الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: لا شفعة، نعم، لا شفعة لكافر على مسلم، سواء كان شريكه الذي باع مسلمًا أو كافرًا.
إذا كان شريكه كافرًا وباع على مسلم، هل للكافر الشريك أن يشفع؟
الطالب: له أن يشفع.
الشيخ: انتبه. الشريك كافر، فباع على مسلم، فهل لشريكه الكافر أن يشفع المسلم؟
الطالب: لا، ليس له أن يشفع.
الشيخ: ليس له ذلك، أحسنت.
***
[باب الوديعة]
يقول المؤلف: (باب الوديعة)(الوديعة) وزنها الصرفي (فعيلة)، وثبتت الياء في الميزان؛ لأنها زائدة، وهذه قاعدة صرفية كل الحروف الزائدة في الميزان يؤتى بها بلفظها، كيف تزن قائم؟ فاعل؛ لأن الألف هذه زائدة. كيف تزن (يُقَام)؟
طالب: (يُفَال).
الشيخ: (يُفَال) غلط.
(باب الوديعة)
إذا تَلِفَتْ من بينِ مالِه ولم يَتَعَدَّ ولم يُفَرِّطْ لم يَضْمَنْ، ويَلْزَمُه حِفْظُها في حِرْزِ مِثْلِها، فإن عَيَّنَه صاحبُها فأَحْرَزَها بدونِه ضَمِنَ وبِمِثْلِه أو أَحْرَزَ فلا، وإن قَطَعَ العَلَفَ عن الدابةِ بغيرِ قولِ صاحبِها ضَمِنَ، وإن عَيَّنَ جَيْبَه فتَرَكها في كُمِّه أو يَدِه ضَمِنَ وعكسُه بعكسِه، وإن دَفَعَها إلى مَن يَحْفَظُ مالَه أو مالَ ربِّها لم يَضْمَنْ، وعَكْسُه الأجنبيُّ والحاكمُ، ولا يُطالَبانِ إن جَهِلَا، وإن حَدَثَ خَوفٌ أو سَفَرٌ رَدَّهَا على رَبِّها ، فإن غابَ حَمَلَها معَه إن كان أَحْرَزَ وإلا أَوْدَعَها ثِقَةً، ومَن أُوْدِعَ دابَّةً فرَكِبَها لغيرِ نَفْعِها أو ثوبًا فلَبِسَه أو دَرَاهمَ فأَخْرَجَها من مَحْرِزٍ ثم رَدَّها ، أو رَفَعَ الْخَتْمَ ونحوَه عنها أو خَلَطَها بغيرِ مُتَمَيِّزٍ فضاعَ الكلُّ ضَمِنَ.
يقول المؤلف رحمه الله:
(باب الوديعة)
(الوديعة) وزنها الصرفي: فعيلة، وثبتت الياء في الميزان؛ لأنها زائدة، وهذه قاعدة صرفية: أن الحرف الزائد في الميزان يُؤتَى به بلفظه، كل الحروف الزائدة في الميزان يؤتى بها بلفظها، كيف تزن (قائم)؟
طلبة: فاعل.
الشيخ: فاعل؛ لأن الألف هذه زائدة.
كيف تزن (يُقام)؟
طلبة: يُفال.
الشيخ: يفال؟ ! غلط.
طلبة: يُعال.
الشيخ: يعال؟ ! غلط.
طلبة: (
…
).
الشيخ: لا، (يُقَام) أزنها (يُفعَل)، لماذا جعلْتُ الألف عينًا؟ لأنها أصلية ليست زائدة.
فالقاعدة إذن في الميزان: أن تأتي بالزائد بلفظه.
(الوديعة): فعيلة، حروفها الأصلية ما هي؟ الواو، والدال، والعين؛ ولهذا نقول في وزنها: فعيلة، فنأتي بالياء وبالتاء؛ لأنهما حرفان زائدان، وهي بمعنى مفعولة، أي: مُودَعة.
فلنسأل الآن: ما معنى الإيداع؟
الإيداع: إعطاء المال لمَن يحفظه لصاحبه، وهي بالنسبة للمودِع مباحة، يعني: يباح أن يُودِع الإنسانُ مالَه، وهي بالنسبة للمودَع سُنَّة، بشرط أن يكون قادرًا على حفظها وصيانتها.
مثال ذلك: رجل أعطى شخصًا بقرتَه وديعة، صاحب البقرة يجوز أن يعطيها وديعة لهذا الشخص أو لا يجوز؟ يجوز، المودَع الذي سيأخذ البقرة يجوز أن يقبل البقرة وديعة؟ يجوز بشرط أن يكون قادرًا على مؤونتها وحفظها، وإلا فلا يجوز.
كذلك أيضًا: لو فُرِض أن صاحب البقرة أراد أن يُودِعها على مَن يضيعها، فلا يجوز له أن يودعها؛ لأن هذه حيوان تحتاج إلى رعاية وعناية، بخلاف المال، المال الذي لا حياة فيه لا بأس أن يودعه عند شخص.
فهي بالنسبة للمودِع (بالكسر)؟
الطلبة: مباحة.
الشيخ: مباحة.
بالنسبة للمودَع؟
الطلبة: سُنَّة.
الشيخ: سُنَّة بشرط أن يكون قادرًا على حفظها والعناية بها.
إذا تمت الوديعة فعندنا: مودِع، ومودَع، ومودَع إليه.
المودِع: صاحب المال. والمودَع: المال. والمودَع عنده: مَن؟
طالب: المُؤتمَن.
الشيخ: المُؤتمَن.
المؤلف لم يتكلم على هذا، وكأنه رحمه الله علم أن المسألة واضحة فلم يتكلم عليه، وتكلم على الآثار الناتجة أو المترتبة على الوديعة.
بهذا التعريف للوديعة يتبين لنا أن قول العامة الآن إذا جعلوا أموالهم عند البنوك أو ما يُلحَق بها؛ قالوا: هي وديعة. يتبين أن هذا القول غير صحيح؛ لأنهم لم يجعلوا الدراهم عند البنك -أو ما يقوم مقامه- لم يجعلوها للحفظ؛ إذ إن الدراهم ستُجعل في صندوق البنك وسيتصرف فيها، فهو في الحقيقة قرض وليس بوديعة؛ ولهذا نص الفقهاء رحمهم الله على أن المودِع إذا أذن للمودَع أن يتصرف في الوديعة صارت قرضًا.
فكلمة إيداع خطأ؛ لأن الإيداع أن يبقى المالُ لصاحبه على ما هو عليه، وهي في الحقيقة: إقراض وليست إيداعًا، ولذلك لو كانت إيداعًا لقلنا: يجب على البنك أن يجعلها في غلافها، وألا يتصرف فيها.
ماذا يترتب على هذه المسألة؟ يترتب لو أن البنك احترق بأمواله بدون تعدٍّ ولا تفريط، فإذا قلنا: إن وضع المال فيه وديعة؟
طالب: فلا ضمان عليه.
الشيخ: فلا ضمان عليه، وإذا قلنا: إنه بإذن صاحب المال للبنك أن يتصرف فيه صار ضامنًا، كما لو احترق مال المستقرِض فإن القرض ثابت في ذمته.
يقول المؤلف رحمه الله: (إِذَا تَلِفَتْ من بينِ ماله ولم يتعدَّ ولم يفرطْ لم يضمنْ، وإن تلفَتْ مع ماله فمِن بابِ أولى)
(إذا تلفت) يعني الوديعة (من بين ماله) بأن احترقت، أو أفسدها المطر، أو سرقها السراق دون أن يتأثر ماله بذلك: فلا ضمان على المودَع، ما الدليل؟
الدليل قول الله تبارك وتعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] والمودَع محسن، فإذا كان محسنًا فلا ضمان عليه، لكن إن تعدى أو فرط ضمن.
إن تعدى بأن أخذ الوديعة أو فك قَيْدَها، أو فرط بأن وضعها في غير حرز، والفرق بين التعدي والتفريط من حيث العموم؛ أن التعدي فِعْل ما لا يجوز، والتفريط ترك ما يجب، فلننظر إذا كان المودَع طعامًا فأكله المودَع عنده، فهذا أيش؟
طلبة: تعدٍّ.
الشيخ: هذا تعدٍّ. إذا كان طعامًا وأبقاه في ليالي الشتاء خارج السقف، فهذا تفريط؛ لأنه ترك ما يجب. فصار تلَفُ الوديعة إن كان بتعدٍّ أو تفريط: ضمن المودَع عنده، وإلا فلا.
وإذا قال قائل: لماذا قال المؤلف: (من بين ماله)؟ لماذا لم يتركها مفتوحة: إذا تلفت ولم يتعدَّ ولم يفرط لم يضمن؟
قلنا: إنه قال هذا إشارة إلى قول بعض العلماء: إنها إذا تلفت من بين ماله فهي مضمونة مطلقًا؛ قالوا: لأن تلفها من بين ماله يدل على نوع تفريط، وإلا فما الذي جعلها تتلف دون ماله؟ !
ولكن الصحيح ما قاله المؤلف: أنه لا ضمان على المودَع عنده إلا بتعدٍّ أو تفريط.
ثم قال مبينًا ما يجب على المودَع عنده:
قال: (ويلزمُه) أي: المودَع عنده (حِفظُها في حرز مثلها)، الحِرْزُ: ما يَصُون الشيء ويحمي الشيء، فمثلًا الذهب أين يوضع؟
طلبة: في الصناديق.
الشيخ: في الصناديق المُغلقة الوثيقة، وكلما ازداد الخوف وكثُر السراق وجب التحفظ أكثر فأكثر.
إذا أودعه شاة أيضعها في الصندوق الوثيق؟ !
طلبة: لا.
الشيخ: لو فرضنا أنه وضعها لصار ضامنًا؛ لأنه تعدى إذ ليس هذا مكانًا لها.
وقول المؤلف: (في حرز مثلها) هذا يدل على أن كل مال معتبر بنفسه.
(فإن عيَّنه صاحبُها) أي: عيَّن الحرز، (فأحرزها) أي: حَفِظَها (بدونه ضَمِن، وبمثله أو أَحْرَزَ فلا).
(إن عيَّنه صاحبها فأحرزها بدونه): ولو كان الحرز الذي أحرزها به حرز مثلها عادة فإنه يضمن، فلو أعطاه كتابًا وقال: احفظ هذا الكتاب في الصندوق التجُوري، تعرفون الصندوق التجوري؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: لا، خزانة الأموال، خزانة الذهب والفضة، وهي خزانة قوية ثقيلة، قال: احفظ الكتاب في الصندوق التجوري. فحفظه في شنطة عادية -أتعرفون الشنطة؟ قولوا: لا بعد! تعرفونها- حفظه في شنطة عادية، فجاء السارق فسرقه هو والشنطة، مع أن الشنطة عادة حرز للكتاب، فهنا عليه الضمان، لماذا؟ لأنه حفظها بأدنى مما عينه صاحبها.
فإذا قال المودَع عنده: أنا حفظتها في حرز مثلها، كل الناس يجعلون الكتب في الشناط، وربما جعلوها في الرفوف بارزة. نقول: لكن صاحب الكتاب عَيَّنَ، لماذا لم تقل له: لا، حينما قال: ضعه في الصندوق التجوري؟ لماذا لم تقل: لا؟ أما أن تأخذها على أنك ستضعها فيما عيَّن، ثم تُحرِزها بما دونه فعليك الضمان.
(وبمثله) فلا ضمان، (أو أحرز) فلا ضمان.
مثل أن يقول له: خذ هذا الكتاب اجعله في هذا الصندوق، ويُعَيِّن، فأخذه وجعله في صندوق مثله، فهنا لا ضمان، إلا أن يتميز الصندوق الذي عينه بزيادة حرز، بكونه داخل البيت مثلًا أو نحو ذلك فهنا يضمن، إذا عينه فأحرزها بأقوى؟
طلبة: فلا ضمان.
الشيخ: فلا ضمان، مثل أن يقول: احفظها في هذا الصندوق، والصندوق صغير يمكن للسراق أن يحملوه، فأحرزها في صندوق أكبر، هل يضمن أو لا؟
طلبة: لا؟
الشيخ: لا يضمن؛ لأنه أحرزُ.
رجل عنده صناديق ستة مثلًا، وقال له: احرزها في آخر ما يكون. فأحرزها في أول ما يكون، يضمن أو لا يضمن؟
طلبة: لا يضمن.
طلبة آخرون: يضمن.
الشيخ: ما شاء الله، هي ستة من الباب إلى نهاية الحجرة، قال: احفظها في هذا؛ آخرها. فأحرزها في الأول، يضمن أو لا يضمن؟
طلبة: يضمن.
طالب: فيه التفصيل.
الشيخ: الظاهر إن اللي قال: فيه التفصيل، ذكي، فراسة فقط؛ لأنه لما رآني توقفت قال: لعل فيها تفصيلًا. نشوف الآن: أيهما أحرز: آخر واحد ولَّا أول واحد؟
طلبة: آخر واحد.
الشيخ: آخر واحد قد يكون أحرز؛ لأنه أبعد من أن يأخذ السارق الصندوق أو يكسره ويمشي على طول، وقد لا يكون أحرز؛ لأن السارق سيقع في نفسه أن الأبعد هو اللي فيه المال المهم، فهنا أحدهما أحرز من الآخر من وجه، فأيهما نُغَلِّب؟
الظاهر أن مثل هذه الحال يقال: إنه أحرزه بمثله؛ لأن كل واحد من الأعلى والأول أحرز من الآخر من وجه، فإن لم يكن كذلك فالقاضي عنده الأمر، يُرفع الأمر إلى القاضي ويحكم بما يراه صوابًا.
***
طالب: شيخ بارك الله فيك، لو أن الشفيع أسقط شفعته قبل أن يتم البيع، ثم لما تم البيع قال: إن لي الشفعة، هل (
…
) صاحب البيع؟
الشيخ: ما سبب ثبوت الشفعة؟
الطالب: البيع.
