الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك أيضًا مَن قذف زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكفُر، أما مَن قذف عائشة فلا شك أنه يكفر، من قذف عائشة بما بَرَّأَها الله منه فلا شك في كفره، لماذا؟ لأنه تكذيب للقرآن، لكن مَن قذف عائشة بغير ما بَرَّأَهَا الله منه، أو قذف غيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فالصواب بلا شك ما اختاره شيخ الإسلام؛ أنه يكفُر، وأنه يكون غير مسلم؛ لأن هذا من أبلغ الإيذاء للرسول عليه الصلاة والسلام، إذا كان زوجاته ما يجوز للمسلم يتزوجهن من بعده غيرةً للرسول عليه الصلاة والسلام، فكيف -والعياذ بالله- بمن يقول: إنهن بغايا، فلذلك الصحيح ما اختاره شيخ الإسلام.
فعليه نقول: مَن قَذَفَ نبيًّا أن أُمَّهُ، أو زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر، ولا تنسحب عليه هذه الأحكام بالجلد، وإنما يقال: ارجع إلى الإسلام من جديد.
طالب: (
…
).
الشيخ: فإنه يُعَزَّر ولا يقام عليه الحد.
طالب: (
…
).
الشيخ: هو يُعَزَّر على هذا، ولكن لا يُحَدّ؛ لأنه يوجد مثل بعض الناس دائمًا على لسانه، خصوصًا الجدعان الصغار يقولون: يا ولد الزنا -والعياذ بالله- هذه كثيرة في ألسنتهم، هذه يُعَزَّر مَن يستحق التعزير ممن يفهم ويرتدع بالتأديب.
(
…
) لا، حد القذف ما (
…
) إلا بالزنا أو اللواط، أما غيره فيُعَزَّر، لو قال مثلًا: يا (
…
) مثلًا، يا غشاش، يا يهودي، يا نصراني، ما .. بس إن رمى بِمِلَّة غير الإسلام فإنه يبوء بها أحدهم، إما أن يكون ذاك المقذوف يهوديًّا أو نصرانيًّا، وإلا يكون هذا، فعليه أن يتوب توبة نصوحًا.
[باب القطع في السرقة]
أولًا: حد السرقة، تعريف السرقة، حد السرقة إلى آخره.
أولًا: السرقة لفظها يدل على السرعة، ومنه قولهم: سارَقَهُ النظرَ، أي: نظر إليه بسرعة واختفاء.
وهي في اللغة أَخْذ المال بِخُفْيَة، وأما في الاصطلاح فإنها: أَخْذ مالٍ على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه.
فالفرق إذن بين اللغة وبين الاصطلاح أن اللغة أعم، فمَن سَرَقَ شيئًا ولو من غير مالك أو نائب مالك فهو سارق في اللغة، أما في الاصطلاح فليس بسارق، فلو علمت مثلًا أن هذا الذي بيد هذا الشخص ليس ملكًا له، وليس له عليه ولاية، فسَرَقْتَه، فذلك ليس بسرقة في الاصطلاح، وهو في اللغة سرقة.
ولهذا يقول العوام: السارق مِن السارق كالوارث من أبيه؛ لأنه سَرَقَ من غير مالك ولا نائبه، ولكن كلامهم هذا ليس بصحيح، إنما هو حقيقةً ما يجب عليه القطع؛ لأنه لا ينطبق عليه أنه سرقة في الاصطلاح.
إذن السرقة في الاصطلاح أَخْذ المال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه.
فقولنا: (أَخْذ المال) خرج به ما ليس بمال، فليس بسرقة، مثل ما لو سَرَقَ كلبًا، الكلب ليس بمال، أو سرق خمرًا، فالخمر ليس بمال، فلا يُعْتَبَر ذلك سرقة وإن كان له قيمة، لو فرضنا أنه سرق خمرًا وهو في بلاد غير المسلمين، يُعْتَبَر عندهم له قيمة، ولكنه شرعًا ليس بمال فلا يسمى ذلك سرقة، لو سرق حُرًّا صبيًّا من أهله يُعْتَبَر سرقة؟ لا؛ لأنه ليس بمال.
قولنا: (أَخْذ المال) يخرج به أيضًا ما لو أكله، إنسان دخل على بيت مُحْرَز، وفيه مثلًا تمر، وأكله حتى شبع، وخرج مالئًا بطنه، يعتبر سارقًا؟ ما يعتبر سارقًا، ولهذا بس ما وُدُّنَا نفتح يدًا للسُّرَّاق، ولَّا (
…
) مثلًا إذا صار المسروق إن خرج به جاء نصابًا، وإن أكل بعضه خرج بالبعض نقص عن النصاب، يأكل البعض ويخرج بالباقي.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم، (
…
) دينارًا، لو أكل دينارًا وخرج به الظاهر أنه يجب عليه القطع؛ لأن حقيقة الأمر هذا ما ينتفع به الجسم بخلاف الأول، وأيضًا هذا لا يسمى إتلافًا، الأول إذا أكله تلف، وهذا لا يتلف.
طالب: (
…
).
الشيخ: قولنا: (على وجه الاختفاء)، لو أخذه لا على وجه الاختفاء بأن أخذه عَنْوَةً جهرًا فهذا ليس بسرقة، ويسمى غصبًا.
كذلك لو أخذه على وجه اللعب والاستهزاء، مثلًا يسخر، يضحك عليه وأخذه منه، فإنه لا يعتبر سارقًا؛ لأنه وإن أخذه على وجه ليس بعنوة وليس بقهر، إلا أنه مازِح وليس بجادّ.
وقولنا: (من مالك) احترازًا مما لو أخذه من غير مالكه أو نائبه فإنه لا يعتبر سارقًا، ووجه ذلك أن أَخْذَه من غير مالك أو نائبه أَخْذٌ من غير حِرْز؛ إذ إن المال لا يكون مُحْرَزًا إلا إذا كان عند من هو له، أو مَن يقوم مقامه، فإذا كان عند غيره فكأنه أخذه من غير حرزه.
أما حد السرقة فهي قطع اليد اليمنى من مَفْصِل الكف، ثم قطع الرجل اليسرى من مفصل العَقِب، وبعد ذلك إما حبسٌ حتى يتوب، وإما قطع اليد اليسرى، ثم الرجل اليمنى، كما سبق، على خلاف في ذلك.
قطعُ اليد اليمنى من مفصل الكف؛ لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، لو نظرت إلى ظاهر الآية الكريمة لقلت: إنه يجب قطع الأيدي الأربع، ولَّا لا؟
طالب: نعم.
طالب آخر: (
…
).
الشيخ: لا، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، (أَيْد) جمع مضافة إلى اثنين، ولَّا لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: كم يصير؟
طلبة: أربعة.
الشيخ: أربع أيادٍ، ولكننا نقول: ليس كذلك، بالنص والإجماع، وإنما جُمِعَت الأيدي هنا؛ لأنها أُضِيفَت إلى متعدِّد، والمضاف إلى متعدِّد الأفصح فيه الجمع، كقوله تعالى:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، مع أنه ما لهم إلا قلبان فقط، ويجوز لكن في غير القرآن أن تقول: فاقطعوا يَدَيْهِمَا، ويجوز أيضًا: يَدَهُمَا، بالإفراد، ولكن الأفصح هو الجمع، والله أعلم.
***
(
…
) هذا مبتدأ؟
طالب: نعم.
الشيخ: طيب، هذا الأول من مراتب قطع اليد في السرقة دَلَّ عليه قول الله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، والأمر للوجوب، وقوله:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآية عامة، كلمة (يد)، فيقتضي أن يكون ذلك راجعًا إلى تعيين الإمام، ولكنه قد جاء فيه قراءة أخرى:(فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا)، وعلى هذا فتكون القراءة الثانية مُفَسِّرَة لهذه القراءة، ويكون المقصود باليد اليد اليمنى، ولأن ذلك أيضًا هو الموافق للجناية؛ إذ إن الغالب أن الأخذ والإعطاء يكون باليمين، فكانت هي موضع العقوبة دون اليسار.
