؛ وحينئذ يشهد عليه بما يسوؤه لأجل أن ينال مراده بالسرور، هذا وجه كون العدو لا تُقْبل شهادته على عدوه.

ص: 3926

مثل ذلك الصديق؛ إذا كان بالغ الصداقة، هل نقول: لا تقبل شهادته لصديقه؟ نعم، نقول: لا تُقْبَل على القول الصحيح، أما المذهب فتُقْبَل مهما كانت الصداقة، ولكن الصحيح أنه إذا كان صديقًا حميمًا الصداقةُ متمكنة بقلبه؛ فإنها لا تقبل شهادته له إلا إذا وُجِدَ سببٌ قوي يقضي على هذه التهمة، فحينئذ نقبل شهادته؛ لأن بعض الناس الآن شهادتُه لصديقه أحبُّ إليه من شهادته لأخيه، بعض الناس إذا صادق شخصًا صداقة عميقة، يمكن يُفضِّل ما يسره على ما يسر والده، فكذلك الصداقة القوية لا شك أنها مانعة من موانع الشهادة؛ شهادته له، ولكنه إذا وُجِدَ سبب أقوى منه؛ مثل أن يكون هذا الشاهد معروفًا بالعدالة والاستقامة، والتهمة منه بعيدة، فإنها تُقْبَل شهادتُه.

طالب: (

).

الشيخ: يقول العلماء: إنه إذا فسخ (

).

طالب: (

).

الشيخ: إن السؤال عن الموانع ليس بشرط، لا في مسألة الفتوى، ولا في مسألة الشهادة، ولا في غيرها؛ لأن الأصل عدم المانع.

طالب: (

).

الشيخ: نعم، كما أن الأصل عدم الشرط فلا بد من تحقق وجوده، الأصل عدم وجود الشرط، فلا بد أن يتحقق وجوده، فنسأل هو موجود ولَّا ما هو موجود؟

طالب: (

) شهادة العدو على عدوه (

).

الشيخ: أقول: إنهم يقولون: إن مَنْ ساءه مسرةُ شخص وغمَّه فرحُه فهو عدوه، وسألنا هل هذا التعريف صحيح أو لا؟ وقلنا: إنه يرد عليه الحاسد، فإن الحاسد يَغمه فرح كل محسود ويسره مساءته، قلنا: الحاسد ليس بوارث؛ لأن المحسود يسره أو يغمه أن هذا الشخص بعينه، فإذا تبين أن هذا الشخص يحب أن هذا الشخص بعينه يناله سوء ويفرح كذلك، ويغتم إذا ناله السرور فهو عدوُّه؛ ووجه امتناع قبول شهادته عليه؛ لأن الحكم عليه إساءة فهو يحب أن يساء فيشهد عليه.

طالب: لو كان في قرينة.

ص: 3927

الشيخ: ما يمكن يشهد، لو أحب أنه يساعده ما يمكن يشهد إلا بحق، ووجد قرائن تدل على صدقة، فيُقْبَل، لكن الأصل أن العداوة سبب ظاهر يعني علامة وسبب ظاهر على منع الشهادة، وهذا الشيء الظاهر إذا وُجِدَ ما هو أقوى منه يمنع العمل.

طالب: (

).

الشيخ: قلت لك: إذا كان عدوًّا لك وشهد عليك فإنها تمنع شهادته عليك، لكن إذا وجد سبب يقتضي أن نقبله، وذلك لكون هذا العدو مبرزًا في العدالة ولا يمكن أن يشهد إلا بحق، ووجدت قرائن أيضًا تؤيد ما شهد به، حُكِمَ بذلك.

طالب: لو وجد (

) العدالة (

).

الشيخ: نعم، أو من فروعه.

طالب: هو الراجح.

الشيخ: هو الراجح، إي نعم؛ لأن المسألة ما فيها نص على المذهب والمدار كله على؟

طالب: على العدالة.

الشيخ: لا، على التهمة، فإذا وجد ما يمنع هذه التهمة لقوة العدالة ووجود القرينة المؤيدة له حكم به.

العدد المعتبر في الشهادة في الحقيقة أن المشهود به يختلف؛ منه ما يحتاج إلى الاحتياط كثيرًا مثل الزنا؛ لأن الشهادة بالزنا عدد الشهود الأول أن يكونوا أربعة رجال، وذلك في الزنا واللواط، والإقرار بهما لا بد أن يكون أربعة رجال، وطبعًا متفقين في الشروط السابقة العدالة إلى آخره، ودليل ذلك قوله تعالى:{لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13] وقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وشهداء جمع شهيد فلا بد من أربعة رجال متصفين بما يجب أن يتصفوا به لقبول الشهادة، ويشهدوا على الزنا، وكذلك أيضًا في اللواط؛ والحكمة من ذلك: لأن الزنا يحتاط له حيث يترتب عليه أمر عظيم وهو شرف الإنسان ينهدم بزناه واختلاط الأنساب، وغير ذلك من الأمور الكثيرة؛ لهذا احتيط له بأن يكون العدد أربعة رجال ولا بد أيضًا في أداء الشهادة أن يذكروا كل ما يعتبر (

).

ص: 3928

وهذا شيء يعني يكون من المتعجب؛ ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب منهاج السنة قال: إنه لم يثبت الزنا بطريق الشهادة من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى يومنا، وأظنه أيضًا من يوم الشيخ إلى يومنا هذا ما يثبت بطريق الشهادة؛ لأن هذا صعب جدًّا، أليس كذلك بطريق الإقرار ممكن ثبوته؟ وثبت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفيما بعده، لكن بطريق الشهادة، هذا صعب.

طالب: ثبتت (

).

الشيخ: ثبتت؟

طالب: إي.

الشيخ: شهدوا عليه؟

طالب: (

).

الشيخ: حقيقة الوطء، ويتفقون على الزاني والمزني بها، والزمان والمكان وصفة الفعل، كل هذا لا بد منه وهذا أمر -ولله الحمد- يكاد أن يكون متعذرًا، لكن بالنسبة للإقرار به ممكن، وقد سبق لنا أنه لا بد في الإقرار على المشهور من المذهب، لا بد فيه من تكراره أربع مرات، كذلك في اللواط -نسأل الله السلامة- لا بد فيه من أربعة رجال، واللواط قد يكون الشهادة عليه أيضًا كالشهادة على الزنا؛ لأنه يمكن الاستشهاد فلا بد فيه من أربعة؛ لأنه أخبث من الزنا؛ ولهذا قال الله في الزنا:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] فاحشة نكرة؛ يعني فاحشة من الفواحش، وقال لوط لقومه:{أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف: 80] فأتى بـ (أل) الدالة على التعظيم، وأنها أعظم، ولذلك كان الصحيح -كما مر علينا- أن عقوبة اللواط هي القتل بكل حال، هذه واحدة.

العدد الأربعة، إنما يختص بالزنا واللواط والإقرار بهما، يعني بأن يشهدوا على أن هذا الرجل أقر بالزنا أربع مرات.

طالب: (

).

الشيخ: الدليل لأنه أخبث من الزنا (

) السياق، ولا ما في دليل.

طالب: (

) أربعة (

).

الشيخ: أبدًا ما يجوز، حتى لو رأوا الرجل على المرأة عاريين، ما يجوز (

).

طالب: (

).

