الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: ولو كانت امرأة، كان يلزم على الرسول بأي شيء من الدية، ولم يستفصل الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك، ما استفصل في هذا الشيء.
طالب: (
…
).
الشيخ: أقول: إذا قلنا بهذا، فقد يكون له وجه، مع أن حبسه في هذه الحال غير وجيه؛ لأنه إن كان غنيًّا هو بيدفع ولا يحتاج إلى حبس، وإن كان فقيرًا فلا وجه لحبسه، ما يجوز يحبس.
طالب: (
…
) العاقلة (
…
).
الشيخ: ولا تزر وازرة وزر أخرى، لا، نجيب العاقلة نحبسها، نقول: يلَّا سلِّم وإلا حبسناك، العاقل الغني نقول: سلِّم وإلا حبسناك.
[باب القسامة]
القسامة، تعريفها: القسامة مأخوذة من القَسَم، وهو اليمين، وهي كانت معروفة حتى في الجاهلية، وأقرها الإسلام، كما سنذكر إن شاء الله، وأما تعريفها فهي أيْمَان مُكرَّرة في دعوى قتل معصوم، وهذه الأيْمان قد تكون من المدَّعِي، وقد تكون من المدَّعَى عليه كما سيتبين في شرحها.
إذن القسامة في دعوى قتل ليست في دعوى مال أو جناية دون القتل، ولكنها في دعوى قتل معصوم، وأصلها ما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الرحمن بن سهل الذي قتله من؟ قتله اليهود في خيبر، خرج إليهم، ثم وُجِد مقتولًا يتشحط في دمه، فحكم النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك بالقسامة، وقال لأوليائه:«تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ -يَعْنِي مِنَ الْيَهُودِ- بِأَنَّهُ قَتَلَهُ فَتَأْخُذُونَ بِرُمَّتِهِمْ» . والرمة هي الحبل الذي يُقاد به القاتل ليُقتل، ولكنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نحلف ونحن لم نرَ ولم نشهد؟ ما يمكن نحلف. فقال الرسول عليه الصلاة والسلام:«يَحْلِفُ الْيَهُودُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَبْرَؤُونَ بِذَلِكَ» فقالوا: نحن لا نرضى بأيمان اليهود. لأنه معلوم القاتل بيحلف. فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده بمئة بعير (6). وداه من عنده من بيت المال بمئة بعير.
وأصل ذلك القسامة أنه يوجد قتيل عند قوم أعداء، ولم يُعلم من القاتل، ما يُعلم من القاتل، حينئذٍ نقول لأولياء القتيل: عيِّنوا واحدًا من هذه القبيلة التي هي عدوة لكم، واحلفوا أنه هو القاتل وكم تحلفون؟ تحلفون خمسين يمينًا، واللي يحلف الخمسين هم الورثة، فإذا كان الورثة أخوين شقيقين فعلى كل واحد منهما خمس وعشرون يمينًا، وإذا كانوا ثلاثة فعلى كل واحد كم؟ اقسم خمسين على ثلاثة؟ سبعة عشر وثلث، لكن لا بد أن يُكمل الكسر. على كل حال الذي يُقسم الورثة، ومن كان في نصيبه كسْر جُبر؛ لأن الأيمان ما تتبعض.
(يحلفون على واحد أنه القاتل، ويأخذونه ويقتلونه إن شاؤوا أو يأخذون الدية أو يعفو) إذا قالوا: ما نحلف، يحلف المدعى عليهم، كم؟ خمسين يمينًا فيبرؤون، يقولون: والله ما قتلنا هذا الرجل. فإذا لم يحلفوا فإنه يجب على الولي ولي الأمر أن يدفع ديته من بيت المال؛ لأنه ما يمكن أن تذهب الدية هدرًا.
طالب: بالنسبة لحلف المدعى عليه؛ يعني بيحلف الإنسان عن نفسه أنه ما قتله؟
الشيخ: لا، المدَّعى عليه، هما بيقولون: فلان القاتل.
الطالب: لا، هما قالوا: ما نعين شخصًا.
الشيخ: إذا ما عينوا شخصًا فإنه ما يصير قسامة ولا دعوى؛ يعني بمعنى أنه لا تُسمع الدعوى، لا بد أن تكون على معين، يحلفون عليه، ثم إذا لم يحلفوا عليه يحلف هو، فإن لم يرضوا بيمينه وداه من بيت المال، وإن نكل قُضي عليه بالنكول.
