الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: والله هذا فيه نظر، إن قال ما له شيء، لكن لو قيل: يُخْصَم منه، لكان جيدًا، ثم الخصم ينبغي أن يكون بنسبة؛ لأنه ربما إذا كان بالقدر المحدد يستوعب كل الأجرة، ثم أيضًا لا بد أن يعيَّن مدة يمكنه أن يخلص فيها، ما تكون مثلًا مدة قياسية؛ لأن المقاول ربما يكون عنده شفقة في جمع المقاولات، وتكون المدة غير ممكن أن يأتي بها، فيطمع ويشترط على نفسه أنه إذا أخَّر خُصِمَ عليه، فهذه لا بد فيها من شرط أن تكون المدة يمكن أن ينتهي فيها العمل. (
…
)
***
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ما هو تعريف الجعالة؟
طالب: لغةً من الْجَعْل، وهو الوقف، وشرعًا: هي أن يجعل شيئًا معلومًا لمن يعمل له عملًا معلومًا أو مجهولًا مدة معلومة أو مجهولة.
الشيخ: أحسنت.
الفرق بينها وبين الإجارة من حيث العقد، ما هو من حيث الأحكام، من حيث العقد؟
طالب: الإجارة عقد لازم، والجعالة جائز.
الشيخ: هذا حكم، لكن عند العقد؟
الطالب: الإجارة لا بد من العلم.
الشيخ: لا.
طالب: الإجارة لعمل معيَّن، والجعالة مع غير معيَّن.
الشيخ: مع غير معين، هذا هو، الجعالة يطلِق: مَن فعل كذا فله كذا، ولهذا صارت عقدًا جائزًا.
إذا فعل المجعول عليه دون أن يعلم بقول الجاعل؟
طالب: لم يستحق شيئًا.
الشيخ: لم يستحق شيئًا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: العلة؟
الطالب: لأنه لم يستحق بالجائز.
الشيخ: لا، هذا تعليل بالحكم.
طالب: لأنه ما فيه عقد بينهما يا شيخ.
الشيخ: صحيح؛ لأنه لا عقد بينهما، فكيف يستحق؟
مَن أنقذ مال معصوم من هلكة؟
طالب: فله أجرة المثل.
الشيخ: له أجرة المثل؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ليس بينهما عقد، كيف تجعل له أجرة المثل؟
الطالب: ليس بينهما عقد، يُعْطَى تشجيعًا.
[باب اللقطة]
الشيخ: أليس أخوك (
…
) الحب من الأرض، أي: أخذته وجمعته، لكنها لها معنى خاص عند الفقهاء، فقال: وهي مال أو مُخْتَصّ ضَلَّ عن ربه، هذه اللقطة، والقيد المهم فيها قوله: ضَلَّ عن ربه، أي: ضاع منه، المال كالدراهم والأمتعة وما أشبهها.
المختص كل ما يختص به الإنسان بدون ملك، ويُضْرَب لذلك مَثَل بالكلب -كلب الصيد- كلب الصيد لا يُمْلَك، لكن صاحبه أخص به من غيره، فهو مختص وليس بمال، وربما أيضًا نُمَثِّل بالخمر للذمي إذا ضاعت منه، فإنها ليست بمال، لكنه يُمَكَّن من شربها، وقد لا يصح هذا المثال؛ لأنها صارت ظاهرة، حيث وُجِدَت في السوق مثلًا أو في البَرّ، لكن المثال الصحيح هو كلب الصيد.
وقوله: (ضل عن ربه) أي: عن صاحبه؛ لأن (رب) في اللغة العربية تطلق بمعنى صاحب، كما جاء ذلك في القرآن، وجاء ذلك في الحديث.
ففي القرآن قال الله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180]، رب العزة أي: صاحبها، ولا يمكن أن تكون {رَبِّ الْعِزَّةِ} بمعنى: خالقها؛ لأن العزة صفة من صفات الله غير مخلوقة.
وفي الحديث أيضًا: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّهَا» (7) في إحدى روايات البخاري.
(ضل عن ربه) أي: عن مالكه.
وقوله: (وتتبعه همة أوساط الناس)، هذا ليس قيدًا في التعريف؛ لأن اللقطة يصدق عليها التعريف وإن كانت لا تتبعها همة أوساط الناس، فمَن وجد رغيفًا لا يساوي درهمًا فهي لقطة، وإن كانت الهمة لا تتبعه.
لكن المؤلف رحمه الله أدمج الحكم في التعريف ليُبَيِّن أن الذي يجب تعريفه هو الذي تتبعه همة أوساط الناس، هذا الذي يجب تعريفه، وأما ما لا تتبعه همة أوساط الناس فهذا لا يُعَرَّف.
وعلى هذا فنقول: مَن وجد مالًا فعلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يعلم أن صاحبه تركه رغبة عنه، فهذا لواجده، كما يوجد الآن بعض الكراسي المكسرة تُرْمَى في الأسواق، أو بعض الزنابيل، أو بعض الأواني، أو ما أشبه ذلك، نعلم أن صاحبها تركها، أيش؟ رغبة عنها، هذه يملكها واجدها بدون شيء، حتى أيضًا لو علمنا أن هذا الرجل له متاع ثقيل في البَرّ، وعجز عنه وتركه رغبة عنه، كما أراد جابر بن عبد الله أن يُسَيِّب جمله، فهذا لمن وجده.
وهل من ذلك السيارات اللي يكون عليها حوادث وتبقى في الطرق؟ هل نقول: هذه مما تركها أهلها رغبة عنها، فيجوز للإنسان أن يُشَلِّحَها -وأقول بلغة القوم- أو لا يجوز؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: لا، الواقع ننظر إلى حال السيارة، إذا كان فيها معدات نعلم أنها غالية، وأن صاحبها سوف يعود إليها فإنها لا يجوز أخذها، أما إذا كان هيكلًا محترقًا ما فيه إلا حديد يحتاج إلى أن يُصْهَر بنار النيران، فهذا أيش؟ لمن وجده؛ لأننا نعلم أن صاحبه لن يعود إليه.
القسم الثاني: أن يكون مما لا تتبعه الهمة؛ لكونه زهيدًا، كقلم يساوي درهمًا، هذا زهيد لا تتبعه همة أوساط الناس، أليس كذلك؟ بلى، لا تتبعه همة أوساط الناس، أي إنسان يجده فهو له، إلا إذا كان يعرف صاحبَه فعليه أن يوصله إلى صاحبه أو يبلِّغه به؛ لأنه أصبح الآن غير لُقَطَة؛ لأن صاحبه أيش؟
طلبة: معلوم.
الشيخ: معلوم، فعليه أن يبلغ صاحبه به أو أن يذهب به إليه.
وقول المؤلف: (أوساط الناس)، وكذلك قولنا: أوساط الناس، هل المراد أوساط الناس بالمال، أو أوساط الناس بالشح، أو بهما جميعًا؟ بهما جميعًا، يعني أن أوساط الناس الذين ليسوا من الأغنياء، ولا من الفقراء، ولا من الكرماء، ولا من البخلاء، لا يهتمون به، ولا عبرة بالبخيل، البخيل همته تتبع حتى قلامة الظفر، كما قال الشاعر:
بَلِيتُ بِلَى الْأَطْلَالِ إِنْ لَمْ أَقِفْ بِهَا
وُقُوفَ شَحِيحٍ ضَاعَ فِي التُّرْبِ خَاتَمُهْ
فالشحيح اللي ضاع خاتمه بالتراب متى يروح؟
طلبة: ما يروح.
الشيخ: ما يروح، بيقعد سنين يدوِّر بها التراب، كلما راحت حبة تراب قال (
…
) في الثانية، فالشحيح لا عبرة به، الفقير أيضًا لا عبرة به، لماذا؟ الفقير أي شيء يضيع منه تتبعه الهمة، اعرف نفسك الآن، لو ضاع منك عشرة ريالات ما تهتم بها، لكن لو ضاعت من فقير اهتم بها، ولهذا لو أعطاك شخص عشرة ريالات ما تهتم بها، ولا تفرح بها، ولا ترى أن هذا قدر لك، لكن لو يعطيها فقيرًا فَرِحَ بها.
إذن أوساط الناس أيش؟ خُلُقًا ومالًا، خُلُقًا يعني ليس من الكرماء الذين لا يهتمون بالأمور، ولا من البخلاء الذين همتهم تتبع كل شيء، وكذلك يقال في المال.
هذا لمن وجده، إذا كان لا تتبعه الهمة، دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجد تمرة في الطريق، فقال:«لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» (8)، صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن الصدقة محرَّمة على الرسول عليه الصلاة والسلام نفلها وفرضها، وآل محمد يحرُم عليهم الصدقة الواجبة دون النافلة، وسائر الناس إذا كانوا من أهل الزكاة يستحقون هذا وهذا؛ النافلة والواجبة.
المهم الرسول قال: «لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» ، في هذا الحديث إشكال؛ كيف يمتنع الرسول عليه الصلاة والسلام منها مع أن الأصل الحِلّ، وأنها ليس من الصدقة؟ فيقال في الجواب: إن هذا لكمال وَرَعِه عليه الصلاة والسلام، ولعل هناك قرينة تدل على أنها من الصدقة، مثل أن تكون في المكان الذي حوله فُرِّقَت الصدقة، فسقطت منها هذه التمرة، لكن بالنسبة لنا لو وجدناها ونحن ممن تحرُم عليه الصدقة الواجبة فلنا أن نأكلها، حتى نتيقن أنها من الصدقة الواجبة.
بقينا بأيش؟ الآن أخذنا قسمين: الأول: ما تُرِكَ رغبة عنه فهو أيش؟
طلبة: لواجده.
الشيخ: لواجده.
