الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب الطلاق)
يُباحُ للحاجةِ، ويُكْرَهُ لعَدَمِها، ويُسْتَحَبُّ للضَّرَرِ، ويَجِبُ للإيلاءِ، ويحرُم للبِدعةِ، ويَصِحُّ من زوجٍ مكَلَّفٍ ومُمَيِّزٍ يعقله، ومَن زالَ عَقْلُه مَعذورًا لم يَقَعْ طلاقُه وعَكْسُه الآثِمُ، ومَن أُكْرِهَ عليه ظُلْمًا بإيلامٍ له أو لولدِه أو أَخْذِ مالٍ يَضُرُّه أو هَدَّدَه بأَحَدِها قادرٌ يَظُنُّ إيقاعَه به فطَلَّقَ تَبَعًا لقولِه لم يَقَعْ، ويَقَعُ الطلاقُ في نِكاحٍ مختلَفٍ فيه، ومن الغَضبانِ،
[مدخل]
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب الطلاق، يباح للحاجة، ويكره لعدمها، ويستحب للضرر، ويجب للإيلاء، ويحرم للبدعة، ويصح من زوج مكلف ومميز يعقل، ومن زال عقله معذورًا لم يقع طلاقه، وعكسه الآثم.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى:(كتاب الطلاق) الطلاق هو فراق الزوجة، ويكون قبل الدخول، ويكون بعد الدخول، ولا يكون قبل العقد. فهنا ثلاثة أزمنة: قبل العقد وبعده، وقبل الدخول، وبعد الدخول.
أما قبل العقد فلا يقع؛ لأنه طلاق، حل قيد النكاح، الطلاق: حل قيد النكاح، وإذا وقع قبل العقد فإنه ليس هناك عقد يُحلُّ، فلا يقع قبل العقد، حتى وإن خص المرأة فقال: يا فلانة، إن تزوجتك فأنت طالق، وتزوجها فإنها لا تطلق، لماذا؟ لأن هذا قبل العقد. ولو قال لها: يا فلانة، إن كلمتِ فلانًا فأنتِ طالق، ثم تزوجها فكلَّمت فلانًا، فإنها لا تطلق؛ لأن هذا قبل العقد. والطلاق حل قيد النكاح، يعني حل العقد؛ عقد النكاح، وهذا ليس هناك عقد حتى يقال إنه حلَّه.
إذا وقع بعد العقد وقبل الدخول فهو واقع؛ لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]، فإذا عقد على امرأة وقبل أن يراها وقبل أن يخلو بها قال: هي طالق، تطلق. الثالث، الزمن الثالث: إذا كان بعد العقد والدخول، يقع أو لا؟ يقع، ولا إشكال فيه.
طيب، لو قال: إن تزوجتك فأنتِ طالق، ما تقولون؟
طلبة: لا يقع.
الشيخ: لا يقع، لماذا؟ لأنه قبل العقد. ولو قال لرقيق، عبد مملوك: إن ملكتك فأنت حُر، فملَكَه؟ لا يقع، قياسًا على الطلاق.
فالطلاق قبل عقد النكاح لا يقع، والعتق قبل الملك لا يقع، وإلى هذا ذهب كثير من العلماء وقالوا: إن الإنسان ليس عليه عِتق فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك. ولكن الإمام أحمد رحمه الله ذهب إلى أن العتق يقع، إذا قال للعبد: إن ملكتك فأنت حر، فملكه، صار حُرًّا، وفرَّق بينه وبين الطلاق؛ لأن الملك يراد للعتق؛ يعني أن الإنسان يشتري العبد ليعتقه، لكن النكاح لا يراد للطلاق، يعني لا يمكن أن يقول إنسان: إنه نكح فلانة ليطلقها، أو لا؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لا يمكن أبدًا، اللهم إلا في مقام التحريم، إذا أراد أن يتزوج امرأة طلقها زوجها ثلاثًا من أجل أن يحللها له، وهذا النكاح لا يصح أصلًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المحلِّل والمحلَّل له (1).
على كل حال الطلاق يُشترط أن يكون بعد عقد النكاح، فإن وقع قبله فلا طلاق سواء كان معلقًا أو منجزًا.
أما حكمه فقال المؤلف: (يُباح للحاجة)، يعني يجوز أن يطلق الإنسان زوجته عند الحاجة، ومتى يكون عند الحاجة؟ إذا عرف الرجل أن زوجته قد سئمت البقاء معه، وأنها ترغب أن يطلقها رغبة حقيقية، فنقول هنا: لا بأس، لكنه كما سيأتي يُستحب إذا كان لحاجة الزوجة، وإن كان لحاجة الزوج فهو مباح، وعلى هذا فنقول:(للحاجة) أي: لحاجة الزوج إلى ذلك.
كيف الحاجة؟ مثل أن يرى أن المقام معها سيكون نكدًا صعبًا، فهنا يُباح له أن يطلق، وإن كانت تكره المرأة الطلاق؟ نعم، وإن كانت تكره؛ لأنه أحيانًا يتزوج الإنسان امرأة على زوجته الأولى، فيجد نكدًا وتنغيصًا، فيرى أن الحاجة داعية إلى أن يطلق إحدى المرأتين، فهنا نقول: لا بأس، ولكن الأفضل مع هذا أن يصبر، وألا يتعجل بالطلاق؛ لقول الله تبارك وتعالى:{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، ينبغي أن يصبر ويحتسب، والله تبارك وتعالى مُقلِّب القلوب، فربما يكون بغضه إياها محبة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً» ، أي: لا يبغضها «إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا خُلُقًا آخَرَ» (2).
الخلاصة: الحكم الأول في الطلاق أنه مُباح، متى؟ إذا احتاج الزوج إلى ذلك.
قال: (ويُكره لعدمها) يعني مع استقامة الحال وعدم الحاجة إلى الطلاق يُكره أن يطلق، لما في ذلك من كسْر قلب المرأة ومفارقتها، ولا سيما إن كانت (
…
)، لا سيما إن كان معها أولاد، أو كانت فقيرة، أو ليس لها أحد في هذا البلد، فإنه يتأكد كراهة طلاقها، فلا ينبغي أن يطلق.
(ويستحب للضرر)(يستحب) يعني يُطلب من الإنسان أن يطلق إذا كان هناك ضرر، كيف الضرر؟ يعني ضرر عليه أو على المرأة، أو عليهما جميعًا؟ عليهما جميعًا، إذا كان بقاء الزوجة معه يسبب ضررًا عليه في ماله، أو بدنه، أو سمعته، أو ما أشبه ذلك فليُطلق استحبابًا، وكذلك إذا كان على المرأة ضرر، مثل أن يراها متألمة، كلما دخل عليها وجدها تبكي، يا بنت الحلال، ويش فيكِ؟ قالت: أنا أريد الطلاق، أنا عجزت أن أبقى معك، فهنا نقول: الأفضل أن يطلق، لما في ذلك من إزالة الضرر.
(ويجب للإيلاء) يعني يجب الطلاق عند الإيلاء، أيش معنى الإيلاء؟
الإيلاء أن بعض الأزواج يُسلَّط فيحلف ألا يجامع زوجته، يقول: والله لا أجامعها، الزوجة تريد الجِماع كما أن الرجل يريد الجماع، فقيل له: لك مدة أربعة أشهر، إذا تمت الأربعة، فإما أن تطلق وإما أن ترجع؛ لقول الله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} أي رجعوا إلى زوجاتهم {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226، 227]، وعلى هذا نقول للزوج الآن: تمت أربعة أشهر، يجب عليك أن تطلق أو ترجع، إذا قال: ما أنا راجع، نقول: يجب أن يطلق، فإن أبى أن يطلق طلَّق عليه القاضي.
إذن يجب متى؟ للإيلاء.
لو قال قائل: هل يجب بالنذر؟ يعني لو نذر الإنسان أن يطلق زوجته، هل يجب أن يطلق؟
لا، بل نقول: لا تُطلِّق، وكفِّر عن النذر؛ لأن هذا النذر أدنى أحواله أن نقول: إنه نذر مكروه، والنذر المكروه لا يوفى به، لكنه يكفر كفارة يمين.
(ويحرم للبدعة) يعني يحرم أن يطلق طلاق بدعة. وهنا تعبير غريب: الفقهاء لا يتكلمون عن الشيء من حيث البدعة والسنة، الذي يتكلم عن البدع والسنن وأقسامها هم أصحاب العقائد والتوحيد، لكن في هذا الباب جعلوا سنة وبدعة رحمهم الله.
الطلاق البدعي الذي يكون حرامًا: إذا طلق من عليها العدة وهي حائض، أو في طُهر جامعها فيه. انتبه: إذا طلق من تلزمها العدة في حيض، أو طُهر جامع فيه. أعيد مرة ثانية، أزيد القيد: إذا طلق من تلزمها العدة بالحيض، في حيض، أو في طهر جامعها فيه.
فقولنا: إذا طلق من تلزمها العدة، خرج به إذا طلق من لا تلزمها العدة، وهي التي لم يدخل بها، فإذا طلق من لم يدخل بها وهي حائض فالطلاق طلاق سُنَّة وليس ببدعة، لماذا؟ لأنه لا عِدَّة عليها، وعلى هذا فلو تزوج إنسان امرأة وبعد مدة رغب عنها قبل أن يدخل بها، ثم طلقها فقيل: إنها حائض، فالطلاق واقع وليس حرامًا؛ لأنه ليس عليها عدة.
طيب، قولنا: من تلزمها العدة بالحيض، خرج به الحامل، الحامل تلزمها العدة بماذا؟ بوضع الحمل، وخرج به مَنْ عدتها بالأشهر، من هي التي عدتها بالأشهر؟ هي الصغيرة والآيسة، قال الله تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]، فإذا طلق الحامل، ولو كان قد جامعها فالطلاق سُنَّة، يعني طلاق سُنَّة ليس ببدعة؛ لأنه لا يلزمها العدة بالحيض.
طيب، ولو طلَّق آيسة وهي حائض؟ يصح ولَّا ما يصح؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: ليش؟ هي آيسة، كيف يُطلقها وهي حائض؟
لو طلَّقها بعد جماعها، هل هو بدعة ولَّا غير بدعة؟ غير بدعة؛ لأنها ممن لا تلزمها العدة بالحيض.
طيب، في حال الحيض أو الطهر الذي لم يجامعها فيه، لو طلقها وهي طاهر طُهرًا لم يجامعها فيه فالطلاق سُنَّة وليس ببدعة. إذن الطلاق البدعة ما هو؟
أن يطلق من تلزمها العدة بالحيض، في حال الحيض أو الطهر الذي جامعها فيه. هذا حرام.
طيب، هذا حرام طلاق بدعة بالزمن، هناك طلاق بدعة بالعدد: وهو أن يطلقها أكثر من مرة بأن يقول: أنتِ طالق، أنتِ طالق، إذا لم يرد التوكيد فهذا الطلاق مُحرَّم، يعني إرداف الطلاق بالطلاق حرام، وهو بدعة، لكن هل يقع أو لا يقع؟ أكثر العلماء على أنه يقع، والقول الراجح أنه لا يقع، يعني لو الإنسان طلق زوجته وقال: أنتِ طالق، أنتِ طالق، كم تطلق على القول الراجح؟ واحدة فقط؛ لأن الثانية بِدعة، والبدعة لا يجوز إقرارها، ولو قلنا بوقوع الطلاق لزم من ذلك إقرار البدعة، وإقرار البدعة منكر، ثم إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (3) يقتضي أن الطلقة الثانية مردودة لا تقع؛ لأنها غير مأمورين بها.
طيب، طلَّقها اليوم، قال: أنتِ طالق، غدًا قال: أنتِ طالق. كم تقع؟
طالب: طلقتان.
طلبة: (
…
).
الشيخ: واحدة أمس وواحدة اليوم؟ ! الجميع واحدة، لماذا؟ لأن الطلقة الثانية طلقة بدعة، والبدعة لا يمكن أن تقع، كُل بدعة ضلالة، و «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (3)، واضح ولَّا غير واضح؟ واضح. هذا ما أقرره، وهو الذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وقال: إن من تأمل هذا القول وجد أنه القول الذي لا يسوغ القول بخلافه؛ لأن أدلته قوية واضحة.
قال لزوجته: أنتِ طالق، ثم حاضت، وحاضت الثانية وقال: أنتِ طالق، يقع أو لا يقع؟
طلبة: لا يقع.
الشيخ: لا يقع؛ لأن هذا طلاق بدعة، وقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، الطلقة الأخيرة هذه التي بين الحيضة الثانية والثالثة ما هي طلقة لعدة؛ لأنه لو طلقها لم تستأنف العدة، إذا طلقها بين الحيضة الثانية والثالثة، وحاضت الثالثة انقضت عدتها، كما قاله الفقهاء رحمهم الله.
فهذا الرجل ما طلق لعدة، لو طلق للعدة لكان تستأنف العدة، وإذا لم يكن طلق للعدة فقد خالف أمر الله عز وجل، وإذا خالف أمر الله فقد عمل عملًا ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردودًا، هذا قول قد تتعجبون منه، لكنه كما قال شيخنا: إذا تأمل الإنسان الأدلة وجد أنه القول الذي لا يسوغ خلافه؛ لأنه واضح، وإن كان هذا خلاف رأي الجمهور.
إذن يحرم لأيش؟ يحرم إذا كان بدعة، يُباح، ويُكره، ويُستحب، ويجب، ويحرم، كم من الأحكام؟ خمسة، هذه هي الأحكام الخمسة، وقَلَّ أن تجد مسألة تجري فيها الأحكام الخمسة، لكن الطلاق تجري فيه الأحكام الخمسة، النكاح تجري فيه الأحكام الخمسة أيضًا، لكننا قد تجاوزناه وذكرناه فيما سبق.
قال: (ويصح من زوج) مفهومه: غير الزوج لا يصح منه، لا بد من زوج، فلو طلق قبل أن يتزوج؟
طالب: لا يقع.
الشيخ: نعم، لا يقع؛ لأنه من غير زوج.
لو قال الزوج: أنتِ، وقال صاحبه الذي إلى جنبه: طالق، المرأة الآن أمامهما، فقال الزوج: أنتِ، فقال ذاك: طالق، يقع الطلاق؟
طلبة: لا يقع.
الشيخ: ليش؟ ليس من زوج، هذا طلاق مُركَّب من زوج وأجنبي، لا يقع. وكما سمعنا أن رجلًا طلَّق زوجته ببيت، وكانت البيوت فيما سبق صغيرة، فقعدت الزوجة تصيح وتقول: أنا أم أولادك، كيف تطلقني، فأطلت من السطح امرأة الجار، وقالت: يا أبا فلان، كيف تطلق امرأتك أم الأولاد؟ فقال: وأنتِ طالق أيضًا! ! لكنه قيل: إنه قال: أنت طالق على (
…
) زوجتي، هل يقع الطلاق؟
طلبة: لا يقع.
الشيخ: ليش؟ ليس من زوج، فلا يقع الطلاق، لا بد أن يكون من زوج.
طيب، رجل تزوج امرأة بدون ولي وطلقها، هل يقع الطلاق؟ لا يقع الطلاق؛ لأن هذا النكاح غير صحيح، فلم تكن المرأة به زوجة، وهو لا بد أن يكون من زوج.
طيب، رجل تزوج امرأة بدون شهود، ثم طلقها؟ إن قلنا: إن الإشهاد شرط في الصحة لم يقع الطلاق؛ لأن النكاح لم يصح أصلًا، ولا بد أن يكون من زوج.
رجل تزوج امرأة في عدتها من الوفاة، امرأة تُوفي عنها زوجها، فقام رجل وتزوجها في العدة، ثم طلقها، يصح الطلاق؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: ليش؟ لأنه ليس من زوج؛ إذ إن العقد في العدة غير صحيح. رجل تزوج امرأة بنكاح شغار، ثم طلقها، يصح؟ لا يصح الطلاق، لماذا؟ لأن العقد غير صحيح، فهي ليست زوجة.
لعلكم تظنون أن قولنا: لا يصح الطلاق يعني لا يُفرَّق بينهما، وليس كذلك. أصلًا هي ليست زوجة، هي حكمًا مُفرَّق بينها وبين زوجها، فأنا شفت بعضكم يتلكأ إذا قلنا: لا يصح الطلاق يظن أنها لا تفارقه، لا بد أن تفارقه، لكن هذا الطلاق لا يُعتبر، فلا يُحسب عليه فيما لو تزوجها فيما بعد.
إذن يصح من أيش؟ (من زوج).
(مُكلَّف)، أي: بالغ عاقل، هذا معنى المكلف البالغ العاقل. وبماذا يحصل البلوغ؟
طالب: بإنبات شعر العانة.
الشيخ: إنبات شعر العانة.
الطالب: أو غلظ الصوت.
الشيخ: أيش؟ أو غلظ الصوت. طيب، وإن كان رجال له صوت دقيق من حين وُلد إلى أن يموت، ما يبلغ؟
الطالب: إذا احتلم.
الشيخ: إذا احتلم، إذا أنزل منيًّا بشهوة.
الطالب: إي.
الشيخ: طيب، هذه واحدة، ثنتان، الثالث؟ يعني أضربت عن غِلظ الصوت الآن؟
الطالب: لا، ما أضربت.
الشيخ: ما أضربت؟ !
الطالب: ما أضربت.
الشيخ: طيب، ما يخالف.
الطالب: لكن (
…
).
الشيخ: غلظ الصوت، إنزال المني بشهوة.
الطالب: إنبات شعر العانة.
الشيخ: هذه ثلاثة: إنبات شعر العانة، غلظ الصوت، إنزال المني بشهوة.
الطالب: إي، تجاوز العمر يا شيخ.
الشيخ: تجاوز العمر كم؟ عشرين؟
الطالب: لا.
الشيخ: كم؟
الطالب: ثمانية عشر.
الشيخ: ثمانية عشر! هذا بلوغ نظامي يا شيخ! !
طالب: أن يبلغ خمس عشرة سنة.
الشيخ: إذا بلغ خمس عشرة سنة. طيب، وماذا تقول في غلظ الصوت؟
الطالب: غير صحيح.
الشيخ: غير صحيح؟ يعني معناه ممكن يبلغ ولو كان صوته دقيقًا؟
الطالب: إي.
الشيخ: طيب، صحيح. انتبه يا أخي، الآن ما تعرف البلوغ؟ ! مشكلة هذه. إذن البلوغ يحصل بأيش؟ بواحد من ثلاثة أمور: إما إنزال المني بشهوة، وإما إنبات شعر العانة، وإما تمام خمس عشرة سنة.
(مكلف) يعني بالغ عاقل، عاقل يعني يدرك ما يقول، فيفهم الخطاب، ويرد الجواب، ويتصرف تصرف العقلاء، احترازًا من المجنون، المجنون لا يقع طلاقه. ولهذا قال رحمه الله:(ومميز يعلقه) يأتي الكلام.
إذن المكلف مَنْ؟ البالغ العاقل. إذا لم يكن بالغًا، فهل يقع طلاقه؟
بيَّن المؤلف الحكم، قال:(ومميز يعقله)، يعني ويصح الطلاق من مميز يعقل الطلاق، يعني يفهم ويش معنى الطلاق، فلو تزوج إنسان له عشر سنوات بامرأة وقال لها: أنتِ طالق، نسأل، نقول: هل تدري ويش معنى أنت طالق؟ قال: نعم، معنى أنتِ طالق يعني أنها غير مقيدة، تعمل بيديها، وتمشي، وتذهب، وتجيء؛ هذا معنى أنت طالق، هل يقع الطلاق؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا؟ لماذا؟
الطلبة: لأنه لا يعقل.
الشيخ: لأنه لا يعقل، ولا يدري ما هو. لكن لو قال: نعم، أنا أدري ما معنى أنتِ طالق، أي: أنك مفارقة لي، يقع أو لا يقع؟ يقع؛ لأنه مميز.
ثم قال: (ومن زال عقله معذورًا لم يقع طلاقه، وعكسه الآثم)، هذا محترز قوله:(مُكلَّف)؛ لأن المكلف قلنا هو البالغ العاقل.
إذا زال العقل فإما أن يكون معذورًا، وإما أن يكون غير معذور، المعذور كالذي أصابه جنون؛ هذا معذور لا يقع الطلاق، فلو أن الإنسان أُصيب بصرع -نسأل الله العافية- وفي أثناء ذلك جعل يقول: زوجتي طالق، زوجتي طالق، يقع طلاقه؟ لا؛ لأنه زال عقله معذورًا، ولو أنه نام، سمعناه في النوم يحلم، يهاوس زوجته: يا فلانة، أنت ما صلحتِ كذا، ما زيَّنتِ كذا، ليس تطلعين، أنت طالق مني بالثلاثة، يقع الطلاق؟
طلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟ نائم ما عنده عقل. وكذلك لو أُغمي عليه، وفي أثناء الإغماء جعل يقول: زوجته طالق؛ فإنها لا تطلق.
(وعكسه الآثم)، يعني عكسه من زال عقله وهو آثم فإنه يقع طلاقه، مثاله: رجل شرب الخمر -والعياذ بالله- عالمًا أنه حرام، وفي أثناء سكره قال: زوجته طالق، يقع الطلاق؟ على كلام المؤلف يقع الطلاق؛ لأنه آثم. من الذي أباح له أن يشرب الخمر؟ لا أحد، وعلى هذا فإنه يقع طلاقه.
لو غص بلقمه وعنده كأس خمر، وشرب الكأس لأجل أن يدفع اللقمة؛ لأنه إن لم يفعل هلك مات، فشرب، ثم سكر، يقع طلاقه أو لا يقع؟
طلبة: لا يقع.
الشيخ: ليش؟ لأنه معذور، يجوز هنا أن يشرب الخمر ليدفع اللقمة التي غص بها، فيكون معذورًا. وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، ويأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في الدرس القادم.
طالب: المؤالي من زوجه؟
الشيخ: المؤلي.
الطالب: المؤلي نعم، هل (
…
).
الشيخ: من الإيلاء (
…
) لا، بالأقراء. كل من ارتفع حيضها لسبب معلوم فإنها تنتظر حتى يعود الحيض.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- بالنسبة لطلاق الحائض، شيخ، القائلون بأن طلاق الحائض لا يقع، كيف يجيبون على رواية ابن عمر لما سئل: أحُسبت عليك؟ أجاب بأنه نعم حُسبت (4).
الشيخ: نعم، حُسبت عليه في الإثم، ويدل لهذا ما رواه أبو داود (5) بسند صحيح: أنه لم يرها شيئًا. وهذا هو الراجح
، والأدلة تدل على هذا، لكن جمهور العلماء على أنه يقع الطلاق، بالنسبة للإفتاء والعمل لا ينبغي أن نطلق بأنه لا يقع، أو بأنه يقع، لو جاءنا إنسان، وقال: إنه طلق زوجته الآن، وكانت أول طلقة قبل عشر سنوات في حيض، والطلقة الثانية قبل خمس سنوات بطُهر جامعها فيه، وهذه الطلقة الثالثة في طهر لم يُجامعها فيه، ماذا يريد من هذا الكلام؟ يريد أن نلغي الطلقة الأولى والثانية لأجل أن يصح أن يراجع، هذا لا نفتيه بأن الطلاق لا يقع، بل نقول: الطلاق واقع؛ لأنه حين طلق أول مرة كان ملتزمًا بأيش؟ بوقوع الطلاق، بدليل أنه لو تزوجت بعد انتهاء العدة أيهاجم الزوج ويقول: هذه زوجتي؟ أبدًا، وكذلك في الطلاق الثاني.
لكن لو جاءنا وهي في العدة وقال: إنه طلق وهي حائض، حينئذٍ نأمره كما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام ابن عمر أن يراجعها. انتبهوا لهذا؛ لأن العلم شيء والتربية شيء آخر، ولهذا كان عمر رضي الله عنه يمنع من رجوع الرجل إذا طلق ثلاثًا أن يرجع إلى زوجته (6)؛ تربية للناس.
وهذه مسألة يغفل عنها كثير من العلماء، لا أقول من طلبة العلم، بل حتى من العلماء، لا يسوسون الناس حتى يلتزموا بشريعة الله، خلاص: طلق وهي حائض ما يقع الطلاق! يا رجل، الآن، فكر أنه طلقها وهي حائض بالأول، أيش؟ ما فكر ولا (
…
)؛ ولهذا رأيت كلامًا للشيخ عبد الله أبابطين العالم المشهور الذي يسمى مفتي الديار النجدية يقول: إن بعضهم إذا طلق الثالثة قال: والله النكاح ما فيه شهود، عقد النكاح ما فيه شهود، أو فيه شهود يشربون الدخان، وشرب الدخان يوجب الفسق إذا أصر عليه الإنسان، وشهادة الفاسق غير معتد بها. يقول: ما شاء الله، الآن تدري أن شرب الدخان حرام، وأنها لا تصح شهادة شاربه؟ ! هذا غير صحيح، ولا يمكن الإنسان؛ لأن هذا تلاعب بالشرع.
فأقول الآن: إذا كان الشيخ عبد الله أبابطين رحمه الله قال: إنهم يقدحون في العقد، فنحن نقول: إنهم يلعبون بالطلاق. بالأمس كان الطلاق بالحيض جائزًا وواقعًا، ولو تزوجت امرأته ما راح يطالب، واليوم يقول: إنه طلق وهي حائض؛ ولهذا كثير من الناس الآن يأتوننا، يكون طلق زوجته الطلقة الثالثة، وكانت الأولى في حيض وهي حائض، يقول: والله أنا طلقتها وهي حائض، ما شاء الله! الآن صِرت فقيهًا، تعرف أن طلاق الحائض حرام وغير واقع؟ !