طالب: يحلف هو خمسين يمينًا؟
الشيخ: يحلف هو خمسين يمينًا، وهنا في الحقيقة القسامة الآن تجدون أن فيها مخالفة للدعاوِي العامة من ثلاثة وجوه، القسامة الآن تصورتوها ولَّا لا؟ فيها مخالفة للدعاوِي العامة من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن اليمين فيها كان من جانب المدَّعِي، والدعاوِي العامة من جانب المدَّعَى عليه، وعلى المدعي البينة.
الوجه الثاني: أن فيها أيمانًا من المدعين مع أنهم لم يشهدوا، ما رأوا بأعينهم أن فلانًا قاتل فلان، ومع ذلك أبحنا لهم، ويش أبحنا لهم؟ اليمين، وهذا مشكل، كيف نُجيز اليمين لرجل ما رأى؟
الوجه الثالث: أن العادة في الأيْمان أن تكون يمينًا واحدًا، وهنا كُرِّرت الأيمان خمسين يمينًا.
ومن ثم من أجل هذه المخالفات الثلاث أنكرها بعض أهل العلم من الخلَف والسلف، وممن أنكرها عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وقال: ما يمكن أنه يُقضى بالقسامة؛ لأنها مخالفة لهذه الأمور الثلاثة، ولكنه لا شك أن قول عمر بن عبد العزيز، ومن هو أفضل منه، ومن هو دون منه إذا خالف الشرع فإنه ليس بشيء، ولا يُعتبر شيئًا؛ لأن حديث القسامة ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة طرق، فلا يمكن إلغاؤه لمجرد أن فلانًا خالفه.
إذن هي ثابتة، ولكننا يمكن أن نبين أن القسامة جارية على الأصول ولو مع هذه المخالفات؛ فالأول: قلنا: إن اليمين من جانب المدعي، والعادة أنه من جانب المدَّعَى عليه. نقول: حقيقةً من تأمل الشرع وجد أن اليمين ليست في جانب المدَّعِي، بل اليمين فيمن ترجَّح جانبه سواء كان من جهة المدعي أو من جهة المدَّعى عليه، أفهمتم؟ مثلًا أنا ادعيت على هذا الرجل بأن القلم اللي في يده لي، وهو يقول: لا، لي أنا، من الراجح أنه له؟ المدَّعَى عليه؛ لذلك كانت اليمين في جانبه، لكن لو أتيت بشاهد يشهد أن القلم لي، ما عندي إلا ها الشاهد فقط، أنا الآن أحلف وآخذ القلم، فصارت اليمين في جانبي، لماذا؟ لأنه ترجح جانبي بأي شيء؟ بالشاهد هذا، ولكن هذا الشاهد لم يكن بينة تامة حتى لا أحتاج أنا إلى اليمين.
في القسامة جانب المدعي راجح، ويش رجَّحه؟
طالب: المقتول.
طالب آخر: القتيل.
الشيخ: يرجحه أن الرجل قُتل بين ظهراني جماعة بيننا وبينهم عداوة، معروف مثلًا أن ها القبيلة هذه عدوة لهذه القبيلة، وهو أيضًا بين أظهرهم، مين اللي بيجي يقتله، ويش اللي يغلب على الظن؟ أن القاتل هؤلاء القبيلة، وعلى هذا فيكون جانب المدعي هنا راجحًا، والذي يرجحه (
…
)، وهي هذه العداوة.
مر علينا أظن رجلان أحدهما ليس عليه غترة، والثاني خلفه أصلع يقول: يا فلان، أعطني غترتك، أيهم مدعي؟ الأصلع إي نعم، الأصلع هو المدعي.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما هو (
…
)، نجدي، الأصلع هو المدعي، لكن مع ذلك القرينة تدل على أيش؟ على صحة دعواه ولَّا لا؟ لأن هذا لابس للشماغ، وبيده شماغ، منين جاءه الشماغ الثاني إلا لولا أنه آخذه من هذا الأصلع اللي (
…
) شماغي؟ من الذي يحلف في هذه الحال؟ الأصلع هو اللي يحلف، يقول: والله هذا الشماغ اللي بيده لي، فإذا حلف أخذناه وأعطيناه إياه.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: أي لون؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: قلنا: عندنا قرينة ظاهرة تشهد بصدق هذا الرجل؛ لأنه من المعروف عند أهل نجد، الاحتمال (
…
)؛ لأن عندنا ظاهر، حتى أليس الشهود اللي بنحكم بشهادتهم ألا يجوز أن يكونوا كاذبين أو مخطئين؟
طلبة: بلى.
