الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنت طالق إلى السنة؟ يقول المؤلف: (طلقت بانسلاخ ذي الحجة)؛ لأن إلى السنة (أل) هنا للعهد، العهد أي العهد؟ الحضوري؛ فمثلًا إذا قال في رمضان لزوجته: أنت طالق إلى سنة، متى تطلق؟ في رمضان الثاني.
إذا قال: أنت طالق إلى السنة، طلقت إذا انسلخ ذو الحجة، يعني: بعد ثلاثة أشهر، والفرق ظاهر؛ لأن سنة مُنَكَّر، والسنة معرف و (أل) فيه للعهد الحضوري، فيحمل على ذلك.
***
[باب تعليق الطلاق بالشروط]
ثم قال المؤلف: (باب تعليق الطلاق بالشروط).
أولًا: تعليق الطلاق بالشروط هل هو معتبر أو لاغ؟
يقول بعض العلماء: إنه لاغ، وأن الطلاق المعلق بالشرط واقع في الحال، وعللوا ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (5)، ولم يأت الطلاق معلقًا لا في القرآن ولا في السنة، وعلى هذا فإذا عَلَّقَه وقع في الحال وأُلْغِي الشرط، ويكون الشرط هو الفاسد دون الطلاق.
ولو قال قائل بعكس ذلك؛ لأنه لا يقع أبدًا بناء على الاستدلال بالحديث: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ، لو قال أحد بهذا لكان له وجه.
والفرق بين القول الثاني هذا والقول الذي أشرنا إليه أن القول الأول يُلغِي الشرط فقط، وهذا يلغي الجملة كلها، وكلاهما يستدل بحديث:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (5).
لكن أكثر العلماء يرون أن تعليق الطلاق بالشروط صحيح؛ لعموم الحديث: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» (6)، وهذا وإن كان فيه شيء من الضعف لكنه فيما يظهر مجمع على معناه في الجملة، وهذا القول هو قول الجمهور، وهو الصحيح؛ أن تعليق الطلاق بالشروط صحيح ثابت؛ لأن الطلاق في الحقيقة إخراج الزوج ملكه للمرأة، وإذا كان إخراجًا لملكه في المرأة وجب أن يكون مقيدًا بما التزم به، وهو الشرط.
فتعليق الطلاق بالشروط القول الراجح قول الجمهور أنه معتبر، ولكن هل له أن ينقضه قبل وقوع الشرط أو لا؟
أيضًا الجمهور على أنه لا يملك ذلك، واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه يملك ذلك؛ مثاله: قال لزوجته: إن ذهبتِ إلى بيت أهلك فأنت طالق، يريد الطلاق لا يريد اليمين، ثم بدا له أن يتنازل عن هذا، فهل له أن يتنازل ويأذن لها بالذهاب إلى أهل بيتها مطلقًا أو لا؟ الجمهور يقولون: ما يمكن يتنازل؛ لأنه أخرج الطلاق مِنْ فيه على هذا الشرط فلزم، كما لو كان الطلاق مُنَجَّزًا، وشيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن هذا حق له، فإذا أسقطه فلا حرج؛ لأن الإنسان قد يبدو له أن ذهاب امرأته إلى أهلها يفسدها عليه فيقول لها: إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق، ثم يتراجع ويُسقِط هذا.
ولكن إذا علَّقه على شرط بناء على سبب تَبَيَّن عدمه، فهل يُعْتَبَر الشرط أو يلغو؟ يلغو؛ مثال ذلك: إذا قال لزوجته: إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق ظنًّا منه أن أهلها قد رَكَّبوا دشًّا وأنهم عاكفون عليه، فخشي على امرأته، فقال: إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق، ثم تَبَيَّن أن أهلها لم يركبوا ذلك، فهل تطلُق إذا ذهبت إليهم؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: فاهمون السؤال الآن؟ السؤال: إذا علق الطلاق بشرط بناء على سبب تبين عدمه فإن الطلاق لا يقع؛ المثال: رجل قال لزوجته: إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق بناء على أن عندهم دشًّا، فخشي أن تفتتن به كما (
…
) به، ثم تبين أنه ليس عندهم شيء، فذهبت إلى أهلها، هل تطلق؟
الطلبة: (
…
).
الشيخ: ما تطلق، هو قال: إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق، وذهبت، لا تطلق، ليش؟ لأنه إنما قال ذلك بناء على؟
طالب: على السبب هذا.
الشيخ: نعم، على سبب، وهو أن عندهم الدش، فإذا تبين عدمه فلا حرج أن تذهب، ولا شيء عليه في ذلك.
الآن نرجع إلى كلام المؤلف، يقول رحمه الله:(لا يصح إلا من زوج).
فإن علَّق الطلاق قبل أن يتزوج فإنه لا يقع الطلاق؛ مثال ذلك: إنسان قال لامرأة: إن ذهبتِ إلى المكان الفلاني فأنت طالق، ثم تزوجها بعد ذلك وذهبت إلى المكان، تطلق أو لا تطلق؟
طالب: قبل الزواج؟
الشيخ: إي، هو قال: قبل الزواج، قبل الزواج قال: إن ذهبت إلى المكان الفلاني فأنت طالق، ثم أراد الله تعالى وتزوجها وذهبت إلى المكان، تطلق؟
طلبة: لا تطلق.
الشيخ: لا تطلق؟
طالب: تطلق.
طالب آخر: لا تطلق يا شيخ.
الشيخ: تطلق؟
طلبة: لا تطلق.
الشيخ: لا تطلق؟ ليش؟ لأنه لا يملك إيقاع الطلاق عليها قبل ذلك؛ حيث إنها غير زوجة، فلا تطلق.
ما هو الدليل على أن الطلاق لا يكون إلا على زوجة؟
الدليل قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} أيش؟ {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] بعد النكاح، قبل النكاح لا يمكن، هذه واحدة.
إلا من زوجٍ فإذا عَلَّقَه بشرْطٍ لم تَطْلُقْ قَبْلَه، ولو قالَ: عَجَّلْتُه وإن قال: سَبَقَ لسانِي بالشرْطِ ولم أُرِدْهُ. وَقَعَ في الحالِ، وإن قالَ: أنتِ طالقٌ، وقالَ: أَرَدْتُ إن قُمْتِ. لم يُقْبَلْ حُكْمًا.
وأدواتُ الشرْطِ إن وإذا ومتى وأيّ ومَن وكُلَّمَا - وهي وَحْدَها للتَّكرارِ - وكلُّها ومَهْمَا بلا (لم) أو نِيَّةِ فورٍ أو قرينةٍ للتَّراخِي، ومعَ (لم) للفَوْرِ، إلا (إن) مع عَدَمِ نِيَّةِ فَوْرٍ أو قَرينةٍ، فإذا قالَ: إن قُمْتِ أو إذا أو متى أو أيَّ وَقتٍ أو مَن قَامَتْ أو كُلَّمَا قُمْتِ فأنتِ طالِقٌ. فمتى وُجِدَ طَلُقَتْ، وإن تَكرَّرَ الشرْطُ لم يَتَكَرَّر الْحِنْثُ إلا في (كُلَّمَا)، وإن لم أُطَلِّقْكِ فأنتِ طالقٌ ولم يَنْوِ وَقْتًا ولم تَقُمْ قرينةٌ بفَوْرٍ ولم يُطَلِّقْها طَلُقَتْ في آخِرِ حياةِ أَوَّلِهما مَوْتًا، ومتى لم، أوإذا لم، أو أيَّ وقتٍ لم أُطَلِّقْكِ فأنتِ طالقٌ، ومَضَى زمنٌ يُمْكِنُ إيقاعُه فيه ولم يَفعلْ طَلُقَتْ، وكُلَّمَا لم أُطَلِّقْكِ فأنتِ طالقٌ، ومَضَى ما يُمْكِنُ إيقاعُ ثلاثٍ مُرَتَّبَةٍ فيه طُلِّقَت الْمَدخولُ بها ثَلاثًا وتَبِينُ غيرُها بالأُولى، وكُلَّمَا لم أُطَلِّقْكِ فأنتِ طالقٌ، ومَضَى ما يُمْكِنُ إيقاعُ ثلاثٍ مُرَتَّبَةٍ فيه طُلِّقَت الْمَدخولُ بها ثَلاثًا وتَبِينُ غيرُها بالأُولى، وإن قُمْتِ فقَعَدْتِ أو ثم قَعَدْتِ أو قَعَدْتِ إذا قُمْتِ أو إن قَعَدْتِ إن قُمْتِ فأنتِ طالقٌ لم تَطْلُقْ حتى تَقُومَ ثم تَقْعُدَ، وبالواوِ تَطْلُقُ بوُجودِهما ولو غيرَ مُرَتَّبَيْنِ، وبأو بوجودِ أحدِهما.
(فصلٌ)
إذا قالَ: إن حِضْتِ فأنتِ طالق. طَلُقَتْ بأَوَّلِ حَيْضٍ مُتَيَقَّنٍ، وإذا حِضْتِ حَيْضَةً. تَطْلُقْ بأَوَّلِ الطهْرِ من حَيضةٍ كاملةٍ، وفيما إذا حِضْتِ نِصفَ حَيضةٍ. تَطْلُقْ في نِصفِ عادَتِها.
(فصلٌ)
إذا عَلَّقَه بالْحَمْلِ فوَلَدَتْ لأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ طَلُقَتْ منذُ حَلَفَ، وإن قال: إن لم تَكُونِي حاملًا فأنتِ طالقٌ. حَرُمَ وَطْؤُها قبلَ استبرائِها بحَيْضَةٍ في البائنِ، وهي عَكْسُ الأُولى في الأحكامِ، وإن عَلَّقَ طلقةً إن كانتْ حاملًا بذَكَرٍ وطَلقتينِ بأُنثى فوَلَدَتْهُما طَلُقَتْ ثلاثًا، وإن كان مَكانَه إن كان حَمْلُكِ أو ما في بطْنِكِ لم تَطْلُقْ بهما.
(فصلٌ)
إذا عَلَّقَ طَلقةً على الوِلادةِ بذَكَرٍ وطَلقتينِ بأُنثى فوَلَدَت ذَكَرًا ثم أُنْثَى حَيًّا أو مَيِّتًا طَلُقَتْ بالأَوَّلِ وبانَتْ بالثاني ولم تَطْلُقْ به، وإن أُشْكِلَ كيفيَّةُ وَضْعِهما فوَاحدةٌ.
(فصلٌ)
إذا عَلَّقَه على الطلاقِ ثم عَلَّقَه على القِيامِ أو عَلَّقَه على القِيامِ ثم على وُقوعِ الطلاقِ، فقَامَتْ طَلُقَتْ طَلقتينِ فيهما، وإن عَلَّقَه على قِيامِها ثم على طَلاقِه لها فقَامَتْ فوَاحدةٌ، وإن قالَ: كُلَّما طَلَّقْتُكِ أو كُلَّمَا وَقَعَ عليك طَلاقِي فأنتِ طالقٌ. فوَجَدَا طَلُقَتْ بالأُولَى طَلقتينِ، وفي الثانيةِ ثلاثًا.
(فصلٌ)
إذا قالَ: إذا حَلَفْتُ بطَلاقِكِ فأنتِ طالقٌ. ثم قال: أنتِ طالقٌ إن قُمْتِ: طَلُقَتْ في الحالِ، لا إن عَلَّقَه بطُلوعِ الشمسِ ونحوِه؛ لأنه شَرْطٌ لا حَلِفٌ، وإن حَلَفْتُ بطَلاقِكِ فأنتِ طالقٌ، أو إن كَلَّمْتُك فأنتِ طالقٌ. وأَعادَه مَرَّةً أخرى طَلُقَتْ واحدةً، ومَرَّتَيْنِ فثِنْتَانِ، وثلاثًا فثَلاثٌ.