الشيخ: البيع، هل يصح أن يُقدَّم المسبب على السبب؟
الطالب: لا.
الشيخ: لا يصح، فعند الفقهاء لا يصح هذا الإسقاط، وله أن يطالب بعد البيع؛ لأن هذا من باب تقديم الشيء على سببه، ولكن ظاهر الحديث الوارد في هذا -أنه لا يحل للشريك أن يبيع حتى يُؤذِن شريكَه-يدل على أنه إذا أسقطها سقطت، وهذا هو الأصح؛ لأن ما دل عليه الدليل مقدم على القواعد، ثم إن هذا أسقط نصيبه، فلو طالب بالشفعة بعد أن أسقطها صار في ذلك تغريرٌ للبائع وللمشتري، فالصواب أنها تسقط.
طالب: أحسن الله إليك، يقول:(أو اشترى شقصين من أرض صفقة واحدة فللشفيع أخْذُ أحدِهما). طيب هذا الشفيع ..
الشيخ: لا، (شقصين من أرضين).
الطالب: من أرضين. إيه. (
…
).
***
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، ما هو تصرُّف المشتري الذي يُبطِل حقَّ الشفيع؟
طالب: على قول المؤلف؟
الشيخ: الضابط على قول المؤلف؟
الطالب: الضابط على قول المؤلف: إنْ تصرَّف فيه بنقل ملك على وجه لا تثبت فيه الشفعة ابتداء.
الشيخ: نعم، أنْ يتصرَّفَ فيه المشتري بنقل الملك على وجه لا تثبت فيه الشفعة ابتداء، هذا هو الضابط، مثاله؟ صوِّر صورة المسألة.
طالب: مثال: اشترى المشتري من الشريك الأول ..
الشيخ: باع زيد.
الطالب: باع زيد على عمرو نصيبه، فوهب عمرو نصيبه إلى رجل آخر: تسقط الشفعة.
الشيخ: أحسنت، تسقط الشفعة، التعليل؟
الطالب: التعليل أنه انتقال بغير حق.
الشيخ: لأنه انتقل على وجه لا تثبت به الشفعة ابتداء، وإذا كان لا تثبت به الشفعة ابتداء فما تفرَّع على ذلك من باب أولى.
هل إذا أجَّر الشفيع الشِّقْص هل تسقط الشفعة؟
طالب: لا تسقط.
الشيخ: لا تسقط الشفعة، وكيف نصنع؟
الطالب: أجَّره؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: لأنه (
…
).
الشيخ: يعني هذه عمارة مثلًا فيها شركة مشتركة بين اثنين، لكل واحد نصفها، فأجَّر أحدُهما نصيبَه لشخص، هل تثبت الشفعة أو لا؟ اشترى واحد نصيب هذا الشريك ثم أجَّره، هل تسقط الشفعة أو لا؟
الطالب: لا تسقط الشفعة.
الشيخ: كيف نعمل إذا قلنا: لا تسقط؟
طالب: على المذهب: لا تثبت ابتداء.
الشيخ: يعني ويأخذ الشفعة.
الطالب: ويأخذ الشفعة، وعلى القول الراجح: يأخذ الشفيع أجرة في نصيبه بالشفعة.
الشيخ: يعني على القول الراجح: لا تنفسخ الإجارة، وللشفيع نصيبه من الأجرة من حين أخَذ بالشفعة، هذا القول هو الراجح. كيف تنزل هذا على الضابط؟ الضابط الذي قلنا: إنه يُسقِط الشفعة، كيف ننزل مسألة التأجير على هذا الضابط؟
طالب: ضابط سقوط الشفعة يعني؟
الشيخ: ما هو قلنا: لو أن المشتري الذي اشترى الشقص وهبه فليس للشريك أن يُشَفِّع، تسقط الشفعة، وذكرنا الضابط لهذا، قلنا: لو أجَّره المشتري انفسخت الإجارة والشفعة باقية ما تسقط، فما الذي يمكن أن نعرف أن هذا هو الحكم من الضابط اللي ذكرنا؟
الطالب: لأنه لم تثبت ابتداء الشفعة.
الشيخ: لا.
طالب: لأن الملك لم ينتقل.
الشيخ: لأن الملك لم ينتقل، وإحنا ذكرنا: لا يسقطها إلا انتقال الملك على وجه؟
طلبة: لا تثبت به الشفعة.
الشيخ: لا تثبت به الشفعة. خذوا هذا الضابط عشان كل مسألة تفرع عليه.
بناء على هذا الضابط: لو أنه تصرَّف برَهْنٍ؟
طالب: لا تسقط الشفعة.
الشيخ: لا تسقط بناء على هذا الضابط، خلاف اللي ما مشى عليه الماتن، الماتن يرى أن الرهن مثل الوقف، ولكنه قول ضعيف. فماذا نصنع؟
الطالب: له أن يأخذ بالشفعة، ولكن إذا سدَّد المدينُ الدينَ وفكَّ الرهن تخرج من يديه.
الشيخ: إحنا ذكرنا فيها القول الصحيح والقول المرجوح.
الطالب: المذهب يقولون: إنه يأخذ بالشفعة في الحال ويبطل الرهن.
الشيخ: يأخذ بالشفعة في الحال ويبطل الرهن. والثاني؟
الطالب: القول الراجح: أنه لا يبطل الرهن.
الشيخ: أنه لا يبطل الرهن.
الطالب: فينتظر حتى يفك الرهن ويأخذه بالشفعة.
الشيخ: هذا القول الراجح.
قوله رحمه الله: (إن بنى أو غرس) مَن الفاعل؟
طالب: المشتري.
الشيخ: المشتري، إذا بنى أو غرس ثم أخذه الشريك بالشفعة فماذا يصنع؟
طالب: يخير الشريك يعني المشفع، يخير الشريك بأن يُبقى الغرس ويدفع قيمته للمشتري.
الشيخ: لكن هذا التخيير قبل أن يُخيَّر الباني أو الغارس، أو نقول: نبدأ بالباني والغارس ونقول: هل تريد أن تأخذ غرسك وبناءك؟
طالب: نبدأ بالباني والغارس؛ لأنه حق له.
الشيخ: لأن الملك ملكه، الغراس هو اللي أتى به، والبناء هو اللي أتى بمواده، فيقال للغارس والباني: هل تريد أن تأخذه فهو لك، إذا لم ترد نقول للشفيع: أنت مخير. أفهمت؟
المؤلف رحمه الله يقول: إن ربه يخير، وإذا اختار قلعه فهل له ذلك مطلقًا أو بشرط؟
طالب: قيَّده بعدم الضرر.
الشيخ: قيده المؤلف بعدم الضرر، والمذهب؟
الطالب: ما خالف.
الشيخ: لا، هذا خالف المذهب، المؤلف في هذا الفصل خالف المذهب في مسألتين: في مسألة الرهن، ومسألة الضرر.
المذهب: له أخذه ولو تضررت الأرض -عرفْتَ- لكن ما مشى عليه المؤلف هو الصحيح: أن له أن يأخذ بلا ضرر.
إذا قال ربُّها: أنا لا أريده، ما فائدتي من أن أنقض شيئًا بُني ولا يساوي عندي شيئًا؟ فماذا نقول؟
طالب: يقال: تُقيم.
الشيخ: نقول للشفيع أيش؟
الطالب: تأخذ القيمة (
…
).
الشيخ: هو الآن انتهينا من الغارس والباني انتهينا منه، قال: أنا بخلي الغرس يبقى والبناء يبقى ما به. فماذا نقول للشفيع؟ أنت بالخيار بين أيش؟
الطالب: نعم يا شيخ، بين قبولها وتقييمها.
الشيخ: هذه واحدة، وبيْنَ؟ يعني بين أخْذِه بقيمتها وبيْنَ؟
الطالب: وبين بيعِها.
الشيخ: إيه! يُخيَّر بين أخْذِه بالقيمة وأيش؟
طالب: وبيْن قلْعِه ويضمن النقص.
الشيخ: وبين قلعه ويضمن النقصَ، تمام، يعني يُخيَّر بين أمرين، نقول: إما أن تقلعه وتضمن النقص نقصه؛ لأنك قلعته لمصلحتك وظلمت مَن وضعه بحق، أو يأخذه بقيمته، كيف نعرف قيمته؟
طالب: بتقييمها؛ تقييم هذه الأرض خالية من هذا البناء، وتقييمها وفيها البناء، الفرق هو ..
الشيخ: الفرق هو قيمة البناء، فإذا كانت تساوي بيضاء مئة ألف، وبالبناء مئة وخمسين، كم قيمة البناء؟
الطالب: خمسين.
الشيخ: تمام طيب.
شفيع أخذ بالشفعة وقال للمشتري: كم القيمة؟ قال: ألف ريال. ولكن البائع قال: القيمة ألفان. وأثبت ببينة أن القيمة ألفان.
طالب: هنا يأخذ الشفيع بما أقر به البائع؛ وذاك لأنه أقر بنفسه.
الشيخ: أقر على نفسه بأنه لا يستحق أكثر من ألف.
الطالب: نعم، وهذا هو الذي مشى عليه المؤلف.
الشيخ: اصبر، والبائع؟
الطالب: البائع ما له شيء.
الشيخ: ما له شيء؟
الطالب: لا، البائع أصلًا أخذ إذا كان ..
الشيخ: افرض أنه ما أخذ إلى الآن؟
الطالب: يدفع.
الشيخ: ويش لون؟
الطالب: لأن المشتري يُلزَم بأن يدفع ألفين للبينة اللي مع البائع.
الشيخ: يعني إذا أقام البائع بينة بأن الثمن ألفان يُلزم المشتري.
الطالب: نعم.
الشيخ: نقول: سلِّم للبائع ألفين، وخذ من الشفيع ألفًا.
الطالب: نعم.
الشيخ: ويش يكون بهذا؟ ما هو ظلم هذا؟
الطالب: ليس بظلم من جهة أنه أقر على نفسه.
الشيخ: نقول: هنا تتبعض الأحكام ويُعطَى كل إنسان ما يقتضيه لفظُه، والله عز وجل يقول:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135]. هذا أقر على نفسه، شهد على نفسه أنه ما يستحق على الشفيع إلا ألفًا.
ماذا قلنا؟
طالب: قلتم في هذه الأخيرة: أنه لو قال المشتري: أنا أخذته بألف. وقال البائع: بل أنا بعته إليه بألفين. فإنه -الشفيع- يدفع للمشتري ألفًا، والمشتري يدفع للبائع ألفين؛ لأنه أقر على نفسه.
الشيخ: لكن ما هو بظلم؟
الطالب: لأنه هو الذي تسبب في نفسه، وهنا تتبعض الأحكام.
الشيخ: تتبعض الأحكام صحيح، فنقول للمشتري: ليس لك إلا ما أقررت به، وهو الألف. ونقول للبائع: لك ما أقمت البينة عليه، وهو كم؟
طلبة: ألفان.
الشيخ: ألفان. وهذا واضح، مأخذ هذه المسألة واضح جدًّا، لكننا ذكرنا على هذا ملاحظة، مَن يعرفها؟
طالب: إذا كان المشتري ..
الشيخ: يعني لو قال المشتري: أنا غلطت.
الطالب: قال: أخطأت. يُقبل قولُه بعينه، يقول: نسيت، أو اشتريته بألفين. فنقبل قوله بعينه إذا كان ثقة.
الشيخ: يعني على كل حال المشتري الآن اللي بيقول: أنا اشتريته بألفين، والدليل البينة -هذه البينة اللي شهِدَتْ للبائع بأنه باعه بألفين- وأخَذَ مني ألفين، هذه البينة، أعطني ألفًا، يقول للشفيع: أعطني ألفًا مع الألف الذي أعطيتني.
الطالب: أولًا نقول له: أنت اعترفت على نفسك في البداية.
الشيخ: صحيح.
الطالب: فإذا قال: أنا نسيت. ننظر إليه؛ إذا كان ثقة قَبِلْنا قولَه بعينه.
الشيخ: طيب، إذن نقول له: أنت الآن تريد أن تحتج ببينة البائع، وأنت في الحقيقة كذَّبْتَ البينة ولَّا لا؟ كيف كذَّبها؟ لأنه أقر أنه بألف، فإقراره هذا يتضمن أنه كذَّب البينة التي قالت: إنه بألفين. واضح؟ لكن كما قلنا: إنه إذا ادَّعى الغلط أو النسيان فإنه على القول الراجح: إذا كان معروفًا بالصدق يُقبل قولُه، خصوصًا إذا عرفنا أن مثل هذا الشقص ليست قيمته ألف ريال، وأن قيمته أكثر من ألف ريال، فهنا لا شك أننا نأخذ بقول المشتري: إنه أخطأ أو نسي.
يقول: (عهدةُ الشفيعِ على المشتري، وعهدةُ المشتري على البائع) ويش معناه؟
طالب: يعني تبعاته والمسؤولية ..
الشيخ: التبعات والمسؤولية؟
الطالب: على المشتري.
الشيخ: على المشتري من قِبَل الشفيع.
الطالب: نعم.
الشيخ: (وعهدةُ المشتري على البائع)، ما يُستثنَى من هذا شيء؟
طالب: صورة من الصور وهي: إذا قضى البائع بالبيع وأنكر المشتري، فهنا عهدة الشفيع على البائع.
الشيخ: تمام، إذا أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري، هنا عهدة المبيع على؟
الطالب: البائع.
الشيخ: على البائع؛ لأن المشتري ما أقرَّ.
كيف نأخذ بالشفعة والمشتري أنكر أن يكون اشترى، والشفعة فرع عن الشراء؟
الطالب: نقول يا شيخ: إن البائع قال بحقين: حق المشتري، وحق الشفيع. فلما أنكر المشتري حقه ثبت حق الشفيع.
الشيخ: تمام صحيح.
***
الآن نأخذ من الوديعة شُوَي.
بسم الله الرحمن الرحيم، نسأل: ما حكم الوديعة بالنسبة للمودَع وللمودِع؟
طالب: حكم الوديعة بالنسبة للمودِع: مباحة، وللمودَع: سُنَّة إذا استطاع حفظَها.