ص: 3929

الشيخ: لا، ما هم، ينهونهم عن هذا، ويضربونهم، ويعزرون، لكن ما يقولون: نشهد بأنه زنا بها؛ يقولون: نشهد بأنا رأينا أمرًا منكرًا، رأيناه عليها (

) لكن ما يقول: رأيناه يزني بها، لو قال: رأيناه يزني بها، جلدوا ثمانين جلدة؛ كل واحد يُجلَد ثمانين جلدة؛ ولهذا القصة التي تروى عن عمر، ولا نعرف عن صحتها، لكنه شهد أربعة رجال على شخص بالزنا شهدوا عليه قال: شهدتم أنكم رأيتم ذكره في فرجها، قالوا: نعم، ولما وصل إلى الرابع قال له: أنت تشهد عليه، اتق الله، والله لو كنت بين أصحابنا ما شهدت بما شهدوا به، فتوقف وقال: يا أمير المؤمنين، رأيت ذَكَرًا ينزو، واستًا تنبو، ولا أدري عن غير ذلك، فكبَّر عمر رضي الله عنه، ثم أمر أن يُجْلَد هؤلاء الثلاثة؛ كل واحد يجلد ثمانين جلدة ولم يَحُدَّ المشهود عليه (2)؛ لأنه ما تمت الشهادة، إنما مثل هذه ما نقول: اتركوا الناس في محل التُّهم، بل نقول: اشهدوا، لكن ما هو بالزنا، وفي هذه الحال يكفي شاهدان، إذا كان دون الزنا فهو يكفي شاهدان، يتهمه بأن هذه المرأة وجدوها عند هذا الرجل، أو قال: وجدناه راكبًا عليها فيكفي شاهدان، ولكنه ما يقال: حده الزنا؛ لأن الزنا ما ثبت، يُعَزَّر بما يراه الإمام رادعًا.

طالب: (

).

الشيخ: لا، ما يجوز، لكنه إذا أقر نؤاخذه بإقراره بعد أن يتبين لنا الأمر.

طالب: (

).

الشيخ: ما يؤخذ به؛ أولًا لأن الطبيب واحد حتى لو قُدِّرَ أن أربعة أقرُّوا بهذا وخرجوا ما يؤخذ به؛ لأنه قد يكون مثلًا حصل بغير اختيار بإكراه، وما أشبه ذلك فلا يؤخذ به.

طالب: والحمل.

الشيخ: الحمل تقدَّم لنا أن الصحيح أنها تؤخذ أنها تعتبر زانية ما لم تدعي شبهة.

ص: 3930

ثانيًا: أقول: ثلاثة رجال، فيه غنيٌّ ادَّعى الفقر لأخذ الزكاة، ثلاثة رجال يعني: لا مدخل للنساء في هذه الشهادة، كما أنه لا مدخل لهن في القسم الأول، شهادة رجال في غني ادعى الفقر لأخذ الزكاة يعني: رجل معروف بالغنى، وجاء إلينا يسألنا من الزكاة، نقول: هات الشهود أنك افتقرت، كم الشهود؟ لا بد من ثلاثة؛ ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث قَبِيصَة قال:«إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ رَجُلٍ» وذكر منهم؛ «رَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ فُلَانًا أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ» (3) فقال: شهد ثلاثة من ذوي الحجا يعني العقل من قومه أن فلانًا أصابته فاقة إذا قيل لماذا؟

نقول: لأن حقيقة الأمر أن دعواه هذه تضمنت اتصافه بأهل الزكاة، وانتفاء الغنى عنه، والثالث أيضًا تضييقه على المستحقين؛ لأنا إذا قدَّرنا أن الزكاة مثلًا ألف ريال، وادعى هو الفقر وهو بيأخذ من الألف، فينقص الألف عن غيره من المستحقين، فهذه الدعوى لما تضمنت ثلاثة أمور صارت الشهادة فيها ثلاثة رجال.

ثالثًا: (رجلان في بقية الحدود، وفي القصاص وكل ما ليس بمال ولا يؤخذ به المال غالبًا) رجلان يعني (

) أيضًا من هذا القسم، ولكنه أقل عددًا من الأول أولًا: في بقية الحدود، ويش بقية الحدود؟ السرقة، القذف، قطع الطريق.

طالب: الخمر على القول بأنه ..

الشيخ: الخمر على القول بأنه حَدٌّ.

طالب: البغي.

الشيخ: قتال أهل البغي، لا، وكذلك أيضًا القصاص ليس من الحدود، وأما أن بعض الناس يعدونه في الحدود، ليس في الحدود؛ لأن القصاص راجع إلى رأي مَنْ؟ لرأي الورثة إذا شاؤوا اقتصوا، وإذا شاؤوا لم يقتصوا، والحدود هل تُرَدُّ إلى أحد؟ بل لا يجوز الشفاعة فيها، إذن في بقية الحدود لا بد من رجلين كذلك في القصاص، القصاص في النفس ولَّا حتى فيما دونها؟ حتى فيما دونها.

ص: 3931

القتل خطأ لا بد من رجلين؟ لا؛ لأن القتل خطأ لا يوجب القصاص، إنما القتل عمدًا، أو قطع الطرف عمدًا الذي يوجب القصاص كما مر علينا فيما سبق، هذا لا بد فيه مِنْ رجلين، إذا قيل: لماذا لا تأخذون النساء في هذا؟

قلنا: لأن باب القصاص خطير جدًّا؛ فلهذا اعتمد فيه على الرجال؛ لأنهم أكمل عقولًا من النساء.

(كل ما ليس بمال ولا يقصد به المال غالبا) مثل الطلاق؛ الطلاق ليس بمال، ولا يُقْصَد به المال غالبًا، النكاح مثله؛ لأنه ليس بمال، ولا يقصد به المال غالبًا، يعني نادر أنك تلقى إنسانًا يتزوج علشان المال، وإن كان قد يقصد، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:«تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ» (4) وذكر منها المال، لكن هذا نادر، لو تسأل الذين يتزوجون وجدت تسعين بالمئة أو أكثر لا يتزوجون من أجل المال، إنما يتزوجون من أجل الاستمتاع، فكل ما ليس بمال، ولا يُقْصَد به المال، فإنه لا بد فيه من رجلين.

ص: 3932

وقولُنا: (لا يُقْصَد به المال) خرج به ما يقصد به المال فينتقل إلى القسم الرابع؛ وهو رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين المدعي، وهذا مذكور في القرآن الصنف الأول والثاني منه قال الله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وهذا مذكور في آية الدين، وهي من المال، فشهادة المال رجلان أو رجل وامرأتان، وهل الرجل والمرأتان اشترطوا فيهما ألا يوجد رجلان؟ لا ليس بشرط فقوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} دليل على أنه ليس بشرط، وإلا لقال: فإن لم يكن رجلان يعني: فإن لم يوجد رجلان، أما هنا قال:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا} أي: الشاهدان رجلان يعني: إِنْ ما استشهدتم رجلين، فاستشهدوا رجلًا وامرأتين، لكن لو قال: فإن لم يكن رجلان؛ يعني: فإن لم يوجد لصار شهادة الرجل والمرأتين لا تُقْبَل إلا إذا عُدِمَ الرجلان، لماذا تعددت المرأة؟

طالب: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282].

الشيخ: إي: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] يعني: إذن جبرًا لنقصه، ويُفْهَم من هذا التعليل أن الشاهد إذا نسي شهادته فذُكِّرَ بها فذكر قُبلت، وإن ذُكِّر بها فلم يذكر لم تقبل؛ ولهذا أبو موسى ذَكَّرَ عمر رضي الله عنه التيمم للجنابة، ولكنه لم يذكر، إنما رخص له أن يفتي الناس بذلك، وقال: نوليك ما توليت (5) فالمهم أن الإنسان إذا ذُكِّرَ بالشهادة فإنه إذا ذكر شهد وإن لم يذكر لم يشهد.

رجل ..

طالب: (

).

ص: 3933

الشيخ: إي نعم، قال: الرجل ويمين المدعي هذا أيضًا يقبل في المال وما يقصد به، وهل يُشْتَرط ألا يكفر على رجلين أو رجل وامرأتين، أو ليس بشرط، ليس بشرط؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين (6) بدون أن يستفصل: هل قدرتم على شاهدين أم لا؟ فدلَّ هذا على جواز القضاء بالشاهد ويمين المدعي، يمين المدعي كيف كانت هنا اليمين في جانب المدعي، والقاعدة أن اليمين في جانب المدعى عليه؟

طالب: قوة جانبه بالشاهد.