ثالثًا: ولأن هذا أَنْكَى وأبلغ في تأديب هذا السارق أن يسرق مرة ثانية، وفي تحذير غيره أيضًا من السرقة.
وقولنا: (من مفصل الكف) (
…
)؛ لأن اليد إذا أُطْلِقَت فإنما يراد بها الكف، بدليل أنها في الوضوء قُيِّدَت بقوله:{إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6].
(
…
) ذلك من نفس الْمَفْصِل، فلا يجوز مما فوقه ولا مما دونه، ولكن كيف يكون القطع ما دام على هذا الوصف؟ قالوا: إنه يجب أن تُمْسَك يده ويشدها رجل قوي حتى يتبين المفصل ثم تُقْطَع بالسكين؛ لأن السكين أبلغ في التحديد.
وعلى كل حال العلماء في هذه المسائل يتكلمون عما يعرفونه، فإذا وُجِدَ طريقة غير هذه الطريقة في الطب كالعملية مثلًا، قد تكون العملية أهون من هذا، فإنه يُتَّبَع.
وهنا سؤال: هل يحوز عند القطع أن يُبَنَّج أو لا يجوز؟ نقول: بل يجوز؛ لأن المقصود هو قطع اليد، ويحصل مع البنج وعدمه، وأما إذا كان قطعها قصاصًا فإنه لا يجوز أن يُبَنَّج، وذلك لأن الجاني في باب القصاص أَذَاقَ المجني عليه الألم وفَقْدَ العضو، فلا يمكن أن نقتصر نحن على أحد الأمرين وهو قطع العضو، أما في باب الحد فالمقصود هو القطع، ويحصل ذلك ولو بالتبنيج.
لو قال قائل: إذن يجوز أن يُبَنَّج الإنسان عند الجلد في الزنا والقذف؟
فيقال: يجوز ولَّا لا؟ لا يجوز؛ لأنه ليس المقصود هناك مجرَّد أن يُضْرَب بالسوط، المقصود أن يذوق الألم، بخلاف هذه، فهذه لأجل إزالة هذا العضو الذي حصلت منه الجناية بالسرقة فيُزَال بالقطع.
طالب: (
…
).
الشيخ: لأن الله قال: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فقط، وهذا حصل القطع.
طالب: لماذا لا نقيد المرافق مثلما قيدنا الرقبة (
…
)؟
الشيخ: كيف؟ ما نقيدها؛ لأنه إذا لم تقيد في باب التيمم في آية الوضوء مع أنهما من جنس واحد، وهما التيمم والطهارة، فهذا أبعد وأبعد من باب أولى، وهذا بالاتفاق أنه ما فيه تقييد، هذا باتفاق أهل العلم؛ لأن السبب والحكم مختلف، هنا السبب والحكم مختلف، بينما أنه في باب التيمم السبب واحد وهو الحدث، ومع ذلك لم تُقَيَّد به؛ لأنه ما دام الشرع جعل الحكم مختلفًا فإنه لا يمكن أن يُلْحَق أحدهما بالآخر.
طالب: (
…
) عدم التقييد؟
الشيخ: أيهم؟
الطالب: التيمم والقطع.
الشيخ: إي نعم؛ لورود الحديث، ثم إن الحكم أيضًا على هذه قاعدة معروف في أصول الفقه، إذا كان الحكم مختلفًا فإنه لا يمكن أن يقيَّد المطلَق بالمقيَّد؛ لأن الحكم أصلًا لا يتفق، يجوز أن يكون منه، كما خالف الحكم ذلك الحكم المقيَّد في أصله فيخالفه أيضًا في وصفه.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: الثانية؟ جاءت باسم الفاعل، يعني: الذي يسرق، لو قال: السَّرَّاق، بعد، لكان قد يُقَال: إن فيه صيغة مبالغة.
طالب: بالنسبة للبنج ما يقال: إنه كان معروف هذا وما أخذوا منه؟
الشيخ: لا، ما هو معروف البنج، البنج قليل جدًّا في ذاك الوقت.
الطالب: البنج العادي ربما يُسْقَى شيئًا فيغيب.
الشيخ: ما كان معروفًا هذا.
الطالب: بالنسبة يا شيخ في قطع رجل عروة بن الزبير أنهم عرضوا عليه أن يسقوه مخدِّرًا.
الشيخ: إي، يمكن، عروة بن الزبير في التابعين؛ لأنه بعد الفتوحات يمكن انتشر هذا.
طالب: والخمر؟
الشيخ: لا، غير، لكنه بعد الفتوحات حصل هذا؛ لأنهم دخلوا في الفرس والروم وحصل بينهم شيء.
العلماء يقولون: إنها أيضًا إذا قُطِعَت يجب أن تُحْسَم، وكيفية الْحَسْم أنه يُغْلَى زيت على النار ثم يُوضَع فيه طرف الذراع لأجل أن تنسد أفواه العروق فلا ينزف الدم. هذه ما أدري هل يوجد الآن في الطب شيء يمكن أن يُعْتَاض عنه؟ إذا وُجِدَ شيء يعتاض عنه فلا حاجة إليه؛ لأن هذا لا شك أنه يؤثر على اليد؛ في أنها ربما تنسلخ وتتأثر، لكن على كل حال إذا وُجِدَ في الطب ما يقوم مقامه فهو كافٍ.
قال: (ثم قطع الرجل اليسرى من مفصل العقب)، وهذا أيضًا جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا عاد تقطع الرِّجْل اليسرى من مفصل العقب، لاحظوا أن العقب الآن لا بد أن يبقى، فيُقطع القدم فقط، وأما العقب فإنه يبقى؛ لأننا لو قطعنا العقب لأدَّى ذلك إلى قصور الرِّجْل عن الأخرى، وحينئذ يصعب عليه المشي، أو ربما تتأثر الرجل الأخرى أيضًا إذا كان الْحِمل عليها كلها.
فلهذا قال العلماء: إنه يُقْطَع من مفصل العقب، ويبقى العقب مع الساق. وهذا أيضًا جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويرى بعض العلماء أن الحديث ليس بثابت، وأنه لا يجب على السارق إلا قطع اليد اليمنى فقط، وإذا عاد فإنه يُعَزَّر، إما بحبس أو غيره مما يكف شره.
لكن الإمام أحمد رحمه الله أخذ بهذا لورود السنة به، ولأن لذلك نظيرًا وهو المحاربون، فإن المحاربين تُقْطَع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وما دام ورد فيه عقوبة فإن الحديث هذا يتقوى بذلك.
بعد هذا إما حبس حتى يتوب، يعني على المذهب إذا سرق في الثالثة فلا قَطْعَ، وإنما يُحْبَس حتى يتوب، وبماذا نعرف توبته؟
طالب: بالاستقامة.
الشيخ: إي نعم، بالاستقامة، يعني حقيقة الأمر كونه يمتنع عن السرقة ما هو بدليل على أنه تاب؛ لأنه ما دام محبوسًا ما هو بسارق، لكن يُعْرَف ذلك باستقامة حاله وتَنَدُّمه على ما مضى، فإذا عُلِم أخرجناه، لكن إن عاد نعيد حبسه.
وقال بعض أهل العلم: بل تُقْطَع اليد اليسرى ثم الرِّجل اليمنى كما سبق، يقولون: إذا سرق أربع مرات قطعنا أَرْبَعتَه، هذا أيضًا ورد فيه حديث لكنه ضعيف جدًّا، ولهذا لم يأخذ به الإمام أحمد رحمه الله.
