الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طالب: جهلا أن هذا المال ليس للذي سلمه وديعة لهما.
الشيخ: يعني: إن ظن أن المال ماله.
طيب، فإن علما أنها وديعة ولم يأذن صاحبها؟
طالب: فإنهما يضمنان الوديعة.
الشيخ: يضمنان؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما معنى قول المؤلف: (وإن حدث خوفٌ أو سفرٌ رَدَّها على ربها)؟
طالب: فإن حدث في المكان الذي استودع فيه خوف ..
الشيخ: إذا حصل في المكان الذي استودع فيه خوف.
طالب: قطاع طرقٍ أو سرَّاق.
الشيخ: كقطاع الطرق والسراق؟
طالب: نعم، أو سفر بأن أراد يسافر المستودع أن يردها إلى ربها.
الشيخ: فإن لم يمكن بأن كان ربها غير حاضر.
طالب: حملها معه إن كان أحرز، وإلا أودعها ثقة.
الشيخ: أودعها ثقة، تمام.
***
الطالب: ومن أودع دابة فركبها لغير نفعها، أو ثوبًا فلبسه، أو دراهم فأخرجها من محرز ثم ردها، أو رفع الختم ونحوه، أو خلطها بغير متميز، فضاع الكل ضَمِنَ.
الشيخ: ما معنى قوله: (فأخرجها من محرز ثم ردها)؟
طالب: (
…
) الدراهم أحرزها في صندوق ثم أخرجها.
الشيخ: ثم أخرجها، ثم ردها في الصندوق، يضمن؟
طالب: يضمن.
الشيخ: طيب ردها؟
طالب: لأنه متعدٍّ.
الشيخ: متعدٍّ بأيش؟
طالب: بإخراجها (
…
).
الشيخ: بإخراجها من الصندوق.
لو أن هذا صاحب الصندوق فتح الصندوق وأراد أنه يرتب الصندوق، فأخرج الوديعة على أساس أنه يريد أن يرتب الصندوق ويجعل اللي فوق تحت واللي تحت فوق، ثم ردها؟
طالب: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن؛ لأن الناس لا يقولون: إن هذا متعدٍّ أو مفرط.
قوله: (أو خلطها بغير متميز) له مفهوم؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو؟
طالب: إن خلطه بمتميز فإنه لا يضمن.
الشيخ: فإنه لا يضمن.
إذا خلط شعيرًا بالبر؟
طالب: هنا يتعذر.
الشيخ: يتعذر، ما يتعذر، وين يتعذر؟
طالب: لا، فيه مشقة.
الشيخ: فيه مشقة.
طالب: يضمن.
الشيخ: يضمن، أو يكلف بأن؟
طالب: يفصله، بالتمييز يعني.
الشيخ: بالتمييز.
***
[باب إحياء الموات]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال المؤلف رحمه الله: (باب إحياء الموات).
(إحياء) مصدر أحيا، و (الموات) بمعنى الميت، والمراد بالموات هنا الأرض، كما يفسرها المؤلف.
واعلم أن الأرض توصف بأنها ميتة وتحيا، فإحياء الله لها بإنبات الزروع والأشجار، وإحياء الإنسان لها يختلف لكنه قريب من إحياء الله عز وجل، قال المؤلف في تعريفها:(وهي الأرض) يعني: الموات، (هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم).
(الأرض المنفكة) يعني: الخالية عن الاختصاصات والملك، (الاختصاصات) كمجاري السيول، ومواضع الحطب، ومواضع المراعي، والمصالح العامة، وأفنية الدور -وهي ملقى زبالاتهم- هذه غير مملوكة لكنها مختصة لمصالح البلد عمومًا، أو لمصالح كل بيت، فناء الدار وهي البرحة أو الساحة التي أمامها تكون ملقى للكناسة، وما أشبه ذلك، هذه وإن لم تكن ملكًا لكنها مختصة لصاحب البيت ينتفع بها.
كذلك للمصالح العامة؛ كمسايل المياه، ومواضع الاحتطاب، والاحتشاش، والمراعي، وما أشبه ذلك، ومثله أيضًا الطرق، هذه نسميها اختصاصات ولا نسميها أملاكًا؛ لأنها ليست أيش؟ ليست ملكًا لأحد.
وقوله: (ملك معصوم) يعني أيضًا: ولم يسبق إحياءها ملكٌ، فإن سبق إحياءها ملكٌ فإنه لا يمكن لمن أحياها أن يملكها؛ لأنها ملك لمن؟ ملك للأول الذي أحياها، لكن اشترط المؤلف أن تكون ملكًا لمعصوم.
والمعصوم من بني آدم أربعة أصناف: المسلم، والذمي، والمعاهد، والمستأمن، هذه أربعة أنفس معصومة لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها.
بقي الحربي الذي ليس له عهد ولا ذمة وليس مسلمًا، هذا نسميه هذا حربي، ماله مباح للمسلمين.
هذا هو تعريف الأرض الموات: (الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم).
ومثله الأراضي الداثرة التي كانت قرى في قديم الزمان وارتحل الناس عنها وتركوها، هذه أيضًا لمن ملكها.
نظير ذلك في الأعيان إذا ألقى الإنسان متاعه زاهدًا فيه وراغبًا عنه لا يريده، فهو لمن وجده، كما في حديث جابر رضي الله عنه أنه كان على جمل له فأعيا، فأراد أن يسيبه (9)، لو سيبه جابر ووجده آخر فهو له.
وكذلك ما يُلْقَى في البحر عند خوف غرق السفينة فإن من وجده فهو له؛ وذلك لأن الذي ألقاه قد تخلى عنه ولم يرد أن يكون ملكًا له.
كذلك الأراضي -كما قلت لكم- الأراضي أراضي القرى البائدة التي من قديم الزمان هذه أيضًا من أحياها ملكها؛ ولهذا الآن يوجد في بعض الأراضي التي تحيا يوجد فيها آثار إحياء سابقة، حتى إنه عندنا هنا قريب من الوادي عثروا مرة على سوق كله رماد وقطع حديد، مما يدل على أن هذا السوق كان سوق الصناع في هذا المكان، لكنه باد وذهب أهله ولم يعرف له مالك، فهذه تدخل في كلام المؤلف في قوله:(ملك معصوم)؛ لأن هذه الأراضي البائدة الآن ليس لها مالك فتدخل، هذا هو تعريف الأرض الموات.
