الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعصية فيها خلاف، والصحيح أنه يُكَفِّر؛ للحديث الذي أشرت إليه وإن كان فيه نظر.
طالب: (
…
).
الشيخ: يُكَفِّر كفارة يمين (
…
) حتى الآن ما راجعته، لكن هو فيه نظر في صحته، وهو أحوط.
(كتاب القضاء)
ثم قال: (كِتَابُ القَضَاءِ)، كتاب القضاء مهم بالنسبة لكم؛ لأننا نرجو أن تكونوا قضاةً.
طالب: إن شاء الله.
الشيخ: نسأل الله تعالى؛ لأنكم -والحمد لله- عندكم من العلم ما ليس عند غيركم، وعندكم إن شاء الله من الدين -وحسبكم الله- ما ليس عند غيركم، فإننا نرجو إن شاء الله يسمحون لكم بدخول سلك القضاء لعل الله ينفع بكم.
[مدخل]
(كتاب القضاء)، القضاء في اللغة يُطْلَق على عدة معاني، منها: الفراغ من الشيء، ومنه قوله تعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12]، ومنها: الحكم بالشيء، ومنه قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، أي: حَكَمَ، ومنه أيضًا وفاء الدَّيْن، وهذا مثل قولهم: قضى الرجل دَيْنَه.
فيُطْلَق على عدة معاني، لكنها في الحقيقة كلها ترجع إلى معنى يدور حول الحكم بالشيء؛ لأن قضاء الدَّيْن حُكْمٌ بالبراءة، والفراغ من الشيء حُكْم بالانتهاء، والأمر بالشيء حكم بفعله.
ولهذا نقول: إن تعريفه في اللغة له عدة معانٍ كما أشرنا إلى بعضها، أما في الشرع فإن تعريف القضاء: هو بيان الحكم الشرعي والإلزام به.
وبعضهم يزيد في هذا فيقول: وفصل الحكومات، فقولنا: بيان الحكم الشرعي، خرج به بيان أي شيء من غير الأحكام الشرعية، مثل لو بَيَّن طريقة حسابية أو شيئًا آخر فإنه لا يُعْتَبَر قضاءً.
وقولنا: والإلزام به، خرج به الْمُفْتِي، فإن الْمُفْتِي يُبَيِّن الحكم الشرعي، ولكنه لا يُلْزِم به بخلاف القاضي، القاضي يبينه ويقول: هذا حكم الله ويُلْزِم به.
وبهذا عرفنا أن حكم القاضي إلزام، وأما حكم المفتي فليس بإلزام، ولهذا يجوز الإفتاء على الغائب، ولا يجوز الحكم على الغائب؛ فهند بنت عتبة شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أبا سفيان بأنه كان شحيحًا لا يعطيها ما يكفيها وولدها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ –أَوْ: وَلَدَكِ- بِالْمَعْرُوفِ» (9)، لو كان هذا من باب الحكم ما صح؛ لأن المحكوم عليه.
طالب: غائب.
الشيخ: غائب، ولكن هذا من باب الإخبار بالحكم الشرعي، وليس من باب القضاء بينها وبين زوجها، فكأنه يقول: إن كان الأمر كما تقولين فإنه يجوز لك أن تفعلي كذا وكذا، ولكنه لم يُلْزِم زوجها بشيء.
هذه المسألة ليست من باب القضاء، ولهذا مَن استدل بالحديث على القضاء على الغائب ففي استدلاله نظر؛ لأن هذا في الحقيقة إخبار وليس بحكم، لكن إذا استدل به بأمور أخرى فسيأتي إن شاء الله ذِكْرُه.
حكم القضاء يُرَادُ به شيئان؛ الشيء الأول: الدخول في ولاية القضاء، والشيء الثاني: القضاء بين الناس.
أما القضاء بين الناس فلا شك أنه واجب، واجب أن يقضى بين الناس بالحق، وأما توليه فإنه فرضُ كفايةٍ، يتعيَّن على مَن كان أهلًا له ولم يوجد غيره، أو وُجِدَ غيره ولكنه لا يقوم به؛ إما لقصور في علمه، أو تقصير في حكمه؛ لأن اللي ما يصح في القضاء إما قاصر في علمه أو مُقَصِّر في حكمه، نعرف أن الرجل ليس له ذمة يحابي الناس في الحكم وما أشبه ذلك، هذا ما تبرأ به الذمة، ولا يدخل في الواجب بالنسبة إلى من يتولى القضاء غيره.
فالآن عندما نقول: حكم القضاء، يراد به أمران، هما؟
طالب: الحكم بين الناس.
