الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ذكر دخول مكة]
ثم قال المؤلف رحمه الله: (باب دخول مكة) يعني كيف يكون دخول مكة؟ قال: (يُسنُّ من أعلاها) يعني يسن أن يدخلها من أعلاها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يدخل مكة من أعلاها، وأعلاها هو الشرقي منها من عند ريع الحجوم.
(والمسجد) يعني ويُسنُّ دخول المسجد (من باب بني شيبة)؛ لأنه أيسر للطائف حيث إنه إذا دخل مع هذا الباب يكون الحجر أمامه أو قريبًا منه لكن باب بني شيبة معدوم من زمان، نحن أدركناه عِقد قريب من مقام إبراهيم، فالمسجد ذلك الوقت كان صغيرًا، الآن زال وصار الناس يدخلون من باب يُقال له: باب السلام، وهذا أيضًا أُزِيل، وبقي علامات فقط، وهل هذا الدخول من أعلاها والخروج من أسفلها هل هو تعبُّد أو لأنه أيسر للدخول والخروج؟
طالب: أيسر للدخول والخروج.
الشيخ: قيل هذا، وقيل هذا، قيل: إنه تعبد؛ ولذلك المؤلف يرى أنه تعبد، فيقول:(يُسنُّ من أعلاها)، وقيل: لأنه أيسر للدخول والخروج، أما في وقتنا الحاضر فلا يمكن العمل بهذا؛ وذلك لأن المرور قد رتَّب الدخول والخروج، ولا يمكن أن نُخالف ما رتبه المرور؛ لأن ما رتبه المرور يعتبر مما قضى به ولي الأمر، وما قضى به ولي الأمر فهو واجب الاتباع إذا لم يكن محرمًا وعلى هذا فنقول: السنة الآن أن يدخل الإنسان من حيث كان الدخول حسب تقرير المرور.
(فإذا رأى البيت رفع يديه وقال ما ورد)(إذا رأى البيت) يعني الكعبة (رفع يديه وقال ما ورد) وذكر في الشرح: اللهم أنتَ السلامُ، ومنك السلامُ، حيِّنا ربنا بالسلام. إلى آخره، ومن العلماء من ينكر هذا ويقول: إنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه صنع عند دخول المسجد أكثر مما كان يصنعه في أي مسجد، وعلى هذا فيُسن لدخول المسجد ما يُسن في غيره.
(ثم يطوف مضطبعًا) ويبتدئ بالحجر الأسود، كما ذكره (يطوف مضطبعًا) الاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر.
وقوله: (يطوف مضطبعًا) ظاهره أن الاضطباع في جميع أشواط الطواف وهو كذلك، والحكمة منه إظهار القوة وفتل العضلات؛ لأن الإنسان إذا أراد أن يكون قويًّا فعل كذلك.
قال: (يبتدئ المعتمر بطواف العمرة والقارن والمفرد للقدوم)؛ لأن فعل القارن والمفرد سواء إلا أنهما يختلفان بأن القارن يحصل له نسكان، والْمُفرِد لا يحصل له إلا نسك، وبأن القارن عليه هدي والْمُفْرِد لا هدي عليه.
(فيحاذي الحجر الأسود بكله) يحاذي: أي يوازي، يوازنه تمامًا (الحجر الأسود بكله) بمعنى أنه يقف أمام الحجر الأسود مستقبلًا له تمامًا، فلو حاذاه ببعضه بأن مال إلى الجانب الأيمن لم يجزئ، لا بد أن يحاذي الحجر الأسود بكله، ولو حاذاه ببعضه من الجانب الأيسر أجزأ أو لا؟
طلبة: أجزأ.
طالب: لا يجزئ.
الشيخ: تصورتموه؟ الحجر الأسود الآن أمامه إما أن يحاذيه بكله؛ بأن يكون مقابل له تمامًا، أو ببعضه والجانب الأيمن من بدنه خارج الحجر، أو ببعضه والجانب الأيسر خارج الحجر، أيهما الذي يجزئ؟
طالب: الأول.
الشيخ: بكله يُجزئ، ببعضه والجانب الأيسر من بدنه خارج الحجر مجزئ أيضًا من باب أولى، والتحديد إلى هذا الحد في النفس منه شيء؛ لأن ظاهر كلام الصحابة رضي الله عنهم أنهم إذا حاذوه سواء كان بكل البدن، أو بالجانب الأيمن من البدن، أو بالجانب الأيسر من البدن أنه أمره سهل لكن كلام الفقهاء لا بد من هذا، وعليه فيُشكل كثيرًا -فيما سبق- كيف تكون هذه المحاذاة الدقيقة؟
وكنا نتعب في المحاذاة هذه الدقيقة، ونحتاط لا بد أن نخطو خطوات مما يلي الركن اليماني للاحتياط، وكان العامة يبدؤون من حيث يظنون أنهم حاذوا الحجر، ومعلوم أنه كلما بعد الإنسان من الكعبة شقت المحاذاة، لكن من تيسير الله عز وجل أنه بعد تبليط المطاف جُعِلت هذه العلامة، وكانت بالأول خطين بنيين والحجر بينهما، فكان في هذا خلل وضرر؛ لأن المبتدئ سوف يبتدئ من الخط الأيمن ويكون من بعد الحجر، والمنتهي ينتهي بالخط الأيسر فيُنهي الطواف قبل أن يصل إلى الحجر، وبقي الناس على هذا بُرهة من الزمن، ثم يسر الله عز وجل وغُيِّر الخطان، وجُعِل هذا الخط في قلب الحجر فكان علامة مُريحة مفيدة للطائفين ولا سيما العوام.
أما طالب العلم ممكن يتخلص بأن يحتاط ويتقدم إلى نحو الركن اليماني، ويؤدي طوافه بيقين لكن العامي مشكل، فكان -بحمد الله- هذا الخط. على أن هذا الخط الآن فيه منازعات، فبعض الناس يقول: يجب أن يُرفع؛ لأن بعض العامة إذا وصل الخط وقف، وبعض العامة إذا كان المطاف خاليًا يصلي على نفس الخط فيظنون أن هذا الخط شيء مقصود شرعًا وليس كذلك، قالوا: فمن أجل هذا يجب رفعه، فنقول: الحقيقة أن هذا لا شك أنه أمر -كما يقولون- سلبي، لكن الأمر الإيجابي أهم من هذا، وهو انضباط الناس في ابتداء الطواف وانتهائه.
أما مسألة الوقوف، فالوقوف نحن شاهدنا في الزحام وفي الفضاء ليس وقوفًا كثيرًا، وإن كان فيه زحام فالناس يدفعونهم ما يبقونهم يقفون، ثم إن هذا الوقوف مقابَل بالوقوف إذا لم يكن خط؛ لأن كل إنسان يظن أنه حاذى الحجر سوف يقف فتتعدد المواقف، ويكون هذا أشد تضييقًا وزحامًا، مثل هذا يقف قبل أن يحاذي الحجر يظن أنه حاذاه، والثاني يقف في مكانه يظن أنه حاذى الحجر، والثالث يقف بعدهم في مكان يظنه حاذى الحجر فيكون أشد إعاقة.
وأما مسألة الصلاة، فالصلاة إن كان زحامًا ما حد مصلي، ولا يقدر يصلي، وإن لم يكن زحامًا فالذين يصلون شاهدناهم قليلون، ويمكن أن يُنصحوا، المهم أن منفعته أكثر من مضرته فيما نرى، ونسأل الله تعالى أن يبقيه، وإلا فهناك معارضة قوية في أنه يزال، ولكن نرجو الله سبحانه وتعالى أن يمكنه حتى ينتفع الناس به.
على كل حال نرجع إلى كلام المؤلف، يجب أن يحاذي الحجر؟ بكل بدنه، والصواب أن هذا ليس بواجب، وأنه إذا حاذاه ولو ببعض البدن فهو كافٍ، ولا حاجة أن يحاذي بكل البدن، لكن نعم إن تيسر فهو أفضل لا شك فيحاذي الحجر الأسود.
وقوله: (الحجر الأسود) تعبير صحيح، لكن من العوام من يقول: الحجر الأسعد، فيجعل هذا الحجر من السعداء، بل أسعد السعداء؛ لأن الأسعد اسم تفضيل محلى بـ (أل) يدل على أنه لا أحد يُساميه في السعادة، وهذا من الغلو لا شك فيه، بل نقول: الحجر الأسود كما هو أسود، وإذا لقَّبناه بوصفه لم يكن في ذلك إهانة له ولا إذلال له.
(الحجر الأسود بكله، ويستلمه، ويُقبِّله فإن شق قبَّل يده، فإن شق اللمس أشار إليه) هذه مراتب، أفضل المراتب أن يستلمه ويُقبِّله؛ يعني يمسحه باليد ويُقَبِّله اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلفائه الراشدين، وقد قَبَّلَه أمير المؤمنين عمر رصي الله عنه وقال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، وصدق رضي الله عنه، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلك ما قبَّلتك، إذن فتقبيلنا له تبرُّك أم تسنن؟
طلبة: تسنن.
الشيخ: تسنن لا شك، ومن اعتقد أنه تبرك فقد ضل، نرى بعض العوام الآن يرون أنه تبرك حتى إننا نشاهدهم في أيام الفسحة يقف الواحد ومعه صبيه على يده فيمسح الحجر، ويمسح الولد الطفل كأنه أخذ عليه من بركاته، ومسح به الولد، وهذا من الجهل، بل رأيناهم في الركن اليماني يفعلون هذا، وكله من الجهل؛ لأن العامة لا يسألون وربما، يكون علماؤهم في بلادهم أيضًا لا ينبهونهم على مثل هذه الأمور. هذا واحد الاستلام والتقبيل.