لذلك يجب يا إخواننا، أنتم طلبة علم، وإن شاء الله يُرجى لكم أن تكونوا من أهل الفتوى، انتبهوا لهذه المسألة: سياسة الخلق بالحق، فالعلم ليس هو العلم النظري، العلم نظري وتربوي، والنظر للتربية أمْر مهم، وأنا ذكرت لكم أنه من السياسة الشرعية سياسة عمر بن الخطاب، بل حتى القرآن ما هو سياسة عمر بن الخطاب، قال الله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ} [الأنعام: 108]، يعني لا يجوز أني أسب بوذا مثلًا لرجل يعبده، لماذا؟ إذا سببته جعل يسب الله، وسبه الله عدوًا بغير علم، وسبي لصنمه حق، لكنه لما كان يترتب عليه محرم مُنِع. إذن انتبهوا لهذه المسألة.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رأى الناس كثُر فيهم: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، قال: إن الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم (6). فأمضاه عليهم، وقال: ما يمكن ترجع لزوجتك، لماذا؟ لأنه هو الذي فعل ذلك بنفسه، طلقها ثلاثًا.
بيع أمهات الأولاد، يعني بيع السُّرية إذا جاءت بولد من سيدها، في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حلال، لكن الناس عندهم خشية من الله، لا يُمكن أن يبيع هذه السرية ولها أولاد منه، فيفرق بينها وبين أولادها، فكانوا لا يبيعون أمهات الأولاد إذا كان هناك ولد يُخشى أن يُفرَّق بينها وبينه، لكن في عهد عمر تجرؤوا، وصاروا يبيعون أمهات الأولاد مع وجود أولادهن الصغار، فمنع من ذلك (7)، مع أن البيع في الأصل حلال، لكن منع منه؛ لأن الناس تجرؤوا على فعل المحرم به، فمنعه.
هذه سياسة شرعية مستقاة من الكتاب والسنة وسنة الخلفاء الراشدين، وأكثر طلبة العلم لا يهتمون بهذا، ينظرون إلى صورة الواقع بقطع النظر عما يترتب عليه. وهذا نقص في العلم والتوجيه والتربية. نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق.
وأنا أهم شيء عندي هو تربية الخلق ليقوموا بالحق؛ هذا أهم شيء، لكن بشرط ألا يكون فيه تجاوز وتعدٍّ لحدود الله، فهذا لا يمكن أن يقول به أحد.
***
بسم الله الرحمن الرحيم
سبق لنا أن الطلاق تجري فيه الأحكام الخمسة، أي أنه يكون واجبًا، ومحرمًا، ومندوبًا، ومكروهًا، ومباحًا. وسبق أنه يصح من الزوج دون غيره، وأن الرجل لو قال لامرأة: إن تزوجتكِ فأنتِ طالق، ثم تزوجها فإنها لا تطلق؛ لأنه حين قوله ليس زوجًا لها.
وسبق أنه لا يصح إلا من مُكلَّف أو مميز يعقله، والمكلف هو البالغ العاقل، لكن من دون البلوغ إذا كان يعقل الطلاق فإنه يقع منه. لو طلق الرجل زوجة ابنه، أيقع الطلاق؟
طلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟ لأنه ليس زوجًا، حتى لو كان الابن مميزًا يعقل الطلاق، وطلق عنه أبوه وقال: إن هذه المرأة سيطرت على عقل ولدي، فأريد أن أطلقها؛ لأن بقاءها يضره، فإنها لا تطلق؛ لأن الطلاق لمن أخذ بالساق، أي للزوج فقط.
إذا طلَّق وهو غير عاقل؛ بمعنى أن عقله زال، فإنه لا يقع الطلاق إن كان معذورًا، ويقع إن لم يكن معذورًا. وعلى هذا فإذا طلق وهو نائم لا يقع الطلاق، وإذا طلق وهو سكران فيه تفصيل؛ إن كان قد شرب الخمر يعلم أنها خمر فإن طلاقه يقع، وإن كان شرب الخمر لا يعلم أنها خمر، فإن طلاقه لا يقع؛ لأنه معذور، وكذلك لو أُكرِه على شُرب الخمر فشرب، ثم طلَّق وهو سكران فإن طلاقه لا يقع؛ لأنه معذور.
طيب، لو بُنِّج، وفي أثناء البنج طلق، فطلاقه لا يقع؛ لأنه معذور.
ولهذا قال المؤلف: (ومن زال عقله معذورًا لم يقع طلاقه، وعكسه الآثم) يعني غير المعذور.
والصحيح في هذه المسألة: أنه لا يقع طلاقه سواء كان معذورًا أم غير معذور؛ وعلى هذا فطلاق السكران لا يقع. ودليل ذلك أن الحكم في الطلاق مرتب على عقله، أي على عقل الطلاق، والسكران لا يعقل الطلاق، ولا يدري ما يقول بنص القرآن الكريم، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]، والسكران لا يعلم ما يقول، والطلاق إنما يكون من شخص يعقله ويريده.
وقول بعض أهل العلم: إننا نُوقِع الطلاق عليه عقوبة له، فيقال: هذا غلط؛ لأن عقوبة السكران بالجلد، ولا يجوز أن نزيد على العقوبة التي جاءت بها السنة، ثم إن الطلاق إذا جعلناه عقوبةً على هذا السكران فهي عقوبة متعدية إلى مَنْ؟ إلى الزوجة، وقد يكون معها أولاد، وقد تكون هذه آخر طلقة، فيكون في هذا ضرر كثير.
فالصواب أنه لا يقع طلاق السكران، وهذا هو الذي رجع إليه الإمام أحمد أخيرًا، فقد قال رضي الله عنه ورحمه: كنتُ أقول بوقوع طلاق السكران حتى تبينته -يعني: حتى فكرت فيه وتبين لي- فرأيت أنه إذا وقع الطلاق أتيت خصلتين؛ حرمتها على زوجها وأحللتها لغيره، وإذا لم يقع الطلاق أتيت خصلة واحدة؛ وهي أنني أحللتها لزوجها لو قُدِّر أنها طلقت. وهذا نص صريح من الإمام أحمد على رجوعه عن القول بوقوع طلاق السكران.
لكن لو فُرِض أن هذا الرجل يسكر كل يوم، ويطلق كلما سكر، فهل الأولى أن نُوقع الطلاق أو لا؟
نقول: الأولى ألا نوقع، لكننا لا نُفتيه على طول بأن طلاقه لم يقع، بل نحصره مدة طويلة شهرًا أو شهرين أو ثلاثة، وهذا لا يضر؛ لأنه ليس هناك طلاق حتى نقول: يُخشى أن تنقضي العدة، بل نُؤجِّل الأمر عليه حتى يضيق ويتأدب ويتألم؛ لأن كوننا نقول لهذا الرجل اللي سكر وطلق زوجته وجاء يستفتي: لا طلاق عليك؛ لا يهمه أن يسكر مرة أخرى، لكن إذا قلنا: لا نفتيك، أنت فعلتَ محرمًا ولا عذر لك، ولا نفتيك بأنه لا يقع الطلاق، وكلما جاء رددناه، حتى ينحصر ويعلم أنه قد ارتكب أمرًا عظيمًا.
ثم قال: (ومن أُكرِه عليه) أي على الطلاق (ظلمًا) لا عدلًا (بإيلام له) إلى آخره.
من أُكره على الطلاق فطلَّق تبعًا للإكراه، نظرنا إن كان هذا الإكراه بحق فالطلاق واقع، وإن كان بغير حق فالطلاق غير واقع؛ مثال الأول؛ الإكراه بحق: المولي الذي آلى ألا يطأ زوجته سنة، فهذا نقول له: إذا تمت أربعة أشهر، نقول: إما أن تُطلق وإما أن ترجع إلى زوجتك وتجامعها.
نقول لهذا المولي الذي آلى ألا يجامع زوجته لمدة سنة إذا تمت أربعة أشهر: إما أن ترجع إلى زوجتك، وإما أن تطلق. فقال: لا أرجع ولا أطلق، فنلزمه أن يُطلق، فطلق لإلزامنا له بالطلاق، هل يقع الطلاق أو لا؟
طلبة: يقع.
الشيخ: يقع؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: مُكره؟ نعم، مُكره، لكنه مكره بحق، والمؤلف رحمه الله يقول:(من أُكره عليه ظلمًا)، وهذا أُكره بحق. ولو أن زوجًا أمسكه شخص، وقال: طلِّق زوجتك، سواء كان أباها أو أخاها أو أحدًا من أوليائها، أو رجلًا أجنبيًّا، طلِّق زوجتك، فأبى، فجعل يضربه ويؤلمه، فطلق، فهل يقع الطلاق؟ لا يقع؛ لأن هذا الإكراه بغير حق.
كيفية الإكراه؟ قال: (بإيلام له أو لولده)، (إيلام له) يعني جعل هذا الرجل يؤلمه؛ إما بعصر بطنه، أو عصر أنثييه، أو ضمه ضمًّا شديدًا يكتم نفسه، أو يضربه بإيلام، يؤلمه؛ هذا مُكره، أو يؤلم ولده، ومثلًا هذا الزوج معه ولد، فقيل له: طلِّق زوجتك، قال: لا أطلقها، فأخذوا الولد، وجعلوا يعصرون الولد، ويضربونه، ويؤلمونه، فطلَّق من أجل أن يفتك ولده، ماذا تقولون؟ لا يقع الطلاق؛ لأن هذا إكراه بالإيلام، فإذا طلق فإنه لا يقع الطلاق.
طيب، إذا حضر أبو المرأة وأبو الزوج والجماعة -كبار الجماعة- وقالوا للزوج: طلِّق، وكان يحب زوجته، ولزموا عليه كثيرًا حتى طلق إرضاءً لهم، هل يكون مكرهًا أو لا؟
الطلبة: (
…
).
الشيخ: المؤلف فسر الإكراه (بإيلام له أو لولده)، هذا ليس بإكراه، بعض الناس يأتي يستفتي يقول: أنا ما طلقتها إلا مكرهًا، حضر أبوها، وحضر أبي، وحضر فلان وفلان، وأمروني أن أُطلِّق، فاستحييت فطلقت. فيُقال: هذا ليس بإكراه، لماذا لم تصمم وتقول: أنا أحب زوجتي، وزوجتي ليس فيها مطعن في دينها ولا خلقها، ولا أُطلِّق؟ إذن هذا ليس بإكراه، حتى وإن كان الرجل طلق خجلًا وحياءً من أبيه وأبي زوجته وكبار الجماعة، فإن هذا لا يُعتبر إكراهًا؛ لإمكانه أن يصر على عدم الطلاق.
قال المؤلف رحمه الله: (أو أخذ مال يضره) يعني معناه استولى شخص على ماله، ولتكن السيارة، قال: يلَّا طلِّق زوجتك وإلا أحرقت السيارة الآن. فطلَّق، أيقع الطلاق؟
طالب: لا يقع.
الشيخ: لا يقع الطلاق؟
طالب: إذا كان يضره يا شيخ؟
الشيخ: معلوم يضره، سيارته التي يمشي عليها، ويذهب إليها، وأيضًا هي قيمتها عالية.
طالب: يقع.
طالب آخر: على قول المؤلف لا يقع.
طالب: لا يقع.
الشيخ: لا يقع الطلاق؛ لأن هذا المال يضره لا شك. أخذ منه قلمًا قيمته ريال، وقال: طلِّق وإلا كسرت القلم أمامك، فطلَّق، يقع أو لا يقع؟
طلبة: يقع.
الشيخ: ليش؟ لأن هذا لا يضر، قلم بنصف ريال لا يضر.
فالحاصل الآن: أخذ المال ميزانه الضرر، الضرب ونحوه ميزانه الإيلام.
فيقول المؤلف: (أو هدده بأحدها قادر يظن إيقاعه به).
(هدده بأحدها) أي: بالضرب المؤلم، أو بأخذ المال.
(قادر يظن) أي الزوج المطلق (إيقاعه به، فطلَّق، لم يقع) يعني هذا لم يضربه، ولم يؤلمه، ولم يأخذ المال، لكنه قال: إن لم تُطلق فعلتُ بك كذا وكذا، فطلَّق، أيكون مُكرهًا؟ نعم، مكره، يكون مكرهًا لا شك؛ لأن الزوج الآن يعتقد في ظنه أن هذا المهدِّد سوف يفعل ما هدد به.
طيب، لو هدده بذلك شخص، قال: إما أن تُطلق وإما أن أعصرك حتى تهلك، والزوج رجل كبير قوي، والمهدِّد صغير، يمكن للزوج أن يأخذه بيد واحدة، ويرمي به، فهدده بذلك، ثم طلق، يقع الطلاق أو لا؟
طلبة: يقع.
الشيخ: ليش؟ لأنه غير قادر على تنفيذ ما هدد به. فالحاصل أنه إذا وقع الإيلام فعلًا أو أخذ المال فعلًا فهو إكراه، وإذا هُدِّد بذلك نظرت؛ فيه التفصيل: إن كان المهدد قادرًا على أن يفعل، فهو إكراه ولَّا غير إكراه؟ إكراه ولا يقع به الطلاق، وإن كان غير قادر فإنه ليس بإكراه، ويقع الطلاق.
لكن المؤلف رحمه الله يقول: (فطلق تبعًا لقوله لم يقع) هذه نقطة مهمة، المؤلف رحمه الله اشترط في الإكراه أن يُطلِّق تبعًا لقول المكره بأن طلق يريد بذلك دفع الإكراه فقط، فإنه لا يقع الطلاق، فإن أراد إيقاع الطلاق؛ لأنه مُكره فإنه يقع.
مثال ذلك: هذا الرجل الذي أخذه الظالم وآلمه بالضرب طلق زوجته، في حال طلاقه إياها لم يتصور إلا أنه طلقها فعلًا، على كلام المؤلف يكون الطلاق واقعًا؛ لأنه قصد إيقاع الطلاق، أما إذا كان أراد بذلك أن يسلم من الأذى والإيلام؛ يعني دفع الإكراه فقط؛ فإنه لا يقع.
يعني فالمؤلف رحمه الله يفرق بين أن يطلق لدفع الإكراه، أو أن يطلق من الإكراه؛ إن كان طلَّق لدفع الإكراه فهو قد قصد دفع الإكراه، ما قصد الطلاق، والأعمال بالنيات، وإن طلق من أجل الإكراه فقد قصد الطلاق، لكن اللي حمله على الطلاق هو الإكراه، فيكون بذلك مُطلِّقًا ويقع الطلاق.
هذا التفصيل في كلام المؤلف، لكن القول الراجح: أنه لا يقع الطلاق سواء أراد التخلص من الإكراه أم أراد الطلاق من أجل الإكراه. الصواب أن حكم المسألتين واحد؛ لأن العلة هي أنه طلق مغلقًا عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» (8)، وهذا الرجل لولا هذا الإكراه ما طلق، فالصواب إذن أنه لا فرق بين الصورتين.
والأخ يبين لنا الصورتين، الفرق بينهما؟
طالب: الصورتان إما أنه يقع ويريد ..
الشيخ: إما أن يطلق.
الطالب: إما أن يطلق، وينوي بذلك دفع الإكراه، فهذا لا يقع.
الشيخ: نعم، إما أن يطلق مريدًا دفع الإكراه، فهذا لا يقع؛ لأنه لم ينوِ الطلاق.
الطالب: وأما إذا طلق وهو يريد بفعله التطليق فيقع الطلاق.
الشيخ: وإن طلق من أجل الإكراه؛ يعني أنه لما أكره طلَّق، وهو لولا الإكراه ما طلق، فهذا على كلام المؤلف يقع الطلاق؛ لأنه هنا قال:(فطلق تبعًا لقوله) لا قصدًا للطلاق، فصار كلام المؤلف يريد تفصيلًا، والقول الراجح أنه لا تفصيل فيه، وأن الطلاق لا يقع سواء أراد بذلك دفع الإكراه أو أراد الطلاق؛ لأنه إن أراد دفع الإكراه فإنه لم ينوِ الطلاق، والأعمال بالنيات، وإن طلق من أجل الإكراه فقد طلق مغلقًا عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» (8).
طالب: شيخ، عفا الله عنك، الصورة الثانية ما تبينت؟
الشيخ: أيهما؟
الطالب: الصورة الثانية في صورتي الإكراه؛ الصورة الأولى تخلصًا من الإكراه، فقلنا: إنه لا يقع.
الشيخ: نعم.
الطالب: والصورة الثانية أنه طلَّق تبعًا للإكراه، هل (
…
)؟
الشيخ: لا، ما هو تبع، طلَّق يريد الطلاق، لكن من أجل أنه أُكره عليه.
الطالب: طيب، لماذا يطلق في هذه الحال؟
الشيخ: نعم، هو طلق، قيل له: طلِّق وإلا حبسناك، أو ضربناك، أو أخذنا مالك.
الطالب: إذن هو أيضًا يُطلِّق من أجل الخلاص من هذه العقوبة التي (
…
).
الشيخ: لا، هو طلق يريد الطلاق، لكن لأنه أُكره عليه، وأما الصورة الأولى فهو لم يُطلِّق يريد الطلاق، لكن أراد الفكاك من هؤلاء الذين أكرهوه، ففرق بين الإرادتين؛ هذا أراد التخلص من الإكراه، وهذا أراد الطلاق؛ لأنه أُكره عليه.
طالب: شيخ، المؤلي إذا قال له القاضي: تطلق أو ترجع إلى أهلك، فيرجع يا شيخ في أربعة أشهر؟
الشيخ: إي نعم، يقول: المؤلي إذا قال له القاضي: إما أن ترجع لأهلك وإلا طلقنا عليك، أو تطلق أنت إجبارًا؟ إذا رجع مثلًا يومًا من الأيام، وجامع زوجته، ثم آلى ثانية؟ هذا نقول: على رأي من يرى أن الوطء لا يجب على الزوج إلا في أربعة أشهر، نقول: هذا قام بالواجب.
ولكن القول الصحيح أنه يجب عليه الوطء حسب العرف، وبناءً على هذا نقول: إذا آلى مرة ثانية، وعرفنا أن قصده الإضرار بالزوجة، فسخنا النكاح؛ لقوله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231].
طالب: شيخ، بالنسبة لطلاق السكران، بعض العلماء يفرق بين الطافح الذي ذهب عقله بالكلية، وبين من لا يزال في عقله شيء، ولكن سكران، يُطلق أنه سكران، ولكن بقي في عقله بقية؟
الشيخ: لا وجه لهذا التفريق؛ لأن الذي ليس سكره تامًّا لا يعلم ما يقول، كأنه في حلم ما يعلم.
الطالب: لكن يا شيخ، لو علم ما يقول، لكن ظاهره السكر.
الشيخ: السكران لا يقع طلاقه مطلقًا، الطلاق ليس بالأمر الهين، ولا ينبغي أن يُقال: نحتاط؛ لأن الاحتياط في بقاء المرأة ليس في الطلاق، والورَع في بقاء المرأة ليس في الطلاق؛ لأنك إذا حكمت بالطلاق وهو لم يقع أحللها للناس، وتزوجها الناس وهي ذات زوج، ولهذا أشار الإمام أحمد رحمه الله -فيما سقت لكم قبل قليل- إلى أننا إذا حكمنا بالطلاق أتينا خصلتين؛ منعناها من زوجها الذي الأصل بقاء نكاحه، وأحللناها لغيره.
ولهذا من قال: إن مسائل الشك الورع فيها التزام الطلاق، فإن قوله مردود، بل الورع في مسائل الشك هو إبقاء الزوجة، هذا هو الورع؛ لأن المسألة ما هي هيِّنة، المسألة أنك ستحرمها من زوجها وأولادها وتُحلها لآخر، أين الورع في هذا؟ ! لكن إذا أبقيتها مع زوجها ما فيه شيء، بقيت على الأصل. فالصواب أن جميع مسائل الشك في الطلاق، الأصل فيها بقاء النكاح؛ لأن هذا هو الورع وهو الحق، إي نعم (
…
)
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ويقع الطلاق في نكاح مختلَف فيه، ومن الغضبان ووكيله كهو، ويُطلِّق واحدةً، ومتى شاء، إلا أن يعين له وقتًا وعددًا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. طلاق المكره، هل يقع أو لا يقع؟
طالب: لا يقع يا شيخ.
الشيخ: لا يقع مطلقًا؟
الطالب: إذا كان أكره يعني بغير حق، أما إذا أكره بحق (
…
).
الشيخ: إن أكره بحق وقع، وبغير حق لا يقع مطلقًا.
طالب: شيخ، إذا كان لإيلام له أو لولده.
الشيخ: لا، هذا كيفية الإكراه.
طالب: أقول: يعني بالنسبة على ما مشى عليه صاحب الكتاب نقول: إن كان معذورًا فلا يقع، وإن كان ..
الشيخ: هو مُكره الآن مكره.
الطالب: مكره؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: المفترض المكره يعني هو ينقسم إلى قسمين: إكراه بحق، وإكراه بغير حق.
الشيخ: إي نعم، الإكراه بحق يقع.
الطالب: الإكراه بحق يقع.
الشيخ: طيب، انتهينا منها وقالها زميلك.
الطالب: بغير حق لا يقع.
الشيخ: مطلقًا؟ هذا هو السؤال: إذا أكره بغير حق فهل يقع أو لا مطلقًا أو فيه التفصيل؟
الطالب: فيه التفصيل.
الشيخ: ما هو التفصيل؟
الطالب: يعني إن كان الإكراه، يعني بعض الناس قد يفهم أن هذه المسألة من الإكراه وليس فيها إكراه، فإذا كان مثلًا يعني ..
الشيخ: ما صح التفصيل هذا؛ لأن كلامنا إذا تأكدنا أنه إكراه.
الطالب: إذا كان إكراه يعني لا يقع.
الشيخ: طيب.
طالب: فيه قسمان؛ إذا كان بحق أو بغير حق.
الشيخ: انتهينا يا أخي، اترك بحق هذه لا تجينا أبدًا.
الطالب: أما إن كان بغير حق فهذا أيضًا ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يكون دفعًا للإكراه، والقسم الثاني: أن يكون من أجل الإكراه.
الشيخ: نعم، يعني أن يريد الطلاق من أجل الإكراه، والأول ما أراد الطلاق، وإنما أراد دفع الإكراه.
الطالب: بعض العلماء قالوا: الأول يقع دون الثاني، والصحيح ..
الشيخ: الأول ما هو؟
الطالب: الأول أن يُطلِّق دفعًا للإكراه، يقولون: هذا ما يقع. أما الثاني، وهو أنه إذا طلق من أجل الإكراه فهذا يقع، والصحيح أنه (
…
).
الشيخ: طيب، المهم الآن نبينها لكم، بارك الله فيكم؛ على رأي المؤلف رحمه الله، إذا أكره على الطلاق وطلق؛ إن كان طلَّق تبعًا لقول المكره لا قصدًا للطلاق؛ يعني أنه أراد دفع الإكراه فقط، فإنه لا يقع؛ لأن الرجل ما أراد، لكن أراد أن يتخلص من هذا الذي أكرهه، وقال: زوجته طالق، هذا لا يقع؛ لأنه لم يرد الطلاق، وإنما قال لفظ الطلاق بناءً على إكراه هذا الرجل.
والحال الثانية: أن يُطلِّق، يريد الطلاق ليدفع به الإكراه، فهذا -على كلام المؤلف- يقع الطلاق؛ لأنه أراد الطلاق. والقول الصحيح أنه لا يقع الطلاق؛ لعموم الأدلة الدالة على أن المكرَه لا حُكم لفعله ولا لقوله.
***
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ويقع الطلاق في نكاح مختلَف فيه)، الطلاق يقع (في نكاح مختلف فيه)، يعني في صحته؛ وذلك أن الأنكحة ثلاثة أنواعه: نوع متفق على صحته، ونوع متفق على بطلانه، ونوع مختلَف فيه.
المتفق على صحته لا شك أن الطلاق يقع فيه، مثل أن يعقد عقد نكاح تام الشروط منتفي الموانع، فهذا متفق على صحته، إذا طلق فالطلاق يقع ولا إشكال فيه، مثل أن يتزوج امرأة أجنبية منه برضاها ووليها والشهادة وغير ذلك من شروط النكاح الذي تمت شروطه وانتفت موانعه، فالطلاق في هذا النكاح واقع لا إشكال فيه.
الثاني: أن يكون الطلاق في نكاح اتُّفق على بطلانه، كأن يتزوج امرأة في عدتها، فإذا تزوج امرأة في عدتها فالنكاح باطِل بالإجماع، فهذا لا يقع فيه الطلاق؛ لأن وقوع الطلاق فرع عن صحة النكاح، والنكاح هنا باطل. فإذا جاءنا رجل يستفتي بأنه تزوج امرأة في عدتها، فإننا لا نقول له: طلِّق، ليش؟
طالب: ليست زوجة.
الشيخ: لأن النكاح غير صحيح أصلًا، بل نفرق بينه وبينها.
مثال آخر: إنسان تزوج امرأة، وبعد عقد النكاح شهدت امرأة ثقة بأنها أرضعتهما، أي أرضعت الزوج والزوجة، فالنكاح هنا؟ باطل، لماذا؟ لأن العلماء مجمعون على هذا، على أن الأخت من الرضاع لا يصح نكاحها، فالنكاح هنا باطل. هل نقول لهذا الرجل: طلِّق المرأة؟ لأن الطلاق فرع عن صحة النكاح، بل نفرق بينهما رأسًا بدون طلاق.
بقي القسم الثالث: النكاح المختلف فيه؛ قد يكون المتزوج يعتقد صحته، فإن كان يعتقد صحته فحكمه حكم النكاح الصحيح، وإن كان يعتقد فساده فحكمه حكم النكاح الباطل.
طيب، إذا كان يعتقد صحته والقاضي الذي تنازعوا عنده يعتقد فساده، فهنا نقول للزوج: طلِّق، فإذا طلَّق فلا إشكال فيه. لماذا؟ لأنه يعتقد صحة العقد، فطلاقه في محله.
وإذا كان المتزوج يعتقد فساده، لكن بعض العلماء يرى أنه صحيح، فإننا نقول: طلِّق. فإذا قال: أنا أعتقد الفساد، كيف تأمروني أُطلِّق؟ قلنا: طلق من أجل الخلاف بين العلماء، حتى تحل للزوج الثاني بِلا إشكال.