الشيخ: مسألة التجويز العقلي في هذه الأمور لا تأتي به؛ لأن التجويز العقلي لو أردنا أن نعترض بكل ما يفرضه العقل ما أمكننا ولا نعمل ولا بالشريعة أيضًا، حتى بالشريعة ما يمكننا؛ لأننا نقول مثلًا، الراوي قد يكون مخطئًا أو ناسيًا، فالتجويز العقلي في هذه الأمور أمرٌ غير وارد، لا شك أنه من الجائز عقلًا أن يكون مع هذا الرجل شماغان، وهذا ليس معه شيء، هذا من الجائز عقلًا، لكن حسب الظاهر أن الصواب مع مَنْ؟ الصواب مع الأصلع؛ لأنه ما جرت العادة بأن واحدًا من أهل نجد يمشي في السوق أصلع، ما جرت العادة هذه أبدًا.
فعلى هذا نقول: اليمين هنا في جانب المدعي؛ لأن جانبه أقوى، وبهذا عرفنا أن الشريعة تُقرِّر بأن اليمين ليس في جانب المدَّعَى عليه دائمًا، بل هو في جانب مَنْ؟ في جانب أقوى المدعيين حُجَّة، ولو بالقرائن الظاهرة؛ فالقسامة إذن ماشية على الأصل ولَّا مخالفة للأصل؟ ماشية على الأصل.
نيجي نقول: الشيء الثاني مما تخالف فيه الأصول: تكرار الأيمان، ليش تكرر الأيمان؟ أليس اليمين الواحد يكفي والإنسان اللي بيهتك حرمة اليمين لا فرْق عنده بين هتْك الأيمان الكثيرة، وهتك اليمين الواحد؟
فنقول: نعم، هذا هو الأصل، أن الإنسان اللي بيتجرأ على اليمين الغموس بيتجرأ على يمين واحد وعلى أيمان متعددة، لكن المقام خطير جدًّا، أليس كذلك؟ ويش المقام؟ المقام أنك إذا حلفت نبغي نهدر دم إنسان معصوم، وهذا أمر ليس بالهين، ولهذا «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» (7).
الحين نقول: نظرًا لأهمية الدعوى صار لا بد من التكرار، والإنسان إذا حلف مرة واحدة صحيح ينتهك حرمة اليمين إذا كان كاذبًا، لكن ربما إذا شاف أنه إذا حلف خمسين مرة يمكن إذا حلف عشر مرات بيتندم، يخشى من العقوبة مثلًا فيرجع، ولا يحلف خمسين يمينًا، وهذا أمر مُسلَّم؛ يعني الإنسان قد تأخذه العزة بالإثم في مرة واحدة، لكن في مرات عندما تتكرر يمكن يرجع، يخاف ويهاب، ولا شك أن المؤمن سوف يهاب إذا تكرر منه هذه الأيمان، فعلى هذا نقول: كررت الأيمان في القسامة؛ لأن الأمر خطير جدًّا؛ فلذلك لا بد من أن تتضاعف الأيمان (
…
)
***
ثلاثين، فهذا لا يمكن الجواب عليه، السبب؟ لأن هذا أمر توقيفي، كما أن عدد الصلاة مثلًا أربع، خمس ما نقدر نقول: ليش صارت الظهر أربع ركعات، وليش صارت العصر أربع ركعات؟
طالب: (
…
)؟
الشيخ: لا، حتى لو أقرها الشرع؛ يعني ما يمكن أن نبني الحكم الشرعي على أن هذا هو المعروف في الجاهلية؛ لأن هذا يسيء (
…
) لكن الكلام على أن هذا أمر أقره الشرع، فصار شرعًا، فلماذا لم يُعدِّل الشرع مثلًا هذا الأمر إلى أربعين أو سبعين أو سبعة؟
أما المسألة الثالثة: وهي كيف يحلف هؤلاء؟ أو كيف يُمكَّن هؤلاء من اليمين مع أنهم لم يروا ولم يشهدوا؟
فنقول: هذا أيضًا موافق للأصول، فإنه يجوز للإنسان أن يحلف على ما يكون غلبة ظن عنده، وقد أقر النبي عليه الصلاة والسلام الأعرابي الذي قال: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا (8). مع أننا نعلم أن هذا الرجل ما ذهب إلى لبيوت كلها واستقصاها حتى يعرف أنه لا يوجد أحد أفقر منه، وأقره النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم على الشيء يدل على أنه حق.