والشح في الأراضي شديد؛ عقابه شديد، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (10) يُطَوَّق: يُجْعَل طوق في عنقه من سبع أرضين، ما هو من أرض واحدة؛ لأنه ظَلَمَ، حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا: لا يجوز للإنسان أن يزيد في تلييس الجدار أكثر مما جرت به العادة؛ وذلك لأنه يأخذ بالزيادة هذه أيش؟
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، يأخذ من السوق، والسوق مشترك، إلى هذا الحد حذروا العلماء رحمهم الله من التعدي على الأرض، لكن على كل حال إذا وجدنا أرضًا منفكة عن الاختصاصات وملك معصوم فمن أحياها ملكها؛ ولهذا قال المؤلف:(فمن أحياها ملكها)(مَنْ) شرطية، وفي أصول الفقه أن أسماء الشرط من صيغ العموم، إذن فتعم كل من أحياها، وسيأتي -إن شاء الله- بيان الإحياء.
(ملكها) أي: دخلت في ملكه قهرًا؟ نعم، تدخل في ملكه قهرًا؛ لأن ملكها عُلِّق بسبب متى وُجِدَ ثبت، كما قلنا في الميراث؛ الميراث إذا وُجِدَ سببه دخل في ملك الوارث قهرًا، حتى لو قال الوارث: أنا لا أريد الميراث، قلنا: هو لك قهرًا عليك؛ لأن الملك المعلق بسبب متى وُجِدَ سببه ثبت الملك شاء الإنسان أم أبى، نعم الإنسان هو حر مختار قبل أن يفعل السبب، أما إذا فعل السبب فإن الشارع رتب المسبب على وجود السبب فلا خيار للإنسان فيه.
(فمن أحياها ملكها؛ من مسلم وكافر) لكن المراد كافر أيش؟
طلبة: معصوم.
الشيخ: معصوم، من مسلم وكافر معصومٍ.
وأيضًا نزيد شرطًا ثانيًا في الكافر: أن يكون ممن يصح تملكه الأرض، فإن كان لا يصح فإنه لا يملكها، لكن إذا كان ممن يصح تملكه الأرض فإنه يملكها.
(من مسلم وكافر) طيب ذكر أو أنثى؟
طلبة: نعم.
الشيخ: صغير أو كبير؟
طلبة: نعم.
الشيخ: صغير أو كبير، لكن الصغير الذي لا يميز يتولى ذلك عنه وليه.
قال: (بإذن الإمام وعدمه) إذا قال الفقهاء: (الإمام) فمرادهم من له السلطة العليا في البلد، فالبلاد الملكية يكون الإمام فيها الملك، والبلاد الجمهورية يكون الإمام فيها الرئيس، لكن في بعض البلاد رئيس جمهورية ورئيس وزراء، أيش نعمل؟
طالب: رئيس الوزراء.
الشيخ: من هو الرئيس؟
طالب: رئيس الحكومة.
الشيخ: من رئيس الحكومة؟
طالب: رئيس الجمهورية.
الشيخ: هي تختلف، الآن حسب علمي أنها تختلف في بعض البلاد؛ رئيس الجمهورية له السلطة العليا، ورئيس الوزراء من دونه، وفي بعض البلاد بالعكس، على كل حال كلٌّ وعرفُه، لكن الذي له السلطة العليا في البلد هو ما يعنيه الفقهاء بكلمة (الإمام).
(بإذن الإمام) الإمام هل يأذن مباشرة؟ نقول: بإذن الإمام أو نائبه؛ لأنه الآن اختلفت الأوضاع، واختلف أسلوب الحكم، فالإمام نفسه لا يباشر مثل هذه الأمور، لكن له نواب، ووزراء، هذا وزير داخلية، وهذا وزير بلديات، وهذا وزير عمال .. إلى آخره.
فالوزير ينوب مناب الإمام، وإذا جعل للوزير من قبل الإمام أن ينيب غيره في كل بلد للأمير أو المحافظ قام هذا الأمير أو المحافظ مقام من؟ مقام الإمام.
وقصدي من هذا الترتيب ألَّا يقول قائل: إنَّ إذنَ الأمير أو المحافظ أو الوزير أو رئيس البلدية أو ما أشبه ذلك غير معتبر؛ لأن المعتبر إذن الإمام، نقول: إن النواب عنه بمنزلته؛ يقومون مقامه.
وقول المؤلف: (بإذن الإمام وعدمه) لو قال قائل: ما لها داعٍ هذه (بإذن الإمام أو عدمه)؛ لأنه إذا قال: (من أحياها ملكها) ولم يذكر بإذن الإمام معناه: ألَّا يُشترط إذن الإمام، أليس كذلك؟
طلبة: بلى.
الشيخ: ولكن اعلموا أن الفقهاء إذا قالوا شيئًا لا داعي له من حيث العبارة فإنما يشيرون إلى رأي آخر، وهنا يريد المؤلف أن يشير إلى رأي آخر؛ وهو أن هناك قولًا بأنه لا تملك الأرض الميتة إلا بإذن الإمام أو نائبه؛ لئلا تحصل الفوضى والاعتداء، فإذا كانت بإذن الإمام أو نائبه صارت مرتبة مضبوطة، فقالوا: إنه لا يحصل الإحياء إلا بإذن الإمام أو عدمه.
وسبب اختلافِهم اختلافُهم في فَهمِ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» (11) هل هذا حكم تشريعي أو حكم تنظيمي؟
إن قلنا: إنه حكم تشريعي صار «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» ، سواء أذن الإمام أم لم يأذن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله على وجه التشريع للأمة.
وإن قلنا: إنه على وجه التنظيم، صار لا بد أن يقول الإمام:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» في كل زمان ومكان.
ونظير هذا من بعض الوجوه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» (12) في الحرب، «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» هل هذا تشريع أو تنظيم؟ فيه خلاف؛ فبعض العلماء قال: إن الرجل إذا قتل قتيلًا في الحرب فله سلبه، سواء اشترط ذلك الإمام أم لا، وبعضهم قال: ليس له سلبه إلا بإذن الإمام، وهنا أمير الجيش ينوب مناب الإمام؛ لأن سلب القتيل غنيمة فيلحق بالغنيمة، ولا يملكه القاتل إلا بإذن خاص.