الشيخ: الحكم بين الناس واجب، فرضُ عينٍ، حتى لو حكم أحد بغير ما أنزل الله يجب على بقية المسلمين أن يقوموا عليه ببيان الحق ويُغَيِّرُوا هذا؛ لأن الحكم بغير ما أنزل الله خطير جدًّا، إذا كان الإنسان حكم بغير ما أنزل الله معتقدًا أن هذا هو الذي يجب أن يسير الناس عليه ويُرْجِؤُوا حكم الله فهذا كفر.
الأمر الثاني مما يراد به تولي القضاء، نقول: هو فرض كفاية إذا قام به مَن يكفي علمًا وتطبيقًا ومنهجًا سقط عن الباقين، وإلا وجب على أن مَن كان أهلًا إذا لم يقم به غيره.
وهل نقول: ولم يشغله عما هو أهم منه؟
إن قلنا: ولم يشغله عما هو أهم منه، فتحنا لكم بابًا لا يمكن إغلاقه؛ لأنكم ستقولون: التدريس أهم منه، والدعوة إلى الله أهم منه، ولكن في الحقيقة هو من أهم ما يكون؛ لأن عليه مدار إصلاح المجتمع، فإنه إذا ساء الحكم بين الناس فسد المجتمع، وصار الناس لا يُحِلُّون ولا يُحَرِّمُون، يأكل الإنسان مال غيره، ويجحد ما يجب عليه ولا يهتم بشيء، لكن إذا علم أن القاضي يحكم بالحق كل إنسان يقف على حده، ولا يمكن أن يعتدي أحد على أحد.
فلهذا كان القضاء مَنْصِبًا عظيمًا مهمًّا جدًّا في الشريعة الإسلامية، ثم إن مِن نعمة الله سبحانه وتعالى على العبد أن يكون أهلًا لهذا المقام؛ لأن هذا المقام مقام الأنبياء وخلفائهم، {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26].
وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يبعث البعوث ويجعل عليهم أميرًا قاضيًا، كما بعث معاذًا إلى اليمن (10)، بعثه مُعَلِّمًا وداعيًا وحاكمًا.
فالقضاء أَمْرُه مهم جدًّا، وإذا رأينا الناس اليوم وجدنا أنه قد يولى القضاء مَن ليس أهلًا له؛ إما لقصور في علمه أو بتقصير في حكمه، والقضاء مهم ويتركز على أمرين:
أحدهما: معرفة الحكم الشرعي، والثاني: معرفة الواقع بمعرفة الناس وأحوال الناس، أفهمتم؟
طالب: نعم.
الشيخ: الحكم الشرعي كل إنسان يمكن يدركه بالطلب والجد، لكن العلم بأحوال الناس وأعراف الناس هذا يحتاج إلى أن يكون الإنسان عائشًا بينهم، ما هو بتجيب واحد ما يعرف عُرْف الناس وتخليه يحكم بينهم، يمكن تكون كلمة لها معنى في العُرْف وهي عند هذا القاضي الجديد على أهل هذا المكان لها معنى آخر، كذلك أيضًا اللي ما يعرف أحوال الناس، من جهة الرجل الذي لا يريد حق غيره فهذا أيضًا قد يضيع حقوقًا كثيرة بسبب عدم معرفته، وهذا الأخير يعود إلى فراسة القاضي، وأظن مَرَّ عليكم قصة سليمان مع المرأتين وداود أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: اللي خرجتا إلى البَرّ وأكل الذئب ابن إحداهما، وتخاصمتا إلى داود، فجعل الابن الباقي ابن الكبيرة، ثم خرجتا فمَرَّتَا على سليمان، فقال: إننا نريد أن نشق الولد بينكما نصفين، يصير للكبيرة لها نصفه، وللصغيرة لها نصفه، الكبيرة وافقت على هذا؛ لأن الولد ليس ولدًا لها، خَلِّيه (
…
)، وأما الصغيرة فقالت له: لا يا نبي الله، هو لها، فعَلِمَ بذلك أنه؟
طالب: أنه للصغيرة.
الشيخ: أنه للصغيرة فحكم لها به.
فالمهم أن هذا مهم معرفة الحكم الشرعي ومعرفة أحوال الناس العامة وهي حال العُرْف، والخاصة وهي حال الشخص المعيَّن، وكم من إنسان مُبْطِل، يعني صاحب دعوى وجدل يضيع الحق بسبب جداله، إلا إذا قَيَّضَ الله حاكمًا فطنًا.
أما من يولي القضاة؟ الذي يولي القضاة هو السلطان الأعلى في الدولة، أو نائبه هو الذي يولي القضاة، وكذلك الأمراء هو الذي يوليهم السلطان أو نائبه، في وقتنا هذا السلطان الأعلى ما يتولى نصب القضاة، يتولى ذلك نائبه وهو وزير العدل، فهو الذي يولي القضاة، وعليه وعلى كل إنسان يتولى أمور المسلمين ألَّا يولي إلا مَن كان أرضى لله ورسوله.