(فإن شق قبَّل يده) يعني بعد أن يمسحه شق أن يدنو منه حتى يُقبِّله لكن يده مسحته فيُقبِّل يده فإن لم يصل بيده ومعه شيء يوصله ولا يتأذى به الناس مسحه، استلمه بالذي معه وقبَّل الذي معه، فإن لم يمكن هذا كله يقول:(أشار إليه) باليدين جميعًا أو بيد واحدة؟
طالب: بيد واحدة.
الشيخ: بيد واحدة، باليد اليمنى التي يستلم بها، وأما فعل العوام الآن يُكبِّر تكبيرة الصلاة فهذا غلط وجهل.
(فإن شق أشار إليه ويقول: ما ورد) ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبما أن هذا الكتاب مختَصر فليطلُب الإنسان ما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
طالب: أحسن الله إليك، قولنا: إنه لا بد من استقبال الحجر الأسود.
الشيخ: بكل البدن.
الطالب: ألا يعارض أنه يجب في الطواف أن يجعل في جميع الشوط جنبه الأيسر للكعبة؟
الشيخ: إي نعم، ما يعارض، هو الآن متجه للحجر، ثم يلف على طول، تعرف معنى يلف؟ يعني إيه؟
الطالب: يلف.
الشيخ: لا، فسرها لنا، أخشى يلف يعني يلف ثوبه.
طالب: يستدير.
الشيخ: يستدير في مكانه، ويجعل البيت عن يساره.
طالب: في الوقت الحاضر إذا كان الإنسان معه نساء ولا ناس ضعيفون، تصير يا شيخ نية الطواف، ما يحصلون إلا نية الطواف يا شيخ؟
الشيخ: إي.
الطالب: يذهب بعض الأحيان مع النساء، يا شيخ، يذهل؛ لأن بعضهن .. يصير كثير النسوان، إذا صار معنا نساء أربع ولَّا ثلاث يضيع منهن بعض الأحيان؟
الشيخ: ويش السؤال الآن؟
الطالب: أقوال: السؤال عن النية؟
الشيخ: أحسنت.
الطالب: وحضرت في الطواف.
الشيخ: صدقت، سيأتينا، إن شاء الله، من القول الراجح أنه لا تُشترط النية للطواف ولا للسعي، وأنها نية الطواف والسعي داخلة في ضمن نية الإحرام قياسًا على الصلاة، الآن عندما نصلي هل ننوي الركوع ولا داخلة من ضمن الصلاة؟
الطالب: لا (
…
).
الشيخ: اصبر يا رجَّال، افهم كلامي قبل، فهمت كلامي الآن؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: الآن عندما أُكبِّر، أنا نويت أصلي العشاء، هل يجب عليَّ أن أنوي الركوع، وإذا أردت السجود نويت السجود؟
الطالب: لا.
الشيخ: ما يجب، فهي أجزاء من العبادة، الطواف والسعي والوقوف وغيره أجزاء من عبادة متكاملة. هذا القول هو الأقرب للصواب، وهو -كما قلت- كثيرًا ما يجي الإنسان بس يبغي يطوف فقط، ويذهل عن كونه لعمرة أو للقدوم أو للإفاضة يذهل عن هذا.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، القارن والمفرد إذا ذهب لعرفة مباشرة، ثم رجع فهل يضطبع ويرمل في؟
الشيخ: كيف يضطبع؟
الطالب: لو كان ما فك الإحرام؟
الشيخ: لا، هو.
الطالب: أتى مباشرة من مزدلفة؟
الشيخ: إي، يعني ما تحلل ما حل؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: الظاهر أنه لا يفعل، هذا سنة في طواف القدوم فقط.
الطالب: هو لم يأتِ بالقدوم؟
الشيخ: لا، ما هو قدوم؛ لأنه فعل قبله أجزاء من النسك.
الطالب: ولا رمل أيضًا؟
الشيخ: ولا رمل، سيأتينا هذا إن شاء الله بيجي كلام المؤلف.
طالب: أحسن الله إليكم، طالب العلم يمر على مثل هؤلاء ممن يتبركون بالأحجار ونحوها في الطواف وفي السعي وفي عرفة مثلًا، ما موقفه؟ هل يجوز له أن يسكت يعني؟
الشيخ: لا، يُنبِّههم بدون إنكار، بس لا يُعنِّف عليهم؛ لأنهم معذورون جُهال، يبين لهم بدون إنكار، ويقول: السنة أن تتعبد لله تعالى باستلام الحجر وتقبيله دون أن تعتقد أن فيه بركة يتبرك بها، وإلا ما يخلون؛ لأن مشكلة هذا.
طالب: أحسن الله إليك، هل يجوز أن يصلي وهو مضطبع؟
الشيخ: ارفع يدك، من اللي، لا اللي وراء، أنا أريد اللي وراء.
طالب: التكبير؟
الشيخ: إي.
الطالب: التكبير عند محاذاة الحجر، هل يجب على الخط الأسود أو تقريبًا إذا حاذى الحجر؟
الشيخ: سبحان الله! أنت تسأل وأنا ما شفتك أبدًا يا شيخ، أنا أبغي اللي جنبك، يلَّا.
طالب: أحسن الله إليك، الصيغة الصحيحة للتكبير في أول الطواف، وفي بين .. ؟
الشيخ: إي، أول الطواف يقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، فعلها ابن عمر وفي البقية يُكبِّر فقط.
طالب: التكبير عند محاذاة الحجر الأسود، هل يجب على الخط الأسود أو تقريبًا إذا حاذاه؟
الشيخ: لا، هذه المسألة مسائل يسيرة، يعني أنا ما أظن -والله أعلم- أن الصحابة يحددون هذا التحديد التام، ما أظن هذا.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم.
طالب آخر: من النظام الموعود بتطبيقه، أو أنه مطبق الآن أن من حج في هذه السنة لا يحج إلا بعد خمس سنوات، فهل من فسد حجه، فيجب عليه الحج من قابل هل إن استطاع إلى ذلك سبيلًا يفعل؟
الشيخ: يعلم الجهات المسئولة، علشان يؤدبونه أولًا ويرخصون له ثانيًا.
الطالب: طيب يا شيخ، ما الوسيلة؟
الشيخ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2].
طالب: شيخ، بارك الله فيك، قلنا بأن من فعل محظورًا فإنه، نعم، قلنا بأن القاعدة أن الجهل والنسيان والإكراه تسقط هذا المحظور؟
الشيخ: نعم.
الطالب: لكن لو ترك واجبًا، كامرأة مثلًا حجت متمتعة وبعدما انتهت من السعي لم تحلق، لم تقصر، تأخذ من أضفار رأسها، ثم أهلت بالحج، فهل يسقط؟
الشيخ: تقصد التقصير عنها؟ نعم، هذه فيها خلاف بين العلماء، بعضهم قال: إنها تكون قارنة؛ لأنها لم تتم العمرة، ومن قال: لا يصح إدخال الحج على العمرة إلا قبل الشروع في الطواف قال: هذه يلزمها دم لترك هذا النسك.
الطالب: ما هو بنسيان يا شيخ (
…
)؟
الشيخ: ترك الواجب ما يسقط، الواجب لا يسقط بالنسيان، ألم ترَ أن النبي صلى الله عليه وسلم نسي ركعتين في الظهر أو العصر، تركهما؛ لأنه ناسٍ ولا أتمهما؟
الطالب: أتمهما.
الشيخ: هذه هي.
طالب: بارك الله فيك، بالنسبة للحجر الأسود ورد حديث أنه من أحجار الجنة؟
الشيخ: أنه نزل.
الطالب: نزل.
الشيخ: من السماء أشد بياضًا من اللبن، وسوَّدته خطايا بني آدم (5)
طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، إذا اشترط المتمتع، إذا أراد أن يذبح المتمتع هديه، ثم سُرق منه، أو أخذه غيره فذبحه ووجده مذبوحًا، هل يجزئ؟
الشيخ: اللي سرقه بيذبحه ويخليه لصاحبه؟ ! هذه المسائل لا تسألون عنها!
الطالب: الشيء يحصل هذا اشتبه بهديه ذبحه، وتبين أنه ليس بهديه مثلًا؟
الشيخ: إي غلط يعني؟
الطالب: غلط أو سرق؟
الشيخ: العلماء يقولون: يكون لصاحبه.
الطالب: لمن؟
الشيخ: لصاحبه.
الطالب: ذبحه غيره؟
الشيخ: إذا كان مثلًا الهدي لي أنا، وذبحته أنت خطأ، أجزأ عني؛ لأني عينته وتعيَّن لهذا الوجه.
الطالب: شيخ، إذا لم يجده؟
الشيخ: من اللي ما وجد؟
الطالب: ما وجده الإنسان هذا، ما وجد هديه ولا مذبوحًا ولا حيًّا؟
الشيخ: يذبح بدله.