ويقول بعض الناس: إنه سمع قارئًا في المسجد يقرأ، وقال: إنه إذا سرق يُفْعَل به كذا، قال: طيب إذا قطعنا أيديه نعرف وين بيسرق هو؟ لأنك تقطع اليد اليمنى، ثم الرِّجل اليسرى، وبعد ذلك اليد اليسرى، ثم الرِّجل اليمنى، إذا قطعنا اليدين ورجع، قال: ويش لون بيسرق هذا؟ صحيح يعني العامي عنده انتباه سريع، لكن ربما يسرق بغير اليد، عنده رِجل الآن يمكن يسرق برجله، ولَّا لا؟
طالب: لا.
الشيخ: إلَّا يمكن يجره يا أخي، أو كذلك بإبطه، أو إذا كان في كيس يأخذه بأسنانه ويمشي، قد يكون حُلِيّ من الذهب ويأخذه بالأسنان، المهم يعني وقوع هذا أمر لا يمكن التكذيب به أبدًا.
وحكى لي رجل ثقة ولا بأس أن نتكلم فيها أن رجلًا في العراق قَدِمَ أحد الخبراء البريطانيين إلى العراق، وإذا في يده ساعة قبل أن تظهر الساعات هذه، في يده ساعة، فجاء السارق فسرقها، سرق الساعة من يده، فالخبير الحقيقة تَعَجَّب قال: ويش لون تؤخذ ساعتي، من يدي تؤخذ؟ هذا ما يمكن، أعلن عنها في الصحف بأن الذي يأتي بها له كذا وكذا دينار، هو يقول: ما هي هَمَّتْنِي الساعة، لكن يهمني كيف سرقها من يدي.
فلما أعلنوا عنها جاء هذا السارق وقال: أنا الذي سرقتها، قال له: كيف سرقتها؟ قال: مِلَزِّم نعَلِّمك؟ قال: نعم، قال: أعطني القلم أعلِّمك، لما رد إيده يبغي يعطيه القلم ولَّا القلم ما هو موجود، وإذا هو قد سرق القلم، قال: سبحان الله! المهم طَلَّع له هذا القلم وطلع له ها الساعة، وقال: لازم تعلمني، قال: هذا ما أعلمك؛ لأن هذه مهنتنا ما يمكن نعلِّم بها أحدًا، أعوذ بالله.
فالحاصل أن السارق له عدة طرق في السرقات ما يكاد يصدق بها الإنسان.
على كل حال هذه المسألة اللي هي الثاني والثالث والرابع موضع خلاف بين أهل العلم، لكن مذهب الإمام أحمد أقربها إلى الصواب، وهو أنه تُقْطَع اليد اليمنى أولًا، ثم الرِّجل اليسرى، وهذا لولا أنه ورد في المحارِبِينَ لقلنا: إن الواجب أن نقتصر على ما دَلَّ عليه القرآن.
طالب: يقال: ثبتت بالحديث ولا الآية؟
الشيخ: لا، ثبتت في الحديث.
فالأول لِمَن سرق أول مرة، والثانية لمن سرق الثانية بعد قطعه، وقولنا: بعد قطعه، يعني: لو سرق أولًا ثم سرق ثانية، فإننا لا نقول: تُقْطَع يده اليمنى للسرقة الأولى، والرِّجْل اليسرى للسرقة الثانية، بل نقول: الآن اجتمع موجِبان للحد فتداخلَا، كما لو زنى مرتين أو ثلاثًا أو أربعًا فإنه لا يُقَامُ عليه الحد إلا مرة واحدة.
والثالث لمن سرق بعد ذلك على القول الأول، أو لِمَن سرق الثالثة، والثالث ما هو الثالث؟ اللي هو قَطْع اليد اليسرى لمن سرق بعد ذلك على القول الأول، كيف؟ الظاهر أنها عندي غلط.
الأول لمن سرق أول مرة، والثانية لمن سرق ثانية بعد قطعه، والثالث لمن سرق بعد ذلك على القول الأول، ويش القول الأول؟ ما فيه قول أول.
طالب: القول الثاني.
الشيخ: القول الثاني، هذا الصواب، على القول الثاني.
(
…
) في الأوليين، ثم لمن سرق الرابعة بعد قطعه في الثلاث، الثالث وهو الحبس حتى يتوب لمن سرق بعد ذلك على القول الأول، إي نعم، على القول الأول، إذن نُغَيِّره.
أو لمن سرق الثالثة فقط بعد قطعه في الأُولَيَيْن على القول الثاني.
ثم لمن سرق الرابعة بعد قطعه في الثلاث، هنا نُلْحِق (على القول الثاني)، بعد قوله: في الثلاث، اكتبوا: على القول الثاني.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما حاجة.
على القول الثاني، فالأول لمن سرق أول مرة، والثاني لمن سرق ثانية بعد قطعه، والثالث لمن سرق بعد ذلك على القول الأول، أو لمن سرق الثالثة بعد قطعه بالأُولَيَيْنِ.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: بالأوليين اللي هي قطع اليد اليمنى ثم الرِّجْل اليسرى، ثم لمن سرق الرابعة بعد قطعه في الثلاث على القول الثاني، (على القول الثاني) هذه واردة بعد قولنا: أو لمن سرق.
فصار الخلاصة الآن: يختلف القولان في أي شيء؟ في السرقة الثالثة؛ على القول الأول ما فيه قطع، بعد الثانية ما فيه قطع، ما فيه إلا حبس حتى يتوب، وهذا هو المذهب، وعلى القول الثاني: فيه بعد ذلك قطع اليد اليسرى، ثم الرِّجْل اليمنى على هذا القول.
شروط إقامة الحد؛ حد السرقة:
أولًا: أن تكون السرقة من حِرْز، وهو ما جرت العادة بحفظ المال فيه، وهذا أهم الشروط، ولا بد أن نعرف السرقة يا جماعة، وهي أَخْذ المال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه، لا بد أن نرجع إلى حد السرقة، إذن إذا أخذه لا على وجه الاختفاء بأن أخذه قهرًا فليس عليه قطع ولو بلغ ما بلغ من المال، وذلك لأن القهر كما مر يمكن التحرُّز منه والمدافعة، بخلاف مَن أخذه على وجه الاختفاء، لا بد أن يكون مِن حِرْز، والْحِرْز ما جرت العادة بحفظ المال فيه.
وهل هو مُعْتَبَر بالشرع؟ لا، ولهذا قلنا: يختلف بحسب الأموال والبلدان والسلطان؛ لأنه لم يحدده الشرع، وإنما اشْتُرِطَ فيه ذلك، اشْتُرِطَ أن تكون السرقة من حِرْز؛ لأن غير الْمُحْرَز مهمَل، والتفريط من مالكه، والسارق له نوع عذر بأنه يسرق، لذلك لا يقام عليه الحد، حيث إن صاحبه هو الذي فَرَّط.
وقولنا: يختلف بحسب الأموال، معلوم أنه يختلف بحسب الأموال، حِرْز الذهب والنقود أين يكون؟ في الأحواش ظاهرًا؟ لا، ولكنه وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة.
قد يكون مثلًا حِرْز هذا النوع من المال في الأغلاق الوثيقة في الدواليب مثلًا أو الصناديق الحديدية، أو ما أشبه ذلك في وقت، وقد يكون حِرْزُه أن يوضع فوق الرَّفِّ في نفس الحجرة في وقت آخر، ولَّا لا؟ بحسب أي شيء؟ بحسب قوة السلطان، إذا كان السلطان قويًّا يمكن لو تضع الذهب على عتب المخازن ما أحد يُقَلِّب شيئًا، إذا كان ضعيفًا، يعني فقد يكون الإنسان ما يُحْرِز ماله إلا إذا صار يقظًا حتى في الليل، فالمهم أن قوة السلطان لها دور كبير في حِرْز الأموال.
