الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: أسألك بس لا تقول: شيخ ولَّا ما شيخ، أسألك هل سمع منكرًا؟
طالب: لا.
الشيخ: ما سمع منكرًا، إذن لا بأس أن يبقى إلا من علم من نفسه -وهذه يختلف الناس فيها- أن شهوته تتحرك، فهذا يجب أن يقوم.
طالب: يا شيخ، الآن دفوف النساء صارت حتى الفجر، بل قبيل الفجر ..
الشيخ: لا دعنا عاد مسألة الإطالة وإيذاء الجيران هذا شيء آخر.
طالب: لكن يا شيخ لو قام الإنسان حتى لو كان ..
الشيخ: الآن تحديد البحث ما هو في أنه يطلن أو يرفعن أصواتهن بمكبرات الصوت الذي يزعج الناس، كلامنا في سماع صوت غناء النساء في هذه المناسبة.
طالب: يا شيخ أنا أسأل عمليًّا (
…
).
الشيخ: عمليًّا بارك الله فيك نقول: لا بأس نعطي النساء بعض الحرية ساعة أو ساعة ونصفًا مثلًا ثم نغلق.
طالب: ما يحصل هذا.
الشيخ: يعني أقول: هكذا يجب، يعني الواجب على ولاة الأمور أو على المسئولين عن صالات الأفراح أن يتخذوا هذا النظام، وكان عندنا ما أدري هو إلى الآن موجود هذا النظام بعد الساعة الثانية عشرة، ما يمكن يسمح، يعني يجب يغلق المكان.
طالب: عندنا يا شيخ في البيوت يجلسون حتى قبيل الفجر، وإذا أقبل الفجر ناموا عن الصلاة.
الشيخ: إي يمكن ما فيه إشكال، هذا وارد.
طالب: لكن يا شيخ لو مثلًا واحد قام (
…
) وعلم الناس أن فلانًا قام سوف أقل شيء يعرفون هذا فيه شيء من المنكر؛ لأن صار الآن الناس تعارفوا عليه، وكأن ..
الشيخ: ما يخالف، على كل حال ما دام فيه مصلحة، فالإنسان يتبع المصلحة، لكن كلامنا على أنه ما يتعلق به مصالح.
***
[باب عشرة النساء]
طالب:
باب عشرة النساء
يلزم الزوجين العشرة بالمعروف، ويحرم مطل كل واحد بما يلزمه للآخر والتكره لبذله. وإذا تم العقد لزم تسليم الحرة التي يوطأُ مثلها في بيت الزوج إن طلبه، ولم تشترط دارها أو بلدها. وإذا استمهل أحدهما أُمهل العادة وجوبًا، لا لعمل جهاز. ويجب تسليم الأمة ليلًا فقط.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. قال رحمه الله تعالى: (باب عشرة النساء) أي معاشرة الزوجات، وهي التعامل بين الزوج وزوجته، يقول المؤلف: يلزم كل واحد (يلزم الزوجين العشرة بالمعروف). ودليل ذلك قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
فالحكم واضح، والدليل واضح، وقوله:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أحال الله عز وجل المعاشرة إلى المعروف، وعليه فتكون المعاشرة مختلفة باختلاف الأزمان والأحوال والأمكنة، فيكون هذا من العشرة بالمعروف عند قوم وليس عند آخرين، ويكون هذا واجبًا على شخص دون شخص حسب الحال، فمثلًا إذا كُنا في بلاد لا تخدم المرأة زوجها في بيته، فهنا نقول: يجب عليه أن يأتي بخادمة، ولا يخدمها؛ لأن هذا هو المعروف، وإذا قال لها: اطبخي لنا الغداء معي ضيف، لها الحق أن تقول: اطبخه أنت، إذا كنا في بلد ليس من العادة أن المرأة تخدم الزوج، وإذا كنا في بلد من العادة أن المرأة تخدم الزوج في الطبخ والغسيل وتنظيف البيت وحلب الشاة وما أشبه ذلك، ألزمناها بها، ألزمناها بذلك، فإذا قالت: البلاد الفلانية لا يلزمون الناس بهذا، لا يلزمون الزوجات بهذا، يقول: إن الله قال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، في بلاد الكفار يقدّمون المرأة على الرجل، حتى سمعنا أن الرجل تمشي زوجته أمامه وطفلها المحمول على الكتف، مع من؟
الطلبة: مع الزوج.
الشيخ: مع الزوج، وإذا كان أكبر من الكتف فبالعربية، والذي يدفه من؟
الطلبة: الزوج.
الشيخ: الزوج، والمرأة أمامه سيدة، هذا موجود أظن.
طالب: نعم.
الشيخ: موجود، لو أن أحدًا من النساء عندنا قالت: سأعمل مثل هذا، قال: يلا نذهب إلى جيراننا، إلى أقاربنا، احملي الولد، قالت: احمله أنت، ثم أراد أن يتقدمها، فقالت: ارجع ورا، تُمكَّن ولَّا لا؟
طالب: لا تُمكن.
الشيخ: ليش؟
طالب: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
الشيخ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، وكان الصحابة يستخدمون النساء في البيوت وفي البساتين، حتى كانت امرأة الزبير رضي الله عنه تحمل النوى على رأسها من المدينة إلى مكانهم خارج المدينة، مع أن النوى هذا ليس لها مصلحة فيه، لكن هذا ما جرت به العادة، فإذا قالت امرأة في بلدٍ جرت العادة أنهم يستخدمون الزوجات: أنا أريد خادمًا، قال لها زوجها: لا، والحق معه أو معها؟
الطلبة: معها.
الشيخ: معها؛ لأن الله قال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} . ومن المعروف أيضًا أن تقابل الزوجة زوجها بما يقابلها به، وأن يقابلها بما تقابله به، فإذا قدَّرنا أنه قصر في حقها فلها أن تقصر في حقه، المعاشرة من الجانبين، وليس له الحق في أن يطالبها بكامل حقه مع تقصيره؛ أولًا لأن الله قال: عاشروهن، والمعاشرة مفاعلة تقتضي وجود العشرة من الجانبين، وثانيًا أن الله قال:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194].
وقال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، فإذا قدرنا أن الرجل لا ينفق النفقة الواجبة على زوجته، وامتنعت منه في فراشه، دعاها إلى الفراش وأبت، هل تلعنها الملائكة حتى تصبح؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لا؛ لأنها محقة في ذلك؛ إذ إنه قصر في واجبها، فلها أن تقصر في واجبه، ولهذا قال تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} مشاقة من الطرفين {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35]
ويجب أيضًا (ويحرم مطل كل واحد بما يلزمه للآخر والتكرهُ لبذله) يقول: يحرم مطل والتكره لبذله. المطل كأن تقول له: ائت بالغداء ائت بالعشاء، تقول الساعة السابعة: هات الفطور، يقول: طيب إن شاء الله، هات جاءت الثامنة هات قال: إن شاء الله يجي، التاسعة، العاشرة، الثانية عشرة، فجاء بالفطور والغداء، سيكون بعد الواحدة والنصف، هل هذا مماطل ولَّا غير مماطل؟
الطلبة: مماطل.
الشيخ: مماطل حرامٌ عليه، حتى لو جاء بالفطور لكن في زمن متأخر فهو قد أتى محرمًا، اللهم إلا أن يكون له عذر، كأن لا يجد ما يشتري به أو يكون مثلًا البقالات مغلقة أو ما أشبه ذلك، كذلك لو جاء به مُتكرهًا لبذله، جاء بالفطور لكن قال: الله يتعبك أتعبتينا، كل يوم فطور، كل يوم فطور، هذا باذل ولَّا غير باذل؟
طالب: غير باذل.
الشيخ: لا، باذل، لكنه متكره، نعم، أو دعاها إلى فراشه مثلًا وجاءت في حال ما تدعو للنشاط فهذا أيضًا تكره للبذل، حرام على الطرفين، على المرأة أن تبذل واجبها، متكرهة له وكذلك الزوج، وهذا يدل على كمال الدين الإسلامي، وأنه يجازي بالعدل وبالواجب. طيب إذا كان مقصرًا في النفقة وهي قادرة على أن تأخذ من ماله بغير علمه ألها أن تأخذ؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، أفتاها بذلك سيد المفتين من البشر محمد صلى الله عليه وسلم، حين جاءت هند بنت عتبة إليه صلى الله عليه وسلم وقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني ما يكفيني وولدي، قال:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ» (13) أفهمتم؟
فإذا قدرت على أن تأخذ شيئًا من ماله بلا علمه فلا بأس تأخذ (وإذا تم العقد لزم تسليم الحرة التي يوطأ مثلها في بيت الزوج إن طلبه ولم تشترط دارها أو بلدها)، إذا تم العقد يقول: لزم تسليم الحرة التي يوطأ مثلها، ذكر شرطين بعد تمام العقد، إذا طلب الزوج الزوجة، فإنه يلزم أن تسلم له بشرطين: أن تكون حرة، وأن يوطأ مثلها، والتي يوطأ مثلها هي التي تم لها تسع سنين غالبًا، الغالب أن المرأة إذا تم لها تسع سنين صارت صالحة للوطء، وقبله لا تصلح، هذا الغالب، وبعده صالحة، هذا الغالب أيضًا، غير الغالب أن من النساء من يكون صغير الجسم، ضعيف النمو، تبلغ عشر سنين وهي كأنها بنت ست سنين، أو بالعكس؛ تجد بعض النساء مثلًا سريعة النمو، لها ثمان سنين وكأنها بنت عشر سنين مثلًا، لكن الفقهاء رحمهم الله لا يمكن أن يطبقوا هذا على كل فرد، وإنما يذكرون الغالب أن بنت تسع سنين يوطأ مثلها، هذا الغالب، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ولها ست سنين وبنى بها ولها تسع سنين (14).
(في بيت الزوج) يعني يجب أن تُسلم في بيت الزوج، إن طلبه، أي طلب أن تُسلم إليه في بيته، ولم تشترط دارها أو بلدها، إذا كان الزوج في بلد آخر، نعم الآن إذا تم العقد وجب تسليم المرأة بشرطين: أن تكون:
طلبة: حرة.
الشيخ: وأن يوطأ:
طلبة: مثلها.
الشيخ: مثلها طيب، وأين تسلم؟
طالب: في بيت الزوج.
الشيخ: في بيت الزوج، إلا إذا كان هناك شرط. وكون ذلك التسليم في بيت الزوج بناء على العادة؛ لقوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
فإذا كان من عادة الناس ألا تسلم إليه إلا في بيت أهلها وجب أن يُمشى على العادة؛ لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]. والعادات في هذا تختلف، فمثلًا هنا عندنا العادة أنْ لا تسليم إلا في بيت أهل المرأة، في بيت الزوجة، وسمعت أنه يوجد في بعض البلاد أن التسليم يكون في بيت الزوج، بمعنى أن الزوجة يُؤتَى بها إلى زوجها، فهل سمعتم بها.
طالب: نعم، عندنا يا شيخ.
الشيخ: عندكم طيب، وهذا هو الظاهر من كلام الفقهاء؛ أن الزوجة هي التي يُؤتَى بها للزوج، حتى قال بعضهم: إن الرجل في هذه الحال يُعذر بترك الجماعة لو قيل له: سنأتي بزوجتك في الساعة الفلانية، ولا يكون هذا إلا والناس يصلون في الجماعة، قالوا: إنه يُعذَر بهذا؛ لأن العادة أنه يؤتى بالزوجة إليه، فلو فرض أنه خرج يصلي في المسجد وجاءوا بها إلى بيته ولم يجدوه صارت المسألة نكبة، فرخص له بعض العلماء بترك الجماعة لهذا الغرض.
إذن قول المؤلف: (في بيت الزوج) نقيده نحن بشرط:
طالب: العادة.
الشيخ: إذا كان هذا هو العادة، فإن كان العادة أن تسلم في بيت أهلها اتُّبعت العادة، بدأ الناس الآن لا يسلمونها في بيت أهلها ولَّا في بيت الزوج في أيش؟
طالب: في الصالة.
الشيخ: في قصور الأفراح، يمشي على هذا، على ما جرت به العادة، مفهوم قوله:(وإذا تم العقد لزم تسليم الحرة) أنه يجب التسليم بمجرد العقد، فلو عقد عليها بعد الظهر قال: يلا هاتوا المرأة، قالوا له: نصبر بعد يومين ثلاثة يقول: ما أصبر، له ذلك أو لا؟
طلبة: له.
الشيخ: له ذلك إلا فيما استثناه المؤلف في قوله: (وإذا ستمهل أحدهما أُمهل العادة وجوبًا)، إذا استمهل يعني طلب المهلة، يعني تم العقد مثلًا وقال الزوج: والله الآن ما تهيأت، أنظروني لمدة يومين أو ثلاثة حتى أُهيئ البيت وأكون مستعدًّا لاستقبال زوجتي، يُمهَل أو لا؟ يُمهل، كذلك هم أهل الزوجة لو قالوا: والله إلى الآن لم تستعد الزوجة، تحتاج إلى مشط ولباس وغير ذلك، أمهلنا يومين أو ثلاثة، يجب عليه ولَّا لا؟
طالب: يجب.
الشيخ: يجب، ولهذا قال:(أُمْهِلَ العَادَةَ وُجُوبًا) والحقيقة أن هذه الجملة لا تخرج عن قوله فيما سبق: يلزم الزوجين أيش؟
طالب: العشرة بالمعروف.
الشيخ: العشرة بالمعروف داخلة في المعروف.
(لا لعمل جهاز) يعني لا يمهل لعمل جهاز، يعني التجهيز، فإذا طلب أهل المرأة أن يمهلهم لشراء الحاجات التي يجهزونها به يقول المؤلف: لا يلزمه القبول، العلة لأنه يمكن أن تشتري الجهاز وهي في بيت زوجها، لكن هذا قول ضعيف وخارج عن القاعدة العامة التي دل عليها الكتاب، وهي {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، ما جرت العادة إلا أن المرأة يكمل جهازها، والصواب أنه إذا استمهل أحدهما أُمهل العادة للجهاز ولغير الجهاز، هذا الصواب.
المؤلف يقول: لزم تسليم الحرة، وضدها الأمة، الأمة ماذا يقول؟ قال:(ويجب تسليم الأمة ليلًا فقط)، إذا تزوج أمة تسلم إليه بالليل فقط، بالنهار ما تسلم؛ لأنها مشغولة في النهار بخدمة سيدها، والرجل دخل على علم، يعرف أن هذه أمة وأن سيدها سيستخدمها، فقد دخل على بصيرة، ولهذا لو فرضنا أنها حرة واشترطت على الزوج ألا تأتي إليه إلا في الليل فالشرط لازم، يعني لو فرضنا أن امرأة مدرسة في النهار تشتغل وقالت له: لا آتي إليك إلا بالليل فهذا الشرط جائز؛ لأنه عبارة عن إسقاط حق له، وقد رضي بذلك، ولَّا فيه محظور شرعي، الأمة نهارها مستثنى شرعًا أو عادة؟
طلبة: شرعًا.
طالب: لا عادة.
الشيخ: عادة. فنقول: إذا تزوج أمة مملوكة فإنها تسلم إليه في الليل فقط، طيب في النهار؟
طالب: مشغولة.
الشيخ: لا يلزم، إن تبرع السيد وسلمها له نهارًا، فهذا طيب، وإلا فالحق له، ولو قال قائل: إن هذا يرجع إلى العرف، فإذا جرت العادة بأن السيد إذا زوج أمته فقد تخلى عن جميع منافعها للزوج، فإنه يُعمل بالعادة. وإذا اشترط زوج الأمة أن تكون عنده ليلًا ونهارًا ورضي السيد يصح أو لا؟
طالب: يصح.
الشيخ: يصح؛ لأن الحق للسيد، وقد أسقطه، وليس في ذلك محظور. فإن قال قائل: وهل للإنسان الحر أن يتزوج أمة؟
طالب: نعم.
الشيخ: قلنا: أولًا كلام المؤلف رحمه الله ما ذكر: حر أو عبد، وقد يتزوج الأمة رقيق أو لا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: إذا تزوجها رقيق فلا إشكال في الموضوع، وتأتيه ليلًا لا نهارًا إلا بشرط أو عادة مستمرة، لكن الحر يجوز أن يتزوج أمة بشرط أن يخاف العنت وألا يجد مهر حرة؛ لقول الله تبارك وتعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25].