الطالب: يشتري غيره؟
الشيخ: يشتري غيره، ويذبح بدله، لكن لو رجع بعد أن ذبحه، بعد أن ذبح البدل، ماذا يصنع به؟
هذا رجل اشترى هديه والهدي هرب أو سُرِق ولم يجده، وقلنا: اشترى بدله، فاشترى بدله، ثم جاء بعد أن اشترى البدل وانتهى. الصحيح أنه لا يجب عليه ذبحه، بعض العلماء يقول: يجب عليه ذبحه؛ لأنه عينه، والصحيح أنه لا يجب؛ لأننا لو أوجبنا عليه ذبحه لأوجبنا عليه هديين، وأوجبنا العبادة مرتين، والصواب أنه ما دام ذبح بدله فإنه يجزئ، فإذا وجده فيما بعد تملكه.
طالب: بالنسبة للذئب إذا قتله المحرم؟
الشيخ: نقول: جزاه الله خيرًا.
الطالب: ما يلحق بالضبع يا شيخ؟
الشيخ: يذهب؟
الطالب: يلحق بالضبع.
الشيخ: لا، ما يلحق بالضبع؛ لأن الذئب يفترس ما فيها، ولذلك تجد الذئاب إذا دخلت على قطيع من الغنم أكلت ما تأكل، ثم شقت بطون الباقي، هذا معروف، ويقال: إن ذئبًا دخل مع ثعلب الماء ليدخل معه السيل، فقتل من الغنم ما قتل وأكل وشبع، امتلأ البطن، امتلأ بطنه، لما أراد أن يطلع مع الثعلب ما قدر؛ لأنه دخل وهو جائع والآن شبعان ما يقدر، فاستمات؛ يعني نافق وأظهر أنه ميت، فلما جاء أهل هذا السيل وجدوا هذا الذئب ميتًا قالوا: الحمد لله الذي أماته وأراحنا منه، أكل غنمنا ومات، خليه يقعد، فتحوا الباب على العادة، وإذا به يطمرك الطمرة وإلا هو عند الباب، لا، احذره، ولذلك الأخ يقول: إنه ذكي، وهذا من ذكائه.
طالب: ممكن يا شيخ بعد الميقات في منتزه، بعد الميقات بخمسة كيلو، لو تأخر أو تقدم، ثم رجع وأحرم، فيه شيء يا شيخ؟
الشيخ: لا بأس، ما فيه مانع.
الطالب: (
…
).
الشيخ: إي، ما يخالف، لكن رجع وأحرم من الميقات، تجاوز الميقات، ثم رجع وأحرم منه، لا حرج، آخر واحد.
طالب: بارك الله فيكم، مرَّ معنا أن الإفراد والقران العمل واحد ما يفرق إلا العمل واحد؟
الشيخ: من؟
الطالب: مثل القارن والمفرد؟
الشيخ: تمام.
الطالب: ولا فرق إلا في النية والهدي.
الشيخ: القارن والمفرد.
الطالب: هل لهم أن؟
الشيخ: يقرنوا أقول: هل لهم أن يقرنوا تقصد؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب، يقرنون ما فيه مشكلة.
الطالب: لكن أفضل ما .. ؟
الشيخ: إي، معلوم، يحصلون على عمرة وحج.
الطالب: الذين منعوا العمرة بالنسبة؟
الشيخ: العمرة المفردة أما هذه تابعة (
…
)
ويش نسيت؟ تبغي هذه وصف رضيع، لكن ودنا نشوفه عين اليقين.
طالب: والله ودي يا شيخ، لو أقدر أمسكها (
…
).
الشيخ: جزاك الله خيرًا. أستغفر الله وأتوب إليه، لا إله إلا الله.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله تعالى في كتاب المناسك في باب دخول مكة: فيحاذي الحجر الأسود بكله، ويستلمه، ويُقَبِّله، فإن شق قبَّل يده، فإن شق اللمس أشار إليه ويقول: ما ورد، ويجعل البيت عن يساره ويطوف سبعًا، يرمل الأفقي في هذا الطواف ثلاثًا، ثم يمشي أربعًا، ويستلم الحجر والركن اليماني كل مرة، ومن ترك شيئًا من الطواف أو لم ينوه، أو نسكه، أو طاف على الشاذروان، أو جدار الحجر، أو عريان أو نجس لم يصح، ثم يصلي ركعتين خلف المقام.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبق لنا أنه يجب على الطائف أن يحاذي الحجر بجميع بدنه على المشهور من المذهب فإن حاذاه ببعضه، فإن كان بالجانب الأيسر؟ كمل؟
طالب: لم يجزئه.
الشيخ: لم يجزئه؛ يعني يسقط الشوط الأول، وإن كان بالجانب الأيمن أجزأه، واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا بأس إذا حاذاه ببعض البدن فإنه يجزئه الطواف، وهو كما قلنا في الليلة الماضية: إن الأمر في هذا واسع.
يقول رحمه الله: (يرمل الأفقي في هذا الطواف ثلاثًا، ثم يمشي أربعًا) يرمل الأفقي؛ يعني الذي ليس من أهل مكة، وليس بشرط أن يكون بينه وبينها مسافة قصر، بل من ليس من أهل مكة فإنه يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، والرَّمَل: سرعة المشي مع مقاربة الخطى، أن يسرع في المشي مع مقاربة الخطى؛ أي أنه لا يمد خطوه، والعادة أن الرجل إذا أسرع مد الخطى، لكن هنا نقول: أسرع بدون أن تمد خطوتك.
وليس معنى قول العلماء -فيما يظهر-: مع مقاربة الخطى، أنه يتعمد تقصير الخطوة، بل المعنى أنه لا يفعل ما يقتضيه الرَّمَل من مد الخطوة، تكون خطوته عادية، ولا يهز كتفيه كما يفعله بعض الجهال، تجده في الرمل يهز كتفيه وهو يمشي الهوينا، هذا غلط، الحكمة من هذا الرمل التأسي برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ليغيظ به الكفار، وكل شيء يغيظ الكفار فإنه محبوب إلى الله عز وجل كما قال عز وجل:{لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29]، وجه كونه إغاظة أنه لما صارت عمرة القضية في السنة السابعة من الهجرة، القضية يعني: التي قاضى عليها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قريشًا؛ يعني صالحهم، وليست القضية أن الذين حُصِروا قضوا؛ لأن كثيرًا منهم لم يأتِ بهذه العمرة الثانية، فالقضية بمعنى المقاضاة؛ أي المصالحة.
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضية قال المشركون بعضهم لبعض: إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، يعني أضعفتهم، وكانت المدينة النبوية مشهورة بالحمى حتى دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يرفع الحمى عنها إلى الجحفة، فاجتمعوا نحو الشمال، شمال الكعبة، من أجل أن يشمتوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكن الله أعلم نبيه بذلك، أو أتاه علم بأي وسيلة، فأمر أصحابه أن يرملوا من الحجر إلى الركن اليماني وأن يمشوا ما بين الركنين؛ لأن ما بين الركنين لا يشاهده قريش، يحول بينهم وبين رؤية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه بناية الكعبة، هذا أصل الرمل، لكن في حجة الوداع رمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحجر إلى الحجر؛ لأنه لا حاجة إلى أن يمشي ما بين الركنين، فصار الرَّمَل سُنَّة ثبتت بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن إذا كان هناك مشقة بحيث يتأذى به أو يؤذي به فإنه لا يفعل؛ لأن ترك السُّنة درأً للأذى خير مع فِعل السنة مع الأذى، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لعمر:«إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ فَلَا تُزَاحِمْ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ» (6).
قال العلماء: وإذا دار الأمر بين أن يدنو من الكعبة، أو يرمل ويُبعد فالرمل مع البعد أولى؛ لأن الرمل يتعلق بنفس العبادة، والقرب يتعلق بمكان العبادة.
وقوله: (الآفقي) عُلِم منه أن المكي لا يرمل، وهو كذلك؛ لأن هذا إنما ورد في القادم إلى مكة فيقتصر على ما ورد.
قال: (ثم يمشي أربعًا) لو رمل في كل الطواف فهو مبتدع، ويُنهى عن ذلك مع ما فيه من الإشقاق على النفس.
(ثم يمشي أربعًا ويستلم الحجر والركن اليماني كل مرة) والاستلام هو مسحه باليد اليمنى، والركن اليماني هو الذي يليه الحجر؛ يعني الذي يليه الركن الذي فيه الحجر، ويطلق عليهما الركنين اليمانيين؛ لأنهما من جهة اليمن.
وعُلم من كلام المؤلف أن الشامي والغربي لا يُستلمان وهو كذلك، وقد طاف معاوية رضي الله عنه وهو خليفة ومعه ابن عباس رضي الله عنهما، فجعل معاوية يستلم جميع الأركان فقال له ابن عباس: كيف تفعل هذا؟ قال: ليس شيء من البيت مهجورًا. فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت ولم يستلم إلا الركنين اليمانيين، وقد قال الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. فقال معاوية: صدقت (7).
ترك الاستلام، وفي هذا دليل على انقياد الصحابة رضي الله عنهم لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن معاوية كف عن هذا بمجرد أن قال له عبد الله بن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم ذلك، وفيه أيضًا دليل على تقديم النص على القياس، وهو واجب، ومعارضة النص بالقياس من سبل إبليس؛ لأن الله لما أمره أن يسجد لآدم قال: أنا خير منه، يعني وما كان للخير أن يسجد لمن هو دونه، ولكن هذا -أعني تقديم القياس على النص- باطل على أن النص الصحيح لا يخالف العقل الصريح والنظر السليم.