نرجع إلى مسألتنا، كلام المؤلف -وهو مذهب الحنابلة- يدل على أن من أحيا أرضًا ميتة فهي له، سواء كان ذلك برخصة من ولاة الأمر أم لا.
لكن لو أن ولي الأمر قال: لا يُحيِ أحدٌ أرضًا إلا بإذني وموافقتي، فهل يملك المحيي بعد ذلك الأرض بالإحياء بدون مراجعة ولي الأمر؟ لا؛ لأن المسألة انتقلت الآن، انتقلت من كونها داخلة في العموم إلى تخصيص من ولي الأمر، وقد قال الله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
فإذا قال ولي الأمر: لا أحد يُحْيِ إلا بإذني وترخيص مني، فمن أحيا بعد أن بلغه هذا القول فإنها تنزع منه ولا حق له فيها؛ وذلك لأن ولي الأمر أمر بهذا، وقد تكون المصلحة أو الحاجة أو الضرورة في تقييد ولي الأمر الإحياء بهذا الشرط، قد تكون المصلحة أو الحاجة أو الضرورة حسب المنطقة؛ بعض المناطق يكون فيها ناس جهال إذا لم يُقَيدوا بإذن الإمام اعتدى بعضهم على بعض، هؤلاء يكون من الضروري أن يُقَيدوا بإذن الإمام، وقد تكون بعض المناطق أهون، عندهم خوف من الله وتقوى لا يعتدي أحد على أحد، فهنا قد تترجح أن تكون لحاجة، وقد يزول هذا كله وتكون المنطقة أغنياء، وكل عنده أرض كافيته، وكل إنسان عنده خوف من الله، فهنا تكون المصلحة؛ يعني: إما أن تقتضيها المصلحة أو؟
طلبة: الحاجة.
الشيخ: أو؟
طلبة: الضرورة.
الشيخ: أو الضرورة.
في وقتنا الحاضر حسب ما نسمع أن تقييد الإحياء بإذن الإمام أمر لا بد منه، يدخل في قسم الضرورة مباشرة في بعض المناطق، ويدخل في الحاجة أو المصلحة في مناطق أخرى؛ لأنه لا يمكن أن يتبعض النظام، بمعنى أن نجعل هذه الجهة لا بد فيها من إذن الإمام، وهذه الجهة يملك فيها بدون إذن الإمام هذا لا يمكن؛ لأن الدولة واحدة؛ ولذلك لو قال قائل: لا حاجة إلى إذن الإمام في بلد أهلها أغنياء، وكل إنسان عنده مزرعته، وكل إنسان عنده خوف من الله، ولا يمكن أن يعتدي على أحد؟ نقول: نعم، هذه منطقة، لكن المناطق ليست كلها على هذه المنزلة، فيعمم النظام ولا بأس.
إذن المذهب أنه لا يُشترط للإحياء إذن الإمام، ولكن هل إذا أمر الإمام ألَّا يحيي أحد أرضًا إلا بإذنه، هل تجب طاعته؟
الجواب: نعم، تجب طاعته؛ لأن طاعة ولي الأمر واجبة في غير معصية الله، وهذا -أي: تنظيم الأراضي وكون الناس لا يعطون إلا بترخيص وحدود مضبوطة- ليس من معصية الله، بل هو من حفظ حقوق العباد.
طالب: أحسن الله إليك، اشترطنا شرطًا ثانيًا قلنا: ممن يصح منه الملك، ما المقصود بهذا؟
الشيخ: لو صالحناهم على ألَّا يتملكوا في أرضنا، مثلًا كفار صالحناهم على ألَّا يتملكوا في أرضنا لم يتملكوا فيها.
طالب: شيخ، هل يدخل في هذا الرقيق؟
الشيخ: واللهِ إذا كان الرقيق أرضًا دخل في العموم!
الطالب: لا، المقصود منه إذا العبد يعني أرضه، هل يقال: إنك لا يصح منك الملك؟
الشيخ: الرقيق يملك لكن ملكه لسيده.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- إذا وجدت المنطقة؛ يعني: أحياها رجل، ثم أتاه من يدعي أن بها آثارًا للأقوام السابقين وليس معه بينة؟
الشيخ: لآبائه وأجداده يعني؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ما يقبل إلا ببينة؛ ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ» (13).
طالب: بارك الله فيك، لو ادعى إنسان أنه أحيا أرضًا من قبل أن يصدر الإمام أن الأرض (
…
) لا تقسم إلا بإذنه، فهل تنزع منه؟
الشيخ: لا تنزع، إذا كان أحياها قبل صدور الأمر فهي له؛ لأن اللي بيؤخذ من قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» (11)، اللي يظهر أنه تشريع، وهذا هو الأصل حتى يقوم دليل على أنه تنظيم.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: في.
طالب: (
…
).
الشيخ: القول الراجح أنه يملكها بدون إذن الإمام، إلا إذا أصدر الإمام أمره بألَّا يحيي أحدٌ أرضًا إلا بإذنه، فلا تُحْيَا إلا بإذنه.
طالب: أحسن الله إليك، إذا أحياها بعد صدور الإذن ولكن الأمر (
…
)؟
الشيخ: هذه ما هي مشكلة، إذا أحياها بعد صدور الإذن بلا إذن يقدم.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: لا، يقدم، لازم يقدم، وإلا كان عاصيًا، ثم إنه ربما في غير بلادنا ربما يدعونه يعمل ويعمل ويعمل، فإذا نما الشجر وأقام الزرع هجموا عليه.
طالب: هكذا وقع.
الشيخ: هكذا وقع، ما بيقع هذا قبل أن يتعب يأخذ الإذن.