فإذا تم الشرطان وتزوج الحر أمة فلا حرج، وأولادها ماذا يكونون؟
طالب: أرقاء.
الشيخ: أولادها أرقاء لسيدها، فيكون أبوهم حرًّا، وهم أرقاء للسيد، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا تزوج الحر أمة رقَّ نصفُه؛ لأن أولاده جزء منه، ويكونون أرقاء، وقد ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أنه إذا اشترط الحر أن يكون أولاده أحرارًا فلا بأس، لكن هذا مخالف لظاهر النص، والصواب أنه لا يحل للحر أن يتزوج امرأة إلا بالشرطين، حتى لو اشترط أن يكون أولاده أحرارًا فإن النكاح لا يصح.
يقول: (ويباشرها) يعني يباشرها أي له أن يباشرها، من؟
طلبة: الزوج.
الشيخ: الزوج، يباشرها وإن لم يحصل الدخول الرسمي؟
طلبة: لا.
طلبة آخرون: نعم.
الشيخ: نعم، لو عقد عليها مثلًا وهي في بيت أهلها لم يحصل الدخول الرسمي الذي يحتفل به الناس، فذهب إلى أهلها وباشرها، يجوز؟
طلبة: نعم يا شيخ.
طالب آخر: شرعًا جائز.
طالب آخر: حسب العرف.
الشيخ: العرف ما فيه عرف.
طالب: شرعًا جائز.
الشيخ: يجوز لأنها زوجته، وقد قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5، 6].
صحيح أنه لو قال لها: امشي معي إلى البيت، وهو لم يحصل الاحتفال العادي، فهذا خلاف العادة، لكن لو ذهب إلى أهلها وباشرها هناك فلا بأس، إلا أننا لا نحبذ أن يجامعها، يباشرها بغير الجماع؛ لأنه لو جامعها ثم حملت اتهمت المرأة، إذن الناس يقولون: كيف تحمل وهو ما دخل عليها، ما حصل زواج، ثم لو باشرها مثلًا جامعها وقدر الله أن مات من يومه ثم حملت بهذا الجماع، ماذا يقول الناس؟ أجيبوا يا جماعة، يتهمونها اتهامًا كبيرًا؛ لأن الزوج مات وأنت كيف تحمل! لهذا لا نحبذ أن يجامعها، لكن له أن يباشرها بكل شيء سوى الجماع؛ لأنها زوجته. ومن ثَم أنا أفضل أن يكون العقد عند الدخول، بعض الناس الآن يعقد ثم بعد سنة يحصل الدخول، هذا جائز لا إشكال فيه، ما .. شرط جائز، لكن قد لا يصبر الزوج، قد لا يصبر ويذهب إليها ويستمتع بها ويجامعها، ثم إنه ربما يموت قبل الدخول، فيُلزِمها بالإحداد والعدة وتأخذ من الميراث، وتأخذ المهر كاملًا، فلو أنه أخَّر الزواج إلى ما بعد الدخول بيوم أو يومين لكان هذا أحسن. والله الموفق.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، كما تعلمون أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول في وجوب خدمة الزوجة لزوجها مطلقا ويعلل بأن ..
الشيخ: أولًا أنا أطالبك بقولك: مطلقًا، من قال هذا؟
طالب: هذا موجود عنده في كتاب عشرة النساء له.
الشيخ: ما هو مطلق، مالم يخالف العادة.
طالب: لا هو ما قال ..
الشيخ: لا هذا مراده؛ لأن شيخ الإسلام نعرف أنه من أشد الناس تمسكًا بالنصوص، والنص يقول:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، فإذا تزوج إنسان امرأة حرة من بيت ثراء وغنى، وهو فلاح، قال: يلَّا خذي الإبل أسمنيها، خذي المحلب، احصدي العلف، السماد احرثيه من تحت أقدام الإبل وشيليه على الرأس، وهي امرأة تاجر ما تعرف الأمور هذه، هل يقول شيخ الإسلام: يلزمها؟
طالب: هو قال: لأن عدم خدمتها له ليس من المعاشرة بالمعروف في حد ذاته.
الشيخ: أحسنت ليس من المعاشرة بالمعروف، إذن وكل الأمر إلى.
طلبة: المعروف.
الشيخ: نعم.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم.
طالب: أصبح الناس بعضهم (
…
).
الشيخ: نعم.
طالب: أصبح تباين ما تستطيع (
…
).
الشيخ: هذه لا بد من الشرط، إذا تباين العرف فإن كان مشروطًا في العقد أن يكون لها خادم لزم، وإن سُكت فالأصل عدم الوجوب.
طالب: شيخ، قلنا: إن الرجل إذا عقد أنه ليس له أن يجامع للاحتراز، طيب يا شيخ إذا ..
الشيخ: أنا قائل: ليس له أن يجامع؟
طالب: لا يا شيخ لفظًا.
الشيخ: لا يا جماعة طيب الأحسن ألا يجامع لهذا السبب.
طالب: شيخ طيب يعني إن جامعها، يعني إن كان عزل أو اتخذ الحبوب التي تمنع من الحمل كذلك؟
الشيخ: ما فيه مانع، لكن أنت تعلم أن العلماء يقولون: يحرم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها؛ لأنه ما يحصل كمال الاستمتاع إذا عزل، وربما يشق على المرأة مشقة عظيمة تتألم إذا تهيأت مثلا للإنزال ولم تنزل يصعب عليها كثيرًا.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا بأس للزواج من الأمة؛ لأن له أن يتزوج إذا اشترط أن يكون أولاده أحرارًا، وكأنه أخذه من قول الإمام أحمد: إذا تزوج الحرّ أمة رق نصفه. فجعل العلة أن أولاده يكونون أرقاء، لكن من يقول: إن هذه العلة قد يكون العلة هذه، وقد يكون العلة الدناءة، كون الإنسان نزل بنفسه من منزلة الأحرار إلى منزلة الأرقاء، وأيضًا ربما يُعير بذلك زوج الأمة، قد يُعير بهذا، لا يمكن أن نقول: إن العلة الوحيدة هي أن أولاده يكونون أرقاء.
طالب: (
…
).
الشيخ: هي امرأة ولَّا رجل، إن كان رجلًا لا بأس أن يأتي بلا محرم نعم، لا يأتي بخادمة أكتر مبالغة كعلَّامة، نعم امرأة هي امرأة ولَّا لا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ إِلَّا» (15) ويش تقول؟
طالب: (
…
).
الشيخ: ما أدري والله أيش تقول؟
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، هو يلزمه أن يأتي بخادمة لها محرم، فإذا قال: أنتم اشترطتم عليَّ خادمة، والرسول صلى الله عليه وسلم منع من سفر المرأة بلا محرم، وأنا ما أستطيع أعصي الرسول، قلنا: يلزمك الخادمة وما يلزم عليها شرعا وهو؟
طالب: المحرم.
الشيخ: المحرم.
***
طالب: قال المؤلف رحمه الله: ويباشرها ما لم يضر بها أو يشغلها عن فرض. وله السفر بالحرة ما لم تشترط ضده. ويحرم وطؤها في الحيض والدبر، وله إجبارها على غسل حيض ونجاسة وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره. ولا تجبر الذمية على غسل الجنابة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. قال المؤلف رحمه الله تعالى في بيان حقوق الزوجين بعضهما على بعض:(ويباشرها)، وهذه الجملة للإباحة وليست للأمر، بل للإباحة، إلا أنه يجب عليه أن يباشرها بالمعروف، فلا يعرض عنها، لكن له أن يباشرها (ما لم يُضر بها أو يشغلها عن فرض) يعني له أن يباشر زوجته في كل وقت وفي كل حين، وعلى كل حال، إلا في حالين؛ أن يضرها، أو يشغلها عن فرض، فإن أضر بها فإنه لا يحل له أن يباشرها؛ كامرأة مريضة يضرها أن يجامعها مثلًا، فيحرم عليه أن يجامع، وكذلك أيضًا إذا كان يشغلها عن فرض، مثل أن دعاها لنفسه مع ضيق وقت الصلاة، فإنه لا يحل له أن يفعل؛ لأن حق الله مقدم على حق الآدمي لسبقه عليه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:«لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» (16).
طيب هل له أن يباشرها وهي غير متهيئة لذلك، مثل أن تكون مشغولة بحوائج البيت أو غير هذا؟
الجواب: نعم له ذلك، له أن يباشرها وإن لم تكن متهيئة، مع أن هذا قد يؤثر على المرأة نفسيًّا إذا لم تكن متهيئة للمباشرة، مشغولة بشيء آخر، ولهذا قال أهل الطب: لا ينبغي للإنسان أن يجامع الزوجة وقلبها مشغول؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يستهلك طاقة كبيرة من بدنه، على أنه أيضًا لا يحصل الاستمتاع التام، فكذلك هي إذا كانت مشغولة غير مستعدة لهذا الشيء فلا ينبغي أن يجامعها، لكن لو فُرض أنه فعل فلا حرج عليه، لكن من باب الرأفة والرحمة ينبغي له ألا يفعل حتى تكون متهيئة لذلك.
ولهذا قال العلماء: ينبغي قبل الجماع أن يفعل معها ما يثير شهوتها؛ لتكون أكثر استعدادًا لهذا العمل، وهو أيضًا من مصلحته هو؛ لأنه إذا أتاها وهي مستعدة لذلك كان ذلك أقوى لانتفاعه إلى هذا العمل؛ لكون المرأة متهيئة له. وينبغي للإنسان في الحقيقة ينبغي له أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فإذا رأى المرأة مشغولة إما بحوائج البيت وإما بإصلاح طفلها أو ما أشبه ذلك؛ فالأحسن أن يُؤخر حتى تنتهي من الشغل وترتاح، ويحصل بذلك المعاشرة الطيبة والاستعداد الكامل بالنسبة للمرأة، لكن الكلام على المحرّم نقول: لا يحرم إلا إذا أضرّ بها أو شغلها عن فرض.
يقول رحمه الله: (ما لم يضر بها أو يشغلها عن فرض. وله السفر بالحرة ما لم تشترط ضده)، له الضمير يعود على الزوج، السفر بالحرة أي بالمرأة الحرة مالم تشترط ضده، فإن اشترطت ضده -أي: اشترطت ألا يسافر بها- فعلى ما شرطت.
والأمة له أن يسافر بها، لو تزوج أمة فليس له أن يسافر بها إلا إذا اشترط السفر بها، ولأن الأمة مشغولة بخدمة سيدها، بخلاف الحرة، وعلى هذا فيكون الأصل في الحرة أن يسافر بها مالم تشترط ضده، والأصل في الأمة ألا يسافر بها مالم يشترط هو أن يسافر، نعم، مالم تشترط ضده، فإذا اشترطت ضده ألا يسافر بها عن بلدها، إما مطلقًا أو إلى بلد معين، مثل أن تشترط عليه ألا يسافر بها إلى بلاد الكفر، فالأمر على ما شرطت، لا يسافر بها حسب الشرط، فإن غدرها وسافر بها وأذنت، مثل أن يقول لها: سافري معي هذه المرة ولك علي ألا أسافر بك مرة أخرى، فانخدعت ووافقت، فهل لها فيما بعد أن تمتنع؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأنه غرَّها، أما لو طلب منها السفر هذه المرة بدون خداع، وبدون أن يعدها ألا يسافر بها، ثم سافر بها، فإنه له أن يسافر بها في المرة الثانية؛ لأنها لما أذنت بالسفر معه لأول مرة أسقطت الشرط الذي اشترطته لنفسها.
يقول: (ويحرم وطؤها في الحيض والدبر) يحرم وطؤها، أي وطء الزوجة، في الحيض؛ أي: إذا كانت حائضًا، دليل ذلك قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222].
فيحرم عليه أن يطأها في الحيض؛ لأن الله نهى عنه وبيَّن الحكمة من ذلك بكونه أذى؛ أذى للزوج أو للزوجة أو لهما؟ لهما جميعا، أذى للزوج لتلطخه بالدم النجس، وأذى للزوجة لأنها تتضرر إذا وطئها في الحيض تضررًا عظيمًا، ربما تتمزق أوعية الدم من داخل الفرج والغشاوات التي جعلها الله تعالى في داخل الفرج، ربما تتمزق وتتضرر المرأة بذلك، فلهذا سماه الله أذى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أي في مكان الحيض وهو الفرج، وأما ما عداه فلا بأس به، قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض (17).
فله أن يستمتع بالحائض في كل شيء إلا الوطء في الفرج، له أن يقبلها ويضمها ويجامع بين الفخذين، كل التمتعات إلا الوطء في الفرج، لا تقربوهن حتى يطهرن، والمراد بالقربان المنهي عنه هو الجماع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» (18). {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، تطهرن يعني اغتسلن، والدليل على أن الاغتسال يسمى تطهرًا قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
وأما قول ابن حزم وطائفة من العلماء: إن المعنى: فإذا تطهرن، أي أنقين فروجهن من الحيض، فهذا غلط عظيم؛ لأن هذا لو كان المراد بذلك أن تغسل الدم لقال: فإذ طهُرن من الدم، وهنا أضاف التطهر إليهن جميعًا، وهذا لا يكون إلا برفع الجنابة، أي بالغسل من الحيض، فيحرُم وطؤها في الحيض، فإن فعل فهو آثم، وهل تأثم المرأة؟ نقول: إن مكنته فهي آثمة، وإن لم تمكنه ولكن أكرهها فهي غير آثمة.
ثم هل تجب عليه الكفارة إذا جامع في الحيض أو لا؟ في هذا خلاف بين العلماء بناء على صحة الحديث الوارد في ذلك؛ فقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن عليه الكفارة دينارًا أو نصفه (19)، فمن صحح الحديث قال: يلزمه أن يكفر بدينار، وهو ما يزن مثقالًا من الذهب أو نصفه على التخيير، وقيل: أو نصفه على اختلاف الحال؛ إن كان في فور الدم فدينار، وإن كان في توقفه قبل الغسل فنصف دينار.
طيب إذا عُرف هذا الرجل بكونه يطأ الزوجة في الحيض فهل يجوز إقرار زوجيته؟
الجواب: لا، يعني إذا عرفنا أن هذا الرجل مبتلى بالجماع في الحيض ولا يتحاشى ذلك، فإنه يجب أن نفرق بينه وبين زوجته؛ لئلا يقع في الحرام، كذلك يحرم وطؤها في الدبر؛ لأن هذا -أعني الدبر- ليس محل الحرث، وقد قال الله تعالى:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].
هذا من جهة الدليل الأثري، الدليل النظري أنه إذا حرم الله الوطء في الحيض من أجل التلوث بالدم فتحريم الوطء في الدبر من أجل التلوث بالقذر من باب أولى.
الثاني من الدليل النظري: أن هذا يشبه اللواط، وهو جماع الذكر والعياذ بالله، ولهذا سماه بعض العلماء اللوطية الصغرى، ومعلوم أن التشبه باللائطين محرم؛ لأنه يؤدي إلى أن يعمل عملهم المحرم، فإن عرف الرجل بوطء زوجته في الدبر فالواجب التفريق بينهما؛ لئلا يبقيا على هذه المعصية، وقد نصَّ على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو حق.
قال: (وله إجبارها على غُسل حيض ونجاسة) أو على غَسل حيض؟
طالب: غُسل.
الشيخ: على غُسل وعلى غَسل أيضًا، له أن يجبرها على غُسل الحيض، فإذا قالت: إنها قد غسلت الفرج ونظفته فله أن يجبرها؛ لأنه لا بد أن يكون وطؤه إياها إذا أراد كمال الاستمتاع على طهارة ..
وله إجبارُها على غُسْلِ حَيْضٍ ونَجاسةٍ، وأَخْذِ ما تَعَافُه النفسُ من شَعْرٍ وغيرِه ولا تُجْبَرُ الذِّمِّيَّةُ على غُسْلِ الْجَنابةِ.