والثاني: ما لا تتبعه همة أوساط الناس فهو لواجده أيضًا، إلا إذا كان يعلم صاحبها.
القسم الثالث، وهو الذي أشار إليه الماتن: هو الذي تتبعه همة أوساط الناس، فهذا يجب تعريفه، يجب أن يُعَرَّف لمدة سنة، وسيأتي إن شاء الله ذكرها.
كم يُقَدَّر في وقتنا الذي تتبعه همة أوساط الناس؟ هو يختلف باختلاف الأحوال والأماكن والأزمان، فيما سبق الدرهم الواحد تتبعه همة أوساط الناس؛ لأنه يحصل به شيء كثير، يعني يمكن الدرهم الواحد يشتري به الإنسان شاة، ويشتري به أيضًا حَبًّا يطبخه ويكفي ضيفه، الدرهم هذا في ذلك الوقت يُعْتَبَر مما تتبعه همة أوساط الناس، الآن والحمد لله الدرهم لا يهتم به أحد، خمسة دراهم؟
طلبة: لا يهتم بها أحد.
الشيخ: لا يهتم بها أحد؟
عشرة؟
طلبة: ما يهتم بها أحد.
الشيخ: ما يهتم بها أحد.
خمسون؟
طلبة: يهتم بها أوساط الناس.
الشيخ: يهتم بها أوساط الناس، إذن يقدَّر هذا بحسب الأحوال، والأحوال يختلف فيها الناس.
لكن لو قال قائل: لعل هذا الذي لا تتبعه همة أوساط الناس لعلها تتبعه همة فاقده؟
فيقال: العبرة بالأغلب، يعني رب قلم لا يساوي درهمًا، عند صاحبه يساوي مئة درهم؛ لأنه أخذ عليه، وكتابته به سهلة وجميلة، وهذا شيء مشاهَد، بعض الأشياء تكون عند صاحبها غالية، وعند الناس ليست غالية، فيقال: العبرة؟
طلبة: بالأغلب.
الشيخ: بالأغلب.
قال: (فأما الرغيف والسوط ونحوهما فيُمْلَك بلا تعريف) لأنها أيش؟ لا تتبعها همة أوساط الناس، الرغيف يعني القرص، هذا لا تتبعه همة أوساط الناس، مَن وجد قرصًا ساقطًا في السوق فليأخذه وليأكله ما لم يكن يعلم صاحبه.
كذلك السوط السوط، يعني عصا رقيقة صغيرة، ما هي ذاك التي لها قيمة، مَن وجدها فهي له.
وقوله: (ونحوهما) مثل أيش؟ قلم، إذا كان قلمًا ما هو من الأقلام الغالية، فيه قلم بخمسة ريالات، وقلم بخمسين ريالًا.
طالب: بمئتين.
الشيخ: مئتي ريال؟ أو مئتي ريال، إذن القلم الرخيص، سلسلة المفاتيح؟
طالب: مِن هذا.
الشيخ: مِن هذا النوع.
(فيُمْلَك بلا تعريف) بمجرد ما يجده الواجد يكون ملكًا له.
ثم قال: (وما امتنع) إلى آخره، انتقل الآن مما ضاع من الأموال إلى ما ضاع من الحيوان.
الحيوان يقول: (وما امتنع من سبع صغير كثور وجمل ونحوهما حرُم أخذه، وله التقاط غير ذلك من حيوان وغيره) إلى آخره.
الحيوان الضائع قسمان:
الأول: ما يمتنع من صغار السباع، مثل الثور، قبل أن نمثل لما يمتنع، صغار السباع مثل الذئب والكَلْب الكَلِب وما أشبهها، وأما كبار السباع فإنها لا يمتنع منها ولو الجمل، حتى الجمال لا تمتنع منها، لكن الذي يمتنع منها، يعني التي تُعْتَبَر من صغار السباع مثل الذئب والكلب إذا صار كَلِبًا يعني يَفْرِس.
(كالثور)، الثور يمتنع من صغار السباع أو لا؟
طلبة: يمتنع.
الشيخ: الكبير يمتنع لا شك، والصغير لا يمتنع، فيُلْحَق بالشاة ونحوها، لكن الكبير يمتنع؛ لأنه إذا أتى إليه الذئب ليأكله نطحه بقرونه، أو وطئه برجليه، ولا يستطيع، الجمل كذلك لا يستطيع الذئب أن يأكله، يفرسه، نعم لو اجتمع الذئاب على جمل يمكن أن تقدر عليه، لكن العبرة بالغالب.
وقوله: (ونحوهما) مثل أيش؟
مَثَّلَ بعضهم بالحمار، قال: إن الحمار يمتنع من صغار السباع، والواقع أنه لا يمتنع، الحمار جبان، إذا شم رائحة الذئب فَرَّجَ بين رجليه وقام يبول؛ لأنه يفزع ولا يمكن يمتنع، نعم إن كان يوجد حمير على زمن مَن مَثَّلُوا بها تمتنع ما ندري، أما الحمار المعروف عندنا الحمار الأهلي فإنه لا يمتنع.
البغل؟
طلبة: يمتنع.
الشيخ: الحصان؟
طلبة: يمتنع.
الشيخ: يمتنع، فالضابط إذن الحيوان الذي يمتنع من صغار السباع يقول المؤلف:(حرُم أخذه)، يحرُم التقاطه، ولا يَحِلّ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن ضالة الإبل، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال:«دَعْهَا، مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» . (9)
انظر كلام الرسول عليه الصلاة والسلام كأنما هو بين رعاة الإبل، مع أنه ما رعى الإبل وإنما رعى الغنم، اتركها، «مَعَهَا سِقَاؤُهَا» ، يعني: بطنها؛ لأنها إذا شربت تبقى مدة حتى في أيام الصيف ما احتاجت إلى الشرب، «وَحِذَاؤُهَا» ، يعني: خُفَّها، «تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ» ، ولا أدل من البعير على الماء، حتى إن الناس فيما سبق إذا خافوا على أنفسهم من العطش ربطوا أنفسهم على الإبل، ثم البعير تَشَمّ الماء من بعيد وتقف عليه، فمعها سقاؤها، ومعها حذاؤها، تَرِدُ الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها.
وظاهر الحديث العموم، أنه لا يجوز التعرض لها، تُتْرَك حتى يجدها ربها. لكن إذا رجعنا إلى أصول الشريعة وقلنا: إنه إذا كان يُخْشَى عليها من قُطَّاع الطرق، ففي هذه الحال له أن يأخذها إن لم نَقُل بالوجوب.
ويمكن أن يؤخذ من الحديث، وهو قوله:«حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» ، فإن هذا التعليل يشير إلى أنها إذا كانت في مكان يُخْشَى أن يأخذها قُطَّاع الطرق فإنه يلتقطها ولا بأس؛ لأنه في هذه الحال اللي يغلب على الظن أن صاحبها يجدها أو لا يجدها؟
طلبة: لا يجدها.
الشيخ: أنه لا يجدها، وعلى هذا فنقول: هذا الحديث إن كان لا يدل على أنه يأخذها فإنه يقيَّد بالنصوص العامة، وإن كان يدل على أنه إذا كان لا يؤمَن ألَّا يجدها فإنه يأخذها.
ثم قال: (وله التقاطُ غيرِ ذلك) إن شاء الله الدرس القادم.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، بالنسبة للقسمين الأولين للقطة، ما تُرِكَ رغبة عنه، أو ما لم تتبعه همة أوساط الناس، إذا أخذه الواجد، ثم عرف صاحبَه، هل يجب عليه أن يُرْجِعَه؟
الشيخ: أما الذي لا تتبعه همة أوساط الناس يجب أن يوصله إلى صاحبه، أو يبيِّن له ذلك، أما ما أُخِذَ رغبة عنه فهذا صاحبه تركه، ولا يريد أن يتملك.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، ما حكم اللقطة التي لا تتبعها همة أوساط الناس وجدها الإنسان في مكان محصور؟
الشيخ: محصور؟
الطالب: إي نعم كالمسجد مثلًا، أو في القاعة في المدرسة أو كذا، هل يجب تعريفها؟
الشيخ: هي له، ولا يلزمه التعريف.
طالب: شيخ، إذا قال قائل: إننا قلنا في تعريف اللقطة: مال أو مختص ضَلَّ عن ربه، فكيف تجعلون من أقسامه مَا تُرِكَ رغبة عنه؟
الشيخ: لا، هذا لتمام التقسيم، ما ذكرنا أنه لقطة، هو لقطة بالمعنى العام.
طالب: شيخ حفظك الله، معروف اليوم في بعض الأماكن أنه ليس هناك موارد عامة للإبل، بل الموارد خاصة، وبمجرد أن (
…
) الإبل فربما تؤذي ولا تجد من يطعمها؛ لأنه الاعتماد اليوم على صاحب البهائم، فالإنسان لو تركها ربما آلت إما صدمها بسيارة تؤذي الناس أو ربما تفسد الزروع، فلو أنها دخلت على الإنسان.
الشيخ: في هذه الحال ربما يقال: إنه يأخذها ليسلمها لولي الأمر، لا على أنها لقطة إن جاء صاحبها وإلا فهي له، يعني إذا خاف من شرها فإنه يأخذها ويسلمها إلى ولي الأمر.
طالب: حفظك الله يا شيخ، بالنسبة لسجادة (
…
) نقول يا شيخ: بأنها لو علم أن صاحبها تركها وسَيَّبَها قصدًا فهل يؤخذ؟
الشيخ: يؤخذ إي.
الطالب: يدخل في قول النبي ..
الشيخ: بخلاف ما إذا سَيَّبَها عجزًا، يعني مثلًا لو ترك هذا المال عجز أن يحمله، مثل أن تكون السيارة تعطلت ولا يستطيع يحمله قال: أخليه بهذا وأرجع عليه، هذا نعلم أنه لصاحبه، مثل ما ذكرنا قبل قليل في مسألة السيارات التالفة.