ولهذا ورد في الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ مَنْ وَلَّاهُ اللهُ عِصَابَةً فَوَلَّى عَلَيْهِمْ مَنْ غَيْرُهُ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ» . (11)
ولهذا يجب أنه يختار أحسن مَن يوجد في هذا الأمر، أما التولية فإنها أربعة أقسام:
التولية فرض ولّا لا؟ التولية في القضاء فرض على وزير العدل مثلًا.
طالب: نعم.
الشيخ: إي نعم، فرض يجب أن يولي مَن تحصل بهم الكفاية.
التولية أربعة أقسام:
أولًا: عموم النظر في عموم العمل، وخصوصه فيهما -يعني خصوص النظر في خصوص العمل-، وعمومه بالنظر فقط، وعمومه بالعمل فقط، هذه أربعة أقسام.
والذي يدلنا على هذا الحصر هو الاستقراء؛ لأنها ما تخرج من هذه الأربعة أقسام: عموم في العمل والنظر، أو خصوص فيهما، أو عموم في أحدهما وخصوص في الآخر، هذه أربعة أقسام.
(عموم النظر في عموم العمل).
أولًا: ما هو النظر، وما هو العمل؟ (النظر) جميع القضايا، النظر يعني القضايا، إنه ينظر في جميع القضايا، و (العمل) البلاد، عموم العمل يعني معناه أن يكون عمله في كل البلاد، لنفرض مثلًا واحدًا وَلَّيْنَاه القضاء في منطقة القصيم، هذا عموم عمل؛ لأننا جعلنا كل القصيم هو قاضيها، فيكون هذا عموم العمل، عموم النظر قلنا: لك النظر أو لك القضاء في جميع القضايا؛ من حقوق شخصية ومالية وغير ذلك، جميع القضايا يقول: هذا (عموم النظر في عموم العمل)، وَلَّيْنَاه عموم النظر في عموم العمل.
إذن إذا جاءه رجلان يتحاكمان إليه في طلاق ينظر فيه ولّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ينظر فيه، وفي دماء وقصاص ينظر فيه، وفي أموال ينظر فيه، كل ما يكون محتاجًا إلى الحكم بين الناس فإنه يتولاه في جميع منطقة القصيم، هذا نسميه أيش؟ عموم النظر في عموم العمل.
خصوص النظر فيهما معناه: خصوص النظر في خصوص العمل، يكون النظر خاصًّا والعمل خاصًّا، مثل، أقول: وَلَّيْتُك الأنكحة، يعني يقول وزير العدل مثلًا: وَلَّيْتُك القضاء في الأنكحة في بُرَيْدَة فقط، ويش يصير هذا؟
طلبة: خصوص.
الشيخ: هذا خصوص النظر.
طلبة: في خصوص العمل.
الشيخ: في خصوص العمل، ليش؟ لأنه ..
طالب: خاص.
الشيخ: خاص، ما (
…
) في غير الأنكحة، لو جاءه رجلان يتحاكمان إليه في قصاص بينهما ما يحكم بينهما، ولو حكم لم ينفذ، اللهم إلا أن يُحَكِّمَاه بصفة خاصة، كما سيأتي، فيجوز، واضح؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لو أنه ذهب إلى عُنَيْزَة زائرًا، وتخاصم إليه أناس من أهل عنيزة فيها، يقضي ولّا ما يقضي؟
طلبة: لا يقضي.
الشيخ: لا يقضي؛ لأنها ليست من عمله.
لو تحاكم إليه رجلان في مكة التقيا به في الحج وهما من منطقة عمله، يحكم بينهما ولّا لا؟
طلبة: لا.
طالب آخر: يحكم.
الشيخ: يحكم، ليش؟ لأن الرجلين ..
طالب: من ولايته.
الشيخ: من ولايته، وكذلك الأمر الذي يتحاكمان فيه في منطقة عمله، لكن لو يتخاصمان وهما من أهل القصيم يتخاصمان إليه في أرض بينهما في مكة وهو في مكة؟
طلبة: ما ينظر.
الشيخ: ينظر ولّا ما ينظر؟
طلبة: لا ينظر.
الشيخ: لا ينظر؛ لأنه الآن المدَّعَى به ليس في منطقة عمله، وهما أيضًا الرجلان في هذا الحال ليسَا في منطقة عمله.
فالحاصل الآن أنه يتخصص، تخصص الولاية بتخصيصها، والصيغ عاد معروفة عند الذي يولي.
عموم النظر فقط، يعني معناه: عموم النظر في خصوص العمل، يبين هذا بالأمثلة.
(
…
) عموم العمل وإن كانت عامة نسبية.
بالعكس عمومه؛ أي عموم النظر في العمل فقط.