الشيخ: أحسنت، إذن هي للمودِع مباحة، وللمودَع سنة إذا كان قادرًا على حفظها.
ما هو الدليل على سُنيتها بالنسبة للمودَع إذا كان قادرًا؟
طالب: ينظر (
…
).
الشيخ: لا، هذا ما هو صحيح؛ لأن هذا ما هو ببِرٍّ ولا تقوى، هذه معاملة عادية.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا، فيه آية أوضح من هذا، أخذتها أظن.
طالب: يقول الله عز وجل: {وَأَحْسِنُوا} .
الشيخ: أحسنت، عموم قوله تعالى:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
ما هو الواجب أن يحفظها المودَع في أي مكان شاء؟ إذا أودعك إنسان شيئًا فما الواجب عليك أن تحفظه فيه؟
طالب: في الحرز يا شيخ، في شيء يحفظه.
الشيخ: حرز مثلِه ولَّا أَحْرَز ولَّا أدَوْن؟
الطالب: حرز يحفظ الوديعة.
الشيخ: إذا أودعه شاة يجعلها في الصندوق التجوري؟ !
الطالب: لا يا شيخ، في مثل (
…
) بشروط.
الشيخ: صحيح، بارك الله فيك، جيد. وإذا أودعه ذهبًا؟
الطالب: في الصندوق التجوري.
الشيخ: صح، إذن يختلف الحرز باختلاف المال.
عيَّن المودِعُ حرزًا فأحرزه المودَع بآخَرَ؟
طالب: إن كان مثلَه فنَعَم، أو أحرزَ منه فنَعَم.
الشيخ: ويش معنى نَعَم؟
الطالب: يعني ..
الشيخ: يضمن؟
الطالب: ما يضمن.
الشيخ: يعني إن كان مثلَه أو أكثرَ فلا بأس. وإن كان دُونَه؟
الطالب: إن كان دُونَه يضمن.
الشيخ: ولو كان حِرْزَ مثلِه؟
الطالب: وإن كان حرزًا مثلَه لا يضمن.
الشيخ: لا، شف، عيَّن حرزًا وأودعه بدونه حِفْظًا، لكن هذا الدُّونَ حرزُ مثلِه.
الطالب: هنا يضمن.
الشيخ: يضمن، لماذا؟
الطالب: لأنه عيَّن الحرز، وهو أودعه في غيره فيضمن.
الشيخ: لأن المودِع عيَّن الحرز، فلا بد أن يودعه في نفس المكان الذي عيَّنه. صحيح.
نأخذ الدرس الآن:
قال: (وإنْ قطع العلف عن الدابة بغير قول صاحبها ضَمِن)
(إنْ قطع) الضمير يعود على المودَع. وقوله: (عن الدابة) يعني: المودَعة، (بغير قول صاحبها ضمن): لأنه لا شك أنه مفرط.
ولكن إذا قال المودَع: أنا قطعت العلف عنها؛ لأني لا أريد أن أنفق عليها من مالي، العلف غالٍ، ولا أدري متى يأتي صاحبها؟
قلنا له: أنت مفرط بلا شك؛ لأنك إذا أنفقت عليها فسوف ترجع على صاحبها، فليس عليك ضرر.
وهنا المسألة لا تخلو من ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن يودعه الدابة ويقول: يا فلان أنفق عليها.
والثانية: أن يودعه ويقول: لا تنفق.
والثالثة: أن يودعه ويسكت.
فعليه الضمان في حالين، ولا ضمان عليه في حال.
الحالان هما؛ إذا قال: أنفق عليها ولم ينفق، أو سكت. ففي هذين الحالين إذا تلفت الدابة فإنه يضمن؛ لأنه مفرط، كما لو وضعها في برد قارس وهي لا تستطيع مقاومته، أو في حر شديد وهي لا تستطيع مقاومته، فإنه يكون ضامنًا.
وعُلِمَ من قول المؤلف -وكلمة عُلِم عند الفقهاء تعني المفهوم، إذا قالوا: عُلِم منه، يعني مفهوم الكلام، مفهومه: - أنه لو قال صاحبُها: لا تنفق عليها، فتلفت فإنه لا يضمن، لماذا؟ لأن صاحبها أذن له فيما يقتضي تلفها، فهو كما لو أذن له في ذبحها، فلا ضمان على المودَع. أنتم معنا؟
إذا أودعه دابة وقال له: الإنفاق؟ قال: لا تنفق عليها. فتركها حتى ماتت، فلا ضمان عليه، لماذا؟ لأن صاحبها أذن له بما يقتضي تلفها فلم يضمن له، كما لو أذن له بذبحها فذبحها فإنه لا ضمان عليه، أظن التعليل واضح.
هذا ما قاله المؤلف رحمه الله، لكن فيه نظرًا؛ لأن ترك البهيمة تموت عطشًا وجوعًا إثم يعذب عليه الإنسان في النار، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه رأى في النارِ امرأةً عُذِّبَتْ في هِرَّةٍ حبسَتْها لا هي أطعمَتْها ولا هي تركَتْها (1). ويكون صاحبها قد أذن له في شيء محرم، ولا يجوز الموافقة على شيء محرم، فيكون ضامنًا، عليه الضمان؛ لأنه لو شاء لقال لصاحبها -لما قال: لا تنفق عليها- لو شاء لقال له: إذَنْ لا أقبلها، يلحقني الإثم.
فالصواب أنه يضمن، ولكنه في هذه الحال يُجعل ما ضمنه في بيت المال، ويُحْرَمُ إياه صاحبها، صاحبها لا يُعطَى شيئًا؛ لأنها تلفت بقولٍ من صاحبها يقتضي تلفها، لكننا نُضَمِّنُ هذا الذي وافقه على المعصية ونجعل ما ضمنه نجعله في بيت المال، هذا هو القول المتعين، وعليه يُحمَل قولُ مَن قال من الأصحاب: إنه يضمن، يعني يُحمَل قولهم: إنه يضمن، على أنه يضمن، ولكن يُجعل في بيت المال، جزاءً لصاحبها وعقوبةً له.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، لو أعطى وديعة يعني دراهم وصَرَفها بدراهم أخرى، ولكنها لم يتصرف بعمل آخر.
الشيخ: ويش فائدته؟ ما فائدة أن يصرفها وهو لا يريد أن ينفقها؟
الطالب: كان يحتاج عنده خمس مئة ولَّا أعطاها مفكوكة يعني بأن صرفها.
الشيخ: يعني لمصلحة نفسه؟
الطالب: نعم، أعطى الرجل يعني خمس مئة متفككة، وهو عنده خمس مئة واحدة، فصَرَفها.
الشيخ: لمصلحة نفسه، هذا لا يجوز، حتى لو أُعْطِيتَ زكاة توزعها أو صدقة توزعها خمس مئة، ما تصرفها إلا لمصلحة المُعطَى، عَرَفْتَ؟ إذن يكون ضامنًا بكل حال مع الإثم، إلا إذا علمْتَ أن صاحبك يرضى، والظاهر أن مثل هذه يرضى الناس بها، ما يعدونها جناية.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الوديعة:
وإنْ عيَّن جيبَه فتركها في كمه أو يده ضمن، وعكسه بعكسه، وإن دفعها إلى مَن يحفظ ماله أو مال ربها لم يضمن، وعكسه الأجنبي والحاكم، ولا يُطالَبان إن جهلا.
وإن حدث خوف أو سفر ردها على ربها، فإن غاب حملها معه إن كان أحرز، وإلا أودعها ثقة.
ومن أُودِعَ دابةً فركبها لغير نفعها، أو ثوبًا فلبسه، أو دراهم فأخرجها من محرز ثم ردها، أو رفع الختم ونحوه عنها، أو خلطها بغير متميز فضاع: الكل ضمن.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ما تقول في رجل أُودِعَ دابةً وقال له صاحبها: لا تنفق عليها، فماتت؟
طالب: المذهب: أنه لا يضمن.
الشيخ: أنه لا ضمان عليه. والقول الثاني؟
الطالب: يجب عليه الضمان؛ وذلك لأن صاحب الدابة قد أمره بفعل مُحرَّم، فيجب معصيته.
الشيخ: عليه الضمان؛ لأن صاحب الدابة أمره بشيء محرم، طيب إذن؟
الطالب: فعليه الضمان، لكن صاحب الدابة لا يستحق هذا الضمان، وإنما يكون في بيت المال.
الشيخ: يعني على هذا المودَع الضمان؟
الطالب: إي نعم، عليه الضمان.
الشيخ: ويكون في بيت المال؟
الطالب: نعم.
الشيخ: صحيح، هذا هو القول الراجح.
رجل أودع دابة وقال للمودَع: أنفق عليها بالمعروف. فأنفق عليها أكثر، هل يرجع بما زاد على صاحبها أو لا؟
طالب: لا يرجع بما زاد على صاحبها.
الشيخ: ليه؟
الطالب: لأنه عيَّن له.
الشيخ: قال له: أنفق عليها بالمعروف.
الطالب: بالمعروف، فيكون الزائد عليه هو.
الشيخ: فيكون الزائد عليه هو؛ لأنه لم يؤذن له فيه. وإن لم يقل بالمعروف؟
الطالب: ينفق بالمعروف.
الشيخ: ينفق بالمعروف، تمام، فإن زاد لم يرجع على صاحبها.
ثم قال المؤلف رحمه الله -وهو درس الليلة-: (وإن عيَّن جيبه فتركها في كمه أو يده ضمن، وعكسه بعكسه)
(إن عيَّن جيبه فتركها في كمه أو يده) وتلفت (ضمن)، مَن الضامن؟
طلبة: المودَع.
الشيخ: المودَع.
(عيَّن جيبه) يعني قال: اجعلها في جيبك، يعني في المخباة التي في الجيب هنا مثل مخباتي هذه، هذه مخباة الجيب، لكن هو جعلها في كمه. كيف كمه؟ ! الكُم على قدر الذراع.
فيقال: هذا كان معروفًا عند الناس فيما سبق؛ أن الرجل له أكمام ضافية واسعة ما تدخل بها اليد، بل هي من جنس الغترة هكذا يجعلونها هنا، من أجل أن يقضوا حوائجهم بها.
ولهذا تجد أناسًا يلاقونك بالسوق، وهذه الكم هذا فيه شاي، وهذا سكر، وهذا قهوة، وهذا هيت، كانوا يفعلون هكذا. فهذا الرجل قال: اجعل هذه الدراهم في جيبك، يعني عيَّن الجيب، فربطها في كمه فسُرِقت، عليه الضمان؟
طلبة: نعم.
الشيخ: عليه الضمان؛ لأن الجيب أحفظ؛ لأن الجيب لا يكاد أحد يقدم عليه؛ لأنه أمام الإنسان وعلى صدره، وهذا يمكن أحد يتغافل الإنسان ويفكه ويمشي، على أن بعض السراق عندهم شطرة عظيمة جدًّا جدًّا؛ كما هو (
…
)، ولو طُبِّقَ الحد ما أقدم أحد على السرقة؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يُرخِص يدَه في شيء من المال.
على كل حال نرجع الآن إلى درسنا، إذا تركها في كمه وقد عيَّن صاحبُها جيبه فسُرقت ضمن.
(أو جعلها في يده)، قال: بدل ما إني أَخلِّيها في جيبي أخليها بيدي أضبط، فتلفت فعليه الضمان.
فإذا قال قائل: أليس كونها في يده أحرز من كونها في جيبه؟
قلنا: لا؛ لأن الإنسان يعمل ويأخذ بيده، ويقبض ويسلم ويصافح، ربما ينسى ويضعها من يده في أي مكان وتضيع، فإذا عيَّن جيبه وتركها في يده فضاعت ضمن.
(عكسه بعكسه) يعني: لو عيَّن الكم فجعله في الجيب، عين الكم قال: خذ هذه اجعلها في كمك، فجعلها في جيبه فلا ضمان؛ للقاعدة السابقة: أنه إذا عيَّن الحرزَ صاحبُها، فأحرزها فيما هو أشد، أيش؟
طلبة: فلا ضمان.
الشيخ: فلا ضمان.
عيَّن يدَه قال: خد امسكها بيدك لا تُطْلِقها، فجعلها في جيبه، يضمن أو لا يضمن؟
طلبة: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن، ليش؟ لأن الجيب أحفظ من اليد.
فإذا قال قائل: إذا كان خاتمًا وقال: اجعله في أصبعك، فجعله في جيبه، فأيهما أحرز؟
طلبة: اليد.
الشيخ: الظاهر اليد أحرز، اليد لا شك أنها أحرز؛ لأن الجيب ربما مع السجود مثلًا أو خفْضِ الظهر ربما يسقط الخاتم، لكن في الأصبع ما يمكن إلا إذا حاول خلعه، أو قُطعت الأصبع مع الخاتم!
إذن يكون إذا عيَّن الجيب فجعلها في اليد فهو ضامن، إلا فيما إذا كان وجوده في اليد أحرز كما لو عيَّن الجيب -وهو خاتم أي الوديعة- وجعلها في أصبعه، فهذا لا شك أنه أحرز.
(وإن دفعها إلى مَن يحفظ ماله أو مال ربِّها لم يضمن):
إذا (دفعها)، الفاعل مَن؟
طلبة: المودَع.
الشيخ: المودَع.
(إلى من يحفظ مالَه أو مالَ ربِّها لم يضمن):
(إلى من يحفظ ماله) يعني: المودَع عنده غلمان، عنده خدم، عنده أولاد يحفظون ماله، فدفعها إليهم فإنه لا ضمان عليه؛ لأن هذا ما جرت به العادة، والإنسان الكبير السيد الشريف لا يمكن أن يتولى حفظ الودائع بنفسه، بل لا بد أن يكون له أيش؟ من يحفظ ذلك: خدم، أولاد، عبيد، نساء، زوجات.