طالب: شيخ -بارك الله فيك- هناك ظاهرة ظهرت في كثير من دول الغرب؛ وهو أن بعض الطوائف تسرق الأشياء من المتاجر المحلات التجارية وتقول: إن هذه غنائم وإن هؤلاء حربيون، ثم إذا جاء الإنسان يناقشهم يقول: هؤلاء أعداء الإسلام ومالهم ونساؤهم حلال لنا، فهذه من الغنائم؟
الشيخ: قل: إذا قلتم هذا فلهم أن يقتلوكم؛ لأن الحربي يجوز أن يقتل المسلم في الحرب، شوف لاحظوا أن أموال المسلمين للحربيين مباحة، وأموال الحربيين للمسلمين مباحة، فإذا كانوا يقولون هذا نقول: إذن أموالكم أول ما تُؤْخَذ، ورقابكم أول ما تُقْطَع، ثم من يقول: إنهم حربيون تبقون عندهم في بلادهم بأمانهم هم، هم يحفظونكم.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: نعم (
…
) أعوذ بالله، هذا جهل، والحقيقة أن هذا وأنا أرى أنه -واللهِ- إساءة للإسلام، إساءة عظيمة للإسلام، كيف أنت في دارهم وفي أمانهم، ثم تخونهم؟ ! وين الدين الإسلامي؟ هل يأمر بهذا الله يهدينا؟
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- إذا أحيا الأرض فجعل فيه الزرع، لكن تركه، فمر عليهم زمن طويل فأنبت؛ يعني: خربت كأن لم (
…
) من قبل وملكها آخر، هل للأول أن -يعني أبناءه ونسله- يأتون يقولون: كان هذا عمل جدي (
…
) يرد عليهم؟
الشيخ: إي نعم، هل إنه لما ترك الأرض جاء إليك وقال: يا فلان، أنا تعبت من هذه الأرض أكلت مالي وأتعبت جسمي، ولكن أشهدك أني تركتها ما أبغيها؟
طالب: ما قال.
الشيخ: ما قال هكذا، إذن الأصل بقاء ملكه، إلا إذا قام دليل على أنه تركها زهدًا فيها مرة.
طالب: كيف نميز أن الأمر تشريعي أو تنظيمي؟
الشيخ: ماذا قلت لك قبل قليل؟
الطالب: الأصل التشريع.
الشيخ: هذه.
طالب: كيف نعرف أنه تنظيمي؟
الشيخ: نعرف أنه متى بتقع واقعة مثل هذه ولا يعطي الرسول سلبه مثلًا.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- أي بعض الذي يعني الإحياء، هل هو يُعتبر بقرابة العمران والمباني أو بكل البلاد؟
الشيخ: ستأتينا إن شاء الله تعالى.
طالب: إذا جاء إنسان وأحيا أرضًا، ثم أزال الزرع اللي فيه (
…
)، ثم بنى على الأرض وكان قد قصد الأرض للبناء وجعل الزرع وسيلة للتملك ألا (
…
)؟
الشيخ: هذا عاد يرجع للإمام، يقول: إن إنسان أخذ مساحة كبيرة وجعل فيها زرعًا لا يريد أن يزرعه، لكن من أجل أن يتملكها وهو يريد أن يبني عليها، فهل نقول: إن هذه حيلة ويسد عليه باب الحيلة؛ لئلا يضيق على الناس، أو يقال: ملكها ويتصرف فيها كما يشاء؟ هذه محل نظر، وأرى أنه يرجع لولي الأمر.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- إذا سمحتم بالنسبة للموضوع الذي قاله الأخ أحمد هذا واقع ومشهور ..
الشيخ: اللي هو؟
طالب: الذي هو أن بعض الشباب يأخذون أشياء في أوربا يقولون: إنها غنائم، شيخ قابلت بعضهم في مكة وناقشني في هذا الأمر، ونسب إليك وإلى الشيخ عبد العزيز، ومن خلال الكلام تجد أنهم طلبة علم يعرفون الفقه ويعرفون قواعد وما إلى ذلك، فأنا أقترح عليكم -يا شيخ- لو يسألكم أحد سؤالًا ويكون الجواب رسالة تنشر هناك؛ لأنهم يعرفونكم ويتداولون كتبكم، وهؤلاء طلبة علم يُلَبِّسون على غيرهم من أتباعهم ..
الشيخ: إي، صحيح.
الطالب: فيقولون .. ، يعني هي في الحقيقة كلامهم صحيح، لكن عمومات غير مرادة؛ كأن الحربي ماله حلال وهكذا وكذا، فيعني يجعلونها ويضعونها على موضع فهمهم هم، لكنها في العموم أقوال صحيحة ..
الشيخ: المشكلة نسبتها لنا.
الطالب: وينسبونها إليكم.
الشيخ: لا، المشكلة النسبة إلينا هذه، هذا هو المشكلة.
الطالب: طيب يا شيخ ما رأيكم لو ..
الشيخ: وهذه جربناها، جربناها بالنسبة لي وللشيخ عبد العزيز؛ أنه إذا واحد رغب القول وأراد يروجه قال: قاله فلان؛ علشان يُقبل، مثل واحد دلال يمشي بالسلعة قال: واللهِ (
…
) فلان، وفلان معروف أنه صاحب تجارة وصاحب معرفة؛ علشان الناس تدومه، لكن ربما -إن شاء الله- يكون هذا الشيء يجيء سؤال ونكتب عليه جوابًا.
طالب: شيخ، هو الكلام صحيح؛ يعني فعلًا أنتم تقولون بأن مال الحربي .. ؟
الشيخ: المال الحربي ما دام الحرب قائمة.
طالب: نعم، لكن ليس ..
الشيخ: لا، ما هو مثل هذا عهد، أدنى ما نقول: إن فيه عهدًا، مع أن هؤلاء القوم الذين عند أولئك السلطة لمن؟
طالب: لهؤلاء.
الشيخ: لأهل البلاد.
(
…
) أو ليس بأمين؟
طالب: نعم، أمين.
الشيخ: أمين، ما هو ضابط الأمين؟
طالب: الأمين كل من حصل بيده مال بإذن من الشارع أو بإذن من المالك.
الشيخ: نعم، الأمين كل من حصل في يده مال بإذن من الشارع أو بإذن من المالك.
طيب، هل يُقبل قوله في ردها إلى ربها؟
طالب: يُقبل.
الشيخ: يُقبل. ما الدليل؟
طالب: قوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
الشيخ: قوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} ، وهذا محسن.