(فصلٌ)
إذا قال: إن كَلَّمْتُكِ فأنتِ طالقٌ فتَحَقَّقِي، أو قالَ: تَنَحِّي أو اسْكُتِي. طَلُقَتْ، وإن بَدَأْتُكِ بكلامٍ فأنتِ طالقٌ فقالتْ: إن بَدَأْتُكَ به فعَبْدِي حُرٌّ. انْحَلَّتْ يَمينُه ما لم يَنْوِ عَدَمَ البَداءَةِ في مَجْلِسٍ آخَرَ.
(فصلٌ)
إذا قال: إن خَرَجْتِ بغيرِ إذْنِي أو إلا بإذْنِي أو حتى آذَنَ لك أو إن خَرَجْتِ إلى غيرِ الْحَمَّامِ بغيرِ إذني فأنتِ طالقٌ. فخَرَجَتْ مَرَّةً بإذنِه، ثم خَرَجَتْ بغيرِ إذنِه أو أَذِنَ لها، ولم تَعْلَمْ أو خَرَجَتْ تُريدَ الْحَمَّامَ وغيرَه، أو عَدَلَتْ منه إلى غيرِه طَلُقَتْ في الكلِّ، لا إن أَذِنَ فيه كُلَّمَا شاءَتْ أو قالَ: إلا بإِذْنِ زيدٍ. فمَاتَ زيدٌ ثم خَرَجَتْ.
(فصلٌ)
إذا عَلَّقَه بِمَشيئتِها بإن أو غيرِها من الحروفِ لم تَطْلُقْ حتى تَشاءَ ولو تراخى، فإنْ قالتْ: قد شِئْتُ إن شِئْتَ. فشَاءَ لم تَطْلُقْ، وإن قالَ: إن شِئْتِ وشاءَ أبوك أو زيدٌ. لم يَقَعْ حتى يَشاءَا معًا وإن شاءَ أحدُهما فلا، وأنتِ طالقٌ وعَبْدِي حُرٌّ إن شاءَ اللهُ. وَقَعَا، وإن دَخَلْتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ إن شاءَ اللهُ. طَلُقَتْ إن دَخَلَتْ، وأنتِ طالقٌ لرِضَا زيدٍ أو لِمَشيئتِه. طَلُقَتْ في الحالِ، فإنْ قالَ: أَرَدْتُ الشرطَ. قُبِلَ حُكْمًا وأنتِ طالقٌ إن رَأيتِ الهلالَ. فإنْ نَوَى رُؤيتَها لم تَطْلُقْ حتى تَراهُ أو طَلُقَتْ بعدَ الغُروبِ برُؤيةِ غيرِها.
(فصلٌ)
وإن حَلَفَ لا يَدخُلُ دارًا أو لا يَخْرُجُ منها فأَدْخَلَ أو أَخرجَ بعضَ جَسَدِه أو دَخَلَ طاقَ البابِ، أو لا يَلْبَسُ ثَوْبًا من غَزْلِها فلَبِسَ ثوبًا فيه منه، أو لا يَشرَبُ ماءَ هذا الإناءِ فشَرِبَ بعضَه لم يَحْنَثْ، وإن فَعَلَ المحلوفَ عليه ناسيًا أو جاهلًا حَنِثَ في طَلاقٍ وعَتاقٍ فقطْ، وإن فَعَلَ بعضَه لم يَحْنَثْ إلا أن يَنْوِيَهُ، وإن حَلَفَ ليَفْعَلَنَّهُ لم يَبَرَّ إلا بفِعْلِه كلِّه.
الشيخ: .. وذهبت إلى المكان، تطلق؟
طلبة: لا تطلق.
الشيخ: لا تطلق.
طالب: تطلق.
طالب آخر: لا تطلق يا شيخ.
الشيخ: تطلق؟
طلبة: لا تطلق.
الشيخ: لا تطلق؟ ليش؟ لأنه لا يملك إيقاع الطلاق عليها قبل ذلك؛ حيث إنها غير زوجة، فلا تطلق.
ما هو الدليل على أن الطلاق لا يكون إلا على زوجة؟
الدليل قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} أيش؟ {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49]، بعد النكاح، قبل النكاح لا يمكن، هذه واحدة.
ثانيًا: أن الطلاق يعني إطلاق قَيْد موجود، والمرأة قبل أن يتزوجها مُطْلَقة ما فيه قيد حتى يوقَع الطلاق عليها.
وعلى هذا فلو كان للإنسان زوجة معه ثم ثارت عليه وقالت: يا فلان، سمعت أنك تريد أن تتزوج فلانة -تعرفون المرأة ما تحب أن زوجها يتزوج عليها- قال: أبدًا ما عندي نية ولا شيء، قالت: (
…
)، أنا ما أسمح إلا أنك تقول لي الآن: إن تزوجتها فهي طالق، فقال لها: إن تزوجتُها فهي طالق، وتزوَّجَها. تطلق ولّا لا؟
طلبة: ما تطلق.
الشيخ: ما تطلق، ليش؟ لأن هذا التعليق قبل أن يتزوج بها، مع أنها معيَّنة، فحصل بذلك إرضاء الزوجة، أي الزوجات؟ الأولى التي هي غضبت وثارت، فيقول: الحمد لله، اطمئني، إن تزوجتُها فهي طالق. فتزوجها فإنها لا تطلق.
لكن لو ثارت الأولى عليه لما قال: إنها ما تطلق، قالت: ما يمكن، أنت (
…
)، هل يلزمه أن يطلقها؟ لا يلزمه؛ لأن الأصل أن الزوجة الأولى لا تملك منعه من التزوج، فلا تجبره على ذلك، ولا حق لها أيضًا أن تطلب الطلاق إن لم يطلق الزوجة الجديدة، والله أعلم.
طالب: الشارح هنا قال: وإن قال: أنت طالق ثلاثًا على سائر المذاهب وقعت الثلاث.
الشيخ: إي؛ لأن القول بأنه ما يقع إلا واحدة ما هو مذهب، كل المذاهب الأربعة يقولون: إن الطلاق الثلاث يقع ثلاثًا، إذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق ثلاثًا كم يقع الطلاق؟ ثلاث، على كل المذاهب، مذهب أحمد، الشافعي، مالك، أبي حنيفة، أما شيخ الإسلام رحمه الله لا يعتبر قولُه مذهبًا؛ لأن المذاهب إنما هي للأئمة.
ولهذا أنا أستغرب من بعض الطلاب الآن، كل مصنف فهو إمام، حتى لو كان من المقلِّدين الذين لا يعرفون الاستدلال يسميه إمامًا، فالتبست علينا الأئمة الآن، يقول: قال الإمام النووي، قال الإمام ابن تيمية، قال الإمام ابن رجب، قال الإمام فلان، مع أنه ليس لهم مذاهب، لكن مثل هؤلاء يُسَمَّوْن الْحُفَّاظ، قال الحافظ ابن رجب، قال الحافظ النووي، قال .. كذا.
إذن الطلاق الثلاث على المذاهب الأربعة كلها يقع ثلاثًا، الطلاق في الحيض على المذاهب الأربعة يقع، كل المذاهب الأربعة، الطلاق في طُهْر جامَع فيه يقع على المذاهب الأربعة، الطلاق المعلَّق على شرط ولو قُصِدَ به اليمين يقع على المذاهب الأربعة.
وأقول لكم هذا لأجل ألَّا نتساهل في الأخذ بقول مَن يقول: إن الطلاق في الحيض لا يقع، والطلاق في طهر جامَع فيه لا يقع، والطلاق الثلاث واحدة، لا نتساهل؛ لأننا بتساهلنا الآن صار الناس يخوضون خَوْضًا عظيمًا في هذا.
واحد جاءني يسأل قبل يوم أو يومين، يقول: إنه طلَّق زوجته تسعًا وتسعين، يعني على الأسماء الحسنى، قال: أنت طالق تسعًا وتسعين مرة، جاء يسأل، باقي واحدة وتكون مئة، فالحاصل أن الناس بدؤوا يتساهلون الآن، أيضًا بدؤوا يتساهلون في الطلاق في الحيض، لا يبالون، وأحيانًا يتحيَّلُون، إذا كانت هذه آخر طلقة جاء يركض يدَّعِي أنه طلَّق في حيض، لأجل ألَّا تَبِينَ منه ولا تحرُم عليه، وربما يذكر طلاقًا له عشر سنين، يقول: إنه طلقها في حيض، علشان ما يُحْسَب عليه ويراجع، مع أني أعتقد أنه في ذلك الوقت لو أنها تزوجت بعد انقضاء عدتها لم يمنع من ذلك هو نفسه.
فأقول يا إخواني: هذه المسائل يجب أن نبلغ العوام، إن المسألة ما هي مُسَلَّمَة، يعني حتى لو كنا نعتقد نظريًّا أن الطلاق الثلاث واحدة فقد يكون من باب التربية أن نمنع الزوج من الرجوع، كما فعل عمر رضي الله عنه، عمر رضي الله عنه يرى أن الطلاق الثلاث واحدة، هو نفسه يرى هذا، كما هو في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر، لكنه قال رضي الله عنه: أرى الناس قد تعجَّلُوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم (1)، وهذا اجتهاد منه، من أجل أن الإنسان إذا عرف أنه إذا طلق ثلاثًا مُنِعَ من الرجوع فإنه لا يُطَلِّق.
فالمسألة -يعني كون الطلاق الثلاث واحدة- هذا هو الحق لا شك فيه، لكن إذا رأينا من الناحية التربوية حتى لا يقع الناس في هذا الطلاق المحرَّم أن نمنع من الرجوع فلنا ذلك، كما فعل عمر رضي الله عنه.
فيجب على طالب العلم أن يعلم أن المقصود في الشريعة الإسلامية من أولها إلى آخرها هو إصلاح الخلق، فحيث وُجِدَ الإصلاح فثَمَّ الشريعة، إلا ما نُهِيَ عنه بخصوصه فنعلم أنه لا صلاح فيه.
فإذا رأينا مثلًا أن مَن طَلَّق في الحيض ألزمناه بطلاقه وإن كنا نرى أنه لا يقع فلا بأس، حتى لا يتسرع الناس في الطلاق في الحيض، وهذه تحتاج إلى نظر عميق وسياسة شرعية، والرسول عليه الصلاة والسلام يراعي السياسة الشرعية، لما أراد أن يبني الكعبة على قواعد إبراهيم بعد أن فتح مكة خاف أن يكون هناك مفسدة من حُدَثَاءِ العهد بالإسلام، فامتنع من ذلك، مع أنه يرى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن إعادتها إلى قواعد إبراهيم هو الأَوْلَى، لكن تركه خوفًا من مفسدة. (2)
فهذه المسائل تحتاج إلى عمق، وتحتاج أن الإنسان ينظر في المصالح، الآن مثلًا يرى بعض علمائنا الأجلاء أن كشف المرأة وجهها لا بأس به بناء على اجتهاداته، والناس ملتزمون في أن تغطي النساء وجوهها، ماشيين على هذا، هل من الحكمة أن ينشر هذا الرأي؟ لا، ليس من الحكمة، ما دام الناس ملتزمين على أمر لا تراه أنت حرامًا ليس لك أن تنشر شيئًا يخالفه، أنت بنفسك ترى أن الأفضل تغطية الوجه، فلماذا تنشر وتجادل وتجمع أدلة مُلَفَّقَة غير صحيحة تدل على أن تغطية الوجه ليس بواجب، هل الناس تركوا واجبًا إذا غطت النساء وجوهها؟ لا، ما تركوا واجبًا، بل فعلوا ما هو الأفضل في حقهم عندك أنت، فكيف تفتح لهم باب التساهل.