فإن قال قائل: ما الحكمة في أن الشامي والغربي لا يستلمان؟
قلنا: الحكمة أنهما ليسا على قواعد إبراهيم؛ وذلك لأن قريشًا لما أرادت أن تبني الكعبة جمعت المال، فنقص المال عن إتمام الكعبة على قواعد إبراهيم، فرأوا أن يحطموا جانبًا منها ويخرجوه من البناية، ويبنوا ما يمكن أن تكفي فيه النفقة، فحطموا جانبًا منها، ويسمى هذا الآن الحِجر، ويسمى الحطيم؛ لأنه حطم، ومقداره نحو ستة أذرع أو سبعة؛ يعني ليس كل الحِجر من الكعبة، وما قيل: إن قبر إسماعيل في الحجر فكذِب لا أصل له.
يقول: (الركن اليماني في كل مرة، ومن ترك شيئًا من الطواف أو لم ينوِه أو نسكه) إلى آخره، من ترك شيئًا من الطواف لم يصح؛ لأنه لا بد أن يكون الطواف سبعة أشواط، فلو نقص شيئًا منه لم يصح كما لو نقص من الصلاة ركعة أو سجدة.
(أو لم ينوِه) يعني لم ينوِ الطواف، وإنما فعله كسائر النسك، وهذا يقع كثيرًا حينما يأتي الإنسان، ويرى الزحام يذهل، ويطوف وينسى أن ينويه.
(أو نسكه) يعنى لم ينوِ أنه للعمرة مثلًا، أو أنه للقدوم، أو أنه للإفاضة، أو أنه للوداع، فصار عندنا لا بد من نيتين: الأولى: نية الطواف، والثانية: التعيين، أنه للنسك الفلاني، فلو نواه ولم ينوِ أنه للنسك المعين لم يصح، هذا ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله، والقول الثاني وعليه أكثر العلماء أنه لا يشترط فيه النية، وأنه تكفي النية الأولى عند الميقات. ومن المعلوم أن الطواف جزء من النسك فلا تُشترط نيته كما لا تُشترط نية الركوع في الصلاة أو نية السجود.
ونحن جميعًا نعلم أنه لن يفعل عاقل فعلًا باختياره إلا وقد نواه، لكن الذي قد يقع كثيرًا أنه لم ينوِ النسك، يعني ينوي الطواف ويغفل أنه عن عمرة، أو وداع، أو إفاضة، أو تطوع، هذا يقع كثيرًا لا سيما مع الزحمات والمشقة، والصحيح أيضًا أنه لا يشترط أن ينوي نسكه كما لا يشترط أصلًا أن ينويه، وأنه لو غفل ولم يذكر إلا بعد أن مضى شوط أو شوطان أو أتم الطواف صحيح، وهذا فيه تيسير على الناس، ونظيره من بعض الوجوه أنه لا يُشترط تعيين الصلاة لمن أراد أن يصلي، مثلًا دخل وقت الظهر، ثم جئت للمسجد وكبَّرت وغفلت عن نية أنها الظهر، الصحيح أن الصلاة صحيحة؛ لأنك إنما جئت لتؤدي فريضة هذا الوقت وأنت الآن في أي وقت؟ الظهر، فمن لازم أنك تريد تعيين صلاة هذا الوقت حصل التعيين، وهذا -أعني المسألة الثانية- رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
(أو طاف على الشاذروان) إذا طاف على الشاذروان لا يصح طوافه؛ لأنه لم يطُف بالبيت وقد قال الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] والباء للاستيعاب، ولم يقل: وليطوفوا في البيت. قال: بالبيت، والباء تدل على أن الطائف خارج البيت، وأنه استوعبه فإذا طاف على الشاذروان لم يصح الطواف، الشاذروان هو ما ترونه الآن كالعتبة محيطًا بالكعبة بالبناية، بناءً على أن الشاذروان من البيت.
واختار الشيخ رحمه الله شيخ الإسلام أن الشاذروان ليس من البيت، وإنما جُعل عمادًا له وحماية له من الأمطار أن تلصق به، كما يجعل الإنسان حول بيته مثل هذا عتبة أو نحوها تمنع من وصول الأمطار إلى جذر الجدار، وبناءً على كلام الشيخ رحمه الله، لو طاف عليه أجزأه، لو طاف على الشاذروان، وهذا الكلام فيما سبق؛ لأن الشاذروان كان مسطحًا ولكن بعض الخلفاء -جزاه الله خيرًا- جعله مُسنَّمًا؛ أي لا يستطيع الإنسان الوقوف عليه إلا بتعب، إذا كان مثلًا هناك ضيق شديد وبيعتمد على أكتاف الناس يمكن، لكن بدون هذا لا يمكن، فهو الحمد لله الآن جعل على وجه لا يمكن الطواف عليه، حتى لو كان مسطحًا فالمسألة كما سمعتم فيها الخلاف، المذهب يرونه لا يصح طوافه، وشيخ الإسلام يرى أنه صحيح.
(أو جدار الحجر) لو طاف على جدار الحجر ما صح؛ لأنه لم يطف بالبيت.
فإن قال قائل: إذا طاف على جدار الحجر الشمالي الذي ليس من الكعبة؟
فالجواب أن يُقال: إن هذا تابع، وما زال المسلمون يطوفون من وراء الحجر وإلا فهو أجزاء جدار الحجر الشمالي ليس من الكعبة؛ ولذلك سأل بعض المتعمقين قال: أرأيتم لو أنني صليت في الحجر وجعلت ظهري إلى الكعبة ووجهي إلى جدار الحِجر، أتصح الصلاة؟ فقلنا: يعني ماذا نقول له؟ قلنا: افعل وسترى من الناس ما يسوؤك، أي إنسان يفعل هذا سيقول الناس: إنه مجنون، وعلى طول بيمسكونه ويروحون به للمارستان، سبحان الله! ! أحد يسأل هذا السؤال؟ !
أما الجواب على هذا فنقول: لا يصح؛ لأن جدار الحجر الشمالي ليس من الكعبة فيكون صلى إلى هواء مع تمكُّنه أن يصلي إلى شاخص من الكعبة.
يقول: (أو جدار الحجر) من باب أولى إذا طاف ودخل مع الباب اللي بين الحجر وبناية الكعبة فإنه لا يصح، وهذا قد يفعله بعض الناس عند الضيق فتجده مع الضيق الشديد يقول: هذا أخصر وأوسع، نقول: هذا لا يصح الشوط.
(أو عريان) لو طاف وهو عريان فإن طوافه لا يصح؛ لأن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى في الناس في عام تسع: أن لا يطوف بالبيت عريان، ومن المعلوم أنه من سوء الأدب العظيم أن يطوف الإنسان ببيت الله وهو عريان، اللهم إذا كان للضرورة هذا شيء آخر، فإذا طاف وهو عريان لم يصح، ودليل ذلك أنه طواف منهي عنه، فإذا كان منهيًّا عنه فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (8).
قال: (أو نجس) يعني متنجس، وإلا فالإنسان لا يمكن أن يكون نجسًا ولكنه متنجس، والمتنجس يقال: إنه كان نجسًا بالنجاسة التي أصابته، فلو أنه طاف وهو نجس؛ يعني مثلًا لم يتنزه من البول أو من العذِرة أو غير ذلك، المهم أنه نجس فإن طوافه لم يصح، وهذا مبني على القول بأن الطواف صلاة، ومن المعلوم أن الصلاة بالنجاسة لا تصح، ولهذا لما علم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن في نعليه قذرًا ماذا فعل؟
طلبة: خلعهما.
الشيخ: خلعهما، فإذا قلنا: إن الطواف بالبيت صلاة لم يصح أن يطوف وهو نجس، وهذه المسألة فيها خلاف فأكثر العلماء يقولون: إن الطواف بالبيت صلاة، يُشترط فيه ما يُشترط في النافلة إن كان نفلًا، وما يشترط في الفريضة إن كان فرضًا، واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه ليس كذلك، وأن الطواف بالبيت ليس بصلاة؛ لأن الله فصله عن الصلاة فقال:{طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، وفي الآية الثانية:{وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]،
فليس من الصلاة.
وإذا لم يرد في الكتاب والسنة أنه من الصلاة فلا يصح لنا أن نلحقه بالصلاة؛ لأننا إذا ألحقناه بالصلاة أضفنا إليه شرطًا لم يكن في الكتاب ولا في السنة.
وأما قوله تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] طهرا بيتي، فهذا أمر بتطهير البيت عن الشرك وأهله، وربما يقال: وعن النجاسة أيضًا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصب الماء على مكان نجاسة الأعرابي في مسجد المدينة.
فإن قال قائل: ما هو دليل الجمهور على أنه صلاة؟
قلنا: الأثر المشهور: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ» (9). وهذا الأثر لا يصح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما صح موقوفًا عن ابن عباس، وهو محل اجتهاد، وهذا أيضًا لا يصح لا طردًا ولا عكسًا، يعني لا يصح أن يكون صلاة ويستثنى فيه مسألة واحدة وهي إباحة الكلام؛ لأنه يفارق الصلاة في أشياء كثيرة ليس فيه تكبيرة إحرام، ولا قراءة فاتحة، ولا ركوع ولا سجود، ولا استقبال قبلة، بل لو طُفت وأنت مستقبل القبلة لم يصح طوافك، ويجوز فيه الأكل والشرب، يعني يفارق الصلاة في أكثر مما يوافقها فيه، فكيف يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم حكم تكون المخالفة فيه أكثر من الموافقة ثم نلحقه بما ألحق به؟ هذا بعيد جدًّا.