وربما نقول أيضًا: إن قصة إبراهيم مع زوجته سارة، حيث أقسم أنه لا يوجد أحد على وجه الأرض يؤمن بالله (9)، قد نقول: إنه من هذا النوع، إن لم يعارض بأنه قد أوحي إليه بذلك فالله أعلم، لكن الدليل عندنا الواضح هي قصة هذا الرجل الذي حلف بأنه ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا.
فهؤلاء القوم لهم أن يحلفوا بناءً على أي شيء؟ بناءً على الظاهر، الذي يكون به غلبة الظن؛ ولهذا أهم شروط القسامة اللَّوْث، واللوث على المشهور من المذهب العداوة الظاهرة، هذا اللوث، العداوة الظاهرة؛ لأن العداوات -كما تعرفون- عداوة ظاهرة بينة وعداوة باطنة، العداوة الظاهرة هي التي تكون بين القبائل، يحارب بعضها بعضًا، ويعادي بعضها بعضًا ظاهرة، مثلًا نقول: هذه القبيلة عدوة لهذه القبيلة، لكن عداوة باطنة بين شخصين فقط، هي تكون عداوة ظاهرة ولَّا؟ بين شخصين ما تكون عداوة ظاهرة، يعني ربما يكون واحد جالس إلى جنب شخص وهو عدو له في الباطن، فالعداوة الباطنة من أجل أنها ليست قرينة ظاهرة لا عبرة بها، مثال ذلك: رجل قتل في بلد وادَّعى أولياؤه أن فلانًا قاتلُه، لماذا؟ قال: لأن فلانًا عدو له ما يكفي هذا في القسامة؛ لأن هذه العداوة باطنة، نعم، إن هدده بالقتل فسيأتي بعد قليل.
وقيل: إن اللَّوْث كل ما يغلب على الظن وقوع القتل به فهو لوْث، سواء كانت عداوة ظاهرة أم غير ذلك؛ ولهذا صور كثيرة، منها: لو شهد اثنان على شخص بالقتل وهما لا تُقبل شهادتهما لعداوة أو غيرها فإنه في هذه الحال يغلب على الظن أنه قاتل، لكن ما نجعل هذا حُجَّة شرعية؛ لأن هذه البينة لا تُقبل شرعًا.
كذلك أيضًا لو وُجِد شخص يتشحط بدمه، ووجدنا إنسانًا مدبرًا، وفي يده سكين فيها دم، ملطخة بالدم، هذا يغلب على الظن أنه قاتله، ما في المكان أحد، وهذا الآن يتشحط في دمه، وهذا الرجل معه السكين فيها دم، هذا يغلب على الظن أنه القاتل، وربما قد يصل إلى اليقين، لكن مع ذلك على المذهب ما تجب القسامة في هذا.
كذلك أيضًا لو أن شخصًا كان يهدد آخر بالقتل، يهدده بالقتل، ثم قُتِل، وكان يترجح عندنا أنه يُنفذ ما هدده به، فهذا أيضًا على القول الثاني لوْث تُجرى به القسامة، أما المذهب فلا يرون اللوث إلا العداوة الظاهرة فقط، والأخير أصح وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأننا نعلم أن العداوة الظاهرة إنما كانت لوثًا تُجرى به القسامة، لماذا؟ لأنه يغلب على الظن صِدْق وقوع الأمر وصِدْق الدعوى، فإذا كانت هذه هي العلة، فمتى وُجِدت هذه العلة في أي صورة من الصور فإنه يجب أن يثبت الحكم؛ لأن القاعدة العامة أن الحكم يدور مع علته، وهذا القول هو الصحيح؛ أن اللَّوْث كل قرينة يغلب على الظن وقوع القتل بها سواء كانت عداوة ظاهرة أم غيرها، وهو اختيار شيخ الإسلام.