طالب: خصوص النظر في عموم العمل.
الشيخ: عموم النظر فقط معناه أنه عامٌّ في النظر خاص في العمل، عمومه في العمل فقط معناه أنه خاص؟
طلبة: في النظر.
الشيخ: في النظر، مثال العام؟
طالب: خصوص النظر أن ينظر في حق الدماء.
الشيخ: إي، لكن في أي منطقة أو في إي بلد؟
الطالب: في عموم البلاد.
الشيخ: في عموم البلاد، في منطقة القصيم مثلًا هذا عموم في العمل، وخصوص؟
الطالب: في النظر.
الشيخ: في النظر، واضح يا جماعة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: المهم أن الولاية تتقيد بما قُيِّدَت به، فالذي قُيِّدَ عما قُيِّدَت ولايته في نظر لا يوصَف بغيره في عمل لا يحكم في غير هذا المكان، ليش؟ لأنها ولاية تُسْتَفَاد بالإذن، فوجب الاقتصار على ما يقتضيه هذا الإذن.
طالب: (
…
).
الشيخ: يُنْظَر إلى المدَّعَى به.
الآن هل عندنا قضاة خَاصُّون بالنظر؟ فيه أظن (
…
)
طالب: قاضي الجنايات.
الشيخ: وفيه الجنايات، فيجب أن يتقيد بما قُيِّدَ به.
بناء على ذلك لو وردت قضية إلى رئيس المحكمة وهي من خصوصياته، يعني مما له الحكم فيه، هل يجوز أن يُحِيلَها إلى مَن تحته؟ ما يجوز، اللهم إلا للضرورة، مثل أن يكون لديه قضايا كثيرة ومَن تحته ليس عنده شيء، فهنا يجوز أن يُحِيلَها؛ لأن فيه مصلحة للناس، وأما من جهة التَّشَهِّي إذا شاف المسألة سهلة قال: أنا أقضي بها، ولو صارت صعبة قال: حلتها على هذا، هذا ما يجوز.
ثم إن بعض الناس أيضًا قد لا يكون عنده الثقة من هذا القاضي المعيَّن، إما لقصور في علمه، أو لتقصير في حكمه، فيخشى إن تحاكم عنده أن يضيع حقه بسبب هذا القصور أو التقصير، فيطلب من خصمه أن يتحاكم إلى غيره.
فإذن نقول: مَن كان مقتضى ولايته أن ينظر في هذه المسألة فإنه لا يجوز أن يحيلها إلى غيره إذا وردت عليه؛ لأننا لو قلنا بجواز ذلك لزم أن يتحمل أحد القضاة قضايا كثيرة، والآخر ليس عنده شيء.
طالب: (
…
).
الشيخ: ما تفيده الولاية، يعني ما الذي يستفيده القاضي إذا ولي في القضاء.
الطالب: أقول: أقسام التولية كأنها متداخلة.
الشيخ: متداخلة.
الطالب: لذلك ما فهمت.
الشيخ: ما فهمت إلى الآن؟
الطالب: ما فهمت إلا اثنين، عموم النظر في ..
الشيخ: ويش فهمت؟
الطالب: عموم النظر في عموم العمل.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: وعموم النظر في خصوص العمل، ووقفت.
الشيخ: بخصوص النظر؟
الطالب: نعم بخصوصه.
الشيخ: خصوص العمل مثل أن يكون في بلد معين، عموم النظر تنظر في جميع القضايا، خصوص النظر أنت وَلَّيْتُك قاضيًا على الأنكحة فقط في هذا البلد، ويش يصير هذا؟
الطالب: هذا خصوص عمل.
الشيخ: خصوص نظر.
الطالب: نعم نعم.
الشيخ: هي خصوص عمل أيضًا.
الطالب: نعم. (
…
)
الشيخ: ولكن الضابط في هذا أنها ترجع إلى ما يقتضيه العرف بين الْمُوَلِّي والمولَّى، هذا الضابط في الأصل، فإذا قيل: وَلَّيْتُك قاضيًا في البلد الفلاني، فإنه (
…
) كل ما تقتضيه هذه الصيغة بحسب العرف.
والفقهاء رحمهم الله في وقتهم ذكروا أنها تفيد أشياء كثيرة، منها: الحكم بين الناس، وهذا أهمها، ومنها: النظر في الأوقاف، وهذا في الوقت الحاضر منزوع من القضاة إلى؟
طلبة: وزارة الأوقاف.
الشيخ: إلى وزارة الأوقاف، ومنها: تزويج مَن لا وَلِيَّ لها، وعقد الأنكحة، وهذا في الوقت الحاضر أيضًا نزع إلى المأذون الشرعي.