الطالب: لكنه يا شيخ يترك شيئًا عجز عنه هو يريده لكن تركه عجزًا ولا يرجع له.
الشيخ: إذا علمنا هذا فهو للموجِد.
طالب: أراد أخذ اللقطة (
…
)؟
الشيخ: حرام عليه.
الطالب: ولا يلزم ..
الشيخ: يكون ضامنًا على كل حال، مع المعصية.
الطالب: لكن الآن يا شيخ (
…
).
الشيخ: هذا يتصرف نيابة عن الدولة ما هو يريدون أن يأخذوه عن أنه لقطة.
طالب: النعال الموجودة في الحرَم بعض الناس يأخذ منها الغالي، وبعضهم يقول: إن الرخيص منها لقطة. الشيخ: سيأتينا إن شاء الله تعالى أن لُقَطة الحرَم هل هي كغيرها أو لها حكم خاص.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، بالنسبة للبقرة قد تمتنع من السباع، لكنها لا تصبر على العطش.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: وكذلك الحمار لو قلنا: إنها تمتنع.
الشيخ: لا، الحمار ما يمتنع، الحمير عندنا أكثر من اللي عندكم، ما تمتنع.
الطالب: عندنا كثير يا شيخ.
الشيخ: عندكم بقر، على كل حال هذا الذي أوردت وارد، لكن تعلم أن أصحاب الإبل يتركونها ترعى، تروح وتيجي، أصحاب البقر ما يجعلون لها الحرية، من حين ما يفقدها على طول يذهب يدوِّرْهَا، إي نعم، واضح؟
الطالب: نعم.
طالب آخر: شيخ بارك الله فيك، قلنا: رعاة الإبل إذا عطشوا خافوا على أنفسهم ربطوا نفسهم على البعير، والبعير يشم الماء، هناك فرقة أخرى ذبحوا البعير، شربوا ما في بطنها، كيف هذا الشراب؟
الشيخ: إذا نحرها طيب، نحرها على وجه شرعي، ثم شرب ما في بطنها، هكذا؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: ما فيه شيء، وهذه أيضًا تقع، ولكن ما ذكرته لكم أمر واقع، فيه جماعة حوالي ثلاثة عشر أو أربعة عشر نفرًا في مكان يسمى الدَّهْنَة ليس حوله ماء، وتاهوا فيه وعطشوا، منهم واحد ربط نفسه على البعير، ويمكن يُغْمَى عليه أو ما يغمى عليه ما يدري عنه، والبقية ما ربطوا أنفسهم، فصار البقية اللي ما ربطوا أنفسهم كل ما حصل يعني مدة طاح واحد، ميتًا، أما هذا فما أحس إلا والبعير ترد على الماء والرواد اللي عليها يُنَخُّون البعير ويعالجون هذا الرجل، وحي، أدركته أنا حَيًّا يُرْزَق، وهذه حيلة طيبة.
طالب: أحسن الله إليك، لو وجد لقطة، وشكّ هل تتبعها همة أوساط الناس أم لا، ماذا يفعل؟
الشيخ: فهنا تنازع أصلان؛ الأصل أنها لا تتبع، والأصل احترام مال المسلم، فنُغَلِّب الثاني؛ لأنه أقرب للورع.
طالب: الأمر الذي جعل الصدقة لآل البيت الواجبة لا تجوز، والنفل تجوز، ما الضابط؟
الشيخ: هذا الضابط.
الطالب: ما الذي جعل ..
الشيخ: التطوع يجوز، والزكاة ما تجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّلَ للعباس عدم إعطائه أنها أوساخ الناس، والأوساخ هي الواجبة؛ لأنها كما قال عز وجل:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
طالب: إذا وجد شيئًا لا تتبعه همة أوساط الناس ثم أتى رجل ثانٍ فقال له (
…
)؟
الشيخ: إي نعم، إذا ادَّعى أحد أنه له فيطالبه ببينة، لكن لا شك أن الورع أن يعطيه إياه.
طالب: شيخ بارك الله فيك، إذا وجد الإنسان لقطة وكانت (
…
)، ثم عَرَّفَها إلى سنة، بعد سنة ماذا يفعل بها؟
الشيخ: تكون له.
الطالب: حتى ولو كانت (
…
)؟
الشيخ: ولو كانت.
طالب: شيخ بارك الله فيكم، ما الفرق بين إذا أخذ مالًا تتبعه همة أوساط الناس، وبين القاعدة التي تقول: إن كل مال لا يُعْرَف صاحبه يُتَصَدَّق عنه بنية وجوده.
الشيخ: بينهما فرق؛ المال المجهول لأنه بيدك واجب عليك أنت كدَيْن مثلًا، أو عين استعرتها من شخص ولم تعرفه، فأنت تعلم الآن أنه ملك لشخص معين، ولكنك جهلتَه، أما هذا أصل اللقطة صاحبها ما يُدْرَى مَن هو، هذاك أصله معلوم عندك، ولكن في ثاني الحال جهلته.
طالب: أحسن الله عليك يا شيخ، من ترك متاعًا رغبة عنه، فأخذه شخص وهو يعلم أن صاحبه لا يريده، ثم بعد ذلك أراد صاحبه استرجاعه، هل يرده؟
الشيخ: لا، ليس له ذلك.
سبق لنا أن اللقطة حيوان وغير حيوان، وأن غير الحيوان ينقسم؟
طالب: ثلاثة أقسام: ما لا تتبعه همم أوساط الناس، ما تتبعه أوساط الناس، وما تركه رغبة عنه.
الشيخ: هذه كم؟
الطالب: ثلاثة.
الشيخ: الأول؟
الطالب: ما تركه رغبة عنه.
الشيخ: والثاني؟
الطالب: ما لا تتبعه همم أوساط الناس
الشيخ: والثالث؟
الطالب: ما تتبعه ..
الشيخ: ما تتبعه همة أوساط الناس، بمعنى؟ ويش معنى ما تتبعه همة أوساط الناس؟
طالب: لها نظرتين؛ الأول: غني ..
الشيخ: لا، ما أقصد (أوساط)، ما معنى (تتبعه الهمة)؟
الطالب: أي: تتوق إليه وتبحث عنه.
الشيخ: تتعلق به النفس وتبحث عنه.
ما المراد بأوساط الناس؟
طالب: أوساط الناس من حيث الغنى والفقر.
الشيخ: فقط؟
الطالب: لا، ومن حيث الأخلاق.
الشيخ: أيش، الإخلاص؟
الطالب: الأخلاق، الْخُلُق يعني.
الشيخ: الخلق؟
الطالب: إي.
الشيخ: يعني؟
الطالب: يعني من الشح و ..
الشيخ: والبخل.
الطالب: البخل هو الشح.
الشيخ: هيجرى أيش؟
الطالب: الكرم والبخل، يعني الوسط.
الشيخ: لا بأس، أفهمنا هذا؟
إذن أوساط الناس في الْخُلُق، وأوساط الناس في المال.
مثال ذلك؟
طالب: مثال ذلك؟
الشيخ: الذي لا تتبعه الهمة.
الطالب: الشيء الزهيد مثل الرغيف والسوط ونحوهما.
الشيخ: مثال الثالث؟
طالب: بعض الناس ترمي باقي الأشياء مثل ترك الكراسي المكسَّرة في الشوارع.
الشيخ: هذه من الذي تركه رغبة عنه، على كل حال يكفي.
الحيوان؟
طالب: الحيوان نصفان؛ ما يمتنع من صغار السباع وما لا يمتنع.
الشيخ: ما لا يمتنع ما حكمه؟
الطالب: هذا لقطة.
الشيخ: ما لا يمتنع؟
الطالب: ما لا يمتنع؟
الشيخ: نعم.
الطالب: أن يأخذه ويعرِّفه.
الشيخ: ما لا يمتنع؟ يعني الذي لا يمتنع أيش يعمل فيه؟
الطالب: هذا له أو لأخيه أو للذئب.
الشيخ: يعني بمعنى: يجوز أخذه، وإذا أخذه ماذا يصنع به؟
الطالب: يعرِّفه سنة.
الشيخ: نعم، فإن جاء صاحبه؟
الطالب: وإلا فشأنه فيه.
الشيخ: وما يمتنع؟
الطالب: لا يجوز أخذه.
الشيخ: لا يجوز أخذه، نعم، ما هو الدليل على تحريم أخذه؟
طالب: الدليل على تحريم أخذه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سُئِل عن ضالة الإبل قال: «مَا لَكَ وَلَهَا، دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا سِقَاءَهَا وَحِذَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» (9).
الشيخ: أحسنت.
وما لا يمتنع قال الأخ: إنه لُقَطَة، يُعَرِّفها سنة، ما هو الدليل؟
الطالب: الدليل حديث (
…
).
الشيخ: قال: «هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئِبْ» ، من أخوه؟
الطالب: أخوه صاحبها.
الشيخ: صاحبها، أو آخر يجدها، يعني أعم من كونه صاحبها، بارك الله فيك.
إذا كان هذا النوع من الحيوان، أعني به ما لا يمتنع، يحتاج إلى نفقة؟
طالب: ينفق عليه ويرجع على ربها.
الشيخ: ينفق عليه ويرجع على ربها.
الطالب: نعم.
الشيخ: إذا كان يريد أن ينفق عليه ربما تستوعب النفقة أكثر من قيمته مرتين أو ثلاثة، فماذا يصنع؟
طالب: يتركها لغيره.
الشيخ: ما هو تاركها.
الطالب: ينفق عليه ويعود على ربها.