كذلك أيضًا حِرْز المواشي في الصناديق؟ لا، بالطبع ما يمكن تُحْرَز في الصناديق ولا في الْحُجَر اللي يُغْلَق عليها، إنما تكون عادة في الأحواش، وكذلك في الْبَرِّ في المراعي حِرْزُها في الحظيرة ليلًا، وحِرْزُها في النهار في المرعى، بشرط أن يكون الراعي الذي معها يحافظ عليها ويحرسها، أما إذا كان مُهْمِلًا أيضًا مثل هذا الرجل يوجِّه الغنم ولكنه لا يهتم بها، ولا يلاحقها، ولا ينظر إليها، فهذا يعتبر غير حِرْز.
عند النزاع نرجع إلى مَن؟ إلى العرف وأهل الخبرة في هذا الشيء، فإذا قالوا: هذا مُحْرِز لماله، قلنا: إذن هو في حِرْز.
يختلف أيضًا باختلاف البلدان، كيف باختلاف البلدان؟ هل المدن مثل القرى؟ أيهم أَحْرَز؟ الغالب أن المدن أَحْرَز؛ لأن المدن فيها قوة أمن، وفيها كثافة سكان، فهي أَحْرَز، لكن القرى ولا سيما القرى النائية على خطر كثيرًا.
كذلك أيضًا تختلف باختلاف السلطان، والمراد بالسلطان هنا ليست السلطة العليا في الدولة، السلطان ولو في مكان محدود، ولهذا تختلف الآن البلدان أمنًا وخوفًا بحسب الأمير المباشر فيها.
قد يكون مثلًا بعض الأمراء في المناطق قويًّا جدًّا ما تجد يوجد في المنطقة سرقات مثلًا أو اعتداءات، ويكون الأمير في منطقة أخرى ضعيفًا فتكثر السرقات، حتى لو كان السلطان العام قويًّا أو ضعيفًا، وأمثلة هذا موجودة في الواقع، وأن المنطقة تكون آمنة أو خائفة بحسب أميرها، ولو الأمير الخاص.
إذن ما نرجع الآن في الْحِرْز إلى شيء من الشرع؛ لأن الشرع جعله لنا على سبيل الإطلاق، وذلك لأن هذا الأمر يختلف باختلاف الأموال والبلدان والسلطان، فلهذا لم يحدده الشرع.
ثانيًا: أن يكون المسروق مالًا مُحْتَرَمًا من مالكه أو مَن يقوم مقامه، أن يكون المسروق مالًا مُحْتَرَمًا، وما هو المال الْمُحْتَرَم؟ هو المال الحلال، أما المال الحرام فليس بمحترَم، لو سرق الإنسان ما ليس بمال فإنه لا تُقْطَع يده، سرق طفلًا حُرًّا فإن يده لا تُقْطَع؛ لأن هذا الطفل الْحُرّ ليس بمال، ولو سرق طفلًا رقيقًا قُطِعَت يده؛ لأن الطفل الرقيق مال.
وهنا قد يتساءل بعض الناس يقول: هل الْحُرّ أكمل وأفضل أو الرقيق؟
طلبة: الحر.
الشيخ: الحر أكمل وأفضل، لماذا تقطعون بسرقة الرقيق ولا تقطعون بسرقة الْحُرّ؟
طالب: لأنه ليس مالًا.
الشيخ: نعم؛ لأن الْحُرَّ ليس بمال، بخلاف الرقيق، فإن الرقيق مال فأُجْرِيَ مجرى الأموال فقُطِعَ به، أما الْحُرّ فإننا نُنَزِّهُه أن نُلْحِقَه بالبهيمة وبالمتاع، فلهذا لا يجب قطعه، ولكن قد يجب ما هو أعظم من القطع؛ لأن مثل هذا الأمر ليس فيه حد شرعي فيكون فيه التعزير، والتعزير راجع إلى اجتهاد الإمام، فقد يرى الإمام مثلًا أن هذا الرجل يُقْتَل، هذا المختطِف، وقد يرى أن يُؤَدَّب بالحبس الدائم.
المهم على كل حال هذه مسألة التعزير ترجع إلى اجتهاد الإمام ورأيه، إذا رأى ما يحفظ أَمْن الناس ولو بقتل هؤلاء المفسدين فإنه لا بأس به.
(مالًا مُحْتَرَمًا)، (محترمًا) احترازًا مما ليس بمحترَم، ويش مثل؟
طالب: الخمر.
الشيخ: الخمر ليس بمال، لكن قالوا: مثل أواني الذهب وأواني الفضة، هذه مال؛ لأن الذهب والفضة مال لكنه ليس بمحترَم، ولذلك لا ضمان على مَن كسره وأفسده، لكن مَن أتلفه عليه الضمان، يضمنه على أنه ذهب وفضة، لا على أنه إناء من ذهبٍ أو فضة، فهنا الإناء ليس بمحترَم؛ لأنه يجب إزالته، كذلك أيضًا لو فرضنا إنسانًا صنع له شيئًا من الحديد على شكل صليب مثلًا، الحديد مال ولَّا غير مال؟
طالب: مال.
الشيخ: لكن الصليب غير محترَم، فلو سرقه سارقه سارِق قلنا: إن يده لا تُقْطَع؛ لأنه غير محترَم.
إذن لا قَطْع فيه، ما رأيكم بالخمر؟ قلنا: إنه ليس بمال أصلًا؛ لأنه لا يُمْلَك ولا يُبَاع ولا يُوهَب ولا يُورَث فليس بمال.
ما رأيكم بالآلات التي تُسْتَعْمَل للمُحَرَّم، مثل آلة الشيشة؟ آلة الشيشة الآن هي جوهر، بمعنى أنها ذات قيمة في حد ذاتها، لكنها مُحْتَرَمة ولا غير مُحْتَرَمة؟ غير محترمة.
سرقتها جائزة ولَّا غير جائزة؟
طالب: جائزة.
طالب آخر: اللي بيكسر جائز
الشيخ: اللي بيكسر جائز، واللي بيشرب بها؟ ! طبعًا ما تجوز
طالب: (
…
).
الشيخ: المهم .. هذه وردت علينا سؤالًا، قال: سؤال: سرقة هذه الأشياء تجوز ولا ما تجوز؟
نقول: إذا سرقها ليكسرها فهو جائز؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» (7) وقد يكون من غير الممكن أن يغيره بيده أمام صاحبه، لكن يتحيَّن الفرصة فيأخذه ويكسره في بيته، أما الدخان وغيره فهذا ليس بمال، ومع الأسف أن الناس الآن يتبايعونه ويعتقدون أنه مال، يقول: بِعْ عَلَيَّ هذا واشتره، وأظنه يباع ويشترى الآن كراتين ويُوَرَّد.
طالب: ولهم محالّ.
الشيخ: إي لهم في كل مَحَلّ مَحَلّ، الله يهدينا وإياهم.
هذا ليس بمال، لو جاء إنسان وأتلفه عن آخره فإنه ليس بمال، وكانوا قبل سنوات يحرقونه على أبواب المساجد، ولكن ..
تَكَاثَرَتِ الظِّبَاءُ عَلَى خِرَاشٍ
فَمَا يَدْرِي خِرَاشٌ مَا يَصِيدُ
كثرت البلاوي وضعفت القوى أمامها، فلهذا انتشر هذا الأمر على الرغم من أنه مكتوب يقولون: في كل علبة من العلب موصوف بأنه مُضِرّ.