ومنها أيضًا النظر في مصالح العمل من إصلاح الطرق وأفنيتها وتنظيفها وتوسيعها، هذا في الوقت الحاضر أيضًا نزع إلى البلدية، القاضي ما يتكلم بهذا أبدًا إلا كرجل واحد من الناس يشير برأيه ولا يلزمه.
ومنها أيضًا النظر فيمن يستحق النظر من الصغار والسفهاء وما أشبه ذلك، فهذا إلى الآن موجود، ومنها النظر في المساجد وأئمتها وإصلاحها، وهذا في الوقت الحاضر منزوع.
على كل حال الشيء الذي يمكن أن نضبط القضية به أن نقول: تفيد ولاية القضاء ما تقتضيه صيغتها بحسب العرف؛ لأن هذا الشيء المحسوس شرعي، فإذا أُطْلقت فإنه يُرْجَع في ذلك إلى ما يقتضيه هذا الأمر، وإذا كان ولي الأمر الأعلى قد جعل لكل جهة ولاية، فمن كان في هذه الولاية فإن القاضي لا (
…
).
شروط القاضي وآدابه الواجبة والمستحبة:
أولًا: لا بد أن نعلم أن كل شيء يُشْتَرَط فيه شرطان أساسيان، هما: القوة والأمانة، قال الله تعالى عن صاحب مدين:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]، {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39]، فلا بد من القوة، ولا بد من الأمانة.
فنأتي إلى شروط القاضي لننظرها واحدًا واحدًا، يُشْتَرَط أولًا: أن يكون مسلمًا، فالكافر لا يصح أن يكون واليًا على المسلمين، قال الله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]، ولو كان الكافر قاضيًا لكان له سبيل على المؤمنين؛ لأنه ينفذ، يقول: هذا الحق فيه كذا والحق فيه كذا، ولأن الكافر غير مأمون على الحكم، ولّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: هو مأمون ولّا لا؟ والحكم يا جماعة يتضمن إخبارًا؛ لأنه يقول: حكم الله كذا، ويتضمن إلزامًا، وهذا لا يمكن أن يقع من الكافر، ويُشْتَرَط فيه أيضًا أن يكون عدلًا، والعدل مَن استقامت مروءته واستقام دينه، مَن هو العدل؟
طالب: من استقامت مروءته واستقام دينه.
الشيخ: واستقام دينه، ولهذا قلنا: عدل؛ لأن العدل ضده الميل، والاستقامة هي العدالة، استقامة الدِّين قال أهل العلم: هي القيام بالواجبات وترك الأعمال الْمُفَسِّقَة، اجتناب الْمُفَسِّق من المعاصي، فإذا كان القاضي غير مستقيم المروءة، مثل واحد (
…
) يمشي بين الناس (
…
) غترة ولا شماغ ولا شيء، هل هذا مروءة؟
طلبة: لا.
الشيخ: أبدًا، ما هو هذا مروءة، وإن كانت جائزة من الناحية الشرعية من حيث الأصل لكنها ليست مروءة.
إنسان مثلًا (
…
) فصفص، هذه مروءة ولّا لا؟
طالب: لا.
الشيخ: ما هي مروءة؟
المهم أنه لا بد أن يكون مستقيم المروءة، يعني ما يأتي بما يخل بمروءته بين الناس، وإذا قلنا بالمروءة فإن المروءات تختلف، مروءة كل إنسان بحسبه، أليس كذلك؟ كل إنسان له مروءة بحسبه، فذوي المروءات والهيئات والشرف ليست مروءتهم كمروءات أهل السوق والسوقة فبينهما فرق.
استقامة الدين قلنا: القيام بالواجبات وترك الْمُفَسِّق من المعاصي، فإذا كان مثلًا لا يشهد الجماعة فهل هو عدل؟
طلبة: ليس بعدل.
الشيخ: ليس بعدل، ولو صَلَّى في البيت بل هذا ينافي العدالة.
حتى قال الإمام أحمد: مَن ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تُقْبَل له شهادة، وإذا كان ما تُقْبَل منه الشهادة فمن باب أولى ألَّا تُقْبَل له ولاية القضاء.
إذا كان يحلق لحيته هذا ويش يعتبر؟ هذا في الحقيقة يُعْتَبَر فاسقًا لإصراره على هذه المعصية، كما أنه إخلال بالمروءة، واضح؟
طالب: نعم.
الشيخ: وإذا كان ينام وقت الدرس؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: إذا كان ينام وقت الدرس فهو من باب الإخلال بالمروءة؟
طالب: غصب عليه.
الشيخ: كيف؟
طالب: غصب عليه.
الشيخ: لا، ما هو غصب عليه، لو شيئًا لنفسه ما نام.
حتى لو نام في الصف الأول الذي ينام (
…
) نعم، أعني بذلك المسجلات؛ لأنه يسجل ما يحتاجه وبيأخذه.