الشيخ: إذا كان ينفق أكثر؟
الطالب: ما أخذها لنفسه؟
الشيخ: إي نعم، لكن هذا ضرر على صاحبها، إذا وجدها صاحبها قال: والله أنفقت عليها عشرة آلاف، وهي ما تسوى مئتي ريال، أيش نعمل؟
طالب: يبيعها ويحفظ ثمنها لربها.
الشيخ: تمام، هنا على المصلحة أن يبيعها، ويحفظ الثمن لمن؟ لربها إذا وجده.
الذي لا يمتنع من صغار السباع، كالضأن والمعز وصغار الإبل وما أشبهها، هذه نقول: إنه يجوز التقاطها، وينفق عليها، ويرجع بها على ربها إن وجده، فإن خَشِيَ أن تزيد النفقة على قيمتها فإنه يضبط صفاتها، ثم يبيعها ويحفظ ثمنها لربها، فإذا جاء ووصفها وانطبقت الأوصاف على الموجود فإنه يعطيه الثمن.
ذكرنا فيما سبق على قول المؤلف أنه يحرُم التقاطها ما لم تكن أيش؟ في موضع الهلاك والتلف، كما لو كان حولها قُطَّاع طريق، أو ما أشبه ذلك، فهنا لا يحرُم عليه أخذها، بل له ذلك.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وله التقاطُ غيرِ ذلك من حيوان وغيره إن أَمِنَ نفسه على ذلك، وإلا فهو غاصب).
قوله: (وله)، اللام هنا للإباحة، وهي في ضد المنع؛ لأنه لما قال:(حرُم أخذه) قال: (وله)، فهي في مقابل المنع، أي: لا يحرُم عليه التقاط غير ذلك.
لكن هل الأفضل أن يلتقطه، أو الأفضل ألَّا يلتقطه؟ أو نقول: يحرُم عليه أن يلتقطه؟
يقول المؤلف: يحرُم عليه إذا لم يأمن نفسه على ذلك، إن كان لا يأمن نفسه أنه لو أخذه أنفقه إن كانت دراهم، أو ذبحه إن كانت شاة، فإنه يحرُم عليه أخذه، ويكون حكمه حكم الغاصب.
أما إذا كان يعرف من نفسه أنه قادر على إنشاد الضالة، فهنا نقول: فيه تفصيل؛ إن كان له قوة وقدرة على التعريف فالأفضل أخذها، وإن كان يخشى ألَّا يقدر، أو أن يشق عليه فالأفضل تركُها.
وعلى هذا فقوله: (له) اللام للإباحة التي في مقابل المنع، وإلا فإنه قد يكون الأفضل تركها، وقد يكون الأفضل أخذها.
(وله التقاط غير ذلك من حيوان وغيره إن أمن نفسه على ذلك، وإلا) أي: وإلّا يأمن نفسه على ذلك (فهو كغاصب).
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا فرق بين لقطة مكة وغيرها؛ لأنه لم يُفَصِّل، وهذا هو المشهور من المذهب.
والصحيح أن لقطة مكة لا تحلُّ إلا لمنشِدٍ، إلا لمن يريد أن يعرِّفها مدى الدهر، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» (10)، وهذا من خصائص الحرَم.
والحكمة في ذلك أنه إذا علم الإنسان أنه لا يحل له التقاط لقطة الحرَم إلا إذا كان مستعدًّا لإنشادها دائمًا فإنه سوف يدعها، وإذا كان هذا يدعها والآخر يدعها ومَن بعده يدعها، بقيت في مكانها حتى يجدها ربها، وهذا -أعني القول بأن لقطة مكة ليست كغيرها- هو القول الراجح، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه يدل الحديث.
لكن إذا خاف الإنسان أن يأخذها مَن لا يُعَرِّفها فهنا نقول: إما أن يجب أخذها، وإما أن يُبَاح، وماذا يصنع بها؟ نقول: يعرِّفها دائمًا وأبدًا، فإن شقَّ عليه ذلك فالأمر -والحمد لله- واسع، فيه محاكم شرعية تتلقى مثل هذا، فليأخذها وليدفعها للحاكم، وهو إذا أخذها ودفعها للحاكم -يعني للقاضي- برئت بذلك ذمته.
ثم قال المؤلف: (ويعرِّف الجميع)، (الجميع) يعني جميع ما يجوز التقاطه، (يعرِّف الجميع في مجامع الناس غير المساجد حولًا).
(مجامع الناس غير المساجد) مثل؟
طالب: الأسواق.
الشيخ: أسواق البيع والشراء، بل وما كان خارج باب المسجد عند خروج الناس من الصلاة، لا سيما صلاة الجمعة مثلًا، فيعرِّف الجميع.
وكيفية التعريف أن يقول: مَن ضاع له المال؟ ولا يعيِّن؛ لأنه لو يعيِّن ويقول: مَن ضاع له كذا وكذا، ويفصِّل، لكان ذلك سبيلًا إلى أن يدعيه أي واحد، ولكن يعمم.
وهل يجب عليه أن يذكر النوع عند الإنشاد، يعني مثلًا يقول: من ضاعت له الدراهم، بدل أن يقول: من ضاع له مال؟
الظاهر أنه يجب عليه؛ لماذا؟ لأنه إذا قال: مَن ضاع له المال؟ فقد يتصوره الإنسان غير الذي ضاع له، لكن إذا قال: من ضاعت له الدراهم؟ صار هذا أقرب لفهم المقصود، واضح؟
وكذلك يقال: لو أنه وجد حُلِيًّا، لو قال: من ضاع له الذهب؟ ماذا يظن الناس؟ يظنون أول ما يقع في قلوبهم أنه الدنانير، لكن إذا قال: من ضاع له الحُلي؟ صار هذا أقرب إلى فهم المخاطب، فيذكر أقرب ما يكون من إدراك الناس له، لكن لا يذكر كل الأوصاف حتى لا يدعيه مَن ليس له.
فمثلًا إذا وجد دراهم قال: مَن ضاعت له الدراهم، يجوز أو لا يجوز؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأنه إذا قال أحد: أنا، سيقول له: كم عددها؟ ما نوعها؟ هل هي من فئة خمسة، من فئة ريال، من فئة عشرة، من فئة خمسين، من فئة مئة، من فئة خمس مئة؟ هل هي دراهم سعودية؟ هل هي دراهم بلد آخر؟ ثم العدد، ثم الكيس إذا كانت في كيس، كل هذا يحددها، إنما يذكر أقرب وصف يمكن للمخاطب أن يعرفها بدون أن يفصِّل؛ لئلا يدعيها من ليست له.
وقوله: (غير المساجد) المساجد لا يجوز إنشاد الضالة فيها، بل قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم مَن سمع الذي ينشُد الضالة في المسجد فليقل:«لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» (11)، ولو فُتح المجال للناس أن ينشدوا الضوالّ في المسجد لامتلأت المساجد من أصوات الناشدين، وألهوا الناس عن ذكر الله وعن الصلاة، فصار الدليل في هذا أثريًّا وأيش؟
طلبة: ونظريًّا.
الشيخ: ونظريًّا.
وقوله: (غير المساجد) يعم كل ما كان مسجدًا، وأما المصليات فلا تدخل في هذا، كما لو نشد الضالة في مصلى في دائرة من الدوائر فلا حرج عليه؛ لأن هذا المصلى ليس مسجدًا؛ ولهذا لا يصح فيه الاعتكاف، وليس له تحية مسجد، ولا يحرم على الجنب المكث فيه، ولا على الحائض، فهو بمنزلة مصلى الإنسان في بيته.
وقوله: (حولًا) يعني: عامًا كاملًا، واعلم أنه إذا أطلق العلماء رحمهم الله الحول أو العام أو السنة فمرادهم بالهلال، السنة الهلالية؛ لأن السنة الهلالية هي السنة الحقيقية التي وَقَّتَها الله لعباده، قال الله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [التوبة: 36].
ويَمْلِكُه بعدَه حُكْمًا، لكن لا يَتَصَرَّفُ فيها قبلَ مَعرِفَةِ صِفاتِها، فمَتَى جاءَ طالبُها فوَصَفَها لَزِمَ دَفْعُها إليه، والسفيهُ والصبِيُّ يُعَرِّفُ لُقَطَتَهما وَلِيُّهما، ومَن تَرَكَ حيوانًا بفَلاةٍ لانقطاعِه أو عَجْزِ ربِّه عنه مَلَكَه آخِذُه، ومَن أُخِذَ نَعْلُه أو نحوُه ووَجَدَ مَوْضِعَه غيرَه فلُقَطَةٌ.
(باب اللقيط)
وهو طِفْلٌ لا يُعْرَفُ نَسَبُه ولا رِقُّه نُبِذَ أو ضَلَّ، وأَخْذُه فَرْضُ كِفايةٍ، وهو حُرٌّ وما وُجِدَ معَه أو تَحْتَه ظاهرًا أو مَدفونًا ، طَرِيًّا أو مُتَّصِلًا به كحيوانٍ وغيرِه ، أو قَريبًا منه فله، ويُنْفَقُ عليه منه ، وإلا فمِن بيتِ المالِ، وهو مُسلمٌ، وحَضانتُه لوَاجِدِه الأمينِ ، ويُنْفِقُ عليه بغيرِ إذْنِ الحاكمِ، ومِيراثُه ودِيَتُه لبيتِ المالِ، ووَلِيُّه في العَمْدِ الإمامُ يَتَخَيَّرُ بينَ الْقِصَاصِ والدِّيَةِ،
فلا تدخل في هذا، كما لو نشد الضالة في مُصلًّى في دائرة من الدوائر، فلا حرج عليه؛ لأن هذا المصلى ليس مسجدًا؛ ولهذا لا يصح فيه الاعتكاف، وليس له تحية مسجد، ولا يحرم على الجُنُب المكث فيه، ولا على الحائض؛ فهو بمنزلة مُصلَّى الإنسان في بيته.