المهم إذا دفعها إلى من يحفظ ماله فتلفت فإنه لا يضمن، إلا إذا نصَّ صاحبُها عليه وقال: لا تعطها أحدًا، هي مني إليك ومنك إليَّ. فهنا يضمن، لماذا؟ لأنه عيَّن حرزًا أقوى من حرز العادة، وقد سبق أنه إذا عيَّن حرزًا؛ يتعين ولَّا ما يتعين؟
الطلبة: يتعين.
الشيخ: يتعين، فإذا كان هذا الرجل اللي أعطاه الوديعة قال: شف لا تعطها أهلك، لا تعطها الخادم، لا الولد، هي مني إليك ومنك إليَّ. فحينئذٍ إذا دفعها إلى من يحفظ ماله فهو ضامن؛ لأنه أقل حفظًا من المودَع.
كذلك إذا (دفعها) إلى (مَن يحفظ .. مالَ ربِّها لم يضمن)، يعني: هذا المودَع كأنه مَلَّ من الوديعة وأراد أن يردها، فردها إلى مَن يحفظ مالَ صاحبِها فلا ضمان عليه، مثل أن يردها إلى خدم المودِع، أو إلى غلامه، أو إلى أهله فإنه لا ضمان عليه، مع أنه لم يقل له: ادفعها إلى أهلي، ولم يوكل أهله في قبضها.
وهذه المسألة فيها خلاف، فمن العلماء من يقول: إنه إذا دفعها إلى من يحفظ مال ربها بغير إذن ربها فإنه ضامن؛ لأنه لم يُوَكَّل في دفعها إلى غيره فهو ضامن، والذي ينبغي أن يُرجع في ذلك إلى العرف، ما جرى به العرف اتُّبِع، وما لم يجرِ به العرف لم يُتَّبع، فالأشياء الثمينة جرت العادة أنها لا تُرَدُّ الوديعة منها إلا؟
طلبة: لصاحبها.
الشيخ: إلى صاحبها بنفسه، والأشياء العادية كالأواني والفرش والبهائم جرت العادة أنه يتولى قبولها عند ردها من يحفظ مال ربها، فيُرجع في ذلك إلى العرف، فما جرى العرف بأنه يُدفع إلى مَن؟ إلى من يحفظ مال ربها، فدفعها إليهم فلا ضمان عليه، وما جرى العرف بأنه لا بد أن يُسلَّم إلى نفس المودِع فإن عليه الضمان.
الوثائق التي فيها إثبات الديون على الناس والمبيعات والمُؤْجَرَات وما أشبه ذلك، هل تُدفع إلى مَن يحفظ مال ربها؟
طالب: لا.
الشيخ: لا، جرت العادة لا تُدفع إليهم، إنما تُدفع إلى ربها، إلا إذا قال: رُدَّها إلى أهلي أو إلى مَن يحفظ مالي، فعلى ما قال.
يقول: (مالَ ربِّها لم يضمن، وعكسه الأجنبي والحاكم)(عكسه): عكس أيش؟ عكس دفْعِها إلى مَن يحفظ مال ربها، (الأجنبي): الذي لا يتولى حفظ مال ربها، ولا حفظ مال المودَع، هذا الأجنبي.
وبهذا التفسير نعرف أن كلمة الأجنبي يختلف معناها باختلاف مواضعها، فتكون في موضع لها معنى، وفي موضع آخر ليس لها معنى، فإذا قيل: تصح الوصية لأجنبي ولا تصح لوارث، ما المراد بالأجنبي؟
الطلبة: غير الوارث.
الشيخ: من ليس بوارث. وإذا قيل: يحْرُمُ كشْفُ المرأةِ وجهَها لأجنبي ويجوز للمحارم. الأجنبي؟
الطلبة: غير المحارم.
الشيخ: غير المحارم، المهم أن الأجنبي في كل موضع بحسبه.
هنا يقول: (الأجنبي) من الأجنبي؟ مَن لا يحفظ مال ربها ولا مال المودَع، هذا الأجنبي، يعني دفَعها إلى جاره، نقول: عليه الضمان؛ لأن الجار أجنبي، ليس يحفظ مال ربها ولا مال المودَع، فيكون ضامنًا إذا تلفت عند الجار سواء تلفت بتفريط أو تعدٍّ، أو بغير تفريط ولا تعدٍّ.
(الحاكم) مَن؟ القاضي، وسُمِّي حاكمًا؛ لأنه يحكم بين الناس، وسُمِّي قاضيًا؛ لأنه يقضي بين الناس. إذا دفعها إلى الحاكم فهو ضامن؛ لأنه لم يؤمر بدفعها إليه، والحاكم إنما يكون نائبًا عن الغائب أو الميت أو نحوهما، لا عن كل الناس.
فمثلًا رجل في مدينة أُودِع دراهم، خذ هذه عشرة ملايين اجعلها عندك. فجعلها عنده، ثم أخذها وأعطاها القاضي، وصاحبها موجود، هل للقاضي الحق أن يأخذها؟ لا، وليس للمودَع الحق أن يسلمها للقاضي؛ لأن القاضي إنما ينوب عن مَن؟
طالب: عن الغائب.
الشيخ: عن الغائب أو الممتنع أو ما أشبه ذلك، أما هنا لا ضرورة، فيضمن، يضمن المودَع إذا تلفت عند الأجنبي أو عند الحاكم، مَن يطالِب المودِع؟ يعني صاحب الوديعة مَن يطالِب؟ يطالب المودَع.
وهل يطالب الحاكمَ والأجنبيَّ؟
يقول المؤلف: (ولا يُطالَبان إن جهلا) يعني: لا يُطالَب الأجنبي إذا جهل أنها وديعة عند مودَع؛ لأنه معذور، جاءه رجلٌ قال: خذ هذه اجعلها عندك وديعة. فأخذها على أنها ملك الرجل الذي أعطاه، وعلى أنه محسن فلا ضمان عليه، الحاكم كذلك لا ضمان عليه.
أما إذا علما أنها وديعة فعليهما الضمان، ولصاحب الوديعة أن يطالب المودَع؛ لأن الحاكم أو الأجنبي حصل التلف تحت يده، وذاك حصل التلف بتسليطه هؤلاء على هذه الوديعة، فله أن يطالب هذا وهذا. وأما مع الجهل فلا يطالِب الحاكمَ ولا الأجنبيَّ، قال:(ولا يطالَبان إن جهلا).
لكن لو أن المودَع أُعطِيَ عشرة ملايين وديعة، وأودعها في البنك فهل يضمن؟
طلبة: لا يضمن.
طلبة آخرون: يضمن.
الشيخ: لا يضمن! يضمن!
طالب: البنوك أحرز.
الشيخ: البنوك أحرز لا شك، لكن هذا الرجل يعلم عن البنوك -المودِع- لكن لا يريد أن يعطيها البنوك تطوعًا وتدينًا، فكأنه نهاه أن يعطيها البنك، فكونه يختار أن يجعل عنده الدراهم وهو يشاهد البنوك وهو يعلم، كلنا يعلم أن البنك أحرز، إعطاؤه إياها بمنزلة نهيِه أن يعطيها البنك، فيعتبر هنا متعديًا، ولَّا لا شك أن البنك أحرز.
لكن مثل هذه الحال يقدر يقول: والله أنا ما أستطيع أني أحفظ هذه الدراهم الكثيرة، أتأذن لي إن اشتد معي القلق أو الخوف أن أجعلها عند البنك؟ إذا قال: نعم. يعمل بما أذن له فيه، وإن قال: لا. يقول: خذ دراهمك لا أقبل الوديعة؛ لأنه في حل.
يقول: (وإن حدث خوفٌ أو سفرٌ): لمن؟
طلبة: للمودَع.
الشيخ: للمودَع، (حدث خوف): بأن كثرت السرقات مثلًا، أو دخل البلد عدوٌّ وخاف عليها. (أو سفرٌ) مِمَّن؟
طلبة: من المودَع.
الشيخ: من المودَع، أراد أن يسافر.
(ردَّها على ربها) وجوبًا، ولا يجوز أن يبقيها عنده مع الخوف، أو في بيته مع السفر؛ لأنه في هذه الحال مفرط؛ إذ الواجب التخلص من الخوف، أو التخلص من إبقائها في بيت لا يسكنه أحد، (ردَّها على ربها).
فإن حدث سفر منه، لكن البيت فيه الأهل والأولاد، فهل يلزمه أن يردها؟ يعني هل يضمنها في هذه الحال لو بقيت؟ الجواب: لا، خصوصًا وأنه سبق لنا أنه إذا دفعها إلى مَن يحفظ ماله فلا ضمان، فهنا نقول: لا ضمان، لكن ينبغي له -أي للمودَع- إذا أراد أن يسافر ولا سيما إذا كانت الوديعة كبيرة؛ أن يقول له: إني سأسافر، فهل تأذن أن أبقيها عند الأهل أو أردها؟
(ردَّها على ربها، فإن غاب): مَن الغائب؟ (إن غاب) أي: ربُّها، إن غاب أو تغيَّب، المهم إذا لم يجده عند السفر أو عند الخوف، لكن عند السفر؛ لأنه قال:(حملها معه إن كان أحرز):
إن غاب صاحبها فإنه يحملها معه، بشرط أن يكون سفره بها أحرز من إبقائها، والغالب أن السفر بها ليس بأحرز؛ لأن السفر يحصل فيه آفات، لكن مع ذلك يقول:(إن كان أحرز).
(حملها معه إن كان أحرز، وإلا) يعني: وإن لا يكن أحرز (أودعها ثقة) أي: جعلها وديعة عند ثقة، فمَن الثقة؟
الثقة مَن جمَع وصفين: القوة، والأمانة، وهذان الوصفان في كل عمل، قال الله تبارك وتعالى:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26]. وقال الجِنِّيُّ -العفريت- لسليمان: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} أي: بعرش بلقيس {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39]. فالمراد بالثقة هنا: القوي الأمين، فلا يودعها ضعيفًا، ولا يودعها غير أمين.
فإن قال قائل: أرأيتم لو أقرضها مليئًا أيجوز؟ فالجواب: لا؛ لأن القرض عقد لا يجوز إلا ممن يملك العقد أو نائبِه أو وكيلِه، وهذا المودَع لم يوكَّل في القرض.
ولاحظوا أن الإيداع عند البنوك من باب القرض، الناس يسمون -مع الأسف الشديد- يسمون إعطاء البنوك الأموال يسمونه إيداعًا، وهذه تسمية خطأ، بل هي في الحقيقة قرض، ولهذا ينتفع بها البنك ويُدخِلها في رأس ماله ويتَّجر بها ويضمنها لو تلف مالُه كله؛ لأنه أيش؟
طالب: قرض.
الشيخ: لأنه قرض، والعلماء نصُّوا تصريحًا بأنه إذا أذن المودِع للمستودَع أو للمودَع أن ينتفع فهذا قرض، يعتبر قرضًا.
فيه بنوك تقبل الوديعة، بمعنى أن الدراهم التي تُعطَى إياها تجعلها في صناديق معينة محفوظة بنفسها لا يتصرف فيها البنك، هذا وديعة محضة.
قال: (وإلا أودعها ثقة)، وإن لم يجد ثقة؟ هو لا يأمن إن سافر بها، ولم يجد ثقة يودعها عنده، ماذا يصنع وربُّها غائبٌ؟
طلبة: الحاكم.
الشيخ: الحاكم، يعطيها الحاكم؛ لأن الحاكم وليُّ مَن ليس له ولي.
ثم قال: (ومَن أُودِع دابةً فركبها لغير نفعها) فهو ضامن.
(أُودِع دابةً فركبها): مثل؟
طالب: فرس.
الشيخ: فرس، حمار، بعير، أودعه عنده فركبه لغير نفعه فهو ضامن، ضامن إن تلف من هذا العمل أو من بعده أيضًا؛ لأنه بمجرد ما يخرج الوديع أو المودَع عن الأمانة يكون ضامنًا بكل حال، سواء تعدى أو فرط، وسواء تلف الشيء بنفس العمل أو بما بعده.
هذا رجل مشغوف بركوب الخيل، وأُودِع فرسًا، فجعل كل يوم يسابق عليه، أو كل يوم يُرَكِّضُه لغير نفع الفرس، يضمن أو لا؟
طلبة: يضمن.
الشيخ: يضمن إن تلف في نفس الاستعمال، أو في غير نفس الاستعمال.
طالب: الأول لا الثاني.
الشيخ: لا، أنا أقول: في هذا وهذا، أنا الآن أشرح ما أستفهم، يضمن في هذا وهذا، أما كونه يضمن في نفس الاستعمال فواضح، وأما كونه يضمن بعده حتى لو أدخله في الحرز يضمن؛ فلأنه باستعماله إياه صارت يده غير أمينة، فيبقى الفرس عنده في يد غير أمينة، فيضمن.
وعُلِم من قوله: (لغيرِ نفْعِها) أنه لو ركبها لنفعها فليس بضامن؛ لأنه محسن، لكن كيف يركبها لنفعها؟ يركبها -مثلًا- ليذهب بها إلى الماء تشرب، أو يُرَوِّضُها؛ لأنها إذا بقيت ربما تخمل ولا تكون قوية، فهو يركبها لنفعها، فلا ضمان عليه؛ لأن هذا خير.
(أو ثوبًا فلبسه) يضمن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لكن إذا قال: أنا أريد أن ألبسه للجمعة، الجمعة يُسَن فيها لبسُ أحسن الثياب. يضمن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إذا قال: أنا أعطيت صاحبها خيرًا؛ لأنه يؤجَر، أنا أؤجر بلبس أحسن الثياب، وهو يؤجر؛ لأنه أعانني على هذا. نقول: أنت لا تؤجر، من قال: إنك تؤجر باستعمال مال غيرك؟ ! هذا ظلم فلا أجر لك، وإذا بطل أجرُك بطل أجرُه هو؛ لأن أجْرَه فرْعٌ عن أجرك.
فإن قال: إني لبسته من أجل ألا يتسفَّط ولا يتعرفط؟
طالب: (
…
).