أقول: إنه يشترط أن يكون عدلًا، وهو مَن استقامت مروءته واستقام دينه، واضح؟
يشترط أيضًا أن يكون ذكرًا؛ لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، {ذَوَيْ} أي: صاحبي عدل، وهل القاضي شاهد ولَّا غير شاهد؟
طلبة: شاهد.
الشيخ: قلنا: إن الحكم يتضمن الشهادة؛ لأنه يشهد أن حكم الله كذا، ويشهد أن الحق لهذا على هذا، فهو شاهد في الحقيقة.
فإذن لا يصح أن يكون امرأة، ولقوله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34].
ولو كانت المرأة قاضية لكانت هي؟
طالب: قوامة.
الشيخ: القوامة على الرجال، وهذا أمر خلاف ما أراده الله عز وجل، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» (12)، وهذا القضاء (
…
) من أعظم أمور المسلمين.
هذه ثلاثة أدلة أثرية، يعني من السابقين، والدليل النظري أن المرأة قاصرة في عقلها وتفكيرها، وسريعة العاطفة وقريبة النظر، وهي محل لتعلُّق النفس بها تعلقًا جنسيًّا، ومحل للإغراء والإطاحة بها؛ فلذلك لا تصلح بحال من الأحوال أن تكون لها ولاية، لا في القضاء ولا في غيره من أمور المسلمين، حتى مثلًا الوزارة وما أشبه ذلك إلا على قوم من جنسها، مثلًا امرأة نخليها رئيسة على مدرسة، هذا لا بأس به، أما على حكم عام هذا لا يجوز في شرع الله سبحانه وتعالى، ولا فيما يقتضيه العقل.
فإذا قال قائل: يوجد من النساء مَن هو أقوى بالحكم والنظر والحزم من بعض الرجال، فنقول: هذا نادر، والحكم للغالب، هذه ثلاثة شروط.
الشرط الرابع: أن يكون سميعًا، وضده الأصم، قالوا: لأن غير السميع لا يسمع الكلام، ما يسمع، كيف بيحكم وهو ما سمع الكلام؟ وظاهر كلامهم حتى لو كان قارئًا وكتب له الكلام بورقة أو ما أشبه ذلك.
وهذه المسألة فيها نظر، نقول: إذا كان أصم ولكنه يدرك ما يقوله الخصمان بطريق آخر، مثل أيش؟
طلبة: الكتابة.
الشيخ: مثل الكتابة، وأنا أذكر رجلًا رحمه الله ما يسمع أبدًا، لو يثور عنده مدفع ما سمعه، لكنه يبصر ومعه ما نعرفه في الصغر لوح حجر، ما أدري عرفتموه أنتم ولّا لا؟ لوح حجر أسود يُكْتَب فيه، مثل الطباشير كان مع الأولاد الصغار فيه (
…
) وفيه حبات بالعدد سبورة صغيرة، هذه السبورة معه، إذا واجه الرجل أوقفه وكتب: اكتب لي أيش حصل اليوم، يكتب له أخبار الناس كلها كل يوم عند هذا الرجل، كل أخبار الناس عند هذا الرجل، يعرف من الأخبار ما لا يعرفه كثير من السامعين.
طالب: ويتكلم؟
الشيخ: يتكلم إي، الكلام يتكلم ويبصر، لكن ما يسمع، ومع ذلك يرجع الناس إليه في الأخبار؛ لأنه (
…
) وأي واحد يلاقيه ما يحقر نفسه يجلس قال: صبَّحكم الله بالخير، ويش اللي جرى اليوم؟
طالب: قارئ هو؟
الشيخ: لا، ما هو بقارئ، القصد إني أنا أقول: إن فقد السمع ليس معناه أن الإنسان يُفْقَد من الدنيا، قد يكون الإنسان حريصًا، ويدرك ولو كان أصم ما لا يدركه السميع، فإذا كان هذا الأصم عنده علم، وعنده عقل، وعنده تمييز، ويدرك كلام الخصمين بطريق آخر غير السمع، فما المانع من تَوَلِّيه؟ !
الشرط الخامس: أن يكون بصيرًا، وهذا أيضًا عند الفقهاء، أن يكون بصيرًا، فإن كان أعمى لم يصح أن يكون قاضيًا، وإذا حكم بين اثنين فحكمه باطل؛ لأنه ليس أهلًا للولاية، إذ من الشروط أن يكون بصيرًا، لماذا؟ قالوا: لأن غير البصير لا يعرف الخصمين، فربما يُمَوَّه عليه، وهو وإن كان يسمع الكلام فالكلام قد يقلَّد ولّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يأتي اثنان عفاريت يقول: تعالَ أنا بأقلِّد فلانًا بالكلام وأنت تقلِّد فلانًا، ونقيم دعوى في الملك الفلاني، ويتخاصمون عند الرجل الأعمى ولا يدري يحكم بمجرد الصوت ولا يدري.