وقوله: (حولًا) يعني عامًا كاملًا.
واعلم أنه إذا أطلق العلماء رحمهم الله الحول أو العام أو السنة فمرادهم بالهلالي؛ السنة الهلالية؛ لأن السنة الهلالية هي السنة الحقيقية التي وقتها الله لعباده.
قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]، وهذه التواريخ التي بُنيت على أشهر هي في الحقيقة أوهام غير منضبطة بشيء معين، ولهذا تيجي بعضها يصل إلى واحد وثلاثين يومًا والثاني ثماني وعشرين يومًا مثلًا.
هذه ليست مبنية على أصل، لكن الأشهر الهلالية مبنية على أصل، أصل جعله الله تعالى للناس {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]، وقال تعالى:{وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5]، فكلما رأيت في كلام أهل العلم حولًا أو سنة أو عامًا فالمراد بالهلال.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أنها تُعرَّف حولًا؟
قلنا: ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، أنه قال في اللقطة:«اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً» (1). فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن تُعرَّف سنة.
إذا وجدها -اللقطة- في مكان بين قريتين، هل يُعرِّفها في واحدة منهما أو فيهما كلتيهما؟ يُنظر، إذا كانت هذه السلعة مثلًا معروفة في البلد الشرقي، وليست معروفة في البلد الغربي، ففي أيهما يُعرِّف؟
طلبة: الشرقي.
الشيخ: الشرقي ولَّا الغربي؟
طلبة: الغربي.
الشيخ: نعم؟
طلبة: المعروفة فيهما.
الشيخ: أنتم فاهمين جيدًا؟
طلبة: نعم، في الغربي.
طالب: الشرقي.
الشيخ: هذه معروفة كثيرًا في الشرقي غير معروفة في الغربي، هل جرت العادة أن الناس يجلبون السلع على المكان الذي تتوفر فيه أو على المكان التي تقِل فيه؟
طلبة: على المكان الذي تقل فيه.
الشيخ: متأكدون؟ طيب إذن نقول: هذه السلعة اشتراها مَنْ في البلد الغربي مِن البلد الشرقي وعلى هذا نُعرِّفها.
طالب: في الغربي.
الشيخ: في الغربي، بارك الله فيكم، واضح.
إذا كانت السلعة موجودة في القريتين جميعًا على حد سواء، فهل ننظر للأقرب أو للأبعد؟ إن تساويا فنقول: عرِّف فيهما جميعًا في هذه وهذه؛ لأن احتمال أنه من هذه وارد واحتمال أنه من هذه وارد، والقرعة هنا لا تتأتى، عرِّفها في هذه وهذه؛ فإن كانت إلى إحداهما أقرب، فالظاهر أنه يلزمه أن يُعرِّفها في الأقرب ولا يلزمه في البُعدى؛ لأن القرب في المكان له حكم ما قرب منه؛ ولهذا لما حضرت الوفاة من كان قتل مئة نفس، وسأل عالمًا من العلماء هل له توبة؟ قال: نعم لك توبة، من يحول بينك وبين التوبة؟ وكان قد سأل عابدًا من قبل وقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، وسأل العابد: هل له من توبة؟ قال: لا، تسعة وتسعون نفسًا وتبغي تتوب إلى الله؟ ما لك توبة. قال: إذن أكمل بك المئة، فقتله، ثم سأل عالمًا فقال له: لك توبة، من يحول بينك وبين التوبة؟ ولكنه أرشده إلى بلد آخر، ليس بلد ظلم، وسافر مهاجرًا إلى الله، ونزل به الموت في أثناء الطريق، فأرسل الله إليه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، حِكمة من الله عز وجل؛ وإلا الله يعلم عز وجل. تخاصما الملائكة، هؤلاء وهؤلاء؛ ملائكة الرحمة تقول: نقبض روحه؛ لأنه تاب، وخرج، وغادر بلده، وملائكة العذاب تقول: لا، نقبض روحه؛ لأنه لم يصل إلى بلد التوبة، فأرسل الله ملَكًا يفصل بينهما، وقال: قيسوا فإلى أيها أقرب كان من أهلها، فقاسوا، فوجدوه إلى القرية التي هاجر إليها أقرب بقليل جدًّا، حتى قال بعض العلماء: إنه لما حضره الموت جعل يندفع وهو في سياق الموت إلى البلد التي قد كان قصدها، فصار أقرب إليها بشبر، فتولت روحه ملائكة الرحمة (2).
ربما يُؤخذ من هذا أن البلد الأقرب يُعطى الحكم، ويُمنع البلد الأبعد.
قال المؤلف رحمه الله: (ويملكه بعده حكمًا)(يملكه) مَنِ الفاعل؟
طالب: اللاقط.
الشيخ: الواجد، (بعده) أي: بعد الحول، (حُكْمًا) أي قهرًا، بدون أن يختار (يملكه بعده) أي: بعد تمام الحول حُكمًا؛ كما يملك الوارِث مال مُورِّثه؛ أي: بدون اختيار يملكه حكمًا.
طيب، لو تلف هذا الموجود بعد الحول أو قبل الحول، هل يختلف الحكم؟ يختلف الحكم.
إن تلف قبل الحول بتعدٍّ منه فعليه الضمان، وبغير تعدٍّ، لا ضمان عليه، وإن تلف بعد الحول فعليه الضمان مطلقًا سواء تعدى أم لم يتعدَّ، أفهمتم؟
أقول: إذا تلف قبل الحول بتعدٍّ منه؛ يعني هو الذي أتلفه فعليه الضمان، وإن لم يكن متعديًا فلا ضمان عليه، لماذا؟ لأنه إذا كان متعديًا فهو كغيره من المعتدين يضمن، وإذا كان غير متعدٍّ فهو أمين؛ لأن اللُّقطة الآن بيده على أنها لمن؟ لصاحبها إذا وجدها، فيده يد أمانة، فإذا تلف المال بيده بلا تعدٍّ فلا ضمان عليه؛ واضح هذا ولَّا غير واضح؟
الطلبة: واضح.
الشيخ: إذا تلفت بعد الحول فعليه الضمان سواء تعدى أم لم يتعدَّ، لماذا؟ لأنها دخلت في ملكه الآن، وصارت في ضمانه؛ لأن الشيء الذي في ملكك هو في ضمانك، فإذا دخلت في ملكه وصارت في ضمانه فإن عليه ضمانها بكل حال إذا وُجِد صاحبها.
وقيل: لا يضمنها إذا لم يتعدَّ أو لو لم يفرط، فيكون الحكم واحدًا، وهذا هو الأقرب؛ لأن الرجل دخلت في ملكه قهرًا عليه بغير اختياره فهي في الحقيقة كأنها ما زالت في ملك صاحبها، إذا كان لا يريدها، هو يقول: أنا لا أريد أن تدخل ملكي وأبرأ إلى الله منها، ونقول: لا بد هي في ملكك، وبضمانك في شيء من الصعوبة. فالقول الراجح في هذه المسألة أنه لا ضمان عليه إذا لم يتعدَّ أو يُفرِّط.
قال: (لكن لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها)(لا يتصرف فيها) أي: لا يتصرف واجدها (فيها) أي في الموجود؛ اللُّقطة. (قبل معرفة صفاتها) لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا» (1). العِفاص: الوعاء، والوكاء: الحبل الذي تُربط به، ويشد عليها.
فلا بد أن يعرف ذلك، وينبغي أن يُشهِد على صفاتها، لكن يُشهد من يثق به، لا أي واحد؛ لأنه إذا أشهد سلِم من صاحبها لو ادَّعى أنها على وجه أكمل. وهذا مِن -أعني: الإشهاد- وسائل الضبط.
يُذكر أن لصوصًا أرادوا أن يسرقوا شخصًا بالحيلة، فقال أحدهما للآخر: هذا الرجل غني يمشي أمامنا، تقدَّم عليه أنت وارمِ المحفظة؛ محفظة الدراهم، واجعل فيها مثلًا عشرة ريالات أو عشرين ريالًا؛ شيئًا يسيرًا، وسوف يقول لك هذا الغني: خُذ المحفظة؛ يعني من باب الإحسان إليه يأخذ محفظته ويقول: يا فلان، تعالَ، سقطت منك هذه المحفظة، وادَّعي أن الدراهم التي فيها أكثر من الحقيقة، وأنا وراءك، فإذا قال: من يشهد لك؟ أقول: أنا أشهد، فاهمين الصورة الآن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: رمى المحفظة فقال له الرجل من باب الإحسان، أخذها، ويا فلان، خُذ، شكر له، جزاك الله خيرًا، وهذه هي الأمانة، وإلا لو شئت لأخذتها ولا علمت بها، لكن جزاك الله خيرًا، ففكها كذا قال: الدراهم فيها عشرة واللي فيها مئة، قال: أنا أخذتها وأعطيتك إياها مباشرة. قال: لا، لا بد لكنك أخفيتها، قال له: من يشهد لك؟ قال: هذا، صاحبي، والآن ورائي ويبين حقي، هذا صاحبي يشهد، وشهد، قال: نعم إن فيها مئة، زاد كم؟ تسعين، تشاجروا فيما بينهم، قالوا: إلى الحاكم، ذهبوا إلى الحاكم، لما ذهبوا إلى الحاكم ادعى صاحب المحفظة أن فيها مئة ريال، وأنه بعد أن أعطاه إياها هذا الرجل لم يجد إلا عشرة، قال: عندك شهود؟ قال: عندي ها الرجَّال، قال: تشهد؟ قال: نعم، أشهد، قال: تحلف أنت؟ قال: أحلف، الثاني المدَّعى عليه أقسم إقسامًا كبيرًا بأنه ما أخذ شيئًا، وأنها سقطت محفظته وأخذتها وأعطيته إياها مباشرة، فلما رأى كأن القاضي فهم، فلما رأى هذا حلف أيمانًا مغلظة أنه ما أخذ منها شيئًا، قال لهم: إذن المحفظة الآن ما هي محفظتكم، هذه ما محفظتك، هذه المحفظة لواحد ثاني سقطت منه ما فيها إلا عشرة، خليها عندي، فقطع عليهما الحيلة.