طيب، أرأيت لو أن المستأجر ادَّعى رد العين إلى المؤجر أيقبل قوله؟
طالب: المستأجر ادعى؟
الشيخ: رد العين إلى المؤجر؛ يعني: شخص استأجر حاجة من الحوائج وانتهت مدة الإجارة، ثم ردها إلى صاحبها وأنكر صاحبها، هل يُقبل قوله بدون بينة؟
طالب: يُقبل.
الشيخ: يُقبل. الدليل؟
طالب: الدليل أنه أمين؟
الشيخ: أنه أمين، وكل أمين يُقبل قوله؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: في الرد، توافقون على هذا؟
طلبة: لا.
الشيخ: نعم.
طالب: لا يُقبل.
الشيخ: لا يُقبل؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لماذا؟ ما الفرق بينه وبين المودع؟
طالب: بين المودع؛ لأن المودع يحافظ لمصلحة غيره وهذا لمصلحته.
الشيخ: فهو قبضها لمصلحة؟
طالب: لمصلحة نفسه.
الشيخ: لمصلحة نفسه.
طالب: والأصل بقاؤها عنده.
الشيخ: نعم، صحيح، هو هذا؛ ولذلك عندنا قاعدة: من قبض العين لحظ مالكها قُبِلَ قوله في الرد، ومن قبض العين لمصلحته لم يُقبل قوله في الرد، ومن قبض العين لمصلحته ومصلحة صاحبها لم يُقبل أيضًا؛ تغليبًا لجانب الضمان.
لو ادعى المودع بل لو أنكر المودع الوديعة؟
طالب: إن أنكر الوديعة فإنه يقبل إنكاره.
الشيخ: يقبل إنكاره.
الطالب: لأن الأصل براءة ذمته.
الشيخ: براءة ذمته، نعم، وأيضًا عندنا دليل حديث:«لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ» (13).
بعد أن جحد ثبتت عليه ببينة فماذا يكون؟
طالب: إن ادعى ردًّا ..
الشيخ: لا أنكر الوديعة؛ قال: لم تودعني ولا أعرفك، ثم ثبت أنه أودعه؟
طالب: تلزمه.
الشيخ: يلزمه أيش؟
طالب: يلزمه ..
الشيخ: تثبت الوديعة.
طيب، ادَّعى أنها تلفت؟
طالب: إن كان قبل جحوده فهي لا تقبل، لا يقبل ..
الشيخ: لا تُقبل دعواه.
طالب: ولو ببينة.
الشيخ: ولو ببينة.
وإن كان بعد جحوده؟
طالب: بعد جحوده يُقبل ببينة.
الشيخ: يُقبل ببينة.
لماذا لم يُقبل قوله بأنها تلفت بعد جحوده؟
طالب: لا يُقبل؛ لأنه بإنكاره صار خائنًا.
الشيخ: نعم؛ لأنه بإنكاره الوديعة ثم ثبتت عليه ببينة صار غير أمين، فلم يُقبل قوله.
طيب، وإذا جاء ببينة؟
طالب: ثبتت ببينة؟
الشيخ: لا، إذا جاء ببينة بأنها تلفت؟
الطالب: يُقبل قوله بالبينة.
الشيخ: نحكم بالبينة.
وإن كان التلف قبل الجحود؟
طالب: لا يُقبل قوله.
الشيخ: لا يُقبل قوله ولو ببينة؛ لأنه أيش؟
طالب: يكذب البينة.
الشيخ: يكذب البينة، تمام.
رجلان أودعا شخصًا كيسًا من البر وهو بينهما أنصاف، فجاء أحدهما يطلب نصيبه، فما تقول؟
طالب: لا يلزمه أن يعطيه نصيبه.
الشيخ: لا يلزمه؟
الطالب: لا يلزمه.
الشيخ: لكن يعلم أنهما أنصاف؟
الطالب: حتى ولو يعلم.
الشيخ: أيش الجواب؟
طالب: (
…
).
الشيخ: ويش معنى (
…
) يعني يعطى إياه؟
طالب: يعطى إياه (
…
).
الشيخ: يعني: إذا طلب نصيبه أعطي إياه بشرط أن يكون؟
طالب: يكون على قدر المساهمة بين الطرفين.
الشيخ: إذا قال المودع: أنا لا أدري كم نصيبك منه، لا أدري ألك ثلثه أو ربعه أو نصفه، قال: لي نصفه هل يلزمه أن يسلمه؟
طالب: لا يلزمه.
الشيخ: لا يلزمه؛ لاحتمال أن يكون ما ادعاه؟
طالب: ليس صحيحًا.
الشيخ: غير صحيح، تمام.
ما هي الموات اصطلاحًا؟
طالب: الموات هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم.
الشيخ: الاختصاصات وملك معصوم، طيب، الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم وأتى ببينة.
اختصاصات ما هي؟
طالب: اختصاصات ما يتعلق بمصالح الناس؛ كالاحتطاب وملقى الزبالات والاحتشاش وما أشبه ذلك.
الشيخ: والمراعي؟
طالب: (
…
).
الشيخ: طيب، هذا هل يملك بالإحياء أو لا؟
طالب: لا يملك بالإحياء.
الشيخ: لا يملك، ليش؟
طالب: نعم -يا شيخ- يملك بالإحياء.
الشيخ: يملك بالإحياء؟
طالب: نعم.
الشيخ: إي.
طالب: لا يملك بالإحياء.
الشيخ: لا يملك بالإحياء، هذان قولان.
طالب: لا يملك بالإحياء.
الشيخ: لا يملك بالإحياء.
طالب: لأنه لم ينفك عن الاختصاص.
الشيخ: لأنه لم ينفك عن الاختصاص.
طيب، لو قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» (11)، فماذا نقول؟ هل نقول: يملك هذه الاختصاصات أو لا يملك؟
طالب: الاختصاصات لا يملكها.
الشيخ: الحديث كيف نجيب عنه؟
طالب: أن هذا عام ليس خاصًّا به.
الشيخ: كيف؟
طالب: الأرض مملوكة.
الشيخ: لا، ما هي مملوكة الأرض ليس ملكًا لأحد، مراعي غنم أهل البلد.
طالب: هذه لا يصدق عليها ميتة؟
الشيخ: لا، ميتة وزيادة.
طالب: يقال: لتعلق حق الغير بها.