ولكن هذا صحيح، في الحقيقة تعليل قوي، إلا أنه يمكن التغلب على هذا، شو به؟ بأن يكون عنده إنسان ثقة مُبْصِر، مثل ما قلنا في الذي لا يعرف الكلام يجعل عنده مترجمًا، هذا أيضًا عنده راءٍ فيمكن التغلب عليه بأن يكون إنسان ثقة (
…
).
كونه بالغًا؛ لأن مَن دون البلوغ يحتاج إلى ولاية فلا يكون وليًّا على غيره، ولأنه لصغره قد تفوت منه القوة، وهي أساس في العمل كما سبق.
الشرط السابع: أن يكون عاقلًا، فإن كان غير عاقل لم يصح أن يكون قاضيًا، ويشمل ذلك فاقد العقل، وناقص العقل وهو المعتوه الذي لا يكاد يميز بين (
…
)، فهذا أيضًا لا يصح أن يكون قاضيًا؛ لما علمنا من أنه يُشْتَرَط أن يكون قويًّا في أداء عمله، وهذا لا يمكنه أن يقوى في أداء عمله.
الشرط الثامن: أن يكون متكلِّمًا، يعني ينطق، وأما الأخرس فلا يجوز أن يكون قاضيًا، لماذا؟ قالوا: لأن القاضي يحتاج إلى النطق لإفهام الخصمين مصدر الحكم، فإذا كان لا يتكلم فالإشارة قد لا تحيط بما في نفسه، فلا يصح أن يكون قاضيًا.
وهذا الشرط ما دام ثابتًا بتعليل فإن هذه العلة المانعة من تولية غير الناطق إذا تخلفت يتخلف الشرط، فإذا كان هذا لا ينطق ولكنه يستطيع أن يكتب عما في نفسه، هو يسمع الخصمين، ويرى الخصمين، ويعلم ويتصور تصورًا كاملًا لكنه لا ينطق، إنما يكتب، فالكتابة تعبِّر عما في الضمير كما نعبر باللسان.
وعلى هذا فنقول: إذا كان القاضي لا ينطق لكنه يكتب فإنه يصح أن يكون قاضيًا؛ لأن العلة تزول.
الشرط التاسع: أن يكون مجتهدًا، فالمقلِّد لا يصح أن يكون قاضيًا لأنه مقلد، فهو يتكلم بما عند غيره.
وقد قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمع العلماء على أن المقلِّد ليس معدودًا من أهل العلم؛ لأنه عبارة عن نسخة كتاب، بل النسخة أضبط منه؛ لأنه هو قد ينسى أو يفهم الشيء خطأً، والنسخة ليست كذلك.
وبهذا عرفنا نقصان درجة المقلد، ما دام أن العلماء أجمعوا على أنه ليس بعالم فهذا دليل على النقص، لكن هذا الشرط شرط بحسب الإمكان، فإذا لم نجد إلا مقلِّدًا فلا ريب أن المقلِّد خير من العامي، وخيرٌ مِن تَرْك الناس بدون قاضٍ.
فنحن نقول: نولي من العلماء مَن هو أمثل، كما أنه لو لم نجد إلا قضاة فَسَقَة -والعياذ بالله- يأخذون الرشوة، ويجورون في الحكم، ويغتابون الناس، ويَجُرُّون ثيابهم، وما أشبه ذلك، إذا لم نجد إلا مثل هؤلاء هل نبطل هذه الولاية، ولَّا المراد بمن هو أمثل نولي أمثل الفاسقين؟
طلبة: نولي أمثل الفاسقين.
الشيخ: نولي أمثل الفاسقين؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، ولا نَدَعُ الناس بدون قاضٍ.
على هذا نقول: اشتراط الاجتهاد إن أمكن أن يوجَد المجتهِد فذاك، ولا يُشْتَرَط أن يكون مجتهدًا اجتهادًا مطلقًا في جميع المذاهب، بل يكفي أن يكون مجتهدًا ولو في مذهبه، وأظنكم تعرفون الفرق بين المجتَهِدَيْنِ؛ المجتهد المطلَق هو الذي يقارن بين أقوال أهل العلم من كل مذهب، والمجتهد في مذهبه هو الذي يقارن بين الأقوال في مذهبه خاصة، ويعرف الراجح من غيره بمقتضى الدليل، هذا مجتهد ولو في مذهبه.
فنحن نقول: المجتهد المطلَق أعلى الأنواع، ثم المجتهد في مذهبه، ثم المقلِّد إذا لم نجد مجتهدًا.