ومثل هذه المسائل كثيرة، إذا رأى مثلًا الناس ملتزمين بجريان الربا بين الأوراق النقدية، تعرفون الأوراق النقدية؟ الفلوس، بعض الناس يقولون: ما فيه ربا، أبدل دولارًا بعملة سعودية بتفاضل وتأخيرِ قبضٍ وكل شيء، ما فيها شيء، يرى هذا، نحن لا نُنْكِر عليه رأيه النظري، لكن هل من الأوفق أن ينشره بين الناس حتى يتساهلوا في أمر التزموا به؟ لأنه لو نُشِر هذا المذهب لرفعت البنوك راياتها إلى الثريا؛ لأن عمل البنوك الآن على هذا الرأي عمل شرعي صحيح؛ لأنهم يقولون: أصلًا ما فيه ربا في الأوراق، فلنا أن نتعامل بتفاضل وبتأخيرِ قبضٍ وبكل شيء.
لكن هذا القول لا شك أنه قول خطأ، خطأ من الناحية التربوية، ومن الناحية النظرية، حتى لو قلنا: إنه صواب، فلا يسوغ لنا أن نفتي الناس بخلافه، أي بأنه يجوز التفاضل والتأخير.
فالمهم يا إخواني أنتم إن شاء الله طلبة علم ومقبلون على خير، انتبهوا لهذه النقطة، وهي تربية الناس على الأصلح حتى يتبين.
جابر بن عبد الله رضي الله عنه حَضَرَهُ قوم، فقام وصَلَّى بإزاره وأعلى بدنه مكشوف، ورداؤه معلَّق في الْمِشْجَب، ما هو بعيد، وأيهما أفضل؛ أن يصلي بردائه أو بعدمه؟ الأول بلا شك، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» (3)، وهو يعلم هذا، ولذلك لما صلى بإزاره أنكر عليه واحد، قال: كيف تفعل هذا؟ قال: فعلت هذا ليراه أحمق مثلك. (4) كيف تنكر عَلَيَّ شيئًا لا بأس به؟ فترك الأفضل هنا من أجل إزالة الوهم، هذه السياسة الشرعية، فانتبهوا لهذا، وأوصيكم بها، الأمور النظرية قد لا يكون من المصلحة إفشاؤها بين الناس، إلا إذا ارتكبوا محرَّمًا فهذا لا بد من بيان الحق.
***
طالب: لم تطلُقْ قبلَه، ولو قال: عَجَّلْتُه، وإن قال: سَبَقَ لساني بالشرطِ ولم أُرِدْه، وقعَ في الحالِ، وإن قال: أنتِ طالقٌ، وقال: أردتُ إن قمتِ لم يُقبَلْ حُكْمًا.
وأدواتُ الشرطِ: إنْ، وإذا، ومتى، وأيُّ، ومَنْ، وكُلَّما، وهي وحدَها للتكرارِ، وكلُّها (ومهما) بِلا (لَمْ) أو نِيَّة فَوْر أو قرينته للتَّراخي، ومع (لَمْ) للفورِ، إلا (إِنْ) مع عَدَمِ نيَّةِ فورٍ أو قرينة، فإذا قال: إن قمتِ، أو: إذا، أو: متى، أو: أي وقت، أو: مَنْ قامَتْ، أو: كلَّما قُمتِ فأنتِ طالقٌ، فمتى وُجِدَ طلُقتْ، وإن تكرَّر الشرطُ لم يتكرَّر الحِنْثُ إلا في (كلَّما).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أن تعليق الطلاق بالشروط جائز، وأنه مُعْتَبَر على قول جمهور العلماء، وذلك لأن الإنسان لا يكلَّف إلا ما نطق به.
وسبق لنا أن مِن شَرْطه أن يكون من زوج، فلو قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق، ثم تزوجها، لم تطلق؛ لأنه حين قال ذلك ليس زوجًا لها، وإن قال: كل امرأة أتزوَّجها فهي طالق، فتزوَّج، يقع الطلاق أو لا؟ لا يقع إلا من زوج.
وقول المؤلف رحمه الله: (إلا مِن زوج) فُهِمَ منه أنه لا يقع من غير الزوج، فلو قال شخص لزوجته: أنتِ طالق، وكان عنده صاحبه، فقال صاحبه: إن خَرَجَتْ من البيت، يصحُّ الشرط أو لا يصح؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: كَمَّل صاحبه، قال: إن خَرَجَتْ من البيت.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا ينفعه، يقع الطلاق في الحال، إلا إذا قال: إن خَرَجَتْ من البيت، فإنه إذا قال: إن خَرَجَتْ من البيت، على القول الراجح صح، على القول الراجح أنه يصح الاستثناء وإن لم يَنْوِه إلا بعد تمام الكلام.
ولو قال آخر لامرأة زيد: أنت طالق، فقال زيد: إن خَرَجَتْ من البيت، يعني الآن الشرط من الزوج، والطلاق من آخَر، يقع أو لا يقع؟ لا يقع، سواء كان الطلاق من آخر والشرط من الزوج، أو الطلاق من الزوج والشرط من الآخر، لكن الطلاق من الزوج والشرط من الآخر يقع الطلاق بدون شرط.
هل يجوز للأب أن يطلِّق زوجة ابنه؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لو أن زوجة ابنه تؤذيه، وقال لابنه: طَلِّق زوجتك، هذه آذَتْنَا أتعبتنا، قال: لا، ما أطلقها، فطلقها الأب، وقال الأب محتجًّا:«أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» (5)، فأنت وزوجك لأبيك، يصح أو لا يصح؟
الطلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، الطلاق للزوج، لو أمره أبوه أن يطلِّق هل يلزمه أن يطلق؟ لا يلزمه.
وأورد سائل على الإمام أحمد رحمه الله قصة عمر مع ابنه، حيث إن أباه أمره أن يطلِّق امرأته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يطيع أباه (6)، فقال الإمام أحمد: وهل أبوك مثل عمر؟ وهذا جواب سديد؛ لأن عمر لا يمكن أن يأمر ابنه أن يطلِّق زوجته إلا لسبب شرعي، لكن غير عمر قد يكون لسبب شخصي وهوى، فلا يلزم الولد أن يطيع أباه في طلاق زوجته.
قال: (فإذا علَّقه بشرطٍ لم تطلُقْ قبلَه ولو قال: عَجَّلْتُه).
(إذا عَلَّقَه) أي: الطلاق، (بشرط لم تطلق قبله ولو قال: عجَّلته).
مثال ذلك: رجل قال لزوجته: إذا غابت الشمس فأنتِ طالق، وهو في الصباح، كأنه تباطأ على غروب الشمس، باقٍ على غروب الشمس عشر ساعات، وهو لا يحب أن تبقى زوجته ولا خمس دقائق، فقال: عَجَّلتُه، يعني الطلاق المعلَّق، فإنها لا تطلُق، لماذا؟ لأن الطلاق صَدَر منه على وجه التعليق فلا يمكن أن يكون مُنَجَّزًا.
لكن لو أراد أن يطلِّق طلاقًا جديدًا غير الأول يصح أو لا يصح؟ يصح، وحينئذ إذا غابت الشمس والطلاق رجعي تطلُق، فتكون طلقت مرتين؛ مرة بالطلاق الْمُعَجَّل، ومرة بالطلاق المعلَّق.
لو علَّقَه على شرط، ثم بَدَا له ألَّا يطلق، وقال: هَوَّنْت، ألغيت الشرط، وهذا يقع كثيرًا، يغضب الإنسان على زوجته ويقول: إن دخلتِ بيتَ أهلك فأنت طالق، ثم يندم ويريد أن يتخلَّص من هذا، فهل له أن يتخلَّص؟
طلبة: نعم.
الشيخ: اسمع يا رجل، قال لزوجته: إن دخلتِ بيت أهلك فأنت طالق، ثم ندم وأحب أن تدخل بيت أهلها، فهل له أن يتراجع أو لا؟
طالب: في هذا تفصيل.
الشيخ: ما هو التفصيل؟
الطالب: فيه قول (
…
).
الشيخ: ما يُدْعَى بتفصيل هذا، هذا قل: فيه خلاف.
الطالب: خلاف نعم.
الشيخ: إي، هو فيه خلاف، نعم، أكثر العلماء يقولون: إنه ما يمكن يرجع؛ لأنه أوقع الطلاق على صفة معينة فَلَزِمَه، ويرى شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا حرج عليه أن يرجع ويقول: قد أبطلتُ الشرط، يعني: أبطلت الطلاق المعلَّق بالشرط.
وقول المؤلف رحمه الله: (لم تطلُقْ قبلَه ولو قال: عَجَّلْتُه، وإن قال: سَبَقَ لساني بالشرطِ ولم أُرِدْه)، نقبل منه أو لا نقبل؟
طالب: لا نقبل.
طالب آخر: نقبل.
الشيخ: نقبل؛ لأنه أقرَّ على نفسه بما هو أضرّ، قال: إن لساني سبق بالشرط وأنا ما أردته، يعني أنه غَلِطَ سبقة لسان، نقول: الآن أقررت على نفسك بما هو أغلظ، فنلزمك بما أقررت به، ويقع في الحال.
مثال ذلك: رجل قال لزوجته: أنتِ طالق إن دخلتِ الدار، ثم قال: إن كلمة (إن دخلتِ الدار) سبق لساني بها وأنا ما أردتها، ماذا نقول له؟ نقول: الآن طلقت، ما يحتاج أن تدخل الدار أو ما تدخل.
تعليل ذلك أنه أقرَّ على نفسه أيش؟ بما هو أغلظ فقُبِلَ منه.
(وإن قال: سَبَقَ لساني بالشرطِ ولم أُردْه طلقت في الحالِ، وإن قال: أنتِ طالقٌ) لزوجته، (وقال: أردتُ: إن قمتِ، لم يُقبلْ حُكْمًا).
هذا عكس المسألة الأولى، الأولى أبطل الشرط الموجود، والثانية ادَّعَى شرطًا محذوفًا، قال لزوجته: أنتِ طالق، قالت: الحمد لله، خلاص انتهى ما بيني وبينك، قال: لا، أردتُ إن قمتِ، يُقْبَل أو لا يُقْبَل؟
طلبة: لا يُقْبَل.
الشيخ: لا، إن قلنا: لا يُقْبَل، غلط، إن قلنا: يُقْبَل، غلط، نقول: هذا يُدَيَّن فيما بينه وبين الله.
طالب: يرجع إلى النية.
الشيخ: هو يقول، الآن يدعي، يقول: إنه أراد هذا، يعني أراد أنه إن قامت، أراد الشرط، يقول المؤلف:(لم يُقْبَل حكمًا)، يعني بمعنى أنهما إذا ترافَعَا إلى الحاكم فإن الحاكم لا يقبل منه، لماذا؟ أخذًا بظاهر كلامه، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:«إِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ» (7)، والذي سُمِعَ من هذا الرجل الطلاق الْمُنَجَّز غير معلَّق، فلا يُقْبَل.
لكن لو أن المرأة قد وَثِقَت من زوجها وعلمت أنه صادق، أنه أراد بقوله: أنتِ طالق، إن قمتِ، فلها أن تصدقه، بل يجب عليها أن تصدقه إذا كان ثقة في نفسه، ولا حاجة أن يذهبوا إلى القاضي.
فمعنى (لم يُقْبَل حُكْمًا) يعني: لو ترافَعَا إلى القاضي، وهو الحاكم، لم يقبل القاضي ذلك اعتمادًا على ظاهر كلامه، والقاضي إنما يقضي بنحو ما يسمع.