الشيخ: لتعلق حق الغير بها، وما قاله الأخ يصدق على كلام الفقهاء؛ لأن الأرض الميتة المنفكة عن الاختصاصات، وهذا غير منفكة عن الاختصاصات فلا تكون ميتة اصطلاحًا وإن لم يكن لها مالك الآن، لكن حسب تعريف الفقهاء لا تكون ميتة.
طيب، قوله:(فمن أحياها ملكها من مسلم) ماذا تقول في كلمة (من)؟
طالب: (
…
).
الشيخ: (ملكها من مسلم) (
…
).
طالب: حرف جر.
الشيخ: حرف جر ما يحتاج، لكن ويش معناها؟
طالب: من أحياها من مسلم.
طالب آخر: (من) الشرطية وهي من صيغ العموم؛ أي: كل من أحياها ملكها.
الشيخ: لكن من مسلم.
طالب: من صيغ العموم، وكل ..
الشيخ: لا، ما هي من صيغ العموم، حرف.
طالب: بيانية.
الشيخ: بيان لأيش؟
طالب: بيان (
…
).
الشيخ: بيان لقوله: (من أحياها) يعني: بيان لمن الشرطية وليست متعلقة بملكها؛ يعني: المال نفسه.
طيب، هل الكافر له مال محترم؟
طالب: نقول: الكافر ينقسم إلى قسمين؛ القسم الأول: الحربي، القسم الثاني: من له عهد وذمة، وهم أربعة أقسام، فمن كان من الأربعة أقسام وهم: المستأمن والذمي والمعاهد ..
الشيخ: والمسلم.
طالب: ثلاثة نعم، ثلاثة أقسام مالهم محترم (
…
).
الشيخ: لكن هل يملك بالإحياء؟
طالب: نعم، يملك بالإحياء.
الشيخ: يملك بالإحياء؟
طالب: لعموم (من).
الشيخ: لعموم (من)، «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» (14).
طالب: (
…
) واحدة إلا تبينت (
…
) سبب (
…
).
الشيخ: مثل أيش؟
طالب: يعني: يملكها ويبني فيها بيوتًا للدعوة.
الشيخ: لا يمنع، هو يملكها الآن، لكن يمنع من إحداث ما يخالف العهد.
(بإذن الإمام وعدمه) هذه يمكن أن نسأل عنها، هل يُشترط للإحياء إذن الإمام؟
طالب: على المذهب لا يشترط.
الشيخ: لا يشترط، الدليل؟
طالب: الدليل لأنه قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا» .
الشيخ: أن الرسول قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» (11) ولم يشترط شيئًا.
هل في هذا تفصيل؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو، على القول الراجح ما هو؟
طالب: إن كان (
…
) شرعيًّا فهي له مطلقًا، وإن كان الأمر تنظيميًّا فلولي الأمر لا يملكها حتى يأذن له ولي الأمر.
الشيخ: يعني نقول: إذا منع ولى الأمر من التملك إلا بإذنه فإن من تملك بغير إذنه فلا ملك له، هذا هو القول الراجح.
ثم قال المؤلف: (في دار الإسلام وغيرها) يعني: ملكها، سواء كان في دار الإسلام وغير دار الإسلام، وحينئذٍ ..
في دارِ الإسلامِ وغيرِها، والعَنْوَةُ كغيرِها، ويَمْلِكُ بالإحياءِ ما قَرُبَ من عامرٍ إن لم يَتَعَلَّقْ بِمَصْلَحَتِه، ومَن أحاطَ مَوَاتًا أو حَفَرَ بِئْرًا فوَصَلَ إلى الماءِ أو أَجراهُ إليه من عينٍ أو نحوِها ، أو حَبَسَه عنه ليَزْرَعَ فقد أَحياهُ، ويَمْلِكُ حريمَ البئرِ العاديةِ خمسينَ ذِراعًا من كلِّ جانبٍ، وحريمَ البديةِ نِصْفُها وللإمامِ إقطاعُ مَواتٍ لِمَن يُحْيِيهِ ولا يَمْلِكُه وإقطاعُ الجلوسِ في الطرُقِ الواسعةِ ما لم يَضُرَّ بالناسِ ، ويكونُ أحقَّ بِجُلوسِها، ومن غيرِ إقطاعٍ لِمَنْ سَبَقَ بالجلوسِ ما بَقِيَ قُماشُه فيها وإن طالَ، وإن سَبَقَ اثنانِ اقْتَرَعا، ولِمَن في أَعْلَى الْمُباحِ السَّقْيُ وحَبْسُ الماءِ إلى أن يَصِلَ إلى كَعْبِه ، ثم يُرسِلَ إلى مَن يَلِيهِ، وللإمامِ دونَ غيرِه حِمًى مَرْعًى لِدَوَابِّ المسلمينَ ما لم يَضُرَّهُمْ.
(باب الجعالة)
وهي أن يَجعلَ شَيئًا مَعلومًا لِمَن يَعْمَلُ له عَمَلًا مَعلومًا أو مَجهولًا مُدَّةً مَعلومةً أو مجهولةً، كرَدِّ عبدٍ ولُقَطَةٍ وخِياطةٍ وبِناءِ حائطٍ ، فمَن فَعَلَه بعدَ عِلْمِه بقولِه اسْتَحَقَّه ، ولجماعةٍ يَقتسمونَه،
بإذن الإمام وعدمه، هذه يمكن أن نسأل عنها هل يُشْتَرَط للإحياء إذن الإمام؟
طالب: على المذهب لا يشترط.
الشيخ: لا يشترط، الدليل؟
الطالب: من المعلوم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً» (1).
الشيخ: أن الرسول قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» ، ولم يشترط شيئًا، هل في هذا تفصيل؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو، على القول الراجح؟
الطالب: إن كان حكم شرعي فهي له مطلقًا، وإن كان الأمر تنظيميًّا فلولي الأمر لا يملكها حتى يأذن له ولي الأمر.
الشيخ: يعني نقول: إذا منعه ولي الأمر من التملك إلا بإذنه فإن مَن تملك بعير إذنه فلا ملك له، كذا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: هذا هو القول الراجح.