(فصلٌ)
ويَلْزَمُه أن يَبيتَ عندَ الْحُرَّةِ ليلةً من أربعٍ، ويَنفرِدَ إن أرادَ في الباقي، ويَلْزَمُه الْوَطْءُ إن قَدَرَ كلَّ ثلُثِ سَنَةٍ مَرَّةً، وإن سافَرَ فوقَ نِصْفِها وطَلَبَتْ قُدومَه وقَدِرَ لَزِمَه، فإن أَبَى أحدُهما فُرِّقَ بينَهما بطَلَبِها، وتُسَنُّ التَّسميةُ عندَ الوَطءِ وقولُ ما وَرَدَ، ويُكرهُ كَثرةُ الكلامِ، والنزْعُ قبلَ فَرَاغِها، والوَطءُ بِمَرْأَى أَحَدٍ، والتَّحَدُّثُ به ويَحْرُمُ جَمْعُ زَوْجَتَيْهِ في مَسكنٍ واحدٍ بغيرِ رِضاهما، وله مَنْعُها من الخروجِ من مَنْزِلِه، ويُسْتَحَبُّ إذنُه أن تُمَرِّضَ مَحْرَمَها وتَشْهَدَ جَنازتَه، وله مَنْعُها من إجارةِ نفسِها ومن إرضاعِ وَلَدِها من غيرِه إلا لضَرورتِه.
(فصلٌ)
وعليه أن يُساوِيَ بينَ زَوجاتِه في القَسْمِ لا في الوَطْءِ، وعِمادُه الليلُ لِمَنْ مَعاشُه النهارُ والعكسُ بالعكسِ، ويُقْسَمُ لحائضٍ ونُفَسَاءَ ومَريضةٍ ومَعيبةٍ ومَجنونةٍ مأمونةٍ وغيرِها، وإن سافَرَتْ بلا إذْنِه أو بإذْنِه في حاجتِها أو أَبَت السفَرَ معه أو الْمَبِيتَ عندَه في فِراشِه فلا قَسْمَ لها ولا نَفَقَةَ،
الثاني من الدليل النظري: أن هذا يشبه اللواط، وهو جِمَاع الذكر -والعياذ بالله- ولهذا سَمَّاه بعض العلماء اللوطية الصغرى، ومعلوم أن التشبه باللائطين مُحَرَّم؛ لأنه يؤدي إلى أن يعمل عملهم الْمُحَرَّم، فإن عُرف الرجل بوطء زوجته في الدبر فالواجب التفريق بينهما لئلا يبقيا على هذه المعصية، وقد نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو حقّ.
قال: (وله إجبارها على غُسل حيض) أو (على غَسل حيض)؟
على غُسل وعلى غَسل أيضًا، له أن يجبرها على غُسل الحيض، فإذا قالت: إنها قد غسلت الفرج ونَظَّفَتْه فلهُ أن يُجْبِرَها؛ لأنه لا بد أن يكون وطؤه إياها إذا أراد كمال الاستمتاع على طهارة، فيقول: أنا لا تنجذب نفسي لوطء امرأة حائض لم تغتسل من حيضها.
وهل يجبرها على غَسْل الحيض، أي: غسل بقية الدم؟ نعم له أن يجبرها على ذلك؛ لأن بقاء الدم مما يُوجِب أن تعافها نفسه، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يباشر أهله في حال الحيض يأمرهم أن يَتَّزِرُوا (1).
لئلا يشاهد الدم ومحل الدم فتتقزز نفسه في الحاضر والمستقبل؛ لأنه قد يتذكر ذلك في المستقبل ولو بعد الغسل، لهذا له أن يُجْبِرَها على غُسل الحيض وغَسله أيضًا.
وله أن يجبرها على غسل النجاسة، والنجاسة إذا كانت في محل الاستمتاع ولها محل معين فله أن يجبرها على غسلها؛ لئلا يتلوّث بمباشرتها، وإن كانت في غير محل الاستمتاع، مثل أن تكون في الظَّهْر لا علاقة لها بالاستمتاع، وليست المشاهدة بَيِّنَة، بل هي بَوْل قد يبس، فهل له أن يجبرها على ذلك؟ ظاهر كلام المؤلف أن له ذلك؛ لأنه إذا تخيل أن في جسدها لطخة من البول فسوف يتقزز منها وينفر منها.
وله أيضًا: (إجبارها على أَخْذ ما تعافه النفس من شعر ونحوه)، يعنى: له أن يُجْبِرَها على أَخْذ ما تعافه النفس من الشعر مثل الشارب، صحيح المثال؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، صحيح، بعض النساء يَنْبُت لها شارب، فإذا قال لها: أَزِيلِي شعر الشارب قالت: لا بأس، الرجال لهم شوارب، له أن يجبرها؟ نعم له أن يجبرها؛ لأن هذا يُوجِب أن تعافها نفسه، إذا كان فيها شعرات في غير الشارب لكنها مُشَوِّهَة للوجه له أن يُجْبِرها على ذلك؛ شعر الإبطين؟ نعم له أن يجبرها على ذلك، شعر العانة كذلك من باب أولى، طول الأظفار له أن يُجْبِرها على قصها؟ نعم، اتباعًا للسنة من وجه، ولإزالة ما تعافه النفس من وجه آخر، وبهذه المناسبة أَوَدّ أن أنبه أن بعض سفهاء النساء أو سفيهات النساء يتخذن شعارًا يختص بالكافرات تُبْقِي ظفر الخنصر طويلًا كأنه رأس الحربة، وبقية الأظفار تقُصّها، هذا حرام؛ لأنه تشبُّه بالكفار، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ في الظفر والشارب والإبط والعانة أَلَّا تُتْرَك فوق أربعين يومًا. (2)
هل لها هي أن تطالبه بأخذ ما تعافه النفس؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم؟ سبحان الله!
طالب: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنها ليس لها ذلك، لكن نقول: إن قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} تقتضى المعاشرة من الطرفين، فلهن مثل الذي عليهن، فإذا جاء الزوج شعث الرأس منتفش الشعر كله وسخ، جاي من عمله بالمكاين زيت وديزل وبنزين، وكل شيء رائحته تفوح من عشرة أمتار، فهل لها أن تجبره على التخلي من ذلك؟
الظاهر بلى؛ لأن الله قال: {عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، وقال:{لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة البقرة: 228]، وقال بعض السلف: إني لأَتَجَمَّل لزوجتي كما أحب أن تتجمل لي.
ولعل هذا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (3).
قال: (ولا تُجْبَر الذمية على غسل الجنابة).
(الذمية) هي التي بيننا وبينها عهد، ولا تكون الذمة إلا لأهل الكتاب اليهود والنصارى على ما هو المشهور، والصحيح أن الذمة تعقد للنصارى واليهود وغيرهم، لكن غير اليهود والنصارى لا يحل للرجل أن يتزوج من نسائهم، ولو أن المؤلف رحمه الله قال: ولا تُجْبَر الكتابية، لكان أولى، أولى من وجهين:
لأن الكتابية يجوز نكاحها وإن لم تكن ذمية؛ ولأن غير الكتابية لا يجوز نكاحها ولو كانت ذمية، فلو أنه قال: ولا تُجْبَر الكتابية على غسل الجنابة.
إذا تزوَّج الإنسان يهودية أو نصرانية فهي في نفسها لا يلزمها غسل الجنابة؛ لأنه ليس عليها صلاة، وغسل الجنابة إنما يجب للصلاة، لكن هل يجوز لزوجها أن يجبرها على غسل الجنابة؟ يقول المؤلف: لا يملك إجبارها؛ لأنها لا صلاة عليها، وليس عليه شيء من دينها.
والصحيح أن له أن يجبرها على غسل الجنابة؛ لأنها إذا لم تغتسل عن الجنابة سيبقى المحل كريهًا، وربما يكون له رائحة غير طيبة منتنة، فالصواب أن له أن يجبرها على غسل الجنابة.
فإذا قالت له: أنا لا أصلي، يقول: لكن الحق لي أنا، أنا لست أريد أن أُجْبِرَك على غسل الجنابة من أجل أن تصلي، لكن أجبرك على غسل الجنابة من أجل كمال الاستمتاع، والله الموفق.
طالب: غفر الله لكم، شيخ، لَمَّا قلنا: الذي يجامع في الحيض يُكَفِّر ويتصدق بدينار، شيخ ترون هذا القول؟
الشيخ: أو نصفَه.
الطالب: أو نصفَه. (4)
الشيخ: إذا صح الحديث نعم نقول به، إذا صح الحديث على العين والرأس.
الطالب: كم يعادل تقريبًا؟
الشيخ: يمكن الدينار ثلاثين جنيهًا سعوديًّا.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، للمرأة أن تزيل شعر رِجْلَيْهَا؟
الشيخ: اللي في (
…
).
طالب: اللي في الساق.
الشيخ: اللي في الساق، أما إذا كَثُر وشَوَّهَ حتى صارت ساقها كساق الرجال فلا بأس، وأما إذا كان عاديًّا فهذا ينبني على قاعدة، وهي أن إزالة الشعور لها ثلاث حالات: مأمور به، ومنهي عنه، ومسكوت عنه.
فالمأمور به: العانة، وأيش؟ والإبط والشارب، وهذه ما فيها شك أنها تزال، والمنهي عنه من؟
اللحية بالنسبة للرجال، والنمص بالنسبة للرجال والنساء، النمص: الذي هو نَتْف شعر الوجه، سواء الحاجبان أو غيرهما، هذا أيضًا معلوم أنه منهي عنه، والمسكوت عنه: اختلف العلماء رحمهم الله هل يجوز أو يُكْرَه أو يَحْرُم؛ فمنهم من قال: إنه يجوز؛ لأن ما سكت الله عنه فهو عفو، وما دمنا أُمِرْنَا بشيء ونُهِينَا عن شيء يبقى هذا المسكوت عنه بين أن يكون مأمورًا به أو مَنْهِيًّا عنه، فإذا تساوى الطرفان ارتفعَا هذا وهذا، وصار من باب المباح.
وبعضهم يقول: لا، يَحْرُم؛ لأنه من تغيير خلق الله، والأصل في تغيير خلق الله المنع؛ لأن تغيير خلق الله من أوامر الشيطان، قال الله عنه:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119]، فيكون حرامًا.
وقال بعضهم: إنه مكروه نظرًا لتعادل الأدلة المبيحة والمانعة، والذي أرى أنه لا بأس به؛ لأنه مسكوت عنه، لكن الأولى أَلَّا يُزَال إلا إذا كان مُشَوِّهًا؛ لأن الله لم يخلق هذا إلا لحكمة، لا تظن أن شيئًا خلقه الله إلا لحكمة، لكن قد لا نعلمها.
وهذا يجرنا إلى مسألة التبرع بالكلية، هل يجوز أو لا؟ بعضهم يقول: يجوز؛ لأن الإنسان قد يحيا على كلية واحدة، وهذا غلط، أولًا: لأنه أزال شيئًا خلقه الله عز وجل، وهذا من تغيير خلق الله، وإن كان ليس تغييرًا ظاهرًا بل هو في الباطن.
وثانيًا: أنه إذا قُدِّر مرض هذه الباقية أو تلفها هلك الإنسان، لكن لو كانت الكلية التي تبرع بها موجودة لسَلِم.
ثالثًا: أن الإقدام على التبرع بها معصية، فإذا ارتكبها الإنسان فقد ارتكب مفسدة مُحَقَّقَة، وإذا زُرِعَت في الإنسان الآخر فقد تنجح وقد لا تنجح، فنكون ارتكبنا مفسدة محققة لمصلحة غير محققة، ولهذا نرى أنه لا يجوز للإنسان أن يتبرع بشيء من أعضائه مطلقًا، حتى بعد الموت، وقد نصّ على هذا فقهاؤنا رحمهم الله، ذكرها في الإقناع في باب تغسيل الميت أنه لا يجوز أن يُقطع شيء من أعضاء الميت ولو أوصى به.
طالب: شيخ بارك الله فيكم، أصلًا بالأعم الأغلب أن الرجل الذي يأتي زوجته وهي حائض لا يكون إلا عن شبق أو عن شهوة قوية، يعني ما رأيكم لو قلنا يا شيخ: إنه لا يُفَرَّق بينهما خشية أن يقع في معصية أكبر هي أن يكون عرضة للزنا؟
الشيخ: نقول: هذا له دواء غير الوطء، يستمتع بما بين الفخذين ويكفي؛ لأن الإنسان اللي فيه شدة الشهوة أو الشبق يكفيه أن يجامع، بل يكفيه أن يُنْزل بأي وسيلة، والشبق لا تظن أنه شدة الشهوة فقط، الشبق -نسأل الله العافية- هو أن بعض الناس بمجرد ما يجد الشهوة تحتقن خصيتاه وتتورم، ويُخشى أن تتشقق، يعني ما هو شيء هين، وهذا يحصل كما قلت لكم بأي شيء، إذا أنزل بأي شيء زال الشبق.
طالب: شيخ، نعم لو نصحناه وفعل، لكن لو علمنا أنه لا يفعل وأنه يعنى لا ..
الشيخ: لا، يقلع عن ذلك.
الطالب: إلا أن يأتي امرأته وهي حائض، فلو قلنا بالتفريق بينهما لكان هناك مفسدة أعظم.
الشيخ: لا، إذا فَرَّقْنا بينهما ثم زنا فأمامنا حجارة صغيرة ندق بها رأسه.
طالب: إذا انقطع –مثلًا- دم الحيض، أو دم النفاس لفترة قليلة، فجامَع زوجته ثم تبين أنها ما زالت، فهل عليه شيء؟
الشيخ: هذا يكون جاهلًا، يعنى الإنسان لو ظن أن زوجته طهرت وهي اغتسلت أيضًا وصَلَّتْ، لكن تَبَيَّن أنها لم تطهر، أو أنه جامعها بناءً على أنها طاهرة، ولما فرغ من الجماع وجد أن فيها الحيض، هذا لا شيء عليه.
الطالب: هل نقول: إن عليه كفارة على مَن يقول بأن ..
الشيخ: لا، ليس عليه إثم ولا كفارة، ألم تعلم أن لدينا قاعدة: كل مَن فعل معصية جاهلًا أو ناسيًا أو مُكْرَهًا فلا شيء عليه، لا إثم ولا كفارة (
…
).
***
سبق أن من القواعد المهمة جدًّا فيما يكون بين الزوجين: أن يعاشِر كل واحد منهما الآخر بالمعروف، وهذا لا شك أنه من محاسن الشريعة، ومن أسباب دوام العشرة وعدم النزاع.
سبق لنا أنه يجوز للمرأة أن تشترط على زوجها ألّا يسافر بها، أليس كذلك؟ وذكرنا الدليل على هذا، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» (5).
ولكن إذا قال قائل: أليس من حق الزوج أن يسافر بالمرأة؟ فلماذا نمنعه من السفر بها إذا اشترطت ألَّا يسافر؟
نقول: لأن سفره بها من حقه، فإذا أسقطه عند العقد أيش؟ سقط، هو حقه، كما أن من حقها هي أن يَقْسِم لها، فإذا شرط عليها ألَّا يَقْسِم لها فإنه لا يجب عليه أن يَقْسِم.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ويلزمه أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع، وينفردُ)، ولَّا (وينفردَ)؟ القارئ قرأ (وينفردُ) فهل قرأت ذلك عن علم أو عن جهل؟
طالب: قرأت عطفًا على (ويلزمهُ).
الشيخ: (ويلزمهُ) إي.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا، فيه (أن يبيتَ).
الطالب: يعنى إذا عطفنا على (يبيت) ينصب، أنا عطفته على (ويلزمه).
الشيخ: يعنى أنت بالخيار؟ إذن رمية من غير رامٍ، الصواب يتعين أن تكون (وينفردُ)؛ لأنك لو قلت:(ينفردَ) لأوجبت عليه أن ينفرد إن شاء في الباقي، وهذا لا يجب عليه، فالجملة معطوفة على (يلزم)، وإما استئنافية، ولا يصح أن تكون معطوفة على (يبيت) المنصوبة.
على كل حال يقول المؤلف: (يلزمه أن يبيت عند الحرة ليلةً من أربع) لزوم، الدليل؟ قالوا: ما عندنا دليل، لكن عندنا تعليل؛ لأن أكثر ما يجمع إلى الواحدة كم؟ ثلاثة، أَضِفْهَا إلى الرابعة تكون أربعة، فإذا كان الإنسان عنده أربع زوجات يلزمه أن يبيت عند كل واحدة ليلة من أربع، صح ولَّا لا؟
إذن المسألة لا دليل فيها، وإنما فيها التعليل، ولكن هذا التعليل عليل؛ لأن هذا التعليل يقتضي أن نَقِيس مَن ليس عنده إلا واحدة على مَن عنده أربع، وهذا خطأ؛ لأن مَن عنده أربع لا يمكن أن يبيت عند كل واحدة إلا ليلة من أربع، ما يمكن يبيت عند كل واحدة ليلة من ليلتين، واضح يا جماعة؟ لكن مَن ليس عنده إلا واحدة يمكن أن يبيت عندها كل ليلة.