الشيخ: ما هو صحيح؟ ! هذا صحيح: الثوب إذا غسلته وخليته هكذا يعني يتعرفط.
طلبة: ينشره.
الشيخ: نقول: الحمد لله، الآن عندنا المكواة، إذا اضْطُرَّ إلى غسله -وهو على كل حال في الغالب ما يُضْطَرُّ إلى الغسل؛ لأنه لا يستعمل لكن إذا اضْطُرَّ- ورأى من مصلحته غسلَه فإنه يكويه.
فإن قال: إنه لبسه لئلا يدخله السوس؛ لأن الحرير إذا لم يُبرَز في أيام الصيف أيام الحر يحترق ويتمزق، وقال: إنه يلبسه لئلا يلحقه السوس. فما الجواب؟
طلبة: لا يضمن، صحيح (
…
).
الشيخ: لا، نقول: يمكن أن تُنَفِّهه تطلعه وتنشره بدون لبس.
طالب: لبس الحرير لا يجوز.
الشيخ: إذا جاز، ملك امرأة ما يجوز؟
الطالب: بلى.
طالب آخر: بارك الله فيكم، لو أنه أخرج الأمانة لغير نفْعِها -وديعة- ثم إنه بعد هذا تاب ..
الشيخ: إي بيجينا، هي المسألة اللي تلي مسألتنا هذه.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، المودِع أعطى للمودَع الخاتم، قال: احفظه في البنصر، فحفظه في الخنصر، ثم سقط وضاع.
الشيخ: ويش تقولون في هذا السؤال؟ يقول: إن صاحب الخاتم قال للمودَع: اجعله في بنصرك، ولكن المودَع جعله في الخنصر، إذا كان الخاتم ما يدخل في البنصر، ويش يُسَوِّي؟
طالب: يضعه في جيبه (
…
).
الشيخ: لا، على كل حال إذا قال له: اجعله في البنصر، يقول: اصبر يا شيخ، نجرب الآن أمامك، إن أمكن فلا بأس، وإن لم يمكن فخذ خاتمك.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، صاحب العشرة ملايين الذي طلب إيداعها في منزل المودَع تدينًا وتورعًا، ما جرت عادة الناس أنهم يودعون عشرة ملايين في البيوت.
الشيخ: ما جرت؟ ! !
الطالب: عادة الناس أنهم يودعون عشرة ملايين في البيوت؟
الشيخ: لا، ما تدري عن الناس أنت، لا، جرت العادة، لكن ما نريد أن نشرح أين يضعونها؟ ولَّا جرت العادة.
الطالب: عشرة ملايين؟ ! !
الشيخ: عشرة ملايين.
الطالب: قرش ولَّا .. ؟
الشيخ: لا، قرش ثقيل، عشرة ملايين ورق خمسين مئة.
طالب: لو أُودِعْتُ مالًا ثم احتجتُه فتصرفْتُ في جزء منه، فهل يجوز لي؟
الشيخ: بيجينا إن شاء الله، هي المسألة التي تلي هذا.
طالب: لو استعمل المودَع الثوب عرف أن المودِع يرضى بذلك، ثم تلف هل لا يضمن؟
الشيخ: هذا يرجع عادة إلى المودِع، إذا قال: أنا ما أسمح لك، مين قال: إني أسمح لك؟
طالب: شيخ، القاعدة اللي قلناها أن الفقهاء نصُّوا على أن المودِع إذا أذن للمودَع بالتصرف فإن هذا يعتبر قرضًا، على أي أساس بُني هذا يا شيخ، القرض معروف أن يأتي إنسان لآخر فيستقرض؟
الشيخ: الوديعة -بارك الله فيك- هي أن الإنسان يوكل شخصًا في حفظ ماله، هذه الوديعة، وهذا ما حفظ المال أنفقه، فإذا أذن له أن ينفقه فكأنما أقرضه إياه، بل هو إقراض حقيقي.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، أُودِع شخص سيارة، وإن السيارة إذا طالت وقوفُها تتأثر؛ لذلك أخرجها ..
الشيخ: تمشي، يمشي عليها.
الطالب: يمشي عليها ويرجعها أحيانًا، وتلفت.
الشيخ: ما هو هذا لنفعها ولَّا لا؟ هل هذا لنفعها ولَّا لا؟
الطالب: لنفعها.
الشيخ: وهل يلزم أن يُخرِجها، أو يكفي أنه يشغل السيارة؟ اللي أعرف أنه حتى إذا طالت المدة ما يحتاج يُمَشِّيها.
طالب: الكفرات (
…
).
الشيخ: الكفرات؟ ما تتأثر.
طالب: يغطيها (
…
).
الشيخ: لا ما تتأثر.
طالب: يطرحها على (
…
).
الشيخ: إلى الآن ما أعرف إلا أن تشغيل السيارة وهي واقفة يكفي؛ لأن المقصود ألا تُجَيِّمها ويحصل هذا، أليس كذلك؟ لكن يمكن سيارات إفريقيا ما أدري عنها.
طالب: إذا امتنع صاحب الوديعة عن تسلُّمِها، ما تُسَلَّم للحاكم؟
الشيخ: إي، بيجينا إن شاء الله، يمكن يأتينا في آخر الباب.
طالب: إذا كان -يا شيخ- المودَع له بيتان؛ بيت في مدينة، وبيت في مدينة أخرى يسافر إليها، فلاقاه المودِع -مالك الوديعة- وتركها عنده، فسافر بها إلى بيته في مكان آخر ووضعها في بيته.
الشيخ: أيهما أحرز؟
الطالب: كلاهما أحرز.
الشيخ: أجل، يبقى في البيت الذي ليس فيه سفر.
هذا يقول: هذه معلومة لطيفة: السنة الماضية أعلنت إحدى دول أمريكا الجنوبية أحكامًا لقطع يد السارق بعد تكاثر السرقات، وبعد شهر من الإعلان هبطت نسبة السرقة بشكل ملحوظ.
سبحان الله، الحمد لله، هذا أمر في الحقيقة بالنسبة لنا نؤمن به، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى أحكمُ الحاكمين وأرحمُ الراحمين، لا يمكن أن يوجب قطْعَ عضوٍ من عبدٍ من عبيده إلا والحكمةُ تقتضيه، وها هو الإنسان المريض نكويه بالنار من أجل مصلحته.
ولكن مع الأسف أن بعض الدول الإسلامية تنخنس وراء هذه الدعايات الباطلة، والتي يسمونها حقوق الإنسان، ثم تُلغِي هذا؛ قطْع يد السارق، قتْل القاتلِ، قتْل المفسدِ في الأرض، وما أشبه ذلك.
طالب: ذكر المؤلف يا شيخ أنه إذا غاب صاحبُ المال فليسلمها لما يسمى ثقة، لكن الشارح قدَّم الحاكم، قال: يُقدَّم الحاكم إذا انعدمت الثقة، أيهما المذهب يا شيخ؟
الشيخ: لا، المذهب اللي في الشرح، لكن ما قاله المؤلف أحسن، إذا وجد الإنسان ثقة ما تحتاج تروح للحاكم خصوصًا في وقتنا هذا، إذا ذهبت للحاكم تحتاج إلى كتابات في إدخالها وكتابات في إخراجها، وإذا كان يعني ثقة كفى.
طالب: شيخ بارك الله فيكم، وضْع المال سواء كان قرضًا أو إيداعًا فيما يتعامل بالربا من البنوك، هل هو من الأمور المباحة؟
الشيخ: إذا كانت البنوك مئة بالمئة ما تستعمل إلا الربا فلا يجوز، إلا إذا كانت وديعة حقيقية بمعنى أن دراهمي معينة بظرفها مختومًا عليها هذا لا بأس.
وأما إذا كانت لها معاملات أخرى كمقاولات ومضاربات وما أشبه ذلك، فإن ذلك مما يُشتَبه فيه ويكون شبهة، فإن دعت الحاجة إليه جاز؛ لأن ما حرم للشبهة يزول بالحاجة، وما حرم بالقطع لا يجوز إلا بالضرورة.
وهذه من مهمات طالب العلم؛ أن يعرف الفرق بين ما كان تحريمُه تحريمَ شبهة فتبيحه الحاجة، وما كان تحريمُه تحريمَ قطْع فلا يبيحه إلا الضرورة.
الطالب: شيخ، إذا كان من القسم الثاني فما حكم الزائد على المال، إن كان فيه مضاربة وفيه ربًا فأودعته ألفًا فجاء ألف ومئة؟
الشيخ: لا بأس إذا كان استعماله في المضاربة خاصة، لكن ما ندري.
طالب: شيخ بارك الله فيك، ذكرنا أن المودِع إذا أذن للمودَع بالتصرف فإنه يكون قرضًا، لكن يا شيخ أشكل عليَّ أن القرض يكون له مدة محددة، يعني أن المُقرِض لا يستطيع أن يأخذ ماله إلا بعد انتهاء هذه المدة إن طالت أو قصرت، لكن الوديعة يستطيع أن يأخذها في أي وقت.
الشيخ: من أنبأك أن القرض لا بد له من مدة؟ من أنبأك؟ قل: أنبأني الكتاب والسنة، وإلا فاسحب هذا السؤال.
الطالب: هذا حسب علمي يا شيخ، ولا أدري.
الشيخ: لا، عِلْمُنا غير معلوم هذا، المذهب عكس كلامك بالضبط، لو أجَّل القرض ما صح التأجيل، يعني لو قال: خذ هذه سلفًا إلى سنة، ما صح التأجيل، له أن يطالب بها من الغد، ومر علينا هذا من قبل ولَّا ما مر؟ مرَّ وقلنا: إن القول الراجح أنه يتأجل إذا أجَّله، أما بدون تأجيل فهو حالٌّ، متى ما شاء طالب به، انتهى الإشكال.
الطالب: القول الراجح في القرض يبقى الإشكال؟
الشيخ: ما يبقى إشكال، إذا قال: خذ هذه وديعة، وإن احتجت فتصرفْ فيها، ولكن لا أجل بيننا، ما فيه إشكال، التأجيل ليس بشرط.
***
طالب: قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الوديعة:
ومَن أُودِع دابة فركبها لغير نفْعِها، أو ثوبًا فلبسه، أو دراهمَ فأخرجها من محرز ثم ردها، أو رفَع الختْمَ ونحوَه عنها، أو خلطها بغير متميز فضاع الكل: ضمن.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إذا دفع الوديعة إلى مَن يحفظ مال ربِّها؟
طالب: إذا دفع الوديعة إلى مَن يحفظ مال ربها، ولم يأذن له ربُّها ففيها خلاف بين العلماء، قال بعضهم: إنه يضمن؛ لأنه لم يؤمر بدفعها إلى مَن يحفظ مال ربها. والقول الصحيح: أن يُرجع في ذلك إلى العرف، فإذا كان العرف متعارفًا أن تُدفع هذه الوديعة إلى مَن يحفظ مال ربها فلا يضمن، إذا كان عكس ذلك فعليه الضمان.
الشيخ: واللي مشى عليه المؤلف؟
الطالب: الذي مشى عليه المؤلف قال: إنه لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن، والراجح التفصيل؛ بين ما جرت العادة أنه يُدفع إلى مَن يحفظ مال ربها وما لم تجر العادة به.
إذا دفعها إلى من يحفظ ماله؟
طالب: ما يضمن يا شيخ.
الشيخ: ما عليه ضمان، إي نعم.
إذا كان اللي يحفظ ماله يحفظ الشيء اليسير دون الشيء الثمين؟
الطالب: يأخذها على قدْر حفظِه من المال الذي بيده (
…
) على ماله (
…
)، القليل على القليل، والكثير على الكثير.
الشيخ: يعني معناه: إذا كان يودِع مثل هذه الوديعة إذا كان يدفع مثل هذه الوديعة إلى أهله فلا ضمان عليه، وإن كان لا يدفع مثل هذه الوديعة إلى أهله فعليه الضمان؛ لأنه مفرط، نعم صح.
نبدأ الدرس الليلة:
(أو ثوبًا فلبسه): إذا أُودِع ثوبًا فلبسه فإنه يضمن، سواء تلف الثوب من أجل اللبس، أو تلف لأمر آخر ولو بعد خلعه؛ وذلك لأنه بمجرد أنْ لبس الثوب انتقلت يدُه من كونها يدًا أمينة إلى كونها يدًا غير أمينة.
وعلى هذا فلو لبس الثوب يتجمل به للجمعة، ولما رجع ردَّه إلى محرزه فعليه الضمان إذا تلف من محرزه؛ لأنه تعدَّى حيث فعل ما لم يُؤذَن له به، لا شرعًا ولا عرفًا، لا مِن صاحبِها ولا من عند الله عز وجل، فيضمن.
كذلك لو أُودِع دراهم فاستقرضها فإنه يضمن، حتى وإن احتاج فإنه يضمن؛ لأنه ليس له الحق في أن يستقرضها، أو يتصرف فيها بأي شيء، حتى لو باع أو اشترى فهو ضامن.
يقول رحمه الله: (أو دراهم فأخرجها من مَحْرَز ثم ردها)، وعُلِم من قوله:(من محرز) أنه لو لم يخرجها من المحرز لكن غَيَّر مكانها، مثل أن تكون في الرفِّ الأعلى من الصندوق، فجعلها في الرف الذي تحته، أو كانت في الرفِّ الأدنى فجعلها في الرفِّ الذي فوقه والصندوق واحد، فهنا لا شك أنه غيَّر مكانها، ولكن لم يخرجها من المحرز فلا ضمان عليه.
وقوله: (ثم ردها) يعني: فيضمن ولو أُخذت من الحرز، لكن لو رأى المصلحة في شراء سلعة، فأخرج الوديعة فاشترى السلعة لصاحبها -لصاحب الوديعة- من أجل ما يرجوه من الكسب فإنه يضمن؛ لأنه غير مأذون له بذلك، اللهم إلا إذا كان قد قال له صاحبُها: إن رأيت مصلحة في بيع أو شراء أو غير ذلك فتصرفْ. فيكون حينئذ غير ضامن.