فيقال: إنهما الآن تورطا؛ تبغي تروح المحفظة والدراهم اللي فيها، ولا حصل شيء، كما يقول العوام: طيحات وشفاعات (
…
) إي نعم.
أقول: لا بد من معرفة الصفات، والأحسن أن يُشهد عليها، لكن من؟
طالب: من يثق به.
الشيخ: من يثق به.
طالب: ما الفرق بين التعريف في المسجد وبين النشدان في المسجد؟
الشيخ: ويش؟
الطالب: نشدان الضالة في المسجد وتعريفها في المسجد؟
الشيخ: نعم، أما إنشادها فأن يقول: من رب الجمل الفلاني أو اللقطة الفلانية، هذا حرام، وأما أن يقول: من ضاعت له هذه، فالفقهاء قالوا: إن هذا مكروه؛ لأن بينهما فرقًا عظيمًا؛ الثاني: محسِن يقول: من ضاع له هذا، لكن نحن نقول: ما دام الحديث: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ الضَّالَّةَ فَقُولُوا: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ» (3). فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يكون المسجد محلًّا لهذه الأمور، فأنت اكتب إعلانًا عند الباب، وإلا أنت قل عند الباب: من ضاعت له الشيء الفلاني.
بعض الناس الآن صاروا يتخذون طريقًا طيبًا يُعلقونها، يكون فيه مثلًا مكان تُعلَّق فيه الأشياء الضائعة، لكن أكثر ما أشوف في المساجد المفاتيح؛ اللي ما تنفع صاحبها، وما رأيت قط شيئًا معلقًا فيه دراهم.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- لو التقط ماشية مثلًا شاة أو بقرة صغيرة، لكنها موسومة عليها وسم.
الشيخ: إي نعم، ما تقولون في هذا؟ إذا التقط شاةً موسومة بوسم معروف صاحبه، هذه المسألة الذي يعلم صاحبها، ولكن المشكلة الآن أن الوسم قد يكون للقبيلة كلها، والقبيلة متفرقة فيُجعل الْحُكم كغيره، تُلحق بغيرها بأن ينشد عنها.
طالب: أحسن الله إليك، من عرَّف اللقطة حولًا تامًّا، وبقت اللقطة في ملكه قهرًا لو جاء بعد ذلك صاحب اللقطة، هل عليه أن يعود إلى صاحب اللقطة؟
الشيخ: إي، يعني ترجع إلى صاحبها.
الطالب: (
…
).
الشيخ: هذا ملك مشروط؛ لأن الحديث: «إِنْ جَاءَ رَبُّهَا» عام، «وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا» (1).
لكن الفرق، شوف لاحظ الفرق، أنه قبل الحول لا يمكن أن يتصرف فيها إلا عند الضرورة كما ذكرنا لكم فيما إذا وجد حيوانًا، وكان الإنفاق عليه كثيرًا فلا يتصرف، لكن بعد الحوْل له أن يتصرف فيها ببيع وشراء وهِبة وغير ذلك، هذا هو الفرْق، واضح الفرق ولَّا غير واضح؟ واضح.
طالب: أحسن الله إليكم، لو وجد أغراضًا مجتمعة وهي في آحادها لا تتبع همة أوساط الناس، وباجتماعها تتبعها عامتهم، فهل يأخذها جميعًا؟
الشيخ: لا، هذه جملة واحدة.
الطالب: المعنى هنا ما يدري هي لواحد أو لمتعدد.
الشيخ: ما دام في وعاء واحد.
الطالب: ليست كذلك هي في مكان متقارب جدًّا، يعني على طاولة أو شيء، لكنها مجتمعة تتبعها همة أوساط الناس.
الشيخ: فإذا غلب على ظنه أنها لواحد يُعرِّفها، أما إذا غلب على ظنه أنها ليست لواحد حكمها المجتمعة كالمنفردة.
طالب: (
…
) إذا كان فيه لقطة منفعة، هل يستنفع بها، ثم يعود على .. ؟
الشيخ: إي نعم، أما بعد تمام الحوْل فله أن ينتفع بها؛ لأنها ملكه، وأما قبل فإن احتاجت إلى نفقة كالحيوان يحتاج إلى علف، وسقي فله أن ينتفع بقدرها وإلا فلا، يعني لو كان إناء ليس له حق أن ينتفع بها.
طالب: (
…
) لو وجد ضالة، ثم أخَّر إنشادها حتى يئس صاحبها من وجودها، فهل نقول: إنه يقضي بعد هذه السنة أم نقول إنها تحرم عليه؟
الشيخ: لا، نقول: هو آثم في هذا، يعني لو أخَّر التعريف؛ لأن التعريف يجب أن يكون فورًا، فلو أخَّره فهو آثم، ويضمنها ضمان غصب.
طالب: (
…
) الشخص غني، وما انتبه أن المبلغ هذا سقط منه، فمن أخذها قبل السنة (
…
) لو مضت سنة (
…
).
الشيخ: ما يجوز؛ لأن رقم التليفون قد تكون انتقلت عن صاحب الرقم هذا إلى آخر، ما يكفي هذا، لا بد أن يعلن عنها، وهذه مهمة برأسها، وأخطأ في كونه لم يردها إلى أصحاب المفقودات؛ لأن ها دول مكلفون من قِبَل الدولة، وما وصلهم موصول؛ يعني أنت إذا أعطيتهم برئت ذمتك.
طالب: أحسن الله إليك، رجل سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك سرًّا أم جهرًا، وإذا قال: لا ردها الله عليك، يترتب على هذا مفسدة.
الشيخ: هذا تعزير له، يعني كون الرسول أمر بالدعاء عليه من باب التعزير، كما أمر بعدم تشميت العاطس إذا لم يحمد، فإذا رأى أنه لو أقام هذا التعزير عُزِّر هو، فلا يقول، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
طالب: أحسن الله إليك، لو أخَّرها؛ اللقطة لم يُعرِّفها، ثم بعد الحول أراد أن يُعرِّفها ولم يجد صاحبها.
الشيخ: لا، هذا ظالم معتدٍ.
الطالب: ماذا يصنع بها؟
الشيخ: يصنع بها على أن يبيعها، ويتصدق بثمنها مع الإثم.
طالب: أشكل عليَّ الجمع بين حديثين.
الشيخ: أيش؟
الطالب: أشكل عليَّ الجمع بين حديثين (
…
) الجهني (
…
) لما أراد أن يعرفها ثلاث سنوات.
الشيخ: أيش.
الطالب: (
…
) فقال: عرِّفها (
…
).
الشيخ: يعني هذه قضية عين؛ لأنه إذا ورد هذا الشيء في شخص معين مثل إجابة عن سؤال، فهذه قضية عين نأخذ بالألفاظ العامة:«عَرِّفْهَا سَنَةً» .
طالب: متى يا شيخ تلزم اللقطة؟ هل بأخذها أو مغادرة المكان؟
الشيخ: أيش لون؟
الطالب: لو أخذ اللقطة.
الشيخ: متى تلزم؟
الطالب: ما هي أحكام اللقطة بالتعريف وغيره، لو أخذ اللقطة فغادر بها، ثم ردها؟
الشيخ: إي نعم، إذا أخذها بنية الالتقاط لزمه، فلو ردها صار ضامنًا، وإذا أخذها بنية دفعها إلى جهة مسئولة فليس بملتقطها.
الطالب: يردها.
الشيخ: أو مثلًا أخذها يريد أن يزيلها عن الطريق مثلًا، هذا ليس بملتقط.
الطالب: هل يردها يا شيخ؟
الشيخ: نعم.
الطالب: يردها إلى مكانها يا شيخ؟
الشيخ: متى؟
الطالب: متى أخذها يريد أن يردها إلى الجهة المسئولة، فلم يجدهم، فهل يردها إلى مكانها؟
الشيخ: لا، ينتظر إذا ردها إلى مكانها يكون ظالمًا.
***
طالب: قال المصنف رحمه الله تعالى في باب اللقطة: فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه، والسفيه والصبي يعرف لقطتهما وليهما، ومن ترك حيوانًا بفلاة لانقطاعه أو عجز ربه عنه ملكه آخذه، ومن أُخِذ نعله ونحوه ووجد موضعه غيره فلقطة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. رجل وجد لُقَطة فأخذها وهو غير آمن نفسه عليها.
طالب: يكون كالغاصب.
الشيخ: يكون كالغاصِب، يكون ضامنًا.
رجل آخر وجد لُقطة فأخذها، يظنها لا تتبعها همة أوساط الناس، فإذا هي ذهب، وظن أنها صفر، فإذا هي ذهب، هل يردها بمكانها أو لا؟
طالب: لا يردها لمكانها (
…
).
الشيخ: يعني لا يردها إلى مكانها وإلا ..
الطالب: (
…
).
الشيخ: نعم، اتفضل.
طالب: أخذها يا شيخ ..
الشيخ: هو أخذها على أنه صفر، ما تسوى ولا ريال، وإذ بها ذهب هل له أن يردها إلى مكانها أو لا؟
طالب: لا يردها.
الشيخ: لا يردها.
الطالب: لأنه؛ ربما في هذه المدة التي أخذها جاء صاحبها ولم يرها.