ولهذا نقول: إن هذا القول ضعيف؛ لأن هناك فرقًا بين المفروض والواقع، أما مَن عنده أربع نساء فلا شك أنه لا يلزمه أن يبيت إلا عند كل واحدة ليلة من أربع، لكن كَوْننا نفرض أن عنده ثلاث زوجات أخريات هذا غلط.
والصواب أنه يلزمه أن يبيت عند الحرة ما جرت به العادة، والعادة عندنا الظاهر عند جميع الناس أنه ليس من المعاشرة بالمعروف أن يبيت ليلة عندها، ثم في الليلة الثانية يبيت في حجرة أخرى، والمرأة واحدة والبيت واحد، هل هذا من المعاشرة بالمعروف؟
طالب: لا.
الشيخ: أجيبوا يا جماعة.
طلبة: لا.
الشيخ: لا، إذن القول هذا ضعيف، والصواب أنه يلزمه أن يبيت عند الحرة ما يُعَدّ معاشرة بالمعروف، أليس كذلك؟ وبناء عليه لو كان عند إنسان ضيوف، وكان هؤلاء الضيوف يَرَوْنَ من إكرامهم أن يبيت عندهم في نفس الحجرة، فهنا نقول: لا بأس أن يبيت عند الضيوف ما داموا عنده ليلتين أو ثلاثًا أو أربعة، ويدع المرأة في الحجرة، ولا يُعَدّ هذا مخالفًا لأيش؟ للعشرة بالمعروف -انتبهوا يا إخواني- فالصواب إذن أن نُنزل هذه المسألة على القاعدة التي بَيَّنَها الله عز وجل في الكتاب في قوله:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، فنقول: بِتْ عندها كل ليلة ما لم يكن هناك سبب يقتضي ألَّا تبيت، فهذا يُعْمَل به.
قال: (وينفرد إن أراد في الباقي، ويلزمه الوطء إن قدر كل ثُلُثِ سنة مَرَّةً)، مشكلة هذه، يعنى في السنة كم؟ ثلاث مرات، إنسان شاب تزوج شابة نقول: لا يلزمك أن تطأها إلا أول ليلة من مُحَرَّم وأول ليلة من جمادى الأولى، ولَّا لا؟ أجيبوا، قَدِّرُوها حتى نكتب للرجال: تَزَوَّج إنسان امرأة شابة وهو شاب أول ليلة من مُحَرَّم يطؤها، وبعد ذلك متى؟ أول جمادى الأولى، وبعدين أول ليلة من رمضان، كم هذه؟ ثلاث مرات، وهي شابة، الحاجة تدعو إلى أن يجامعها أكثر من ذلك، وهو أيضًا شاب يحتاج إلى تحصين فرجه، نقول: لا يلزمك أن تجامع إلا في السنة ثلاث مرات، كل أربعة أشهر، كل ثُلُث سنة مرة، أيش الدليل؟
الدليل أن الله تعالى ضرب للمُولِي أربعة أشهر، فقال:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226، 227] فهل هذا الاستدلال بالآية الكريمة صحيح؟
الجواب: لا؛ لأن الله تعالى قال: {عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، وليس من العشرة بالمعروف أن يتزوج رجل امرأة شابة ثم يدعها بعد أربعة أشهر يطؤها مرة، أما الْمُولِي فإن هذا شُرِع في حال خاصة، وهي أيش؟ الإيلاء، والإيلاء له أحكام خاصة، ولهذا نقول للرجل: إما أن تطأ في الأربعة أشهر، وإما أن تُطَلِّق:{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، فكيف نستدل في مسألة فُرِضَت في حال الإيلاء واليمين نقيس عليها مسألة في الرخاء، هذا مخالف للقياس.
إذن ما هو الصواب؟ الصواب: أن يعاشرها بالمعروف، وأن يجامعها على وجه يُرْضِي الجميع، فكما أن الرجل له رغبة في الجماع، ومن الناس مَن يرغب أن يجامع كل ليلة، أو في اليوم مرة، وفي الليل له مرة، فكذلك المرأة لها رغبة في الجماع، وبعض النساء تكون رغبتها أكثر من رغبة الرجال، فكيف نقول: لا يلزمه إلا كل ثُلُثِ سنة مرة.
إذن الصواب في هذه المسألة كالصواب في المسألة الأولى، مثل الْمَبِيت، أن المرجع في ذلك إلى العرف، {عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، نعم لو أن الإنسان شيخ كبير له ثمانون سنة تَزَوَّج عجوزًا كبيرة لها سبعون سنة يكفيها أن يجامع كل ثُلُثِ سنة مرة؟ ربما يكفي، لكن شابة وشاب ما يكفي هذا، فلذلك نقول:{عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
(وإن سافَرَ فوق نصفها وطلبت قدومه وقدر لزمه، فإن أبى أحدَهما فُرِّق بينهما بطلبها)، (إن سافر فوق نصفها) أي: فوق نصف السنة، كم نصف السنة؟
طالب: (
…
).
الشيخ: ستة أشهر؟ نصف السنة هلالية ما هي ميلادية؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: كله واحد؟ ما دليلك على أن نصف السنة ستة أشهر؟
طالب: نقسم على اِثنين.
الشيخ: تقسم على اثنين، ما الدليل على أن المقسوم إذا قسمته على اثنين حصل ستة؟
الطالب: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36].
الشيخ: أحسنت، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} ، إذا سافر فوق نصف سنة إن كانت المرأة سكتت ورضيت بسفره ما عليه شيء، ولا نطالبه بشيء، لماذا؟ لأن الحق لها، فإذا سكتت سكت، وإن طالبت بقدومه فإن قدر أن يقدم لزمه، وإن لم يقدر -كما لو كانت هناك حروب أو مخاوف أو برد شديد لا يتمكن معه من الحضور، أو معيشة مضطر إليها لا يستطيع أن يدعها- فهنا نقول: تتقدر المسألة بقدر أيش؟ الحاجة والضرورة، وإذا لم يكن هناك عذر قلنا: لا بد أن ترجع إلى أهلك، فإن لم يفعل وطالَبَتْ بالفراق فُرِّق بينهما؛ لأنه لا يمكن أن تبقى المرأة معلَّقَة لا مُزوَّجة ولا مطلَّقة، إما أن تكون زوجة حقيقةً ويأتي إليها الإنسان، وإما إذا رغبت أن يفرَّق بينهما.
وقوله: (إن أبى أحدَهما)(أحدَهما) أيش الأحد؟ الجِمَاع كل ثُلُث سنة مرة، والقدوم إذا سافر فوق نصف السنة، فإن سافَر نصف سنة أو ثُلُث سنة لا يلزمه أن يلبى طلبها.
قال المؤلف: (وتُسَنّ التسمية عند الوطء وقول الوارد)، يعني: يُسَنّ للإنسان إذا أتى أهله أن يُسَمِّي، وأن يقول ما ورد، فيقول:«بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» ، كلما أراد أن يأتي أهله يقول:«اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا» (6)، فهذا من أسباب حماية الولد من الشيطان، حماية الجسم وحماية المنهج والعمل، وما أرخص هذه القيمة أن يقول الإنسان:«بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» ، الرسول يقول:«لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا» .
فإن قال قائل: يوجد من الناس مَن يسمي كلما أتى أهله، ويكون ولده شريرًا، فكيف الجمع بين الواقع وبين الحديث؛ لأن الحديث لا يمكن أن يكذب، والواقع لا يمكن أن يُكذَّب، نقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر السبب، ولا يلزم من وجود السبب أن يقع المسبَّب؛ لأنه قد يكون هناك مانع، أرأيتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحبة السوداء:«إِنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا الْمَوْتَ» (7)، وأن الإنسان قد يستشفي بالحبة السوداء ولكن لا يبرأ، نقول: نعم، الرسول يذكر الأسباب، ولكن هناك موانع، فعليك أن تفعل السبب مُوقِنًا بأنه سينفع، ثم الأمر بيد الله عز وجل.
وهل تقوله المرأة؟ قال بعض العلماء: إن المرأة تقوله، والصواب: أنها لا تقوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ» (6)، ولأن الولد إنما يُخْلَق من ماء الرجل، كما قال الله تعالى:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 5 - 7]، فالحيوانات المنوية إنما تكون من ماء الرجل، ولهذا هو الذي نقول له إذا أراد أهله أن يقول:«بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» .
فإن قال قائل: أرأيتم لو أتى أهله وهو عَارٍ، أيقول هذا الذِّكْر؟ الجواب: نعم، يقول هذا الذِّكْر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أطلق، ولأنه لا حرج أن يأتي الرجل أهله عاريًا وهي عارية أيضًا، لكن السنة أن يلتحِفَا بلحافٍ واحد، حتى لا تبرز سوءاتهما ويكونَا شبيهين بالحمارين.
قال المؤلف رحمه الله: (وتُكْرَه كثرة الكلام)، متى؟ قبل أن يأتي، ولَّا بعد أن يأتي، ولَّا حال الإتيان؟ حال الإتيان، أما قبل الإتيان فليُكْثِر الكلام بما يثير الشهوة؛ لأنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يأتي أهله أن يفعل كل ما تثور به شهوة المرأة، حتى تكون مستعدة للقاء، وحتى تنال من اللذة مثل ما ينالها، لكن إذا كان في حال الإتيان فلا يُكْثِر الكلام، يعنى لا يُكْثِر الكلام حين الإتيان، إذا أراد أن يتكلم يتكلم قبل، ربما بعض الناس –مثلًا- وهو يأتي أهله يقول: والله أنا أحبك وأفعل وأفعل، وسأشتري لك كذا، وأزين كذا، ويذكر الحياة الزوجية كلها، زعم أن هذا أفضل، وليس كذلك.
حتى قال بعضهم: إن هذا يُحْدِث التمتام، يعنى يُحْدِث أن يبدأ الإنسان يتمتم في كلامه، والله أعلم هل هذا يكون أو لا، لكنه لا ينبغي أن يتكلم حال الجِمَاع، ويأتي البقية إن شاء الله.
طالب: أحسن الله إليك، ما الجمع بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: إن الولد يتكون من ماء الرجل، فكيف حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه:«إِذَا عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ يَكُونُ الشَّبَهُ لِلْمَرْأَةِ» (8)؟
الشيخ: الشبه غير الأصل، يعنى اختلاط ماء المرأة بماء الرجل يوجِب الشبه لا شك، ولهذا أحيانًا يأتي الولد على أخواله وأمه، وأحيانًا يأتي على أبيه وأعمامه.
طالب: (
…
) يكون منهما جميعًا؟
الشيخ: لا، ما يدل على أنه يتكون منهما جميعًا، والطب يشهد بذلك الآن؛ لأن الحيوانات المنوية تدخل في البويضة التي في رحم المرأة، ويطلق منها الولد، والبويضة كأنها كيس ووعاء لهذه النطفة.
طالب: الآية (
…
) {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} .
الشيخ: إي نعم، هو هذه الآية هي التي تدل على ما ذكرنا:{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} .
طالب: (
…
).
الشيخ: المرأة -بارك الله فيك- اسأل خبيرًا مَن كان متزوجًا لا يمكن أن يكون ماؤها دافقًا، الماء الدافق هو ماء الرجل، ولا يمكن أن يكون ماء الرجل دافقًا إلا بشهوة، وهذا هو السر في أن الله تعالى جعل الماء دافقًا مع الشهوة؛ لأنه -والله أعلم- هذه ما هي من الأطباء، ولا مما عرفته من النصوص، الله أعلم أنه ما تكون الحيوانات المنوية إلا بالماء الدافق حتى يتمكن هذا الماء من الوصول إلى قعر الرحم.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ولهذا الإنسان الضعيف في الدفق في الغالب ما يُولَد له.
طالب: ما دليل صاحب المتن، لما قال: يُكْرَه الكلام؟
الشيخ: إي، هو ما قلت لك: علة، ما فيه دليل، لكن فيه تعليل أنه يُحْدِث التمتمة.
طالب: (
…
).
الشيخ: ما هو؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: إي، وين هو؟ مَن رواه؟
الطالب: ما أنا مُتَذَكِّر.
الشيخ: دَوّر إن شاء الله تعالى وتأتيني الدرس القادم.
طالب: شيخ، رواه أبو داود.
الشيخ: دعنا، نحن نخاطب واحدًا يا شيخ قد يكون عنده علم بذلك، لكن الأخ اللي جاوب علشان يعرف كيف (
…
).
طالب: شيخ، بارك الله فيكم (
…
) لعله -والله أعلم- قوله: يلزمه أن يبيت ليلة من كل أربع ليال هذا يا شيخ ليس ممكنًا أن نقول: لو كان يشتغل في مزرعة، وأوجب عليه العمل أن يبيت هناك، فليس له أن يبيت أكثر من ثلاث ليال؟
الشيخ: إذا كان عنده مزرعة وقد تزوَّجَها وهي تعلم به، وصار ما (
…
) إلا في ليلة الجمعة –مثلًا- ما هو ليلة من أربع، أليس إذا كان لا يأتي إليها إلا يوم الجمعة من العِشْرة بالمعروف؟
الطالب: قد يقال: لا.
الشيخ: لا، ما يقال: لا، لو قال: لا، قلنا: بلى، ما دام تعرف إنه فلاح، وإنه ما يجيء إلا ليلة الجمعة، وهي في المدينة تعلم ما يجيء إلا يوم الجمعة هذا العشرة بالمعروف.
الطالب: شيخ، هو له أن يقول: أنا من حقي الزواج بأربع، ولو تزوجت بأربع ما كان لك إلا ليلة واحدة.
الشيخ: نقول: ما يخالف، تزوج (
…
) ربما لو هَدَّدَها بذلك وقال: أنا بتزوج أربعًا علشان (
…
).
طالب: شيخ، الدليل على تحديد سفر الرجل ألّا يزيد فوق ستة أشهر؟
الشيخ: إي، ما فيه دليل إلا حديث عمر رضي الله عنه أنه كان يبعث البعوث إلى الثغور، وأنه سمع امرأة في خبائها تنشد تقول:
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَازْوَرَّ جَانِبُهْ
وَأَرَّقَنِي أَلَّا خَلِيلَ أُلَاعِبُهْ
فَوَاللَّهِ لَوْلَا خَشْيَةُ اللهِ وَالْحَيَا
لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ
سمعها عمر، وعمر رضي الله عنه تعرف حسن رعايته للأمة، فدخل على ابنته حفصة وسألها: ما أكثر ما تصبر المرأة على زوجها؟ قالت: أربعة أشهر (9)، ولعلها أخذته من ضرب الله تعالى للمُولِي أربعة أشهر، قال: إذن نجعلها ستة أشهر؛ شهر ذهاب، وشهر إياب، وأربعة أشهر في الثغر، وجعلها ستة أشهر. عرفت ولَّا لا؟
فأخذ العلماء من هذا أن الإنسان إذا غاب عن أهله يُضْرَب له ستة أشهر، فهي سُنَّة عُمَرِيَّة، والمسألة كما قلت، يعنى كما يبدو ترجع إلى اجتهاد الحاكم، قد يقال: إن أصحاب الثغور في شغل، ولا يمكنهم أن يبقوا أقل من أربعة أشهر في الثغر، لكن لو كان الإنسان عاديًّا بيروح يتَّجِر مثلًا، يختلف الحكم، يعنى لو قيل أيضًا في هذه المسألة ما قلنا في المسائل الأخرى المحددة بشيء معين أن يقال: إن ذلك يرجع إلى المعاشرة بالمعروف لكان طيبًا (
…
).