والأمس واحد وَرَّاني في أحد الجرائد يقول: إنها جريدة الرياض، أنا ما شوفتها، لكن يقول: جريدة الرياض، كاتبين صورة الشيشة لكنه يقول: إنها على الكهرباء، وواحد آخذ برقبتها يَمْتَصُّها في نفس الصحيفة، مع العلم بأنه ممنوع، حسب ما نسمع أنه ممنوع أن تُنْشَر الدعاية لهذا الشيء، لكنه يقول: هذه جريدة الرياض، أنا ما شوفتها، هو يقول: هذه جريدة الرياض، وأنها موجودة أيضًا في الجزيرة، فتأمل هذه التناقضات، كيف يُكْتَب أنه ضار ثم يُعْلَن عنه في الصحف لأجل يشجع الناس عليها.
طالب: (
…
).
الشيخ: إذا كان مالًا غير محترَم فإنه لا يجب فيه القطع، لكن هنا إذا كان مالًا غير محترَم، هل يجوز للإنسان أن يسرقه ليكسره؟ نقول: نعم، لكن المشكلة الآن بتيجي كيف يرده إلى صاحبه، إذا كان مالًا غير محترَم كيف يرده؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: نعم، يمكن يرده مكسرًا، آنية من الذهب، الذهب ينفع لو كان مكسَّرًا، فإذا أمكن أنه يعمل هذا العمل ويرده إلى صاحبه بغير أن يحصل فتنة فلا بأس، أما إذا كان ما يمكن إلا بحصول فتنة فهذا لا يجوز؛ لأن هنا الفتن أعظم مفسدة من المفاسد الخاصة؛ إذ إن الفتن مهما كانت فإن الشرع يحاربها محاربةً تامة، وكثير من المسائل التي حُرِّمَت في البيع كلها ترجع إلى خوف انتشار العداوة والبغضاء بين المسلمين.
طالب: (
…
) للسارق أو للمسروق منه؟
الشيخ: للسارق؟
الطالب: لنفس السارق أو المسروق منه (
…
)؟
الشيخ: إي نعم، الاعتبار ما هو باعتقاد السارق، الاعتبار بالواقع، فإذا جاء من بلاد كما ذكرت ليس فيها أمن، وظن أن هذه البلاد مثل بلاده فإنه لا عبرة بظنه؛ لأنه يعرف، كلنا يعرف أن السرقة محرَّمة، ما له عذر فيها أبدًا، كما لو قَدِمَ، الآن مع الأسف الشديد أن كثيرًا من بلاد المسلمين ما تطبق قطع اليد في السرقة، أليس كذلك؟
طلبة: بلى.
الشيخ: لو قَدِمَ من بلد ما يقطعون اليد بالسرقة وظن أنه في هذا البلد اللي سرق منه ما تُقْطَع اليد، هل يكون هذا مانعًا من تنفيذ الحد؟ ما يكون مانعًا.
يقول: كيف يجوز أن نحرس هذه البنوك بالجنود؟ ما رأيكم في هذا؟ أنا رأيي أنه يجب أن تُحْرَس.
طالب: عامة.
الشيخ: لا، ما هي عامة؛ لأنه كيف نحفظ أموال الناس إلا بهذا، ما دام الأمر هذا واقعًا.
طالب: (
…
)، كيف نحرس مالًا نحاربه؟
الشيخ: لا، ما حاربناه، ما حرسناه حال حربه، حرسنا مال فلان ومال فلان.
الطالب: أقول يا شيخ: ما هو البنك (
…
).
الشيخ: إحنا في الحقيقة دخلنا في موضوع آخر، حقيقة الأمر ما لهم فيها شيء، ما لهم غير الحقيقة، ولهذا يقولون: إنه حتى المحلات اللي إحنا نظن أنها ليس فيها شيء، يقولون: هي فيها شيء، لكنها بعض الشر أهون من بعض، يقولون: إن بعض المحلات فيها شيء، حتى اللي يسمونه دار المال الإسلامي يقول: تودع أموالك في البنوك في سويسرا وغيرها ويصير فيها ربا، فمعنى ذلك إن ما إحنا بسالمين من هذا الشيء.
ثم إنها ما دام الأمر بالنسبة للبنوك أنا كنت أقول: إنه ما يجوز وضع الأموال فيها أبدًا، لكن تبيَّن لنا أن لها طرقًا أخرى غير الربا، وكانت أَشْكَلَت عَلَيَّ المسألة وبحثتُ بعد في كتاب الشيخ الحميد في هذا الموضوع؛ لأني سمعت أنه أفتى بجواز إدخال الأموال فيها، وكنت أرى تحريمها، وكتبت له في الموضوع، وجاءنا كتاب منه، وقال: إن أموالها ليست خالصة للربا فقط، غير مُتَمَحِّضَة في الربا، لها مصادر أخرى غير الربا، وعلى هذا تكون من الأشياء الْمُشْتَبِهَة، والشيء المشتبه ما يحرُم على الإنسان أنه يضع ماله فيه.
إحنا نقول: هذا صحيح أنه بعدما كتبنا هذا تَبَيَّن لنا الأمر فيه، ثم إن الحاجة الآن ماسَّة إلى هذا، الآن حسب كلام الناس -وهو الظاهر والله أعلم- أن الإنسان لو أبقى ماله في بيته لكان عليه خطر، خصوصًا مع ضعف الأمن بعض الشيء فإنه يحصل في هذا خطر عليه، هو يقول: أنا مضطر إلى أن أُودِعَ البنكَ هذا، ومع أننا لا نوافق على تسميته إيداعًا، السبب؟ لأن الوديعة ما يتصرف فيها المودِع، والدراهم اللي توضَع في البنك يتصرف فيها، إذن فهو قرض.
(
…
) غمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، والمراد باليد هنا إلى الكفّ، فلا تشمل الذراع وغيرها.
(
…
) مالًا محترمًا، فقلنا: إنه يخرج بالمال ما ليس بمال، وبالمحترَم ما ليس بمحترَم.
من مالكه أو مَن يقوم مقامه، يعني: لا بد أن يكون الأخذ من المالك أو ممن يقوم مقام المالك، والذي يقوم مقام المالك كما مر علينا في البيع أربعة، وهم: الولي والوكيل والوصي والناظر، فلا بد أن يأخذه من مالكه أو مَن يقوم مقامه، فإن أخذه من غاصبه فإنه لا يُقْطَع؛ لأنه في هذه الحال ليس بِيَد مَن هو محترَم في حقه.
لو أخذه من مستأجِر يُقْطَع ولَّا لا؟
يُقْطَع؛ لأن المستأجر قائم مقام المالك، فإن المال بيده بإذن مالكه، ثم إن المستأجِر أيضًا مالك للمنفعة، وكذلك لو أخذه من مستعير، والمستعير مالك لأيش؟
طالب: للمنفعة.
الشيخ: للمنفعة؟ لا، المستعير، واحد أعارني مثلًا شيئًا أنتفع به، المستعير ويش يكون؟ هو مالك للمنفعة ولَّا لا؟
طالب: مالك للمنفعة.
الشيخ: لا، ليس مالكًا للمنفعة، لكنه مالك للانتفاع، وقد مَرَّ علينا في نفس الموضوع هذا، وقلنا لكم: فرق بين مالك المنفعة ومالك الانتفاع؛ فمالك الانتفاع ينتفع ولا يتصرف في المنفعة، فالمستعير لا يُعِيرُ مثلًا ولا يؤجر العين المستعارة، ولكنه ينتفع بها بالمعروف.
المستأجر مالك للمنفعة، ولهذا له أن يُعِيرَ، وله أن يؤجر، هذا الفرق.
الشرط الثالث أن يبلغ وقتَ إخراجه من الحرز نصابًا، (أن يبلغ) الضمير يعود على المسروق، أن يبلغ المسروق نصابًا وقت إخراجه من الحِرز، لا وهو في الحرز، بل وقت إخراجه من الحِرْز، لا وهو فيه، ولا ما بعده، الْمُعْتَبَر وقت الإخراج، فلو كان في الْحِرْز يبلغ نصابًا، لكن أخرجه وهو لا يبلغ ولو بالتحيُّل فإنه لا قطع عليه.