طيب، مثال ذلك: رجل تزوج امرأة، وعقد له عليها رجل أجنبي منها، والولي شرط لصحة النكاح على القول الراجح، وفيه خلاف، هذا الذي تزوجها بلا ولي تزوجها يعتقد أن الذي زوجه وليها، فلما تبين له أنه غير وليها صار النكاح في اعتقاده باطلًا، نقول: طلِّق، قال: لا أطلق، أطلق في نكاح أعتقد أنه غير صحيح؟ الحجة في ظاهرها صحيحة قوية، لكن نقول: طلِّق؛ لأنه ربما يأتي إنسان يرى أن النكاح بلا ولي جائز، وحينئذٍ يعتقد أنها في عصمتك حتى الآن، فإذا طلقت استراحت المرأة واستراح أهلها. واضح ولَّا غير واضح؟
طلبة: واضح.
الشيخ: الجواب يتعقل، واضح؟
الطلبة: واضح.
الشيخ: الأخ؟
طالب: أعدها يا شيخ.
الشيخ: أنا لا أسمح لإنسان أقول هو واضح؟ ويسكت وهو غير متضح؛ لأنه ما هو طالب علم، أما إذا لم أستفهم أقول هو واضح ولَّا لا؟ ما عليه، إن فهم فهو فاهم وإلا هو وشأنه، لكن إذا كررنا بأن نقول: أنت فاهم، لازم أنه يكون صريحًا ويقول: ما فهمت.
المثال مرة ثانية: رجل تزوج امرأة، وعقد له عليها شخص أجنبي منها، لا هو عمها ولا أخوها ولا أبوها، وهو يعتقد أنه وليها، تبين أن الرجل غير ولي، أجنبي، الزوج يعتقد أن النكاح بلا ولي فاسد، هل يمكن واحد يزوج امرأة ويقول: أنا وليها وهو غير ولي؟
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما هو شرعًا، هل يمكن شرعًا؟ ما يمكن، لكن هل يمكن وقوعه؟ يمكن يزوجه، ما أكثر المتحيلين! يقول: هذه أختي، ولا بنتي، ولا ما أشبه ذلك، وتزوج، وذاك بيعطيه عشرين ريالًا أو ثلاثين ريالًا علشان هو قريب الزوجة.
على كل حال القضية الآن: رجل تزوج امرأة بولي أجنبي، غير ولي في الواقع، لكن هو قال: إنه وليها، فتزوجها، ثم تبين أنه أجنبي والزوج يعتقد أنه لا نكاح إلا بولي، النكاح عند الزوج الآن فاسد، كذا؟
قيل له: طلِّق؛ لأن الزوج الآن لما علم أن العاقد أجنبي ما هو راح يستحلها، يعتقد أنها أجنبية منه. قيل له: طلِّق، قال: ما أنا مطلِّق، أطلق امرأة أنا أصلًا ما نكحتها؟ نقول: طلِّق، علشان أيش؟ لئلا يأتي إنسان ويقول: النكاح بلا ولي صحيح، وإذا كان بلا ولي صحيح بقيت المرأة في حبال الرجل الأول إذا لم يطلقها.
هذا معنى قول المؤلف: (يقع الطلاق في نكاح مختلَف فيه).
أمثلة للنكاح المختلف فيه، ما أكثر الأمثلة: إذا رضعت المرأة من أم الزوج مرة واحدة، بعض العلماء يقول: إنها لا تحل له؛ لأنها أخته، وبعض العلماء يقول: تحل له؛ لأنها ليست أختًا له. من الذين يقولون: لا تحل له؛ لأنها أخته؟ هم الذين يقولون: إن الرضاع لا يحتاج إلى عدد، وأن مجرد إرضاع المرأة الطفلة تكون أُمًّا لها.
إنسان تزوج امرأة قد رضعت من أمه ثلاث مرات، النكاح مختلف فيه؛ لأن بعض العلماء يقولون: إذا رضعت ثلاث مرات صارت بنتًا للمرضعة، وبعض العلماء يقولون: لا تكون بنتًا لها إلا إذا رضعت خمس رضعات. إذن النكاح هنا مختلَف فيه.
رجل تزوج امرأة بِلا ولي، لكنها امرأة عاقلة رشيدة تعرف اللي ينفعها من اللي يضرها، وتزوجها بلا ولي. ما تقولون في النكاح؟ مختلَف فيه، بعض العلماء يقول: الولي ليس بشرط، فالنكاح صحيح. وبعض العلماء يقول: إنه لا بد من ولي فالنكاح غير صحيح.
وأنا أحكي الأقوال دون الترجيح؛ لأنه ليس هذا محل ترجيح، وإلا من المعلوم أن الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس رضعات، وأن النكاح لا يصح إلا بولي. هذا نكاح مختلف فيه.
طيب، تزوج امرأة بولي وبجميع الشروط إلا أنه بلا شهود؟ النكاح مختلَف فيه، بعض العلماء يقول: يصح، وبعضهم يقول: لا يصح إلا بشهود.
المهم أن النكاح المختلَف فيه كثير جدًّا، يعني قد يظن طالب العلم أول ما يظن أن النكاح المختلف فيه قليل، ولكن هو كثير؛ قد يختلف الناس في صفة العقد أو في أركانه أو في شروطه، وهذا كثير.
إذن الطلاق في نكاح مختلَف فيه نقول: هو صحيح واقع حتى عند من لا يعتقد الصحة لأجل أن تبقى المرأة حلالًا للأزواج بعده بدون شبهة.
طالب: الزواج المتفق عليه، هل (
…
) المتفق عليه؟
الشيخ: ذكرناه يا أخي بالأول، مثلنا بمثالين بالأول، لكن ما أدري أنت ..
الطالب: ذكرنا اللي (
…
).
الشيخ: ذكرنا إذا تبين أنها أخته من الرضاع، أو أنه تزوجها في العدة. هذه متفق على أنه لا يصح.
***
قال: (ومن الغضبان) يعني ويقع الطلاق من الغضبان، والغضب من يفسره لي؟
قال أهل الكلام: هو غليان دم القلب لطلب الانتقام. عرفتموه الآن؟ هل أحد منكم الآن تصور الغضب؟ هل أنتم الآن تصورتم الغضب؟ لو جاء إنسان يعرفكم الغضب بدون أن تكونوا عرفتموه من قبل، وقال: غليان دم القلب لطلب الانتقام، هل عرفتموه؟
طلبة: لا.
الشيخ: يقول: أنا ما أحس أن قلبي الآن على جمر يغلي، الظاهر أن هذا التعريف لم يزده إلا جهالة وغموضًا، ولهذا لو قلنا: الغضب معروف، لكان أوضح.
ويعرف بعلاماته التي أشار إليها النبي عليه الصلاة والسلام، حيث قال:«إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ يُلْقِيهَا الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ، أَلَا تَرَوْنَ إِلَى انْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ وَاحْمِرَارِ وَجْهِهِ؟ » (9) أو ما أشبه ذلك، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فعرفه النبي عليه الصلاة والسلام بأصله ونتائجه؛ أصله: جمرة يُلقيها الشيطان في قلب ابن آدم، حرارة يجدها الإنسان في نفسه. ثم تنتفخ الأوداج؛ يعني العروق، ويحمر الوجه، وربما ينتشر الشعر يقف، وتجد الإنسان نفسه كأنه يغلي، هذا الغضب، وإن شئت ألا تُطيل على نفسك فقل: الغضب معروف، والحمد لله.
إذا غضب الإنسان على زوجته وطلقها في حال الغضب، يقول المؤلف: إن الطلاق يقع؛ لأن الرجل طلق، ولم يُكره، وهو يعرف معنى الطلاق، فيكون الطلاق واقعًا.
والحكم نافذ مع الغضب بنص السنة، فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير ورجل من الأنصار في ماء، في ماء المطر، فقال الرجل المحكوم عليه: أن كان ابن عمتك يا رسول الله؟ يعني: حكمت له لأنه ابن عمتك! ! فغضب النبي عليه الصلاة والسلام وقال: «يَا زُبَيْرُ، اسْقِ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ الْجَدْرَ، ثُمَّ أَرْسِلْهُ إِلَى جَارِكَ» (10). هنا نفذ الحكم أو لم ينفذ؟ نفذ مع الغضب، فإذا نفذ الحكم مع الغضب وهو بين الناس، فالحكم بين الإنسان وبين زوجته من باب أولى، فيقع طلاق الغضبان. والغالب أن الطلاق ما يقع إلا لسبب، يصحبه الغضب، ثم يُطلِّق، لا تجد إنسانًا يطلق زوجته وهو راضٍ عنها.
طيب، أفادنا المؤلف رحمه الله أن الطلاق يقع من الغضبان، وأطلق، فلا فرْق عنده بين الغضب الشديد والغضب الخفيف، وذهب بعض العلماء إلى التفصيل في ذلك.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن الغضب ثلاث درجات: أولى، ووسطى، وعليا؛ أما الدرجة العليا، قال: فلا يقع فيها الطلاق بالاتفاق، العليا، والعليا هي أن يصل الإنسان إلى درجة لا يدري ما يقول، ولا يدري أهو إنسان أو ملك، ولا يدري أهو في السماء أو الأرض، ولا يدري هل الزوجة زوجة أو سيارة. يعني يفقد شعوره بالكلية. وهل يقع هذا ولَّا ما يقع؟ يقع، بعض الناس عصبي، يصل به الغضب إلى هذه الدرجة. يقول ابن القيم: هذا لا يقع طلاقه بالاتفاق.
فالدرجة العليا من الغضب لا يقع فيها الطلاق، الدرجة الأولى أول ما يبدأ به الغضب يقول: إن الطلاق يقع فيها بالاتفاق؛ لأنه لا يخلو أحد من الغضب، ولو قلنا بأن طلاق الغضبان -ولو يسيرًا- لا يقع لحصلت الفوضى في الطلاق.
الدرجة الثانية هي الدرجة الوسطى: الإنسان يعي ما يقول، ويدري أنه في الأرض، ويدري أنه يخاطب زوجته، لكن الغضب لشدته ألجأه إلى أن يطلق. فهذا فيه خلاف: من العلماء من يقول: إنه لا يقع الطلاق، ومنهم من يقول: إنه يقع الطلاق. أي القولين أخذ به المؤلف؟ أنه يقع أو لا يقع؟ يقع.
هذا محل خلاف بين العلماء، فمنهم من يقول: إن هذا ملجأ إلى الطلاق، فلا طلاق عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» (11)، وهذا مغلق عليه، وجد من نفسه أن شيئًا يضغط عليه ليطلق، وأنه في حال لا يتحمل البقاء مع زوجته، وإلا هو يعي ما يقول. فهذا محل خلاف؛ من العلماء من يقول: إنه لا يقع طلاقه، ومنهم من يقول: إنه يقع.
على كل حال هذا محل خلاف بين العلماء، والذي يظهر لي أنه لا يقع الطلاق فيه، كما هو اختيار ابن القيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة من العلماء، واستدلوا بالحديث الذي ذكرته لكم، وهو:«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» . فهو نظريًّا هو القول الراجح؛ لأنه كالْمُكرَه، لكن عمليًّا وتربويًّا، هل نقول بالفتوى به، أو نمنع الفتوى به إلا في حالات معينة نعرف فيها صدق الزوج؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني، لا شك أنه الثاني؛ لأننا لو أطلقنا القول بأن طلاق الغضبان لا يقع لامتلأت مجالسنا ممن يقول: أنا غضبت وطلَّقت. وهو لا يُفرِّق بين الدرجة الأولى والدرجة الثانية، فيقع التلاعب؛ ولهذا إطلاق الفتوى به؛ أي بعدم وقوع الطلاق من الغضبان يؤدي إلى أن يتتايع الناس في الطلاق.
فإذا رأى الإنسان من الزوج أنه رجل مستقيم لا يمكن أن يتهاون، فحينئذٍ يتوجه القول بالفتوى أنه لا يقع الطلاق، وإذا رأى من سيم الرجل أنه متهاون يريد أن ترجع إليه زوجته بأي سبيل، فهنا ينبغي أن نُفتي بوقوع الطلاق، وهذا من باب سياسة الخلق، والسياسة لها شأن عظيم في الشريعة الإسلامية، حتى في الأمور الحسية السياسة لها شأن عظيم، ربما نمنع هذا الرجل من أكل هذا الطعام المعين وهو حلال الطعام لأنه يضره، ولا نمنع الآخر؛ لأنه لا يضره. فمثل السياسة والتربية أمر -أيها الطلبة- يجب التفطن له، وألا تكون الفتوى مطلقة هكذا في كل زمان ومكان.
ولا يخفى علينا السياسة العمرية أن عمر رضي الله عنه منع الرجل من الرجوع إلى زوجته إذا طلقها ثلاثًا؛ لأنه حرام، فكثر من الناس، فمنعهم من المراجعة، وقال: أرى الناس تتايعوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه (6).
فالسياسة أمر مهم؛ ولهذا مر بي أن رجلًا أفتى ابنه بمسألة -نسيتها- فكأن الابن توقف، فقال: إما أن تفعل وإلا أفتيتك بقول فلان الذي هو أشد من القول الأول، مما يدل على أن السياسة؛ سياسة الناس في الأمور الشرعية لا بأس بها.
من ذلك مثلًا ما صار يدندن به بعض الطلبة من أن تارك الواجب في الحج ليس عليه شيء، وقال: إنه لا دليل على ذلك إلا الأثر عن ابن عباس: من ترك شيئًا من نسكه أو نسيه فليهرق دمًا (12)، وهذا ليس بصريح في الوجوب؛ لجواز أن يكون ابن عباس أراد بالأمر الاستحباب والندب، وليس مطردًا أيضًا؛ لأنه يقول: من ترك شيئًا من نسكه، وهذا فيه أنساك كثيرة ما فيها دم، فلماذا نوجب على الناس أن يذبحوا فدية إذا تركوا الواجب، وهذا إضاعة لأموالهم في أمر غير أمر واضح؟ لأن الرجل سيشتري الفدية بأربع مئة ريال خمس مئة ريال أقل أكثر، فلماذا نلزمه بإضاعة ماله بدون سبب شرعي؟ فيدندن حول هذا.
نحن نقول: لو قدَّرنا جدلًا أنه ليس فيه دليل، لكن أليس من سياسة الخلق أن يُلزموا بهذا القول الذي عليه جمهور العلماء؟ يعني ليس هذا قولًا شاذًّا حتى نقول: لا ينبغي سلوكه، لكنه قول عليه جمهور العلماء، أليس من الحكمة أن يُعمل بهذا القول من أجل سياسة الخلق وضبط الخلق؟ لأنه لو قيل للرجل الذي ترك الوقوف بعرفة إلى الغروب، يعني دفع قبل الغروب، ولم يبت في مزدلفة، ولم يرمِ الجمرات، ولم يبت في منًى، وأحرم من دون الميقات، وقلنا له: ليس عليك إلا الاستغفار والتوبة، هل هذا رادع؟ أعتقد أنه لا يردع، ولذلك إذا أفتينا إنسانًا في غير هذه المسألة وقلنا: عليك التوبة والاستغفار، قال: بس هذا؟ ! يعني كأنه يقول: إن شئت أملأ لك الدنيا كلها توبة واستغفارًا! ! فلهذا نقول: سياسة الأمة بإلزامهم بمقتضى الشرع أمر مهم، والحمد لله إذا قدَّرنا على أدنى تقدير أن هذا من باب التعزير بالمال، فالتعزير بالمال جائز شرعًا، ثبتت به السنة (13).
طالب: شيخ، بارك الله فيك، هل اليمين كالطلاق في الغضب لها درجات ثلاث، ولكن .. ؟
الشيخ: هذه ستأتينا إن شاء الله في تعليق الطلاق.
الطالب: نقول: إن طلاق الغضبان الأصل أنه يقع، إلا إذا أغلق عليه، ما يكون أجمع المسألة (
…
)؟
الشيخ: لا، التفصيل طيب، وهذا اعتراض خفي على طريقتنا.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا، هذا هو، أنا أعرف أن أقول ما قلت أنت.
طالب: شيخ، لو طلق الأب -أبو الرجل- زوجة ابنه (
…
)؟
الشيخ: هذا مر علينا في أول كتاب الطلاق.
الطالب: قلنا: لو رضي الابن.
الشيخ: قلنا: إنه لا يصح الطلاق إلا من الزوج، وأن الأب لا يُطلِّق زوجة ابنه، والابن لا يُطلِّق زوجة أبيه، حتى لو فرضنا أن الأب خرف، وصار لا يعرف، ما يمكن أن تطلق.
طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، ما صور الإغلاق في غير الغضب، مثال؟
الشيخ: ما عندي الآن إلا الغضب (
…
)
***
طالب: ووكيله كهو، ويُطلِّق واحدةً، ومتى شاء، إلا أن يعين له وقتًا وعددًا، وامرأته كوكيله في طلاق نفسها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
سبق لنا أن الطلاق يقع من الغضبان، وذكرنا أن الغضبان له كم؟ ثلاث حالات:
الأولى: ابتداء الغضب.
والثانية: انتهاؤه.
والثالثة: الوسط.
وذكرنا أن الخلاف إنما هو في الوسط، أما إذا بلغ منتهاه فإنه لا يقع الطلاق بلا نزاع، وأما في أوله فيقع الطلاق بلا نزاع. الخلاف فيما بين ذلك، وقررنا أن القول الراجح أنه لا يقع طلاقه، لماذا؟ لأنه مغلوب على نفسه مضغوط عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» (11).
وتطرقنا في طلاق الموسوس، وقلنا: إنه لا يقع، أظن؟
طلبة: لا، ما ذكرناه.
الشيخ: ما ذكرناه، نذكره الآن.
طلاق الموسوس لا يقع؛ لأنه مغلوب على أمره، الموسوس -نسأل الله لنا ولكم العافية- يُوسوس أنه طلق زوجته، ويتراءى له أنه طلقها، وأحيانًا إذا لبس ثوبه، قال: إني طلقت زوجتي، قلت: إن لبست ثوبي فهي طالق، بل إذا فتح المصحف قال: لعلي طلقت زوجتي. هذا الرجل لو قال: امرأتي فلانة طالق، فليس عليه شيء، السبب؟ أنه مغلوب؛ لأن بعضهم يُصرِّح، بعض الموسوسين من شدة الضيق يصرح بأنه طلق من أجل الوسواس ..
ووَكيلُهُ كهو، ويُطَلِّقُ واحدةً ومتى شاءَ إلا أن يُعَيِّنَ له وقتًا وعَددًا وامرأتُه كوكيلِه في طَلاقِ نَفْسِها.
(فصلٌ)
إذا طَلَّقَها مَرَّةً في طُهْرٍ لم يُجَامِعْ فيه وتَرَكَها حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُها فهو سُنَّةٌ، فتَحْرُمُ الثلاثُ إِذَنْ، وإن طَلَّقَ مَن دَخَلَ بها في حَيْضٍ أو طُهْرٍ وَطِئَ فيه فبِدْعَةٌ يَقَعُ وتُسَنُّ رَجْعَتُها، ولا سُنَّةَ ولا بِدعةَ لصغيرة وآيسة وغيرِ مدخولٍ بها ومَن بانَ حَمْلُها.
ووَكيلُهُ كهو، ويُطَلِّقُ واحدةً ومتى شاءَ إلا أن يُعَيِّنَ له وقتًا وعَددًا وامرأتُه كوكيلِه في طَلاقِ نَفْسِها.
(فصلٌ)
إذا طَلَّقَها مَرَّةً في طُهْرٍ لم يُجَامِعْ فيه وتَرَكَها حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُها فهو سُنَّةٌ، فتَحْرُمُ الثلاثُ إِذَنْ، وإن طَلَّقَ مَن دَخَلَ بها في حَيْضٍ أو طُهْرٍ وَطِئَ فيه فبِدْعَةٌ يَقَعُ وتُسَنُّ رَجْعَتُها، ولا سُنَّةَ ولا بِدعةَ لصغيرة وآيسة وغيرِ مدخولٍ بها
مغلوب على نفسه مضغوط عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» (1).
وتطَرَّقْنا في طلاق الموسوس، وقلنا: إنه لا يقع، أظن؟
طلبة: لا، ما ذكرناه.
الشيخ: ما ذكرناه، نذكره الآن.
طلاق الموسوس لا يقع؛ لأنه مغلوب على أمره. الموسوس -نسأل الله لنا ولكم العافية- يوسوِس أنه طلق زوجته، ويتراءى له أنه طلقها، وأحيانًا إذا لبس ثوبه قال: إني طلقت زوجتي، قلت: إن لَبِسْتُ ثوبي فهي طالق، بل إذا فتح المصحف قال: لعلي طلقت زوجتي. هذا الرجل لو قال: امرأتي فلانة طالق، فليس عليه شيء، السبب؟ أنه مغلوب؛ لأن بعضهم يصرح، بعض الموسوسين من شدة الضيق يصرح بأنه طلق من أجل الوسواس.
تجده يقول: بلاش هذا القلق، هذا التعب النفسي. إذن طلِّقْهَا، طلقها يا ولد واسترح، فيطلقها. هل يمكن أن نقول: إن هذا يقع طلاقه؟ لا والله، ما نقول هذا، ولا يمكن أن نقول ذلك؛ لأن الرجل مغلوب على نفسه.
ونظيره في الوسواس بعض الناس يقول: إذا شك وهو متوضئ هل أحدث أو لا؟ قال: (
…
) القلق، يلَّا، ثم يُضْرِط علشان أيش؟ ينتقض وضوؤه يقينًا. وهذا غلط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطانا دواء خيرًا من ذلك، ماذا قال؟ قال:«لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» (2)، يعني: دع الشك، لا تلتفت إليه حتى تتيقن.
هذا الرجل الموسوس إذا قال: أنا أحسست بحركة في الذَّكَر أو في الدبر، نقول: لا عبرة بهذا، أحسست ببرودة على رأس الذكر أو في داخل الفخذين فلعلي أحدثت، ماذا نقول له؟ نقول: لا حدث عليك، امض في سبيلك ولا تلتفت لهذا، الله عز وجل قد أراحك والحمد لله بشريعة سمحة يسيرة، لا تلتفت إلى هذا.
بعض الناس يصلي، وفي أثناء الصلاة يقول: والله ما أدري هل أنا كبرت للإحرام أو لا؟ فيقول: بلاش، أيش؟ ابدأ الصلاة من جديد، وإذا ابتدأها من جديد وفي أثنائها وَرَد عليه الشك وقال: إذن اقطع الشك باليقين، أبطِل صلاتك. حتى إنه ليعيد الصلاة أكثر من أربعين مرة ويخرج الوقت وهو على هذا، نسأل الله السلامة والعافية.
مثل هؤلاء لا يُلتَفَت إلى ما يعتقدون إطلاقًا، والمهم لنا في هذا الباب هو أن طلاق الموسوس أيش؟ لا يقع.
لكن لو أن الموسوس أراد الطلاق حقيقة، وذهب إلى القاضي وكتب الطلاق، هل يقع أو لا؟ لا شك أنه يقع؛ لأن هذا أراده عن اختيار وعن إرادة صحيحة.
***
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ووكيلُِه كهو).
وَكِيلُ مَنْ؟ وكيل الزوج كالزوج، يعني: لو قال شخص لإنسان: أنا لا أستطيع أن أقابل زوجتي الطلاق؛ لأنها امرأة حبيبة وقد أكرمتني وخدمتني، ولكني لا أريدها لا أحبها لا بد أن أطلق، لكني أكره أن أقابلها بالطلاق، فأنت يا فلان وكيلي في طلاقها وأنا سأسافر وأنت الوكيل، يجوز هذا أو لا يجوز؟ يجوز، يجوز للإنسان أن يوكل في الطلاق.
وإذا وكل شخصًا في الطلاق، فهل له أن يفسخ الوكالة؟
الجواب: نعم، له أن يفسخ الوكالة، قبل أن يطلق الوكيل. فإن فسخ الوكالة قبل أن يطلق والوكيل لم يعلم فهل نقول: إن الطلاق لم يقع، أو نقول: إنه وقع؛ لأن الوكيل بنى على أصل لم يثبت زواله؟
في هذا رأيان للعلماء؛ منهم من قال: إنه إذا عزله وإن لم يعلم انعزل، فإذا طلَّق طلق وهو غير وكيل، ومنهم من يقول: إذا طلق قبل العلم بالعزل فإن المرأة تطلُق؛ لأنه بنى على أصل -وهو التوكيل- لم يثبت زواله.
والأقرب أنه لا يقع الطلاق؛ لأنه بفسخه الوكالة زال مُلك الوكيل أن يطلِّق، لكن لو ادَّعى بعد أن طلَّق الوكيلُ أنه عزله قبلُ فلا بد من بينة؛ ولهذا إذا عزل الوكيلَ فلا بد أن أيش؟ أن يُشهِد، حتى لا ينكر أهل الزوجة إذا كانوا يريدون الفراق؛ فراق الزوج.
وقوله: (ووكيلُه كهو).
هذا التعبير جائز في اصطلاح النحويين، وفيه استعارة ضمير الرفع لضمير الجر؛ لأن ضمير الجر في مثل هذا هو الهاء فقط، تقول: مررت به، وصلت إليه. لكن لما تعذَّر وجودُ الضمير المتصل مع الكاف فإنه يُستعار أيش؟ ضمير الرفع، وإن كان ضمير المتصل قد يتصل بالكاف كما قاله ابن مالك:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كَذَا كَهَا وَنَحْوُهُ أَتَى
لكن الأكثر في اللغة العربية أن الكاف لا تدخل على ضمير متصل.
على كل حال أورد علينا إيرادًا قال: كيف يأتي ضمير الرفع في موضع ضمير الجر؟ ماذا نقول؟ نقول: هذا من باب الاستعارة، استعرنا ضمير الرفع لأيش؟ لضمير الجر.