(أو رفع الخَتْم ونحوَه فإنه يضمن): إذا رفع الختم فإنه يضمن حتى لو أعاد الختم مرة أخرى، والختْمُ ما جرت به العادة فيما سبق أنهم يضعون الدراهم في كيس، ثم يعقدونها بالخيوط، ثم يضربون على طرف الخيط يضربون شمعًا يُذاب في النار، ويُصَبُّ على طرف الخيط، ثم يُختَم عليه بالخاتم؛ لأجل ألا يعبث بها أحد.
فهذا إنسان رفع الختم ولكنه لم يَحُلَّها، فإنه يضمن، لماذا؟ لأن الختم لا شك أنه أقوى مما لو كانت خالية منه، فإذا رفعه فقد أخلَّ بحرزِها فيكون ضامنًا.
وقوله: (أو نحوه) كالقفل مثلًا، لو أنه رفع قفل الصندوق -ولو أعاده- فعليه الضمان، إلا إذا كان الصندوق ليس خاصًّا بالوديعة، مثل أن يكون هذا الصندوق فيه دراهم له، أو لغيره وليست دراهم المودِع، ثم صار يفتح هذا الصندوق ليخرج النفقة منه لنفسه، فإنه لا ضمان عليه؛ لأنه لم يتعدَّ ولم يفرط.
(أو خلطها بغير متميز فضاع الكلُّ: ضمِن):
(خلطها بغير متميز): مثل أن يُودَع برًّا فيخلطه ببر، فهنا خلط الوديعة بشيء غير متميز؛ لأن حَبَّ البُرِّ أيش هو؟ واحد لا يختلف، فلو خلطها بغير متميز ثم (ضاع الكل) يعني: ضاع ما كان عنده أول وما خلطه به فإنه يضمن.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله: (فضاع الكل) فيما إذا أُودِع دراهم فأخرجها من محرز، أو رفَع الختم، أو خلطها بغير متميز، أي أنه راجع للمسائل الثلاثة.
وعُلِمَ من قوله: (خلطها بغير متميز) أنه لو خلطها بمتميز فلا بأس، لكن بشرط أن تكون بحرز مثلها، ولكن ينبغي أن يقال: في هذا تفصيل:
إن خلطها بغير متميز يسهلُ أخْذُها منه فلا بأس، ولا يقال: إن الرجل فرط أو تعدى، مثل أن يخلط حُلِيًّا بدنانير في صندوق مُحْرَز، فهنا خلطها بمتميز أو بغيره؟ بمتميز، بمتميز يسهل تخليصُه.
وأما لو خلط شعيرًا ببُر فهذا وإن كان متميزًا ويقال للمودَع: يجب عليك أن تُخَلِّص الوديعة من خليطها لكان فيه صعوبة، فربما يأبَى أن يخلص ذلك، ويتعب، ويحصل بذلك ضرر على الطرفين.
وعليه فينبغي أن يُقيَّد قولُه: (بغير متميز فضاع الكل) أن يُقيَّد المفهوم، وهو ما إذا خلطها بمتميز بماذا؟ بأن يكون يسهُل تخليصُه من خليطه، وإلا فيكون ضامنًا.
ثم قال المؤلف رحمه الله:
(فصْل: ويُقبل قولُ المودَع في ردِّها إلى ربِّها أو غيرِه بإذنه وتلفها وعدم التفريط)
هذه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: إذا ادَّعى المودَع أنه دفع الوديعة إلى ربِّها، بأن يكون شخص أودَع إنسانًا دراهم، ثم بعد حينٍ جاء يطلبه بها، فقال: إني ردَدْتُها إليك. فالقول قول مَن؟ المودَع؛ لقول الله تبارك وتعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]. والمودَع محسن لا شك، وإذا لم يكن عليه سبيل، فإن صاحبها إذا ادَّعى أنه لم يردَّها فالقول قوله؛ لأننا لو قَبِلْنا قولَ صاحبها لكان على المحسن سبيل، هذا وجه.
وجه آخر: أن نقول للمودِع: أنت الآن ائتمنت الرجل على الوديعة، فيجب أن يكون أمينًا في دفْعِها إليك، كما جعلْتَه أمينًا في حفظها، وهذا قياس بَيِّن، فيكون في هذا دليل من السمع، ودليل من القياس. السمع؟
طالب: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} .
الشيخ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} . والقياس؟
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، إذا ائتمنته عليها في حفظها فيجب أن يكون أمينًا عندك في ردها.
لكن يقول: (إلى ربها) بأن يقول: رددتها عليك، (أو إلى غيرِه) أي: غيرِ ربِّها (بإذنه)، وهنا إذا ادَّعى ردَّها إلى غيره، وقال: إني ردَدْتُها، لكنني لم استأذنك. فهو ضامن؛ لأنه لم يوكله بدفْعِها إليه.
(فصلٌ)
ويُقبلُ قولُ الْمُودَعِ في رَدِّها إلى ربِّها أو غيرِه بإذنِه وتَلَفِها وعدَمِ التفريطِ، فإن قالَ: لم تُودِعْنِي. ثم ثَبَتَتْ ببَيِّنَةٍ أو إقرارٍ ، ثم ادَّعَى ردًّا أو تَلَفًا سابِقَيْن لِجُحودِه لم يُقْبَلَا ولو بِبَيِّنَةٍ، بل في قولِه: ما لك عندي شيءٌ. ونحوَه، أو بعدَه بها، وإن ادَّعَى وارِثُه الردَّ منه أو من مُوَرِّثِه لم يُقْبَلْ إلا بِبَيِّنَةٍ ، وإن طَلَبَ أحدُ الْمُودِعِينَ نصيبَه من مَكيلٍ أو مَوزونٍ يَنقسِمُ أَخَذَه، وللمُستودِعِ والْمُضارِبِ والْمُرْتَهِنِ والمستأْجِرِ مُطالبةُ غاصبِ العينِ.
(باب إحياء الموات)
وهي الأرضُ الْمُنْفَكَّةُ عن الاختصاصاتِ ومِلْكٍ مَعصومٌ، فمَن أَحياها مَلَكَها مِن مُسلِمٍ وكافرٍ بإذنِ الإمامِ وعَدَمِه في دارِ الإسلامِ وغيرِها
من القياس.
طالب: ما جعل الله.
الشيخ: وما جعل عليكم.
طالب: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
الشيخ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} .
طيب، والقياس؟
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، ائتمنته عليها في حفظها، فيجب أن يكون أمينُا عندك في ردها، تمام.
طيب، لكن يقول:(إلى ربها) بأن يقول: رددتها عليك، (أو إلى غيره) أي: غير ربها بإذنه، وهنا إذا ادعى ردها إلى غيره وقال: إني ردتها لكنني لم أستأذنك فهو ضامن؛ لأنه لم يوكله بدفعها إليه.
فإذا قال: دفعتها إليه بإذنك، أنت الذي قلت لي: يا فلان أعطِ الوديعة التي عندك إلى فلان، فأنكر صاحبها الإذن وقال: إني لم آذن لك، فهنا يُقَال: إن الرجل أمين عندك وهو محسن، وقد قال الله تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} ، ولا يمكن أن يدعي أنك أذنت له وأنت لم تأذن، والنسيان وارد على من؟
طالب: على صاحبها.
الشيخ: على كل أحد، ومنهم صاحب الوديعة، وعليه فيكون إذا ادعى ردها إلى ربها قُبِل، إذا ادعى ردها إلى غيره بغير إذنه فهو ضامن، إذا ادعى ردها إلى غير صاحبها بإذنه فهو غير ضامن؛ لأنه أمين، وقد قال الله تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
قال: ويُقْبَل قوله أيضًا (في تلفها) وهذه المسألة الثانية: يُقْبَل قول المودع في تلفها؛ إذا قال: واللهِ الوديعة تلفت، فقال: لم تتلف، فقال: إنها تلفت، فالقول قول المودَع.
لكن لو ادعاه -أي: ادعى التلف- بأمر ظاهر كالحريق؛ بأن قال: احترق الدكان وهي في الدكان، فهنا لا يُقْبَل قوله إلا إذا أثبت أنه احترق الدكان؛ لأن هذا أمر ظاهر لا يخفى على أحد، فإذا أثبت أنه احترق وقال صاحبها: نعم، الدكان احترق وليس عندي فيه شك، لكن أنا لا أقر بأن الوديعة تلفت بهذا الاحتراق، هل يقبل أو لا يقبل؟
طالب: لا يقبل.
الشيخ: لا يقبل؛ يعني: صاحبها لا يقبل قول المودع أنها تلفت بهذا الاحتراق.
الثالث قال: (وعدم التفريط) بأن قال صاحبها: أنت فرطت ولم تحفظها في حرز مثلها، وقال: لم أفرط، فالقول قول المودع؛ لأنه مؤتمن، فإن أقر الجميع بالسبب لكن صاحبها ادعى أنه تفريط وهو يقول: ليس بتفريط، فنرجع إلى العرف؛ إذا قال الناس: نعم، الرجل الذي حفظها بهذا المكان غير مفرط فيرجع في ذلك إلى العرف.
طالب: أحسن الله إليك، في مسألة خلط المودع (
…
) تصرف؟
الشيخ: كيف؟
طالب: (
…
) المسألة السابعة قلنا: أي تصرف من المودع في وديعة تصرف لم يأذن به المودع، فنضمنه بذلك.
الشيخ: لا، ما قلنا هكذا، قلنا: أي تصرف لم يأذن به المودع وهو مما يخالف الحرز وهذا للمخالف.
طالب: طيب، شيخ (
…
) بغير متميز فإن هذا أن يضر (
…
) بالوديعة؟
الشيخ: إذا قال أهل الخبرة: إنه يضر صار ضامنًا.
طالب: أحسن الله إليك، أخرج الوديعة من الصندوق بقصد تغيير الصندوق أو تنظيفه فنسيها أو تلفت.
الشيخ: إذا كان لمصلحة الوديعة فلا يضمن، وإلا فهو ضامن، ومن مصلحة الوديعة -مثلًا- أن تأكل الأرضة التي هي دابة الأرض تأكل ما يلي الأرض من الصندوق فغيره، هذا لا شك أنه من مصلحتها، كالثوب إذا خاف أن يفسد بالحر وأخرجه ليخرج إلى الهواء حتى لا يفسد، فهذا من مصلحته.
***
طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب الوديعة: ويُقْبَل قول المودع في ردها إلى ربها أو غيره بإذنه وتلفِها وعدمِ التفريط، فإن قال: لم تودعني، ثم ثبتت ببينة أو إقرار، ثم ادعى ردًّا أو تلفًا سابقين لجحوده، لم يُقْبَلا ولو ببينة، بل في قوله: ما لك عندي شيء ونحوه، أو بعده بها.
وإن ادعى وارثه الرد منه أو من مورثه لم يُقْبَل إلا ببينة.
وإن طلب أحد المودعين نصيبه من مكيل أو موزون ينقسم أخذه، وللمستودع والمضارب والمرتهن والمستأجر مطالبة غاصب العين.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه في مسائل الاختلافات في الوديعة، والاختلافات كلها في الواقع كل ما ذكر العلماء من الاختلافات ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في كلمتين فقال:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (1)، فجميع ما ذكره المؤلفون رحمهم الله في الاختلافات ومن يُقْبَل قوله ومن لا يُقْبَل، كله يعود إلى هذا الحديث، لكن لا بأس بالتفصيل.
يقول: (يُقْبَل قول المودع في ردها إلى ربها أو غيره بإذنه وتلفِها وعدمِ التفريط) سبق الكلام على بعض هذه الجملة، أليس كذلك؟
وقوله: (وعدم التفريط) أيضًا يُقْبَل قول المودع في عدم التفريط؛ يعني: إذا ادعى المودِع على المودَع أنه مفرط، وقال المودَع: لم أفرط، فإن أبهم التفريط أو ما ادُّعِيَ أنه تفريط فيُقْبَل قول المودَع؛ لأنه محسن، وإن لم يبهم بأن عين فيُعْرَض على أهل الخبرة؛ فإذا قالوا: إنه تفريط فهو تفريط، وإذا قال: إنه غير تفريط فإنه ليس بتفريط.
هذا التفصيل هو القول الراجح، وإن كان ظاهر كلام المؤلف أن قول المودَع مقبول في عدم التفريط مطلقًا، ولكن هذا فيه نظر.
فإذا قال قائل: إذا قُدِّر أنه عين العمل الذي اختلف فيه المودِع والمودَع هل هو تفريط أو لا؟ وقال المودَع: هذا في نظري أنه غير تفريط، فيقال: كون أهل الخبرة يقولون: إنه تفريط وأنت تعتقد أنه ليس بتفريط يدل على أنك غير فاهم، والمعاملات بين الخلق لا يُعْذَر فيها بالجهل، فكان الواجب عليك أن تسأل أولًا: هل هذا تفريط أو ليس بتفريط؟
ولنضرب لهذا مثلًا: في ليلة شاتية أبقى المودع الشاة في العراء ظنًّا منه أن الشاة تقاوم، ولكن أهل الخبرة قالوا: إنها لا يمكن أنت تقاوم في هذا البرد الشديد والصقيع الشديد؛ لأنها -أي: هذه الشاة- ليست مما عاش في بلاد ثلجية، وهو سمع أن الإسكيمو يعيشون والثلج يتقاطر عليهم فقال: هذه الشاة في هذا المكان لو نزل عليها الثلج فإنها ستبقى حية، فعدَّ نفسَه غير مفرط، لكن أهل الخبرة قالوا: هذا تفريط، فحينئذٍ يُؤْخَذ بقول من؟
طلبة: أهل الخبرة.
الشيخ: نعم، بقول أهل الخبرة، قالوا: إنه تفريط، فيُقْبَل قول المودِع أو المودَع؟
طلبة: المودِع.
الشيخ: المودِع -بالكسر- يُقْبَل قول المودِع.
فإن قال: لم تودعني، إن قال مَنْ؟
طلبة: المودَع.