فالصواب أن الطواف بالبيت ليس صلاة بل هو طواف عبادة مستقلة كالاعتكاف تمامًا: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125]، الاعتكاف عبادة مستقلة.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاف طاهرًا بدليل أنه صلى ركعتين بعد الطواف مباشرة ولم يُنقل أنه توضأ.
قلنا: نعم، نحن لا ننكر أن يكون الإنسان في الطواف على طهارة خير من أن يكون على غير طهارة؛ لأنها ذكر وعبادة، وينبغي أن يتطهر لها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للرجل الذي سلَّم عليه ولم يرد عليه حتى تيمم، قال:«كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ» (10).
فلا شك أن الوضوء للطواف أفضل وأحوط، ويخرج الإنسان فيه من الخلاف، لكن كوننا نقول: إنه شرط، وإنه لا يصح الطواف إلا به، لا نجسر على هذا، ولا نستطيع أن نجزم به خصوصًا وأنه أحيانًا لا بد أن تفتي بهذا، أنه ليس بشرط الطهارة، لو كان هناك زحام شديد وأحدث الإنسان في هذا الزحام على القول بأن الطهارة شرط يبطل الطواف، ولا يجوز أن يمضي فيه ولا خطوة واحدة، يجب أن يخرج ويتوضأ، ومن أين يحصل على الماء؟
طالب: من بعيد.
الشيخ: من بعيد أو بمشقه شديدة، متى يجد المواضِئ خالية، وإذا توضأ سيبقى ساعة أو نحوها ورجع، ثم دخل في المعركة، معركة المطاف، وأحدث مرة أخرى؛ لأنه ما يأمن أن يُحدِث سواء بالريح؛ لأن بعض الناس يكون عنده غازات، نسأل الله العافية، وبعض الناس يكون عنده سرعة تبول ما يأمن، فحصل منه الحدث قلنا: اذهب توضأ، ذهب توضأ وجاء وشرع في الطواف وأحدث، هذه ما هي مسألة فرضية بعيدة، قريبة جدًّا، ممكن.
لا يستطيع الإنسان أن يلزم عباد الله بمثل هذه المشقة إلا بدليل مثل الشمس، أما أن يلزمهم بمشقة إلى هذا الحد بدون دليل واضح يستطيع أن يقابل به الرب عز وجل، وأن يلزم عباد الله به ويُؤثِّمهم بتركه صعب، ولهذا نُفتي بلا قلق؛ أن من أحدث في الطواف في مثل هذه المضائق فليستمر فيه وليس عليه شيء، أما مع السعة فالاحتياط أولى ألا يطوف إلا على طهارة فيُفرَّق بين هذا وهذا، وما دامت المسألة ليست صريحة بينة فلا يمكن أن نُلزم عباد الله بما لم يتبين لنا أنه واجب.
طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، استدللنا فيما سبق بحديث صفية وعائشة، يعني الجواب عليه يعني ما اتضح لي تمامًا؛ لأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرب المسجد حائض أو جنب، يعني الحديث -كما تعلمون- ليس بذاك، طيب وجه الدلالة من الحديث؟
الشيخ: مسألة عائشة أنه قال: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» (11). وكذلك صفية لما أُخبر أنها حائض قال: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ » (12). ما يدل على الوجوب، على وجوب الطهارة من الحدث الأصغر، يعني لو فرضنا تنزلًا، نقول: مسألة الحيض حدث أكبر، فلا يصح مع الحدث الأكبر الطواف، على أن اختيار شيخ الإسلام رحمه الله أو جوابه على هذا أن الحائض ممنوعة من المكث في المسجد، وأنها إنما مُنِعت من الطواف؛ لأنها يلزمها إذا طافت أن؟
طالب: أن تدخل المسجد.
الشيخ: لا، دخول المسجد ما فيه بأس للحائض إذا أمنت التلويث تدخل المسجد وتأخذ الحاجة منه، من المسجد، وتمر به في طريق مختصر، لكن المكث، والطواف مكث، يبقى الإنسان عشر دقائق على الأقل.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، يعني وجه الدلالة في أن الحائض ممنوعة من البقاء؟
الشيخ: اللي فيه هذا هو، هذا هو الدليل نفسه.
الطالب: عائشة وصفية؟
الشيخ: عائشة وصفية.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي النافلة على الراحلة ولا يصلي الفرض عليها؟
الشيخ: نعم.
الطالب: وطاف بالطواف على الراحلة، هذا فيه فارق على أن ندعي أن الطواف صلاة يا شيخ؟
الشيخ: إي، هذا من الأدلة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما طاف إلا فرضًا إلا طواف القدوم، فالإفاضة فرض والوداع فرض.
طالب: أحسن الله إليكم، على قول شيخ الإسلام أن الطواف على الشاذروان يعني لا بأس به، حتى على قوله أن الطواف على جدار الحجر الشمالي يكون يعني لا يصح، ماذا نقول على هذا؟
الشيخ: على الجدار ما يصح؛ لأن هذا جدار متفق عليه ليس كالشاذروان.
طالب: الدعاء الجماعي في الطواف، الإنسان يدعو ويرددون وراءه؟
الشيخ: إي، هذا في الحقيقة مُشكِل؛ لأنه يؤذي الناس ويشغلهم عن الدعاء الخاص لا سيما إذا كان الذي يطوف بهم جهوري الصوت، ثم رفع صوته طويلًا من أجل أن يُسمع، ويُقصد فيما بعد ليطوف بالناس، ولقد رأيت رجلًا جهوري الصوت جدًّا قوي ومعه عصا يطوف الناس، فيقول: رب اغفر، ثم يضرب الأرض بهذه العصا ضربة قوية، يعني من شدة ما يجد من الانفعال، بعضهم يتخذها كأنها أغنية فعلى كل حال الدعاء الجماعي إن كان بصوت خافت ويُعلِّم هؤلاء؛ لأنهم لا يعرفون، كثير من العامة ما يعرفون، فأرجو ألا يكون به بأس، وأما كونه يُفعل على هذا الوجه فهو مؤذٍ للطائفين ولم ينقل عن السلف فيما نعلم.
الطالب: والأجرة عليه يا شيخ؟
الشيخ: الأجرة عليه، ماذا تقول في الأجرة على تعليم القرآن؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: اصبر، يجوز ولَّا لا؟
الطالب: جائز.
الشيخ: الصحيح أنه جائز على التعليم، هذا من جنسه تعليم، هذا من جنسه، لكن بعضهم -والعياذ بالله- كما تفضلت، بعضهم يجعله مهنة ويجعله أيضًا وسيلة للسرقة فإنه يغر الحاج يقول: تعالَ أطوفك بمئة ريال، الحاج يفهم أنه يطوفه الطواف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم إذا انتهى من الطواف قال: يلَّا، سلِّم مئة ريال، وهذا يعني شيء وقع، وحصل فيه نزاع، المطوِّف يقول: المئة على الطواف فقط، وذاك يقول: لا، المئة على كل النسك، وتنازعوا لكن يسر الله يعني تدخل بعض الناس وقالوا: يا رجل، أنت جاي هنا حاج، وخلِّ هو ظالمك ولا جدال في الحج.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، الطواف (
…
)؟
الشيخ: لا بأس به مع الضيق لا بأس به.
الطالب: ومع السعة؟
الشيخ: لا، مع السعة لا ينبغي؛ لأنه يفوته استلام الحجر.
الطالب: الباء في {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]. االباء هنا للملاصقة يا شيخ.
الشيخ: لا، ما هي بشرط، الباء للاستيعاب ما هي للملاصقة، للاستيعاب؛ ولذلك لو طاف من وراء المسجد ما صح طوافه؛ لأنه يصير طاف بالمسجد لا بالبيت، وهذه المسألة -في الحقيقة- تُشكل في الذين يطوفون في السطح؛ لأنهم إذا حاذوا المسعى ضاق المكان، فبعضهم ينزل إلى المسعى، فهل نقول: هؤلاء الذين نزلوا إنهم طافوا جزءًا من الشوط خارج المسجد؟ لأن المسعى ليس من المسجد، نعم، نقول: خارج المسجد، لكننا نرجو إذا كان الذي أوجب لهم ذلك هو الضيق والضنك والناس يعني متلاصقون، نرجو أن يكون ذلك مجزئًا على ما في ذلك من الثقل لكن للضرورة (
…
) ما فيه سؤال؟
طالب: يا شيخ، لو نفتح المجال شوي يا شيخ؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: إشكالات كثيرة؟
طالب آخر: شيخ، أحسن الله إليكم، رجل في يكون في البيت عشان الزحام، طلع وجلس استراح، ثم رجع، هل يبني عليه شيء؟
الشيخ: هذا ينبني على الموالاة في الطواف، هل هي شرط أو ليست بشرط؟ أكثر العلماء على أنها شرط وبعض العلماء يقول: إنها ليست بشرط ولكنها سنة، وستأتي في كلام المؤلف ..
ثم يُصَلِّي رَكعتينِ خَلْفَ الْمَقامِ.