(وكيلُه كهو)، وإذا كان كهو، هل يملك الوكيل أن يطلق الزوجة وهي حائض؟ لا، حتى لو علمنا أن زوجها لم يأتها من مدة سنوات، فإنه لا يملك أن يطلقها وهي حائض؛ لأن الوكيل فرعٌ عن الزوج، والزوج لا يجوز أن يطلق امرأته وهي حائض فكذلك الوكيل.
هل يملِكُ أن يطلق اثنتين أو ثلاثًا؟
يقول المؤلف: (ويطلق واحدة) فقط.
يعني: إذا وكَّله فلا يحل له أن يطلق طلقتين، فيقول للزوجة: أنت طالق طلقتين، حرام عليه، لماذا؟
أولًا: لأنه بدعة، والزوج نفسه لا يملكه.
وثانيًا: لأنه مُوكَّل، والوكالة تصدُق بأقل ما يقع عليه اسم الطلاق، فلا يجوز أن يطلق أكثر.
لو قال لزوجةِ مَنْ وكَّله: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، يملك هذا أو لا؟ لا؛ لأنه إذا لم يملك الثنتين لم يملك الثلاثة.
لكن لو فعل وقال للزوجة: أنت طالق، أنت طالق، هل نقول: إنه لم يقع الطلاق أو نقول: يقع بواحدة؟ لم يقع الطلاق؛ لأن الوكيل تصرَّف فيما لم يُؤْذَن له فيه، فلا يقع الطلاق. كما لو أمره أن يبيع شيئًا فأجره؛ فإن الإجارة لا تصح.
(يطلق واحدة)، قال:(ومتى شاء) يعني: ويطلق متى شاء، سواء بادر بالطلاق أو أخره يومًا أو يومين، أو شهرًا أو شهرين، أو سنة أو سنتين، متى شاء طلَّق، لكن بشرط ألا يكون في حيض؛ لأن طلاق الحائض حرام على الزوج، والوكيل فرع عن الزوج.
لو طلقها في طُهْرٍ جامعَ فيه الزوجُ، يجوز أو لا يجوز؟ لا يجوز؛ وذلك لأن الزوج لا يملك ذلك وهو الأصل، فالفرع كذلك لا يملكه.
فصار الوكيل في الطلاق يطلِّق حيث جاز لموكله أن يطلق، ولا يزيد على واحدة.
قال: (إلا أن يُعيِّنَ له وقتًا وعددًا)(إلا أن يعين) الفاعل مَنْ؟ الزوج (له) أي للوكيل (وقتًا وعددًا) فيقول: وكَّلْتُك أن تطلق امرأتي مرتين، فيملك مرتين.
وكَّلتك أن تطلقها ثلاثًا، يملك ثلاثًا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب، وهل يملك اثنتين؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: ويملك اثنتين؛ لأن من مَلَك الأكثر ملك الأقل، فإذا قال الزوج: أنا وكلتك بثلاث لأني أحب أن تبين مني، فيقول الوكيل: أهلًا وسهلًا، ماذا يصنع؟ هو طلق، يطلق الواحدة فتكون ثلاثًا؛ لأنه لم يفوِّت على الزوج شيئًا.
(إلا أن يعيِّن له وقتًا)، (وقتًا) يعني الزمن؛ فيقول: أنت وكيلٌ في طلاق زوجتي في هذا الشهر، فإذا انتهى الشهر يملك أن يطلِّق؟ لا. أو أنت وكيلي في طلاق امرأتي في هذا الأسبوع، إذا انتهى الأسبوع لا يطلق؛ وذلك لأن تصرف الوكيل مبنيٌّ على أيش؟ على إذن الموكل، وإذا كان مبنيًّا على إذن الموكل تَقَيَّد بما أذن له فيه، وهذه قاعدة مهمة في كل الوكلاء سواء في الطلاق أو في النكاح أو في البيع أو الشراء أو التأجير أو الإجارة أو غير ذلك.
(وعددًا) مثَّلنا بها، فإن عين له وقتًا وعددًا تعين.
ونسأل الأخ: لو قال أنت وكيلي أن تطلق زوجتي بالأمس؟
طالب: (
…
)؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: يطلِّق.
الشيخ: يطلق أمس؟
الطالب: يجوز للوكيل أن يطلق.
الشيخ: لا (
…
) قال: أنت وكيلي تطلق زوجتي أمس؟
الطالب: لا يجوز.
الشيخ: ليش؟
الطالب: لأنه ما بدأت الوكالة.
الشيخ: لأن أمس قد مضى، ما يمكن الطلاق فيه، فهو تعليق الوكالة بأمر محال.
يقول:
أَمْسِ الَّذِي مَرَّ عَلَى قُرْبِهِ
يَعْجِزُ أَهْلُ الْأَرْضِ عَنْ رَدِّهِ
أمس القريب الآن لو اجتمعت الأمة كلها على أن تعيده ما تستطيع.
قال: (وامرأتُه كوكيلِه في طلاقِ نفسِها).
الله المستعان! يجوز أن يوكل امرأته في طلاق نفسها؟ نعم يجوز، ومتوقع ومتصور وسهل، تلح عليه زوجته أن يطلقها، فقال: أنت الوكيلة على نفسك، متى شئت فطلقي، نعم، لكن ماذا تقول إذا أرادت أن تطلق؟ هل تقول: طلقت زوجي؟ لا؛ لأن الزوجة ما تُطلِّق الزوج، لكن تقول: طلقت نفسي من زوجي، ولا بأس.
فصار الآن كلام المؤلف ليس أمرًا بعيدًا، (امرأتُه كوكيلِه في طلاقِ نفسِها) هذا أمر ليس ببعيد، بعض النساء يُلِحُّ على زوجها أن أيش؟ أن يطلِّقها، فيقول: أنت أميرة نفسك، أنت وكيلة، طلقي.
إذا قال: أنت وكيلة في طلاق نفسك، وكانت تريد البينونة من زوجها، فقالت: طلقت نفسي من زوجي ثلاثًا، أتملك ذلك؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليش؟ نقول: لأن الوكيل يتقيد بواحدة، إلا إذا قال: أنت وكيلة في طلاق نفسك مرة أو مرتين أو ثلاثة، فعلى ما قيل.
بعض العلماء يقول: لا يصح أن يوكل زوجته في طلاق نفسها للتضاد، يعني كيف هي تطلق نفسها؟ ! لكن الصواب ما قاله المؤلف؛ لأن امرأته بالغة عاقلة عالمة تعرف معنى الطلاق وتريد الطلاق.
***
ثم قال المؤلف رحمه الله: (فصل).
اعلم أن العلماء رحمهم الله يكتبون أبوابًا وفصولًا وكتابًا، تجدون أحيانًا كتاب الطهارة.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما هي موجودة، آخر الباب:(في طلاق نفسها).
طالب: نشطبها؟
الشيخ: إي، اشطبوها، نعم.
أقول: العلماء في مؤلفاتهم يكتبون (كتاب)، ويكتبون (باب)، ويكتبون (فصل).
الكتاب للجنس، والباب للنوع، والفصل للأفراد؛ يعني أفراد هذا النوع.
فمثلًا (كتاب الطهارة) من أول باب المياه إلى آخر الحيض، كل ما يتعلق بالطهارة داخل تحت هذا العنوان؛ لأنه أيش؟ جنس.
باب الاستنجاء، باب الوضوء، باب الغسل، باب التيمم، باب إزالة النجاسة، باب الحيض، هذا أيش؟ هذا نوع؛ لأن طهارة الوضوء نوع وطهارة الغُسل نوع آخر.
في الغُسْل يكتب: موجبات الغسل، ثم يكتب: فصل في كيفية الغسل. هذا للأفراد؛ أفراد هذا النوع.
هذا هو الأصل، أن يقال: الكتاب أيش؟
طلبة: للجنس.
الشيخ: والباب؟
الطلبة: للنوع.
الشيخ: والفصل؟
الطلبة: للأفراد.
الشيخ: للأفراد.
الآن (كتاب الطلاق) ولَّا (باب الطلاق) اللي معنا؟ (كتاب الطلاق)؛ لأن هذا جنس؛ جنس انفكاك الزوجة من الزوج.
قال: (فصل) في بيان ما هو الطلاق السُّنِّي والطلاق البدعي.
بيَّن ذلك رحمه الله، قال:(إذا طلَّقها مرةً في طُهْرٍ لم يُجامِعْها فيه، وتركَها حتى تنقضيَ عِدَّتُها فهو سُنَّةٌ).
هذا طلاق السنة: ما جمع هذه الأوصاف الثلاثة.
(مرة في طهر لم يجامعها فيه، وتركَها حتى تنقضيَ عِدَّتُها).
هذا طلاق السنة، مثل أن يقول لزوجته في طُهْرٍ لم يجامعها فيها: أنت طالق، كم هذا؟ واحدة، الطهر هل جامع أو لا؟ نحن قلنا لكم إنه لم يجامعها فيه، يعني: بعد ما حاضت، بعد يومين ثلاثة قبل أن يجامع طلقها مرة، تركها حتى تنقضي العدة. هذا طلاق سنة.
فإن طلق مرتين، يعني قال: أنت طالق، أنت طالق، ولم يرد التوكيد، فليس بسنة.
إذا طلقها في طهر جامع فيه، فليس بسنة، يعني: جامعها بعد أن حاضت ثم طلقها؛ هذا ليس بسنة.
طلقها في طهر لم يجامع فيه، ولكن ألحقها في اليوم الثاني طلقة أخرى؛ سنة ولَّا بدعة؟ بدعة؛ إذن طلاق السنة ما اجتمع فيه ثلاثة أوصاف؛ الأول؟
طالب: أن يكون في طهر لم يجامع فيه.
الشيخ: أن يكون في طهر لم يجامعها فيه. الوصف الثاني؟
طالب: الوصف الثاني أن يطلقها واحدة.
الشيخ: أن يطلقها واحدة. الوصف الثالث؟
طالب: انقضاء العدة.
الشيخ: خطأ.
طالب: أن يتركها حتى تنقضي العدة.
الشيخ: نعم، أن يتركها حتى تنقضي العدة، ومعنى أن يتركها حتى تنقضي العدة ألا يكرر الطلاق عليها، فإن طلقها مثلًا اليوم مرة في طهر لم يجامع فيه، ثم بعد عشرة أيام طلقها ثانية، الطلقة الثانية تكون بدعة؛ لأنه لم يتركها حتى تنقضي العدة. هذا هو طلاق السنة.
نرجع إلى المفهوم؛ إذا طلقها مرتين فهو بدعة، ثلاثًا؟ بدعة، لكن هل يحرُم أو لا؟
الصحيح أنه حرام؛ يحرم أن يطلق مرتين أو ثلاثًا.
وقال بعض أهل العلم: يُكرَه أن يطلق ثنتين ويحرم أن يطلق ثلاثًا.
وقال بعض العلماء: إنه يجوز أن يطلِّق مرتين وأن يطلق ثلاثًا، لكن هذا القول تأباه الأدلة، ولذلك عاقب عمر رضي الله عنه من طلق ثلاثًا بمنعه من الرجعة (3)، فهو حرام بلا شك، وفيه أيضًا حديث في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل طلق زوجته ثلاثًا فقام في الناس وقال:«أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ ! » (4)، فالصواب أن طلاق الثلاث حرام، لكن طلاق الثنتين دائر بين الكراهة؛ لأنه خلاف السنة، وبين التحريم؛ لأنه ضيق على نفسه؛ إذ لولا هذه الطلقة الثانية لكان بقي له طلقتان، والآن لم يبق له إلا واحدة، فالصواب أن الطلاق مرتين حرام، لكن المرأة لا تَبِين به، إنما تَبِين بالثلاث.
بناء على ذلك، لو أنه طلق مرتين بعد طلقة سابقة فالطلقة الثانية تحرِّمها، فتكون حرامًا بلا شك لأنها تحرم.
لو طلَّق امرأة في طُهْرٍ جامعها فيه لكنها ممن لا يحيض، سنة ولَّا بدعة؟
طالب: لا سنة ولا بدعة.
الشيخ: لا سنة ولا بدعة، وأيش يصير؟
الطالب: يصير مباحًا، من قبيل المباح.
الشيخ: هو كما قال الأخ، يقولون: إن مَنْ لا تحيض لا سنة ولا بدعة في طلاقها؛ لأن السنة لا بد أن يكون لها مقابل بدعة، وهذه طلِّق متى شئت، التي لا تحيض طلِّقْها متى شئت ولو كنت قبل أن تغتسل من جنابتها.
فالعجوز التي انقطع حيضها، يجوز أن يطلقها؟
طالب: في أي وقت شاء.
الشيخ: في أي وقت؟
الطالب: في أي وقت شاء.
الشيخ: في أي وقت شاء؛ لأنها لا تحيض، والصغيرة التي لم تبدأ بالحيض كذلك، والتي أُجْرِي لها عملية استئصال الرحم كذلك يطلقها متى شاء؛ لأنه لا يمكن أن تحيض.
والمرأة المرضع؟ قولوا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: المرأة المرضع نقول: لا يطلقها حتى تحيض. إذا قال: باق عليها سنة كاملة ويأتيها الحيض؛ لأن الطفل باق عليه سنة ويُفْطَم، وهذه المرأة لا تحيض إلا إذا فطمت الصبي، وباق سنة، وهو قد جامعها في البارحة وجرى بينهما نقاش وقال: لا بد أن أطلقها، ماذا نقول له؟ نقول: لا تطلِّق، حرام عليك. قال: ما أستطيع أبقى سنة كاملة؛ لأنه لازم يبقى سنة كاملة حتى يأتيها الحيض، ثم تطهر من الحيض فيطلق. نقول: لا بد أن تبقى اتباعًا لحدود الله.
فإذا قال: أبقى سنة؟ ! قلنا: وسنتين أيضًا، حتى يرجع عليها الحيض ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شئت فطلق؛ لأن هذه المرأة من ذوات الحيض، ليست صغيرة وليست آيسة.
طالب: (
…
) وبعد فترة سافر هو إلى بلدته وإذا الرسالة لم تصل، وغيَّر نيته أن يرجع إلى البلد. ما العمل؟
الشيخ: أعطيك العمل، رجل طلق زوجته في سفر، قال: زوجتي طالق، ثم قدم البلد قبل أن يصل زوجتَه الخبر، ماذا يكون؟ أجب.
طالب: (
…
).
الشيخ: فهمت سؤالي ولَّا ما فهمت؟
طالب: (
…
).
الشيخ: إي، رجل طلق زوجته وهو مسافر، قال: زوجتي طالق، ثم وصل إلى البلد قبل أن يبلُغَها الخبر، ماذا يكون؟
طالب: يقع الطلاق.
الشيخ: يقع الطلاق؟
الطالب: إي.
الشيخ: نفس الشيء الكتابة؛ لأن الكتابة مجرد ما يكتب الإنسان: زوجتي طالق، تطلق.
طالب: شيخ -عفا الله عنك- التخيير (
…
)؟
الشيخ: يأتينا إن شاء الله، التخيير فيه تفصيل.
طالب: بارك الله فيك، بعض النساء تتأخرها الدورة، ممكن تجلس شهرين أو ثلاثًا لم تأتِ، فهل ينتظر حتى تأتي أم (
…
)؟
الشيخ: لا، إذا كان جامعها في هذا الطهر؟
الطالب: جامعها في هذا الطهر.
الشيخ: لا بد أن يبقى حتى يأتي الحيض وتطهر.
طالب: شيخ، عفا الله عنك، كيف يملك الوكيل (
…
) مع أن الزوج نفسه لا يملك ذلك؟
الشيخ: لكنه يقع، فإذا كان يقع وقد أذن له فيه ملك هذا.
الطالب: يقع الطلاق على الطلاق ولم يراجعها؟
الشيخ: إي نعم، يقع الطلاق على الطلاق.
طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، هل يقع الطلاق ثلاثًا أو ثنتين على من ليس في حقه (
…
)؟
الشيخ: هذا سيأتينا الطلاق هل يتعدد بعدد ألفاظه أو لا.
طالب: شيخ، إذا كانت الزوجة صغيرة هل يجوز أن تكون وكيلة عن نفسها في الطلاق؟
الشيخ: هو ما مر علينا أنه يقع الطلاق من المميز الذي يعقله؟ الوكيل الذي يعقله يقع منه الطلاق، يعني: مَنْ صح طلاقُه صح أن يكون وكيلًا فيه.
طالب: المرأة المستحاضة؟
الشيخ: إي نعم، المستحاضة يجوز طلاقها.
الطالب: ليس في حقها سنة ولَّا بدعة؟
الشيخ: لا، في حقها سنة وبدعة؛ إذا حاضت – يعني: في الوقت الذي قلنا: إنه حيض - يكون بدعة، أما إذا كانت مستحاضة فهو سُنَّة، طلاقها طلاق سنة؛ لأنها من ذوات الحيض.
طالب: لو قالت المرأة: طلقت زوجي، هل هي (
…
)؟
الشيخ: إي، إذا قالت: طلقت زوجي، يقول: والآن أنا ربطك! !
الطالب: ما عنده قانون يا شيخ؟
الشيخ: لا، عنده شريعة الله.
الطالب: ما الضابط عند هؤلاء؟
الشيخ: لا، ما يجوز أبدًا ولا تَنْفَصِل منه؛ شرعًا لا تنفصل منه، نعم لو جعل لها الخيار فلا بأس، يعني: مثلًا إذا قال: لها الخيار، تزوجته على أن لها الخيار إن جاز له المُكْث وإلا فلها الخيار، لا بأس على قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وإلَّا فيها خلاف.
الطالب: يا شيخ، بارك الله فيك، القانون يخير طلاق المرأة (
…
)؟
الشيخ: دعني من القانون يا أخي، هذا كفر بشريعة الله.
الطالب: أقصد هي تطلق غصبًا عنه، ما يخيِّرها أبدًا؟
الشيخ: إذا طلقت غصبًا عنه يمسك بيدها ورجلها، عجيب!
طالب: أحسن الله إليكم، هل لو أن المرأة وُكِّلت من قبل أبيها في تزويج نفسها (
…
)؟
الشيخ: لا ما يصح، الطلاق غير النكاح.
يُذكَر أن رجلًا قال لامرأته: إن أذن الفجر قبل أن تكلميني فأنت طالق، ثم ندم على هذا، وقال: الآن صار الأمر بيد الزوجة، إذا شاءت سكتت إلى أذان الفجر. فالرواية تقول: إن الرجل ذهب إلى أبي حنيفة رحمه الله، وأبو حنيفة قد أعطاه الله ذكاء مفرطًا، فقال له: أنا وقعت في ورطة: قلت لزوجتي: كذا وكذا، وأخشى أن تبقى صامتة حتى يؤذن الفجر فتطلق. فقال له: اذهب إلى فلان المؤذن الذي يؤذن على طلوع الفجر، وقل له: امش امش طلع الفجر، امش أذن، واذهب إلى البيت، فذهب إلى الرجل المؤذن وقال: يا فلان، امش امش أذن، ما قال: طلع الفجر، يعني: ما فيه كذب، قال: امش امش أَذِّن. الرجل المؤذن ظن أنه تأخر في أذان الفجر فبادر وأذن، وهو كان عند زوجته الذي علَّق الطلاق على أذانه، فلما أذَّن قالت: الحمد لله الذي أنجاني منك. فقال لها: الحمد لله الذي ردَّني عليكِ! هذه حيلة، إي نعم (
…
).
***
(وتَحرُمُ الثلاثُ .. )
طالب: وتَحرُمُ الثلاثُ إِذَنْ، وإن طلَّق مَنْ دخلَ بها في حيضٍ أو طُهْرٍ وَطِئَ فيه فبدعةٌ يقعُ وتُسنُّ رَجعتُها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ما هو الطلاق الموافق للسُّنَّة؟
طالب: هو أن يطلق في طهر لم يجامع فيه.
الشيخ: لا، كمِّل، له أوصاف؟
الطالب: أوصاف؟
الشيخ: إي.
طالب: مرة واحدة.
الشيخ: أن يطلقها مرة واحدة.
الطالب: وأن يطلقها في طهر لم يجامع فيه.
الشيخ: في طهر، هذه اثنان.
الطالب: وألا (
…
).
الشيخ: لم يجامع فيه؛ هذه ثلاثة.
الطالب: لا لا.
الشيخ: لا لا؟ ! بلى بلى.
الطالب: في طهر لم يجامع فيه.
الشيخ: إي، هذا كلام المؤلف.
الطالب: (
…
) يا شيخ.
الشيخ: (
…
).
الطالب: ثلاثة يا شيخ.
الشيخ: لا، أربعة.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا، يكفي في طهر.
طالب: يتركها حتى تنقضي عدتها.
الشيخ: ويتركها حتى تنقضي عدتها.
طيب، إذن الطلاق الموافق للسنة ما جمع أربعة أوصاف: أن يكون مرة، أن يكون في طهر، ألا يكون جامعها في ذلك الطهر، الرابع: أن يَدَعَها حتى تنقضي عدتها. حامل؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: الحامل سيأتينا إن شاء الله أنه لا يوصف طلاقها بالسنة ولا بدعة، وعلى هذا يطلق متى شاء.
رجل طلق امرأته طلقتين، فقال: أنت طالق اثنتين، أسُنَّة هو؟
طالب: لا، بدعة.
الشيخ: بدعة. رجل قال لزوجته: أنت طالق، ثم قال: أنت طالق ثانيًا. أسُنَّة أم بدعة؟
طالب: بدعة.
الشيخ: بدعة، تمام.
***
ثم يقول المؤلف رحمه الله: (وتحرُم الثلاث إذن).
(تحرُم الثلاث) مفرَّعة على قوله: (إذا طلقها مرة)، فالثلاث إذن مُحَرَّمة. الدليل على هذا أن الطلاق الثلاث مِنْ تَعَدِّي حدود الله، وقد قال الله تعالى:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1]، ومن السُّنَّة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل طلق امرأته ثلاثًا فقام غضبان وقال:«أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ ! » (4) حتى استؤذن صلى الله عليه وسلم في قتله، أي قتل هذا الرجل.
فالثلاث محرمة، سواء قال: أنت طالق ثلاثًا، أو قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.
وقوله: (إذن) أي: حين نقول إن السنة أن يطلقها مرة.
وبناء على هذا ينبغي أن يقال: إذا طلقها مرتين فهو حرام، وهذه المسألة – إذا طلقها مرتين – اختلف فيها العلماء رحمهم الله؛ فمنهم من قال: إنها مكروهة، ومنهم من قال: إنها حرام؛ فمن قال: إنها حرام، قال: إن في ذلك تضييقًا على الإنسان بدون حاجة. كيف يكون تضييقًا؟ أنه يطلق مرتين ويبقى عليه مرة، ولو طلق مرة بقي عليه اثنتان. فهو تضييق بلا حاجة.
ولأنه بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (5).
وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الطلقتين حرامٌ كالثلاث، وهذا هو الحق إن شاء الله أنه لا يجوز للإنسان أن يطلق مرتين سواء قال: أنت طالق مرتين، أو قال: أنت طالق أنت طالق.
الثلاث؟ حرام أيضًا بدلالة القرآن والسنة، لكن لو طلَّق الثلاث فهل يقع ثلاثًا أو يقع واحدة أو لا يقع إطلاقًا؟ يعني: لو قال: أنت طالق ثلاثًا، أو قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فهل يقع ثلاثًا أو يقع واحدة أو لا يقع؟
في هذا ثلاثة أقوال؛ قولان لأهل السنة وقول للرافضة؛ الرافضة قالوا: لا يقع الطلاق، إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أو أنت طالق ثلاثًا، لم يقع الطلاق. لماذا؟ قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (6)، وطلاق الثلاث ليس عليه أمر الله ورسوله، فيكون مردودًا لاغيًا. ولا شك أن قولهم واستدلالهم بهذا الحديث قوي لولا أنه يعارض حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان الطلاق الثلاث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة (3). فيقال: إن قوله «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» يُسْتَثْنَى منه الطلاق، الطلاق ثبتت السنة بأن الطلاق الثلاث يقع أيش؟ واحدة.
القول الثاني -وهو لأهل السنة- يقولون: إن الثلاث تقع ثلاثًا وتبين بها المرأة، وهذا هو الذي عليه جمهور الأمة والأئمة، فإذا قال: أنت طالق ثلاثًا بانت منه، وإذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، بانت منه، يعني أن الثلاث تقع ثلاثًا، سواء بكلمة واحدة أو بكلمتين، وهذا هو الذي عليه جمهور الأمة والأئمة.
وقال بعض العلماء وهم قليلون لكن قولهم حق؛ أنه يقع واحدة، سواء قال: أنت طالق ثلاثًا، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، لا فرق. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: إنه يقع واحدة.
دليل ذلك القرآن والسنة؛ أما القرآن فإن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، والطلاق الثاني يقع لغير العدة؛ لأن العدة تبدأ من الطلاق الأول، والطلاق الثاني لا يُغَيِّر العدة، فيكون طلاقًا لغير عدة.
وأضرب لكم مثلًا: إنسان طلق امرأته اليوم طلاقًا سنيًّا مرة واحدة، ثم بعد يومين أو ثلاثة طلق ثانية، هل تبتدئ العدة من الطلاق الثاني أو الأول؟ الأول. إذن يكون الطلاق الثاني لغير عدة، وقد قال الله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، وهذا الطلاق لغير العدة فيكون مردودًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ، فيكون مردودًا ولا يقع. واختار هذا القول شيخنا رحمه الله ابن سعدي وقال: إن شيخ الإسلام قال بأن الطلاق الثلاث واحدة وعلَّله بتعاليل جيدة مَن طالعها لم يسغ له خلافه. يعني: مَنْ طالع كلام ابن تيمية رحمه الله لم يسغ له أن يخالفه، يعني: ولزمه أن يقول به؛ لأنه قول جيد مقرون بالأدلة، هذه دلالة القرآن على ذلك.