أما لو كانت المرأة تعرف أن زوجها ذو دين، وأنه لا يمكن أن يَدَّعِي ما ليس واقعًا، فهنا نقول: يجب عليها أن تصدقه، ولا تطلُق حتى تقوم، يعني حتى تفعل ما عَلَّق عليه الطلاق، فإن غلب على ظنها أنه كاذب يجب عليها أن ترفعه للحاكم، وإن ترددت فهي مُخَيَّرة، إن شاءت رافَعَتْه إلى الحاكم وقضى عليه بالطلاق الْمُنَجَّز، وإن شاءت قَبِلَت قوله ولم يقع الطلاق حتى يقع الشرط.
أيهما أولى إذا شَكَّت في صدقه؛ أن تُرَافِعَه أو أن تتركه؟ نقول: الأَوْلَى أن تتركه؛ لأن الطلاق مكروه، والفراق صعب، لا سيما إن كان بينهما أولاد، أو كانت امرأة ليس لها أحد، فهنا تصديقه أولى.
فالأقسام إذن بالنسبة لما يُدَيَّن به الزوج ثلاثة: أن يغلب على ظنها أنه كاذب فالواجب أيش؟ المرافعة، أن يغلب على ظنها أنه صادق فالمرافعة حرام، الثالث: أن تتردد هل هو صادق أو كاذب، فهي مُخَيَّرة ولكن إبقاء النكاح أولى.
قال: (لم يقبل حكمًا)، ثم قال:(وأدواتُ الشرطِ: إنْ، وإذا، ومتى)، (إنْ) ولَّا (إنَّ)؟
طالب: بدون شدة.
الشيخ: (إنْ)؛ لأن (إنَّ) حرف توكيد، وبالمناسبة أسمع بعض الناس يقول: أشهد أنَّ لا إله إلا الله، وهذا لحن، لكنه لا يغير المعنى، إنما هو لحن؛ لأن (أنَّ) المشددة لا يُحْذَف اسمها، وإنما الذي يُحْذَف اسمها هي (أنْ) المخففة، وعلى هذا فقل: أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا؟
طالب: مثلها.
الشيخ: لا، هذه مشدَّدة ما هي مخففة.
(أدواتُ الشرط: إنْ، وإذا، ومتى، وأيُّ) بالتشديد، (ومَنْ، وكُلَّما، وهي وحدَها للتكرارِ، وكلها .. ) إلى آخره.
ذكر المؤلف ست أدوات: (إنْ، وإذا، ومتى، وأيّ، ومَن، وكلما)، ست أدوات، كلها أدوات شرط، قد تتقدم وقد تتأخر، قد يقول الرجل لزوجته: إن دخلتِ الدار فأنتِ طالق، وقد يقول: أنتِ طالق إن دخلتِ الدار، وكلاهما سواء.
وإذا قال: أنت طالق أنْ دخلت الدار، ماذا تقولون؟ هل هي شرط؟ لا، هذه تعليل، فإن كانت قد دخلت الدار فهي طالق، وإلا فلا.
قال: (وكلها) يعني: كل هذه الأدوات، (وكلُّها ومهما بِلا (لَمْ) أو نِيَّةِ فَوْر أو قرينة للتَّراخي).
ما معنى (للتراخي)؟ يعني أنه يقع الطلاق ولو تأخَّر وقوع المشروط.
مثاله: قال: متى قمتِ فأنتِ طالق، ولم يَنْوِ متى قمتِ الآن، ولم يَنْوِ متى قمتِ في أي وقت، تكون للتراخي ولّا للفورية؟ للتراخي، يعني: إن قامت الآن طلقت، وإن قامت بعد سنة طلقت، كله سواء.
أما لو قال: متى قمت فأنت طالق، وأراد التراخي، فإنها لا تطلق حتى يوجد القيام.
وإذا قال: متى قمت فأنت طالق، وأراد الآن، فإنه يختص بالآن، وهذا يرجع إلى نيَّتِه، لكن إذا لم يكن نية فور ولا نية تراخٍ فهي للتراخي، بمعنى أن المرأة تطلق سواء حصل ذلك الآن أو فيما بعد.
لكن لو قال: إنه نوى في الحال، مثل أن يقول: متى ذهبتِ إلى الجيران فأنت طالق، ثم ذهبت بعد يوم أو يومين، وقال: أنا أردت متى ذهبتِ في ذلك اليوم؛ لأن عندهم ضيوفًا لا خير فيهم، يُقْبَل أو لا يُقْبَل؟ يُقْبَل، يعني يرجع إلى نيته في الفورية، هذا إذا لم يكن معها (لم).
قال: (ومع (لم) للفور)، إذا قال: متى لم تقومي فأنتِ طالق، فالمراد الفورية، يعني متى لم تقومي الآن فأنتِ طالق، فإن قامت بعد ساعة أو ساعتين تطلق أو لا تطلق؟
طلبة: لا تطلق.
الشيخ: لا، تطلق يا إخواني، إذا قال: ما لم تقومي، يعني الآن، ولهذا قال:(مع (لم) للفور)، فإذا لم تقم، يعني تأخر فإنها تطلق؛ لأنها مع (لم) للفور، إذا قال: متى لم تقومي -يعني الآن- فأنت طالق، فبقيت ساعة أو ساعتين ثم قامت، تطلق أو لا تطلق؟ تطلق؛ لأنها مع (لم) تكون للفورية.
إذا لم تقومي فأنت طالق، وبقيت في مكانها ساعة أو ساعتين ثم قامت، تطلق أو لا؟ تطلق، فلو قالت: يا رجل أنا قمت، وأنت تقول: إذا لم تقومي، فإنه يقول: إن أدوات الشرط مع (لم) تكون للفورية، يعني: إذا لم تقومي الآن فأنت طالق، وأنت ما قمت الآن.
(ومع (لم) للفور، إلا (إن)) يعني: فإنها تكون للتراخي، حتى مع (لم)، مثل: إن لم تقومي فأنت طالق، وبقيت ساعة ساعتين ثم قامت، تطلق أو لا تطلق؟ لا تطلق؛ لأنها قامت، وهو يقول: إن لم تقومي. فصارت (إن) وحدها تختص بأنها للفورية والتراخي مع (لم) ومع عدمها، وغيرها تكون مع (لم) للفور، وبدونها للفور والتراخي، انتبهوا يا جماعة لا تلتبس عليكم، أنا في ظني أنها ما تَخَّمَرت ..
طالب: الأخيرة يا شيخ؟
الشيخ: أيهم؟ (إن) ما يضرها دخول (لم) أو عدمه، فهي للتراخي والفورية، وهذا كله ما لم يكن نية للزوج، إن كان نية للزوج فالعمل على نيته، ولهذا كله يقيدها مع عدم نية فور أو قرينة.
طالب: قال: إن صعدت السماء فأنت طالق، وقصد بالسماء أي السقف، الدرس الماضي قلتم: إن صعدت السماء فأنت طالق، تطلق فورًا.
الشيخ: نعم.
الطالب: لكن إذا قصد بالسماء السقف؟
الشيخ: فعلى نيته؛ لأن السماء تصح لكل عالٍ، كل عالٍ فهو سماء.
طالب: من قال يا شيخ: طالق، أقصد امرأتي طَلْق الْحَمَل؟
الشيخ: يعني: أنت تطلقين، يعني فيها طَلْق الْحَمَل.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: أو طالق، يعني ما قَيَّد ناس بالحمل؟
الطالب: نعم، له نية؟
الشيخ: على نيته.
الطالب: يُعْمَل يا شيخ؟
الشيخ: إي نعم، يُعْمَل بقوله إلا عند الترافع للحاكم، يعني: إذا ترافعوا للحاكم للقاضي وجب عليه أن يحكم بالظاهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ» (7). (
…
)
***
(إن تكرَّر الشرطُ لم يتكرَّر الحِنْثُ).
يعني: إن فَعَلَت ما عُلِّق عليه الطلاق مرتين أو ثلاثًا لم تطلق إلا مرة واحدة؛ الأولى.
وقوله: (لم يتكرر الحنث) أي: لم يتكرر الطلاق، فإذا قال: إن قمتِ فأنت طالق، فقامت، طلقت، ثم قامت، أجيبوا.
طلبة: لا تطلق.
الشيخ: لا تطلق؛ لأنه لا (يتكرَّر الحِنْثُ إلا في كلَّما)؛ لأن (كلما) للتكرار، فإذا تكرر الشرط في (كلما) تكرَّر الحنث، كلما قمتِ فأنت طالق، فقامت، تطلق، ثم قامت أخرى تطلق، ثم قامت ثالثة تطلق، ثم قامت رابعة؟ لا تطلق؛ لأنه انتهى العدد.
ثم قال: (وإذا قال: إن لم أطلقْكِ فأنتِ طالقٌ، ولم يَنْوِ وقتًا، ولم تَقُم قرينةٌ بفَوْرٍ، ولم يطلِّقْها، طلقتْ في آخرِ حياةِ أولِهما موْتًا).
إذا قال: (إن لم أطلقْكِ فأنتِ طالقٌ) إن نوى الآن فإنه إذا لم يطلقها إذا مضى زمن يمكن أن يطلقها فيه ولم يطلقها طلقت، إذا لم يَنْوِ لكن هناك قرينة تدل على أنه إن لم يطلقها فورًا فأنتِ طالق، قلنا: إذا لم يطلقها فورًا فإنها تطلق.
وإذا لم يكن هذا ولا هذا، يقول:(طلقَتْ في آخرِ حياةِ أولِهما موْتًا)، كيف؟ نعم؛ لأنه إن مات الزوج تكون طلقت قبل أن يموت بثانية، إن ماتت هي تكون طلقت قبل أن تموت بثانية، كذا؟
طالب: نعم.
الشيخ: (في آخر حياة أولهما موتًا)، وذلك لأنه إذا مات الزوج فلا طلاق، فلا بد أن تطلق قبل موته، إن ماتت هي الزوجة فلا طلاق أيضًا، فلا بد إذن أن تطلق قبل أن تموت، ففي هذه الحال تطلق في آخر حياة أولهما موتًا.
لكن الغالب أن الإنسان ما يقول هكذا إلا للفور، هذا الغالب، غَضِبَ عليها، وقال: إن لم أطلقك فأنت طالق، فالغالب أنه يريد: إن لم أطلقك الآن فأنتِ طالق، فنقول: إذا مضى زمن يمكن إيقاع الطلاق فيه ولم يفعل طلقت.
(وإذا قال: متى، أو إذا لَمْ، أو أيّ وقتٍ لم أطلقْكِ، ولم يفعل طلقت).
متى تطلق؟ إذا مضى زمن يمكن أن يقول: أنتِ طالق، فإنها تطلق.
أما إذا قال: كلما لم أطلقك فأنت طالق، (ومضى ما يمكن إيقاعُ ثلاثٍ مرتَّبَة فيه طلُقَت المدخولُ بها ثلاثًا، وتَبِينُ غيرها بالأولى)، لماذا؟ لأن (كلما) تفيد التكرار، فإذا قال: كلما لم أطلقك فأنت طالق، وسكت زمنًا يمكن أن يقول: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، يقول: فإنها إن كانت مدخولًا بها طلقت ثلاثًا، تطلق بالأولى ثم تكون رجعية، فتطلق بالثانية ثم تكون رجعية، فتطلق في الثالثة.
أما إذا كان لم يدخل بها فإنها تطلق أول مرة، ثم لا تطلق ثانية؛ لأنها إذا طلقها أول مرة حصل الفراق، وليس لها عدة حتى نقول: يمكن أن يلحقها طلاقها، فتَبِينُ غير المدخول بها بأول مرة، ولا يلحقها طلاقها في الثاني، ولهذا قال المؤلف رحمه الله:(طلقت المدخول بها ثلاثًا وتَبِينُ غيرُها بالأولى).