أما كيفية الإقسام بها؛ فالإقسام بها -كما سمعتم في أول الدرس- أولًا: تُعرض الأيمان على من؟ على المدعين فيحلفونها، ولكن هل الواجب أن يحلف خمسون رجلًا، أو الواجب أن تكون الأيمان خمسين يمينًا؟
اختلف فيها أهل العلم، فمنهم من يرى أن الواجب أن يحلف خمسون رجلًا، ومن العلماء من يرى أن الواجب أن يُقسَم خمسون يمينًا، وبينهما فرق، ومن الذي يقسم خمسين اليمين على هذا الرأي الأخير؟ الذي يقسمها هم الورثة، كل بحسب ميراثه، فمن يرث النصف مثلًا عليه خمس وعشرون يمينًا، ومن يرث العُشْر مثلًا عليه خمسة أيْمان، ومن كان في أيمانه كسر فإنه يُجبر الكسر، واضح؟ فإذا قُدِّر أن الرجل قُتل عن خمسة أولاد؟ كم يحلف كل واحد؟ عشرة أيمان، وإذا كان عن خمسة أولاد وخمس بنات؟ البنات ما يقسمن؛ لأن القسم يكون بالذكور فقط، أما النساء ما يحلفن.
على القول الأول الذين يقولون بوجوب خمسين رجلًا، يحلف خمسون رجلًا تُوزَّع الأيمان على الأقرب فالأقرب، يُبدأ بالورثة فإن استكملوا الأيمان فذاك، وإن لم يستكملوها أخذ بالأقرب فالأقرب، فإذا كان له عشرة أولاد على هذا الرأي كم يحلفون؟ عشرة أيمان، ثم يُنظر مثلًا إلى إخوته، له عشرة إخوة، نقول: أقسموا عشرة أيمان، له عشرون بني أخ يقسمون عشرين يمينًا، له عشرة أعمام يقسمون عشرة أيمان، فعلى هذا تُوزَّع الأيمان على حسب الأقرب فالأقرب. وهذا هو ظاهر حديث عبد الرحمن بن سهل، فإن عبد الله بن سهل -كما سبق لنا أمس- قُتل في خيبر، وأخوه عبد الرحمن وابني عمه قال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام:«يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا» (10). فظاهره أنه لا بد من خمسين رجلًا، وهذا أيضًا أحوط؛ لأننا إذا أخذنا بخمسين رجلًا، أتينا بخمسين يمينًا ولَّا لا؟ وإذا أخذنا بالورثة، واعتبرنا الأيمان دون الرجال فإننا لن نأخذ بالرجال، وما كان يمكن أن يُؤخذ به في الحالين فهو أوْلى لا سيما وأن ظاهر الحديث يؤيده.
بدأنا بأيْمان المدعين، المدَّعون أبوا أن يحلفوا، إذن تتوجه الأيْمان إلى المدَّعَى عليهم، إذا حلف بعضٌ ونكل بعض، بعض حلف وبعضٌ نكل، قال: ما أحلف، فهل تثبُت القسامة في حق الباقين، أو لا تثبت؟ يرى بعض العلماء أنها تثبت، ولكن القصاص ما يمكن يثبت؛ السبب: لأن هؤلاء الذين امتنعوا سوف يسقط نصيبهم، والذين حلفوا سوف لا يكون لهم إلا نصيبهم من الإرث، فإذا قدرنا أن أولاده خمسة، وامتنع اثنان وحلف ثلاثة، هل نقول: إنه يُقتص منه ثلاثة أخماس؟ يقتل ثلاثة أخماس ويبقى خمساه؟
طلبة: لا.
الشيخ: ما يمكن، إذن تتعين الدية، فيُجعل لهؤلاء ثلاثة أخماس الدية للذين حلفوا، وأولئك ليس لهم شيء، فإذا امتنع بعض من يتوجب عليهم اليمين سقط القصاص بلا شك، وتجب الدية على رأي بعض أهل العلم، وبعض العلماء يقول: ما يجب شيء؛ لأن النصاب لم يكمل، ولا يمكن أن تتبعض القضية.