أما دلالة السنة فحديث ابن عباس الذي أخرجه مسلم في صحيحه، قال: كان الطلاق الثلاث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم واحدة وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر، فلما أكثر الناس ذلك قال عمر رضي الله عنه: أرى الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم (3). وهذا يدل على أن إمضاء الثلاث من اجتهادات عمر، وأنه رضي الله عنه إنما صنع ذلك سياسة لا أن هذا مقتضى الأدلة، لكن سياسة، كيف سياسة؟ لأنه إذا ألزم الناس بالطلاق الثلاث كفوا عن الطلاق الثلاث؛ يعني: مثلًا الإنسان إذا كان قد علم أنه إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فهي واحدة يهون عليه أن يقولها مرة أخرى أو لا؟ يهون، لكن إذا عَلِم أنه إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق حيل بينه وبين زوجته، فإنه لا يقولها، يتريث. فلهذا كان من سياسة عمر أن ألزم الناس بمقتضى قولهم، وقال: إنهم استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، وألزمهم به، وقال إذا جاء يستفتيه قال: أنا طلقت زوجتي ثلاثًا أراجعها؟ قال: لا، لا نمكنك من المراجعة. فمنعه من المراجعة لماذا؟ سياسة؛ لئلا يتعودوا ذلك.
المهم أن هذا هو الحق: أن طلاق الثلاث واحدة، خلافًا للجمهور وخلافًا للرافضة؛ الرافضة ماذا يقولون؟ لا يقع، والجمهور يقولون: يقع، استنانًا بسنة عمر، فيقال: عمر رضي الله عنه إنما سنة أيش؟ سياسة لأجل أن يرتدع الناس، وليس نظرًا لمقتضى الأدلة.
والصواب إذن ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله، ولا فرق بين أن يقول: أنت طالق ثلاثًا، أو يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.
بعض المتأخرين فرَّق، قال: إذا قال أنت طالق ثلاثًا فهي واحدة، وإذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فهي ثلاثة. ولكن الصواب أنه لا فرق، وقد صرَّح بهذا شيخ الإسلام رحمه الله وقال: إنه لا فرق بين أن يقول: أنت طالق ثلاثًا، أو يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وما ذكره رحمه الله هو مقتضى الجدال بين الفقهاء في هذه المسألة؛ لأن الذين قالوا: إنه يقع ثلاثًا قالوا: إنه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان الواحد منهم يكرر أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، توكيدًا لا تأسيسًا؛ لأنهم يرون أن الثلاث حرام ما يمكن يقولونها، فالرجل إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، جعل الثانية والثالثة توكيدًا للأولى، وإذا كان للتوكيد لم يقع إلا الأولى. لكن بعد ذلك صار خوف الناس قليلًا فصاروا يقولون: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، تأسيسًا لا توكيدًا.
في هذه المجادلة وكونهم يجيبون بهذا الجواب يدل على أن هذا الخلاف أيش؟ شامل لقول: أنت طالق ثلاثًا، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. ولهذا كان في جدالهم ما قلت لكم.
وكان أيضًا في جدالهم أن حديث ابن عباس في غير المدخول بها؛ كان الطلاق الثلاث واحدة (3) في غير المدخول بها؛ لأن غير المدخول بها إذا قال: أنت طالق أول مرة بانت منه بلا عِدَّة، فيقع الطلاق الثاني والثالث على غير زوجة، فيكون الثلاث واحدة.
قلت لكم ذلك؛ لأن هذا يدل على أن هذا الخلاف في الصيغتين؛ في أنت طالق ثلاثًا، وأنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.
وأما قول من قال: إنه إذا أعاد الطلاق مرة ثانية، فإنه أعاده على امرأة قد طُلِّقت وهي رجعية، والرجعية في حكم الزوجات، فإذا كانت في حكم الزوجات؛ لأن الرجعية يجوز أن تتزين لزوجها وأن تَكْشِف له وأن تبقى في بيتها معه وحدهما، فيقول: هي في حكم الزوجة فيلحقها الطلاق.
فيقال لهم: ليست الرجعية في حكم الزوجة في كل شيء، تفارق الرجعية الزوجة في عدة مواضع ستة أو سبعة، وإذا صحَّ أنها تفارقها في ستة أو سبعة، بل في اثنين لا يجوز أن نلحقها بالزوجة في كل شيء، لنا في هذا رسالة صغيرة لم تطبع حتى الآن في هذا الموضوع بيَّنا فيها دليل كل من الطائفتين، وبعد قراءتها سيتبين للقارئ أن الصواب بلا شك هو قول مَنْ قال: إن الثلاث واحدة سواء كانت بلفظ واحد أو بألفاظ متعددة.
***
يقول رحمه الله: (وإن طلَّق مَنْ دخلَ بها في حيضٍ أو طُهْرٍ وَطِئَ فيه فبدعةٌ).
(إن طلق مَنْ دَخَل بها) احترازًا من؟ ممن لم يدخل بها، لكن ينبغي أن نضيف إلى ذلك: مَنْ دخل بها أو خلا بها؛ لأن الخلوة في وجوب العدة كالوطء، فعلى هذا لا بد من إضافة قيد: مَن دخل بها أو خلا بها.
(في حَيْضٍ فبدعة)، إذا طلَّقها في الحيض فبدعة بلا شك، وهل يقع أو لا؟ يقول المؤلف: يقع (فبدعة يقع) إذا طلقها في حيض.
وهل هو حرام أو غير حرام؟ نقول: هو حرام، ودليل ذلك أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما طلَّق امرأته وهي حائض، فأخبر عمر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتغيَّظ فيه؛ غضب، وقال له:«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» ، «مُرْهُ» أي: مر عبد الله بن عمر «فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» (7). وهذا دليلٌ على التحريم، وجه الدلالة؟ أن الرسول غضب عليه الصلاة والسلام، واستدل بالآية، قال:«فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» ، ولأنه أمره أن يراجعها، والأصل في الأمر الوجوب. هذا هو الدليل على تحريم الطلاق في الحيض.
فإذا قال قائل: ما هي الحكمة في تحريم الطلاق في الحيض؟
قلنا: الحكمة في ذلك أمران؛ الأمر الأول: أنه جرت العادة أن الإنسان إذا حاضت امرأته ومُنِعَ منها فإنه لا يكون في قلبه أيش؟ المحبة والميل لها، لا سيما إن كانت من النساء التي تَكْرَه حتى المباشرة في حال الحيض؛ لأن بعض النساء يأتيها ضيقة إذا حاضت، تكره الزوج، تكره قربانه، فإذا طلَّق في هذه الحال يكون قد طلق عن كره، يعني: عن كراهة، ربما لو كانت طاهرًا واستمتع بها لأحبها ولم يطلقها؛ فلهذا كان من المناسبة أن يتركها حتى تطهر.
ثانيًا: إذا طلقها في هذه الحيضة فإنها لا تُحُسَب لها، لا بد من ثلاث حِيَض كاملة غير الحيضة التي طلقها فيها، وحينئذ يضرُّها بتطويل العدة عليها.
فصار الملاحظ به أمران: حال الزوج وحال الزوجة؛ فلذلك حرُم الطلاق في حال الحيض.
لكن لو طلَّق هل يقع أو لا يقع؟ هذه مسألة كبيرة عظيمة، يجب أن نعلم أن الأئمة الأربعة وجمهور علماء الملة يقولون: إنه يقع. انتبهوا للمسألة، المسألة خطيرة جدًّا، يقولون: إنه يقع. وذهب قلة من الناس إلى أنه لا يقع، ولا يمكننا الآن وقد انتهى الوقت أن نفصِّل في هذا وسيكون التفصيل إن شاء الله تعالى في الدرس المقبل.
***
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم؟
الطالب: الحديث أخرجه في صحيح مسلم.
الشيخ: أنا أظن أنه أخرجه مسلم، لكن يمكن المحشِّي يقصد (
…
).
الطالب: المحقق له (
…
).
الشيخ: (
…
) قال: البخاري، وفي رواية للبخاري، هذا يدل على أن المؤلف متأكد أنه في الصحيحين.
***
طالب: بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن طلَّق مَنْ دخلَ بها في حيضٍ أو طُهْرٍ وَطِئَ فيه فبدعةٌ يقعُ وتسنُّ رَجعتُها. ولا سُنَّةَ ولا بِدْعةَ لصغيرةٍ وآيسةٍ وغيرِ مدخُولٍ بها، ومن بان حَمْلُها).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ما هو طلاق السنة؟ ما جمع؟
طالب: ما جمع في (
…
). طلاق السنة؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا، هو جمع أوصافًا، اذكر أوصافه حتى يكون أسهل.
الطالب: أن يطلقها مرة.
الشيخ: أن يطلقها مرة.
الطالب: في طهر لم يجامع فيه.
الشيخ: في طهر.
الطالب: في طهر لم يجامع فيه.
الشيخ: لم يجامع فيه.
الطالب: حتى تنقضي العدة.
الشيخ: أيش لون؟ في طهر لم يجامع فيه حتى تنتهي العدة.
الطالب: يتركها حتى تنقضي العدة.
الشيخ: أن يتركها حتى تنقضي العدة، يعني: لا يردف الطلاق بالطلاق.
الآن (
…
)، قال لزوجته: أنت طالق أنت طالق، سنة ولَّا بدعة؟
طلبة: بدعة.
الشيخ: بدعة، قال لها وقد جامعها: أنت طالق؟ بدعة؛ لأنه في طُهْرٍ جامع فيه.
قال لها بعد أن طهرت من الحيض وقبل أن يجامع، قال: أنت طالق؟ سنة؛ لأنه في طهر لم يجامعها.
قال لها بعد أن طلقها في طهر لم يجامعها فيه: أنت طالق؟ بدعة. البدعة الأول ولَّا الثاني؟
الطلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني. طلاق البدعة هل يقع أو لا يقع؟ المؤلف يرى أنه يقع، ولهذا قال:(وإن طَلَّق مَنْ دخلَ بها في حيضٍ فبدعةٌ يقعُ).
طالب: (أو طُهْرٍ وَطِئَ فيه).
الشيخ: فيه (أو طُهْرٍ وَطِئَ فيه)، لكن نخلي شرحها بعدُ.
(فبدعة يقع)، أولًا قولنا:(بدعة) يعني أنه مخالف للسنة، وهنا ننبه أن الفقهاء رحمهم الله لا يطلقون البدعة على مثل هذا، البدعة تُطلق على عبادة لم تشرع، أو على وصف زائد عما جاءت به، أو في أمور عقدية، هذا هو الذي يطلق عليه البدعة غالبًا؛ إما في أمور العقائد، وإما في عبادة لم تُشْرَع أصلًا، وإما في عبادة مشروعة لكن زادها وصفًا.
وأما في غير ذلك فإنه لا يُسَمَّى بدعة، تجدهم يقولون: هذا حرام، هذا مكروه، أما أن يقولون: إنه بدعة. فهذا نادر. لكن في هذه المسألة وصفوا بالبدعة والسنة.
إذا طلَّقها في حيض فهو بدعة، وإن شئت فقل: إنه محرم، وهذا أليق في اصطلاح الفقهاء؛ أن نقول: إنه محرم.
دليل التحريم من الكتاب والسنة؛ أما الكتاب فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، يعني: طلقوهن طلاقًا تبتدئ به العدة، ومعلوم أنه إذا طلقها في حيض لم يكن طلاقًا تبتدئ به العدة؛ لأن بقية الحيضة التي طلق فيها لا يحسب من العدة، فيكون قد طلَّق أيش؟ لغير عدة، فتعدَّى بذلك حدود الله:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1].
إذن هذا دليل من القرآن على أنه محرم.
دليل من السنة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض، فتغيَّظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: غضب وتأثر من كونه يطلقها وهي حائض، مع أن ابن عمر ربما يكون غير عالم، لكن أصل الفعل محرم، والفاعل قد يكون آثمًا وقد يكون غير آثم. ثم قال لعمر:«مُرْهُ» أي: مر عبد الله «فَلْيُرَاجِعْهَا وَلْيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ» ثم قال عليه الصلاة والسلام مفسرًا للقرآن: «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» (8).
إذن الطلاق بالحيض محرم بالكتاب والسنة.
وهل يقع؟ يقول المؤلف رحمه الله: إنه يقع، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعمر:«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» ، ولا مراجعة إلا بعد وقوع الطلاق؛ لأن مَنْ لم يقع طلاقُها كيف يقال: راجعْها؟ ولأنه ثبت في البخاري أنها حُسِبت من طلاقها (9)، ولا يمكن أن تُحْسَب من طلاقها إلا إذا وقعت؛ وعلى هذا القول جرى جمهور العلماء، بل جمهور الأمة وجميع الأئمة أن طلاق الحائض واقع ومحسوب عليه، وما زال الناس على هذا.
ثم إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نظر في الأمر ووجد أن دلالة الكتاب والسنة تدل على عدم الوقوع، لكنه هُجِرَ هذا القول، هُجِرَ هجرًا تامًّا ولم يعمل به أحد حتى عصرنا هذا. انتشر القول بأن طلاق الحائض لا يقع، وصار عند العامة شيئًا محبوبًا؛ لأن كثيرًا منهم طلق وامرأته حائض أو في طهر جامع فيه، فشربوا هذا القول شرب العطشان للماء البارد وصفقوا له وصاروا ينقِّبون عن طلاقات سابقة، هل هي على حيض أو في طهر جامع فيه؟ من أجل أن ينقضوا ما أبرموا، فإذا ضاقوا ذرعًا وضاقت عليهم الأرض بما رَحُبَت وطلق زوجته الطلقة الثالثة، جاء يقول: طلقت منذ عشرين عامًا امرأتي وهي حائض؛ يعني أيش؟ أَلْغوها عليه. وطلقتها منذ عشر سنوات في طُهْرٍ جامعتها فيه. يعني أيضًا: احذفوها. تكون هذه الطلقة الثالثة هي الأولى، فيراجع. وسبحان الله! لم يتفطن لهذا الأمر الذي وقع فيه إلا بعد أن ضاقت عليه الحيلة!
مثل هذا – حتى لو كان العالم يرى أنه يقع – لا يُفْتَى بأنه لا يقع؛ لأنه يشبه المتلاعب. هذا الرجل لو أن زوجته بعد طلقته الأولى تزوجت بعد انتهاء العدة، هل يهجم على الزوج ويقول: هذه زوجتي؟ الطلاق لم يقع؟ أبدًا، لو فعل لذهب إليه يقول: بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير، فكيف اليوم يقول: إنه طلق في حيض؟ ولهذا يسألنا كثير من الناس عن هذا، وما شاء الله العوام صاروا فقهاء في هذه المسألة؛ لأنه وافق قلبًا خاليًا فتربع، وافق هوًى. مثل هؤلاء لا يُفْتَون بعدم الوقوع، ولا حرج على الإنسان في ذلك؛ لأنه من باب دفع التلاعب بآيات الله؛ ولأنه قول – أعني الوقوع – قول موافق لأيش؟ لجمهور الأمة وأقوال الأئمة الأربعة وغيرهم من المحققين العلماء الفحول.
أقول: هذا تقرير كون الطلاق يقع في الحيض.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يقع في الحيض؛ لأن ذلك خلاف ما أمر الله به ورسوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (10)، أي مردود على عامله. فهذا الطلاق الذي وقع في الحيض هل عليه أمر الله ورسوله؟ لا، إذن لا يقع. كما لو صلى الإنسان نافلة دون سبب في وقت النهي، النافلة طاعة، ومع ذلك إذا فعلها من دون سبب في وقت النهي فهي أيش؟ باطلة مردودة، فكذلك الحيض. فإذا كانت العبادة وهي محبوبة إلى الله لا تُقْبَل إذا وقعت في حال منهي عنها، فالطلاق الذي ليس محبوبًا إلى الله إذا وقع في حال منهي عنها أولى ألا يقع وأن يكون مردودًا.
ثم إن أبا داود روى في سننه بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئًا (11).
هذا القول الذي نُسِبَ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يعارض (فَحُسِبَت من طلاقها)؛ لأن قوله: فحُسِبَت، يقول ابن القيم: لم يذكر من الحاسب، هل هو الناس ومن ذهب إلى هذا أو الرسول؟ وأما ولم يرها شيئًا فهو مرفوع، لم يرها شيئًا يعدُّ.
والصواب عندي أن الطلاق في الحيض لا يقع، وبناء على ذلك إذا جاءنا رجل يقول: اكتب طلاق زوجتي، نقول: انتظر، هل الزوجة حائض؟ إن قال: لا، قلنا: هل جامعت؟ إن قال: لا، كتبنا الطلاق. وإن قال: إنه جامعها في الطهر، قلنا: هل حملت؟ إن قال: نعم، كتبنا الطلاق، وإن قال: لا، قلنا: ننتظر حتى تحيض أو يتبين حملها.
يقول كذلك: (أو طُهْرٍ وَطِئَ فيه).
يعني أنه إذا طلق في طهر وطئ فيه (فبدعةٌ يقعُ) يعني: فهو طلاق بدعة ويقع.
والصحيح أنه حرام لا شك، حرام أن يطلِّقها في طهر جامعها فيه، ودليل هذا حديث ابن عمر:«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ» . وعلى هذا فإذا طلَّقها في طهر جامعها فيه فهو محرم.
وهل يقع أو لا يقع؟ يرى المؤلف أنه يقع، والصحيح أنه لا يقع؛ وذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله، فإن الله تعالى قال:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وإذا طلقها في طهر جامع فيه فهل عدتها في الحيض أو بوضع الحمل؟ ما ندري، إن حملت من هذا الجماع فعدتها بوضع الحمل، وإن لم تحمل فعدتها بالحيض. إذن هذا الرجل طلقها لعدة غير متيقنة، لا يدرى أهي بوضع الحمل أو الحيض. فنقول: انتظر حتى تحيض أو حتى تحمل.
فعلى هذا إذا جاءنا رجل يقول: اكتب طلاق زوجتي، أسأله هل هي حائض أو لا؟ إذا قال: لا، هي طاهر. أقول: هل جامعتَها أو لا؟ إذا قال: جامعتُها، ماذا نقول؟ نقول: انتظر. إلى متى ينتظر؟ حتى تحيض أو يتبين حملها، فإن حاضت، فإذا طهرت طلق، وإن تبيَّن حملها طلق في الحال؛ لأنه إذا طلق الحامل ابتدأت العدة من طلاقه، فيكون قد طلق للعدة.
يعترض معترض على قولنا: إن الطلاق في الحيض لا يقع، يعترض معترض فيقول: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» ، والمراجعة لا تكون إلا بعد عدة؟
وجوابُنا على هذا أن نقول: المراجعة اصطلاحًا لا تكون إلا بعد عدة، والمراجعة شرعًا تكون لهذا المعنى ولغيره. ويدل لذلك قول الله تبارك وتعالى في المرأة تُطلَّق الطلقة الثالثة، قال:{فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230]، الضمير يعود على من {عَلَيْهِمَا} ؟ على الزوجة والزوج الأول، وهنا قال:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} مع أن هذا ليس مراجعة، وإنما هو ابتداء نكاح، فسمَّى الله سبحانه وتعالى رجوعها إلى الزوج بعقد، سماه تراجعًا، فيكون حديث ابن عمر «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» ليس المراد به المراجعة الاصطلاحية وهي التي تكون بعد طلاق، بل المراد المراجعة اللغوية وهي أن ترجع إلى زوجها ولا تُحْسَب الطلقة.
قال: (وتُسَنُّ رَجعتُها).
يعني: إذا طلقها في حيض أو طهر وطئ فيه وقع الطلاق، لكن يُسَنُّ أن يراجعها. لماذا يسن أن يراجعها؟ من أجل أن يطلقها أيش؟ في طُهْرٍ لم يجامِع فيه.
شيخ الإسلام رحمه الله ذكر هنا معنًى دقيقًا، قال: إنه لو حُسِبَت الطلقة في الحيض لكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر بالمراجعة أمرًا بتكثير الطلاق؛ لأنه إذا راجعها وحَسَبنا الطلقة الأولى واحدة، فسيطلِّق طلقة ثانية فيزيد العدد، والشرع يحب أن ينقص عدد الطلاق لا أن يزيد؛ ولهذا حرم ما زاد على الواحدة، وهذا معنى لطيف جدًّا، يعني: كأنه يقول: إذا كان الطلاق الأول واقعًا فكون الرسول يأمره أن يراجعها يعني أن يراجع ثم يطلق فيزداد عليه عددُ الطلاق، والشرع لا يحب من المرء أن يتكرر طلاق زوجته.
على القول الراجح هل نقول: تُسَنُّ رجعتُها؟ على القول بأن الطلاق لا يقع؟ لا، لا نقول: تُسَنُّ رجعتها، نقول: هي زوجة لم تنفك عن زوجها حتى نقول: راجع، نقول: هي الآن زوجته، والله أعلم.
طالب: (
…
).
الشيخ: هه؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا.
طالب: إذا طلق الرجل زوجته وهي حائض، ثم ذهب في اليوم الثاني يستفتي أنه طلق زوجته أمس وهي حائض، فهل نقول له: راجعها أو تحسب عليك طلقة أو كفر عن يمينك؟
الشيخ: لا أبدًا، نقول: لا تُحْسَب طلقة وليس عليه يمين، هل فيه يمين؟ هل حلف على شيء؟ ! ما فيه يمين.
الطالب: يعني: لا تُحْسَب عليه (
…
)؟
الشيخ: أبدًا، كأنه لم يقع، كأن هذا اللفظ الذي صدر منه لم يقع.
طالب: بعض الناس يطلق امرأته طلقتين، ثم يطلقها الثالثة على عوض، وهو لا يدري الفرق بين الخلع أو الطلاق، يحسب أن هذا طلاق (
…
)، ثم يأتي يستفتي، فهل (
…
)؟
الشيخ: يعني طلق مرتين، مرة ثم راجع ثم مرة، ثم الثالثة خالع؟
الطالب: نعم، ولكنه لا ينوي الخلع، يعني هو في اعتقاده أن هذا الطلاق، ولكن (
…
).
الشيخ: الطلاق على عوض إن كان بلفظ الفسخ أو الفداء أو نحوهما فهو فسخ لا ينقُص به عدد الطلاق ولا يحسب عليه، فله أن يتزوجها بعقد، وإن كان بلفظ الطلاق فقال شيخ الإسلام رحمه الله: إنه فسخ أيضًا ولا عبرة باللفظ؛ لأنه خُلْع، المرأة فارقته بعوض، وقال جمهور العلماء: بل هو طلاق إن وقع بلفظ الطلاق، ويؤيد هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لثابت بن قيس:«خُذِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» (12)، والأصل في اللفظ النبوي أن يُحْمَل على الحقيقة الشرعية، والحقيقة الشرعية أنه طلاق، وهذا أرجح، كلام شيخ الإسلام من حيث المعنى أرجح: أن كل فراق كان بعوض فهو فسخ لا طلاق ولو وقع بلفظ الطلاق، لكن ماذا نقول بقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» ؟
إذا حملناه على المعنى اللغوي، وهو أن «طَلِّقْهَا» يعني: فارقها، فهو مشكل؛ لأن المعروف أن الحقيقة الشرعية تحمل عليها الألفاظ الشرعية، وبناء على ذلك نقول: إذا وقع الخلع بلفظ الطلاق بانت منه بينونة كبرى، لا تحل له إلا بعد زوج.
طالب: إن طلق زوجته أكثر من ثلاث؟
الشيخ: كم؟
الطالب: خمسة.
الشيخ: خمسة، نقول: ثنتان لك وثلاثة لنا!
القول الراجح أن الإنسان إذا قال: أنت طالق ثلاثًا أو اثنتين أو أربعًا أو عشرًا أو عدد النجوم أو عدد المخلوقات، أنه طلقة واحدة؛ هذا هو الراجح كما يدل عليه حديث ابن عباس الذي في صحيح مسلم (3).
طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، كيف نجيب على رواية ابن عمر في صحيح مسلم؟
الشيخ: وهو؟
الطالب: وهو لما سئل: هل حسبت عليك؟ (
…
) على أنه حسبت عليه.
الشيخ: ما هو ظاهر، ما هو بصريح، لا، بل قد يقال: هذا ظاهره عدم الوقوع؛ لأنه جعل هذا من الحماقة، والحماقة شيء لا يُقَرُّ.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- على القول بأن الخلع بلفظ الطلاق هو طلاق.
الشيخ: على أيش؟
الطالب: أن الخلع بلفظ لو قال: أنت طالق وأخذ العوض، فهل له رجعتها؟
الشيخ: أنه خُلع ولَّا أنه طلاق؟
الطالب: على القول بأنه طلاق، على القول بأن الخلع بلفظ الطلاق طلاق، فهل له مراجعتها كزوجة طلَّقها؟
الشيخ: لا، كل طلاق على عوض فلا رجعة فيه إلا بعد عقد، فإن كانت الثالثة فبعد زوج.
الطالب: أحسن الله إليكم، هذا قد يورد علينا، يعني حينما نقول بأنه طلاق، قد يقول لنا القائل: فإذن أعطوه كل أحكام الطلاق، ولا دليل على إخراج أحكام الطلاق عنها.
الشيخ: وأيش (
…
) الحديث؟ الحديث هذا هو الفاصل، لولا الحديث لكان كلام الشيخ واضحًا؛ لأنها افتدت نفسها واشترت نفسها منه، وهذا هو الذي يجعلنا نقول: إنه ليس له رجعة؛ لأن المرأة اشترت نفسها، لكن لو قال: أنا أرد عليكم ما أخذت فأقيلوني، كما يقال البائع إذا طلب من المشتري أن يقيله ويَرُدُّ عليه الثمن؛ فلو قال الزوج هكذا، قال: أنا أعطيكم ما أخذت منكم فأقيلوني؟ نقول: الطلاق ما فيه إقالة ولا إمضاء؛ الطلاق ماض. لكن هذا الذي تريد أن تعطينا اجعله مهرًا وتزوجها.