مثل هذا الثوب، تبلغ قيمته نصابًا وهو في حرزه، فشقه السارق، ثم خرج به ثم خاطه، وقت إخراجه من الْحِرْز وهو لا يساوي نصابًا، يقولون: إنه لا يُقْطَع به؛ لأنه أتلفه في حِرْز مالكه، أو نَقَصَه في حرز مالكه، فكان النقص حينئذ على المالك، فلا يُقْطَع؛ لأنه لا يبلغ نصابًا.
كذلك لو كان فيه شاة تساوي قيمتها نصابًا، فذبحها وأخرجها، ونقصت عن النصاب وقت الذبح، فإنه ليس عليه قطع؛ لأنه وقت إخراجه لم يبلغ النصاب، وقد حصل التلف في حِرْز مالكه، ولهذا لو فرضنا أنه أتلف هذا الشيء إتلافًا بأن أحرق الثوب في مكانه، يُعْتَبَر سارقًا ولَّا غير سارق؟ غير سارق.
فهم يقولون الآن: هذا الفرق الذي حصل، أتلفه في مكان مالكه، فصار عليه ضمان، ثم خرج بالثوب ناقصًا فليس عليه قطع.
ولا شك أن هذا احتراز بالغ في عدم إقامة الحدود، أو في الحقيقة دَرْء الحدود بالشبهات، وإلا فكيف يتصور إنسان ماهر في السرقة يقول: أخشى أن أخرج به وهو يبلغ النصاب، أنا أريد الآن أن أشق الثوب حتى لا يبلغ النصاب وأخرج به، لا شك أن هذا حيلة، إلا أن الفقهاء يقولون رحمهم الله: لأنه وقت إتلافه الذي حصل به النقص كان في حِرْز المالك، فكما أنه لو أتلف المال في نفس الْحِرْز لم يُعَدّ سارقًا ولم يجب عليه، فهذا مثله.
ما هو النصاب؟
النصاب في كل موضع بحسبه، هنا ثلاثة دراهم.
طالب: هو أتلف (
…
) مرتين، كل مرة يأخذ جزءًا؟
الشيخ: ما أدري، إذا قسم ما أدري، تحتاج إلى تأمل في الموضوع أو مراجعة؛ لأنه في الحقيقة كل سرقة مستقلة عن الأخرى هذه، لكن المسروق شيء واحد، فهل نعتبر الفصل هنا مُمَيِّزًا لكل سرقة عن الأخرى، أو نقول: إن هذا المسروق واحد والسارق واحد فتُضَمّ كل واحدة للأخرى، ظاهر كلامهم أن كل سرقة معتَبَرَة بنفسها.
وهذا إذا لم يكن حيلة لا شك فيه، يعني لو أن أحدًا جاء وأخذ من هذا المال قليلًا وليس من نيته أن يأخذ باقيه، فهذا لا شك أنه ما نضم هذه إلى هذه، أما إذا كان حيلة فهذه محل النظر، إذا كان حيلة؛ لأنه أخذ بعض المال ومِن نِيَّتِه أن يأخذ باقيه.
قد يكون أيضًا عجزًا ليس حيلة، قد يكون عجزًا عن حمله مثلًا، فحمل بعضه الآن وهو في نيته أن يرجع ويسرق باقيه، وهي تحتاج إلى نظر، لكن الأقرب عندي الآن أنه إذا كان من عزيمته ونيته أن يرجع ليسرق باقيه فهو كما لو سرقه مرة واحدة، أما إذا كان ليس من نيته ذلك، ولكنه بعد أن أخذ رجع وسرق ثانية بقية المال فإنه ليس عليه قطع.
طالب: إذا بلغ النصاب (
…
)؟
الشيخ: إي، لا ما يُضَمّ كل واحدة للأخرى، لو سرق من هذا نصف نصاب، ومن الآخر نصف نصاب ما يعتبر شيئًا.
طالب: (
…
).
الشيخ: النصاب ثلاثة دراهم، أو رُبُع دينار، أو ما يساوي أحدَهما، أما رُبُع دينار فقد ثبت به الحديث صريحًا؛ حديث عائشة وابن عمر وغيرهما، أنه لا تُقْطَع إلَّا في رُبُع دينار فصاعدًا، والدينار زِنَتُه مثقال من الذهب، ويساوي تقريبًا نصف جنيه سعودي، فعلى هذا يكون رُبُع الدينار ثُمُن جنيه سعودي تقريبًا، فما نقص عن ذلك فليس فيه قطع، وأما ثلاثة الدراهم فهل هي أصل أو تقويم؟ المذهب أنها أصل، وعلى هذا فإذا سرق ما يساوي ثلاثة دراهم فقد سرق نصابًا، ثلاثة دراهم كم تقدِّرُونها؟
طالب: سعودي؟
الشيخ: سعودي.
طالب: خمسين ريالًا.
الشيخ: خمسين ريالًا؟ ويش لون؟ مئتا درهم ستة وخمسون ريالًا، يزيد قليلًا.
طلبة: (
…
).
الشيخ: قلنا الآن: ست وخمسون نسبتها إلى المئتين، كم نسبة ست وخمسين إلى مئتين؟
طالب: (
…
).
الشيخ: هي أكثر من الرُّبُع بست من الخمسين، ريال إلا رُبُع زِيدُوا ستة بالخمسين، سبعة عشر قرشًا هذا نصاب السرقة، يعني لو سرق ما يساوي سبعة عشر قرشًا قُطِعَت يده، بناء على أن ثلاثة الدراهم أصل، وهو المذهب.
أما مَن قال: إن الأصل ربع الدينار، وأنه ثلاثة الدراهم، لأن الدينار في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم صَرْفُه اثنا عشر درهمًا، ولهذا عندكم في الديات مَرَّ علينا ألف مثقال ذهب أو اثنا عشر ألف درهم فضة، فكان صرف الدراهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الدينار باثني عشر درهمًا، وهذا هو الذي جعل بعض الرواة يذكرون ثلاثة الدراهم، وإلا فالأصل الدينار، وهذا في الحقيقة أحوط أن نجعل الأصل هو الدينار؛ لأنه أَنْفَى للشبهة.
هنا توقف الشيخ رحمه الله عن شرح متن الزاد إلى الشرح من مذكرة أخرى.
وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أن الأصل هو الدنانير، اللي هو ربع الدينار، فيُعْتَبَر بالدنانير لا بالدراهم.
نأتي إلى ربع الدينار، عشرون دينارًا أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع، يعني أحد عشر ونصفًا تقريبًا، فيكون ربع الدينار ثُمُن جنيه سعودي ويزيد قليلًا، ثُمُن الجنيه أظنه، الآن كم يساوي الجنيه؟
طالب: أربع مئة.
الشيخ: أربع مئة يساوي؟ لا، ما أظن يساوي أربع مئة، الظاهر نقص.
طالب: ثلاث مئة.
الشيخ: نخليه إلى ثلاث مئة، ثلاث مئة، مئة وخمسين، خمسة وسبعين، سبعة وثلاثين ونصف تقريبًا، ما يساوي سبعة وثلاثين ونصف ريال تقريبًا يُقْطَع به السارق وجوبًا، يعني ما يساوي سبعًا وثلاثين ريالًا يُقْطَعُ به السارق، ولَّا لا؟ لأن إحنا قلنا: إن ربع الدينار يساوي ثُمُن جنيه سعودي تقريبًا، والمسألة تقريبية، اللي منكم جيد في الحساب إن شاء الله يحرِّر لنا.
فإذا كان يساوي ثُمُن الجنيه، وقلنا: إن الجنيه ثلاث مئة، يكون رُبُع الثلاث مئة خمسًا وسبعين، ثُمُنُها سبع وثلاثون ونصف.