***
طالب: قال المصنف رحمه الله تعالى: ويُكْرَه كثرة الكلام، والنزع قبل فراغها، والوطء بمرأى أحد، والتحدث به، ويَحْرُم جمع زوجتيه في مسكن واحد بغير رضاهما، وله منعها من الخروج من منزله، ويستحب إذنه أن تُمَرِّض محرمها وتشهد جنازته، وله منعها من إجارة نفسها، ومن إرضاع ولدها من غيره إلا لضرورة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى في بيان عشرة الزوجين وما يلزم لكل واحد منهما، قال رحمه الله تعالى:(ويُكْرَه) يعنى: للزوج، (النزعُ قبل فراغها)، يعني: يُكْرَه أن ينزع عن المرأة قبل فراغها، أي من شهوتها؛ لأن ذلك يُلْحِقُها ألَمًا عظيمًا، فلا بد أن ينتظر حتى لو أنزل، فإن الواجب عليه، والمؤلف يقول:(يُكْرَه)، والصحيح أنه يَحْرُم حتى تنتهي شهوتها.
وإنما قلنا ذلك؛ أنه يَحْرُم عليه النزع خلافًا لكلام المؤلف لِمَا في ذلك من تفويت شهوتها عليها من وجه، ولما في ذلك من أذيتها العظيمة من وجه آخر، ولأنه ربما يُفْضِي إلى أمراض بالنسبة للزوجة، وهذا من وجه ثالث.
فالصواب أنه لا يجوز أن يَنْزِع قبل فراغها، وأنه يجب عليه أن ينتظر حتى تفرغ وتُنْزِل هي، ثم ينزع إن شاء.
قال: (والوطء بمرأى أحد)، (الوطء بمرأى أحد) يعني: يُكْرَه للإنسان أن يطأ زوجته بمرأى من الناس، وبالله عليكم هل هذا شيء ينبغي أن يُقْتَصَر فيه على الكراهة؟ أبدًا، هذا حرام لا إشكال فيه، حتى المروءة لا تقبل هذا إطلاقًا، يعنى يجوز للإنسان أنه يُضْجِع زوجته في مجمع من الناس ويجامعها أمامهم؟ ! ولاحظوا أن مراد المؤلف إذا لم يكن هناك كشف عورة، فإن كان كشف عورة فإنه لا يجوز؛ لأن كشف العورة محرَّم، لكن بلا كشف عورة مثل أن يكون معها في لحاف واحد وأمام الناس يفعل بها، ما يصير هذا إطلاقًا، أَيُّمَا هذا أعظم قبحًا من أن يُجامعها في محل مستور، ثم يخرج للناس ويقول: جامعت زوجتي وفعلت بها كذا وكذا، أيهما أشد؟
طلبة: هذا أشد.
الشيخ: الأول أشد بكثير، ولهذا هذه تعتبر من هفوات بعض الفقهاء رحمهم الله، والصواب: أن ذلك حرام، وأنه لا يجوز إطلاقًا، لا في الشرع القويم، ولا في الذوق السليم أبدًا أن يجامعها بمرأى أحد.
قال: (والتحدث به) بأيش؟ بالجماع، يتحدث ويقول: فعلت بأهلي كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا، جامعتها مضطجعة، أو على جنب، أو على ظهر، وما أشبه ذلك، مكروه عند المؤلف، ولكن الصواب أنه مُحَرَّم، وأنه من أعظم الذنوب، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن «شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى أَهْلِهِ فَيَتَحَدَّثُ بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ» . (10)
والصواب أن ذلك مُحَرَّم، بل لو قيل: إنه من كبائر الذنوب، لكان أقرب إلى النص أن يتحدث الرجل بما صنع بأهله، وهذه أيضًا من هفوات بعض العلماء رحمهم الله، إذا كان الرسول يقول: إن أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من فعل كذا، كيف نقول: هذا مكروه.
يعنى لو قال قائل: هذا أشر من الشرك بالله، بناء على ظاهر اللفظ، لكان دَفْع ما يقول في غاية ما يكون من مشقة، فالحاصل أن القول الراجح أن التحدث بما جرى بين الرجل وأهله، أو أن تتحدث به المرأة أنه حرام ولا يجوز.
ثم قال: (ويحرُم جمع زوجتيه في مسكن واحد بغير رضاهما)، يعنى أنه لا يجوز للإنسان إذا كان له زوجتان أن يجعلهما في مسكن واحد، يعنى في بيت واحد، لماذا؟ لأنه يُفْضِي إلى النزاع والخصومة، ومعروف ما بين النساء من الغيرة، فيحصل بذلك شر كثير وتتنكد عيشته، نفس الزوج تتنكد عيشته، هما في مكان واحد سيكون بينهما شجار ونزاع، ثم إذا ذهب إلى واحدة منهن سوف تعلم بذلك أيش؟ الأخرى، وربما تتسمع إليه مع الثانية، فلذلك قال العلماء: إنه يَحْرُم؛ لِمَا في ذلك من إفضائه إلى النزاع والخصومة، (إلا برضاهما) إذا رَضِيَتَا بذلك فلا حرج، مثل أن تكون زوجته الأولى امرأة كبيرة عاقلة تعرف أن الرجل محتاج إلى امرأة أخرى، وأنه قليل ذات اليد، فاستأذنها أن يجعل امرأته الجديدة معها في المنزل، فقالت: أهلًا وسهلًا ما فيه مانع، فإذا رضيت لا بأس، ولكن إذا رضيت ثم غضبت يُخْرِجُها أو لا؟
الظاهر أنه يُخْرِجُها؛ لأن حق المرأة يتجدد كل يوم بيومه، وقد ترضى المرأة في أول الأمر، ثم بعد ذلك إذا رأت من الزوج ميلًا إليها ولو قليلًا أو وهمًا غضبت، وقالت: أَخْرِجْها عني، أبعدها عنى، أنا ولَّا هي، ما يمكن تقعد معي، في هذه الحال نقول له أن يحتجّ عليها بأنها أَذِنَت؟
الجواب: لا؛ لأن حقها يتجدد، كما لو وهبت يومها لإحدى الزوجات، ثم بعد ذلك رجعت، فلها الحق، لكن إذا قال: إن عنده عمارة لها شقة فوق، وشقة في أسفل، هل يجمعهما؟ نعم؛ لأن كل شقة منفردة عن الأخرى، والمحذور الذي ذكره الفقهاء رحمهم الله زائل في هذه الصورة، فليس لها الحق أن تقول: أَبْعِدْهَا عني حتى في العمارة، اطلب لها عمارة أخرى، أو شارعًا آخر، وهل تقول: أو بلدًا آخر؟
الطلبة: قد تقول.
الشيخ: هي الغالب ما تقوله؛ لأنها تعلم إذا قالت: بلد آخر، ذهب إليها، هذه تحتاج إلى سفر، يمكن يبقى عنها عشرة أيام، عشرين يومًا، ويقول: والله ما وجدت سيارة، ما وجدت ركوبًا، وما أشبه ذلك، على كل حال ما دامت راضية فالأمر لها، إذا غضبت وجب أن يُسْكِنَها في مكان آخر.
قال: (بغير رضاهما، وله مَنْعُها من الخروج من منزله).
هذا حق، له أن يمنعها من الخروج من منزله، وظاهر كلام المؤلف لأي شيء كان، لكن قد دَلَّت السنة أنه ليس له أن يمنعها من الخروج إلى المسجد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا» (11)، هذا مستثنى، هل له أن يمنعها من الخروج إلى أبويها؟ كلام المؤلف يدل على ذلك، أن له أن يمنعها، ولكن في هذا نظر، بل يُقال: إذا كان خروجها إلى أبويها يؤثر عليها بحيث يملؤون قلبها كراهية له، فهنا له أن يمنعها؛ لما يترتب على زيارتهما من الضرر، وأما إذا كان لا يترتب عليه ضرر فليس له أن يمنعها من ذلك؛ لأن هذا فيه صلة رحم.
فإذا قال: الفتن كثيرة، وأنا أخشى عليها من الفتن، نقول: دواء ذلك أن تذهب معها، اذهب معها، وربما يكون في ذلك مصلحة أخرى أيضًا، وهو التقارب بينك وبين أهلها، فيحصل في هذا خير، وأما أن تمنعها من صلة الرحم بدون سبب فلا.
قال: (وله مَنْعُها من الخروج من منزله، ويستحب إذنه أن تُمَرِّض مَحْرَمَها وتشهد جنازته)، (يستحب إذنه) أي: استئذانه، أو أن يأذن؟ أيهما؟
طلبة: أن يأذن.
الشيخ: يُسْتَحَب استئذانه ولَّا يستحب أن يأذن؟
طالب: أن يأذن.
الشيخ: يستحب أن يأذن، أما استئذانه فواجب؛ لأن المرأة لا يجوز لها أن تخرج بدون إذن زوجها، لكن يستحب أن يأذن أن تُمَرِّض مَحْرَمَها، مثل مَن؟
طالب: أبوها، أخوها.
الشيخ: أبوها، أخوها، عمها، خالها، ابن أخيها، ابن أختها، يُستحب له أن يأذن لها في تمريضه، وظاهر كلام المؤلف أن ذلك مستحب، ولو كان عنده مَن يمرضه، ولكن الصواب أنه إذا كان عنده مَن يمرضه فليس بمستحب، وليس ممنوعًا أن يأذن، يكون من قسم المباح، ما لم تتوقف صلته على ذلك، صلة هذا الرحم.
وكلمة (أن تُمَرِّض) مطلقة، لكن يجب أن يقال: أن تمرض مَحْرَمَها في غير ما لا يحل لها النظر إليه، وهو العورة، كأن لو كان هذا المريض يحتاج إلى عناية فيما يتعلق بعورته، فلا يحل لها أن تُمَرِّضه، مَن يُمَرِّضه في العورة؟ زوجته، أما المرأة من محارمه فلا يحل لها ذلك.
وقوله: (وتشهد جنازته)، هذا فيه نظر، إلا إذا أراد تشهد جنازته قبل حملها، بأن تذهب إلى بيته وهو ميت لتنظر إليه مثلًا فلا بأس، يعنى كلام المؤلف صحيح، أما أن تشهد جنازته لتشييعها فلا يأذن لها؛ لأنه قد نُهِيَ النساء أن يُشَيِّعْنَ أيش؟ الجنائز، قالت أم عطية رضى الله عنها: نُهِينَا عن اتباع الجنائز، ولم يُعزم علينا. (12)
فمن العلماء من قال: يُؤْخَذ من هذا الحديث أن اتباع الجنائز مكروه؛ لقولها: وَلَمْ يُعزَم علينا، ومنهم من قال: إنه مُحَرَّم، وأن قولها: ولم يُعزَم علينا، تَفَقُّه منها قد توافَق عليه وقد لا توافَق، وأن الأصل أن نأخذ بالحديث، وهو: نُهِينَا، وهو التحريم.
المهم أن قوله: (تشهد جنازته) فيه تفصيل، إن أراد تشهد جنازته في بيته قبل أن يُحْمَل فهذا لا بأس، وإن أراد بعد أن يُحْمَل تقول: أنا أريد أن أذهب إلى مَحْرَمِي لأتبع جنازته، قلنا: يجب أن يمنعها على القول بأن الشهادة مُحَرَّمة، ويستحب أن يمنعها على القول بأنها مكروهة.
قال: (وله مَنْعُها من إجارة نفسها، ومن إرضاع ولدها من غيره إلا لضرورته.
يعنى: للزوج أن يمنع زوجته من إجارة نفسها، لو قالت: أنا أريد أن أذهب إلى القوم لأخدمهم بأجرة، كل يوم عشرة ريالات، له أن يمنعها؟
طالب: نعم.
الشيخ: لو قالت: إنها تريد أن تتوظف للتدريس؟
طالب: له أن يمنعها.
الشيخ: له أن يمنعها، نعم، لأنه يملك منافعها في الليل والنهار، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:«لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (13)؛ لأنها لو صامت لمنعته الاستمتاع بها نهارًا، أو لمنعته من كماله؛ لأن الإنسان قد يأنف أن يُفْسِد صومها ولو كان نفلًا، إذن له أن يمنعها من إجارة نفسها، لو أَذِنَ لها أن تؤجر نفسها فالأجرة لمن؟
طالب: لزوجها.
طالب آخر: لها هي.
الشيخ: أليست انشغلت عن خدمته بما استأجرت نفسها له؟ بلى، لكن ما دام أَذِنَ لها فالأجرة في مقابل عملها، فتكون لها، ولهذا نقول: إنه لا يجوز للزوج أن يأخذ من راتب زوجته شيئًا مطلقًا ما دام قد أَذِنَ لها، فالراتب كله لها ليس له منه ولا قرش واحد، فإن اشترطت عند العقد أن لها أن تؤجر نفسها، فهل لها ذلك؟ نعم لها ذلك، إذا قالت: شرط أن تُمَكِّنَني من إجارة نفسي، أو من التدريس، وقَبِلَ، لزمه الوفاء بالشرط؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» . (5)
وكذلك أيضًا له منعها من (إرضاع ولدها من غيره إلا لضرورته)، يعنى: لو كانت امرأة تَزَوَّجَها ولها ولد من غيره ترضعه فقال: لا ترضعيه، فله مَنْعُها من ذلك؛ لأن اشتغالها بإرضاع هذا الولد يؤدي إلى نقص قيامها بحق الزوج فله أن يمنعها.
(إلا لضرورته) ما هي ضرورته؟ أن يكون محتاجًا إلى الرضاع، ولا يقبل ثدي غيرها؛ لأنه يوجد من الصبيان مَن لا يقبل إلا أمه، لو تجعل في فمه أي شيء من الثُدِيّ ما يقبل إلا ثدي أمه، كما قال الله تعالى عن موسى:{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: 12]، فكان لا يقبل ثدي أحد -موسى- هذا يوجد أيضًا في الأطفال مَن لا يقبل ثدي أي أنثى غير أمه، فإذا كان هذا الصبي من زوجها الأول محتاجًا إلى إرضاعها إياه فليس للزوج أن يمنعها، إن اشترطت عند العقد أن ترضع ولدها من غيره فقَبِلَ؟
طالب: لها ذلك.
الشيخ: لها ذلك، ويلزمه أن يوفي به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» ، وعُلِمَ من قول المؤلف:(من غيره) أنه لو منعها من إرضاع ولدها منه فهل له ذلك؟ ليس له ذلك؛ لأن هذا هو ما جرى عليه عمل المسلمين قديمًا وحديثًا أن المرأة تُرْضِع أولادها من زوجها، وأنه لا يمكن أن يمنعها، وأظن في الغالب أنه لا يمكن أن أحدًا يقول لزوجته: لا ترضعي ولدي، لكن لو فرضنا أنه أحمق يريد ألَّا يراها مشتغلة بغيره إطلاقًا، ومنعها من إرضاع الولد، فإنه لا يملك ذلك، بعض الناس أحمق إذا صاح الولد بالثدي قال: يلّا طلَّعِيه بره، قالت: أرضعه، قال: لا ترضعيه، هل له أن يمنعها من ذلك وهي زوجته والولد منه؟ ليس له ذلك.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، إذا كان الرجل لا يتقي الله عز وجل، ودار الأمر بين أن تعصيه أو أن تَبَرَّ والديها (
…
)؟
الشيخ: لا تعصِهِ.
الطالب: (
…
).
الشيخ: حق الوالدين عليها هي مو عليه هو، وهي معذورة في هذه الحال.
الطالب: لو قلنا يا شيخ: إن الزوج ليس له منعها إلا إذا ..
الشيخ: المذهب له منعها، لكن نحن قلنا: إنه لا ينبغي أن يمنعها إلا إذا أفسدوها عليه، وهذا داخل في قوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
طالب: (
…
).
الشيخ: الصغار ما لهم عيون يا رجال.
الطالب: الأطفال الصغار (
…
) يا شيخ.
الشيخ: لكن ما يعرفون شيئًا.
الطالب: لا، يتحدثون، يعني صغار يعني ثلاث سنوات، أربع سنوات.
الشيخ: هذا ما يجوز.
الطالب: أَلَا يقال: إن هذا مراده؟
الشيخ: لا، ليس هذا مراده ما دام يقول:(والوطء بمرأى أحد) عامّ، وليس هذا مراده، لكنه ما هو بشر، هو يخطئ ويصيب.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا (
…
) كل الناس بس طبعًا بدون إظهار العورة.