(فصلٌ) ثم يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ، ويَخْرُجُ إلى الصفا من بابِه فيَرْقَاه حتى يَرَى البيتَ ويُكَبِّرُ ثلاثًا ويَقولُ ما وَرَدَ، ثم يَنْزِلُ ماشيًا إلى العَلَمِ الأَوَّلِ، ثم يَسْعَى شديدًا إلى الآخَرِ، ثم يَمْشِي ويَرْقَى الْمَروةَ ويَقولُ ما قالَه على الصَّفَا، ثم يَنزِلُ فيَمْشِي في مَوْضِعِ مَشْيِه ويَسْعَى في مَوْضِعِ سَعْيِه إلى الصفا يَفعلُ ذلك سبعًا: ذهابُه سَعيةٌ ورُجوعُه سَعيةٌ، فإن بَدَأَ بالْمَروةِ سَقَطَ الشوطُ الأَوَّلُ، وتُسَنُّ فيهُ الطهارة والستارةُ والْمُوالاةُ، ثم إن كان مُتَمَتِّعًا لا هَدْيَ معه قَصَّرَ من شَعْرِه وتَحَلَّلَ، وإلا حَلَّ إذا حَجَّ والْمُتَمَتِّعُ إذا شَرَعَ في الطوافِ قَطَعَ التَّلبيةَ.
(بابُ صِفةِ الْحَجِّ والعُمرةِ)
يُسَنُّ للمُحِلِّينَ بِمَكَّةَ الإحرامُ بالْحَجِّ يومَ الترويةِ قبلَ الزوالِ منها ويُجْزِئُ من بَقِيَّةِ الْحَرَمِ، ويَبيتُ بِمِنًى، فإذا طَلَعَت الشمسُ سارَ إلى عَرفةَ، وكُلُّها مَوْقِفٌ إلا بَطْنَ عُرَنَةَ، وكُلُّها مَوْقِفٌ إلا بَطْنَ عُرَنَةَ، وسُنَّ أن يَجْمَعَ بينَ الظُّهْرِ والعصرِ، ويَقِفَ راكبًا عندَ الصَّخَراتِ وجَبَلِ الرحمةِ ويُكْثِرُ من الدعاءِ بما وَرَدَ، ومَن وَقَفَ ولو لَحْظَةً من فَجْرِ يومِ عَرفةَ إلى فَجْرِ يومِ النحْرِ وهو أَهْلٌ له صَحَّ حَجُّه وإِلَّا فَلا ومَن وَقَف نهارًا ودَفَع قبلَ الغُروبِ ولم يَعُدْ قَبلَه فعَلَيْه دَمٌ وَمَن وَقَفَ لَيْلًا فقط فَلَا، ثم يَدفعُ بعدَ الغُروبِ إلى مُزدَلِفَةَ بسَكِينَةٍ ويُسْرِعُ في الفَجوةِ ويَجمَعُ بها بينَ العِشاءَيْنِ
خارج المسجد؛ لأن المسعى ليس من المسجد، نعم نقول: خارج المسجد، لكننا نرجو إذا كان الذي أوجب لهم ذلك هو الضيق والضنك والناس متلاصقون، نرجو أن يكون ذلك مجزئًا على ما في ذلك من الثقل لكن للضرورة.
طالب: شيخ -أحسن الله إليكم- رجل في الطواف تعب وخرج استراح؟
الشيخ: أيش؟
الطالب: يطوف بالبيت؟
الشيخ: نعم.
الطالب: تعب بسبب الزحام؟
الشيخ: إي.
الطالب: طلع وجلس استراح ثم رجع، هل يبني عليه؟
الشيخ: هذا ينبني على الموالاة في الطواف هل هي شرط أو ليست بشرط؟ أكثر العلماء على أنها شرط، وبعض العلماء يقول: إنها ليست بشرط ولكنها سنة، وستأتي في كلام المؤلف.
طالب: شيخ، عندي في الكتاب:(ومن ترك شيئًا من الطواف أو لم ينوه أو نكَّسه)؟
الشيخ: لا، (نُسَكَه) عدِّلها.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- في الرمل في الطواف، من كان معه من لا يستطيع أن يرمل لضعفٍ أو مرضٍ هل له أن يطوف لوحده حتى .. ؟
الشيخ: إذا كان الذي معه يتمكن من إكمال الطواف بنفسه ولا يحصل مشكلة؛ ضياع أو ما أشبه ذلك، فلا يرمل، يمشي حسب صاحبه، إذا كان يتمكن الذي معه من أن يطوف وحده ولا يكون هناك إشكال؛ كالضياع وما أشبه ذلك فليرمل، وإذا كان لا يتمكن فلا بد يمشي معه.
طالب: بارك الله فيك يا شيخ، تكلمنا نحن في الصابون -يا شيخ- أنه ليس من الطيب، وقلنا: إنه ليس من الطيب، وإن الطيب هو أن يذهب الإنسان بقصد التطيب، لكن -يا شيخ- لو -مثلًا- نفس الصابون -يا شيخ- يختلف بالرائحة، لو قصد إنسان أنه يذهب إلى الطيب هذا كونه قوي الرائحة؟
الشيخ: إذن الصابون قوي الرائحة؟
الطالب: إي.
الشيخ: إي، والله معناه أنه قصد الطيب الآن، لكن مع ذلك ما نستطيع أن نمنع إلا بشيء بيِّنٍ.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- أحيانًا ينزل على المرأة ما يمنعها من الصلاة والصوم، أو الرجل يجد أثر الماء في الثياب، فلما يطوف يجد هذا الأمر، فهل نقول حينئذٍ: يصح طوافه؛ لأنه؟
الشيخ: أيش؟
الطالب: فهل نقول حينئذٍ: يصح طوافهما؛ لأن الطهارة ليست بشرط، والممنوع هو المكث وقد مضى، وتجنب .. ؟
الشيخ: الظاهر أن الطهارة الكبرى لا بد من اشتراطها؛ يعني لو أن المرأة نزل حيضها في أثناء الطواف بطل الطواف، أو الرجل أنزل منيًّا بشهوة فيبطل طوافه؛ لأن الله قال في الجنب:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43].
الطالب: أليس هو من باب اجتناب المحظور فيسقط .. ؟
الشيخ: لا، هذا من باب فوات المأمور.
طالب: لو أحصر قبل الميقات، لو كان أحرم قبل الميقات وأحصر قبله فهل (
…
)؟
الشيخ: سمعتم سؤاله؟ يقول: رجل أحرم قبل الميقات ثم أحصر قبل الميقات، قد نوى الرجل دخل في النسك، حسب ما تكلمنا في الإحصار بيجينا إن شاء الله.
قال المؤلف: (ثم يصلي ركعتين خلف المقام) ثم بعد أيش؟
طلبة: الطواف.
الشيخ: بعد انتهاء الطواف، (يصلي ركعتين خلف المقام) أي: مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكان هذا المقام هو الحجر الذي يصعد عليه إبراهيم عليه السلام لما ارتفع بناء البيت صار يصعد عليه، وقد قيل: إن أثر قدمي إبراهيم كان موجودًا حتى زال بمسحه؛ يعني ما زال الناس يمسحونه فيما سبق قبل الإسلام وزال، وقال بعضهم: إن أثر القدم لم يزل؛ لأن أبا طالب يقول في لاميته المشهورة:
وَمَوْطِئِ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبَةً
عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِ
فقد بقي.
هذا المقام قال بعض المؤرخين: إنه كان لاصقًا بالكعبة، وإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كثر الناس الذين يصلُّون خلفه رأى أن يُنْقَل إلى مكانه الحالي؛ حتى يتسع المطاف ولا يحجرهم صلاة الركعتين خلفه.
وقال بعضهم: إن هذا هو مكانه الأصلي.
المؤرخون مختلفون فيه، وحديث جابر يقول: ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125](1)، وكلمة (تقدم) صالحة لأن يكون لاصقًا بالكعبة أو يكون في مكانه الحالي؛ لأنه حتى لو كان لاصقًا بالكعبة فبينه وبين الحجر الباب.
المهم أنه يسن أن يصلي ركعتين خلف المقام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما فرغ من الطواف تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125].
ولم يذكر المؤلف كيفية الركعتين ولا ما يقرأ فيهما، لكن ذكر ذلك غيره يصلي ركعتين خفيفتين؛ يقرأ في الأولى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} بعد الفاتحة، وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ثم يسلم وينصرف، ولا يطيل الركعتين، ولا يجلس بعدهما؛ من أجل أن يدع المكان لمن يستحقه من بعده، فيه أناس الآن ينتظرون هذا الرجل حتى يصلوا خلف المقام.
فإن لم يجد مكانًا -كما يوجد الآن في أيام المواسم- فأين يصلي؟ يصلي فيما شاء من المسجد، لكن الأفضل أن يراعي أن يكون المقام بينهم وبين البيت.
قال: (فصل: ثم يستلم الحجر ويخرج إلى الصفا من بابه) يستلم الحجر متى؟ بعد أن يصلي ركعتين، يستلم الحجر بدون تقبيل، فإن لم يتمكن فلا إشارة، ينصرف من مصلاه إلى الصفا.
يقول: (يخرج إلى الصفا من بابه) أي: من الباب الذي يكون متجهًا إلى الصفا، (فيرقاه) يعني: يصعد على الصفا، (حتى يرى البيت) لأنه كان البيت له جدار، فيرقى حتى يرى البيت ويشاهده، فيستقبل البيت.
(ويكبر ثلاثًا، ويقول ما ورد) ومنه: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» (2). ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، ثم ينزل متجهًا إلى المروة.
قال: (ثم ينزل ماشيًا إلى العلم الأول، ثم يسعى إلى الآخر شديدًا)(ينزل ماشيًا) على عادته، (إلى العلم الأول) الْعَلَم هو العمود الذي جُعِلَ علامة على ابتداء السعي؛ يعني الركض الشديد.