طالب: بالنسبة للقول بأن الطلاق في الحيض قلنا: إنه يقع.
الشيخ: عند جمهور العلماء، الطلاق في الحيض يقع عند جمهور العلماء.
الطالب: على القول أنه لا يقع على الصحيح، أليس هذا مبنيًّا على قاعدة أن النهي يبطل الفساد؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: ليش ما (
…
)؟
الشيخ: الأئمة رحمهم الله استدلوا بقوله: «فَلْيُرَاجِعْهَا» (7)، وقالوا: لا مراجعة إلا بعد وقوع الطلاق، واستدلوا برواية البخاري أيضًا: فَحُسِبَتْ من طلاقها (13). يعني: هم لهم دليل ويجعلون هذا خارجًا.
الطالب: عن القاعدة؟
الشيخ: عن القاعدة، لكن الصحيح أنه موافق للقاعدة وأنه لا يقع، إلا أنه كما قلت لكم من قبل: لو جاءنا متلاعب قد طلَّق من زمان في حيض، ثم طلق ثانية في طهر جامع فيه، ثم طلق الثالثة، ولمَّا ضاق عليه الأمر جاء يفتش فيما مضى، ما يُقْبَل هذا.
طالب: شيخ لو قال لها: حبلك على غاربك. يقع الطلاق؟
الشيخ: بنيته؛ يقع الطلاق بنيته.
طالب: شيخ -أحسن الله إليكم- على حسب القاعدة: المثبت يقدم على النافي، ففي الحديث: فحسبت من طلاقها، هذا مثبِت، واللفظ الثاني:(لم يرها شيئًا) ناف، فلماذا ما قدمنا المثبت على النافي؟
الشيخ: ما نقدم؛ لأن (لم يرها) مرفوع، و (حُسِبَت) من الحاسب؟ لو قال: حسبها النبي صلى الله عليه وسلم من طلاقها، كان زال الإشكال.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: لا، ما بالمجهول، ما يدرى، فيكون هذا على تقدير أنه مرفوع حكمًا وأن القائل:(فحُسِبَت) هو ابن عمر؛ لأن ما ندري هل هو ابن عمر اللي قاله أو من بعده؟ لكن على فرض أنه ابن عمر وأنه مرفوع حكمًا، فالمرفوع صريحٌ مقدَّم.
طالب: قول المؤلف رحمه الله تعالى: (فبدعة يقع، وتسن)، أقول: لو كانت هذه الطلقة الثانية، فكيف تسن مراجعتها؟
الشيخ: ما يمكن يراجع، لا.
الطالب: مع أنه يرى (
…
).
الشيخ: لا، هو قصده إذا كانت تحل مراجعته، أما بعد الثالثة ما يمكن يراجع.
***
طالب: (
…
) رَجعتُها، ولا سُنَّةَ ولا بِدْعةَ لصغيرةٍ وآيسةٍ وغيرِ مدخُولٍ بها، ومن بان حَمْلُها).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. سبق لنا أنه لا يجوز الطلاق في الحيض، لماذا؟ لأنه خلاف أمر الله، فقد قال الله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وإذا طلق في الحيض فإن بقية الحيضة لا تحسب من العدة، فيكون طلق لغير العدة. وكذلك أيضًا إذا طلق في طهر جامع فيه فقد خالف أمر الله، طلق لغير العدة، لماذا؟ لأنه إذا جامعها في طُهْرٍ ففيه احتمال أن تكون عَلِقَت منه بولد، فتكون حاملًا، وعدة الحامل إلى وضع الحمل، ويحتمل ألا تكون علقت بولد فتكون عدتها بأيش؟ بالحيض. إذن هو طلق لغير عدة معلومة، فيكون طلاقه باطلًا.
المؤلف يقول: إنه (بدعةٌ يقعُ)، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، لكن أكثر العلماء والأئمة يقولون: إنه يقع، ولذلك لو أن الإنسان سلك مسلك عمر بن الخطاب في هذه المسألة وأنه إذا طلق الإنسان في حيض أو في طهر جامع فيه وكَثُر هذا من الناس، لو أنه سلك إلزامهم به كما ألزمهم عمر بالطلاق الثلاث (3) لكان هذا خيرًا، حتى وإن كان يعتقد أن الدليل يدل على أن الطلاق في الحيض لا يقع أو في طهر جامع فيه لا يقع، لكن إذا رأى إلزام الناس به من باب السياسة فليس عليه حرج؛ لأن هذه سنة مَنْ؟ سنة عمر.
الآن بدؤوا -أي الناس- ينقبون عن طلاقات سابقة لها سنوات، فيقول: إنه طلقها في حيض، طلقها في طهر جامع فيه، مع أننا نعلم أنه لو انتهت العدة في الطلقة التي طلقها وهي حائض وتزوجت بآخر لم يبال بهذا؛ لأنه يعتقد أنها طلقت، ففتح الباب للناس حتى يقعوا في المحرم أمر يحتاج إلى نظر.
ولهذا أنا أعتقد أن القول الراجح أن الطلاق في الحيض لا يقع، والطلاق في طهر جامع فيه لا يقع؛ لأنه خلاف ما أمر الله به ورسوله، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ (14)، لكن أرى أنه إذا دعت الحاجة إلى إلزام الناس بالطلاق إذا طلقوا في الحيض أو في الطهر الذي جامعوا فيه، أرى أن هذا هو السياسة الشرعية؛ لأن الشرع جاء ليصلح الخلق، لا لتلاعب الخلق. ولنا في هذا أسوة، من أسوتنا في ذلك؟ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام:«إِنْ يَكُنْ فِيكُمْ مُحَدَّثُونَ فَعُمَرُ» (15)، أي مُلْهَمُونَ للصواب فعمر بن الخطاب؛ ولهذا يقال: إن عمر بن الخطاب الْمُوَفَّق للصواب، جميع اجتهاداته تكون غالبًا صوابًا، لا سيما في هذه المسألة الكبيرة التي بدأ الناس يتلاعبون، وإذا ضاقت عليهم الحيل قال: أنا طلقت في حيض. دائمًا يعالجوننا في الاستفتاء، إذا قال: طلقت في حيض، قلت: راجعها، قال: هل تحسب عليَّ؟ راجعها يا رجّال. هل تحسب علي؟ علشان أيش؟ يتوفر لديه ثلاث طلقات. نقول: يا أخي راجع الآن، وعد نفسك أنك لن تعود للطلاق، والحمد لله طلقة واحدة إذا حسبت عليك ما هي مشكلة. لكن لا، يريدون أن يقال لهم: هذه لا تُحْسَب عليكم، من أجل أن يكون عندهم النصاب كاملًا.
فعلى كل حال نحن نرى أن الطلاق في الحيض لا يقع، وفي طهر جامع فيه لا يقع، لكن نرى أنه من السياسة إذا تتايع الناس في هذا وصاروا لا يبالون، أن نلزمهم به ونقول: أنت رضيت لنفسك أن تطلق بالحيض فلنلزمك بما رضيت لنفسك.
ثم قال: (وتسنُّ رَجعتُها) رجعة من؟ رجعة مَنْ طلقها في حيض أو في طهر جامع فيه؛ والدليل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «مُرْهُ» أي: مر عبد الله بن عمر «فَلْيُرَاجِعْهَا» (7)، هذا هو الدليل، والراجح أن الرجعة هنا واجبة، بل على قولنا: ليست رجعة حقيقة، وإنما هي إبقاء لها على نكاحها الأول، فالصواب أن الرجعة -حتى وإن قلنا بوقوع الطلاق- أن الرجعة واجبة؛ لأنه لا يُرْفَع المحرم إلا بواجب.
***
ثم قال: (ولا سُنَّةَ ولا بِدْعةَ لصغيرةٍ وآيسةٍ وغيرِ مدخُولٍ بها، ومن بان حَمْلُها).
هذه أربع نساء ليس لطلاقهن سُنَّة ولا بدعة.
قوله: (ولا سُنَّةَ ولا بِدْعةَ)، يعني: لا يوصف الطلاق بسنة ولا بدعة في هؤلاء الأربع النساء، وظاهر كلامه رحمه الله أنه لا سُنَّة ولا بدعة في عددٍ ولا وقت، وأن الإنسان لو طلَّق واحدة من هؤلاء الأربع مرتين أو ثلاثًا فإنه لا يوصف بأنه سنة ولا بدعة.
(لا سنة ولا بدعة) في أيش؟ في عدد ولا زمن، أو ولا وقت، المعنى واحد.
فيؤخذ من كلامه أنه لو طلق واحدة من هؤلاء الأربع ثلاثًا أو ثنتين، فهذا لا يوصف بأنه سنة ولا بدعة، ولو طلق واحدة من هؤلاء الأربع واحدة لا توصف بأنها سنة، وهذا غير صحيح. الصواب أن هؤلاء الأربع طلاقهن أكثر من واحدة بدعة، يوصف بأنه بدعة؛ لأنه خلاف السنة، السنة الطلاق واحدة ولّا أكثر؟ واحدة، فإذا طلق واحدة من هؤلاء الأربع مرتين – قصدي ثنتين – أو ثلاثًا، فلا شك أنه مبتدع. لكن بالنسبة لغير المدخول بها سيأتي الكلام فيها.
قوله: (لصغيرة)، المراد بالصغيرة هنا من لم يأتها الحيض، حتى لو بلغت عشرين سنة وهي لم يأتها الحيض فإنها تعتبر أيش؟ صغيرة؛ لقول الله تبارك وتعالى:{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]، وهذا مطلق، ما دامت لم يأتها الحيض بعد فهي صغيرة.
لا سُنَّة في طلاقها لا بعدد ولا زمن؛ أما الزمن فنعم ليس هناك سنة ولا بدعة؛ لأنه لا يتصور في حقها سنة ولا بدعة، كيف ذلك؟ الصغيرة عدتها بالأشهر، كم عدتها بالأشهر؟ ثلاثة شهور، وهذا يقتضي أن تطلق في أي زمن طلق؛ لأنه من حين ما يقول: هي طالق، أيش؟ تبتدئ بالعدة، فيكون قد طلَّق للعدة. لكن يطلق مرتين أو ثلاثًا، فهذا بدعة لا شك، خلافًا لظاهر كلام المؤلف رحمه الله.
إذن ما المراد بالصغيرة؟ مَنْ لم يأتها الحيض.
لو قلت: المراد بالصغيرة مَنْ لم تبلغ، خطأ ولَّا صواب؟
طالب: صواب.
طالب آخر: خطأ.
الشيخ: خطأ، صواب. قولوا: لا خطأ ولا صواب (
…
)، لا سنة ولا بدعة.
لا خطأ ولا صواب؟
طالب: خطأ.
الشيخ: خطأ. نحن نقول: الصغيرة من لم يأتها الحيض، لو بلغت خمسة عشر سنة، عشرين سنة، وهي إلى الآن لم يبتد بها الحيض، فهي صغيرة.
إذن ليست الصغيرة هنا من لم تبلغ، الصغيرة هنا من لم يأتها الحيض، بعض النساء يتقدم حيضها تبدأ تحيض من عشر سنوات، وبعض النساء إلى عشرين سنة ما تحيض، ونحن هنا لا نقيد بالسن، نقيد بالحال: ما دامت لم تحض فهي داخلة في قول المؤلف: (لصغيرةٍ).
(وآيسة)، من الآيسة؟ هي التي لا ترجو الحيض؛ يعني: انقطع عنها، ولا ترجو رجوعه؛ هذه الآيسة.
كم سِنُّها؟ على كلام المؤلف الذي مضى في باب الحيض خمسون سنة؛ لأن الحيض بعد الخمسين ليس بشيء، لكن الصواب أنها لا تتقيد بسن، بل متى لم ترج رجوع الحيض فهي أيش؟ آيسة، واللفظ والاشتقاق يدل عليه؛ آيسة. وعلى هذا فمن استؤصل رحمها ولها عشرون سنة؟
طلبة: آيسة.
الشيخ: آيسة؟ !
الطلبة: نعم.
الشيخ: يا إخواني، شابة لها عشرون سنة؟ ما تقول؟
طالب: آيسة.
الشيخ: آيسة، متفقون على هذا؟ وأيش تقول؟
طالب: نعم.
الشيخ: إي، إذن الآيسة لا تتقيد بسن، قد تَيْأَس ولها عشرون سنة. إذا استؤصل رحم المرأة ما يمكن أن تحيض.
وعلى هذا فنقول: الآيسة من لا ترجو الحيض.
إما لكبرها أو لاستئصال رحمها أو لغير ذلك من الأسباب، لكن الغالب أن المرأة إذا تجاوزت الخمسين سنة الغالب أن حيضها يتقلص؛ لأنها تَجِفُّ من الدم ويتقلص حيضها، هذا الغالب، لكنه ليس يقينًا.
(وغيرِ مدخُولٍ بها)، أيضًا التي لم يدخل بها ليس لطلاقها سنة ولا بدعة؛ لماذا؟ لأنه ليس لها عدة، والله عز وجل يقول:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]. التي لم يدخل بها ولم يخلُ بها ليس عليها عدة، فليطلقها ولو كانت حائضًا.
وغيرِ مدخولٍ بها ومَن بانَ حَمْلُها.
و(صريحُه) لفظُ الطلاقِ وما تَصَرَّفَ منه غيرُ أمْرٍ ومُضارِعٍ، ومُطَلِّقَةٌ اسمُ فاعلٍ فيَقَعُ به وإن لم يَنْوِه جادٌّ أو هازِلٌ، فإن نَوَى بطالِقٍ من وَثاقٍ أو في نِكاحٍ سابِقٍ منه أو من غيرِه أو أرادَ طاهرًا فغَلِطَ لم يُقْبَلْ حُكْمًا، ولو سُئِلَ: أَطَلَّقْتَ امرأتَك؟ فقالَ: نعم وَقَعَ، أو ألك امرأةٌ؟ فقالَ: لا وأَرادَ الكَذِبَ فلا.
(فصلٌ)
وكناياتُه الظاهرةُ، نحوَ: أنتِ خَلِيَّةٌ وبَرِيَّةٌ وبائِنٌ وبَتَّةٌ وبَتْلَةٌ وأنتِ حُرَّةٌ وأنت الْحَرَجُ، والخفِيَّةُ نحوَ اخْرُجِي واذْهَبِي وذُوقِي وتَجَرَّعِي واعْتَدِّي واسْتَبرِئي واعْتَزِلِي ولستِ لي بامرأةٍ والْحَقِي بأَهْلِكِ وما أَشْبَهَه، ويَقَعُ مع النِّيَّةِ بالظاهرة ثلاثٌ وإن نَوَى واحدةً، وبالخفِيَّةِ ما نَوَاه.
(فصلٌ)
وإن قالَ: أنتِ عليَّ حرامٌ أو كظَهْرِ أُمِّي فهو ظِهارٌ ولو نَوَى به الطلاقَ، وكذلك ما أَحَلَّ اللهُ عليَّ حَرامٌ، أعني به الطلاقَ. طَلُقَتْ ثلاثًا، وإن قالَ: أَعْنِي به طَلاقًا فواحدةٌ، وإن قالَ: كالْمَيْتَةِ والدمِ والخنزيرِ وَقَعَ ما نَواه من طلاقٍ وظِهارٍ ويَمينٍ، وإن لم يَنْوِ شيئًا فظِهارٌ، وإن قالَ: أَمْرُك بيَدِك مَلَكَت ثلاثًا ولو نَوَى واحدةً، ويُتَرَاخَى ما لم يَطَأْ أو يُطَلِّقْ أو يَفْسَخْ، ويَخْتَصُّ اختاري نفسَك بواحدةٍ وبالمجْلِسِ الْمُتَّصِلِ ما لم يَزِدْها فيهما، فإن رُدَّت أو وَطِئَ أو طَلَّقَ أو فَسَخَ بَطَلَ خيارُها.
(بابُ ما يَخْتَلِفُ به عددُ الطلاقِ)
يَمْلِكُ مَن كلُّه أو بعضُه حُرٌّ ثلاثًا والعبدُ اثنتينِ يَمْلِكُ مَن كلُّه أو بعضُه حُرٌّ ثلاثًا والعبدُ اثنتينِ حُرَّةً كانتْ زَوْجَتَاهُما أو أَمَةً، فإذا قالَ: أنتِ الطلاقُ أو طالِقٌ أو علَيَّ أو يَلْزَمُنِي وَقَعَ ثلاثا بِنِيَّتِها، وإلا فواحدةٌ،
لكن الغالب أن المرأة إذا تجاوزت الخمسين سنة أن حيضها يتقلص؛ لأنها تجف من الدم ويتقلص حيضها، هذا الغالب، لكنه ليس يقينًا.
(وغيرِ مدخُولٍ بها) أيضًا التي لم يدخل بها ليس لطلاقها سنة ولا بدعة. لماذا؟ لأنه ليس لها عدة، والله عز وجل يقول:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، التي لم يدخل بها ولم يخل بها ليس عليها عدة، فليطلقها ولو كانت حائضًا. أو في طهر جامعها فيه؟
طالب: لا.
الشيخ: ليش؟ غير مدخول بها. إذن نقول: فليطلقها وهي حائض ولا بأس.
فإذا قال قائل: كيف نجيب عن قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ؟ أجيبوا.
طلبة: ليس لها عدة.
الشيخ: ليس لها عدة، والله يقول:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} .
ظاهر كلام المؤلف أنه لا سنة ولا بدعة في عدد ولا زمن، غير المدخول بها لا يتصور العدد فيها؛ لأنه إذا قال: أنت طالق بانت منه، فإذا قال: أنت طالق الثانية فقد طلَّق من ليست له زوجة، ما هي زوجته الآن، لكن لو قال: أنت طالق ثلاثًا، هذا يمكن؛ لأن (ثلاثًا) وصف للجملة السابقة؛ يعني: أنت طالق طلاقًا ثلاثًا، لكن كما تعلمون أننا نرى أن الطلاق الثلاث المجموع واحدة.
(ومن بان حملها) من بان حملها أيضًا لا سنة ولا بدعة في طلاقها، لماذا؟ لأنه من حين أن يطلق فقد طلق للعدة؛ لأن الحامل عدتها بأيش؟ بوضع الحمل، وهي الآن حامل، فإذا طلقها فقد طلقها للعدة فلا سنة ولا بدعة في طلاقها. لكن كما قلت لكم وأكرر: إن بدعة العدد في هؤلاء ثابتة، وأنه لا يجوز أن يطلق واحدة من هؤلاء أكثر من واحدة، لو طلق ثنتين حرام، لو طلق ثلاثة حرام.
إذن من هن اللاتي لا سنة ولا بدعة في طلاقهن؟ نقول: كم؟ أربعة، وهنَّ: الصغيرة، والآيسة، وغير المدخول بها، ومن بان حملها. وعرفتم تعليل ذلك ودليله.
قال: (وصريحُه) أي: صريح الطلاق. هناك صريح وهناك كناية، فما هو الصريح وما هو الكناية؟ يعني ما هو الضابط؟
الضابط في الصريح: ما لا يحتمل غيرَ معناه. والكناية: ما يحتمل معناه وغيره.
ومع ذلك قولنا: ما لا يحتمل غير معناه؛ يعني: في الظاهر الغالب، وإلا قد يحتمل معنى آخر، لكنه عند الإطلاق لا ينصرف إلا إلى هذا المعنى.
(لفظُ الطلاقِ) إذا قال لزوجته: أنت طالق، هذا صريح.
قال: (وما تصرَّف منه) إذا قال: طلقتك، هذا متصرف من الطلاق؛ لأن الفعل أصله المصدر، كما هو الراجح. إذا قال: أنت مطلقة، صريح؟ صريح.
يقول: (غيرَ أمرٍ ومضارعٍ، ومُطَلِّقةٍ اسمَ فاعل)(غير أَمْرٍ) هل مراده بالأمر أن تؤمر بالتطليق أو أن تؤمر بالانطلاق؟ الأول، الأمر أن يقول: طلقي. هذا لا يقع به الطلاق، السبب لأنه أمرٌ لها بالطلاق، وليس إيقاعًا للطلاق عليها. أما لو قال: اطلقي، فإنها تطلق؛ لأن هذا أمرٌ لها بالمفارقة، اطلُقِي بمعنى: انفصلي عني.
فيكون المراد بقوله: (غير أمر) أي: أمرٍ بالتطليق، لا بالانطلاق. انتبهوا لهذا، مع أن كلام المؤلف موهم.
كيف الأمر بالتطليق؟ مثل أن يقول: طلقي، أمرها أن تطلِّق. لكن (اطْلُقِي) أمر بالانطلاق فهو طلاق.
(مضارع)، أيضًا (مضارع) نقول فيها ما نقول في الأمر؛ إن قال: أنت تُطَلِّقِين، يقع الطلاق ولَّا لا؟ لا يقع، أنت تطلِّقين خبر بأنها ستطلق، والطلاق بيد الزوج.
أما إذا قال: أنت تطلُقين؟
طالب: يقع.
الشيخ: نعم يقع، لكن تعرفون أن المضارع يصلح للحال والاستقبال، فإن أراد بقوله: أنت تطلقين المستقبلَ فهنا لا تطلق إلا إذا وقع الطلاق منه مرة أخرى، وأما إذا أراد به الحال: أنت تطلُقين فإنها تطلق؛ لأن المضارع يصح للحال والاستقبال؛ فإن نوى به الاستقبال لم تطلق، وإن نوى به الحال طلقت.
(ومطلِّقة اسمَ فاعل) إذا قال: أنت مُطلِّقة طلقت.
طلبة: (
…
).
الشيخ: أنت مطلقة، يقول المؤلف:(مطلقة اسم فاعل)، هذا في الاستثناء؛ يعني أنه إذا قال: أنت مُطلِّقة لم تطلق. أما إذا كانت (مطلَّقة) اسم مفعول فإنها تطلق.
إذن صريح الطلاق: لفظ الطلاق وما تصرف منه غير ما استثناه المؤلف رحمه الله.
طيب، وكنايته.
قال: (فيقعُ به وإن لم ينوِه؛ جادٌّ أو هازلٌ)(يقع الطلاق به) أي: باللفظ الصريح، (وإن لم ينوه)؛ لأن هذا وُضِعَ للفراق فيقع به الطلاق، سواء نوى أو لم ينوِ.
وقوله: (وإن لم يَنْوِه) هذه إشارة خلاف؛ فإن بعض أهل العلم يقول: إذا لم ينوِ الطلاق فلا طلاق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (1)، وبيان ذلك أن القائل: أنت طالق؛ إما أن ينوي الطلاق فيقع ولا إشكال فيه، وإما ألَّا ينوي الطلاق بل ينوي أنت طالق؛ يعني: غير مربطة، فهذا لا يقع به الطلاق، وإما ألَّا ينوي هذا ولا هذا، فهذا موضع خلاف؛ فمن العلماء من قال: تطلق، أخذًا بظاهر اللفظ، ومنهم من قال: لا تطلق.
لكن قولوا لي: إذا قال هذا في حال الغضب، ويش يدل عليه؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: قرينة على أنه أراد الطلاق.
وقوله: (جادٌّ أو هازلٌ) يعني: سواء ذكر هذا على سبيل الجِد أو على سبيل الهزل، فلو كان يمازح زوجته من باب التدلل عليها والتدلع -كما يقولون- قال: واللهِ أنا ما أحبك، روحي أنت طالق، يمزح عليها، تطلق أو لا تطلق؟ تطلق، يقول المؤلف:(جادٌّ أو هازلٌ).
أما الجاد واضح، الأصل الجِد، لكن الهزل يقع به الطلاق، مع أنه لو باع عليه هازلًا لم يصح البيع، لو باع عليه هازلًا؛ مثل إنسان عنده سيارة فخمة، جاءه إنسان متوسط الحال وقال: بعْ عليَّ السيارة، قال: تبغيها تشتريها؟ قال: نعم، قال: بعتها عليه بمئتين ألف، قال: قبلت، هذا مزح ولَّا جِد؟ مزح، أولًا لأن السيارة لا تساوي مئتين ألف، والثاني أن هذا فقير ليس من أهلها، لكن مع ذلك يقولون: لا ينعقد البيع.
والطلاق مع أنه مكروه وينبغي أن يتوقاه الإنسان بكل ما يستطيع، يقولون: إنه يقع من الهازل المازح، لماذا؟ لا بد أن يكون هناك سبب، وإلا لا شك أن الهازل لم يرد الطلاق، كما أن الهازل في البيع لم يرد البيع؟
يقولون: إن في ذلك حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» (2)، وفي رواية:«وَالْعِتْقُ» (3)، فإذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحًا وصحيحًا فلا مجال في العدول عنه، وهذا هو الذي عليه عامة المسلمين وعامة العلماء.
وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا كان هزلًا فإنه لا يقع، وقال: إذا كانت العقود الخطيرة لا تقع بالهزل فهذا من باب أولى، وضَعَّف الحديث:«ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ» ، وإلا لو صح الحديث فلا عدول لأحد عنه، لكنه ضعف الحديث وقال: إن الهزل ليس بشيء ولا مرادًا، واللهُ سبحانه وتعالى لا يمكن أن يُلْزم العباد بما لم يريدوه.
أما الذين قالوا بصحة الحديث -وهم عامة الأمة- فقالوا: إنه يقع، وقالوا: إن كونه هازلًا أو جادًّا هذا راجع إلى نيته، وأما السبب الذي جعله الشرع سببًا للفراق فقد وقع منه، ونحن نعمل بالأسباب الظاهرة وليس علينا من الباطنة شيء.
فهو يقول: أنا أردت الطلاق، ما أقول: ما أردته، أنا أردت الطلاق لكني أمزح. نقول: كونك تمزح أو لا تمزح هذا إلى نفسك، والطلاق واقع.