الشيخ: إي نعم، لقوة جانبه بالشاهد؛ ولهذا يقال للشاهد: اشهد قبل أن يقال للمدعي: احلف؛ يعني: تَقَدَّم قبل هذا الشاهد. ثم بعد ذلك يحلف، فهذا أيضًا مما يُقْبَل فيه الرجل وامرأتان؛ المال وما يقصد به، وإنما كان كذلك أي: تيسيرًا على الأمة؛ لأن المال كما تعرفون المعاملات المالية أكثر من غيرها؛ ولذلك رَخَّص بالشهادة فيها؛ لأجل أن يتوسع إثبات الحق أو يقال: توسع طرق إثبات الحق؛ فجعل طرق إثبات المال وما يقصد به المال ثلاثة؛ وهي رجلان، رجل وامرأتان، رجل ويمين المدعي. هل يجوز أربع نساء بدل عن رجل وامرأتين؟

طلبة: لا.

الشيخ: لا يجوز، وجوَّزه بعض أهل العلم فيما إذا لم يوجد إلا نساء، فجوَّزه بعض العلماء، وهذا كثيرًا ما يقع في العائلات، يجيء مثلًا أخ في البيت عند أخيه ويبيع عليه شيئًا، أو يشتري منه شيئًا، وليس في البيت إلا نساء، فيشهدن بما سمعن، فإذا قلنا بأن المرأة تقوم مقام الرجل عند عدمه، ويكون رجل وامرأتان، قلنا بقبول هذه الشهادة، وإذا قلنا بأنه لا يُقْبَل إلا رجل وامرأتان، فإننا لا نقول بقبول الشهادة، وهذا الأخير هو المشهور من المذهب، والمشهور من المذهب أنه لا يُقْبَل إلا رجل وامرأتان، أما النساء لو يجتمع أربع مئة امرأة ما تقبل، واختار شيخ الإسلام أن النساء إذا تعذَّر الرجال، فكل اثنتين عن رجل.

طيب، في المال وما يقصد به المال، المال وما يقصد به؟ المال مثل أيش؟

ص: 3934

مثل بيع، شراء، إقراض بالمال، إتلاف مال، وما أشبه ذلك، ما يقصد به المال؛ مثل الشفعة، الخيار.

طالب: (

).

الشيخ: لا، الإجارة (

) الرهن مال.

طالب: (

).

الشيخ: لا، هذه مال مثلًا، نقول: الخيار في البيع هو مال ولَّا لا؟ يعني: شهد شاهد بأن هذا الرجل اشترى هذا البيت، واشترط الخيار لنفسه شهرًا، هذا مال ولَّا لا؟ الخيار ما هو بمال، الخيار هو النظر في خير الأمرين، واختيار أحدهما، لكنه يقصد به المال في الحقيقة؛ لأنه من المصالح المتعلقة بهذا المال.

الشفعة يعني أن الشريك شفع، وأتى بشاهد ويمين يقبل؛ لأنه مما يُقْصَد به المال، وكذلك الرهن وغيره.

خامسًا: امرأة واحدة بما لا يَطَّلِع عليه الرجال غالبًا؛ يعني: امرأة واحدة للذي لا يَطَّلِعُ عليه الرجال غالبًا؛ مثل الولادة، استهلال الصبي كذلك أيضًا من الجنايات وغيرها، في عرف ما يحضره إلا النساء، فكل شيء لا يحضره إلا النساء غالبًا، يكتفى فيه بامرأة، لو شهد رجل بدل المرأة؟

طالب: يُقْبَل.

الشيخ: إي نعم، يُقْبَل من باب أولى؛ لو شَهِدَ به رجل لقُبِلَ مِنْ باب أولى؛ لأنه أقوى من المرأة. الرضاع.

طالب: امرأة واحدة.

الشيخ: امرأة واحدة؟ إي نعم امرأة واحدة؛ لأن الرضاع في الغالب لا يطلع عليه إلا النساء، وهنا لا بد من مراعاة الموانع والشروط السابقة، لو قُدِّرَ أن رجلًا خطب امرأة فشهدت أم زوجته بأنها أرضعته، أرضعت المخطوبة تُقْبَل ولَّا ما تقبل؟

طالب: ما تقبل.

الشيخ: ليش؟

طالب: تهمة.

الشيخ: ويش التهمة؟

لأجل ألَّا يتزوج على بنتها، وهذه المسألة أيضًا يجب أن يلاحظ فيها حالة المرأة الشاهدة؛ هل هي امرأة ثقة عدل، ولا يمكن أن تكذب، أو أنها امرأة خفيفة الدين فتشهد لأجل أن تسلم ابنتها من الضرة، على حسب ما يراه الحاكم.

الشرط الثاني: أقسام العدد التي تعتبر في الشهادة خمسة ما لا بد فيه من أربعة شهود وثلاثة واثنان ورجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين المدعي.

ص: 3935

طالب: أو امرأة واحدة.

الشيخ: أو امرأة واحدة والله أعلم.

طالب: (

) ذكر القول (

).

الشيخ: الظاهر أن الراجح اختيار شيخ الإسلام؛ لأن هذا ضرورة يضيع الحق، مشكل، وهذه النساء إذا كن عشرًا وموصوفات بالعدل، فما المانع، كم؟

طالب: عشر.

الشيخ: عشر.

طالب: (

) الأخيرة (

) موانع الشهادة، لاحظنا أن التهمة بالنسبة للرضاع (

).

الشيخ: لا، عندنا مانع؛ التهمة موجودة، كونها تشهد بأنها أرضعت هذه المخطوبة وابنتها مع الخاطب، موجودة التهمة الآن.

طالب: إذا ما علم الخاطب.

الشيخ: إذا ما علم (

).

طالب: (

).

الشيخ: يتحمل هذا الشخص في أمر من الأمور، مثلًا أنا عندي شهادة على فلان أو لفلان، أبغي أحملك الشهادة عني، تُسَمَّى شهادتك أنت شهادة على شهادتي وهذه جائزة، لكن بشروط، الشرط الأول يقولون: أن تتعذر شهادة الأصل، الأصل أنه ما يمكن يشهد إما لكونه غائبًا أو ميتًا أو مريضًا، ما يمكن انتظاره وما أشبه ذلك لماذا؟ لأنه إذا تعذَّر الأصل فإننا لا (

) إلى الفرع.

الشرط الثاني: أن تكون في حقوق الآدميين خاصة دون حقوق الله كالحدود، وهذه المسألة فيها خلاف؛ فالذين قالوا: لا بد من ثبوت حقوق الآدميين، دون حقوق الله قالوا: لأن حقوق الله مبنية على الستر، وعلى كل ما قل تنفيذه فهو أولى، والشهادة على الشهادة توجب تنفيذ ذلك، وهذه المسألة فيها خلاف، والصحيح أنه

يجوز

ص: 3936

الشرط الثالث: أن يسترعيه الأصل في الشهادة؛ قالوا: معنى الاسترعاء أن يقول: أرعني سمعك؛ يعني: استمع لما أحملك بحيث يقول: اشهد على شهادتي على فلان أو لفلان بكذا، فإن سمعه يشهد بها فقط بدون استرعاء، فإنه لا يجوز أن يشهد مثلًا أنا وأنت في مكان سمعتني أقول: أنا أشهد بأن لفلان على فلان كذا درهم أو أشهد أن فلانًا باع على فلان بيته أو سيارته، ولكني ما حملتك، لا يجوز لك أن تشهد على شهادتي هذه؛ لأنني ما حملتك، ويجوز أني أنا أتحدث عن أمر (

) مثلًا إلا أن العلماء يقولون: إذا سمعه يعزو هذا الشيء أي شاهد الأصل إلى سبب، فله أن يشهد به أو سمعه يشهد بها عند القاضي فله أن يشهد بها؛ مثلًا سمعت أني أقول: أشهد أن لفلان على فلان عشرة آلاف؛ قيمة سيارة اشتراها منه، فلك أن تشهد على شهادتي، أو سمعتني مثلًا أشهد بهذه الشهادة عند القاضي، فلك أن تشهد؛ وذلك لأن الاحتمال وارد أن يكون هذا الرجل تحدث بها حديثًا عابرًا بدون أن يكون مصممًا على أداء الشهادة، هذه الشهادة على الشهادة، فصار الشهادة على الشهادة معناه تحميل شاهد غيره شهادته، وهي لا يجوز الحكم بها إلا بالشروط التي سمعتم.

طالب: كيفية أداء هذه الشهادة.