هذه الصفات التي يجب أن تتوفر في القاضي: أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلًا عدلًا سميعًا بصيرًا، ويش بعد؟
طلبة: ذَكَرًا.
الشيخ: ذَكَرًا متكلِّمًا مجتهدًا.
الشرط العاشر: أن يكون حُرًّا، يعني غير مملوك، وذلك لأن المملوك مملوك على اسمه، فإذا كان مملوكًا لم يصح أن يكون واليًا؛ إذ إنه هو نفسه مملوك مُوَلًّى عليه، فلا يمكن أن يكون واليًا على المسلمين.
ولكننا نقول: هذا اشترطه الفقهاء رحمهم الله، ولكن ليس عليه دليل؛ لأن هذه الشروط العشرة يجب أن نردها إلى القوة، ويش بعد؟
طلبة: الأمانة.
الشيخ: والأمانة، القوة والأمانة؛ القوة في العلم، والقوة في التصور، والأمانة أيضًا في العلم الذي ينافيه العدالة، الخيانة فيها فسق.
فالحاصل أننا نقول: اشتراط الحرية ما عليه دليل، وكم من قاضٍ عدل مملوك يكون خيرًا بكثير ممن هو حُرّ، والمدار على كونه عالمًا ومؤديًا للقضاء على وجهه، أما كونه مملوكًا أو غير مملوك هذا ليس بشرط، وكما أننا قلنا في الشهادة: إنه لا يشترط فيها أن يكون الشاهد حُرًّا، فكذلك ينبغي أن نقول في القضاء: لا يشترط أن يكون حُرًّا.
قد نقول: إنه يشترط في المملوك أن يكون مالكه موافقًا على توليته؛ لأنه إذا ولي بدون رضا مالكه فَوَّت على مالكه مصالِحَه، وأما اشتراط أن تكون الحرية مصححة لقضاء هذا الرجل فالصحيح أنها ليست بشرط.
طالب: (
…
).
الشيخ: إذا كان القاضي يرى أن الحق خلاف هذه التعليمات هو يجب عليه واحد من أمرين؛ إما أن يحكم بما يراه حقًّا، وإذا غصبه مَن فوقه فالمسؤولية عليه، وهذا هو الأوجب وهو الأولى أيضًا، وإما أن يصرف المتخاصمين، كما أنه لو تحاكم إليه رجلان وهو يعلم أن الحق مع أحدهما، فإنه لا يحكم له بعلمه ولكن يصرفهما إلى قاضٍ آخر، ويكون هو شاهدًا على ما يعلمه، فهنا نقول: الإنسان الذي له عنده تعليمات خلاف ما يراه حقًّا لا يجوز أن يحكم بمقتضى هذه التعليمات؛ لأن معنى ذلك أنه حَكَمَ؟
طلبة: بغير ما أنزل الله.
الشيخ: بغير ما أنزل الله، ولكن يجب عليه واحد من أمرين؛ إما أن يحكم بما يرى، وهذا خير الأمرين، وإما أن يصرفه، وإنما قلنا: الأول خير الأمرين؛ لأنه يتضمن مصلحتين هامتين؛ المصلحة الأولى هو تنفيذ الحكم، بحيث إنه ما يعرف إلا الخصمين؛ لأنه لو صرفهما يمكن عاد يبقى مدة يعيِّنان مَن يحكم بينهما، والمسألة الثانية هو أنه إذا حكم بمقتضى ما يراه حقًّا قد يكون ذلك فتح باب للمسؤولين فوقه أن ينتبهوا للأمر، وأن يراجعوا ويحرصوا على المراجعة.
ولّا معلوم إذا حكم بخلاف ما يقتضيه النظام بكل سهولة يطلب المحكوم عليه أن يرفع إلى (
…
)، لكن إذا حكم هو بما يراه الحق ودَلَّلَ على حكمه فهذا يوجب أن ينتبه مَن فوقه انتباهًا بالغًا، ثم يكون أيضًا وسيلة إلى أن غيره من القضاة يقتدي به، ويفتح الله على يديه خيرًا كثيرًا.
أما الثاني وهو الصرف فإن صرفهما يتضمن مفسدتين:
أولًا: عدم الحكم لهؤلاء مع أنهما قد حضرَا إليه، والثاني أنه تبقى المسألة هكذا عمياء ما أحد يفتح باب الاستدلال أو باب النظر، فلذلك نرى أن الخير أن يحكم بما يرى، وإذا نقض فالمسؤولية على الناقض.
طالب: لكنه يُعْزَل.
الشيخ: (
…
).
طالب: لازم يُعْزَل (
…
) عُزِلُوا عن مناصبهم.
الشيخ: عُزِلُوا عن مناصبهم أحسن وأحسن ما يهم، إذا اتقى الله فإنه لا يهمه.