طالب: الغير مدخول بها -يا شيخ- لو طلقها وعقد عليها عقدًا جديدًا تحسب عليه الطلقة السابقة؟
الشيخ: سؤاله يقول: لو طلق غير المدخول بها ثم تزوجها، فهل تحسب عليه الطلقة الأولى؟ الجواب: نعم تحسب عليه، بنص القرآن:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]، ما فيها إشكال.
طالب: شيخ -أحسن الله إليكم- العلامات المذكورة في بلوغ الرجل (
…
) المرأة؟
الشيخ: إي نعم، وتزيد بالحيض.
الطالب: الأثر عن عائشة رضي الله عنها بأن المرأة إذا بلغت تسع سنين فهي امرأة (4)؟
الشيخ: نعم، يعني فهي قابلة أن تكون امرأة؛ أي: أن تحيض.
طالب: الراجح في طلاق المازح يقع أو لا؟
الشيخ: الراجح أن طلاق المازح يقع؛ لأن هذا أمر إلى الله ما هو إليك، أنت الآن نويت الطلاق لكنك تمزح، ما علينا من مزحك، ولأنه لو فُتِح هذا الباب لكان كل واحد يقول: إني أمزح.
طالب: أحسن الله إليك -يا شيخ- (
…
) المزح كيف كذب؟ فهل يمكن لابنه أن .. ؟
الشيخ: لا، ما هو بأثر كذب، ما هو بكذب. المزح نعم بعضه يكون تورية، وبعضه يكون غير تورية، قول الرسول صلى الله عليه وسلم يمازح الصبي:«يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ » (5) هذا ما فيه تورية ولا شيء، صريح، وهو يمزح عليه.
طالب: أحسن الله إليك، بالنسبة للأمر بالطلاق؛ يعني إذا قال: اطلقي، تطلق؛ لأنه أمر بالانطلاق.
الشيخ: نعم.
الطالب: هذه العبارة تنقل إلى صريح الطلاق أم تنقل إلى الكناية؟
الشيخ: لا، صريح الطلاق، كل ما كان مشتقًّا من هذه المادة (طاء، لام، قاف) فهو صريح.
طالب: إذا عرض بها؟
الشيخ: عرض؟
الطالب: نعم.
الشيخ: مثل؟
الطالب: مثل لو قال: أنت لا تصلحين إلا أن تذهبي إلى أهلك؟
الشيخ: ما هو طلاق؛ لأنه ما صرح، ما قال: اذهبي إلى أهلك، يقول: ما تصلحين إلا أن تذهبي، هذا من باب التهديد والوعيد.
***
الطالب: (
…
) أو من غيره، أو أراد طاهرًا فغلط لم يُقبل حُكمًا، ولو سُئل: أطلقتَ امرأتَك؟ فقال: نعم، وَقَع، أو: أَلَكَ امرأةٌ؟ فقال: لا، وأراد الكذبَ، فلا.
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: إن الطلاق له صريح وكناية، صريحه: لفظ الطلاق وما تصرف منه، واستثنى من ذلك أشياء.
يقول رحمه الله: (فإن نوى بطالقٍ مِنْ وَثَاقٍ) يعني: نوى بقوله: أنت طالق طالقًا من وَثَاق؛ يعني: من ربط. فهل يُقْبَل أو لا؟ نقول: لا يُقْبَل حكمًا؛ يعني: لو ترافعت المرأة وزوجها إلى القاضي لم يُقْبَل كلامه؛ لأن القاضي إنما يحكم بالظاهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ» (6).
فهذا رجل آذته زوجته؛ تقول: طلقني، طلقني، قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، كم دولي؟ خمسة، ثم قال: أردت أنت طالق من وَثَاق؛ يعني: ما قيدت بالحبل، هل يقبل أو لا؟
نقول: أما إن صدقته فلا طلاق؛ لأن لفظه يحتمل ذلك، وأما إن رافعته إلى القاضي وقال: نعم، أنا قلت خمس مرات: أنت طالق لكني أردت طالقًا من وثاق، فالقاضي يحكم بأنها طالق، ويفرق بينها وبين الزوج، وتحل للأزواج من بعده. تحل ظاهرًا وباطنًا ولَّا ظاهرًا؟ ظاهرًا إذا كان صادقًا في قوله: إنه نوى الطالق من وثاق.
فإن قال قائل: ماذا تقولون؛ هل الأولى للمرأة أن تحاكمه لتطلق أو أن تصدقه فلا تطلق؟
في هذا تفصيل؛ إذا كان الزوج ممن يتقي الله وعلمنا أنه صادق بقوله: إنه أراد طالقًا من وثاق، فيحرم عليه أن تحاكمه؛ لأنها الآن تعتقد أنه لم يطلقها وأنه صادق، فلا يحل لها أن تحاكمه، وأما إذا كان الرجل لا يخاف الله وهو رجل متهاون، فيجب عليها أن تحاكمه، فإن ترددت في ذلك فالأولى ألَّا تحاكمه؛ لأن الأصل بقاء النكاح. فعرفنا الآن أنه إذا أراد طالقًا من وثاق فإنه لا يُقْبل حكمًا.
ويتولد من هذا سؤال: هل الأولى أن تحاكمه أو لا؟
فيه تفصيل؛ إن كان رجلًا ورعًا يخاف الله ويغلب على ظنها صدقه حَرُمَ أن تحاكمه، وإن كان بالعكس رجلًا لا يبالي ولا يهمه فيجب عليه أن تحاكمه، ولا يجوز أن تقبل قوله، وإن شكَّت في ذلك فلم يغلب على ظنها أنه صادق ولا أنه كاذب فما الحكم؟ الأولى ألَّا تحاكمه؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ولأنها لو حاكمته ثم فُرِّق بينهما وهو صادق فيما ادعاه لكانت حلت لغيره مع أنها مع زوج. فالمسألة خطيرة.
كذلك لو قال: إنها طالق في نكاح سابق منه أو من غيره، قال: نعم، أنا قلت: أنت طالق أردت الخبر لا الإنشاء، انتبه، ولأن هناك فرقًا بين أنت طالق خبرًا أو أنت طالق إنشاء، قال: أنت طالق أردتُ الخبر؛ يعني: طالقة من الزوج اللي قبلي، إن كانت لم تتزوج نقبل كلامه؟
طلبة: لا.
الشيخ: إخواني؟
طالب: لم (
…
).
طالب آخر: (
…
).
طالب آخر: ما فيه زوج.
الشيخ: نعم، ليش واحد ولَّا اثنان أجابوا وبإلحاح؟ !
الآن إذا قال: أردت أنت طالق من زوج قبلي وهي لم تتزوج، هل يمكن أن نقبل قوله؟
طلبة: لا يمكن.
الشيخ: لا يمكن. طيب، هي لم تتزوج لكنه هو نفسه قد تزوجها من قبل ثم طلقها، وقال: أردت الإخبار عن طلاقي السابق، ولم أرد إنشاء الطلاق الآن، هل يُقبل أو لا؟ نقول: حكمًا لا يُقبل؛ لأن الأصل الإنشاء، لكن فيما بينه وبين الله إذا صدقته المرأة فإنه يُقبل. وحينئذٍ نقول: هل تصدِّق المرأة أو لا؟ على التفصيل السابق.
كذلك أيضًا لو قال: أردت طاهرًا فغلطتُ، قال: أنت طالق، ثم قال: أردت أنت طاهر، لكن سبق لسانه. هل يقبل أو لا؟ أما حكمًا فلا يُقبل؛ لأنه قال: أنت طالق، وأما فيما بينه وبين الله فيُقبل.
وحينئذٍ نقول: هل الأولى للمرأة أن تحاكمه حتى تطلق أو ألَّا تحاكمه؟ على التفصيل السابق.
لو قال: (أنت طا) بس، تطلق أو لا؟ ما تطلق، وإنما مثلت بهذا لأن بعض الذين ابتلوا بالوسواس -نسأل الله لنا ولهم السلامة- يسأل يقول: أردت أن أطلق زوجتي فقلت: (أنت طا) هل يقع الطلاق؟ ماذا تقولون؟
طلبة: لا يقع.
الشيخ: لا يقع الطلاق، على أنه سبق أن الموسوس لا يقع طلاقه أبدًا، حتى لو قال: أنت طالق.
إذن (لم يُقبل حُكمًا) كلما رأيتم في كلام الفقهاء: لم يُقبل حكمًا؛ أي: أما باطنًا فيُدَيَّن ويوكل إلى دينه.
ثم قال: (ولو سُئل: أطلقتَ امرأتَك؟ قال: نعم، وَقَع) لأن معنى (نعم): طلقتها، (نعم) هي عبارة عن إعادة الجملة التي وقع بها السؤال.
(أطلقتَ امرأتَك؟ قال: نعم) تطلق، كما سُئل أنس -مرَّ علينا أمس- أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنعليه؟ قال: نعم (7)؛ يعني: يصلي بنعليه. فإذا قيل: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم، وقع الطلاق.
ولو سُئِل: ألك امرأة؟ قال: لا، ما لي امرأة، فهذا فيه تفصيل؛ إن أراد الطلاق وقع، وإن أراد أن يكذب على الرجل فإنه لا يقع؛ لأنه إذا قال: لك امرأة؟ قال: لا، يكذب عليه. هذا خبر كاذب ما يقع به طلاق.
وينبغي أن تُخَرَّج المسألة التي قبلها على هذه؛ بمعنى أنه إذا سئل: أطلقت امرأتك؟ قال: نعم، أراد الكذب، ينبغي أن تخرج المسألة الأولى على هذه، فيقال: إذا أراد الكذب حتى في قوله: نعم، جوابًا لمن قال: أطلقت امرأتك؛ فإنه لا يقع.
***
ثم قال: (فصل: وكناياتُه الظاهرةُ).
(كناياته) الضمير يعود على الطلاق، وهذا هو القسم الثاني من الألفاظ التي يقع بها الطلاق، والقسم الأول ما هو؟ الصريح.
وقلنا فيما سبق: الصريح ما لا يحتمل إلا معنى الطلاق، والكناية هو الذي يحتمل معنى الطلاق وغيره، فهو ليس صريحًا في الطلاق.
والكنايات ذكروا أنها قسمان: ظاهرة وخفية، ولا دليل على هذا التقسيم، كما سنبينه إن شاء الله.
لكن الكنايات يقال: الكنايات نوعان: كنايات بَيِّنَة قريبة من معنى الطلاق، وكنايات بعيدة. وحكمها واحد، لكن هم يفرقون بينهما رحمهم الله.
(وكناياتُه الظاهرةُ نحو: أنتِ خليَّةٌ، وبَرِيَّةٌ، وبائنٌ، وبَتَّةٌ، وبَتْلَةٌ، وأنتِ حرةٌ، وأنت الحَرَجُ) هذه كلها كنايات ظاهرة.
(أنت خلية) يعني: ما (
…
).
(برية) يعني: من حقوق الزوج.
(بائن) يعني: منفصلة.
(بَتَّة) يعني: مقطوعة.
(بَتْلَة) أيضًا مقطوعة.
(أنت حرة) يعني: لا كلام لأحد عليك؛ لا زوج ولا غيره.
(وأنت الحرج) يعني: أنت عندي حرج، والحرج الحرام.
هذه ظاهرة، لماذا كانت ظاهرة؟ يقولون: لأن هذه وُضِعت للفراق المؤبد فكانت ظاهرة.
والخفية نحو: اخرجي، منين؟ من ها البيت، أو من الحجرة، أو من الغرفة، أو من السيارة؛ يعني بعيدة من معنى الطلاق، اخرجي، يلَّا يا مَرَة اخرجي، نقول: طلاق هذا هم يرون أنه كناية طلاق؛ (اخرُجِي).
(اذهَبِي، ذُوقِي، تَجَرَّعِي، اعتَدِّي)(اعتدي) هي أقرب هذه الكلمات لمعنى الطلاق؛ لأنه لا عدة إلا بطلاق.
(اسْتَبْرِئِي) كذلك من الكنايات الخفية، وهي أقرب إلى الطلاق من (اخرُجِي، واذهَبِي، وذُوقِي، وتَجَرَّعِي).
(واعْتَزِلِي) اعتزلي أيش؟
طالب: اعتزليني.
الشيخ: قد يكون اعتزلي عني، فيكون طلاقًا، وقد يكون اعتزلي عن المكان هذا.
(لست لي بامرأة) هذه كناية؛ لأنه يحتمل أنه أراد الطلاق، ويحتمل لست لي بامرأة مطاوعة؛ كما لو أمرها بشيء وعصت، قال: واللهِ أنت ما أنت امرأة لي؛ يعني: لو كنت امرأة لأطعتِ.
(الحَقِي بأهلِك) يعني: روحي لأهلك، الحقي بهم، يحتمل الطلاق، ويحتمل أنه أراد أن تصاحب أهلها. (وما أشبهه).
إذن الكنايات ما سوى الصريحة، وتنقسم إلى قسمين: ظاهرة وخفية، فما وُضِع للبينونة فهو كناية ظاهرة، وما لا فهو كناية خفية.
ولكن هل يقع الطلاق؟
يقول المؤلف رحمه الله: (ولا يقع بكنايةٍ ولو ظاهرةً طلاقٌ إلا بنيَّةٍ) الحمد لله، هذه نعمة، كل الألفاظ هذه لا يقع فيها الطلاق، (إلا بينة) يعني بأن ينوي بقوله:(أنت خلية) يعني: مطلقة، ينوي (اخرجي) يعني: من بيتي فلست لي بامرأة.
(إلا بنية مقارنة للفظ) النية -انتبه- إما أن تسبق اللفظ بزمن بعيد، وإما أن تكون بعده، وإما أن تكون مقارِنة أو قبله بيسير.
إن كانت سابقة؛ مثل أن نوى أن يطلقها أمس، واليوم قال لها: اخرجي، لكنه غاب عن ذهنه النية، أتطلق أم لا؟ لا، لا بد أن تكون مقارنة أو قريبة.
طيب، بعد أن قال: اذهبي أو اخرجي أو اعتزلي أو ما أشبه ذلك، نوى الطلاق، يقع أو لا يقع؟
طالب: لا يقع.
طالب آخر: لو كانت بعيدة.
الشيخ: يا إخواني، بعد أن قال: اذهبي، وهو يريد أن تذهب لأهلها للزيارة -مثلًا- نوى الطلاق، يقع ولَّا ما يقع؟ ما يقع؛ لأنه حين تلفَّظ بها لم ينو الطلاق، والمؤلف يقول:(إلا بنية مقارنة للفظ)، فلا يقع الطلاق.
لو نوى أن يطلق بدون لفظ، يقع الطلاق أو لا؟ لا يقع.
لو حدَّث نفسه دون لفظٍ أنها طالق، وقال بنفسه: زوجته طالق، تطلق؟ لا.
إذن النية تارة تتقدم كثيرًا، وتارة تتقدم بزمن يسير، وتارة تقارن، وتارة تتأخر. كم الأقسام؟ أربعة، إذا تقدمت كثيرًا لا يقع الطلاق، إذا تأخرت ولو يسيرًا لا يقع الطلاق، إذا تقدمت يسيرًا أو قارنت اللفظ يقع الطلاق.
قال المؤلف: (إلا حال خُصومةٍ أو غَضَبٍ) فاستثنى من هذا، ويأتي -إن شاء الله- غدًا.
طالب: (
…
).
الشيخ: قد يراد بالغد؟
طالب: يوم القيامة.
الشيخ: لا! يوم القيامة ما فيه تدريس، قد يراد بالغد المستقبل وإن بَعُد، غدًا ما فيه درس؛ لأنه يوم الخميس، لكن -إن شاء الله- يوم السبت.
طالب: لو الإنسان قال لزوجته: الحقي بأهلك، ثم بعد فترة نوى الطلاق مثلًا، ما .. ؟
الشيخ: ما يصير شيء.
الطالب: ما يصير؟
الشيخ: لا، ما يصير، أنت سمعت الآن: لا بد أن تكون النية مقارنة للفظ. عرفت أن النية لا بد أن تكون مقارنة للفظ أو قبله بيسير، أما لو تأخرت فلا يغني شيئًا.
يقول المؤلف: (إلا نيَّةٍ مقارنةٍ للَّفْظِ، إلا حالَ خُصومةٍ أو غَضَبٍ أو جوابِ سؤالِها) هذه ثلاثة أحوال يقع بها الطلاق بالكناية بلا نية.
(إلا حالَ خصومةٍ) يعني: خصومة مع من؟ مع زوجته؛ تخاصم وإياها، قال: يلَّا روحي لأهلك، يقع الطلاق وإن لم ينوه؛ لأن لدينا قرينة تدل على أنه أراد فراقها.
(أو حال الغضب) غضب؛ يعني: لو بدون خصومة، أمرها أن تفعل شيئًا فلم تفعل فغضب، ما فيه خصومة الآن، لكن فيه غضب، قال: يلَّا روحي لأهلك، انقلعي، يقع الطلاق؟ يقع وإن لم ينوه.
(أو جواب سؤالها) يعني قالت: طلقتني، قال: يلَّا انقلعي، روحي لأهلك، هذا جواب سؤالها الطلاق، يقع الطلاق؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: لماذا وقع في الأحوال الثلاث؟ لأنها قرائن تدل على إرادة الطلاق؛ ولهذا قال: (فلو لم يُرِدْه) أي: لو لم يرد الطلاق في هذه الحال، (أو أراد غيرَه لم يُقبلْ حُكمًا)، لو قال: أنا ما أردت الطلاق، أو قال: أردت غيره؛ بأن قال: أردت بقولي: (يلَّا روحي لأهلك) أردت أن ينطفئ غضبي وأن ينطفئ غضبها ولم أرد الطلاق، يقول:(لم يُقبل حكمًا) ويش معنى (لم يُقبل حكمًا)؟ يعني: إن رافعته إلى الحاكم طلق عليه، وبينه وبينها لا يقع الطلاق.
وسبق أن قلنا: هل الأولى أن تحاكم أو لا؟ فيه تفصيل ارجعوا إليه.
لكني أقول: الصحيح أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية حتى في هذه الأحوال؛ لأن الإنسان قد يقول: اخرجي أو ما أشبه ذلك غضبًا وليس في نيته الطلاق إطلاقًا، بس يريد أن تنصرف عن وجهه حتى ينطفئ غضبهما.
وقد تُلِح عليه تقول: طلقني، طلقني، فيقول: طالق، وهو ما يريد الطلاق، يريد طالق منين؟ من وثاق، أو طالق إن طلقتك؛ لأنه أحيانًا يقول: طالق إن طلقتُك، فيقيده بالشرط. فعلى كل حال الصحيح أنه لا يقع إلا بنية.
نعم لو قال: أنا في هذه الحال ما أشعر؛ لا نويت الطلاق ولا نويت غير الطلاق، بس أردت التخلص من الغضب أو من المخاصمة معها، حينئذٍ نقول: لا يقع؛ لأنه لا بد من نية.
ثم قال: (ويقعُ مع النيةِ بالظاهرةِ ثلاثٌ وإن نوى واحدةً، وبالخفيَّةِ ما نواه).
هذا الفرق الآن بين الكناية الظاهرة والخفية، إذا قال: أنت خلية ونوى الطلاق، كم يقع؟
طالب: ثلاثًا.
الشيخ: أنت خلية ونوى الطلاق، يقع ثلاثًا؛ لأن الكنايات الظاهرة إذا وقع بها الطلاق صار بائنًا؛ تطلق ثلاثًا.
(أنت الحرج) نوى الطلاق، يقع ثلاثًا؟
طالب: نعم.
الشيخ: لماذا؟ لأنها كناية ظاهرة.
إذا قال: اعتزلي؟
طالب: يقع ما نواه.
طالب آخر: واحدة.
الشيخ: يقع ما نواه، لا، يقول:(بالخفية ما نواه)، يقع ما نواه؛ إن نوى ثلاثًا فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة.
ولكن لاحظوا أن القول الراجح أنه لا طلاق ثلاث بأي لفظ كان، إلا إذا طلق ثم راجع، ثم طلق ثم راجع. فلو قال لزوجته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أردت الثلاث، لم تطلق إلا واحدة فقط. هذا القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله وشيخنا عبد الرحمن السعدي، وهو ظاهر واضح، حديث ابن عباس: كان الطلاق الثلاث واحدة إلى سنتين من خلافة عمر (8)، فالطلاق لا يتكرر بتكرار صيغته، يتكرر بتكرار وقوعه، فإذا قال: أنت طالق ثم راجع، كم هذه؟
طالب: واحدة.
الشيخ: أنت طالق ثم راجع، ثنتان. أنت طالق، ثلاثة، الآن بانت منه. وأما أنت طالق ثلاثًا، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فهي واحدة.
الكنايات الظاهرة كم يقع فيها على هذا القول الراجح؟ واحدة؛ يعني: ما يمكن أن يقع الثلاث إلا بثلاث مرات، قال الله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]، ثم قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230]، و {مَرَّتَانِ} لم يقل الله عز وجل: الطلاق لفظان، قال:{مَرَّتَانِ} لا بد من مرة بعد مرة؛ بأن يطلقها ثم يعيدها إلى نكاحه ثم يطلقها، والله الموفق.
طالب: (
…
) أن يطلق الرجل امرأته وقبل أن (
…
) راجعها.
الشيخ: وقبل؟
الطالب: وبعد أن راجعها.
الشيخ: وقبل.
الطالب: إذا طلق امرأته في طهر لم يجامعها فيه وليست حائضًا، ثم راجعها بقصد المراجعة حقيقة .. ؟
الشيخ: في طهر لم يجامعها فيه وليست حائضًا؟ !
الطالب: إي، هي ليست حائضًا.
الشيخ: غلط هذا التعبير.
الطالب: يعني: لم تكن حائضًا.
الشيخ: أنت قلت: في طهر لم يجامع فيه، يحتاج تقول: وليست حائضًا؟ ما يحتاج.
الطالب: يعني: طلقها لعدتها، ثم راجعها في هذه العدة، ولم تحض عنده بعدما راجعها، وكذلك لم يجامعها في ذلك الطهر الذي طلقها فيه، فهل إذا طلقها مرة أخرى يقع؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: ويكون طلاقًا لعدته؟
الشيخ: نعم؛ لأنه إذا راجعها ثم طلقها استأنفت العدة.
المهم على كل حال، القول الراجح الذي نعتقده صحيحًا -إن شاء الله- هو أن الطلاق الثلاث لا يقع بفعل العبد، إلا إذا طلق ثم راجع، ثم طلق ثم راجع.
طالب: المرأة المطلقة، إذا قال زوجها: راجعتك، هل يُشْتَرط رضا المرأة؟
الشيخ: حضرت البارحة معنا؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: أنا أرى أنك ما حضرت.
الطالب: لا، حضرت يا شيخ.
الشيخ: ما حضرت، لو حضرت لحضر قلبك، ولو حضر قلبك لكان من القواعد التي قرأناها: من لا يعتبر رضاه لا يعتبر علمه، ومَثَّل الشيخ رحمه الله بالرجعية، صرتَ حاضرًا ولَّا غير حاضر؟
الطالب: حاضر.
الشيخ: أعوذ بالله! حاضر جسمًا لا حاضر ..
الطالب: تذكرت يا شيخ.
الشيخ: إي، نسيت يعني؟ والآن.
الطالب: تذكرت.
الشيخ: أنه؟
الطالب: أنه لا يعتبر رضاها.
الشيخ: لا يعتبر رضاها، صحيح، لكن يجب على الزوج ألَّا يراجعها مضارة؛ لأن الله قال:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231]، وقال:{بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228]؛ يعني: إن أرادوا إبقاء، أحيانًا لا يريد الإصلاح، يريد المضارة، فالصحيح في هذه الحال أنه يحرم عليه الرجعة.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- بالنسبة للمسألة السابقة في قوله: إنه لو قيل له: أطلقتها امرأتك؟ قال: نعم، قلنا: ينبغي أن تلحق هذه المسألة بالتي تليها؛ وهي لو قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا، وأراد الكذب، ما تبين لي رغم أنه الجملة الأولى قلنا: إذا كان الجواب بنعم أو بلا، قلنا: هي في معنى حكاية الكلام يعني ..
الشيخ: خبر.
الطالب: خبر نعم، ثم في السؤال الثاني ليس فيها لفظ الطلاق صريح، ألك امرأة؟ مع ذلك ألحقناها بها؟
الشيخ: لا، نحن قلنا: نلحق الأولى بالثانية؛ بمعنى أنه إذا أراد الكذب عليه فلا تطلق، لو الرجل تحدث قال: إنه طلق امرأته يريد الخبر الكذب، ما تطلق.
الطالب: لكن -يا شيخ- كونه أراد الكذب والصدق، هذا في نيته، ما ندري عنه (
…
)؟
الشيخ: لكن الكلام على هل يقع أو لم يقع؟ أما هل يقبل حكمًا أو لا؟ هذه مسألة ثانية، حتى لو قيل له: ألك امرأة؟ قال: لا، وأراد الكذب، لو أن المرأة حاكمته حُكِم عليه بأنها تطلق، الحكم غير مسألة الوقوع. (
…
)
***
الطالب: فصل: وإن قال: أنتِ عليَّ حرامٌ أو كظهرِ أمِّي فهو ظِهارٌ، ولو نَوَى به الطَّلاقَ، وكذا ما أحلَّ اللهُ عليَّ حرامٌ، وإن قال: ما أحلَّ الله عليَّ حرامٌ -أعني: به الطلاقَ- طَلُقَتْ ثلاثًا، وإن قال: أعني به طلاقًا فواحدةٌ، وإن قال: كالميتةِ والدمِ والخنزيرِ وقعَ ما نواهُ من طلاقٍ وظِهَارٍ ويمينٍ، وإن لم يَنْوِ شيئًا فَظِهارٌ، وإن قال: حلفتُ بالطلاقِ وكذبَ لزمَه حُكمًا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما شرط وقوع الطلاق بالكناية؟
طالب: الكناية (
…
).
الشيخ: الكناية يقع بها الطلاق فما شرط وقوع الطلاق بها؟
طالب: النية مقارنة.