الشيخ: أن يقول مثلًا: أشهد على فلان أنه شهد بكذا وكذا أو يقول: أشهد على فلان بأن في ذمته لفلان كذا، حملني من هذه الشهادة فلان (

).

ص: 3937

الإقرار اعتراف الإنسان بما عليه من حقوق مالية أو بدنية، هذا هو الإقرار، والدليل قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81] يعني: اعترفنا بهذا الشيء، فالإقرار في اللغة الاعتراف، وهو في الشرع اعتراف الإنسان بما عليه، وبهذا تتم الأحوال الثلاثة في مسألة الإقرار، إذا أخبر الإنسان بحق عليه فهو إقرار، وإن أخبر بحق لغيره على غيره، فهي شهادة، وإن أخبر بحق له على غيره فهي دعوى، فالإنسان إما أن يكون ماله على غيره أو ما عليه لغيره.

أو ما لغيره على غيره فهي إما شهادة أو إقرار أو دعوى وقد سبقت الدعوى وسبقت الشهادة، الإقرار يمكن أن نلحقه بالشهادة؛ لأنه في الحقيقة شهادة على مشهود؛ لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] فجعل الله الإقرار شهادة، وشروطه أن يكون المقر مكلفًا يعني: بالغًا عاقلًا، وضد ذلك الصغير والمجنون؛ أما المجنون فإنه لا يُقْبَل إقراره؛ لأن جميع أقواله وأفعاله غير معتبرة؛ لكونه قد رفع عنه القلم، ولكونه غير ذي قصد، فلا يُقْبَل إقرارُه.

ص: 3938

وأما الصغير فلأنه ليس أهلًا للتحمل، والإقرار تحمل واعتراف فهو ليس أهلًا للتحمل، ولأنه أيضًا قد يُخْدَع فيقر بما ليس عليه خديعة، قد يقول له إنسان مثلًا: أنا بعطيك هذا الشيء الذي (

)، ولكن تقر بأنك فعلت كذا وكذا فيفعل فيخدع إلا أنه يستثنى من الصغر قال: لكن يصح إقرار الصبي بما أذن له فيه من تصرف، وقد سبق في كتاب البيع أنه يجوز الإذن للصبي بالتصرف في الأمور اليسيرة؛ مثل البيض والدجاج والحلوى وما أشبهه؛ فإذا أقر الصبي بما أذن له في التصرف فيه صار إقراره صحيحًا لماذا؟

لأننا لو لم نقبل إقراره بذلك لم يكن للإذن له بالتصرف كبير فائدة؛ إذ إن المقصود بالتصرف أن يكون مقبولًا بما أقر به، حتى يكون تصرفه معتبرًا، هذا الشرط يستثنى منه مسألة واحدة؛ وهي إقرار الصبي بما أذن له بالتصرف فيه، فإنه يقبل. إقراره بغير ذلك؛ يمكن أنا أعطيته مئة درهم ليتصرف بها فأقر بما يستلزم وجوب مئتي درهم، فالإقرار هنا لا يصح؛ لأنه إنما أذن له بالتصرف في مئة درهم فقط.

الشرط الثاني: أن يكون جائز التصرف فيما أقر به؛ فلو أقر الإنسان بأمر لا يجوز له التصرف به لم يصح؛ مثل أن يقر المحجور عليه بشيء يتعلق بأعيان المالك، وأظن مر علينا الحجر إذا كانت الديون أكثر من مال الشخص؛ فإنه يحجر عليه بطلب الغرماء أو بعضهم، فإذا حجرنا عليه وأقر على أعيان ماله المحجور عليه فيها، فإن إقراره لا يقبل، لكن لو أقر بشيء في ذمته فإن إقراره يقبل، والفرق لأنه غير جائز التصرف في أعيان المالك؛ فلا يقبل إقراره عليها.

ص: 3939

المحجور عليه لفَلَس جائز التصرف في ذمته، لكن في أعيان ماله غير جائز التصرف؛ فإذا أقر لشخص بشيء يتعلق بأعيان ماله، فإن الإقرار غير صحيح؛ مثاله حجرنا على هذا الشخص؛ ومن بين أمواله سيارات أقر في يوم من الأيام بأن السيارة الفلانية لفلان، فإقراره هنا لا يُقْبَل على هذه السيارة؛ لماذا؟ لأنه قد حجر عليه فيها فهو غير جائز التصرف فيها، فلا يكون جائز الإقرار عليها، ولكنه يؤاخذ ببدلها بعد فك الحجر عنه لمن أقر له بها إذا طالبه؛ فعلى هذا نقول: المحجور عليه بفلس لا يُقبل إقرارُه على أعيان ماله؛ لماذا؟ علل. لأنه غير جائز التصرف فيها، تعلق بها حق غيره، فذلك إنسان أقر بأنه باع بيته المرهون على فلان، ما حكم هذا الإقرار؟ هذا الإقرار غير جائز، ولا مقبول، والسبب لأنه لا يجوز أن يتصرف بهذا المرهون بالبيع؛ فإذن القاعدة اللي هو الشرط هذا أن يكون المقر جائز التصرف فيما أقر به.

طيب، مريض مرض الموت المخوف أقر بجميع ماله لشخص يقبل ولَّا ما يقبل؟

طلبة: لا يقبل.

الشيخ: لماذا؟ لأنه غير جائز التصرف في جميع المال، إنما هو من الثلث فأقل، وهذه المسألة فيها خلاف؛ يمكن يأخذ من المال وإلا ففيها خلاف؛ لأن بعض العلماء يقول: إنه في هذه الحال يكون مقبول الإقرار؛ لأنه يصعب جدًّا وهو مريض أن يُقِرَّ بشيء يحكم به الورثة، وهو غير صحيح، وسيأتي في الشرط الرابع أظن.

ص: 3940

الشرط الثالث: أن يكون مختارًا فإن كان مكرهًا لم يصحَّ إقراره؛ لأن جميع التصرفات لا بد فيها من الرضا، ويمكن أن نستدل لذلك بقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] اشترط الله في التجارة أن تكون عن تراض، والإقرار كالتجارة؛ لأنه نوع من التصرف، فلا يقبل إقرار المكره، لكن لو أُكْرِه أن يقر بشيء فأقر بغيره، هل يعتبر أو لا يعتبر؟ مثلًا أكرهه شخص على أن يقر بأن هذه السيارة له فأقر بأن السيارة الأخرى له يعتبر ولَّا لا؟ يعتبر؛ لأنه أُكْرِه على شيء فأقر على غيره، فإذا قال -هذا الذي أكره-: أنا أقررت بالسيارة الأخرى؛ لأن السيارة التي أكرهني على الإقرار بها أغلى عندي فقلت: أدفع إكراهه بالإقرار بهذه السيارة، وأسلم على سيارتي الثانية، قلنا له: لا يُقْبَل هذا منك؛ لأنك لو أقررت وأنت مكره على السيارة التي أكرهك عليها لم يكن هذا الإقرار صحيحًا ولا مقبولًا، إذا ادعى الإكراه الآن الإقرار ثبت، وادعى أنه مُكْرَه، فهل يُقْبَل منه ذلك أو لا؟

طالب: لا.

الشيخ: لا يُقْبَل؛ لأن الأصل عدم الإكراه إلا إذا وجدت قرائن قوية تدل على هذا؛ مثال ذلك الآن: كثير من الجناة الذين يقرون بجنايتهم من سرقة أو إفساد يقولون: إن الشُّرَط أكرهونا على ذلك، وأننا غير (

) بهذا الإقرار، فهل نقبل منهم هذا أو لا؟

نقول: ما نقبل؛ لأن الأصل عدم الإكراه إلا إذا وجد قرينة قوية تدل على ما قالوا، أحيانًا يُقِرُّون عند القاضي في (

) ثم يَدَّعُون أنهم مهددون، إذا لم يعترفوا فهل نقبل منهم أو لا؟

طالب: لا نقبل.