الطالب: مسألة تمريض الْمَحْرَم إذا كان الرجل ليس له غير ابنته، وهو مريض مرضًا في عورته، هل لها أن تُمَرِّضَه؟
الشيخ: هذا إذا لم يوجد غيرها، يعني –مثلًا- لو كان هذا الأب مريضًا بِمَرض يتعلق بالعورة، وليس له زوجة، لكن له ابن وبنت، أيهما الذي يباشر؟
طالب: الابن.
الشيخ: الابن، فإذا لم يكن له ابن البنت تباشر لا بأس.
الطالب: تباشر لا بأس.
الشيخ: إي نعم، تباشر لا بأس، هذه حاجة.
الطالب: شيخ، بارك الله فيك، الإجارة يا شيخ إجارة نفسها (
…
) توظَّفَت في مكان بعيد تبقى خمسة أيام هناك (
…
).
الشيخ: إذا كان عالِمًا بذلك فلها ما اشترطت، لو كان يدري أن عملها في غير البلد، وأنها ستبقى هناك خمسة أيام أو ستة ورضي بهذا لا بأس.
الطالب: هو لا يعلم عند العقد.
الشيخ: لا، لا بد أن يعلم؛ لأن الغالب أن يكون العقد في البلد، فإذا لم تشترط عليه أنها تسافر فله أن يمنعها.
طالب: هل يجوز للإنسان عند الجماع يتكلم؟
الشيخ: سبق الكلام عليه.
الطالب: أحسن الله إليكم، قلنا: لا يجوز للزوج أن يأخذ من راتب زوجته شيئًا، شيخ، إذا اشترط قبل الإذن ذلك؟
الشيخ: اشترط عند العقد.
الطالب: لا، ليس عند العقد، عند العمل، قبل العمل عند الإذن.
الشيخ: لكنها لم تشترط أن تعمل.
الطالب: (
…
) أن تعمل.
الشيخ: عند العقد.
الطالب: إنما استأذنت منه.
الشيخ: اصبر، لم تشترط عند العقد أنها تعمل، له أن يمنعها، لكن لو اصطلح وإياها على أن تعمل وله نصف الراتب مثلًا فلا بأس.
طالب: شيخ، جمع في بيته زوجتين، ورضيت الثانية، رضيت بذلك، شيخ، كيف نقول له بعد ذلك: أَخْرِجْهَا، هي رضيت بذلك، يعني تنازلت عن حقها، وهي تعلم أنه سيحدث مثلًا .. ؟
الشيخ: لكن هذا الحق يتجدد، وربما ترضى بناء على أنها في تلك الساعة راضية ولَا هامّها، وتقول: إنها الكبيرة وأنا بخليها مثل البنت، لكن لما رأت الزوج يجنح هَوَّنَت.
الطالب: شيخ، لكن هو –مثلًا- يتزوج الثانية بناء على رضاها (
…
) بيت واحد، يتزوج الثانية بناء على رضاها، وليس له بيت ثانٍ لما تقول له مثلًا: أَخْرِجْهَا، أين يضعها.
الشيخ: إي نعم، لها ذلك، فيه أناس الآن نساؤهم خطبوا لهم، هي اللي خطبت لزوجها، ثم لما تزوج (
…
).
***
طالب: ويَقْسِم لحائض ونفساء ومريضة ومعيبة ومجنونة مأمونة وغيرها، وإن سافرت بلا إذنه أو بإذنه في حاجتها، أو أَبَت السفر معه أو الْمَبِيت عنده في فراشه فلا قَسْم لها ولا نفقة، ومَن وهبت قَسْمَها لضرتها بإذنه أو له فجعله لأخرى جاز، فإن رجعت قَسَمَ لها مستقبلًا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ذكر المؤلف أحوالًا يُكْرَه إعلانها؟
طالب: يُكره الوطء بمرأى أحد، أو أن يُحَدِّث الناس بما فعل مع زوجه.
الشيخ: أن يطأها بمرأى أحد، أو يُحَدِّث الناس بما فعل، ما رأيك في هذا؟
الطالب: هذا كلام المصنف، هذا فيه قليل من الخطأ؛ لأن تحدَّث المرء بما يفعله مع زوجه، قلنا: هذا قد يصل لحد الكبيرة؛ لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يُفْضِي إِلَى الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ إِلَى الرَّجُلِ، ثُمَّ يُحَدِّثُ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا فَعَلَ» (10)، وقلنا بأنه كذلك الوطء بمرأى أحد هذا، كذلك لم تَأْتِ به الشريعة؛ لأن الشريعة لم تأتِ بهذا، تأتي بستر العورات.
الشيخ: وهذا أعظم من التحدث، هذا تحدُّثٌ بالفعل، أحسنت، لكن مراد المؤلف بدون كشف العورة، يعنى –مثلًا- يكون عليهما كساء ويجامعها والناس يشاهدون، وطبعًا ما أظن أن المؤلف رحمه الله تعالى يريد أن يطلع في الشارع يفعل هذا، لكن لو فرضًا في الحجرة وعندهم ناس، هذا مراد المؤلف، هل له أن يمنع الزوجة من إرضاع ولدها؟
طالب: ولدها منه أم ..
الشيخ: ما أدري، هذا السؤال.
الطالب: فيه تفصيل؛ إذا كان الولد من غيره فله أن يمنعها إلا لضرورة، أما إذا كان الولد له فليس له أن يمنعها.
الشيخ: توافقون على هذا التفصيل؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم صح، هل يجوز أن يجمع زوجتيه في منزل واحد؟
طالب: (
…
).
الشيخ: مطلقًا، ولو رَضِيَتَا.
الطالب: لا، إلا إذا رَضِيَتَا.
الشيخ: يعنى يجوز برضاهما، وبدون رضاهما لا يجوز، صح، لكن لو رأى أنهما وإن رَضِيَتَا الآن فسوف يحصل نزاع في المستقبل، هل يجمعهما؟
الطالب: له ذلك (
…
).
الشيخ: يعني له أن يجمعهما، فإن وجد بينهما نزاعًا فصلهما، إي نعم.
ثم قال المؤلف رحمه الله: ويجب (عليه)، أي: على الزوج، (أن يساوي بين زوجاته في القَسْم)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» (14)، وهذا يدل على أن عدم التسوية من كبائر الذنوب؛ لأنه رَتَّبَ عليه الوعيد، لكن يقول:(في القَسْم) لا في الوطء، يعني: لا في الجماع، فله أن يجامع إحداهما مرتين أو ثلاثًا، ولا يجامع الأخرى أبدًا، وعَلَّلُوا ذلك بأن الجِمَاع ينشأ عن المحبة، والمحبة لا يملكها الإنسان، ولا يستطيع أن يتحكم فيها، وقد قال الله تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَقْسِم بين زوجاته ويعدل، ويقول:«هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ» (15)، وهذا حق؛ لأنه إذا كان لا يرغب إحداهما فإنه لا يمكن أن يجامعها إلا بمشقة، ثم إن تكلُّف الإنسان للجماع يُلْحِقه الضرر، إذا لم يكن هناك داعٍ يدعوه إلى الجماع فإن تكلُّفَه يضر الإنسان، فإذا كان يتكلف الجماع لهذه المرأة ولا ينشط عليه فإنه لا يُلْزَم به، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
لكن لو تعمَّد أن يجمع نفسه لإحداهما، فهل نقول: إن هذا داخل في اختياره فيحرُم، أو نقول: الأصل أنه لا تجب المساواة في الجماع؟ الأول، يعنى لو أن الإنسان يجمع نفسه لإحداهما الثانية لا يجامعها علشان يكون نشيطًا على الجماع في الثانية، فإن هذا حرام عليه؛ لأنه يملك ذلك.
هل يجب أن يعدل بين زوجاته في الهبة والعطية أو لا؟ يقول الفقهاء رحمهم الله: أما في النفقة الواجبة فواجب، وما عدا ذلك فليس بواجب، فمثلًا إذا كان قد أعطى كل واحدة ما تحتاجه من النفقة، وصار يأتي للأخرى بالحُلي والفُرُش والخدم، والسيارة أيضًا، اشترى لها سيارة بهيجة طيبة والأخرى يُرْكِبُها على حمار، يقول الفقهاء: إنه لا حرج عليه، جائز؛ لأن الواجب هو الإنفاق، وقد قام به، وما عدا ذلك فإنه لا حرج عليه فيه.
لكن هذا القول ضعيف، والصواب أنه يجب أن يعدل بين زوجاته في كل شيء يقدر عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» (14).
إذا تزوج جديدة على الأولى فمعلوم أن حاجة الجديدة ستكون ليس لها سبب بالنسبة للأولى، الجديدة سوف يعطيها مهرًا ويشتري لها حُليًّا، ويشترى لها غرفة نوم، وأشياء وأشياء، فهل يلزمه أن يعطي الأولى مثلها؟ لا؛ لأن هذا تابع للنفقة، ولا تقل الأولى: أنت والله أعطيتها –مثلًا- خمسين ألفًا مهرًا، أعطني خمسين ألفًا، نقول: لا، أنتِ مهرك سبق، قالت: مهري كان النساء رخيصة، ولا أعطيتني إلا عشرين ألفًا، كمِّل اليوم، نقول: اليوم يمكن مهرك أقل من عشرين ألفًا بعد، فلا نوافق على هذا، لكن ما يتطلبه النكاح بالنسبة للمرأة الجديدة لا يلزمه أن يعطي الأولى مثلها.
يقول: (عمادُه الليل لِمَن معاشُه النهار، والعكس بالعكس).
(عماده) أي: القسم، (الليل لمن معاشه النهار)، وهؤلاء هم أكثر الناس، أكثر الناس معاشهم بالنهار، قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 10، 11]، لكن قد يكون بعض الناس معاشه في الليل، كالحارس الذي يحرس الأسواق في الليل، وما أشبه ذلك، نقول: مَن كان معاشه في الليل فعمادُه؟
طالب: النهار.
الشيخ: فعماد القَسْم في حقه النهار، ومَن كان معاشه في النهار عماد القَسْم في حقه الليل.
إذا قلنا: هذا العماد، فكيف يَقْسِم؟ يَقْسِم لواحدة يومًا وليلة، وللأخرى يومًا وليلة، وله أن يأتي كل واحدة منهما في يوم الأخرى، لا أن يخص إحداهما بذلك، يعنى –مثلًا- له زوجتان فاطمة وخديجة، يَقْسِم لفاطمة يومًا وليلة، ولخديجة يومًا وليلة، لا حرج أن يأتي فاطمة في يوم خديجة، وخديجة في يوم فاطمة، لكن على السواء، أما إذا كان اليوم يوم فاطمة فإنه يأتي خديجة، وإذا كان يوم خديجة فلا يأتي فاطمة فهذا جور لا يجوز.
قال: (ويقسم لحائض ونفساء ومريضة ومعيبة ومجنونة مأمونة وغير مأمونة)، يعنى: يَقْسِم لكل زوجة أيًّا كانت حالتها، يَقْسِم للحائض، مع أن الحائض لا يجوز وطؤها، لكن يقسم لها من أجل الأُنْس به، وكونه عندها، فإن اتفقت الزوجتان على أن الحائض لا قَسْم لها، بمعنى أنه إذا كانت إحداهما حائضًا صار عند الأخرى مدة حيضها وتراضَيَا بذلك فلا بأس، لكن إذا كانت كل واحدة تريد يومها فلا بد أن يَقْسِم لها ولو كانت حائضًا؛ لأن هذا ظاهرُ فعلِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(ونفساء) يقسم لها أيضًا؛ لأن النفساء كالحائض في أنه يستمتع منها بما شاء ما عدا الوطء، لكن جرت العادة عندنا، ولا ندرى عن الناس الآخرين، أن النفساء تكون عند أهلها، وأن الزوج لا يَقْسِم لها، فهل عندكم الأمر هكذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نبدأ بالمصريين.
طالب: نعم يا شيخ.
الشيخ: النفساء تبقى ببيت زوجها؟
طالب: لا، في بيت أهلها.
الشيخ: في بيت أهلها، إذا اختلف العُرف، وفي الجزائر؟
طالب: تبقى في بيتها.
الشيخ: في بيتها ما تذهب إلى أهلها، وعندكم، أيش الغالب؛ أنها تبقى ببيت زوجها؟
الطالب: الغالب أنها تتحول إلى بيت أهلها.
الشيخ: إلى بيت أهلها، على كل حال، هذه نتبع العرف، أما إن كانت النفساء عنده فيَقْسِم لها، وإن كانت عند أهلها فلا يلزمه القسم لها؛ لأنه قد يخجل أن يتردد على أهلها.
إذا قلنا: إنها عند أهلها، وقلنا: لا قَسْم لها، فهل إذا كانت ليلة هذه النفساء يذهب ويبيت في المسجد، ولَّا يبيت عند الثانية، أم ماذا؟
طالب: المساجد مغلقة.
الشيخ: المساجد مغلقة؟ عند جيرانه مثلًا، نقول: على كل حال إنه إذا كان لا يقسم للنفساء فلا بأس أن يوفِّر جميع أيامه للأخرى، لكن بشرط أنها إذا نفست الأخرى يوفِّر أيامه للأولى، فيكون هذا عدلًا، حتى لو فُرِضَ أن النفاس يختلف، بعض النساء ربما تطهر في عشرين يومًا، وبعضهن لا تطهر ولا بأربعين يومًا، فهذا لا بأس به، يعنى يسامح فيه.
كذلك يقسم للمريضة، وهذا واضح أنه يجب عليه أن يَقْسِم للمريضة حتى وإن كان لا يستمتع بها الاستمتاع الكامل، لكن هي زوجته، وربما نقول: إن قَسْمه للمريضة أوجب من قَسْمِه للصحيحة؛ لِمَا في ذلك من جَبْر خاطرها، وإدخال السرور عليها، وإدخال السرور على المريض له أثر بالغ في شفائه وعافيته.
وظاهر كلام المؤلف: ولو كان مرضها مُعديًا كالجذام، وهو كذلك؛ لأنه يمكن للزوج أن يتخلص من هذا، فيقول للمريضة بمرض مُعْدٍ: إما أن توافقي على إسقاط القَسْم لك وإما أن أطلقك، يخيرها ما فيه مانع.
(ومجنونة مأمونة وغيرها)، هذه عاد المشكلة ..
طالب: (ومعيبة).
الشيخ: عندكم .. نعم (ومعيبة)، يعني يقسم للمعيبة، رجل له زوجتان إحداهما معيبة، وسيأتي إن شاء الله بيان العيوب، يقسم لها ولو كانت معيبة، مثل أن تكون امرأة لا يمكن جماعها لسَدٍّ في فرجها، فيَقْسِم لها ولو كانت معيبة؛ لأننا قلنا: المقصود بالقسم هو إدخال السرور والأنس على كل واحد منهما.
يقسم لمجنونة، لو كانت إحدى الزوجتين مجنونة مأمونة أو غير مأمونة، مجنونة يعنى: ليس لها عقل، لكنها مأمونة لا يمكن أن يخطر على باله أنها سوف تأخذ السكين وتشق بطنه، وغير مأمونة أيضًا يقسم لها، يعنى: لو كانت مجنونة غير مأمونة يخشى أنه وهو نائم تقوم عليه وتذبحه –مثلًا- يقول: يَقْسِم لها، لماذا؟ وهو يقول: أنا الآن عليّ خطر، ما دام غير مأمونة عليّ خطر، نقول: لا، مَن ألزمك بها؟ فيه طريق للتخلص منها، ما هو؟ الطلاق، والحمد لله، ما دام المسألة ممكن أن يتخلص الإنسان منها فما دام قد أبقاها ورضي بها على هذه الحال فالواجب عليه أن يعطيها حقها من القَسْم، إذا قال: إن هذه المجنونة لا تدري سواء جيت أو ما جيت، نقول: نعم، وإن كانت لا تدري؛ لأنه لا بد أن تعطيها حقها.
(وإن سافرت بلا إذنه أو بإذنه في حاجتها، أو أَبَت السفر معه، أو الْمَبِيت عنده في فراشه، فلا قَسْم لها ولا نفقة)، هذه المسائل نذكرها مسألة مسألة.
إذا سافرت بلا إذنه فليس لها قَسْم ولا نفقة؛ لأن هذا يعتبر نشوزًا، امرأة –مثلًا- طرأ عليها أن تذهب إلى أهلها في بلد آخر، فقالت لابنها الأكبر: امش معي، وسافرت بلا إذن الزوج، فهذه ليس لها قَسْم وليس لها نفقة.