ثم قال: (وإن قمتِ فقعدتِ، أو ثم قعدتِ، أو إن قعدتِ إذا قمتِ، لم تطلُقْ حتى تقومَ ثم تقعدَ).
(إن قمتِ فقعدتِ فأنت طالق)، أيهما الأول؟
طالب: القيام.
الشيخ: القيام، (فلا تطلُق حتى تقوم ثم تقعد، فإن قعدت قبل أن تقوم لم تطلُق)؛ لأنه رَتَّب الطلاق على قعود بعد قيام.
(أو ثم قعدتِ) نفس الشيء؛ لأن (ثم) تفيد الترتيب.
(أو قال: إن قعدتِ إذا قمتِ)، أنت طالق إن قعدت إذا قمت، فقعدت بدون قيام، تطلق ولَّا لا؟
طلبة: لا تطلق.
الشيخ: يعني هو قال وهي نائمة مضطجعة، قال: أنت طالق إن قعدتِ إذا قمتِ، قعدت من الاضطجاع وجلست، تطلق؟
طلبة: لا.
الشيخ: قامت ثم قعدت؟
طلبة: تطلق.
الشيخ: تطلق، مع أنك الآن إذا تأملت: إن قعدتِ إذا قمتِ، أين المتأخِّر لفظًا؟
طلبة: القيام.
الشيخ: القيام، لكن القعود معلَّق بالقيام، حيث قال: إذا قمتِ، فصار المتأخِّر متقدِّمًا.
(أو قعدتِ إذا قمتِ، أو إن قعدتِ إن قمتِ).
(إن قعدتِ إن قمتِ) بمعنى: قمتِ فقعدتِ، إي، (ما تطلُق حتى تقومَ ثم تقعدَ).
(أو قال: إن قعدتِ إن قمتِ فأنتِ طالق، لم تطلُق حتى تقوم ثم تقعد).
قال: (وبالواو) يعني: إن قمتِ وقعدتِ (تطلقُ بوجودِهما).
لو قال: أنت طالق إن قمتِ وقعدتِ، ما قال: ثُمَّ، وليس هناك دليل على أنه يريد الترتيب، فيقول: تطلق إذا قامت وقعدت؛ لأنه قال: إن قعدتِ وقمتِ، تطلق إذا قامت وقعدت، سواء بدأت بالقيام أولًا أو بالقعود.
ولهذا قال: (وبالواو) أنت طالق إن قمتِ وقعدتِ، (تطلق بوجودهما)، أي: القيام والقعود، (ولو غير مُرَتَّبَيْنِ).
(وبـ (أو)) بأن قال: إن قمتِ أو قعدتِ (بوجود أحدهما).
(أو) لأحد الشيئين، فإذا قال: أنت طالق إن قمتِ أو قعدتِ، طلقت إن قامت وطلقت إن قعدت.
عندي مسألة في الشرح نذكرها لأنها غريبة، يقول: إن علَّق الطلاق على صفات فاجتمعت في عين، مثل أن يقول: إن رأيتِ رجلًا فأنت طالق، إن رأيت أسود فأنت طالق، إن رأيت فقيهًا فأنت طالق، كم من صفة؟ ثلاث: الرجولة والسواد والفقه، فرأت رجلًا أسود فقيهًا، كم تطلق؟
طلبة: ثلاثًا.
الشيخ: ثلاثًا.
طالب: تَبِين إن شاء الله.
الشيخ: تطلق ثلاثًا، مع أنها لم تَرَ إلا واحدًا، لكن يقولون: نُغَلِّب الصفة.
إلا أن بعض أهل العلم خالَف في هذا، وقال: إن ظاهر الحال يقتضي أن ترى رجلًا، وترى رجلًا أسود، وترى رجلًا فقيهًا؛ لأنه قال: إن رأيت رجلًا فأنت طالق، وإن رأيت أسود، وهذا يقتضي أن يكون غير الأول، وإن رأيتِ فقيهًا، هذا يقتضي غير الأول، الآن لو وجدنا رجلًا أسود فقيهًا، يعني يبعد جدًّا أنه أراد الصفات دون الأعيان، ولهذا خالف بعض العلماء فقال: لا تطلق حتى ترى رجلًا، ثم ترى أسود، ولو غير رجل، ثم ترى فقيهًا ولو غير رجل.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، يمكن لو ثلاث عشرة سنة ما بلغ، لكنه فقيه، ما يمكن هذا؟ يمكن، قبل أيام ذكر لي واحد أنه نُشِرَ في الصحف صبي له سبع أو ثماني سنوات حافظ القرآن كله، ويعرف التفسير، وحافظ من كتب الفقه ما حفظ، ويعرف تفسيره، يقال هكذا، فأنا قلت: لعله صغير القامة، قصير القامة، وقالوا: هذا له ثلاث عشرة سنة.
الطالب: هذا يدرس له الشيخ مصطفى العدوي، موجود معروف الشيخ في مصر، ويخطب وعمره إحدى عشرة سنة.
الشيخ: إي، خليه يخطب، تكتب له ويخطب.
الطالب: ويحفظ ستة آلاف حديث.
الشيخ: وكم عمره؟
الطالب: إحدى عشرة سنة يا شيخ.
الشيخ: عجيب.
الطالب: وقابله الشيخ عبد العزيز بن باز وحثّ الشيخ على أن يَمُرّ على حلقات القرآن حتى يقتدوا به وكذا.
الشيخ: إي، على كل حال ما ندري، هو في العام الماضي أو قبل العام جاءني ولد صغير وحاطِّين عليه مشلح وحاطين عليه عقال ولبس السعودية، صغير، وقالوا: هذا حافظ صحيح البخاري، وهو صغير يمكن له سبع أو ثمانِ سنين الظاهر، حافظ القرآن وحافظ صحيح البخاري، (
…
) ثلاثة أو أربعة من الناس يمرون به على هذا، فأنا قلت: لا تفعلوا، لا تمروا به على أحد، إن فعلتم هذا سيَغْتَرّ بنفسه، وأنتم الآن لبستموه لباس الملوك، خلوه يبقى على ما هو عليه، أما كونكم تمرون به على الناس فأولًا بعض الناس ما هو مُصَدِّق، ثم كونه يغترّ بنفسه بعدُ محنة هذه، تضرونه أنتم أكثر، ولعلهم استجابوا إن شاء الله.
على كل حال كلامنا على مسألة الطلاق، نقول: لو رأت فقيهًا ليس برجل؟ تطلق، أسود ليس برجل؟
طلبة: تطلق.
الشيخ: تطلق.
***
قال المؤلف: (فصل).
عندنا الآن تعليقه بالحيض، وتعليقه بعده بالحمل، وتعليقه بالولادة، وتعليقه بالطلاق، وتعليقه بحلف الطلاق، وتعليقه بالكلام، وتعليقه بالإذن، وتعليقه بالمشيئة، ثم مسائل متفرقة، كنا إذا مررنا بهذا على شيخنا رحمه الله أشار علينا أن ندعه، وقال: هذه فصول تُغْنِي عنها القاعدة، فهل ترون أن نتبع هذا الطريق؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب، ما لها داع.
أما تعليقه بالمشيئة فينبغي أن نقرأه لأنه مهم.
يقول: (فصلٌ. إذا علَّقه بمشيئتِها بـ (إِنْ) أو غيرِها من الحروف لم تطلُقْ حتى تشاءَ ولو تراخَى).
إذا قال لها: أنت طالق إن شئتِ، فلم تَشَأ إلا مُتَرَاخِيَة؟ نقول: تطلق، متى شاءت طلَّقَت نفسها، بل متى شاءت طلُقت، حتى وإن لم تلفظ بالطلاق؛ لأنه علَّق ذلك بالمشيئة، وهذا في الحقيقة لا بأس به، ما نقول: إنه حرام، لكنه خلاف الأولى؛ لأنه إذا عَلَّقَه بالمشيئة لو تزعل المرأة على زوجها بأدنى شيء قالت: طَلَّقْتُك بالثلاث، هذا هو المعلوم في الغالب، لذلك لا ينبغي أن تجعل الطلاق الذي هو من أخطر الأمور معلَّقًا بمشيئة امرأة ناقصة العقل والدين.
نعم إذا رأيت هناك سببًا يقتضي أن تعلقه بمشيئتها، مثل أن تراها مُتَبِّرمة تعبانة من الحياة معك، تقول لها: يا بنت الحلال، أنتِ لست مُكْرَهَة، متى شئتِ طلِّقي نفسك. فهذه قد نقول: إنه غرض صحيح، والمقصود بالعلم هو التربية دون معرفة الأحكام، كوننا نقول: عَلِّق طلاق امرأتك بمشيئتها، ونحن لا ندري عنها، فهذا لا ينبغي لا شك فيه.
أما إذا كان الرجل رأى سببًا وقال: يا بنت الحلال إذا كنت مَالَّةً أو كنت لا تريدين البقاء معي، فمتى شئتِ طَلِّقِي نفسَك، هذا لا بأس به، والله أعلم.
طالب: أحسن الله يا شيخ، إن أرادت المرأة أن تطلِّق نفسها، تقول: طلَّقتُك، أو تقول .. ؟
الشيخ: لا، طَلَّقْتُ نفسي منك، ما يمكن تقول: طَلَّقْتُك. (
…
)
***
طالب: ولو تراخَى، فإن قالت: قد شئتُ إن شئتَ، فشاءَ لم تطلُقْ، وإن قال: إن شئتِ وشاءَ أبوكِ أو زيدٌ، لم يقعْ حتى يشاءَا معًا، وإن شاء أحدُهُما فلا، وأنتِ طالقٌ وعبدي حرٌّ إن شاءَ اللهُ، وقَعَا، وإن دَخَلْتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ إن شاءَ الله، طلُقَتْ إن دَخَلَتْ، وأنتِ طالقٌ لرِضَا زيدٍ أو لمشيئَتِه، طلُقَتْ في الحالِ، فإن قال: أردتُ الشرطَ قُبِلَ حُكمًا، وأنتِ طالقٌ إن رأيتِ الهلالَ، فإن نَوى رؤيتَها لم تطلُقْ حتى تراه، وإلَّا طلُقَتْ بعدَ الغروبِ برؤيةِ غيرِها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى في تعليق الطلاق بالشروط، وقد مضى الكلام على ذلك، وذكرنا أن من العلماء مَن يقول: إن تعليق الطلاق بالشروط لاغٍ؛ لأن الطلاق لا يكون إلا مُنَجَّزًا، وبَيَّنَّا أن هذا القول ضعيف، لكن التعليق بالشروط ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون محضًا، وإما أن يراد به معنى اليمين، فإن كان محضًا فإنها تطلق بمجرد وجود الشرط.
مثال المحض: إذا طلعت الشمس فأنت طالق، فهذا تعليق محض، متى طلعت الشمس طلقت، وهذا لا أظن أحدًا يختلف فيه ممن قال: إن الشرط في الطلاق صحيح.
والثاني: أن يريد معنى اليمين، وهو المنع، أو الحث، أو التصديق، أو التكذيب، فمن العلماء من ألحقه بالأول، وقال: إنها تطلق بمجرد وقوعه، ومن العلماء من قال: إن حكمه حكمُ اليمين، ما لم يُرِد الطلاق.
مثال ذلك، إذا قال: إن كلمت زيدًا فزوجتي طالق، هذا يحتمل أنه أراد أيش؟ مجرد الشرط، وعلى هذا تطلق بمجرد أن تكلم زيدًا، ويحتمل أنه أراد ألَّا تكلم زيدًا ولم يُرِد الطلاق وزوجته عنده غالية، لكن أراد ألَّا تكلم زيدًا فقال: إن كلمتِ زيدًا فأنت طالق، فمن العلماء مَن ألحقه بالأول، أي: بالشرط المحض، وقال: إنها تطلق، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم.