الشيخ: المودَع قال للمودِع: لم تودعني؛ يعني: أنكر الوديعة قال: أبدًا، لم تودعني، (ثم ثبتت ببينة) يعني: ثبت أنه أودعه، والبينة هنا؛ إما رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي؛ لأن المال وما يُقْصَد به المال هذه بينته.
طالب: (
…
).
الشيخ: رجلان أو رجل وامرأتان في القرآن {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282]، رجل ويمين المدعي ثبت ذلك بالسنة؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالشاهد مع اليمين (2). المهم أن المودَع أنكر قال: لم تودعني، وثبت أنه أودعه.
(أو إقرار) كيف إقرار؟ يعني: بعد أن أنكر -هداه الله- وأقر ندم، أو كان أنكر ناسيًا للوديعة ثم تذكر، أو كان ناسيًا لها ثم وجدها في بيته، المهم أنه بعد أن أنكر أقر.
ثم بعد ذلك (ادعى ردًّا أو تلفًا سابقين لجحوده لم يُقْبَلا ولو ببينة).
مثال ذلك: جحد يوم الخميس، وأقيمت الدعوى عليه يوم الجمعة، وثبتت الوديعة، وهو ادعى أنها تلفت يوم الأربعاء قبل جحدها، هو الآن جحد متى؟ يوم الخميس، وأقيمت الدعوى يوم الجمعة، ثم ادعى أنها تلفت يوم الأربعاء، فهنا لا تُقْبَل دعواه التلف، لماذا؟ لأنه يوم الخميس أنكر الوديعة، فيكون دعواه أنها تلفت يوم الأربعاء تُكَذِّب قوله؛ إذ يلزم التناقض.
الرجل أنكر الوديعة يوم الخميس، وأقيمت الدعوى عليه يوم الجمعة وثبتت عليه ببينة، ثم قال: إنها تلفت يوم الأربعاء، فهنا لا يُقْبَل قوله، لماذا لا يُقْبَل؟ لأن هو نفسه الآن كَذَّب نفسه؛ هو أنكر يوم الخميس قال: أبدًا، ما عندي وديعة، ولما ثبتت قال: هذه تلفت يوم الأربعاء، طيب كيف تلفت يوم الأربعاء وأنت يوم الخميس تقول: ما عندي لك وديعة؟ ! أفهمتم الآن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب، دعواه التلف لا يُقْبَل، دعواه الرد لا يُقْبَل؛ لأنه بإنكاره صار أمينًا أو خائنًا؟
طلبة: خائنًا.
الشيخ: صار خائنًا فلا يُقْبَل قوله؛ لا في الرد ولا في التلف، يلزمه الضمان.
لو أقام بينة على أنها تلفت يوم الأربعاء، أقام بينة شهود، قال: نشهد أن الوديعة الفلانية أنها تلفت يوم الأربعاء، هل يُقْبَل أو لا يُقْبَل؟
طلبة: لا يُقْبَل.
طلبة آخرون: يُقْبَل.
الشيخ: إي، لا، ما يُقبل.
استمع يقول: (لم يُقبلا ولو ببينة) يعني: (لم يُقبلا) أي: الرد والتلف، (ولو ببينة) حتى لو جاء بشهود قالوا: نشهد أن وديعة فلان تلفت يوم الأربعاء فإنها لا تُقبل؛ لأنه نفسه هو مكذِّب للبينة؛ لأنه لما قال يوم الخميس: أبدًا، ما أودعتني، ما صار وديعة، فيكون مكذِّبًا للبينة.
وأشار المؤلف رحمه الله بقوله: (ولو ببينة) إلى خلاف في هذا؛ فإن بعض أهل العلم قال: إذا ثبت ببينة أنها تلفت، فيكون إنكاره كذبًا وتصدق البينة، المذهب يقولون: تبين كذب البينة بقوله هو؛ يعني: هو أقر ضمنًا أن البينة كاذبة.
لكن بعض العلماء يقول: إذا قامت البينة فليعمل بها؛ لأنه تبين أنه هو أيش؟
طلبة: كاذب.
الشيخ: هو الكاذب، لكن في هذه الحال ينبغي للقاضي أن يُحكم عليه بالتعزير؛ لكذبه وخيانته، وإتعابه المودع بإقامة الدعوى، وإشغال القاضي، وإشغال الشهود، فهو مستحق للتعزير من عدة أوجه، ولئلا يتلاعب أحد غيره؛ إذا قيل: ليس عليك إلا ضمان الوديعة لا يهمه، لكن إذا أُدِّب صار ردعًا له.
ثم قال المؤلف: (بل في قوله: ما لك عندي شيء ونحوه) انتبه لتحرير العبارة، الرجل في يوم الخميس قيل له: إن عندك وديعة، قال: أبدًا، ما لك عندي شيء، وثبت بالبينة أن عنده وديعة، ثم ادعى التلف يوم الأربعاء؛ يعني: قبل الإنكار، وأقام بينة بذلك، فهل تُقبل أو لا تُقبل؟ تُقبل، سواء ببينة أو بغير بينة؛ لأن الرجل قال:(ما لك عندي شيء).
ومعلوم أن الوديعة إذا تلفت بلا تعدٍّ ولا تفريط لم يثبت على المودع شيء، فيكون في قوله: ما لك عندي شيء صادقًا، بخلاف ما لو قال: لم تودعني، والفرق ظاهر؛ إذا قال: لم تودعني فقد أنكر أصل الوديعة، أما إذا قال: ما لك عندي شيء فإن قوله مقبول حتى لو ثبتت ببينة فقوله مقبول، لماذا يا إخوان؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: لأنه لا يتنافى قوله وثبوت الوديعة، هو يقول: نعم، أنا قلت: ما لك عندي شيء؛ لأني لا فرطت ولا اعتديت، وإذا تلفت الوديعة بدون تعدٍّ ولا تفريط فليس علي شيء، أفهمتم؟
طلبة: نعم.
الشيخ: (أو بعده بها) يعني: أو ادعى التلف، (بعده) بعد الجحد، (بها) أي: بالبينة فإنه يُقبل إذا ادعى التلف بعد الجحد؛ لأن الذي لا يُقبل ولا ببينة إذا ادعى التلف قبل الجحد لتناقض الدعوى وقت التلف، لكن إذا ادعى بعده فهنا يُقبل ببينة، لماذا لا يُقبل مطلقًا؟ لأنه مودع، لأنه بجحوده زال عنه وصف الأمانة، فلا يُقبل قوله في التلف ولا في الرد إلا ببينة، واضح؟
طالب: ليس بواضح.
الشيخ: هذا الرجل طُلِبت منه الوديعة، فقال للمودع: لم تودعني؛ أنكر، فأقام المودع بينة أنه أودعه، وكان إنكاره يوم الخميس، فادعى أنها تلفت يوم الجمعة، هل يُقبل قوله أو لا يُقبل؟ ببينة يُقبل، بغير بينة لا يُقبل، كونه يُقبل ببينة؛ لأنه أقام بينة، وهو وإن كان خائنا إذا أقام بينة قُبِل، لكن إذا لم يُقم بينة فإنه لا يُقبل.
فإن قيل: ألستم تقولون: إن المودَع يُقبل قوله في الرد؟
فالجواب: بلى، نقول بهذا، لكننا نقول: يُقبل قوله في الرد ما دام أمينًا، أما وقد خان بإنكار الوديعة فإنه لا يُقبل قوله إلا ببينة.
والحاصل أنه إذا أنكر الوديعة ثم ثبتت عليه الوديعة ببينة؛ لأنه لا بد من بينة؛ يعني: لو أنكر الوديعة وليس عند المودِع المدعي ليس عنده بينة، ما يستطيع أن يلزمه بها، لكن ثبتت الوديعة عليه ببينة، ثم ادعى ردًّا أو تلفًا؛ فإن كان الرد والتلف اللذان ادعاهما سابقين على جحوده فلا قبول له مطلقًا؛ لا ببينة ولا بغير بينة، وإن كان بعده؛ إن ادعى الرد والتلف بعده قُبِل ببينة، وبغير بينة لا يُقبل، هذا إذا أنكر.
أما إذا قال: ما لك عندي شيء فهو مقبول على كل حال؛ وذلك لأن قوله: ما لك عندي شيء لا ينافي ثبوت الوديعة، لماذا؟ لأنها إذا تلفت بغير تعدٍّ ولا تفريط فقد صدق، ليس له شيء؛ ليس لمدعي الإيداع شيء؛ لأنه يقول: نعم، أنت أودعتني وصادق، لكن تلفت، ولما تلفت لم يبقَ لك عندي شيء، فيكون هنا إقراره بالوديعة أو ثبوتها بالبينة لا ينافي قوله: ما لك عندي شيء، فيُقبل.
قال: (وإن ادعى وارثه الرد منه أو من مورثه لم يُقْبل إلا ببينة)(ادعى وارثه) أي: وارث المودَع.
(الرد منه أو من مورثه) أي: بأن قال وارث المودَع: إننا رددناها عليك، (لم يُقبل) لماذا؟ لأن الوارث ليس هو المودَع حتى يُقبل قوله في الرد، أو ادعى وارث المودع أن مورثه ردها، مَنْ مورِّثه؟ مورثه المودَع، لما جاء صاحب الوديعة يطلبها بعد أن مات المودَع قال الورثة: إن مورثنا قد ردها عليك، فلا يُقبل قول الوارث؛ لأنه غير مؤتمن من قِبَل ربها؛ لأن ربها لم يودعها الوارث، إنما أودعها مَنْ؟ المورث، وحينئذٍ نقول للورثة: إن كان عندكم بينة أنكم رددتموها إلى صاحبها قبلناها، وإلا فعليكم الضمان.
لو ادَّعى الورثة قالوا: إن المورث لم يترك شيئًا، ما وجدنا عنده شيئًا؛ لا وديعتكم ولا غيرها، فيلزم المودِع حينئذٍ أن يثبت ببينة أن المورث تركها؛ وذلك لأن المورث قد يكون تصرف فيها وأنفقها، أو ردها وهم لا يعلمون، أو ما أشبه ذلك، واضح هذا ولَّا ما هو بواضح، واضح؟
طلبة: نعم.
الشيخ: الضمير في (وارثه) يعود على من؟
طلبة: المودَع.
الشيخ: المودَع، (الرد) على من؟
طلبة: المودِع.
الشيخ: المودِع، (منه) الضمير يعود على من؟ على الوارث.
(أو مِنْ مورثه) مَنْ مورثه؟ المودَع؛ يعني: أن الوارث قال لصاحب الوديعة: إنا قد رددناها عليك، هذا قوله منه أو من مورثه؟ قال: إن مورثنا ردها عليك لم يُقبل إلا ببينة.
(لم يُقبل إلا ببينة) لماذا؟ علل؟ لأن المودِع لم يأتمن الوارث، والوارث الآن مقرٌّ بالوديعة ما أنكر الوديعة، نعم فيه وديعة لكن مورثنا ردها عليك، أو قالوا: نحن رددناها عليك بعد موته، قال: أبدًا، فإنه في هذه الحال لا تُقبل دعوى الرد من الوارث أو من المورِّث إلا ببينة.
فإن قال قائل: إذا ترك الميت وديعة، هل يجب على الورثة أن يبلغوا صاحبها أو يردوها إليه فورًا؟
الجواب: نعم، يجب على الورثة إذا خلف المورث وديعة أن يبلغوا صاحبها فورًا أو يردوها عليه فورًا، لماذا؟
طالب: لأن المودِع (
…
) الورثة (
…
).
الشيخ: لأن المودِع -ما هو بالمودَع- لأن المودِع لم يأتمن الورثة عليها، والورثة وجدوا مالًا لغيرهم غير مؤتمنين عليه، فيجب عليهم أن يبلغوه أو يردوها.
(وإن طلب أحد المودِعَيْن) ويجوز المودِعِينَ ونظيره في الحديث: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بَحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِِبَيْنِ -أو- الْكَاذِبِينَ» (3)، هنا يجوز الجمع ويجوز التثنية.
(وإن طلب أحد المودِعَيْن نصيبَه من مكيل أو موزون ينقسمُ أَخَذَه) يعني: فيه مكيل -ولنقل: مئة صاع- مشتركة بين اثنين، أودعاها إلى زيدٍ، بعد مدة جاء أحدهما وقال: إنا أودعناك مئة صاع برٍّ، وأنا أريد نصيبي منه، وهو يعلم أن نصيبه النصف، أو الثلث، أو الربع، فهل يلزمه أن يدفعه له؟ يقول المؤلف: يلزمه؛ يُعْطَى إياها، ويبقى نصيب الآخر، المثال الآن لا يزال في أذهانكم؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ما هو؟ مئة صاع برٍّ في كيس أودعها اثنان عند رجل، ثم جاء أحدهما بعد حين وقال: أعطني نصيبي منها، يلزمه أن يعطيه نصيبه؛ لأنه هنا ما فيه ضرر، وقد اتفق الطرفان على أن مئة الصاع هذه بينهما نصفين، فيعطيه نصفه، عللوا هذا بأنه ليس على شريكه الغائب الذي لم يطالب ضرر.
وقيل: لا يلزمه ما داما قد أودعاه إياها جميعًا فإنه لا يلزمه أن يسلم للشريك؛ لاحتمال أن هذا الشريك الذي طلب نصيبه قد باعه على شريكه، فيه احتمال.
وأيضًا ربما إذا أُخِذ نصيبه كاملًا ينقص نصيب الآخر؛ لأن الشيء إذا كيل ورُدَّد فإنه ينقص؛ ولهذا يقولون: كل شيء رددته فإنه ينقص إلا الكلام، صحيح هذا؟ كل شيء يتردد ينقص، املأ فنجالًا من الماء، ثم صبه في الفنجال الثاني، ثم في الثالث، والرابع، والخامس، تجده ينقص بلا شك، وكذلك أيضًا المكيل؛ مثلًا إذا قدرنا هذا الكيس مئة صاع وكِلْنا منه خمسين صاع وافية فإن ذلك يؤدي إلى نقص خمسين الصاع الباقية.