ص: 3941

الشيخ: لا نقبل؛ لأنهم بإمكانهم عند القاضي أن يقولوا: لا، لم نعمل هذا العمل، وحينئذ يبرر القاضي إخلاء سبيلهم، فالمهم أنه لا بد أن يكون مختارًا وإذا ادعى الإكراه قلنا له: الأصل عدم الإكراه وصحة الإقرار فلا نقبل منك هذا إلا إذا وجدت قرينة قوية أو بَيِّنَة معروفة، لكن إذا وجد قرائن قوية تدل على مثل أن نرى فيه أثر ضرب أو خدش أو ما أشبه ذلك فهذا قد نقبل قوله، ونقول: أعد الإقرار منك الآن، ونحمله على ذمتك، وأما مع عدم وجود القرينة فالأصل أن الإقرار صحيح وأنه باختياره.

الشرط الرابع إمكان صدقه؛ إمكان صدق المقر، فإن لم يمكن فإنه لا يُقْبَل؛ لأن كل شيء يكذبه الحس والواقع، فهو غير معتبر، ويش مثال عدم إمكان الصدق؟ مثل أن يُقِرَّ بشيء لمدة عشر سنوات وهو معروف أنه هذه المدة ليس موجودًا في المكان الذي أَقَرَّ فيه، فهنا لا يقبل إقراره، أو أقرَّ بشيء منذ ثلاثين سنة، وعمره هو عشرون سنة، فهذا أيضًا لا يقبل، وذلك لأنه غير ممكن.

ومن هذه المسألة إذا أقرَّ الشخص بوارث لا يمكن أن يكون مثل أن يقول: هذا الرجل أخٌ لنا، مات ميت مثلًا عن أبناء، وادعى أحد الأبناء أن هذا أخ لهم، وكان عمر هذا المقر به خمسين سنة، وعمر الميت خمسٌ وخمسين سنة يُقْبَل ولَّا لا؟

طلبة: لا يُقْبَل.

الشيخ: ما يقبل؛ لأنه يكون معناه أن وُلِدَ له وله خمس سنوات، وهذا مستحيل، إذن لا بد أن يكون الإقرار مما يمكن صدقه، أما إذا كان لا يمكن فهو غير مقبول؛ فالشروط إذن أربعة:

أن يكون المقر مكلفًا.

وأن يكون جائز التصرف فيما أقر به.

والثالث أن يكون مختارًا.

والرابع إمكان صدقه.

ص: 3942

والإقرار في المرض كالصحة إلا في مالٍ لوارث حال الإقرار فلا يُقبل بدون موافقة الورثة؛ الإقرار في المرض كالصحة؛ فلو أقر الإنسان مثلًا أنه طلق زوجته وهو مريض، فإن الإقرار معتبر، ولو أقرَّ أنه باع شيئًا من ماله وهو مريض فإنه يُقبل، ولو أقر بأن لفلان عليه كذا وكذا فهو صحيح كالإقرار بالمرض، ولو أقر بأنه وَهَبَ الشيء من ماله فهو صحيح إلا في مسألة واحدة إذا أقرَّ في المال لوارث حال الإقرار، فإنه لا يُقبل إلا بإجازة الورثة.

إذا أقر بمال لوارث حال الإقرار فإنه لا يقبل إلا بإجازة الورثة؛ وقولنا: (حال الإقرار) يعني أن المعتبر حال الإقرار دون حال الموت؛ فإذا أقر لشخصٍ أخٌ له شقيق بمال وهو في ذلك الوقت يرثه، ثم وُلِد للمقر ابن ففي هذه الحال الأخ لا يرث لماذا؟ لوجود الابن، ومع ذلك لا يصح إقراره له؛ لأنه حال الإقرار متهم.

والعكس بالعكس لو كان له ابن فأقر لأخيه بمال، ثم مات الابن قبل المقرِّ صار الأخ الآن وارثًا، والإقرار له مقبول ولَّا لا؟ مقبول؛ لأنه غير مُتَّهَم.

وأظنكم تذكرون في الوصية أن الأمر فيها بالعكس، ويش المعتبر في هذه الوصية؟ المعتبر كونه وارثًا حال الموت، لا حال الإقرار؛ فإذا أوصى لأخيه بمال، وكان لا يرثه غيره حين الوصية ثم ولد (

) فإن الوصية لأخيه تصحُّ؛ لأنه حال الموت ليس وارثًا، ولو أوصى لأخيه وهو غير وارث، ثم صار عند الموت وارثًا؛ فإن الوصية لا تصح. والفرق بينهما أن الوصية إنما يثبت حكمها عند الموت، ولو خالفت حكمه حال الإقرار فيعتبر كل شيء في موضعه.

طالب: (

).

الشيخ: لا، ما هو المقصود بالمرض المخوف، أما المرض غير المخوف فهو في حكم الصحيح؛ ولهذا الإقرار في مرض كالصحة إلا (

).

الإقرار في المرض؛ يعني مرض الموت المخوف، وأما المرض الذي ليس مخوفًا، أو ليس مرض الموت بحيث شُفِيَ منه فهو كالصحة.

هنا توقف الشيخ رحمه الله عن شرح متن الزاد إلى الشرح من مذكرة أخرى.

ص: 3943

قال: (وإذا أقرَّ بِمُجْمَلٍ صحَّ، وقُبِل تفسيرُه، فإن فَسَّره بما يصحُّ الإقرارُ به قُبِلَ وإلَّا فلا) أُقِرَّ بِمُجْمَل؛ المُجْمَل ضد المبين، إذا أقرَّ بمجمل فإنه يطلب تفسيره منه، إن فَسَّره بما يصح الإقرار به قُبِلَ، وإلَّا فلا مثال ذلك؛ قال: عندي لفلان حقٌّ قلنا له الآن: ثَبَت لفلانٍ عليك حقٌّ، فَفَسِّرْه، قال: الحق له علي؛ إنه إذا عطس، فحَمِدَ الله شمته يُقْبَل ولَّا لا؟

طالب: لا يُقْبَل.

الشيخ: لا يقبل؛ لأن هذا في الحقيقة ما يحتاج إلى إقرار، هذا ثابتٌ شرعًا؛ إذا قال: الحق الذي له عليَّ حقُّ شفعة؛ لأنني اشتريت نصيبَ شريكه منه يُقْبَل ولَّا لا؟ يُقْبَل؛ لأن هذا حقٌّ ماليٌّ.

إذا قال: عندي لفلان مال، هذا مجمل، ما نوع المال؟ ما قدر المال؟ فقال: عندي له قصاصة ورقة، أو كما قال الفقهاء: قشر جوز، أو قشر فصفص، يُقبَل ولَّا لا؟

ما يُقْبَل؛ لأن هذا عرفًا، وإن كان لو تجمع صار مالًا، لكن عرفًا، هذا لا يسمى مالًا ولا يحتاج إلى الإقرار به، فلذلك لا يُقْبَل منه؛ يقبل إذا فَسَّرَه بشيء يصح الإقرار به، فأما إذا فَسَّره بما لا يصح أو بما لم تجر العادة بالاعتراف به من كونه لا يصح ولا عادة فإنه لا يصح.

(إذا وصل بإقراره ما يُغَيِّرُه مِنْ صفة أو استثناء قُبِلَ، وإن وَصَل به ما يرفعه لم يُقْبَل).

طالب: (

) صح؟

الشيخ: يعني: صحَّ أنه يلزم به، يلزم (

) وإذا قلنا: لا يصح معناه لا يلزمه شيء.

طالب: (

) خلاص، ينتهي الأمر.

الشيخ: خلاص، ينتهي الأمر، يعني: قصدك معنى ينتهي الأمر بمعنى: تنتهي المطالبة؟

طالب: إي نعم.

الشيخ: لا بأس إذا فسرت لم يُقبَل منه معناه يلزم بأن يفسره بشيء يِصِحُّ الإقرار به، ما هو معنى أنه يخلى سبيله.

طالب: إن امتنع.

الشيخ: إن امتنع، وطالب (

) بإدانته وحبسه يحبس حتى يقر.

طالب: إن مات ولم يقر.

ص: 3944

الشيخ: إن مات ولم يقر (

)، ما يصح إطلاق هذا الإقرار عليه؛ يعني: مثلًا إذا كان بمال يؤخذ منه أقل ما يسمى مالًا.