ومن العلماء من قال: إذا نوى بذلك معنى اليمين فإنه يمين، فإذا حصل الشرط فعليه كفارة يمين، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ثم اعلم أن هذا تارة يظهر فيه أنه أراد اليمين، وتارة يظهر فيه أنه أراد الطلاق، وتارة نشك، فمن الأشياء التي يظهر فيها أنه أراد اليمين إذا قال: إن كلمتُ زيدًا فزوجتي طالق، فهنا يظهر أنه أراد أيش؟
طالب: اليمين.
الشيخ: أراد اليمين؛ لأن زوجته ما لها علاقة بالموضوع، فهنا يظهر أنه أراد اليمين، فنُفْتِيه بمجرد أن يسألنا نقول: كَفِّر كفارة يمين إذا كنا نرى هذا.
وتارة يظهر أنه أراد الطلاق، مثل أن يقول لزوجته: إن شاهدتِ الدش فأنتِ طالق، هذا يظهر منه أنه أراد أنها إذا تَدَنَّت إلى هذه الحال فإنها لا تصلح أن تكون امرأة له، فهذا يغلب على ظننا أنه أراد الطلاق، فإذا استفتانا عن هذه المسألة وقال: إنه قال لزوجته: إن نظرتِ إلى الدش فأنتِ طالق، قلنا: طلقت امرأته.
وتارة يحتمل هذا وهذا، مثل أن يقول لزوجته: إن لبستِ هذا الثوب فأنتِ طالق، فهذا يحتمل أنه أراد اليمين أو أراد الطلاق، فهنا لا نُفْتِيه حتى نسأله نقول: ماذا أردت؟
وفي المسألة التي قلنا: نحكم عليه بأنها تطلق، لو قال: لم أرد الطلاق، وطلاقها أكره إلَيَّ من مشاهدتها الدش، قلنا: إذن هذا حكم أيش؟ حكم اليمين؛ لأننا نعلم أنه إنما عَلَّق الطلاق على ذلك لأنه يكرهه، لا لأنه يكرهها هي.
وهذه مسائل دقيقة يجب على الْمُفْتِي أن يتحرى فيها تمامًا.
ولو قال قائل: إنه إذا كثر استعمالها في الناس فإننا نُجْرِيها عليهم على أنها طلاق، لو قال قائل لم يكن ذلك بعيدًا، من باب؟
طلبة: سد الذرائع.
الشيخ: التربية وعدم التسرع في الطلاق، واقتداءً بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، حيث منع الناسَ رجوعَهم إلى زوجاتهم إذا طَلَّقُوا ثلاثًا لئلا يتتايعوا فيه (1).
الآن نبدأ بهذا الفصل، وهذا اللي قلتم الأخير هذه هي أصول تعليق الطلاق بالشروط، وأنا أحب من طلاب العلم أن يرجعوا إلى الأصول؛ لأن المسائل الجزئية مسائل تطير وينساها الإنسان، لكن إذا رزقه الله عز وجل التأصيل وفهم الأصول وتنزيل المسائل الجزئية عليها، فهذا هو الراسخ في العلم.
يقول: (إذا علَّقه بمشيئتِها بـ (إِنْ) أو غيرِها من الحروف لم تطلُقْ حتى تشاءَ ولو تراخَت).
مثل أن يقول: أنتِ طالق إن شئتِ، فمتى شاءت طلقت، سواء في الحال أو بعد مدة، ولهذا قال:(لم تطلق حتى تشاء ولو تراخت).
لو قال: عَجَّلْت الطلاق وألغيت الشرط، تطلق أو لا؟
طالب: تطلق.
الشيخ: لا.
طلبة: (
…
).
الشيخ: لا، سبق لنا يا إخواني، (لم تطلكق قبله ولو قال: عَجَّلْتُه)، أما لو أراد طلاقًا جديدًا غير الأول فهو حر، وهل يملك أن يعزلها إذا قال: أنتِ طالق إن شئتِ، ثم قال: هَوَّنْت؟ لا، ليس له ذلك، كما أنه ليس له أن يلغي الطلاق المعلَّق، أما لو قال: وَكَّلْتُك في طلاق نفسك ثم عزلها، فله ذلك؛ لأن الْمُوَكِّل له أن يعزل الوكيل، لكن مسألتنا ما فيها توكيل، فيها: أنتِ طالق إن شئتِ، فقالت: شئتُ. انتهى الموضوع.
(فإن قالت: قد شئتُ إن شئتَ، فشاءَ لم تطلُقْ)! ! لَمَّا قال: أنتِ طالق إن شئتِ، قالت: قد شئتُ إن شئتَ، لم تطلق، لماذا؟ لأنه علَّقه على مشيئتها هي، فلا يصح أن تردها فتقول: قد شئتُ إن شئتَ، فيبقى الشرط معلَّقًا كما كان.
(وإن قال: إن شئتِ وشاءَ أبوكِ أو زيدٌ)، يعني: إن شئتِ وشاء زيد، (لم يقعْ حتى يشاءَا معًا).
أيضًا قال: تحبين أن أطلقك؟ قالت: نعم، قال: إن شئتِ وشاء أبوكِ فأنت طالق، فشاءت هي وأبى الأب، ما تطلُق؟ ما تطلق، شاء الأب ولم تَشَأْ هي؟ لا تطلق؛ لأنه عَلَّقَه على مشيئة الاثنين.
قال: إن شئتِ وشاء القاضي، فشاءت ولم يَشَأ القاضي؟
طالب: لا تطلق.
الشيخ: شاء القاضي ولم تشأ؟ لم تطلق، فأنا وضعت القاضي بدل قوله:(زيد).
يُذْكَر أن أحد العوام جالس عند شخص يدرِّس النحو، والمدرس هذا يعطي الطلاب: ضَرَبَ زيدٌ عَمْرًا، ضرب زيد خالدًا، وما أشبه ذلك، فقال العامي: هذا المضروب الظاهر أنه هلك من الضرب، اتركوا هذا؛ لأنه مَلَّ من قول الْمُعَلِّم: ضرب زيد عَمْرًا وضرب عَمْرٌو خالدًا، وما أشبه ذلك، فقال: هذا الرجل هلك يا جماعة، دَوِّرُوا على غيره! !
حتى الفقهاء رحمهم الله يأتون بزيد، يُمَثِّلُون بزيد، السبب إما أن يقال: إن هذا الشيء جرى عليه الناس، أو يقال: إن (زيد) كلمة خفيفة من أخف ما يكون، زيد وعمرو دائمًا هو الذي يُمَثَّل به، وأنت انظر لنفسك، زيد أَخَفّ من خالد، صح؟ معلوم.
يقول: (أو شاء زيدٌ، لم يقعْ حتى يشاءَا معًا، وإن شاء أحدُهُما فلا، وأنتِ طالقٌ وعبدي حرٌّ إن شاءَ اللهُ، وقَعَا).
هذا تعليق بمشيئة الله عز وجل، وأتى بذكر العتق استطرادًا، أنتِ طالق إن شاء الله، يقع أو لا يقع؟ منهم مَن قال: إن هذا تعليق على مستحيل، والتعليق على المستحيل مستحيل، فلا يقع الطلاق أبدًا، ووجه كونه مستحيلًا أننا لا نطلع على مشيئة الله إلا بعد وقوع ما يقع، أنت لا تعلم أن الله أراد لك شيئًا إلا إذا أيش؟ إلا إذا وقع، قبل وقوعه ما تدري أن الله شاء أو لا.
فيقول: إذا قال: أنتِ طالق إن شاء الله، لم يقع الطلاق؛ لأن العلم بمشيئة الله، أجيبوا.
طالب: مستحيل.
الشيخ: مستحيل، إلا إذا وقع الطلاق، فأنت الآن عَلَّقْت الطلاق على مستحيل، والتعليق على المستحيل مستحيل، خُذُوا هذا القول.
إذن هذا القول يقول: إذا عَلَّق الطلاق بمشيئة الله فالحكم؟ لا يقع الطلاق، التعليل؟ لأنه عَلَّقَه على مستحيل، والْمُعَلَّق على المستحيل مستحيل.
ومنهم من قال: إنه إذا قال: أنتِ طالق إن شاء الله، وقع الطلاق بكل حال؛ لأنه لَمَّا قال: أنتِ طالق، عَلِمْنَا أن الله قد شاءه؛ إذ إن الإنسان لا يتكلم إلا بمشيئة الله، فإذا قال: أنتِ طالق إن شاء الله، قلنا: قد شاء الله أن تطلق، من أين علمنا أن الله شاء ذلك؟ من وقوعه، من قوله: أنتِ طالق، ونحن نعلم أن الله تعالى إذا وقع الفعل من العبد فإن مقتضاه لا بد منه.
القولان الآن أيش؟ متقابلان تمامًا، الأول يقول: لا يقع الطلاق مطلقًا، والثاني يقول: يقع في الحال؛ لأن مجرد قوله: أنتِ طالق، كلمة إذا قالها الإنسان وقع بها الطلاق، فإذا قالها قلنا: إن الله قد شاءه، ما أدري واضح ولّا غير واضح؟
طلبة: واضح.
الشيخ: القول الثالث: الوسط، يقول: إن أراد بقوله: أنتِ طالق إن شاء الله، إن أراد بقوله: إن شاء الله، أي: إن شاء الله أن تطلقي بهذا القول، فإن الطلاق يقع؛ لأننا نعلم أن الله تعالى يشاء الشيء إذا وُجِدَ سببه، وإن أراد بقوله: إن شاء الله، أي: في طلاقٍ مستقبَل، فإنه لا يقع الطلاق حتى يُوقِعَ الطلاق مرة ثانية.
أفهمتم يا جماعة؟ فهمتم القول الثالث؟ لا إله إلا الله.
طالب: (
…
).
الشيخ: التفصيل، يقول: إن أراد بقوله: إن شاء الله، أي: إن شاء الله أن تطلقي بهذا الكلام، فإنها تطلق؛ لأنه هو قال: أنتِ طالق، وإن أراد: أنتِ طالق إن شاء الله، يعني: إن كان الله أراد أن تطلقي وُجِدَ السبب فتطلقين، يعني: في المستقبل، فهذه لا تطلق إلا إذا وقع منه الطلاق في المستقبل.
فهمنا الآن ولّا لا؟
طالب: نعم يا شيخ.
الشيخ: المسألة إذن فيها ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا يقع الطلاق مطلقًا، والثاني: أنه يقع مطلقًا، وهذا اختيار المؤلف؛ لأنه قال:(أنتِ طالق إن شاء الله وقع)، والثالث أيش؟ التفصيل، وعند التفصيل يكون التحصيل، وهذا هو الصواب؛ أن نقول: ماذا أردتَ بقولك: إن شاء الله؟ قال: أردت إن شاء الله أن يقع طلاقها بهذه الجملة. فماذا نقول له؟ يقع الطلاق. قال: أردتُ إن شاء الله، يعني: إن وُجِدَ سبب للطلاق في المستقبل فأنت تطلقين، فهذا لا يقع، وهذا لا شك هو الصواب.
فإن قال: أردت التَّبَرُّك ما أردت التعليق، مثل قوله في الحديث:«وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» (8)، يعني: أهل المقابر، ونحن لاحقون بهم قطعًا، فقيل: إن المراد التبرك، وفيها خلاف، لكن المهم أن أحد الأقوال فيها أن المراد التبرك.