وقول المؤلف رحمه الله: (إلى العَلَم) لأن هذا الذي بين العَلَمين كان بطن الوادي الذي سعى فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سعيًا شديدًا، حتى إن إزاره ليدور به من شدة السعي، ولهذا قال المؤلف رحمه الله:(ثم يسعى إلى الآخر شديدًا) أي سعيًا شديدًا.
والحكمة من هذا أن بطن الوادي منخفض، فيسعى فيه الإنسان يركض ركضًا شديدًا، ومعلوم أيضًا في العادة أن بطن الوادي يكون رمليًّا فيشق فيه المشي العادي فيركض.
(ثم يمشي ويرقى المروة ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا، يفعل ذلك سبعًا).
فإن قال قائل: ما هي الحكمة في كون السعي بين الصفا والمروة على هذا الوجه؟
فالجواب أن يتذكر الإنسان حال أم إسماعيل رضي الله عنها، فإن إبراهيم الخليل عليه السلام ترك أم إسماعيل وابنها إسماعيل في هذا المكان، وترك عندهما جرابًا وسقاء؛ جرابًا من تمر وسقاء من ماء، فجعلت الأم تأكل من التمر وتشرب من الماء وتسقي ولدها اللبن، ثم نفد الماء والتمر، وجاع الصبي؛ لأن لبن الأم توقف، فنظرت المرأة إلى أقرب جبل عندها فوجدته الصفا، فذهبت وصعدت تتسمع؛ لعلها تسمع أحًدا، ما سمعت، ثم نزلت تمشي وعينها إلى صبيها، فلما نزلت الوادي غابت عن الصبي فركضت ركضًا شديدًا؛ خوفًا على ابنها من السباع، ولما صعدت مشت حتى وصلت المروة وصعدت عليه تتحسس لعلها تجد، فلما أتمت السبعة أشواط جاءها الفرج من الله عز وجل؛ إذا بجبريل ينزل بأمر الله عز وجل ويضرب الأرض؛ إما بجناحه أو قدمه، على اختلاف الروايتين، أو فيهما جميعًا، وإذا بالماء ينبع؛ ماء زمزم ينبع، نهر، من شدة شغفها بالماء وخوفها أن يتسرب يمينًا وشمالًا جعلت تحجره حتى يبقى، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ مَاءَ زَمْزَمَ لَكَانَ عَيْنًا مَعِينًا» (3)، عين تنبع على سطح الأرض، ولكن الحكمة لله عز وجل، والحمد لله، لو كان كذلك لشق على الناس أن يبقوا في المسجد ويطوفوا ويصلوا، ولكن من رحمة الله أنها حجَّرته حتى صار في البئر، وجعلت تشرب من هذا الماء ويغنيها عن الطعام والشراب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» (4). إن شربته لعطش رويت، لجوع شبعت، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فَلِذَلِكَ سَعَى النَّاسُ» (5).
فصار أصل هذا أن تتذكر حال أم إسماعيل وأنها وقعت في شدة عظيمة حتى أنجاها الله، فأنت الآن في شدة عظيمة من الذنوب، فتستشعر أنك محتاج إلى مغفرة الله عز وجل كما احتاجت هذه المرأة إلى الغذاء، واحتاج ابنها إلى اللبن، فهذا هو السر في أن الإنسان يسعى بين العَلمين.
الوادي جاءت الملوك والخلفاء وردموه وانطمس، لكنه مع ذلك يأتي ويجري بين العَلمين، أدركنا هذا، حتى يسَّر الله الحكومة السعودية -والحمد لله- وجعلت الماء ينزل من أسفل؛ من أسفل المسجد ويخرج من جهة ثانية، وكان المسعى -أدركناه أيضًا- كان شارعًا تقطعه السيارات، يعني -سبحان الله- إذا تصور الإنسان ما مضى؛ السيارات تقطعه، فيسعى الناس وإذا بالسيارات تمشي، يقفون حتى يشيروا إلى أحد السواقين: قِفْ. ويتجاوزون، وكان المسعى أيضًا محل بيع وشراء؛ دكاكين ومتاجر وشراب من الغجارة، وما أشبه ذلك، نسمعهم يحجِّرون عليه بوسط المسعى؛ لأن الناس قليلون جدًّا، والآن كما ترون -والحمد لله- لما كثرت المواصلات وسهلت حصل ما ترون.
الشاهد الآن أن الإنسان إذا سعى يستحضر أولًا: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وثانيًا: حال هذه المرأة، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين أقبل على الصفا قرأ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» (1)، ليشعر نفسه أنه إنما طاف بالصفا والمروة لأنهما من شعائر الله عز وجل، ولذلك لا تقال هذه الآية إلا إذا أقبل على الصفا حين ينتهي من الطواف، أما بعد ذلك فلا تقال.
يقول: (يفعل ذلك سبعًا؛ ذهابه سعية، ورجوعه سعية) إي نعم، يعني: من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، وقد يتوهم بعض الناس فيظن أن الشوط لا بد أن يتم دورة كاملة؛ فمن الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا يعده شوطًا، وهذا من أوهام العلماء، ما هو من أوهام العوام فقط، حتى العلماء توهموا في هذا، ولكن هذا وهم؛ لأن السنة صريحة في أن من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، ولهذا قال جابر في حديثه الطويل المشهور: حتى إذا كان آخر طواف على المروة (6)، ولو كان الذهاب والرجوع شوطًا لكان آخر الطواف على الصفا.
لو سألنا سائل وقال: إنه طاف بين الصفا والمروة هكذا، هل يجزئه سعيه؟
طالب: نعم.
طالب آخر: يجزئه.
الشيخ: يجزي؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ليه؟
طلبة: زاد.
الشيخ: إي نعم، نقول: يكفينا من هذا سبعة أشواط، والباقي يأجرك الله على نيتك ولكنه ليس من الشرع.
قال: (فإن بدأ بالمروة سقط الشوط الأول) لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (7).
كم يلزمه أن يطوف؟
طلبة: ثمانية.
الشيخ: ثمانية أشواط؛ لأن الشوط الأول سقط.
قال: (سقط الشوط الأول، وتسن فيه الطهارة والستارة والموالاة)(تسن فيه) أي: في السعي، (الطهارة) من الحدثين الأصغر والأكبر، فإن طاف جنبًا؛ يعني إن طاف بين الصفا والمروة جنبًا فسعيه صحيح، ولهذا سئل الإمام أحمد عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تصل إلى الصفا، فقال: تسعى ولا حرج. إذن الطهارة في السعي سنة.
فإن قال قائل: ما دليلكم على أنها سنة؟
قلنا: لأنها من الذكر، والأصل في الذكر أن يكون على طهر، وأيضًا هذا هو الظاهر من حال الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لما انتهى من الركعتين شرع في السعي مباشرة.
يقول: (والستارة) ستارة أيش؟ ستر العورة، فلو سعى عريانًا فسعيه صحيح، ومن المعلوم أنه لا أحد بيسعى عريانًا بين الناس، لكن ربما يكون إزاره قصيرًا، والإزار القصير إذا خطى الإنسان خطوة انفرج، فينفرج من فخذه ما ينفرج، فنقول: إذا حصل هذا في السعي فهو صحيح؛ لأنه لا يشترط فيه ستر العورة.
(والموالاة) يعني: لو فرَّق أشواط السعي فسعيه صحيح، لكن الأفضل ألَّا يفرق، فلو طاف ثلاثة أشواط من السعي ثم ذهب وتغدى ورجع وأتى بأربعة أشواط فسعيه صحيح، على كلام المؤلف.
أما المذهب فالموالاة فيه شرط كالطواف، وعللوا ذلك بأنه عبادة واحدة، فاشْتُرِط فيه الموالاة كالوضوء. ولأنه إذا فرَّق الأجزاء لم يظهر أنه عبادة واحدة؛ صار ثلاثة أشواط، وأربعة أشواط مثلًا، فالموالاة فيه واجبة، شرط.
لكن قالوا: يعفى عن الفصل اليسير إذا احتاج إلى ذلك؛ بأن يتعب ويحتاج إلى أن يستريح، قالوا: فلا حرج، واستدلوا بعموم قول الله تعالى:{مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وبأنه رويت آثار عن السلف في هذا.
الشارح اللي هو صاحب الروض المربع رحمه الله كعادته إذا رأى عبارة المؤلف خارجة عن المذهب حاول أن يصوغها بصيغة توافق المذهب، فقال رحمه الله: الموالاة بينه وبين الطواف، لا بين أجزائه. ولا شك أن الموالاة بين السعي والطواف أنها سنة، وأنه لو طاف في أول النهار وسعى في آخر النهار فسعيه صحيح؛ لأن كل واحد منهما عبادة مستقلة عن الآخر.
والخلاصة أن القول الراجح أن الموالاة في السعي بين أشواطه شرط كالطواف تمامًا، وأن الموالاة بين الطواف والسعي سنة وليست بواجبة، وأنه لو طاف في أول النهار وسعى في آخره أو طاف في النهار وسعى في الليل فلا بأس.
فإذا قال قائل: الموالاة في الطواف، أرأيتم لو أقيمت الصلاة؛ صلاة الفريضة، ماذا تقولون؟
نقول: اختلف العلماء في هذا؛ فمنهم من قال: إن كان الطواف نفلًا قطعه وصلى؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ» أيش؟
طالب: «فَلَا صَلَاةَ» .