على كل حال إذا سرق هذا فإنه يُقْطَع وجوبًا، ولا يجوز أن يتهاون ولاة الأمور في هذا الأمر؛ لأن تأخير إقامة الحدود أو التهاون بها أو المماطلة هذا خلاف الشرع، النبي عليه الصلاة والسلام لما ذُكِرَ له قصة العَسِيب قال:«اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» (1)، ولا تُطَوَّل المسألة بتحقيقات وتطويل حتى إنك تموت، وعلى الأقل يموت حماس الناس لها؛ إذ إن هذا لا شك أنه خلاف الشرع، وأنه لا يجوز المماطلة، بل متى ثبت الْجُرْم وجب تنفيذ العقوبة فورًا.
طالب: شيخ، بالنسبة للحديث الذي يقول:«لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ؛ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» (2).
الشيخ: إي نعم، أما حديث:«لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ؛ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» ، فقد استدل به مَن لا يرى اشتراط النصاب للسرقة، وهم الظاهرية، قالوا: مجرد السرقة يُقْطَع به الإنسان، ولكنه ما دام عندنا حديث صحيح صريح في الموضوع:«لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» (3)، فإنه لا يمكن أن نقول بالإطلاق؛ لأن السُّنَّة تُقَيِّد القرآن.
وأما قوله: «لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ؛ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» ، فبعض العلماء يحمل الحديث على أن المراد بالبيضة بيضة السلاح التي يضعها الإنسان على رأسه، قالوا: وهذه تساوي رُبُع دينار، أو ثلاثة دراهم، وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم في مِجَنٍّ قيمته ثلاثة دراهم (4).
والمراد بالحبل الحبل ذو القيمة الذي يبلغ رُبُع دينار، أو ثلاثة دراهم إذا قلنا بأنها أصل، قالوا: مثل حبال السفن التي تُرْبَط بها، فإنها حبال غليظة طويلة وغالية، هذا وجه.
أو أن المراد يسرق البيضة فيتذرَّع بها إلى سرقة ما تُقْطَع به يده، وكذلك يسرق الحبل فيتذرَّع به إلى سرقة ما تُقْطَع به اليد، بمعنى أنه يتدرج من سرقة الأقل إلى سرقة الأكثر، ويتعين أن يُحْمَل الحديث على أحد هذين الوجهين، أو على وجه ثالث إن عُلِمَ التاريخ بأن يكون هذا الحديث المطلَق قبل تقييد المسألة بالنصاب، لا بد أن يُحْمَل الحديث على هذا؛ لأننا لو لم نحمله على ذلك لزم التعارض، والشرع ليس فيه تعارض.
قوله: (أو ما يساوي أحدهما) على الرأي الذي رَجَّحنا بأن المعتَبَر الدنانير، (أو ما يساوي أحدهما) إذا اعتبرنا أن كليهما نصاب، أما إذا اعتبرنا بأن النصاب رُبُع الدينار فنقول: أو ما يساوي ربع دينار.
الرابع: أن تنتفي الشبهة بألَّا يكون للسارق شبهة في سرقته، فإن كان له شبهة في السرقة فإنه لا قَطْعَ عليه؛ لأنه يسرق متأوِّلًا، كيف متأوِّل؟ بأن له الحق في أن يأخذ من هذا المال، وحينئذ يُعْطَى حكم المتأوِّل، والمتأوِّل ليس عليه ضمان وليس عليه قطع، يعني ليس عليه إقامة حد، وقد قَتَلَ أسامة رضي الله عنه رجلًا شهد أن لا إله إلا الله، لكنه قتله متأوِّلًا، حيث قال للرسول صلى الله عليه وسلم: إنما قالها تعوُّذًا (5).
فانتفاء الشبهة لا بد منه خوفًا من أن يكون السارق متأوِّلًا جواز السَّرَق، وله صور، يعني الذي فيه شبهة له صور، منها إذا سرق الأب من مال ولده، أو لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: ويش الشبهة؟ أن له أن يتملك من مال ولده، بالعكس إذا سرق الولد من مال أبيه؟
طالب: شبهة.
الشيخ: ويش الشبهة؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: إي، له حق النفقة، إذا كانت تجب نفقته على أبيه فهي شبهة بلا شك؛ لأنه يحتمل أن أباه مُقَصِّر فسرق، مع أن الصحيح أنه إذا كان ذلك بسبب تقصير مَن يلزمه النفقة فإنه ليس فيه تحريم أصلًا، وليست بسرقة، قال النبي عليه الصلاة والسلام لهند بنت عتبة:«خُذِي مِنْ مَالِهِ -يعني مال زوجها- مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي وَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» (6).
سرق من مال أمه، ما تقولون؛ يُقْطَع ولَّا لا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، المذهب ما يُقْطَع، المذهب لا يُقْطَع أصلٌ بفرع، ولا فرع بأصل، والغريب أنهم بنوا هذا الأمر، قالوا: لأن شهادة أحدهما للآخر لا تُقْبَل، وهذا لا شك أنه بناء ضعيف على ضعيف، فهو بناء ضعيف؛ لأنه لا مقارنة، أو لا صلة بين السرقة وبين الشهادة، وهو أيضًا مبني على ضعيف؛ فإن الصحيح في الشهادة أنه لا يمتنع قبول شهادة الرجل لابنه أو بالعكس إذا كانت العدالة قوية؛ لأن العلة ما هو الأصل والفرع، العلة التهمة.
فالحاصل أن نقول: الضابط في الشبهة فيما نرى أنه إذا سرق مما له في ماله حق، من شيء له فيه حق، فإنها شبهة، وإذا لم يكن له في ماله حق فليس بشبهة، ولا عبرة بالأصل ولا بالفرع، ولا بالأخوة ولا بالعمومة، العبرة هل هذا السارق له حق في هذا المال أَوْجَبَ له أن يتجرأ فيأخذ منه أو ليس له حق، على هذا إذا سرق إنسان فقير من بيت المال يُقْطَع ولَّا ما يُقْطَع؟
طلبة: ما يقطع.
الشيخ: السبب؟
طلبة: له حق.
الشيخ: لأن له فيه حقًّا، فبيت المال لعموم المسلمين، فالفقير له فيه حق، فيحتمل أن هذا الرجل سرق لأنه يقول: هذا حقي، أنا لي في هذا حق، وهو القيام بالكفاية، فلا يُقْطَع.
لو أنه اضطُرَّ إلى طعام، وصاحب الطعام أَبَى أن يعطيه، فلما رآه مُعْرِضًا سرق منه، يُقْطَع ولَّا لا؟ ما يُقْطَع؛ لأن له في ماله حقًّا، إذ يجب على الإنسان إذا رأى مضطرًّا أن يدفع ضرورته بما استطاع.
إذن ما هي الشبهة على هذا، تعريفها؟ أن يكون له حق في المال الذي سرق، هذه الشبهة، فمتى كان له حق، ولهذا لم يقطع أمير المؤمنين عمر في زمن المجاعة العامة، ليش؟ لأن الأغنياء في هذه الحال يجب عليهم دفع ضرورة الجائعين وجوبًا، ولما سُئِلَ الإمام أحمد، فقيل له: تذهب إلى هذا؟ قال: إي لعمري، يعني: إلى أنه لا قَطْع في زمن المجاعة العامة والحاجة العامة.
أما الجوع الخاص فلا، لو واحد جوعان مرة ولا لقي طعامًا، وراح وسرق من مال إنسان فإنه يُقْطَع؛ لأنها ضرورة خاصة، ولو أن كل إنسان سرق وقال: أنا والله جوعان وأبغي أنقذ أنفسي، كان يبقى القطع متعذِّرًا في الغالب، لكن نعم لو جاء وطلب من هذا الرجل بعينه أن يعطيه من ماله وينقذه من ضرورته فلم يفعل فإنه في هذه الحال إذا سرق شبهة؛ لأنه تعين على هذا الرجل أن يعطيه.