(أو بإذنه في حاجتها)، أيضًا ليس لها قَسْم ولا نفقة، يعني هي طلبت من الزوج قالت: أُحِبّ أن أسافر إلى أهلي لزيارتهم، قال: لا بأس، أنت حرة، سافرت، يقول: ليس لها قَسْم وليس لها نفقة، أما عدم القسم فظاهر، ليش؟
طالب: لأنها مسافرة.
الشيخ: لبُعْدِها عنه وعدم تَمَكُّنِه من ذلك، وأما سقوط النفقة فيقول المؤلف: لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع، والآن لا يمكن الاستمتاع بها؛ لأنها سافرت.
ولكن هذا التعليل عليل، والصحيح أنه يجب أن ينفق عليها؛ لأنها إنما سافرت ومنعته من الاستمتاع بأيش؟ بإذنه، والحق له، فإذا سافرت وقد أَذِنَ لها أن تسافر وجبت عليه النفقة، سواء لحاجتها أو لغير حاجتها.
هل يلزمه أن يعطيها قيمة التذاكر أو أجرة السيارة أو لا؟ لا يلزمه؛ لأنه لو أعطاها لوجب عليه أن يعطي الأخرى مثلها، لكن يعطيها من النفقة بمقدار نفقتها لو كانت مقيمة غير مسافرة، وفُهِمَ من قوله: إن سافرت لحاجتها، أنه لو أَذِنَ لها أن تسافر لحاجته فإنه لا يسقط القَسْم ولا النفقة، أما عدم سقوط النفقة فظاهر، فيرسل لها نفقة، أو تنفق من مالها وترجع عليه بعد، لكن كيف يَقْسِم لها وهي مسافرة؟ القسم لها وهي مسافرة أنها إذا رجعت قضى لها ما تخلَّف عن قسمته، لكن كيف السفر لحاجته؟ أيش الصورة؟
طالب: يمكن تذهب لتأتي له بشيء من هناك يعني.
طالب آخر: تُمَرِّض أمه في بلد آخر.
الشيخ: هذه من حاجاته؛ أن تُمَرِّض أمه، قال: إن أمي في المستشفى الفلاني –مثلًا- هو في المدينة، وأمه في مكة، دخلت المستشفى، فقال لأحدى الزوجتين: اذهبي إليها مَرِّضِيها، فذهبت، فالحاجة لِمَن؟
طالب: له هو.
الشيخ: الحاجة للزوج، لا تسقط نفقتها ولا القسم لها، وعندي في عدم سقوط القسم نظر، فإن الظاهر أن القسم يسقط؛ لأننا لو قلنا بعدم السقوط صار في ذلك ضرر على الزوجة الأخرى، ولا سيما إذا طال السفر، لنفرض أنها بقيت في السفر شهرين، ثم رجعت وقالت: أريد نصيبي من القسم، إذا قسم لها سيبقى منقطعًا عن الأخرى لمدة شهرين، وهذا قد يؤثر عليها، أما النفقة فالأمر فيها واضح.
يقول: (أو أَبَت السفر معه)، هذه المسألة الثالثة، إذا أبت السفر معه فليس لها قَسْم ولا نفقة، يعني إنسان له زوجتان، وأراد أن يسافر إلى مكة لعمرة، فقال لزوجتيه: اذهبَا معي، أما إحداهما فذهبت، وأما الأخرى فأبت، التي ذهبت لها القَسْم والنفقة، واضح، والتي أَبَت ليس لها قسم ولا نفقة؛ لأنها ناشز، والناشز ليس لها نفقة، وليس لها قَسْم.
يُستثنى من هذه المسألة -وهي أن تأبى السفر معه- ما إذا كانت شرطت عليه عند العقد ألَّا يسافر بها، فإن شرطت عند العقد ألَّا يسافر بها وتخلَّفَت عن السفر بناءً على الشرط فلها النفقة والقَسْم.
(أو أَبَت الْمَبِيت عنده في فراشه)، هذه المسألة الرابعة، إذا دعاها إلى فراشه فأَبَت فليس لها قَسْم، وليس لها نفقة، وهي آثمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» . (16)
يقول: (فلا قَسْمَ لها ولا نفقة)، ففهمنا الآن أن المرأة إذا منعت حق الزوج سقطت نفقتها، وإذا منع نفقتها فهل يسقط حقه؟
الجواب: نعم، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]، فإذا كان الزوج يمنع زوجته من النفقة فلها أن تمنع نفسها منه، ولها أن تأخذ من ماله بدون علمه، إذا كان يسيء معاملتها فهل لها أن تسيء معاملته؟ نعم؛ لقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، والله أعلم.
الطالب: لو سافرت بإذنه في حاجته طبعًا يجب عليه أن ..
الشيخ: يجب عليه الإنفاق والقَسْم.
الطالب: وأن يدفع لها تذكرة السفر؟
الشيخ: إي نعم، كل ما يتعلق بالسفر.
طالب: (
…
) علاقة بين الرجل وامرأته فيها نوع من سوء التفاهم، ذكرتم أنه إذا (
…
) حقها لها أن تسقط حقه، هل تكون هذه مثل قاعدة، يعني تكون قاعدة مطَّردة، فإنها قد تتعمم بين الوالد وأبنائه إذا (
…
).
الشيخ: لا؛ لأن الولد يجب عليه أن يَبَرّ والده.
الطالب: والمرأة؟
الشيخ: والمرأة يجب عليها أن تقوم بحق زوجها إذا قام بحقها؛ لأنه ليس هناك قرابة أو صلة توجِب أن كل واحد منهما عليه ما على الآخر، هذه معاملة بالمثل، أما مسألة القريب فالحق للأب على أبنائه وبناته.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، لو سافَرَت بلا إذنه في حاجته؟
الشيخ: بلا إذنه في حاجته؟
الطالب: بلا إذنه في حاجته، كأن رأت -مثلًا نفس المثال- أرادت أن تُمَرِّض أمه مثلًا وكان عاقًّا أو كذا، فسافرت في حاجته؟
الشيخ: إي نعم، يعني هو لا يريد أن تسافر إلى أمه لتمريضها، وهي قالت: أبدًا أمك لها حق عليك، أريد أن أذهب إليها أُمَرِّضها، فليس لها نفقة ولا قَسْم.
الطالب: ويكون نشوزًا كذلك؟
الشيخ: إي نعم، ويكون نشوزًا.
طالب: (
…
) أساء معاملتها فلها إساءة معاملته، فهل إذا أساء معاملتها لها أن تمتنع عن الفراش؟
الشيخ: إي نعم، كل شيء، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ، فمن منع حقك فلك أن تمنعه حقه.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، هل نقيد جميع مسائل القَسْم التي الحق مع الزوجة بما إذا لم تطل المدة، أما إن طالت فلا؟
الشيخ: يعني في المسائل هذه؟ يعني هذا وجيه؛ لأنه قد يكون مخالفة لقوله: {عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
الطالب: الضرر على الزوجة الأخرى يعني.
الشيخ: إي نعم.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، إذا قلنا: إنها إذا سافرت (
…
) فتأخرت، ففي ذلك ضرر، لو قسم لها في ذلك ضرر على الزوجتين (
…
).
الشيخ: هي راضية، المرأة التي سافرت لحاجتها تعرف أنها ستبقى شهرين –مثلًا- وراضية بذلك.
الطالب: (
…
).
الشيخ: إذا اشترطت فحينئذ أرى -من غير أن أرجع إلى كلام الفقهاء في هذا- أنها إذا اشترطت عليه أن يرد الأمر إلى الأخرى يقول: هل توافقين أو لا؟
طالب: بارك الله فيك، إذا كانت زوجته مريضة، أو معيبة، أو مجنونة، ولكنه لا يستطيع الطلاق لكثرة الأعباء التي تترتب على الطلاق، فماذا يصنع؟
الشيخ: يستعين بالله ويَقْسِم.
الطالب: ربما تكون مريضة وتعديه؟
الشيخ: لا بد من هذا؛ لأنها ما دامت عنده فلا بد أن يقسم لها، ولهذا لم يُبْقِ النبي صلى الله عليه وسلم سودة حين أراد أن يطلقها إلا حين أسقطت حقها.
طالب: شيخ، إذا أراد السفر إلى بلاد الكفار فأبت أن تسافر معه، فهل تلزمه النفقة والقسم؟
الشيخ: لا، لا يلزمه؛ لأنه يجب أن تسافر معه؛ لأنه بالإمكان أن تذهب إلى هذه البلاد وتحمي نفسها، حتى يعني أرى أن ذهاب الرجل بدون أهله إلى البلاد الأخرى خطر عليه، وكم من مصائب وقعت في هذا، تجد الرجل يروح –مثلًا- يقول لأهله: امشوا معي، تقول: لا، ثم إذا ذهب إلى هناك ضاع.
الطالب: أحسن الله إليك، اشترطت المرأة عند العقد ألَّا يتزوج عليها، فأبى العاقد وقال: إن هذا الشرط لا يصح، ثم علمت المرأة أن هذا الشرط (
…
)، فطالبت الزوج فيما بعد، كيف يكون (
…
)؟
الشيخ: لا، هذا يسقط حقها، ما دام أسقطته يسقط، إلا إذا قالت: بناء على ذلك، أو بناء على أن القول الراجح هو هذا أسقطه.
الطالب: لا، لم تقل؟
الشيخ: أجل، إذن يسقط حقها، الواجب أنها تحتاط لنفسها.
***
طالب: وإن تزوَّج بكرًا أقام عندها سبعًا، ثم دار، وثَيِّبًا ثلاثًا، وإن أحبت سبعًا فعل وقضى مثلهن للبواقي.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سبق لنا قاعدة في مسألة القسم أن عماده الليل لمن معاشه بالنهار، والنهار لمن معاشه في الليل، وسبق لنا أيضًا أن مَن نشزت فلا قسم لها؛ لأنها أسقطت حقها بنشوزها، وذِكْر أمثلة للنشوز، وسبق لنا أن مَن سافرت لحاجتها بإذنه فالصواب أن حقها باقٍ؛ لأنها سافرت بإذنه، فهي غير ناشز، أما مَن سافرت بلا إذنه فإنه ليس لها قسم ولا نفقة؛ لأنها ناشز ..
ومَن وَهَبَتْ قَسْمَها لضَرَّتِها بإذْنِه أو له فجَعَلَه لأُخْرَى، جازَ فإن رَجَعَتْ قَسَمَ لها مُستقبَلًا،
ولا قَسْمَ لإمائِه ولا أُمَّهَاتِ أَولادِه، بل يَطَأُ مَن شاءَ متى شاءَ، وإن تَزَوَّجَ بِكْرًا أقامَ عندَها سبعًا ثم دارَ، وثَيِّبًا ثَلاثًا، وإن أَحَبَّتْ سَبْعًا فَعَلَ وقَضَى مِثْلَهُنَّ للبَوَاقِي.
(فصلٌ)
النُّشوزُ مَعْصِيَتُها إيَّاه فيما يَجِبُ عليها، فإذا ظَهَرَ منها أَماراتُه بأن لا تُجيبَه إلى الاستمتاعِ أو تُجيبَه مُتَبَرِّمَةً أو مُتَكَرِّهَةً وَعَظَها، فإن أَصَرَّتْ هَجَرَها في الْمَضْجَعِ ما شاءَ وفي الكلامِ ثلاثةَ أَيَّامٍ، فإن أَصَرَّتْ ضَرَبَها غيرَ مُبَرِّحٍ.
(بابُ الْخُلْعِ)
مَن صَحَّ تَبَرُّعُه من زوجةٍ وأَجْنَبِيٍّ صَحَّ بَذْلُه لِعِوَضِه، فإذا كَرِهَتْ خُلُقَ زَوْجِها أو خَلْقَه
فإذا كَرِهَتْ خُلُقَ زَوْجِها أو خَلْقَه أو نَقْصَ دينِه أو خَافَتْ إِثْمًا بتَرْكِ حَقِّه أُبيحَ الْخُلْعُ وإلا كُرِهَ وَوَقَعَ، فإن عَضَلَها ظُلْمًا للاقتداءِ، ولم يكنْ لزِنَاهَا أو نُشوزِها أو تَرْكِها فَرْضًا ففَعَلَتْ، أو خالَعَت الصغيرةُ والمجنونةُ والسفيهةُ، أو الأَمَةُ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِها لم يَصِحَّ الْخُلْعُ ووَقَعَ الطلاقُ رَجْعِيًّا إن كان بلفْظِ الطلاقِ أو نِيَّتِه.
(فصلٌ)
والخُلْعُ بلفظٍ صريحٍ الطلاقُ أو كنايتُه وقَصْدُه طلاقٌ بائنٌ، وإن وَقَعَ بلفظِ الْخُلْعِ أو الْفَسْخِ أو الفِداءِ، ولم يَنْوِه طَلاقًا كان فَسْخًا لا يَنْقُصُ عددَ الطلاقِ، ولا يَقَعُ بِمُعْتَدَّةٍ من خُلْعٍ طلاقٌ ولو وَاجَهَها به
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
سبق أن القاعدة في مسألة القَسْم أن عِماده الليلُ لمن معاشه بالنهار، والنهارُ لمن معاشه بالليل.
وسبق لنا أيضًا أن مَن نشزتْ فلا قَسْم لها؛ لأنها أسقطتْ حقَّها بنشوزها، وذكر أمثلة للنشوز.
وسبق لنا أن مَن سافرتْ لحاجتها بإذنه فالصواب أن حقَّها باقٍ؛ لأنها سافرتْ بإذنه فهي غير ناشز، أمَّا مَن سافرتْ بلا إذنه فإنه ليس لها قَسْم ولا نفقة لأنها ناشز.
ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى مسألة وهي: (مَنْ وَهَبَتْ قَسْمَها لِضَرَّتِها بإذْنِهِ أو لَهُ فجَعَلَهُ لأُخرى جَازَ) إذا وهبت المرأة قَسْمها لزوجها فله أن يجعله لمن شاء من زوجاته، وإذا قسمتْه لزوجةٍ معيَّنةٍ تعيَّنت الموهوب لها.
مثال الأول أنْ يكون لرجلٍ أربع زوجات، فقالت الأولى: وهبتُ قَسْمي لكَ. فيقول المؤلف إنه يجعله لمن شاء؛ للثانية، للثالثة، للرابعة، ولو قيل: إنه يجعله بينهن لكان هو الواجب، هو العدل، كيف ذلك؟ بأن نقول: إذا كان معه أربع نساء فالقَسْم يدور على أربعة أيام، فإذا وهبت الأولى قَسْمها فليكن القَسْم دائرًا على ثلاثة أيام؛ لأن هذا هو العدل، إلا إذا قال: أنا لا أريد أن يكون على ثلاثة أيام، أنا أريد أن أقسم لواحدة يومين.
نقول: إذَن مقتضى العدل أن تُقْرع بينهن، أما أن تجعله لواحدةٍ دون الأُخْريات فلا، هذا خلاف العدل، أقْرِع بينهن، ومَن خرجت لها القُرعة فيكون لها.
الوجه الثاني: أن تهب يومها لامرأةٍ معيَّنةٍ فتقول الأولى: قد وهبتُ يومي للثانية. فيتعيَّن للثانية، ولا يحلُّ له أن يجعله لامرأةٍ أخرى؛ دليل ذلك أن سودة بنت زمعة رضي الله عنها لما خافت أن يطلِّقها النبيُّ صلى الله عليه وسلم لكِبَر سِنِّها وهبتْ يومَها لعائشة (1)، واختارت سودةُ عائشةَ لأنها أحبُّ نسائه إليه، فأرادت أن تهبه لمن يحب عليه الصلاة والسلام، وهذا من فقهها وشفقتها على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أمَّا كونه من فقهها فلأن رسول الله لو طلَّقها لن تبقى من أمهات المؤمنين، ولن تكون زوجةً له في الآخرة، وأمَّا كونه من شفقتها على الرسول فلأنها وهبتْه لأحبِّ نسائه إليه. فصار إذا وهبتْ قَسْمها للزوج على وجهين:
الوجه الأول: أن تجعله له، فعلى كلام المؤلف يجعله لمن شاء من الزوجات، والصحيح أنه لا يملك أنْ يجعله لمن شاء؛ لأن هذا جورٌ؛ فإن إسقاط المرأة حقَّها معناه أنه لم يكن له إلا ثلاث زوجات الآن، فإما أن يقال: يوفر هذا اليوم على الثلاث جميعًا ويكون مدار القَسْم على ثلاثة، وإما أن يُقرع.