الشيخ: لا، هو في الحال واقف، أخذها من الأرض ونظر إليها وذهب ردها؟
الطالب: لا يردها.
الشيخ: لا يردها.
طالب: إن كان في مكان يأمن عليها من أن يأتي من بعده، يأمن أن يسرقها أو يأخذها من بعده، ولا يُعرِّفها فإنه في هذه الحال له أن يردها، أما إن كان يخاف عليها أن يأتي أحد فيأخذها لنفسه فلا يُعرِّفها.
الشيخ: هذا حتى وإن لم يأخذها إذا كان في مكان مهلكة فإنه يأخذها.
الطالب: ففي هذه الحالة.
الشيخ: هل أخذه إياها يُعتبر إلزامًا لنفسه بها أو لا؟ هذا هو السؤال.
طالب: (
…
).
الشيخ: هو أخذها على أنها ما تساوي شيئًا على أنه يملكها بالأخذ، لو علم أنها ذهب ما أخذها.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ (
…
) هو يأخذها ويعرفها إذا آمن نفسه.
الشيخ: هو آمن نفسه.
الطالب: يأخذها ويُعرِّفها، وإن كان هو ما آمن نفسه.
الشيخ: هو -بارك الله فيك- أخذها، شوفوا المسألة يا جماعة، وجد شيئًا أصفر فظنه من الأشياء الزهيدة هذه، فأخذه، فلما رآه وإذا هو ذهب، قال: هذا بيتعبني بالإنشاد عنه؟ هل له أن يرده أو يلزمه أخذه، أو يلزمه أن يأخذه ويدفعه إلى الحاكم؟
طالب: يأخذها ويُعرِّفها.
الشيخ: لا، على كل حال، ما يأخذها، له أن يردها؛ لأنه إنما أخذها على وجه أنها لا تساوي شيئًا، وأنه يملكها، فإذا ردها في الحال فليس عليه شيء.
هل يحوز أن يتصرف في اللُّقطة بغير مصلحتها قبل الحول وبعده أو لا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم، قبل الحول وبعده؟
الطالب: قبل الحوْل وبعده.
الشيخ: وبغير مصلحتها؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: نعم، ويش تقولون؟
طالب: صحيح.
الشيخ: صحيح، إي نعم، ومع ذلك بعد الحول لا يتصرف فيها حتى، كمِّل.
طالب: حتى يُعرِّفها.
الشيخ: هو عرَّف، انتهى الحول.
طالب: يُشهِد عليها.
الشيخ: نعم.
الطالب: يُعرِّف أوصافها ويُشهد.
الشيخ: لا يتصرف فيها حتى يعرف أوصافها ويضبطها، أحسنت.
بقينا فيما سبق، وأنه يملكه بعده حكمًا، هذا ما قررناه وهو المذهب، لكن وجدت قولًا آخر أنها لا تدخل في ملكه إلا إذا شاء، وعلى هذا القول تبقى في يده أمانة إذا تلفت من غير تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه، هذه واحدة.
الثانية: ذكرنا لكم أن هناك قولًا آخر أنها إذا تلفت بعد الحول فهي غير مضمونة إذا لم يتعدَّ أو يفرط، كما لو كان ذلك قبل الحول والمذهب يضمن على كل حال.
فيه قول آخر؛ أنه لا يضمن على كل حال عكس المذهب، يقول: لأنه ما دام دخلت ملكه فهي ملكه، لو ذبح الشاة مثلًا أو أنفق المال فليس عليه شيء؛ لأنه ملكه، وإذا جاء صاحبها قال له: أنا أنشدتها لمدة سنة، وتمت السنة فملكتها.
ثم قال المؤلف: (فمتى جاء طالِبُها فوصفها لزم دفعها إليه)(متى) اسم شرْط جازم؛ والمعنى في أي وقت أتى صاحبها فإنه إذا وصفها تُدفع إليه.
وقوله: (طالبها) أي من طلب هذه اللُّقطة.
(فوصفها) أي: ذكر صفاتها، وكان ما ذكره طبق الواقع لزم دفعها إليه، يلزم مَنْ؟ يلزم الواجد.
(دفعها إليه) أي: إلى الواصف؛ لأن هذه يد لا يدَّعيها أحد حتى الذي هي في يده لا يدعيها.
وقول المؤلف: (لزم دفعها إليه) ظاهر كلامه أنه يلزم الدفْع إليه فورًا وهو كذلك، إلا إذا قال: أبقِها عندك وسأرجع؛ فتبقى عنده أمانة، وظاهر كلامه أنه يلزم الدفْع إليه بدون بينة ولا استحلاف؛ يعني بمعنى أن الواجد لا يقول للمدَّعي أنها له، هاتِ بينة، وذلك لأنه لا منازع له؛ أي لا منازع للواصف لها، وكذلك أيضًا لا يلزمه اليمين؛ لأنه لا منازِع له.
إذن نقول: لزم دفعها إليه ببينة أو لا؟
طلبة: بغير بينة.
الشيخ: بيمين أو بغير يمين؟
طلبة: بغير يمين.
الشيخ: لماذا؟
طلبة: لأنه لا منازع له.
الشيخ: لأنه لا منازع له، وهل له أن يمتنع حتى يُشهد أو لا؟
الجواب: ليس له ذلك؛ لأنه سيُقبل قوله في دفعها إلى ربها؛ لأنه مُتبرِّع؛ والمتبرع يُقبَل قوله في رد العين إلى مالكها، وهذا هو المشهور.
وقد يُقال: له أن يمتنع حتى يُحضِر بينة لتسليمها؛ لأنه ربما يأتي واصفها يومًا من الدهر ويقول: إنه قد ثبت أنك وجدت هذه اللقطة التي هذه صفتها وأعطينيها.
هو على كل حال لو قال: أعطينيها سيُقبل قوله في الدفع، لكن هو يقول: أنا أريد أن أُشهِد لأسلم من الإحضار إلى الحاكم أو توجه اليمين إليَّ، فإذا كان يُلاحظ ذلك فله الحق أن يقول: لا أدفع حتى يحضر شهود يشهدون أني دفعت إليك هذه اللُّقطة لئلا يعود فيدَّعي عليه أنه لم يقبضها منه.
(لزم دفعها إليه)، قال:(والسفيه).
قوله: (فمتى جاء طالبها) عمومه يشمل إذا جاء قبل الحول أو بعد الحول.
قال: (والسفيه والصبي يُعرِّف لُقطتهما وليهما)، (السفيه) هو الذي لا يُحسن التصرُّف في ماله، ولو كان بالغًا ما بلغ من السنين ما دام لا يُحسن التصرف في ماله فإنه يجب إقامة ولي له؛ أي لماله. وسبق هذا في باب الحجر.
(الصبي) من دون البلوغ، ولم يذكر المؤلف المجنون، لكنه لا شك أنه من باب أولى، لو أن شخصًا مجنونًا أتى إلى أهله يومًا من الدهر وبيده ذهب، فسألوه، فجعل يشير إلى السوق، فهذه تُعرَّف على أنه ربما يقال: إن المجنون يختلف عن الصبي، الصبي يُعرف إذا قيل: من أين؟ قال: وجدتها في المكان الفلاني، والمجنون؟
طالب: لا يعرف.
الشيخ: لا يعرف، فقد يكون سرقها من بيت، أو استلبها من لابسته؛ استلب الحلي من لابسته، وعليه فلا يكون لُقَطة، لكنه بالحقيقة في حكم اللُّقطة.
(يُعرِّف لقطتهما وليهما) وجوبًا؟ نعم، وجوبًا فيُنشد من ضاع له المال الفلاني؟ فإذا جاء طالبه ووصفه لزم دفعها إليه.
وظاهر كلام المؤلف: أنه لو عرَّفها الصبي لم يُجزئ، لو عرَّفها السفيه لم يجزئ؛ وذلك لأن الناس لا يثقون بقول الصبي، فقد يُحجم صاحبها عن ادعائها؛ لأنه يظن أن الصبي يلعب؛ فلذلك نقول: يجب أن يُعرِّفها الولي، وتعريف السفيه أو الصبي لا يكفي؛ أما الصبي فواضح، وأما السفيه ففي النفس منه شيء؛ لأن السفيه ليس كالصبي؛ كل الناس إذا رأوا هذا الرجل البالغ الملتحي يُعرِّف لُقطة فإنه يبعد أن يظن أنه يتلاعب.
(ومن ترك حيوانًا بفلاة لانقطاعه أو عجز ربه عنه ملكه آخذه) ألحقه المؤلف بباب اللقطة؛ لأنه شبيه بها، إنسان معه حيوان بعير، بقرة، شاة، انقطع، صار لا يمشي، فتركه ربه رغبة عنه فهو لآخذه؛ لمن وجده، وأصل هذا حديث جابر أنه كان على جَمَل له فأعيا، فأراد أن يُسيِّبَه (4).
ولكن لو ادعى مالكه أنه لم يتركه رغبة عنه، لكن تركه ليرجع إليه بأن يُعالجه حتى يقوى ويسير بنفسه، فالأصل حُرمة المال.
وعلى هذا فمن وجده، وأخذه على أنه ملكه؛ يضمن إذا ادعى صاحبه أنه تركه ليرجع إليه، لكن إذا علمنا بالقرائن القوية أنه تركه رغبة عنه، وأنه لا حاجة له فيه كما لو كان الحيوان هزيلًا جدًّا، لا يصلح للذبح ولا للركوب إن كان من المركوبات، ولا يصلح لشيء أبدًا، فهنا نقول: يأخذه مالكه.
وقوله: (أو عجز ربه عنه) يعني أن الحيوان لم ينقطع نشيط، لكن عجز كبعير تمرَّد على صاحبه، وأبى أن يذهب فإنه يملكه آخِذه؛ لأن صاحبه تركه عجز وخلَّاه.