فإذا قال: أردت التبرك، يقع ولّا ما يقع؟
طلبة: يقع يا شيخ.
الشيخ: يقع، لكن هل في هذا بركة بالنسبة للمرأة؟ قد يكون، وقد لا يكون، لكن نقول: إرادة التبرك معناها التحقيق؛ لأن الْمُرِيد للتبرك أراد أن يتحقق الأمر ببركة الله عز وجل، واضح؟
طلبة: نعم.
الشيخ: هذا هو التفصيل في مسألة تعليق الطلاق بمشيئة الله.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، قوله:(فإن قالت: قد شئتُ إن شئتَ فشاءَ، لم تطلُقْ).
الشيخ: نعم.
الطالب: هو شاء طلاقها؟
الشيخ: إي، على كلام المؤلف شاء طلاقها، يقول: لأن أصل تعليقه تعليق على أمر يُبْطِل تعليقَه؛ لأنه إذا قال: قد شئتُ إن شئتِ، لو أراد مشيئته هو بنفسه لم يقل لها: إن شئتِ.
طالب: لو قيل: يُرْجَع إلى حالهما، فإن كان يجب الطلاق يجب، وإن كان مباحًا فهو مباح، تقع المشيئة على مشيئة شرعية؟
الشيخ: ما فهمت كلامك.
الطالب: لو قيل: نرجع إلى حالهما؟
الشيخ: حال مَن؟
الطالب: الرجل وامرأته.
الشيخ: نعم.
الطالب: إن كان يجب الطلاق فيجب.
الشيخ: إن كان يجب؟
الطالب: نحن قلنا: حالات، أحيانًا يجب الطلاق أو يُسَنّ، فيقال: يُرْجَع إلى حالهما، فإن كان يجب فيجب، أو هو مباح أو هو مَسْنُون أو هو مكروه.
الشيخ: لا، يجب أو مباح هذا عند إنشائه؛ لأنّا الآن نحكم على شيء صدر منه، أما ما ذكرتَ فهذا عند الإنشاء.
الطالب: أقصد يا شيخ نقول: نحمل المشيئة على المشيئة الشرعية؟
الشيخ: لا، غالبًا المشيئة ما فيها مشيئة شرعية، وهذه مسألة مهمة، التي تنقسم إلى شرعية وكونية هي الإرادة، أما المشيئة فهي مشيئة كونية فقط.
طالب: شيخ، لو عَلَّق الطلاق بمشيئتها، فهل لها أن تَرُدّ ذلك فلا تطلق؟
الشيخ: إي، معلوم، لا تشاء ولا عليها، أقول: لا تشاء، تبقى غير شائية، وهو أحسن لها إذا قال: أنتِ طالق إن شئتِ، ستكون إن زعلت عليه شاءت الطلاق وخلاص تطلق، لكن إذا طلقت أول مرة وراجعها، ثم شاءت الطلاق، تطلق ولّا لا؟
طالب: تطلق.
الشيخ: لا تطلق، إلا في (كلما)؛ لأن (كلما) للتكرار.
طالب: شيخ، أقول: قوله: أنتِ طالق إن شئتِ، فقالت: شئتُ إن شئتَ، فقال: شئتُ؟
الشيخ: يقولون: إن هذا لا يصح؛ لأنه لو أراد مشيئته بنفسه ما علَّقَه على مشيئتها.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، صحيح.
الطالب: ما هو وجه قولنا .. ؟
الشيخ: هذا هو، نقول: إذا كانت رَدَّتْه إلى مشيئته، فهذا معلوم من الأصل، الطلاق بمشيئة مَن؟ بمشيئة الرجل، وهذا معناه إلغاء مشيئته.
طالب: حيث قال: شئت، تطلق بهذا القول؟
الشيخ: إي، ما تطلق؛ لأنها هي معلقته على مشيئته، وهو كان بالأول معلقه على مشيئتها، وإذا كان يريد مشيئتها فإن مشيئته تُلْغَى، فرَدُّهَا إلى مشيئته معناه التناقض.
على كل حال التعليل ما هو بإلى ذاك، يعني ما هو بِبَيِّن جدًّا، وأنت إن شاء الله إذا تزوجت فقلت لزوجتك هذا وجدنا حل المشكلة إن شاء الله.
طالب: لا أقولها.
الشيخ: لا تقولها؟
طالب: إذا علَّقت بغير مشيئة الزوج، تعليق آخر بشرط آخر، تطلق؟
الشيخ: مثل؟
الطالب: قال: شئتُ إن ضربتني؟
الشيخ: إي، هذا يمكن أن نقول: يصح؛ لأنها لم تعلَّق بالمشيئة، عَلَّقَته على فعل منه، لكن حتى هذا أراه نوعًا من العبث، إن شئت إن ضربتني! !
طالب: (
…
).
الشيخ: يخبطها ويقول (
…
).
***
طالب: وأنتِ طالقٌ إن رأيتِ الهلالَ، فإن نَوى رؤيتَها لم تطلُقْ حتى تراه، وإلَّا طلقَتْ بعدَ الغروب برؤيةِ غيرِها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبق لنا أن الإنسان إذا عَلَّق الطلاق بمشيئة الله فإنه يقع على ما ذهب إليه المؤلف، فماذا تقول: أهو على إطلاقه أو لا؟
طالب: لا، ليس على إطلاقه.
الشيخ: قال: أنتِ طالق إن شاء الله؟
الطالب: لا، ليس على إطلاقه.
الشيخ: كيف التفصيل؟
الطالب: التفصيل أنه إذا كان يريد الإخبار عن مستقبل أنه سيطلق، فإن طَلَّق يقع مستقبلًا.
الشيخ: نعم.
الطالب: وإلا فلا يقع.
الشيخ: لا (
…
) وقع.
الطالب: يقع يخرج مثلًا إذا كان أراد الإخبار عن أمر مستقبل.
الشيخ: يعني نحن ذكرنا أن التفصيل هو الصواب، فما هو التفصيل الذي ذكرنا؟
الطالب: أنه إذا أراد الإخبار أنه سيطلق في المستقبل فلا يقع حتى يطلق في المستقبل.
الشيخ: هذه واحدة، يكون معنى: أنتِ طالق إن شاء الله، أي: إن شاء الله أن أطلقك في المستقبل، ثانيًا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما فصلت.
الطالب: إذا قصد بالمشيئة التبرك وقع في الحال.
الشيخ: إذا قصد التبرك وقع في الحال، لكن كلامنا عن المعلَّق.
الطالب: لو قصد إن شاء الله أن يقع بهذا اللفظ الذي تلفظ به، يقع في الحال.
الشيخ: نعم، إذا قال: أنتِ طالق إن شاء الله، يعني: إن شاء الله أن تطلقي بقولي هذا، فإنه يقع؛ لأنه لَمَّا قاله علمنا أن الله شاءه بلا شك.
وهذا التفصيل هو الصواب، لكن إذا قال قائل: ما غالب أقوال الناس؟ إذا قال: أنتِ طالق إن شاء الله، هل الغالب في ذلك أنهم أراد التبرك؟
طالب: لا، لا يراد التبرك.
الشيخ: خير إن شاء الله، أنا أظن أنهم يريدون التبرك، لكن أرجو ألّا يريدوا التبرك، أنهم يريدون أنتِ طالق إن شاء الله، يعني: إن شاء الله أن أطلقك في المستقبل.
***
نبدأ الدرس الجديد: (وإن دخلتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ إن شاءَ الله، طلُقَتْ إن دَخَلَتْ).
معلوم؛ لأنه قال: أنتِ طالق إن دخلتِ الدار إن شاء الله، فإذا دخلت الدار علمنا أن الله تعالى شاء دخولها وشاء طلاقها؛ لأنه حصل المعلَّق عليه.
(وأنتِ طالقٌ لرِضَا زيدٍ أو لمشيئَتِه، طلُقَتْ في الحالِ).
(أنت طالق لرضا) اللام هذه للتعليل، والعلة تسبق المعلَّل، فإذا قال:(أنت طالق لرضا زيد) صار معناه: أنت طالق لأن زيدًا رضي بطلاقك.
وكذلك إذا قال: (أنت طالق لمشيئة زيد)، فالمعنى أيش؟ أنتِ طالق لأن زيدًا شاء أن تطلقي، فتطلق في الحال.
(فإن قال: أردتُ الشرطَ)، يعني أردت بقولي:(أنتِ طالق لرضا زيد): أنت طالق إن رضي زيد، يقول: فإنه يُقْبَل حكمًا، أو يُدَيَّن؟
يقول المؤلف: يُقْبَل حكمًا، يعني حتى لو رُفِعَ الأمر للقاضي وقال الزوج: إني أردت بذلك الشرط، وجب على القاضي أن يقبل قوله؛ لأن قوله محتمِل غاية الاحتمال، الكلام يحتمله بلا شك، (أنتِ طالق لرضا زيد) يعني: إن رضي زيد، (أنت طالق لمشيئته) يعني: إن شاء.
فلذلك نقول: إذا قال: أنتِ طالق لرضا زيد، إن أراد الشرط لم تطلق حتى يرضى زيد، وإن لم يُرِد الشرط طلقت في الحال، ووجه ذلك أن العلَّة تسبق المعلول، فكان رضا زيد سابقًا على طلاقه.
(وإن قال: أردتُ الشرطَ قُبِلَ حُكمًا)، (حُكْمًا) معناه؟ عند الحاكم إذا ترافعَا، أما إذا لم يترافعَا وصَدَّقَتْه فلا حاجة للترافع.
(وأنتِ طالقٌ إن رأيتِ الهلالَ، فإن نَوى رؤيتَها لم تطلُقْ حتى تراه، وإلا طلُقَتْ بعدَ الغروبِ برؤيةِ غيرِها).
(أنتِ طالق إن رأيتِ الهلال)، ما ظاهر اللفظ؟ أنه إن رأته هي بنفسها، فلا تطلق حتى أيش؟ حتى تراه، فإن رآه غيرها لم تطلق. وعلى هذا فإذا كان نظرها قاصرًا لا ترى الهلال إلا في الليلة الرابعة، متى تطلق؟ في الليلة الرابعة.
أما إذا أراد بقوله: (إن رأيتِ الهلال)، يعني: إن ثبت دخولُ الشهر، فإنها تطلق برؤية غيرها.
ويُذْكَر أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه جعل الناس يتراءون الهلال، ولكنه لم يَرَه، هو ما رآه، فجعلوا يقولون: هو هذا يا أمير المؤمنين، هذا هذا، قال: إني سأراه وأنا على فراشي (9)، متى يراه وهو على فراشه؟
طالب: (
…
).
الشيخ: لا إله إلا الله، متى يا ناس؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: إذا ارتفع الهلال، يراه وهو على فراشه، ما يحتاج أنه يتراآه مع الناس، وهذا دليل على حلمه رحمه الله، وأن الإنسان لا ينبغي أن يستعجل الشيء، إن لم يأتِ إلى الشيء فالشيءُ يأتي إليه.
***
(فصل. وإن حَلَفَ لا يدخلُ دارًا أو لا يخرجُ منها، فأَدْخَلَ أو أَخْرَجَ بعضَ جسدِه، أو دخلَ طاقَ البابِ .. ) إلى آخره، يقول:(لم يَحْنَث).
قال: والله لا أدخل دار فلان، فوقف عند الباب وأصغى بظهره، فهل يحنث أو لا؟
طالب: لا يحنث.
الشيخ: ليش؟ لأنه ما دخل، الدخول يعتبر بالقدمين مع الجسد، وأما هذا فلا يقال: إنه دخل، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُخْرِج رأسه لعائشة تُرَجِّلُه وهو معتكف (10)، وهذا شيء لو كان خروجًا ما جاز للمعتكف؛ إذ إن المعتكف لا يجوز أن يخرج من اعتكافه من أجل أن يصلح رأسه.