الوجه الثاني: أن تهبه لامرأةٍ معيَّنةٍ، فهنا لا يتعدَّاه الزوج.
طيب، إذا قال الزوج بعد أن وهبتْه لواحدة معيَّنة قال: أنا لا أريده عسى أني أقوم بيومها، كيف تجعل لها يومين؟ ! ماذا نصنع؟
نقول: ردَّ الهبة، فيبقى اليوم لمن وهبتْه؛ يعني للواهبة، ثم إن شاءت وهبتْه مرَّةً أخرى إلى امرأة ثانية، وإلا أسقطت حقَّها والزوج يجعل المدار على ما بقى من الزوجات.
وقول المؤلف رحمه الله: (لضَرَّتها بإذنه) يُفهم منه أنه لو لم يأذن ولم يقبل فإنه لا ينتقل إلى الموهوب لها؛ يعني لا بدَّ أن يرضى، الحقُّ حقُّه، لو كانت امرأة مثلًا لا ترغب الزوج لسبب من الأسباب وقالت: إنها لا ترغب أن يَقْسم لها وقد جعلتْ قَسْمها لفلانة. قال: لا أقبل. قالت: أجعلُهُ لك، أعطِهِ مَن شئتَ. قال: لا أقبل، أنا أريد أن آتي إليك. هل تملك إسقاط حقه؟ لا، ولهذا قال:(بإذنه).
(فإنْ رَجَعَتْ قَسَمَ لها مستقبلًا)(إنْ رَجَعَتْ) يعني رجعتْ في هِبَتها (قَسَم لها)، لماذا؟ قالوا لأنها هبةٌ لم تُقبض.
وهل يقضي ما مضى؟ لا؛ لأن ما مضى قد قبضه وانتهى منه، أما المستقبل فهو هبةٌ غير مقبوضة فلها أن ترجع فيه، أنتم فاهمين هذا؟
مثال ذلك: امرأة وهبتْ قَسْمها لزوجة أخرى؛ قالت: يومي لفلانة. مضى على ذلك شهران، ثم رجعت وقالت: رجعتُ، أريد أن تقسم لي. هل لها الحق في الرجوع؟
طالب: نعم.
الشيخ: الجواب: نعم، لأي شيء؟ لأنها وهبتْ شيئًا لم يُقبض. لكن هل تُطالب بقضاء ما مضى؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لا، لأنه قد قُبِض وانتهى.
وظاهر كلام المؤلف أنها لو رجعتْ فلها ذلك مطلقًا، لكن ينبغي أن يُقيَّد بما إذا لم تتلاعب بالزوج، فإن تلاعبتْ به؛ أسبوعًا تهبُ يومها لفلانة، والأسبوع الثاني لفلانة، والأسبوع الثالث لفلانة، والأسبوع الرابع تهوِّن تقول: أريد أنا، هنا إذا تلاعبت فللزوج الحرية في أن يقول: لا أقبل، وسوف أقسم لكِ يومكِ، شاءتْ أمْ أَبَتْ.
(فإنْ رَجَعَتْ قَسَمَ لها مستقبلًا، ولا قَسْمَ لإمائِهِ وأمهاتِ أولاده، بل يَطَأُ مَن شاءَ متى شاءَ).
والدليل على ذلك قوله تبارك وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فدلَّ ذلك على أن ملك اليمين لا يجب عليه أن يَقْسم بينهن، فله أن يطأ مَن شاء متى شاء، فإذا قدَّرنا أن عنده أربع إماءٍ مملوكات وصار يأتي لواحدة منهن دائمًا، فهل هو آثم؟
الطلبة: لا.
الشيخ: ليش؟ لقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، وكذلك أمهات الولد؛ لأن أمَّ الولد يطؤها سيدها بمقتضى التسرِّي وليس بمقتضى النكاح.
فمَن هي أمُّ الولد؟
هي التي أتتْ من سيدها بما تبيَّن فيه خلْق الإنسان؛ يعني جامعها سيدها وحملتْ ووضعتْ.
وضعتْ مضغةً قد خلِّقت نقول: هي أمُّ ولد.
طيب، وضعتْ جنينًا حيًّا؟ أمُّ ولد.
وضعتْ مضغةً غير مخلَّقة؟
الطلبة: ليست أمَّ ولد.
الشيخ: ليست أمَّ ولد، نعم.
(وإنْ تزوَّج بِكْرًا أقامَ عندها سبعًا ثم دارَ، وثيِّبًا ثلاثًا، وإنْ أحبَّتْ سبعًا فَعَلَ وقضى مِثْلهنَّ للبواقي) يعني إذا تزوج زوجةً جديدةً إنْ كانت بِكرًا أقامَ عندها سبعة أيام، وإن كانت ثيِّبًا أقام عندها ثلاثة أيام.
البِكْر يقيم عندها سبعًا لسببين:
أولًا: أن رغبة الإنسان في البكر أقوى من رغبته في الثيِّب، فأمهل له في الأمر حتى يقضى نهمته.
وثانيًا: أن البكر لم تستأنس بالرجال، وهذه أول مرة، فتحتاج إلى زيادة مدَّةٍ من أجْل أن تستأنس بالرجل وتألف الرجل.
أمَّا الثيِّب فقد عرفت الرجال وأنستْ بهم من قَبْلُ، ثم الرغبة في الثيب أقل من الرغبة في البكر، فلهذا جعل لها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا؛ دليل ذلك قول أنس بن مالك رضي الله عنه: من السُّنة إذا تزوَّج البكرَ على الثيِّب أقام عندها سبعًا، وإنْ تزوَّج الثيِّب أقام عندها ثلاثًا (2). والحكمة كما ذكرتُ لكم.
طيب، إذا أقام ثلاثًا عند الثيِّب ورغبتْ أن يبقى عندها سبعًا فله ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأمِّ سلمة حين أقامَ عندها ثلاثًا، قال لها:«إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي» (3). فإذا طلبت أن يبقى عندها سبعة أيام فعلَ، لكن يجب أن يقضي للبواقي كم؟ أربعة أيام الزائدة ولَّا سبعة؟
طالب: سبعة.
طالب آخر: أربعة.
الشيخ: سبعة أيام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: «إِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي» .
إذا قال قائل: لماذا لم يُجعَل للثيب ثلاثة أيام ونصف؛ نصف البكر؟ البكر سبعة أيام، والثيب لماذا لم يجعل ثلاثة أيام ونصف؟
لأن القَسْم هنا لا يمكن، القَسْم مداره على يوم وليلة، فإذا قُلنا: ثلاثة أيام ونصف معناه على نصف يوم، وهذا لا يستقيم.
السؤال الثاني: لماذا خُصَّت البكر بسبعة أيام؟ لماذا لم تُجعَل أربعة عشر يوما أو خمسة أيام؟
الحكمة من ذلك -والله أعلم- أنه سبعة أيام تدور عليها أيام الأسبوع كلها، لأنها سبعة أيام: السبت، والأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، دارت أيام الأسبوع عليها كلها.
نظير ذلك العقيقة؛ شُرِعت في اليوم السابع لأنه في اليوم السابع تكون أيام الأسبوع قد أتتْ على هذا الطفل، واضح يا جماعة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب. إذا قال قائل: لماذا يُسَبِّع للبواقي إذا اختارت الثيب سبعًا؟
نقول: لأنها لما اختارت السبع بطل حقُّها الأول وهو ثلاثة أيام، وإلا فمقتضى الحال أن يقول: إذا اختارت التسبيع فإنه يُربِّع للبواقي؛ لأنها إذا اختارت التسبيع ثلاثة أيام من حقِّها، والزائد أربعة يجعله للبواقي، كل واحدة أربعة أيام. لكن نقول: لما اختارت السبع كأنها أسقطتْ حقَّها الأول، فإذا أسقطتْ حقَّها الأول صارت أخذت سبعة أيام، فنعطي الأُخريات سبعة أيام.
طيب، ما تظنون أن تختار: سبعة أيام ويسبِّع للبواقي، أو ثلاثة أيام ويوحِّد للبواقي؟
طلبة: ثلاثة أيام.
الشيخ: ثلاثة أيام، إلا إذا كانت قبل حيضتها، نعم؛ هي تقول: سبعة أيام؛ لأنها بعد السبعة أيام تحيض، وهو ليس عنده إلا امرأة واحدة معها، وحيضها سبعة أيام، فيكون انشغاله بالثانية في أيام الحيضة، إذَن يمكن تختار السبعة الأيام، يمكن تختار أن يسبِّع لها ويسبِّع للباقيات.
على كل حال هذه المسائل ترجع لكل امرأة بانفرادها، ما يمكن أن تأخذ ضابطًا، إنما الحكم الأصلي أنه إذا تزوج بكرًا أقامَ عندها سبعة أيام ثم دار على بقية النساء، وإذا تزوج ثيِّبًا أقام عندها ثلاثة أيام، لكن يخيِّرها، إن شاءت اقتصرت على أيامها الثلاثة ثم صار يأتي للزوجات الأُخريات على يوم يوم، وإن شاءت سبَّع لها، وإن سبَّع لها سبَّع لنسائه.
***
ثم قال: (فصل: النُّشُوزُ معصيتُها إيَّاهُ فيما يجب عليها).
النشوز يكون من الزوج ويكون من الزوجة؛ قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34]، وقال تعالى:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128]، فكيف نُعامل الناشز من الرجل والمرأة؟
استمع إلى كلام المؤلف، يقول:(النُّشُوزُ: معصيتُها إيَّاهُ فيما يجب عليها، فإذا ظَهَرَ منها أَمَاراتُهُ بأن لا تُجيبه إلى الاستمتاع أو تُجيبه متبرِّمةً أو متكرِّهةً) عمل معها ما يأتي.
فالنشوز أن تعصي المرأةُ زوجَها فيما يجب عليها له، ونشوز الزوج أن يمتنع من بَذْل ما يجب عليه لامرأته أو يتكبَّر عليها.
يقول: (بأن لا تُجيبه إلى الاستمتاع). إذا دعاها ليستمتع بها أَبَتْ؛ قالت: إنها مشغولة، تعبانة، ما لها نفسيَّة، وما أشبه ذلك، مع أن الأمر خطير؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام:«إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» (4)، فهي من كبائر الذنوب.
المهم هي امرأة ما هي سائلة، امتنعت، نقول: هذه ناشز، أو تُجيبه لكنها تُجيبه متبرِّمةً تُظهر المللَ والتعبَ أو متكرِّهة؛ مثل إذا دعاها يجد منها التكَرُّهَ لهذا، وربما يسمع منها كلامًا: أتعبْتَنا، آذَيْتَنا، الله يعين عليك، وما أشبه ذلك، هذه نقول: هي ناشز؛ لأن الواجب عليها أن تبذل ما يجب عليها بانشراح صدر.
فماذا يعمل؟ قال: (وعظها) فذكَّرها بالله، حذَّرها من المخالفة.
(فإنْ أصرَّتْ هَجَرَها في المضجعِ ما شاء، وفي الكلامِ ثلاثةَ أيام). إن أَبَتْ إلا أن تنشز يهجرها في المضجع، وقوله:(ما شاء) يعني ما لم ترجع إلى حُسن السيرة، فإن رجعتْ إلى حُسنِ سيرتها فلا يهجرها، لكن إذا بقيتْ يهجرها في المضجع ما شاء؛ يعني لا يضاجعها، وفي غالب الظن أنه إذا هَجَرَها في المضجع فسوف ترجع.
أمَّا في الكلام فيقول: (ثلاثة أيام)، لا يزيد؛ دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ» (5).
طيب، إذا قلنا: لا يهجرها فوق ثلاث، فماذا يصنع قبل أن تمضي الثلاث؟
يمكن أن يقول: يا فلانة افتحي الباب، زالَ الهجر. يمكن إذا دخل عليها يقول: السلام عليكم، زالَ الهجر.
قال: (فإنْ أصرَّتْ ضَرَبَها ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ). يعني غير مؤلِم ولا مُوجع، لكن للتأديب، فالمراحل إذَن ثلاث: الوعظ، ثم الهجر، ثم الضرب لكن غير مبرِّح؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فَإِنْ أَوْطَأْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ» (6)؛ لأن المقصود التأديب لا التعذيب.
وإذا خافت هي النشوز من الزوج فقد قال الله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء: 128] وهذا مما يدل على كمال الشريعة حيث فرقت بين نشوز الزوجة ونشوز الزوج؛ لأن الزوج لا يمكن للزوجة أن تهجره أو أن تضربه، هذا لا يمكن، لذلك قال:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} يعني: يطلبان الصلح إما بالتفريق أو غير ذلك.
طالب: بماذا يكون نشوز الزوج؟
الشيخ: نشوز الزوج يكون بألَّا يبذل الواجب عليه من النفقة أو من العِشرة بالمعروف، يَكْفَهِرُّ في وجهها، يُمانعها مما يجب عليه من العِشرة، يتكَرَّه لهذا الشيء.
الطالب: هذا محرَّم؟
الشيخ: محرَّم، نعم، هذا من حقوقها.
طالب: بارك الله فيك، هل يُعذَر الزوج بتَرْك الجماعة إذا أقامَ عندها؟
الشيخ: (
…
) أقامَ عندها ولا يروح يصلي في المسجد؟
الطالب: بعض الناس يحتجُّون بذلك.
الشيخ: لا، غلط، أقام عندها بالنسبة لزوجاته؛ يعني لم يذهب إلى الزوجات، ولا يُعذَر الإنسان بترك صلاة الجماعة.
لكن بعض العلماء يقول: يُعذَر بترك الجماعة إذا كان ليلة الزفاف وكان أهل الزوجة يأتون بها إليه؛ لأنه ربما يأتون إلى البيت ولا يجدونه إذا ذهب يصلي، لا سيما إن ذهب يصلي في المسجد يتأخر، فهنا إذا جاؤوا إلى الزوج ومعهم الزوجة يزفُّونها إليه وجدوا الباب مغلقًا، يستأذنون ولا يؤذَن لهم، هذه كبيرة عليهم، فلذلك قال بعض العلماء: إنه يُعذَر بترك الجماعة إذا كان ينتظر زوجةً تُزَفُّ إليه، وهذا وجيهٌ في الواقع، حتى هو لو ذهب إلى المسجد في هذه الحال سوف يكون مشغولًا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:«لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ» (7).
طالب: بالنسبة للضرب المبرِّح كيف؟
الشيخ: الشديد الذي يجرح أو يوجب تورُّمَ الجلد أو انحباسَ الدم، ما تعرف هذا؟ ! أحيانًا يُضرَب الإنسان فيؤثِّر في جلده يكون نقطة سوداء، هذا مبرِّح، أو ينجرح، هذا مبرِّح، أو ينكسر، مبرِّح، فهمت؟
الطالب: إذا ضربها بخيزران (
…
).
الشيخ: الخيزران ما أدرى، قد يكون يده قوية، فإذا ضربها بقوة ممكن تؤثر، لكن يضربها بيده، يضربها على ظهرها مثلًا، أو بسيرٍ خفيف.
طيب، لو ضربها بالمخدة؟
طالب: غير مبرِّح هذا.
الشيخ: مبرِّح؟
طالب: ينظر فيه.
الشيخ: أيش هو؟ ما هذا؟
الطالب: لا يؤثر عليها.
الشيخ: ما يؤثِّر عليها! لا، يؤثِّر عليها؛ عند الناس المخدة الكبيرة اللي يتكئ عليها أَخَذها وضَرَبها بها، أنا كنت أظن أنك تقول: ليس هذا ضرب، وأن هذا رَمْي. على كل حال لا يضربها ضربًا مبرِّحًا هكذا.
طالب: شيخ، بالنسبة إذا قطع الهجر قبل ثلاث؛ قال: السلام عليكم (
…
) ثلاثة أيام، هل يستمر بعد (
…
)؟
الشيخ: إي نعم، مثلًا في آخر اليوم الثالث سَلَّم انقطع الهجر، له أن يتأخر ثلاثة أيام أيضًا.