القول الثاني: في هذه المسألة أن واجده لا يملكه، فليبقَ على ملك صاحبه، ولكن للآخذ أُجرة الْمِثل، وهذا مبني على ما سبق أن من أنقذ مال شخص من هلكة فله أُجرة الْمِثل.
القول الثالث: أنه يُفرَّق بين من تركه عجزًا، ومن تركه لانقطاعه، فمن تركه لانقطاعه ملكه آخِذه، ومن تركه عجزًا لم يملكه آخذه (
…
).
طالب: يا شيخ -أحسن الله إليك- إذا قيل: اللقطة، التقطها المجنون لا تُملك بعد الحول لاحتمال كونها مسروقة أو كونها ..
الشيخ: إي نعم، إذا قيل: إن لُقطة المجنون لا تُعرَّف؛ لأنه ربما يكون قد سرقها.
الطالب: أو تعرَّف، لكن (
…
) بعد الحول لاحتمال كونها (
…
).
الشيخ: وهذا، الظاهر أن المؤلف أسقط المجنون لهذا السبب.
طالب: (
…
) عجز عنه هو لو أعطاني قيمة ثمينة ما أعطاه إياه، أيش لون هذا يا شيخ؟
الشيخ: كيف يعني؟
الطالب: يعني بعض الناس (
…
) أن قولين: قول: (
…
).
الشيخ: لمن أخذها.
الطالب: والقول الصحيح أن يردها عليه.
الشيخ: نعم.
الطالب: (
…
).
الشيخ: هذا مما يؤيد أنه إذا تركه لعجزه عنه فهو باقٍ على ملكه.
الطالب: (
…
).
الشيخ: ما فيها شك، الزمن والنياق.
الطالب: (
…
).
الشيخ: والناقة التي تبغي تريدها ما.
الطالب: الناقة ما تهوش.
الشيخ: ما تهوش.
الطالب: ما تهوش من ولدها، بس من ولدها الصغير تهوش، وغيره ما تهوش.
طالب آخر: (
…
).
الشيخ: أيش؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: هذا يحتاج إلى دليل، كل من ذكر شيئًا محددًا يحتاج إلى دليل، إحنا نقول: يُعرَّف حسب العادة وحسب العرف.
طالب: الإعلان في الجرائد عن اللُّقطة، هل (
…
)؟
الشيخ: لا، الإعلانات في الجرائد أعم من وجه وأخص من وجه؛ من جهة أن الجرائد تنتشر في البلاد تكون أعم؛ أعم من أنك تتحرك في البلد بنفسك، ومن جهة هو ليس كل واحد يقرؤها يكون التعريف أعم؛ لأن ..
طالب: أخص.
الشيخ: أعم -بارك الله فيكم- لأن التعريف كل أهل البلد يسمعونه، لكن الجريدة يمكن نصفهم ما يقرؤها، فكل واحد أعم من وجه، والظاهر أنه لا تكفي، لكنها نعم من طرق أو من وسائل الإنشاد، لكنها لا تكفي، لا بد أن يسمع الناس. نعم، قل يا أخي.
طالب: (
…
) حديث زيد بن خالد الجهني، لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في (
…
) الشاة، وإنما ذكره في الأول .. سبعون ألف سنة، شاة.
الشيخ: إي نعم؛ لأن الغالب أن الشاة ما تبقى، ولهذا قال:«لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» (1).
تخيل أن إنسانًا قاعدًا يكد على شاة لمدة سنة، قد تُتعبه يبيعها مثلًا أو تكون نفقتها كبيرة.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى في باب اللقطة: ومن أُخذ نعله أو نحوه ووجد موضعه غيره فلقطة.
باب اللقيط: وهو طفل لا يُعرف نسبه، ولا رقه نُبذ أو ضل، وأخذه فرض كفاية، وهو حر، وما وجد معه أو تحته ظاهرًا أو مدفونًا طريًّا، أو متصلًا به كحيوان وغيره، أو قريبًا منه فله، ويُنفق عليه منه وإلا فمن بيت المال.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إذا وجد السفيه أو الصبي لُقطة، فمن الذي يُعرِّفها؟
طالب: وليهما.
الشيخ: وليهما، وجوبًا.
الطالب: وجوبًا.
الشيخ: وجوبًا، هل يلزمه أخذها منهما؟
طالب: يلزمه.
الشيخ: يلزمه؟ لماذا؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: أيش؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: لأنه لا يأمن أن تتلف أو تضيع بأيديهم. إذا تركها بأيديهم، هل يضمن أو لا يضمن؟
طالب: يضمن.
الشيخ: يضمن، لماذا؟
الطالب: لأنه يجب عليه (
…
).
الشيخ: لأنه مُفرِّط بترْك ما يجب عليه من أخذِها منهما. طيب رجل ترك حيوانًا بفلاة، فما الحكم؟ فصل.
الطالب: (
…
).
الشيخ: نعم.
الطالب: (
…
).
الشيخ: إذا تركه رغبةً عنه فهو لواجِده، وإن تركه عجزًا.
الطالب: لواجده.
الشيخ: لواجده أيضًا. توافقونه على هذا؟ نعم.
طالب: (
…
).
الشيخ: كيف يعني؟ يعني أنه ليس لواجده، بل هو لربه وعليه أجرة الْمِثل، فيه ثالث تقول؟ ما هو؟
الطالب: إذا كان تركه (
…
)، وإذا كان ما قدر عليه ..
الشيخ: عجزًا.
الطالب: عجزًا.
الشيخ: فهو لمالكه، وعليه أجرة الْمِثْل، هذا القول الأخير هو الصحيح؛ لأنه فرَّق بين الذي انقطع، وصار لا يصلح للاستعمال وبين شيء عجز عنه ربه.
فالثاني نقول: هو لربه ولواجده أجرة المثل؛ لأنه أنقذه من هلكة؛ إذ إن الفلاة لا يُؤمَن عليه فيها.
ثم قال المؤلف: (ومن أُخذ نعله أو نحوه ووجد موضعه غيره فلقطة).
قوله: (من أُخذ نعله) معروف النعل؛ أو غيره: كعصاه، مشلحه، كتابه، وما أشبه ذلك، ولهذا قال:(ونحوه) ولم يحدد المؤلف.
لكنه (وجد موضعَه) أي: في موضِعه، فموضع هنا منصوبة على أنها ظرف مكان.
(وغيره) مفعول (وجد).
(فلقطة) أي: فهو لقطة، ما هو اللقطة؟ الموجود في مكانه يكون لُقطة.
مثال ذلك: هذه الرفوف التي للنعال وضع نعله في رف، ولما خرج من المسجد وجد في مكان نعله نعلًا غيرها، ونعله مأخوذة فنقول له: هذا الذي وجدته لُقطة، وأما نعالك فابحث عنها، وذلك لاحتمال أن يكون سارقٌ سرقها، ثم جاء آخر، ووجد هذا المكان ليس فيه نعل، فوضع نعله فيه، هذا احتمال وارد ولَّا غير وارد؟
طلبة: وارد.
الشيخ: وارد، ومن باب أولى إذا وضعت النعال عند باب المسجد، ثم خرج ولبس نعليه، لكن وجد فيه نعالًا أخرى فإنا نقول: نعلك ضائع، وما وجدتَ موضعه فإنه لقطة.
لو قال قائل: ليس في المسجد إلا أنا وآخر دخلنا جميعًا، أو دخل قبلي، أو دخلت قبله، لكن ما فيه أحد إلا نعلي ونعله، ثم إن الرجل خرج وأخذ نعلي، ولما خرجت لم أجد إلا هذا النعل، فهنا قد يجزم الإنسان مئة بالمئة أن الرجل الذي كان في المسجد غلط، وأخذ نعليه؛ نعلي الرجل الآخر أو تعمَّد، فكيف نقول: إنها لقطة؟
لأن الحكم بأنها لُقطة يستلزم أحد أمرين: إما أن يدعها الإنسان ويذهب إلى أهله حافيًا، وإما أن يأخذها ويُعرِّفها، وفيها صعوبة، ولكن هذا كلام الفقهاء رحمهم الله، يقولون: لأنه إذا كان فيه احتمال من مئة احتمال، فإن الأصل حُرمة مال الغير، ولا يمكن أن يأخذها ويتصرف فيها.
لكن إذا غلب على الظن أن المسألة فيها خطأ كالمثال الذي مثَّلته أخيرًا، رجلانِ في المسجد نعالهما تتشابهان، خرج أحدهما، وأخذ نعل صاحبه وأبقى نعله، هنا تكاد تقول: إنه مئة بالمئة، هذا النعل الباقي هو نعل صاحبي، وأن صاحبي أخذ نعلي.
ففي هذه الحال نرى أن يبحث عن الرجل؛ لأن مالك هذا النعل معلوم، فإن لم يجده فلينظر الفرْق بين قيمة نعله وهذا النعل الذي وجده، فإن كان نعلُه أحسن من هذا النعل أخذه واكتفى، وإن كان النعل الموجود أحسن من نعله فإنه يجب أن يتصدَّق بالزائد في ثمن هذا الموجود لصاحبه؛ لأن صاحبه الآن غير موجود، هذا إن أيس من صاحبه، أما إذا لم ييئس فهنا نقول: انتظر، ربما يرجع، لأن أحيانًا يغلط الإنسان، فإذا وصل إلى بيته مثلًا عرف أنه غلطان، فرجع يطلب نعليه، فنقول: انتظر، فإذا أيست من صاحبها فخذها، على أن الغالب -بالنسبة للنسيان- أنه لا يقع؛ لأن الرِّجل التي اعتادت على نعل مُعيَّن تعرف نعلها، الإنسان من يوم يلبس النعل يعرف أن هذا نعله أو نعل غيره.