الشيخ: شرطها النية؛ يعني: لا يقع بالكناية إلا بالنية؛ أي: نية الطلاق.
وهل يفرق فيما يقع الطلاق بالكناية بين الخفية والظاهرة؟
الطالب: نعم.
الشيخ: كيف التفريق؟
الطالب: من حيث كيفية الوقوع، الظاهرة قالوا بأنه يقع ثلاثًا، أما الخفية فقالوا: يحسب ما نواه.
الشيخ: يقع ما نواه، تمام، هذا الفرق؛ الكنايات الظاهرة يقع بها ثلاثًا، والخفية يقع بها ما نواه.
ما الذي لا يُشترط له النية في الكناية؟ متى تكون الكناية لا يُشترط لها النية؟
طالب: في حال خصومة أو غضب أو جواب سؤالها.
الشيخ: حال خصومة مع من؟
الطالب: مع زوجته.
الشيخ: مع زوجته، غضب؟
الطالب: أو جواب سؤالها.
الشيخ: غضب عليها أو جواب سؤالها. مثال الأخير؟
طالب: تقول له: طلقني، يقول: اذهبي إلى أهلك.
الشيخ: إي، تمام، أن تقول: طلقني، فيقول: اذهبي إلى أهلك، فالمذهب يرون أنه يقع الطلاق، والصواب أنه لا يقع إلا بالنية، كل الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا بنية؛ لأنها ألفاظ لم توضع للطلاق، وإذا لم توضع للطلاق فالأصل عدم وقوع الطلاق إلا بنية، فإذا نوى وقع الطلاق.
إذا قال قائل: كيف تقول: إذا نوى وقع الطلاق؟ نقول: نعم، إذا نوى يقع الطلاق؛ لأن اللفظ يحتمل.
أما لو كان اللفظ لا يحتمله؛ مثل أن تقول: طلقني، قال: واللهِ أنت طويلة، يقع الطلاق ولَّا ما يقع؟
طلبة: لا يقع.
الشيخ: ليش؟
الطلبة: لا يحتمل.
الشيخ: ما يحتمل اللفظ الطلاق، ما يحتمل المعنى.
على كل حال، القول الراجح في مسائل الكناية أنه لا يقع إلا بنية، لكن القرائن قد تعين النية.
وبماذا يقع بالكناية؟ كم عدد يقع بالكناية؟
طالب: بالكناية؟
الشيخ: إي نعم. إذا وقع الطلاق بالكناية فكم عددًا يكون؛ واحدة ولَّا عشرة؟
الطالب: واحدة.
الشيخ: واحدة، مطلقًا؟
طالب: على المذهب لو كانت كناية ظاهرة أنها تقع ثلاثًا.
الشيخ: نعم، أحسنت.
الطالب: ولو كانت خفية على ما نواه.
الشيخ: تمام.
الطالب: أما الراجح أنها تقع واحدة فقط.
الشيخ: في الجميع. طيب، المذهب يقولون: الكناية الظاهرة يقع بها الثلاث والخفية يقع ما نواه. والصواب أنه لا يقع الثلاث حتى لو نوى الثلاث؛ لأننا صححنا أن الطلاق الثلاث ولو بلفظ صريح لا يكون إلا واحدة، وذكرنا دليل ذلك فيما سبق.
ثم قال: (فصل: وإن قال: أنتِ عليَّ حرامٌ أو كظهرِ أمِّي فهو ظِهارٌ).
نبدأ بالمسألة الأولى: إذا قال لزوجته: أنت عليَّ حرام فهو ظهار، حكمه أنه لا يقربها حتى يكفر كفارة ظهار، كفارة الظهار: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يجد؟
طالب: فإطعام ستين مسكينًا.
الشيخ: إطعام ستين مسكينًا. هذا إذا قال: أنت عليَّ حرام.
وظاهر كلام المؤلف أن هذا الحكم ثابت بكل حال، ولكن القول الراجح في هذه المسألة أنه إذا أراد الخبر فإننا نقول له: كذبت، ولا عليه شيء، إذا أراد الخبر قال: أنت علي حرام، فهل هو صادق فيما قال؟ أجيبوا
الطلبة: لا.
الشيخ: لا، هي حلال، مثلما لو قال: هذه الخبزة حرام عليَّ، يريد الخبر ما يريد الإنشاء، نقول: كذبت. ولهذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرجل إذا قال: أنت عليَّ حرام، فليس بشيء (9). وهذا مراده إذا أراد بقوله: أنت عليَّ حرام، إذا أراد الخبر.
إذا أراد تحريمها -يعني: الامتناع منها- فالمشهور من المذهب -كما قال المؤلف- أنه يكون ظهارًا، والصواب أنه ليس بظهار وإنما هو يمين، الصواب أنه يمين، فإذا قال لزوجته: أنت عليَّ حرام، قلنا: هذا يمين؛ يعني: حكمه حكم اليمين؛ لأنه داخل في عموم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1، 2]، الزوجة مما أحل الله له ولا لا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: طيب، حرَّمها، إذا حرمها نقول: قال الله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} ، ولهذا إذا قال لزوجته: أنت عليَّ حرام، نقول: هذا يمين؛ يعني: في حكم اليمين، لا يلزمه ظهار، ولا يلزمه طلاق، وإنما يلزمه اليمين؛ أي أن يكفر كفارة يمين وتنحل. على ما مشى عليه المؤلف إذا قال لزوجته: أنت عليَّ حرام؟
طلبة: ظهار.
الشيخ: ظهار، والفرق بين الظهار واليمين واضح؛ الظهار يحرم أن يقربها حتى يكفر، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4]، وإذا قلنا بأنها يمين أطعم عشرة مساكين وانتهت القضية، وهذا هو الصحيح.
كذلك أيضًا إذا جرى هذا اللفظ مجرى اليمين؛ بأن قال: إن فعلتُ كذا فزوجتي حرام عليَّ، قصده منع نفسه من فعله، إن فعلت كذا فزوجتي حرام عليَّ، قصده بذلك منع نفسه منه، فهذا يمين أيضًا؛ ، إن فعل فعليه كفارة يمين، وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأنه أجراه هنا مجرى اليمين.
أما إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي، فهذا ظهار لا إشكال فيه، فلا يقربها حتى يكفر، والكفارة عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا. شديدة، ووجه ذلك أنه شَبَّه أحل النساء له بأحرم النساء عليه، وهذا عين المحادة لله عز وجل؛ ولهذا كانت كفارته غليظة.
قوله: أنت عليَّ كظهر أمي أشد من قوله: أنت عليَّ حرام، أليس كذلك؟ ولذلك صار قوله: أنت عليَّ كظهر أمي ظهارًا، وأنت عليَّ حرام صار حكمه حكم اليمين. فبينهما فرق عظيم.
هل نقول: ما لم يجره مجرى اليمين؛ بأن قال: إن فعلت كذا فزوجتي عليَّ كظهر أمي؟
الجواب: نعم، على القول الراجح أنه قد يُجرى مجرى اليمين، فيقول مثلًا: إن فعلت كذا فزوجتي عليَّ كظهر أمي، أو يخاطبها فيقول: إن فعلتُ كذا فأنت عليَّ كظهر أمي، يريد بذلك اليمين؛ أي: منع نفسه، ما أراد أن يحرم زوجته ويجعلها كظهر أمه، لكن أراد أن يمنع نفسه، فالصواب أيضًا أنه يكون يمينًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (1)، هكذا؟ أيش قلتُ؟
طالب: قلنا: إنه إذا وقع قوله: أنت علي كظهر أمي مثل اليمين أنه لا يقع إن نواه؛ لأن الأعمال بالنيات.
الشيخ: مثل؟
الطالب: إذا قال: إذا فعلت كذا فأنت عليَّ كظهر أمي.
الشيخ: يريد بهذا؟
الطالب: اليمين.
الشيخ: إي نعم، تمام.
يقول رحمه الله: (فهو ظِهارٌ، ولو نَوَى به الطَّلاقَ) وهذا صحيح فيما إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي فإنه يكون ظهارًا ولو نوى به الطلاق؛ لأننا لو قلنا في هذه الحال: لو نوى به الطلاق صار طلاقًا لم يكن بين هذا الظهار وبين ظهار أهل الجاهلية فرق؛ لأن أهل الجاهلية الظهار عندهم تحريم مؤبد، إذا قال الإنسان لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، حرمت عليه تحريمًا مؤبدًا وجعلوه طلاقًا بائنًا، فلو قال قائل لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، وقال: أردت به الطلاق فإننا لا نقبل منه ولو نوى الطلاق.
وبناء على ذلك لو ماتت بعد هذا هل يرثها أو لا؟
طلبة: يرث.
طلبة آخرون: لا يرث.
الشيخ: يرث، لا يرث. ما فيه التفصيل علشان يكون وسطًا بينكم؟ !
هذا رجل -يا إخوان- قال لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، ونوى به الطلاق، كلام المؤلف يقول: إنه ظهار ولو نوى الطلاق، فأقول لكم الآن: لو أنه بعد يومين مات، ترثه أو لا؟
طلبة: ترثه.
الشيخ: ترثه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لأنها لم تطلق، ولو ماتت هي ورثها أيضًا؛ لأنها لم تطلق.
على القول بأنه طلاق -وهو ضعيف جدًّا- إذا كان هذا الطلاق بائنًا فإنها لا ترث منه ولا يرث منها.
إذا قال: أنت عليَّ كظهر بنتي، ظهار ولَّا غير ظهار؟ ظهار، وعلى هذا فيكون قوله تعالى:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] بناءً على الأغلب، فإذا قال لزوجته: أنت عليَّ كظهر ابنتي، فهو ظهار، ونقول: ما هي ابنتك.
إذا قال لزوجته: أنت عليَّ كظهر أختك؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: ننظر هل أختها حرام عليه؟ لا، ما هي حرام عليه، أخت زوجته ليست حرامًا عليه.
طالب: ممنوع الجمع.
الشيخ: نعم، الحرام الجمع؛ ولهذا لو ماتت الزوجة حلَّت أختها.
إذا قال لزوجته: أنت عليَّ كأمك، ظهار ولَّا غير ظهار؟
الطلبة: ظهار.
الشيخ: أمك؟
الطلبة: ظهار.
طالب: أمها حرام عليه.
الشيخ: هل أمها الآن حرام عليه ولَّا الحرام الجمع؟
طلبة: حرام عليه.
الشيخ: حرام عليه، تمام. على كل حال، فهمنا الآن أنه إذا شَبَّه زوجته بمن تحرم عليه تحريمًا مؤبدًا فهو ظهار.
(وكذا ما أحلَّ اللهُ عليَّ حرامٌ) إذا قال: ما أحل الله عليَّ حرام فهو مظاهر، مع أن كلمة:(ما أحل الله)(ما) اسم شرط عام يحتمل أنه أراد الزوجة أو أراد غير الزوجة، والله أحل لنا الطعام والشراب واللباس والنكاح، فإذا قال: ما أحل الله عليَّ حرام فهو ظهار. لماذا كان ظهارًا؟ لدخول الزوجة في العموم؛ عموم ما أحل الله عليَّ حرام، لأن نقول: من جملة ما أحل الله لك الزوجة، فيكون ظهارًا.
الآن بالنسبة للزوجة صار ظهارًا، بالنسبة للطعام يمين، بالنسبة للشراب؟
الطلبة: يمين.
الشيخ: بالنسبة للباس؟
الطلبة: يمين.
الشيخ: طيب، إذن تبعض الحكم، صارت هذه الكلمة لشيء يمينًا ولشيء ظهارًا، ما هو القول الذي رجحناه في هذا؟ أنه يمين، وعلى هذا فنقول: إذا قال: ما أحل الله عليَّ حرام فهو يمين، حتى لو نوى الزوجة، بل لو واجهها وقال: أنت عليَّ حرام، يريد إنشاء التحريم، فهو يمين؛ يعني: في حكم اليمين.
لعلكم فهمتم الفرق بين قولنا: يمين، وفي حكم اليمين؛ لأن أنت طالق -مثلًا- أو أنت حرام تارة يُجرى مجرى اليمين؛ وذلك فيما إذا جعله بمنزلة اليمين، مثلًا: إن فعلت كذا فأنت طالق، إن فعلت كذا فأنت حرام، هذا أيش هو؟ يمين؛ يعني: أجري مجرى اليمين.
أما إذا قلنا: يمين أنت عليَّ حرام ما فيه تعليق ولا شيء، فهذا على ما مشى عليه المؤلف ظهار، وعلى القول الراجح يمين.
(وإن قال: ما أحلَّ الله عليَّ حرامٌ -أعني: به الطلاقَ- طَلُقَتْ ثلاثًا، وإن قال: أعني به طلاقًا فواحدةٌ).
وصل كلامه بالتفسير؛ فسر كلامه (قال: ما أحلَّ الله عليَّ حرامٌ؛ أعني: به الطلاقَ) تطلق ثلاثًا، لماذا؟ لأن (أل) للعموم وليست للجنس، مع أنه يحتمل أن تكون للجنس، لكن يقولون: الأصل في (أل) أنها للعموم، فإذا قال: الطلاق؛ يعني: كله، والطلاق كله هو الطلاق الثلاث.
الآن وصل كلامه بالتفسير (ما أحلَّ الله عليَّ حرامٌ؛ أعني: به الطلاقَ) تطلق ثلاثًا؟ وجه ذلك أن (أل) للعموم، وعموم الطلاق هو الثلاث. على القول الراجح كم تطلق؟
طلبة: واحدة فقط.
الشيخ: واحدة، بارك الله فيكم.
(وإن قال: أعني به طلاقًا فواحدةٌ) ليش؟ لأن (طلاقًا) ليس فيها ما يفيد العموم، (طلاق) مصدرٌ مطلقٌ، والمطلق يصدق بواحدة، فإذا قال:(أعني به طلاقًا) طلقت واحدة.
والصحيح في هذه المسألة أنها تطلق طلقة واحدة ولو قال: أعني به الطلاق؛ لأن الطلاق الثلاث لا يقع إلا إذا كانت كل واحدة مستقلة عن الأخرى.
(وإن قال) يعني: لزوجته، (كالميتة) يعني: أنت كالميتة (والدم والخنزير وقعَ ما نواهُ من طلاقٍ وظِهَارٍ ويمينٍ، وإن لم يَنْوِ شيئًا فَظِهارٌ).
هذه تختلف عما سبق؛ ما سبق قال: أنت عليَّ حرام، أو قال: ما أحل الله علي حرام، هنا قال: أنت كالميتة والدم، نقول: يقع ما نواه من طلاقٍ وظهارٍ ويمينٍ.
كيف ذلك؟ (كالميتة) الميتة حرام على الإنسان، لكن تحريمها عارضٌ، ويحتمل أن معنى قوله:(كالميتة) يعني: في كراهتي لكِ لا في التحريم؛ لأن كل إنسان يكره الميتة.
(الخنزير) والقائل هنا مسلم، أما لو قاله نصراني فالخنزير عنده أشهى اللحم، إذا قال لزوجته: أنت عليَّ كالخنزير؛ يعني: من أحبه حبًّا كثيرًا؛ لأن النصراني يحب لحم الخنزير، لكن كلامنا مع من؟ مع المسلم، قال: أنت علي كالخنزير، هل المراد التحريم؟ يحتمل، أو المراد الكراهة؟ يحتمل؛ ولهذا قال:(وقع ما نواه من طلاقٍ وظهارٍ ويمينٍ).
لكن هل يمكن أن يقول الإنسان لزوجته هذا الكلام أو ما يمكن؟ يمكن يا إخواني، مع المغضبة كل شيء يكون، يمكن يقول: أنت كالميتة، كالخنزير، كالذيب، كل ما شاء مما لا يؤكل؛ لأن الإنسان عند الغضب لا يدري ما يقول، أحيانًا يصل الغضب إلى درجة لا يدري الإنسان أهو في السماء أو في الأرض، وربما سقط بعضهم مغشيًّا عليه، والله أعلم.
طالب: أحسن الله إليكم، إذا ظاهر ثم طلق، هل عليه كفارة الظهار؟
الشيخ: إذا ظاهر ثم طلق، هل سيعود؟
الطالب: لا.
الشيخ: طلق، والله يقول:{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3]، والمطلِّق ما عليه.
طالب: أحسن الله إليكم، إذا فسر -يا شيخ- ما أحل الله علي؛ أعني به الطلاق، نقول: تطلق (
…
)؟
الشيخ: على كلام المؤلف ثلاث مرات.
الطالب: (
…
) على القول الراجح.
الشيخ: نعم، تكون يمينًا.
طالب: عفا الله عنك، إذا قال: أنت عليَّ كابنتك من غيره، ماذا يكون؟
الشيخ: هل تحرم عليه ابنتها؟
الطالب: إذا كان قبل الدخول ..
الشيخ: إذن -بارك الله فيك- إن قال ذلك قبل الدخول فإنه ليس بظهار، وإن قال بعده فهو ظهار، والفرق أنه قبل الدخول يحرم عليه الجمع بينه وبينها، وأما بعد الدخول فإن ابنتها تكون محرمة عليه تحريمًا مؤبدًا.
***
الطالب: (
…
) المتَّصلِ ما لم يَزِدْها فيهما، فإن رَدَّتْ أو وَطِئَ أو طَلَّقَ أو فسخَ بَطَلَ اختيارها.
الشيخ: (
…
) ولَّا (خيارها)؟
الطالب: (اختيارها) يا شيخ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سبق لنا أن القول الراجح فيما إذا حرَّم الرجل زوجته فهو يمين، ما الذي يرجحه؟ الدليل؟
طالب: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1].
الشيخ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ} .
الطالب: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2].
الشيخ: نعم، هذا هو الصحيح؛ لأن تحريم المرأة داخل في هذا العموم، ولا دليل على تخصيصه.
إذا قال: ما أحل الله عليَّ حرام، أعني به الطلاق، أو أعني به طلاقًا؟
طالب: لو قال: أعني به الطلاق طلقت ثلاثًا.
الشيخ: إذا قال: أعني به الطلاق طلقت ثلاثًا، وجهه؟
الطالب: لأن (أل) تفيد الاستغراق.
الشيخ: لأن (أل) تفيد الاستغراق، وإن قال: أعني به طلاقًا فواحدة؛ لأنه يصدق عليها أنها طلاق.
ما هو القول الراجح في هذه المسألة؟
طالب: أنها واحدة.
الشيخ: أنها تطلق واحدة ولو قال: أعني به الطلاق؛ لأن طلاق الثلاث واحدة.
إذا قال لزوجته: أنت كالميتة، فماذا يقع؟
طالب: يقع ما نواه من ظهار أو يمين أو طلاق.
الشيخ: وإن لم ينو شيئًا؟
الطالب: فهو يمين، إلا إذا قصد كالميتة في كراهتها (
…
).
الشيخ: لا، هو ما قصد شيئًا، أطلق؛ أنت كالميتة.
الطالب: المؤلف يقول: (إن لم ينو شيئًا فظهار).
الشيخ: المؤلف يقول: (إن لم ينو شيئًا فظهار) نعم، ولكن سبق لنا أننا قلنا: الصحيح أنه ليس بظهار إلا إذا صرح بالظهار، وأنه يُجعل كاليمين، ما لم ينو أنها كالميتة في كراهته لها وعدم التئامه معها، فعلى ما نوى.
قال المؤلف رحمه الله: (وإن قال: حلفتُ بالطلاقِ وكذبَ لزمَه حُكمًا) هذا مبتدأ درس اليوم.
طالب: (وإن قال: كالميتةِ) ما كملناه.
الشيخ: لا، كملناه.
طالب: وقفنا على (كالميتةِ والدمِ والخنزيرِ).
الشيخ: قلنا: (وقع ما نواه).
طلبة: (
…
).
الشيخ: لا، شرحناه.
طلبة: (
…
).
الشيخ: طيب، يكون إعادة على قول من قال: إننا شرحناه، ويكون بيانًا على قول من قال: لم نشرحه، مع أن المثبت مقدم على النافي.
يقول المؤلف في هذه الكلمات قال: (كالميتةِ والدمِ والخنزيرِ وقعَ ما نواهُ من طلاقٍ وظِهَارٍ ويمينٍ).
إذا كان طلاقًا فُرِّق بينهما، إذا كان ظهارًا تبقى معه لكن لا يأتيها حتى يُكَفِّر، إذا كان يمينًا فإنه يُكَفِّر كفارة يمين.
فصار الآن الأمر دائرًا بين أن يفارقها أو يُكَفِّر كفارة ظهار أو يكفر كفارة يمين؛ إن قلنا: إنه طلاق فارق، وإن قلنا: إنه ظهار لا يقربها حتى يُكَفِّر كفارة ظهار، وإن قلنا: يمين فهي يمين؛ إذا شاء قاربها ثم كَفَّر، وإن شاء كَفَّر ثم قاربها؛ لأن اليمين لا تحرم الشيء.
قال: (وإن لم يَنْوِ شيئًا فَظِهارٌ) إن قال لزوجته: أنت كالميتة ولا نوى شيئًا يُحَمْل على أنه ظهار؛ لأنه نص في التحريم، وهم يرون -أعني: الأصحاب رحمهم الله أن تحريم المرأة ظهار، وقد عرفتم الصواب فيما سبق، وأن تحريم المرأة يمين إلا أن يكون بلفظ الظهار.
(وإن قال: حلفتُ بالطلاقِ وكذبَ لزمَه حُكمًا) قوله: (وكذب) يعني: وقد كذب، (لزمه حكمًا) إذا قيل:(لزمه حكمًا) صار لا يلزمه باطنًا فيما بينه وبين الله، لكن لو حاكمته الزوجة لزمه.
مثال ذلك: قال له شخص: تفضل معنا، ادخل لتتغدى أو تتعشى، قال: أنا حالف بالطلاق ألَّا أدخل، وهو كاذب ما حلف، هذه الكلمة أمسكتها الزوجة، وقالت: إنك حلفت بالطلاق؛ فإن حاكمته إلى القاضي أُلْزِم بالطلاق، وإن لم تحاكمه فلا شيء عليه.
وهل الأولى أن تحاكمه أو أن تتركه؟
فيه تفصيل؛ إن علمت من زوجها أنه رجل ورع صادق حَرُمَ عليها أن تحاكمه؛ لأنها لو حاكمته لأدى إلى التفريق بينهما، وإن علمت أنه رجل لا يبالي ولا يهتم بهذه الأمور، وليس أكبر همه إلا أن تعود زوجته إليه، فهذا يجب عليها أن تحاكمه. فإن ترددت فما الأولى؟ الأولى ألَّا تحاكم.
(لزمَه حُكمًا) ويش معنى (حكمًا)؟ يعني: إذا حاكمته، أما إذا لم تحاكمه فإنه يُدَيَّن فيما بينه وبين الله.
(وإن قال: أمرُك بيدِك مَلَكَتْ ًثلاثا ولو نوى واحدةً) هذا نوع من التوكيد، إذا قالت له زوجته: طلقني، طلقني، فكني منك، فقال لها: أمرك بيدك، الآن صار الأمر بيد من؟ الأمر بيدها؛ تطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثة.
أما على القول الراجح فإنه لا فرق بين أن تطلق واحدة أو ثنتين أو ثلاثة، فلو قالت مثلًا: طلقت نفسي طلقة، فهي طلقة، طلقت نفسي طلقتين، فهما طلقتان، طلقت نفسي ثلاثًا، فهي ثلاث.
وهذا من الفروق بين أن يقول لزوجته: أمرك بيدك، وبين أن يقول: وكلتك في طلاق نفسك؛ إذا قال: وكلتك لم تملك إلا واحدة، وإذا قال: أمرك بيدك، فـ (أمر) هنا بمعنى شأن، وهو مفرد مضاف فيعم كل شؤونها، ومن شؤونها أن تطلق ثلاثًا. فهذا وجه الفرق.
إذا وكلها في طلاقها لم تملك إلا واحدة ما لم يعطها أكثر، وإذا قال: أمرُك بيدِك فإن (أمر) مفرد مضاف يعم، وهو بمعنى الشأن، فيكون جميع شأنها بيدها؛ إن شاءت طلقت واحدة أو اثنتين أو ثلاثة.
وعلى القول الراجح واحدة، حتى لو صرحت بالطلاق الثلاث فهي واحدة.
قال: (ولو نوى هو واحدةً) لو نوى واحدة فإنها تملك الثلاث، أما إذا قال: أمرك بيدك في طلقة واحدة، فلا تملك إلا واحدة.
قال: (ولو تراخى) يعني: حتى لو تراخى -أي تأخر- بأن قال لها: أمرك بيدك اليوم، وبعده بيوم أو يومين قالت: إني اخترت نفسي وطلقت نفسي، إذن لا يُشترط الفورية في قبولها، فلو تأخر فلا حرج.
قال: (ما لم يطأْ أو يُطَلِّقْ أو يفسخْ) هذه ثلاثة أشياء تبطل قوله لزوجته: (أمرك بيدك).
يقول: (ما لم يطأ)؛ لأن وطأه إياها؛ يعني: أنها لا تملك نفسها الآن؛ لأنه لو جعل لها ملك نفسها لتربص وانتظر حتى ينظر ما تفعل، فلما جامعها علمنا أنه عدل عن قوله الأول.
(أو يُطَلِّق) كذلك إذا طلق علمنا أنه فسخ قوله لها: أمرك بيدك؛ لأنه لو كان قد بقي لانتظر حتى ينظر ماذا تفعل أتطلق أم لا تطلق؟
(أو يفسخ) صراحة؛ يعني: يقول لها: إني قلت لك: أمرك بيدك، وإني الآن عادل عن ذلك وفاسخ هذا، فينفسخ.
فصار الأمر في الحقيقة بيدها وبيد الزوج؛ إذا لم يوجد ما يدل على أنه عزلها فالأمر بيد من؟ بيدها، وإن وُجِد ما يدل على أنه عزلها انفسخت وكالته.
(ويختص اختاري نفسك بواحدة وبالمجلس المتصل، ما لم يزدها فيهما).