والصحيح أنه لا يلزمه تسليمه، وأنه يُقال له: أحضر صاحبك، أو هاتِ منه موافقة، وإلا فلا.
وقوله: (أو موزون ينقسم) مثله أيضًا الموزون اللي ينقسم، كما لو كان بينهما جراب من عسل أحضراه إليه وقالا له: هذا وديعة، ثم بعد حين جاء أحدهما وقال: أعطني نصيبي، فعلى كلام المؤلف يُعْطى؛ يلزمه إعطاؤه، والصحيح ألَّا يلزمه إلا بموافقة صاحبه؛ لما ذكرنا من الاحتمالات.
وقوله: (ينقسم) احترازًا مما لا يمكن أن ينقسم، كما لو كان مخلوطًا فإنه لا يلزمه؛ لئلا يضر الآخر، أو كان لا تمكن قسمته لكونه متلبدًا لا يمكن قسمته بوزن ولا بكيل، ففي هذه الحال لا يلزم المودع أن يسلمه نصيبه؛ لما في ذلك من الضرر على شريكه، لكن على ما اخترناه لا يلزمه مطلقًا أن يسلم نصيب الشريك إليه حتى يأتي بإذن من صاحبه.
قال: (وللمستودع) ما المراد بالمستودع؟ المستودع يعني: المودع.
(والمضارِب) وهو من أُعْطِي المال مضاربة؛ بأن قيل له: خذ هذه عشرة آلاف ريال مضاربة؛ يعني: اتجر بها ولك نصف الربح، هذه مضاربة، وسميت مضاربة؛ لما سبق من كون التجار غالبًا يضربون في الأرض؛ يسافرون فيها، قال الله تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20].
(والمرتهِن) وهو مالك الرهن أو من بيده الرهن؟
طلبة: من بيده الرهن.
الشيخ: نعم، من بيده الرهن؛ لأن مالك الرهن يسمى راهنًا، المرتهن الذي بيده الرهن.
(والمستأجِر) الذي بيده العين المستأجرة.
كل هؤلاء أربعة لهم (مطالبة غاصب العين) يعني: لو غصبت الوديعة، يعني نبدأ الآن بالمستودع وهو المودع، غُصِبَت الوديعة، هل للمودع أن يطالب غاصب العين؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم.
ثانيًا: المضارب بيده تجارة غُصِبَت؛ أخذها إنسان قهرًا، هل له أن يطالب؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم.
المرتهن أيضًا بيده الرهن فغُصِب، هل له أن يطالب؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم.
المستأجر؛ مستأجر سيارة لمدة يومين أو ثلاثة، فجاء شخص فغصبها، فهل له أن يطالب؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، له أن يطالب.
فلو قال الغاصب: أنت لست بمالك؟ فجوابه أن يقال: لكنه نائب عن المالك.
بقي أن يقال: اللام في قول المؤلف: (للمستودع) هل هي للإباحة أو لرفع المنع؟ وإذا قلنا: لرفع المنع يترتب عليه أنه يلزمه أن يطالب، الأول ولَّا الثاني؟
طالب: الأول.
طالب آخر: الثاني.
الشيخ: طيب، اللام لرفع المنع وليست للإباحة، لو قلنا: إنها للإباحة لكان المستودع مُخَيَّرًا بين أن يطالبه وألَّا يطالبه، فإذا قلنا: لرفع المنع؛ بمعنى أنه لا يُمْنَع المستودَع من مطالبة الغاصب -وكذلك ما عُطِف عليه- صار ذلك لا ينافي أن نقول: يجب عليه أن يطالب، وهو كذلك، يجب على المستودَع أن يطالب بنفسه أو يبلغ فورًا مالك الوديعة، أما أن يسكت ويرى الغاصب يأخذها ويمشي هذا لا يجوز؛ لأن ذلك خلاف الأمانة، انتبه، فصارت اللام في قولنا:(للمستودع) وما عُطِفَ عليه لرفع المنع وليست للإباحة؛ لأننا لو قلنا: إنها للإباحة لكان المستودع وما عُطِف عليه مخيرًا بين المطالبة وعدم المطالبة، وليس كذلك، بل يجب بمقتضى الأمانة أن يطالب أو يبلغ فورًا المالك.
وهذه اللام تأتي في كلام الفقهاء لمثل هذا؛ مثلًا عبَّر بعض العلماء في فسخ المفرد والقارن إذا لم يسوقا الهدي إلى عمرة فقالوا: وللمفرد والقارن أن يفسخا نيتهما إلى عمرة ليصيرا متمتعين، تُفْهَم من هذه العبارة أن اللام للإباحة، وليست كذلك؛ لأن الذين عبروا بهذا التعبير قالوا: يُسَن، فتكون اللام هنا لرفع المنع ودفعِ القول بعدم الجواز، وهذا لا ينافي أن يقال: إن فسخ الحج أو الحج والعمرة إلى تمتع مباح إباحة مستوية الطرفين، بل تحويل الحج إلى عمرة ليصير الإنسان متمتعًا سنة مؤكدة؛ إما وجوبًا، وإما تأكيدًا؛ يعني لها الوجوب، والصحيح أنها ليست واجبة؛ أن فسخ الحج إلى العمرة ليس بواجب لكنه مؤكد. ولا ينافي القول بالاستحباب أن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب على الصحابة لما تأخروا في التنفيذ (4)؛ لأن المخاطبة في المقابلة أشد من المخاطبة في الإبلاغ، ولو أن الصحابة امتنعوا في ذلك الوقت لفات بهذا تشريع هذه السنة؛ لأنه إذا امتنع منها الصحابة فمن بعدهم من باب أولى؛ ولهذا كان أحسن الأقوال، وأصح الأقوال، وأقربها للصواب في هذا أن الفسخ واجب على الصحابة، ومن أجل ذلك غضب الرسول عليهم لما تباطؤوا في الفسخ، وأما من بعدهم فإنه سنة، وليس هذا من تقديم قول أبي بكر وعمر؛ لأن أبا بكر وعمر لا يريان ذلك، بل يريان أن يحج الإنسان حجًّا مفردًا ويأتي بالعمرة في وقت آخر، لكن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أولى، فيقال: للإنسان أن يتمتع حتى في سفر حجه، إلا أن الفسخ ليس بواجب على غير الصحابة رضي الله عنهم.
ولهذا لما سئل أبو ذر: ألكم هذه خاصة أم للناس عامة؟ قال: بل لنا خاصة (5)، ومراده بنفي العموم، مراده أيش؟ نفي الوجوب؛ يعني: يُحْمَل كلام أبي ذر رضي الله عنه على نفي الوجوب، وإلا فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سأله سراقة بن مالك بن جعشم وقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ قال:«بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ» وشبك بين أصابعه (6)، وقال:«دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (7).
طالب: (
…
) الوديعة من أجل المودع إلا (
…
)؟
الشيخ: لا، ما ينافيها؛ لأن الأجير ما قَبِلَ الأجر وقال: خذه عندك وديعة، بل رفضه، ولما رفضه لم يدخل في ملكه. ما أنت بتريد الأجير؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: طيب، الأجير لما أعطاه الرجل الأجرة أبى أن يأخذها، هل دخلت ملكه؟ ما دخلت، إذن هذا أبقاها عنده لكنه لقوة أمانته صار يبيع ويشتري بها حتى نمت.
فيه جواب آخر؛ وهو أن الرجل لم يتصرف في الوديعة لنفسه وإنما تصرف فيها لمصلحة صاحبها، فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- قوله: (ثم ادعى ردًّا أو تلفًا سابقين لجحوده لم يُقبلا ولو ببينة)، ثم قال:(أو بعده بها) يعني: بعد الجحود بالبينة، كأن المسألة الأولى أولى بالقبول من الثانية؟
الشيخ: لا؛ لأن نفيه الجحد ثم إثباته أن التلف حصل قبل ينافي ذلك، أما الثاني فهو أقر؛ أقر بأنه جحد، ثم بعد ذلك ثبت أنه مودع، ثم قال: نعم، أنت أودعتني لكن حصل التلف بعد هذا بيوم، فيكون الآن جحده الأول، ثم ثبوتها بعد ذلك قد يكون هذا بعدما جحد أودع من جديد، ثم ادعى الرد وثبت ذاك ببينة.
طالب: الأول أولى يا شيخ.
الشيخ: لا، ما هو بأولى، ما تصورت الآن.
الصورة: ادعى التلف أنه صار يوم الأربعاء، أليس كذلك؟ هو متى جحد؟ الخميس، والدعوى أقيمت الجمعة، الآن كونه يوم الخميس يقول: ما أودعتني، ثم يقيم بينة أنها تلفت يوم الأربعاء، ويش يدل عليه؟ أنه كاذب ولَّا غير كاذب؟
طلبة: كاذب.
الشيخ: كاذب، واضحة، لكن جحد يوم الأربعاء وأقيمت الدعوى يوم الجمعة وادعى أنها تلفت يوم الخميس، يمكن هذا ولَّا ما يمكن؟
طلبة: يمكن.
الشيخ: يمكن.
طالب: الإمكان في الحالين يا شيخ؟
الشيخ: لا، في الحالين ما يمكن؛ لأن الحال الأولى يقول: تلفت قبل أن يجحد، كيف تجحد وأنت (
…
) عليه؟
طالب: إذا قال المودع: ما لك عندي شيء ناويًا بهذا أن (ما) موصولة ..
الشيخ: ما يقبل هذا التأويل في الخصومة على حسب ما ادعاه المدعي؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ» (8)، يكون بمعنى الجحد، لكن إذا قال: الذي لك عندي شيء، ما هو بمعنى الجحد في الواقع، غلط إذا قال هذا فقد أقر بالوديعة.
(
…
) مثاله.
طالب: (
…
).
الشيخ: قال: ضع هذه الوديعة في الصندوق (
…
).
الطالب: فوضعها على الرف.
الشيخ: فوضعها على الرف.
الطالب: (
…
).
الشيخ: الرف الآن هو حرز.
طالب: حرز للكتب.
الشيخ: حرز للكتب، وهو طلب منه أن يجعل الكتاب في (
…
)، موافقون على هذا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: ويش مثاله؟
طالب: أن يودعه شاة ولا يأمره بعلفها ولا ينهاه.
الشيخ: كيف؟
الطالب: أودعه شاة ولم يأمره لا بعلفها ولم ينهه عن علفها، ثم قطع العلف عنها حتى ماتت فإنه يضمن.
الشيخ: فإنه يضمن، لماذا وهو ما أمر بإعلافها؟
الطالب: لأن علفها من حفظها عادة.
الشيخ: لأن إعلافها من حفظها عادة. أين تذهب فلوسه؟
الطالب: في هذه الحال يأخذها صاحبها.
الشيخ: يرجع على صاحبها.
الطالب: صاحبها يرجع عليه لفعله.
الشيخ: لا، أقول: إذا أنفق فإلى من يرجع؟
طالب: يرجع على صاحبها.
الشيخ: يرجع على صاحبها. توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: حتى وإن لم يأذن له.
طالب: وإن لم يأذن له.
الشيخ: لأنه قام عنه بواجبه.
إذا قطع العلف عن الدابة بقول صاحبها بأن قال: لا تعلفها؟
طالب: المؤلف يرى أنه لا يضمن؛ لأنه (
…
) لا يضمن، والصحيح أن يضمن؛ لأنه محرم (
…
) وتركها هكذا.
الشيخ: طيب، وإذا ضمن من نعطي القيمة؟ نعطيها صاحبها وهو يقول: لا تنفق عليها؟
طالب: تُعْطَى لبيت المال.
الشيخ: لبيت المال، صح؟
طالب: (
…
).
الشيخ: إذن صاحبها ليس له شيء؛ لأنه هو الذي (
…
)، ولكن هذا الذي فرط وتعدى يضمن ويُجعل في بيت المال.
***
الطالب: وإن دفعها إلى (
…
).
الشيخ: (إن دفعها) الضمير يعود على من؟
طالب: الوديعة.
الشيخ: (هاء) تعود على الوديعة، لكن الفاعل؟
طالب: المودَع.
الشيخ: المودَع.
(إلى من يحفظ ماله) مال من؟
طالب: مال المودِع.
الشيخ: مال المودِع.
(أو مال ربها) من هو ربها؟
طالب: (مال ربها) المودِع.
الشيخ: المودِع، هل هذا القول على إطلاقه على القول الراجح؟
طالب: (
…
) إلى ربها ..
الشيخ: لا، إذا دفعها إلى من يحفظ ماله.
طالب: إن عين المودِع.
الشيخ: لا، ما عَيَّن.
طالب: إذا لم يستأذن من صاحبها ففي هذه الحال يضمن.
الشيخ: يضمن مطلقًا؟
الطالب: إي نعم.
طالب آخر: يُنظر في ذلك للعرف؛ إذا كان العرف في تسليم رب المال فلا يضمن (
…
).
الشيخ: تمام، معناه إذا دفع إلى من يحفظ ماله يُنظر إلى العرف؛ إذا جرت العادة بأن مثل هذا يحفظ عند الزوجة أو عند الولد أو ما أشبه ذلك لم يضمن، وإلا ضمن؛ لأنه -مثلًا- قد يستحفظ الإنسان زوجته في الأمور السهلة؛ كالطعام واللباس وما أشبه ذلك، لكن لا يستحفظها في النقود والذهب والفضة، وهي داخلة في كلام المؤلف؛ (إلى من يحفظ ماله) يعني: في الشيء الذي يُحْفَظ به هذا المال.
الطالب: قال رحمه الله تعالى: وإن حدث خوف أو سفر ردها على ربها، فإن غاب حملها معه إن كان أحرز، وإلا أودعها ثقة.
الشيخ: قول المؤلف رحمه الله: (ولا يُطَالبان إن جَهِلَا) نائب الفاعل يعود على من؟
طالب: على الحاكم والثقة.
الشيخ: الحاكم والثقة. وما معنى قوله: (جَهِلَا)؟