ثم قال المؤلف: (في دار الإسلام وغيرها)، يعني مَلَكَهَا سواء كان في دار الإسلام وغير دار الإسلام، وحينئذ نسأل: ما هي دار الإسلام؟ دار الإسلام هي التي غلب عليها الإسلام ظهورًا وشيوعًا، بحيث يؤذَّن فيها للصلاة، وتُقَام فيها جماعات، ويُصَام فيها رمضان، ويُعْلَن وتظهر فيها الشعائر، هذه هي دار الإسلام، حتى وإن كان فيها كفار، لو قُدِّر أن الكفار فيها خمسون في المئة أو أكثر، ما دام حكم الإسلام غالبًا عليها فهي دار إسلام، أما إذا لم يكن حكم الإسلام عليها غالبًا فهي دار كفر ولو كثر فيها المسلمون، والاعتبار بأيش؟ الاعتبار بالمظهر والظاهر، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غَزَا قومًا أمسك حتى يطلع الفجر، فإن أَذَّنُوا امتنع من قتالهم، وإن لم يُؤَذِّنُوا قاتلهم.
مثلًا بلاد أوروبا الآن بلاد كفر ولّا إسلام؟
طلبة: كفر.
الشيخ: كفر؛ لأن الحكم الشائع فيها الظاهر هو الكفر، وإن كان يوجد فيها جمعيات إسلامية، وربما يوجد في بعض البلاد هناك بلاد تقام فيها الجماعة، ويحضر الناس ويقيمون الجمعة، لكنها بلاد كفر؛ لأن الغالب عليها والمهيمن عليها هو حكم الكفار، فإذا قُدِّرَ أن شخصًا تملَّك في أوروبا، وأحيَا أرضًا فهي ملكه شرعًا، ولا أحد ينازعه فيها إذا تَمَّ الإحياء.
(والعَنْوَة كغيرها) العَنْوَة ما فُتِحَ بالسيف، يعني البلاد بلاد الكفر المفتوحة بالسيف كغيرها من البلاد التي فُتِحَت صلحًا، أي أن الإنسان إذا أحيا أرضًا ميتة في بلاد فُتِحَت عنوة فهي له، وكذلك فيما فُتِحَت صلحًا بأن صُولِحَ على أهلها أن يبقوا فيها وتكون الأرض أرضنا، ويبقون فيها بالجزية، أما ما صُولِحُوا على أنها لهم فإنها لا تُمْلَك بالإحياء؛ لأن الأرض أرضهم، لكن ما صُولِحُوا على أنها لنا ونُقِرُّهم فيها بالجزية أو بالعهد فإنها تُمْلَك.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين مكة وغيرها، ولكن هذا فيه خلاف، أما المدينة فأظن محل اتفاق أنها كغيرها من البلدان تُمْلَك بالإحياء، وأما مكة ففيها خلاف، وذلك لأن مكة مَشْعَر يجب على كل مسلم مقصدُه -أن يقصده- ليؤدي مناسك العمرة، مناسك الحج، فليست خاصة لأحد، ولهذا قال فقهاؤنا رحمهم الله: إنه لا يصح بيع مساكنها ولا إجارتها؛ لأنها تُعْتَبَر أرض مَشْعَر، ولا يملك الإنسان فيها شيئًا على وجه تام كما يملكه في غيرها، إلا المساكن التي بناها فهذه له أن يبيعها، لكن الأرض لا، لا تباع.
والمسألة هذه فيها خلاف، وشيخ الإسلام رحمه الله يرى قولًا وسطًا في هذا، يقول: هي تُمْلَك بالإحياء وبالإرث وبالبيع، لكنها لا تُؤَجَّر، يحرُم تأجيرها، فمن استغنى عن مكان وجب بذله لغيره، ولو أن الناس مشوا على كلام شيخ الإسلام لحصل في ذلك سعة عظيمة للناس.
وجه ذلك أن الناس لا يبنون إلا ما يحتاجون فقط، وإذا لم يَبْنُوا إلا ما يحتاجون وقدم الحجاج فإن مَن وجد سكنًا مبنيًّا بالحجارة والطين سكنه، وإلا فالخيام.
والقول الثالث في المسألة: أن مكة كغيرها تُمْلَك بالإحياء وبالبيع، ويجوز بيعها وإجارتها، والعمل الآن على هذا القول؛ أنها تُمْلَك وتُبَاع وتُشْتَرَى وتُؤَجَّر وتُسْتَأْجَر، قالوا: وهذا هو الذي لا يمكن العمل بسواه في الوقت الحاضر؛ لأننا إن قلنا بالمذهب فهو قول ضعيف لا يمكن العمل به، وإن قلنا باختيار الشيخ صار فيها خصومات وعداوات وبغضاء، إذا قدم الحاج ووقف عند البيت وقال لصاحب البيت: البيت فيه حُجَر فارغة الآن، قال: ما فيه، قال: لا فيه، حصل أيش؟
طلبة: نزاع.
الشيخ: حصل نزاع وخصام، ثم هل يمكن أن نُمَكِّن الذي جاء ليستأجر، هل يمكن أن نقول: لك الحق أن تسأل صاحب البيت: كم عائلتك؟ كم في البيت من حجرة؟ فالزائد لا بد أن تفضِّيه لنا، هذا فيه صعوبة، ولهذا مشى القضاة الآن على أنها تُمْلَك بيعًا وشراء، ويُمْلَك تأجيرها واستئجارها.
لكن على المذهب يقولون: إذا لم يجد مكانًا إلا بأجرة دفعها، والإثم على الآخذ، وهذا فيه فسحة، وعلَّلُوا ذلك بأن سكناه في هذا البيت حق له، فإذا قال صاحبه: لا يمكن أن تسكن إلا بأجرة، فمعناه أنه منعك أيش؟ حقك إلا بعِوَض، فابذل العِوَض وهو الآثم.
وبهذا التقرير نعرف أن بعض البلاد التي يقولون فيها: لا بد أن تؤمِّن على سيارتك، وأن تؤمِّن على حاجاتك، وأنت ترى أن التأمين حرام؛ لأنه من الميسِر، فلك في هذه الحال أن تعطيهم وهم الآثمون؛ لأنه لا يمكن أن نضيِّق على الناس ونفوِّت مصالحهم، نقول: اعقد معهم عقد التأمين، لكن أَضْمِر في نفسك أنك مظلوم، وأنك مُكْرَه على بذل ثمن التأمين، وفي هذه الحال إذا قُدِّر عليك حوادث أكثر مما دفعت فإنك لا تستحق هذا الزائد؛ لأنك تعتقد أن العقد باطل وحرام، خُذْ ما خسرت أو ما دفعت في التأمين والباقي امتنع منه، فإن أبوا إلا أن تأخذه فخذه وتصدق به تخلصًا منه.