قال: (وإذا وصل بإقراره ما يُغَيِّرُه من صفة أو استثناء قُبِلَ).

طالب: (

).

الشيخ: ثم فسره لو أن هذا الرجل المقر له (إذا وصل بإقراره ما يُغَيِّره من صفة) مثل أن يقول: عندي له بُر، فوصله بقوله: بُر طيب، وجب عليه بُر طيب، إذا قال: بُر رديء، لا يلزمه إلا بر رديء.

أقر له بسيارة من نوع كذا ووصفها سيارة (

) مثلًا يلزمه هذا الوصف الذي أَقَرَّ به، ولكنه كما مر علينا فيما سبق لا بد أن يكون متصلًا؛ ولهذا قلنا:(إذا وَصل) فأما لو سكت سكوتًا يمكنه الكلام، ثم وصفه بصفة فإن هذا لا يُقْبَل منه بعد ما قال: عندي له بُر، سكت ثم قال: رديء، يُقبل ولَّا لا؟ ما يقبل؛ لأنه لم يتصل.

أما لو قال: عندي له بُرٌّ، وأخذه سعال أو عطاس، ثم قال بعد انتهاء ذلك: رديء، فإنه يُقبل منه.

طالب: ما يفرق بين الصفتين؟

الشيخ: أيهما؟

طالب: صفة الجودة وصفته إن كان رديئًا.

الشيخ: لا، ما يفرق، لكن هو إذا أراد أن يعطي جيدًا ما يمنع؛ لأنه من حيث الحكم لا فرق.

طالب: لو شك أن فلانًا (

) ما يقبل منه.

الشيخ: لا، هو ما يُقبل؛ بمعنى: ما يلزم به، لكن لو أراد أن يبذله لصاحبه مقابله ما يمنع، قال: جزاك الله خيرًا؛ لأنه ما يلزم به، يعني: ما يلزمه، لو أن المقر له فيما بعد طالبه بالجيد ما يلزمه.

كذلك لو وَصَلَهُ باستثناء، فإنه يُقْبَل منه مثل لو قال: عندي لكم مئة درهم إلا عشرة يُقْبَل ولَّا لا؟ لكن لا بد أن يكون متصلًا، فإن لم يكن متصلًا فإنه لا يصح.

وهل يُشْتَرَط في الاستثناء من العدد أن يكون من النصف فأقل، أو يجوز الاستثناء من الأكثر؟

في هذا قولان لأهل العلم؛ منهم من قال: إنه يصح استثناء الأكثر، ومنهم من يقول: إنه لا يصح، وهو المشهور من المذهب.

ص: 3945

فإذا قال: له علي عشرة إلا سبعة، يلزمه على المذهب عشرة، وعلى القول الثاني يلزمه ثلاثة؛ لأنه قال: عشرة إلا سبعة.

حجة القائلين بذلك لأنهم يقولون: إن الاستثناء إقرار، ولا ينبغي أن يُفْرَض الأكثر من الأقل، ثم إنه من الناحية اللغوية لم تجر عادة العرب بأن يقولوا: عشرة إلا سبعة، وإنما يستثنون الأقل، أما القائلون بالجواز فيقولون: إن هذا الاستثناء لا فرق فيه بين القليل والكثير من حيث الدلالة؛ فإن عشرة إلا سبعة كعشرة إلا ثلاثة من حيث الدلالة، وما دام دالًّا فإنه لا يشترط في المتكلم أن يكون فصيحًا يَعرِف ما ينطق به العرب، وهذا القول أحوط.

هذا إذا كان الاستثناء من عَدَدٍ، أما إذا كان الاستثناء من صفة فإنه لا بأس به، ولو كان المستثنى أكثر، ولهذا قال الله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42]، ومن اتبع الشيطان من الغاوين أكثر ممن ليس له عليهم سلطان، فإذا كان الاستثناء في صفةٍ فهذا يشمل الأكثر، بل ويشمل الكل؛ لو قلت مثلًا: أكرِمُ مَنْ في هذا البيت إِلَّا مَنْ ليس طالبًا، فجئتُ إلى هذا البيت وجدتُ كلَّهُم غير طلبة، أُكْرِمُ منهم أحدًا أو لا؟

لا، فهذا الاستثناء الآن رفع الحكم عن الكل؛ لأنه استثناء من صفة (

)، إنما هو في استثناء العدد.

وإن وَصَل به ما يرفعه فإنه لا يُقْبَل، قال: عندي له عشرة دراهم ثمن الخمر، كلمة ثمن الخمر توجب أن يرتفع قوله: له علي عشرة دراهم لماذا؟

لأن الخمر ليس له ثمن فكونه يقول: ثمن الخمر، معناه كأنه يقول: ليس عنده لي شيءٌ، وهذا يرفعه.

ص: 3946

كذلك لو قال: عندي له عشرة دراهم لا تلزمني، كلمة:(لا تلزمني) معناه: ترفعه، لا يقبل، يقال: بل، هي عشرة دراهم تلزمه، وفي المثال الأول إذا قال: عشرة دراهم ثمن الخمر، يقول: عشرة دراهم، ليست ثمن الخمر يلزمك، الآن تسلم عشرة دراهم؛ لأن وصلك إياها بما يرفعه لا يقبل؛ إذ إن الأصل في الإقرار أن يكون مقبولًا ثابتًا، فإذا وَصَلْتَ به ما يرفعه فأنت أبطلتَهُ بعد ثبوته إلا في مسألة واحدة.

طالب: وإن كان المُقَرُّ له مثلًا بائع خمر في عهده السابق؟

الشيخ: إي نعم، ولو كان يبيع خمرًا في عهده السابق؛ لأن الشرع لا يعتبر ثمن الخمر شيئًا، فهو (

) إقرار قطع بهذا الوصف ..

طالب: لو كان مثلًا المقر نفسه.

الشيخ: نعم، لو فرض أنهما كانا من كافرين يهوديين أو نصرانيين؛ قال: هذا ثمن خمر، فحينئذ نقبل منه؛ لأن هذا لا يرفعه؛ إذ إن بيع الخمر لهما كان جائزًا.

طالب: (

) لو أتى الإقرار بما يُغَيِّرُه.

الشيخ: من صفة أو استثناء؟

طالب: وإذا انقطع.

الشيخ: إذا انقطع فإنه يُعْتَبر كلامًا منفصلًا.

طالب: (

).

الشيخ: نعم؛ لأن الكلام لا بد أن يتصل بعضه ببعض، الكلام إذا انقطع فإنه يُعتبر هذا شيئًا وهذا شيئًا آخرَ، فإذا لم يكن متصلًا بعضه ببعض صار كلامَيْنِ، لكنه في الحقيقة إذا انقطع لسعال أو عطاس أو شيء لا يطيقه أو شيء مفاجيء؛ خرج، مثلًا (

) مفاجيء، ثم استثنى، فهذا ضرورة؛ لأنه (

) لماذا لم تصل هذا الكلام؟ كونُك تسكت معناه أنك تتروى.

طالب: (

).

الشيخ: ما نقبل (

)؛ لأن حقوق الآدميين مبنية على (

)، وهذا معنى أن الإنسان قد يكون، لكن نقول له: هذا بالنسبة لحق الآدمي ما هو مقبولًا، أما الشيء الذي يُعْلَم أنه أمر طارئ فنحن نقبله منه، وإلا لأمكن كل إنسان يُقِرُّ به حتى (

) ثم يقول: ثم يصلح في وقت يجب تغيره.

طالب: حسب السؤال الأول (

) بُرًّا، ثم سكت، ثم قال (

).

ص: 3947

الشيخ: السبب يقولون: لأن الكلام في الاستثناء لا بد أن يكون متصلًا (

)؛ لأنه يكون تكرارًا يُقَدِّم بعضه بعضًا مثل أن يقول: عندي له مئة درهم ثمن الخمر، أو عندي له مئة درهم لا تلزمني، أو ما أشبه ذلك مما يقتضي عدم وجوب هذا المال الذي أقرَّ به إلا في مسألة واحدة، إلا في قولي: كان له علي كذا فقضيته، فيُقبل بيمينه.