يتوجه الأيْمان الآن إلى المدعَى عليهم، المدعى عليهم إذا حلفوا وقالوا: والله ما قتلنا ولا اتهمنا أحدًا مثلًا، ولا نعلم عنه يبرؤون ولَّا لا؟ يبرؤون. إذا نكلوا عن اليمين، وقالوا: ما نحلف، فهل يُقضى عليهم بالنكول ويجب القصاص ولَّا تجب الدية؟ تجب الدية، الصحيح أنها تجب الدية دون القصاص؛ لأن القصاص لم تتم شروطه، لم يثبت الآن، ولكن الدية مال، والمال يُقضى فيه بالنكول، فيتحول الأمر إلى وجوب الدية.
في هذه الحال إذا لم يرضَ أولياء المقتول بأيمان هؤلاء، فما الحكم؟ يكون في بيت ..
هنا توقف الشيخ رحمه الله عن شرح متن الزاد إلى الشرح من مذكرة أخرى.
إلى المدعى عليهم فلهم ثلاث حالات: تارة يرفض المدعون قبول أيمانهم، وتارة يحلفون، وتارة ينكلون عن الحلف، أليس كذلك؟ إذا لم يقبلوا بأيمانهم؛ إذا لم يقبل المدعون بأيمانهم وجب دفع ديته من بيت المال، إذا رضوا ونكل هؤلاء فإنه يُقْضَى عليهم بالدية، إذا رضوا وحلف هؤلاء برئوا ولا شيء، حتى ولا في بيت المال ما يجد، ثم نأتي إلى ..
طالب: شيخ، لو الذي نكل عن الحلف ليسوا من الورثة مثل .. ؟
الشيخ: على القول بأنه يجب نفس الشيء الحكم واحد، إلا أني ما أدري عن هذا القول؛ هل إنهم إذا نكلوا يرون ما يجب شيء أو يرون تجب الدية كاملة؛ لأن الورثة قد حلفوا وهم مستحقو الدية، هذا ما أدري، ويش ترون فيها؟
طالب: شيخ، إذا حلف المسلمون المدعون (
…
)؟
الشيخ: لا، ما يُقْضَى؛ لأنها في منزلة البينة.
طالب: قول القائل هل ذكر حديث (
…
)؟
الشيخ: إي، يعني معناه أنه ما وقع بالفعل؛ لأن ما هو بمعناه أنه ما ثبت حكمًا؛ يعني يحصل موانع؛ إما -مثلًا- مثل قضية اليهود هؤلاء ما قاد الرسول؛ لأن ما تمت الشروط، فإن المدعين لم يقبلوا أيمانهم، هذا إذا صح الحديث -الأثر- الذي ذُكِرَ، هذا إذا صح فإنه يُحْمَل على أنه لم يقد بها بالفعل، أما الحكم فثابت.
طالب: يقال: إن هذا (
…
).
الشيخ: إي نعم، بالأيمان مجرد (
…
) ما يكفي لكن بالأيمان.
طالب: هل يُشْتَرط أن يكون المدعى عليهم مسلمون؛ لأن اليهود هؤلاء المدعى عليهم لم يرض المسلمون (
…
) أيمان؛ لأنهم يهود، لو قلنا (
…
) هل نقول: يُجْبَرون على .. ؟
الشيخ: لا، ما يجبرون على الرضا بأيمانهم؛ لأن بعض المسلمين يحلف على الكذب، ممكن يحلف على الكذب.
الطالب: (
…
) بأنهم يهود (
…
).
الشيخ: إي نعم، هم يقبلون لأنهم يهود، لكن أيضًا ربما لا يقبل؛ لأن هذا يتجرأ على المعصية، قد يقول: إن اللي قتل ما يهمه ما يحدث.
طالب: لو خَلَّف المقتول بنات فمات؟
الشيخ: إذا كان الورثة -على القول بأن الذي يحلف الورثة فقط- إذا كانوا إناثًا فإنه يحلف المدعى عليه يمينًا واحدة ويبرأ؛ لأن ما تتم القسامة لا بد أن يكون فيها ذكور.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: لا، الرسول قال: يقسمون على رجل منهم عينه ما يمكن (
…
) اليهود كلهم (
…
).
طالب: شيخ، القول الذي يقول: الذي يقسم خمسين رجلًا (1)، (
…
) موت الأقرب فالأقرب، لو نكل الأقرب ما يؤخذ الذي بعده؟
الشيخ: ما يؤخذ؛ لأن اللي بعده ما عليه الحق مع وجود الأقرب.
***