طالب: إذا كان متأوِّلًا، ما (
…
).
الشيخ: ويش لون؟ لا، على وجه خفي إذا كان جهرًا، الخفاء ضده الجهر، يعني أخذه من صاحبه وهو يراه، هذا الجهر.
طالب: السرقة (
…
).
الشيخ: لو سرقت من مال ابنها تُقْطَع إذا لم يكن يجب عليه الإنفاق، مع العلم بأن هذه إن شاء الله ما هي بواقعة؛ لأن من شرط ذلك المطالبة، ومعلوم أن الإنسان ما هو مطالب أن أمه تُقْطَع يدها، أبدًا مهما كان العقوق ما يمكن يفعل هذا الشيء.
الشرط الرابع: أن تنتفي الشبهة، ما ضابط الشبهة؟ أن يكون للسارق حق في المال المسروق منه، فإذا كان له حق من المال المسروق منه فإن هذا الحق يوجِب أن يكون هذا السارق متأوِّلًا فلا يقام عليه الحد.
(
…
) السرقة بطريق شرعي، وثبوت السرقة يكون بواحد من أمرين؛ الأمر الأول: البَيِّنَة، وهي رجلان اثنان، وهنا لا مدخل للنساء في باب الحدود على المشهور من المذهب، يعني أنه لو ثبتت السرقة برجل وامرأتين فإنه لا يقام الحد، ولكن يثبُت المال لوجود نصابه؛ لأن المال يثبت بشهادة الرجل والمرأتين، ولا يثبت الحد؛ لعدم وجود نصابه.
إذن فالطريق الذي تثبت به السرقة له وجهتان أو نوعان؛ النوع الأول: أن يثبت بالشهادة، بالبينة، وذلك بشهادة رجلين يشهدان بالسرقة، ويتفقان في وصفها وزمانها ومكانها.
فإن أتى بشاهد واحد وامرأتين فإن الحد لا يثبت، ولا تُقْطَع اليد، ولكن المال يثبت؛ لأن نصابه موجود، كذلك لو أتى المسروق منه بشاهد وحلف معه فإن الحد لا يثبت، يعني ما تُقْطَع يده، وأما المال فإنه يغرمه؛ لوجود النصاب.
ومن هذا نأخذ أن الأحكام تتبعَّض، فيوجَد مثلًا حكمان في قضية معينة، يثبت أحدهما ولا يثبت الآخر، ففي السرقة -كما تعرفون- يثبت أمران؛ أحدهما القطع، وهو حد لله سبحانه وتعالى، والثاني ضمان المال، وهو حق للآدمي، فالقطع لا يثبت إلا بشاهدين، والمال يثبت بشهادين، وشاهد وامرأتين، وشاهد ويمين المدَّعِي، فإذا وُجِدَت أسباب ثبوته، أي ثبوت المال، وجب الحكم بثبوته.
الأمر الثاني أو الطريق الثاني من طريق الثبوت: أن يُقِرّ السارق بالسرقة، وهل يُشْتَرَط أن يقر مرتين؟ أو يُكْتَفَى بإقرار مرة واحدة؟ المذهب: لا بد من مرتين، لا بد أن يكون مرتين، فإن أَقَرَّ مرة واحدة لم يثبت القطع، ولكن يثبت المال، إذا أقَرَّ مرة واحدة ثبت المال، ولكنه لا يثبت القطع، وذلك لأن القطع عندهم لا يثبت إلا بشاهدين.
ولكن القول الراجح ما عليه جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبو حنيفة، يقولون: إنها تثبت -أي السرقة- حَدًّا وضمانًا بإقرارٍ مرةً، وهذا هو الأصح.
وقد سبق لنا الخلاف في ثبوت الزنا بالإقرار؛ هل يُشْتَرَط فيه التكرار أو لا يُشْتَرَط، وهذا أضعف من الزنا، يعني ثبوته هنا -أي ثبوت السرقة- أضعف، يعني طريق ثبوتها أضعف من طريق ثبوت الزنا.
بقي طريق ثالث لثبوت السرقة اختلف فيه أهل العلم، وهو وجود المال المسروق بيد السارق، مثل أن يَدَّعِي أن فلانًا سرق ماله ويُنْكِر، ثم يوجَد المال عنده، فهل يُحْكَم بالسرقة لوجود المال عند السارق أو لا؟
يرى بعض العلماء أنه يثبت حكم السرقة ما لم يَدَّعِ شبهة، إن ادَّعَى شبهة بأن قال: أنا اشتريته ولا أدري ممن، أو أخذته وأظن أنه مالي، أو ما أشبه ذلك، فهنا ينتفي عنه القطع، وأما إذا لم يَدَّعِ شبهة فإنه يُقْطَع. وإلى هذا ذهب بعض السلف، قالوا: وهو شبيه بوجود الرائحة من شارب الخمر في فمه، أو بتقيُّئِه الخمر.
والصحيح أنه إذا تقيأ الخمر فإنه يُحَدَّ؛ لأنه ما يتقيؤها إلا بعد شربها، وهذا الذي وُجِد عنده المال من أين أتاه المال ما دام أنه ما يدعي أنه اشتراه، ولا أنه غلط فيه، ولا أنه وُهِبَ له، وقد أقر بأن هذا مال فلان، فهو يقول: إنه سرقه، صاحب المال يدعي أنه سرقه.
وعلى كل حال فينبغي في هذا الطريق الثالث أن يُرْجَعَ فيه إلى رأي الحاكم، فقد يرى أن هذا الشخص الذي ادُّعِيَ عليه بهذا المال وأنه سارقه قد يرى فيه أنه محل لذلك، وحينئذ يحكم، وقد يرى أنه ليس أهلًا لذلك، وأنه أتاه عن طريق شبهة فلا يحكم، فالذي يظهر أنه يُرْجَع في ذلك إلى اجهتاد الحاكم في هذه المسألة.
(
…
) لا يثبت القطع.
طالب: (
…
).
الشيخ: السبب في ذلك لأنهم يقولون: إن الحدود تُدْرَأ بالشبهات، وأما الأموال فإنه إذا ثبت أن هذا مال فلان بالطريق الشرعي وجب الحكم به (
…
).
طالب: (
…
).
الشيخ: الطريق الثاني يعني الإقرار؟
الطالب: لا، اللي (
…
).
الشيخ: اللي هو الطريق الثالث.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: زين، على هذا القول الذين يرون أن وجود المال عند السارق يُعْتَبَر بينة يرون أن ما ذكرت يكون بينة.
الطالب: (
…
).
الشيخ: إي، يرونه بينة من باب أولى.
فيه أيضًا نظير لهذا؛ مسألة الحمل اللي مرت علينا، حمل المرأة يثبت به الزنا؛ لأنها ما حملت إلا من وطءٍ، فإذا لم تَدَّعِ شبهة في هذا الوطء فإنها تُحَدّ، فصار هذا الطريق الثالث له شواهد، منها: الحمل تُحَدُّ به المرأة حد الزنا إذا لم تَدَّعِ شبهة، ومنها مَن تقيَّأ الخمر فإنه يعاقَب عقوبة الشارب، ويضاف إلى هذا إذا وُجِدَ المال المسروق عند السارق.
طالب: (
…
).
الشيخ: هكذا يفرِّقون، وهذا التفريق واضح.
طالب: ما ذكرنا يا شيخ أن يطالب المسروق السارق.
الشيخ: إي نعم، ما ذكرناه لأننا ما نرى أنه شرط.
طالب: (
…
).
الشيخ: قوله تعالى في شهادة الزنا. (
…
)