إذا قال: كان له علي مئة درهم فقضيتها، فإنه يقبل بيمينه؛ لماذا؟

لأن قوله: (فقضيته) لا يرفع قوله: كان له عليَّ، ويش معنى: إني أرفعه؟ يعني (

) لكن يقوم به دعوى للفرض (

)؛ لأنه لا قضاء إلا بعد وجوب، كان له علي مئة درهم فقضيتها، يقولون: إنه يقبل منه، لماذا؟ قالوا: لأن قوله: فقضيته، لا ينافي قوله: كان له عليَّ، لكن قوله: كان له عليَّ ألف لا تلزمني، يناقض ولّا ما هو يناقض؟

طلبة: يناقض.

الشيخ: كان عليَّ لا تلزمني، هذا تناقض، لكن عليَّ فقضيته، ليس هناك تناقض، وعلى هذا فيُقْبَل بيمينه، يحلف على القضاء، لماذا يقبل قوله هنا في قوله: فقضيته؟ قالوا: لأن هذا المال لم يجب إلا بإقراره، فيؤخذ على حسب إقراره، هو ما أقر بهذه المئة إلا على وجه أنها مقضية، فلا يلزمه غيرُ ما أقرَّ به وكلامه هنا لا يناقض بعضُه بعضًا، ولكننا نحلِّفُه احتياطًا أنه قضى، فهمتم يا جماعة؟

ص: 3948

وقال بعض الأصحاب -أصحاب الإمام أحمد-: إنه لا يُقْبَل إلا ببينة؛ لأن قوله: كان له علي مئة درهم فقضيته، يتضمن إقرارًا ودعوى، ما هو الإقرار؟ فلان له علي مئة درهم، والدعوى فقضيتها فيكون مقرًّا ومدعيًا للقضاء، ومن ادعى فعليه البينة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» (1)؛ وعلى هذا فلا يُقبل دعواه للقضاء إلا ببينة، وحجة المذهب كما أشرنا إليه قبل قليل أنه إنما أقرَّ على هذا الوجه، وهو إقرار لا يتناقض، فلا يلزمه سوى ما أقرَّ به، وفي الحقيقة أن القاضي عندما ينظر للخصمان بين يديه يمكنه أن يعرف هل الصواب اتباع ما قاله أصحاب المذهب، أو القول الثاني؟

قد يكون الذي أقرَّ وادعى القضاء إنسانٌ ثقة، والمقابل له بالعكس، فحينئذ يترجح قول المذهب بلا شك، وقد يكون الأمر بالعكس، ويكون المدعي الذي أقر له يكون إنسانًا ثقة، ويقول أبدًا ما قضيت، ويكون الذي أقر وادعى القضاء إنسانًا ليس بثقة، وحينئذ يتوجه القول بالقول الثاني.

الحاصل أن هذه المسائل؛ يعني الخلاف في هذه الأمور تعطي القاضي اتساعًا في مجال القضاء؛ لأنه لا يخرج عن الحق (

)، ولو أنه لوحظ هذا الخلاف، وقيل: إن كل قول يتنزل على حال لكان له وجه، لو قيل: إن القول بأنه يكون مدعيًا للقضاء مقرًّا بالدين فلا يُقْبَل إلا ببينة في حال كون المقر أيش؟ ليس بثقة، والقول بأنه يقبل منه دعوى القضاء إذا كان ثقة، وجمع الإنسان بين القولين على هذا الوجه لم يكن بعيدًا.

يقول: إلا أن تكون بينة أو يعترض بسبب الحق إذا كان بينة، بينة بأيش؟ بما أقرَّ به؛ قال: له عليَّ من الدرهم، وقد ثبت ذلك ببينة (

) القضاء فإنه لا يُقبل منه دعوى القضاء حتى يأتي ببينة؛ لأن الحق دونما ثبت بمجرد إقراره، بل ثبت ببينة، وما ثبت ببينة لا يُرفع إلا بها، وهذا واضح كذلك.

ص: 3949

إذا اعترف بسبب الحق، ومعنى اعترف بسبب الحق؛ يعني قال: له علي مئة درهم ثمن كذا وكذا، أو أجرة بيت سكنته، أو ما أشبه ذلك فهنا أيضًا لا تُقْبَل منه دعوى القضاء إلا ببينة؛ لأن الحق هنا ثَبَتَ ليس بمجرد إقراره، بل ثبت مضافًا إلى سببه، وعليه فلا يُقْبَل إلا ببينة، وهذا أيضًا واضح، فقال الذي يقول: له عَلَيَّ فقضيته، لو ثبت عليَّ، إما أن يكون بينة أو يعترف بسبب الحق أو لا بينة، ولا اعتراف بسبب الحق، ففي الحالين الأوليين لا تُقْبَل دعوى القضاء منه إلا ببينة، وفي الحالة الثالثة فيها خلاف بين الفقهاء، والمشهور من المذهب أنه يُقْبَل.

طالب: إذا ادعى المقر بالحق.

الشيخ: يعني له.

طالب: (

).

الشيخ: إي نعم؛ لأنه لما أضافه إلى سبب معلوم وهو مقر به، والأصل أن السبب هذا هو الذي أوجب الحق.

طالب: لكن ثبوت السبب من إقراره.

الشيخ: إي، ثبوت السبب في إقراره، لكن ثبوت السبب يوجب وجوب هذا الشيء عليه.

طالب: لكن من أين عَلِمْنا أن (

الشيخ: (

) إقراره وهو معروف لأجل مقابله أيضًا، فالحق الآن السبب قائم، وعوض هذا السبب غير معلوم، (

) ولذلك نقول: لا بد أن يكون ببينة؛ لأن السبب سبب الوجوب قائم، وليس هو مجرد الاعتراف، ففرق بين أن يقول الإنسان: عندي له مئة درهم، قد يكون (

)، وقد يكون لأي سبب من الأسباب، أما هنا فقد اعترف بسبب الحق، وأن عوضه لم يُقْضَ بعدُ، فإذا ادعى قضاء العوض قلنا: لا، هذا السبب الذي (

) به، ولم تنكره إلى الآن، الأصل بقاء عوضه، ثم يجب عليك أن تُثْبِت قضاءه.

طالب: (

).

الشيخ: البينة واضحة، إذا صار بينة ما في إشكال.

طالب: (

).

ص: 3950

الشيخ: إذا ثبت ببينة مئة درهم، وادعى قضاءها فواضح، واضح أنه ما يقبل؛ لأن الحق ثبت ببينة، لكن إذا كان ليس هناك بينة إلا أن الرجل قال: له عليَّ ألف (

)، والمبيع معروف أو أجرة بيت استأجره، ومعروف أنه استأجر هذا البيت فإنه هذا السبب الذي أوجب الحق أمر معلوم يُقِرُّ به فلا يمكن أن يرتفع عوضه إلا ببينة تشهد به، هذا وجه الفرق، أما مجرد (له علي من الدرهم) فما نعرف السبب، فهذا وُجِدَ الإقرار بوجود الحق غير معزوٍّ إلى سَبِبٍ مِنْ قِبَلِه، فدعوى القضاء تُقْبَل؛ لأنه ما (

) إلا على هذا الوجه.

وبعض العلماء خَتَم الفقه بالإقرار، وبعضهم ختم الفقه بالعتق، ولكلٍّ وجهة، الذين ختموا بكتاب الإقرار تفاؤلٌ بأن يقروا بشهادة أن لا إله إلا الله عند الموت، والذين ختموا بالعتق تفاؤلٌ بأن الله يعتقه من النار، والذين جعلوا العتق في آخر باب العبادات قالوا: لأن العتق من أفضل القربات؛ فلهذا جعلوه هناك بعد كتاب المواريث، وبعضهم أيضًا قدم العتق وجعله قبل (

)؛ لأنه من العبادات، والله أعلم.

***

طالب: نبذة يا شيخ عن الكتب.

الشيخ: الكتب.

طالب: أقول: نبذة عن الكتب (

).

الشيخ: (

) إنما أنا أرى من أحسن الكتب مؤلفات شيخ الإسلام ابن القيم هي من أحسن الكتب في الحقيقة تعطي الإنسان، تربِّيه تربية إيمانية وتربية لاستنباط الأحكام، والتحرج من الخلاف (

).