كذلك إذا حلف ألَّا يخرج منها، قال: والله ما أخرج من هذا البيت إلا إذا أَذَّنَ الظهر، فقرع الباب عليه أحد، ففتح الباب وأصغى بظهره ينظر، هل يحنث أو لا يحنث؟
طلبة: لا يحنث.
الشيخ: ليش؟
طلبة: لم يخرج.
الشيخ: لأنه لم يخرج.
(أو دخلَ طاقَ البابِ لم يحنث، أو لا يلبس ثوبًا من غَزْلِها، فلبس ثوبًا فيه منه).
(مِن غَزْلِها) المرأة تغزل الثياب؟ فيما سبق النساء يَغْزِلْنَ الثياب، حلف قال: والله ما ألبس ثوبًا من غَزْل هذه المرأة، فلبس ثوبًا فيه مِن غزلها، فإنه لا يحنث؛ لأن هذا الثوب لم يتمحض من غزلها، إذ إنه مخلوط بغزل امرأة أخرى.
يقول: (أو لا يشرب ماء هذا الإناء، فشرب بعضه، لم يحنث).
قال: والله لا أشرب ماء هذا الإناء، الإناء فيه ثلاثة أرباعه، فشرب رُبُعَه، فإنه لا يحنث؛ لأنه حلف ألَّا يشرب ماء هذا الإناء.
فإن قال: أردت ألَّا أشرب منه، فإنه يحنث، كما لو قال لشخص: والله لا آكل طعامك، فأكل منه، جاء له بخبز وتمر ولحم وأكل، يحنث أو لا يحنث؟
طلبة: لا يحنث.
الشيخ: ويش القرينة التي تدل على أنه لا يأكل كل طعامه اللي بالبيت؟ لا، ما هو معقول، يعني: لا آكل شيئًا من طعامك، بخلاف ماء هذا الإناء؛ لأن ماء هذا الإناء يمكن أن يشربه جميعه، حتى لو قال: والله لا أشرب ماء هذا النهر، ورَوِيَ منه، يحنث أو لا يحنث؟
طلبة: يحنث.
الشيخ: لا لا، يقول: والله لا أشرب ماء هذا النهر؟
طلبة: يحنث.
الشيخ: كيف ماء الإناء تقولون: لا يحنث، وهذا تقولون: يحنث؟
طلبة: القرينة.
الشيخ: القرينة؛ لأنه ما يمكن يشرب النهر كله، إذن القرائن لها آثارها.
يقول: (فشرب بعضَه، لم يحنث).
ثم قال: (وإن فعلَ المحلوفَ عليه ناسيًا أو جاهلًا حَنِثَ في طلاقٍ وعِتَاقٍ فقط).
هذه قاعدة مهمة جدًّا ينبغي البسط فيها: (إن فعلَ المحلوفَ عليه ناسيًا): ناسيًا يمينه، أو ناسيًا أن هذا هو المحلوف عليه.
(أو جاهلًا): جاهلًا أن هذا هو المحلوف عليه، أو جاهلًا أنه يحنث بهذا الفعل، فإنه لا شيء عليه؛ لأنه لم يتعمد الحنث، وليت المؤلف أضاف شيئًا ثالثًا وهو الإكراه، فإذا فعل المحلوفَ عليه ناسيًا أو جاهلًا أو مُكْرَهًا فلا حنث عليه؛ لقول الله تبارك وتعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وقوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]، وقوله تعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} [النحل: 106]، وهذا واضح.
فإذا قال: والله لا ألبس هذا الثوب، ثم وجد ثوبًا مُعَلَّقًا فلبسه، وإذا هو الثوب الذي كان حلف على عدم لبسه، فليس عليه شيء، لكن عليه أن يخلعه في الحال؛ لأن الوصف الذي عُذِرَ به قد زال.
كذلك أيضًا لو حلف لا يلبس هذا الثوب، فوجده مُعَلَّقًا فلبسه ناسيًا أنه حلف، عليه كفارة أو لا؟ ليس عليه كفارة، لم يحنث، لكن متى ذَكَرَ وجب عليه أيش؟ أن يخلعه.
وكذلك لو أُكْرِهَ على لبسه وهو قد حلف ألَّا يلبسه ثم لبسه دفعًا للإكراه فلا حنث عليه.
استثنى المؤلف مسألتين: الطلاق والعتق، يعني: فإنه إذا فعل المحلوفَ عليه ناسيًا أو جاهلًا فإن المرأة تطلق، والعبد يعتق.
مثال ذلك، قال: إن فعلتُ كذا فعبدي حر، يريد عتقه، ففعله ناسيًا، فماذا يكون؟ على كلام المؤلف يعتق العبد.
قال: إن كلمت فلانًا فعبدي حر، ثم كَلَّمَ شخصًا لا يدري مَن هو، ثم تَبَيَّن أنه الرجل الذي حلف ألَّا يكلمه، فالعبد يعتق.
وكذلك في الطلاق، لو قال لزوجته: إن لبستِ هذا الثوب فأنتِ طالق، ثم نسيت ولبسته، تطلق؟ نعم تطلق، على كلام المؤلف.
أو قال: إن كلمتِ فلانًا فأنتِ طالق، يريد الطلاق، فكلمت رجلًا استأذن، أو كَلَّم في الهاتف وكَلَّمَته، وإذا هو فلان الذي عَلَّق الطلاق على تكليمه، تطلق أو لا تطلق؟ على كلام المؤلف تطلق.
والصحيح أنها لا تطلق، وأن العبد لا يعتق، وأنه لا فرق بين الطلاق والعتق وغيرهما، متى وقع ذلك عن جهل أو نسيان فلا إثم ولا كفارة ولا حِنْث؛ لأن لدينا قاعدة ممن له الحكم عز وجل وهو الله، ما القاعدة؟
طالب: فعل بعضه، يعني «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» . (11)
الشيخ: ليتك تنسى هذا الحديث.
الطالب: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].
الشيخ: إي نعم، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} ، «فَقَالَ اللهُ: قَدْ فَعَلْتُ» (12)، آية أخرى؟
طالب: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
الشيخ: خطأ.
طالب: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5].
الشيخ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} ، حتى اليمين إذا حلف الإنسان وهو لم يعقدها بقلبه لم تكن شيئًا، قال الله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89].
المهم أن مَن فعل شيئًا محلوفًا عليه من طلاق أو عتق أو غيرهما ناسيًا أو جاهلًا أو مُكْرَهًا، أيش؟ فلا شيء عليه، هذا هو القول الراجح، وهو الذي تقتضيه الأدلة، وهو مقتضى تيسير الشريعة وتسهيلها.
(وإن فعلَ بعضَه لم يحنَثْ إلا أن ينويَه).
إن فعل بعض المحلوف عليه فإنه لا يحنث إلا أن ينويه، فإذا قال: والله لا آكُل هذه الخبزة، فأكل بعضها، أيش؟ لا شيء عليه، ليش؟ لأنه ما أكلها، أكل البعض، إلا إذا أراد بقوله: لا آكلها، أي: لا آكل منها، فإنه يحنث.
(وإن حلفَ ليفعلنَّه، لم يَبرَّ إلا بفعلِه كلِّه)، يعني: إن حلف ليفعلنَّ هذا الشيء لم يَبَرَّ إلا بفعله كله.
وإن حَلَفَ ليَفْعَلَنَّهُ لم يَبَرَّ إلا بفِعْلِه كلِّه.
(بابُ التأويلِ في الْحَلِفِ)
ومعناه: أن يُريدَ بلَفْظِه ما يُخالِفُ ظاهِرَه، فإذا حَلَفَ وتَأَوَّلَ يَمينَه نفَعَه إلا أن يَكونَ ظالمًا، فإذا حَلَّفَهُ ظالِمٌ ما لزيدٍ عندَك شيءٌ وله عندَه وَديعةٌ بِمَكانٍ فَنَوَى غيرَه أو بما الذي، أو حَلَفَ ما زيدٌ ههنا ونَوَى غيرَ مَكانِه، أو حَلَفَ على امرأتِه لا سَرَقْتِ مني شيئًا فخانَتْه في وَديعةٍ ولم يَنْوِها لم يَحْنَثْ في الكلِّ.
(بابُ الشكِّ في الطلاقِ)
مَن شَكَّ في طَلاقٍ أو شَرْطِه لم يَلْزَمْه، وإن شَكَّ في عَدَدِه فطَلْقَةٌ، وتُبَاحُ له، فإذا قالَ لامرأتَيْه: إحداكما طالِقٌ. طَلُقَتِ الْمَنْوِيَّةُ وإلا مَن قُرِعَت، كمَن طَلَّقَ إحداهما، بائنًا ونسِيَها، وإن تَبَيَّنَ أنَّ الْمُطَلَّقَةَ غيرُ التي قُرِعَتْ رُدَّتْ إليه ما لم تَتَزَوَّجْ أو تَكُن القُرعةُ بحاكِمٍ.
وإن قالَ: إن كان هذا الطائرُ غُرابًا ففُلانةُ طالقٌ، وإن كان حمامًا ففُلانةُ. وجَهِلَ لم تُطَلَّقَا، وإن قالَ لزوجتِه وأَجنبِيَّةٍ اسْمُها هندُ: إحداكما أو هندُ طالِقٌ. طَلُقَت امرأتُه، وإن قالَ: أردْتُ الأجنبِيَّةَ. لم يُقْبَلْ حُكْمًا إلا بقَرينةٍ، وإن قالَ لِمَنْ ظَنَّهَا زوجتَه: أنتِ طالقٌ. طَلُقَت الزوجةُ وكذا عَكْسُها.
(بابُ الرَّجْعَةِ)
مَن طَلَّقَ بلا عِوَضٍ زَوجةً مَدخولاً بها أو مَخْلُوًّا بها دُونَ ما لَه من العَددِ فله رَجْعَتُها في عِدَّتِها ولو كَرِهَتْ بلفظِ: " راجعْتُ امرأتِي " ونحوِه لا " نَكَحْتُها ونحوِه، ويُسَنُّ الإشهادُ، وهي زوجةٌ لها وعليها حُكْمُ الزوجاتِ، لكن لا قَسْمَ لها وتَحْصُلُ الرَّجعةُ أيضًا بوَطْئِها،
فإنه لا يحنث إلا أن ينويه، فإذا قال: والله لا آكل هذه الخبزة. فأكل بعضها، أيش؟ لا شيء عليه. ليش؟ لأنه ما أكلها، أكل البعض، إلا إذا أراد بقوله: لا آكلها؛ أي لا آكل منها؛ فإنه يحنث.
(وإن حلفَ ليفعلنَّه لم يبرَّ إلا بفعلِه كلِّه)، يعني إن حلف ليفعلن هذا الشيء لم يبر إلا بفعله كله. فإذا قال: والله لأصومن شهر المحرم وصام بعضه، حنث أو لا؟ حنث؛ لأنه لا يبر إلا بفعله كله.
والله لآكلن هذه الخبزة. وأكل بعضها؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: لا.
الطلبة: لا يحنث.
الشيخ: هو يقول: لآكلن، ما هي بلا آكل، لآكلن؟
طالب: يحنث.
طالب آخر: (
…
).
الشيخ: طيب، هل نقول: إن كنت تريد البِرَّ فكلها كلها؟ أجيبوا يا جماعة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إي نعم، لا تلتبس عليكم. قال: والله لآكلن هذه الخبزة فأكل بعضها، حنث إذا أكل بعضها؛ لأنه قال: والله لآكلن هذه الخبزة. نقول: كلها كلها، قال: شبعت، ويش نقول؟
الطلبة: يحنث.