الشيخ: «فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ» (8)، وقالوا: إن أعلى أحوال الطواف أن يلحق؟
طالب: بالصلاة.
الشيخ: بالنافلة، فإذا أقيمت صلاة الفريضة قطعه وصلى الفريضة ثم بنى، وأما إن كان فرضًا فإنه يستمر في الطواف ولو فاتته صلاة الفريضة.
وقال آخرون: إن الموالاة ليست بشرط، وأنه يجوز أن يقطعه ويقطع الموالاة بين أشواطه ولا حرج. لكن الذي ينبغي أن نعلم أن العبادة الواحدة تجب الموالاة بين أيش؟
طالب: أجزائها.
الشيخ: بين أجزائها؛ لتكون عبادة واحدة، إلا ما دل الدليل على جواز التفريق.
والقول الراجح في مثل الطواف أنه إذا أقيمت صلاة الفريضة فإنه يقطعه بنية الرجوع إليه بعد الصلاة، فإذا قطعه، ولنفرض أنه قطعه حين حاذى الحِجْر، فإذا قضيت الصلاة هل يبدأ من المكان الذي قطعه فيه أو يبدأ الشوط من جديد؟
اختلف العلماء في هذا؛ فالمشهور من المذهب أنه لا بد أن يبدأ الشوط من جديد، والقول الراجح أنه لا يشترط، وأنه يبدأ من حيث وقف؛ لأن ما قبل الوقوف وقع مجزئًا، وما وقع مجزئًا لا يجب علينا أن نرده؛ لأننا لو أوجبنا رده لأوجبنا على الإنسان العبادة مرتين، وهذا لا نظير له. إذن الراجح أنه إذا قطعه في حال يجوز قطعه فإنه يبتدئ من حيث قطعه.
صلاة الجنازة هل يقطع الطواف من أجلها؟
الظاهر نعم؛ لأن صلاة الجنازة قليلة؛ يعني لا يكون الفاصل كثيرًا، فيعفى عنه.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- بالنسبة لعدم اشتراط الطهارة في الطواف، هل يفتى به، كلامك يعني عام ابتداء أو .. ؟
الشيخ: لا، لا تفتي به ابتداء، أنا القاعدة عندي: أن الناس إذا مشوا على شيء اختلف العلماء في وجوبه ولا يضر على القول الآخر لا تفتهم بغير ما يمشون عليه، فهمت؟
الطالب: نعم.
الشيخ: هذه القاعدة عندنا، فمثلًا في حجاب المرأة؛ عندنا في المجتمع السعودي المرأة تحتجب، أليس كذلك؟
الطالب: بلى.
الشيخ: يأتي إنسان ويقول: قرأت -مثلًا- في كتاب فلان وفلان أنه لا يجب ستر الوجه، فيفتي به، نقول: هذا غلط؛ لأنه حتى على القول بأن الوجه يجوز كشفه يرون أن ستره أولى؛ يرون أنه أولى، كيف تنقل الناس من شيء مشوا عليه واعتادوه وسهل عندهم، تنقلهم إلى شيء ينكرونه أو يستسيغونه ولكن الأفضل أن يبقوا على ما هم عليه؟ !
هذه أيضًا الناس الآن يرون أن الطواف الوضوء فيه شرط وماشيين على هذا، فلا ينبغي أن نعلن للناس ونقول: يا جماعة، الطواف لا يشترط فيه الطهارة، لكن إذا وقع الإنسان في مأزق وقال: إنه حصل له الحدث في أثناء الطواف واستمر، نقول: لا حرج عليك.
وكما قلت لكم كثيرًا: المسائل العلمية يحققها الإنسان نظريًّا، ولكن بالنسبة لما يُرَبِّي الناس عليه يكون له نظر آخر.
مرَّ عليَّ في كتاب الفروع أن أحد التابعين -إن لم يكن طاوسًا- أفتى ابنه بفتوى وكأنه استثقلها الابن، فقال: إما أن تفعل أو أفتيتك بقول فلان، اللي هو أشد، فمراعاة التربية هذا أمر لا بد منه؛ يعني يجب على طالب العلم أن يراعي هذا.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، الأدعية التي يوردونها المطوفون على الناس، يا شيخ ما تطمئن النفس إليها؛ لأنهم من ناحية يجمعونها (
…
) ناس ثقة، والثاني أنهم ما تطمئن النفس لها (
…
)؟
الشيخ: لا، بدعة.
الطالب: والثاني أنهم يحطون لها حدودًا من تعداها (
…
).
الشيخ: صحيح، ويش ترى فيها؟
الطالب: والله -يا شيخ- أنا ما تطمئن نفسي، ما أقدر أقول: حرام لشيء لا ..
الشيخ: المهم أنها بدعة؛ تخصيص كل شوط بدعاء هذا بدعة لا إشكال فيه، وفيه مضرة، الآن الذين يرددون الدعاء وراء الداعي ما يدرون ويش المعنى، واللي بيده شيء من هذا يقرؤه وهو ما يدري ويش معناه! ثم ما دام حدد كل شوط له دعاء أحيانًا يكون المطاف ضيقًا فينتهي الدعاء قبل أن يتم الشوط، ويش يسوي؟ يسكت، ممنوع.
وأحيانًا يكون المطاف خفيفًا وينتهي من الشوط قبل أن ينتهي الدعاء، ويش يعمل؟ يقطعه، حتى لو قال: ربنا اغفر لنا، وصل (ربَّنَا) وانتهى الشوط خلاص ما عاد يقول.
ونسمع أدعية -سبحان الله- غريبة، حتى: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، بعضهم يقول: ربنا آتنا في الدنيا حَسَنَتَوْ، ثم يقول بعدما يقول:(تو) وفي الآخرة حسنة، مشكل.
طالب: أحسن الله إليك، بعض الناس يخرج إلى الحج أو إلى الدعوة ويترك أهله بلا شيء ويحتج بفعل إبراهيم بأهله؟
الشيخ: والله هذا إن كان بيحفر له زمزم بمكانه لا بأس! أخطأ خطأً عظيمًا، إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأمر الله أسكنه في هذا الوادي، ويعلم أنه ما دام بأمر الله فإن الله سيجعل فيه الفرج والمخرج، وهذا الداعي خرج بغير أمر الله؛ أن يخرج ويضيع أهله هذا غلط عظيم، كان الواجب عليه أن يدعو أولًا نفسه قبل أن يدعو غيره.
طالب: أحسن الله إليك، يا شيخ بعض المعتمرين إذا أراد الصلاة خلف مقام إبراهيم يذهبون إلى بئر زمزم -يا شيخ- ويغسلون بعض الأعضاء، وبعضهم يتوضؤون وضوءًا كاملًا، هل هذا مسنون يا شيخ؟
الشيخ: لا، ليس مشروعًا.
طالب: أحسن الله إليك، لو طاف الشوط الأول من وراء الخط ثم استمر وتحلل من العمرة؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: أقول: لو طاف الشوط الأول من وراء الخط ..
الشيخ: من دون المحاذاة.
الطالب: إي نعم، فاستمر وتحلل من العمرة؟
الشيخ: نقول له: أعد الطواف والسعي والتقصير.
الطالب: ويلبس الإحرام ولا؟
الشيخ: هاه؟
الطالب: يلبس ملابس الإحرام؟
الشيخ: إي نعم، معلوم، ما حلَّ؛ لأنه إذا لم يصح الطواف لم يصح السعي.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، قال المصنف رحمه الله تعالى في كتاب المناسك في باب دخول مكة في الفصل الثاني:
ثم إن كان متمتعًا لا هدي معه قصَّر من شعره وتحلل، وإلا حل إذا حج، والمتمتع إذا شرع في الطواف قطع التلبية.
باب صفة الحج والعمرة
يسن للمحلين بمكة الإحرام بالحج يوم التروية قبل الزوال منها، ويجزئ من بقية الحرم، ويبيت بمنى، فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة، وكلها موقف إلا بطن عرنة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبق لنا أن الرجل إذا قدم مكة يبدأ بالطواف قبل كل شيء؛ قبل أن يحط رحله إذا تيسر، ثم يصلي ركعتين خلف المقام، ثم يسعى بين الصفا والمروة.
قال المؤلف رحمه الله: (ثم إن كان متمتعًا لا هدي معه قصَّر من شعره وتحلل)(إن كان متمتعًا) وهو الذي أحرم بالعمرة في أشهر الحج وفرغ منها ثم أحرم بالحج من عامه، وقوله:(لا هدي معه) أي: لم يسق الهدي، (قصَّر من شعره وتحلل) أفادنا رحمه الله أن المتمتع يمكن أن يسوق الهدي، وأن سائق الهدي يمكن أن يتمتع، ولكن هذا قول ضعيف، والذي تقتضيه السنة أن من معه الهدي لا يمكن أن يتمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:«إِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» (9).
وإذا قلنا: إنه إذا كان معه الهدي لا يحل وهو متمتع صار هذا نسكًا رابعًا لم تأت به السنة؛ أن يكون متمتعًا لا يحل بين العمرة والحج هذا لا نظير له.
وعلى هذا فقوله رحمه الله: (لا هدي معه) مبني على قول ضعيف؛ لأن القول الذي لا شك فيه أن من معه هدي فليس له إلا القران أو الإفراد، والقِران أفضل؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأنه يحصل به نسكان، ولأن فيه الهدي.