طالب: (

).

الشيخ: إي، إحنا الآن نتكلم معكم، أنتم (

).

طالب: (

).

الشيخ: (

) الحمد لله، إنه أعطاكم (

).

طالب: (

).

الشيخ: لا ما هو بالواقع، الواقع (

).

طالب: (

).

ص: 3951

الشيخ: (

) لا، والحمد لله يعني: أنا أرى أنه لا حمد على جانب كبير من الفقه، وأهم شيء أن القارئ يعرف مآخذ العلماء ومداركهم، وأنا عندي من الطوالب، الطالب هو هذا ما هو بالطالب اللي بيدرس يحفظ متنًا من المتون، أو يستحضر عبارات شرحٍ من الشروح، الطالب اللي يعرف كيف يستنبط الأحكام من الأدلة، وكيف يأخذ ويعطي من الفقهاء؛ ولذلك من أحسن ما يكون بالنسبة لكم أيضًا كتاب المغني، كتاب المغني جيد يعني: بحثه في الأدلة أحسن من المجموع للنووي؛ لأن المجموع للنووي رحمه الله يركز على المناقشة مع أصحابه فقط، ثم يأتي بعد ذلك بآراء العلماء (

)، لكن المغني يناقش، وإن كان فيه بعض الأشياء الضعيفة التي ينتحل لها، ولكن ما أحد معصوم (

).

طالب: (

).

الشيخ: (

) إنه هو رحمه الله ينتحل بعض الأشياء (

)، من أغنى ما قرأت في كتب الفقه هو هذا.

طالب: ما حكم القضاء على الغائب وما دليله؟

الشيخ: القضاء على الغائب؟

طالب: نعم.

الشيخ: القضاء على الغائب ما عليه دليل، نقول: القضاء على الغائب هل هو جائز ولَّا ما هو جائز، نقول: ليس بجائز القضاء على الغائب.

طالب: إطلاقًا.

الشيخ: إطلاقًا، وبعض العلماء يقول: يجوز إذا ثبت عليه الحق، وهو على حجته إذا قدم ولكن هذا لا دليل .. ، اللهم إلا إذا تغيب فإنه ما يمكن (

)، إذا تغيب هو نفسه (

) عن الحكم عليه، هذا ما يمكن (

) كالمعلقة، وأما غائب بمعنى أنه لو ندعوه بأدنى وقت جاء ولَّا وكل ما يجوز القضاء عليه، وقد (

) القضاء على الغائب (

) الرسول عليه الصلاة والسلام (

).

طالب: لا يكون إلا في الغائب، إذا طالت الغيبة عن ..

الشيخ: لا، إذا كان (

) التأخير (

) من المدعي (

).

طالب: فسخ النكاح إذا أراد الزوج.

الشيخ: إي نعم، (

) النكاح إذا غاب ورُوسل، وليس له عذر (

).

طالب: أحيانًا قد (

).

الشيخ: (

).

طالب: (

).

الشيخ: والله، أنا رأيت بعض الإخوان (

).

طالب: (

).

ص: 3952

الشيخ: (

).

طالب: (

).

الشيخ: (

).

طالب: (

).

الشيخ: العلم ما هو محسوب على أحد، يمكن إذا أعطيت أحدًا، وهذا (

)، فالمهم هو تحري الصحة، هذا أهم شيء؛ لأن فيه ناس (

).

طالب: (

).

الشيخ: والظاهر أن هذا (

).

طالب: هل يجوز للقاضي أن يعرض الصلح على الخصوم قبل استئناف القضية، يعني: قبل أن يُسْأَل عن بينته؟

الشيخ: هو الآن عاد يسأل يقول: هل يجوز للقاضي أن يعرض الصلح على الخصمين قبل أن يعرف القضية؟

نقول: لا، ما يجوز يعرض الصلح إلا إذا أشهد أو هم مثلًا طلبوا ذلك؛ يعني: مثلًا لو حضروا عند القاضي، وقالوا للقاضي: أصلح بيننا فلا بأس، وأما إنه بيقول الحكم، ثم يعرض عليهم الصلح هو، ويقول: لا، أن بأصلح بينكم، هذا ما يجوز، فليحكم وليستعين الله سبحانه وتعالى، فإذا اشتبه عليه الحكم يعرض (

).

طالب: (

).

الشيخ: (

).

طالب: (

).

الشيخ: هذا معناه الظاهر أنه بيخشى على نفسه تورعًا (

) في العلم ولا، لكن هذا ما يجوز أبدًا (

) تحكم بينهم بالذي تراه من الحق.

طالب: (

).

الشيخ: يعني: مثلًا فيه واحد يقابلك، ويشتبه في الحجة عليك، لنفرض مثلًا أن واحدًا منهم عنده محل ثقة، والثاني ليس عنده محل ثقة، لكن جايب شهودًا، وهو ما عنده شك في الشهود، لكن ما فيه أحد جرحهم (

)، فهنا قد يكون عند الإنسان اشتباه في الموضوع، فإذا اشتبه عليه فلا بأس أن يعرض الصلح، وأما إذا لم يشتبه فالواجب أن يحكم.

طالب: الحالات -يا شيخ- التي يصرف القاضي فيها النظر عن القضية؟

ص: 3953

الشيخ: الحالات اللي يصرف إذا كان ما يمكن الحكم فيها شرعًا أو عدلًا؛ يعني: مثلًا شرعًا إذا حضر إليه خصمان يعلم قضيتهما يشهد بها هو، القاضي ما يحكم بعلمه فمثل هذا يصرفه ما هو يقول: اختصما إلى فلان، وأنا عندي الشهادة؛ لأن القاضي ما يمكن يحكم بعلمه إلا في مسائل معينة نادرة مثل حكمه بعلم عدالة الشاهدين، ما يحتاج إلى تكرار التزكية، وهو يعلم عدالتهم، ومثل حكمه بعلمه بما جرى في مجلس الحكم أحد الخصمين، أقر عنده في أول الجلسة، ثم في التالي أنكر فله أن يحكم بما أقر به أولًا الثالث في الأمور المشهورة (

)، مشهور لفلان فيحكم له به شرط الاستفاضة هذه معروفة.

طالب: حجة القضاء.

الشيخ: الحجة.

طالب: (

).

الشيخ: إي نعم، معلوم (

).

طالب: كيف الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ » ثُمَّ قَالَ: «هُوَ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» (2) وبين قوله: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» (3) الحديث.

الشيخ: هو الحقيقة إن هذا ما بينهم تعارض إطلاقًا؛ لأن قوله: «يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» معناه بدون شهادة يعني شهادة الزور، «يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» بمعنى إنه ما عندهم شهادة فهم شهداء زور، لكن في لفظ آخر هو اللي مشكل «يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا» (4) فهذا واضح أنهم يأتون إلى الشهادة قبل طلبهم.

ص: 3954

فاختلف العلماء في هذا؛ فمنهم من يقول: إن المراد الذي يأتي بالشهادة قبل أن يُسْأَلَها فهذا محمول على ما إذا كان عندك شهادة لا يَعْلَم بها مَنْ هي له، فأنت تذهب وتأتي بها، ما تقول: خَلِّ، إذا قام يبحث ويدور (

)، وبعضهم يقول: إن هذا مبالغة في المبادرة في أدائها فلا يكن هذا على حقيقته، ولكننا (

) حمله على صورته مع بقاءه على الحقيقة فهو أولى؛ إنهم يشهدون معناه: بدون أن يُطْلَب منهم الشهادة لعدم علم المشهود له بها؛ لأن بعض الناس قد يكون مثلًا (

).

طالب: يذهب إلى القاضي ولَّا ..

الشيخ: سواء ذهب إلى القاضي ولَّا ذهب إلى من هي له وأخبره.

طالب: يسعى له.

الشيخ: يسعى له أيش؟

طالب: (

).

الشيخ: لا ما يجب (

)، وأنت تعرف يجب إما أن تعلمه أو إذا كان في مسألة (

) الحكم تذهب إلى القاضي وتشهد.

طالب: (

).

الشيخ: (

).

ص: 3955