وبهذا نسلم من الحرج الذي يصيب بعض الناس الآن، يقول: إنه في بلاد لا يمكن أن يشتري سيارة، ولا أن يعمل أي عمل إلا بتأمين، نقول: هذا المخرج، الحمد لله، الإثم على الآخذ.
قال: (ويُمْلَك بالإحياء ما قرُب من عامر إن لم يتعلق بمصلحته)، يعني أن الإحياء لا يُشْتَرَط أن يكون بعيدًا عن العمران، فيُمْلَك بالإحياء ما قرُب من عامر، حتى وإن لاصقه، فلو أن رجلًا قد بنى بيتًا، وما حول البيت فضاء ليس لأحد، فعَمَر هو بجنب البيت ليس بينهما إلا الجدار، فإنه؟
طالب: فإنه يصح الإحياء.
الشيخ: نعم، يصح الإحياء ويملكه، لكن يقول المؤلف:(إن لم يتعلق بمصلحته)، فإن تعلق بمصلحة العامر؛ لكونه مرعى لدوابهم، أو فناء لإلقاء القمامة، أو مُحْتَطَبًا لهم، فإنه لا يُمْلَك؛ لأن هذه الأرض التي تتعلق بها مصالح الناس ليست منفكة عن الاختصاصات، فلا تكون مواتًا حسب التعريف الفقهي، واضح؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إذا قَدَّرْنَا أن الرجل عَمَر، بنى بيتًا إلى جنب بيت كان قد أُحْيِي وسكن صاحبه، فهل يطالِب صاحبُ البيت هذا الذي أحيا من بعد بقيمة الجدار الذي بينهما؟
الجواب: لا، لا يطالبه؛ لأن هذا الرجل بنى الجدار على أنه حماية بيته، وأنه ملكه، وهذا تَجَدَّدَ إحياؤه، فلا يطالبه بقيمة الجدار الذي بينهما، لكن لو فُرِضَ أن الأرض مقطَّعة كل قطعة لبيت، وتأخر أحد الجارين في عمارة منزله حتى يَعْمُر الآخر فيسقط عنه قيمة الجدار؛ لأن بعض الناس قد يتحيَّل، يقول: بأسكت، خَلِّيه يبني، وإذا بنى بنيت وسقط عني، ففي هذه الحال يحسن قضاء أن يُلْزَم بما يُسْتَحَقّ عليه من قيمة الجدار سَدًّا لأيش؟ سَدًّا لِحِيَل المتحيِّلين.
أما إذا كان ليس له نية أن يعمر -أعني الجار- ثم عمر بعد ذلك، فإنه لا يلزمه أن يدفع شيئًا من قيمة الجدار، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:«لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً -أَوْ قَالَ: خَشَبَهُ- عَلَى جِدَارِهِ» (2)، قال أبو هريرة رضي الله عنه حين كان أميرًا على المدينة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لَأَرْمِيَنَّ بها بين أكتافكم، أرمين بأيش؟
طلبة: بالخشب.
الشيخ: بالخشب، يعني: إذا لم تُمَكِّنُوا من وضع الجدار أضعه على الكتف؛ لأنه أمير، وهذا نظير قول عمر بن الخطاب لمحمد بن مسلمة مع جاره حين احتاج جارُه أن يقود الماء من ملكه عبر ملك محمد بن مسلمة أو بالعكس، وامتنع الجار، قال: ما يمكن تجري الساقي مع ملكي، الأرض أرضي، قال له صاحب الساقية: انتفع به، اغرس عليه، ابذر عليه، انتفع، تنتفع أنت وأنا، قال: أبدًا، ترافعَا إلى عمر رضي الله عنه فقال له: ليُجْرِيَنَّه وإلا أجريتُه على بطنك، رضي الله عنه؛ لأن هذا الذي امتنع يعتبر مُضَارًّا.
نعم لو قال: أنا لا أريد أن تجري الساقي في ملكي؛ لأني أريد أن أبنيه، فهنا له حق، أما إذا كان يريد أن يزرعه ويغرسه فمن مصلحته أن يجري الماء.
عل كل حال نقول: ما قَرُبَ من عامر، يعني من العامر، إذا أحياه الإنسان فإنه يملكه، إلا إذا تعلق بمصالحه، ولهذا قال:(إن لم يتعلق بمصلحته).
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ومَن أحاط مَواتًا، أو حفر بئرًا فوصل إلى الماء، أو أجراه إليه من عين أو نحوها، أو حبسه عنه ليُزْرَع فقد أحياه) هذا بيان لما يحصل به الإحياء، وهي مسائل:
المسألة الأولى: إذا أحاط مواتًا، يعني: ضرب عليها حائطًا يمنع الدخول منه، ليس حائطًا يسيرًا كحجر أو حجرين، حائط يمنع الدخول منه، مَلَكَها، ولو كبيرة؟
طالب: ولو كبيرة.
الشيخ: ولو كبيرة، ظاهر كلام المؤلف ولو كبيرة، نعم إذا كان في الأراضي شُحّ بأن كانت البلد في أرض محجوزة؛ إما بالأنهار، وإما بالجبال، فلِوَلِيّ الأمر أن يُحَدِّد، يقول: لا أحد يتملَّك أكثر من كذا وكذا قدرًا، وذلك من أجل ألَّا يحتكرها أحد الأقوياء، ويحوِّط أرضا كبيرة ثم يبيع على الناس بثمن غالٍ.
(أو حفر بئرًا فوصل إلى الماء)، فإن هذا إحياء، لكن ما الذي يملكه بحفر البئر؟ إن كانت البئر للوِرْد ونحوه فإنه يملك حريمها، وسيأتي -إن شاء الله- بيان ذلك، وإن كانت لسَقْيِ الأرض كبئر الزراعة فإنه يملك ما أجرى عليه الماء، كل ما أجرى عليه الماء يملكه، أفهمتم؟
الثالثة: (أو أجراه إليه من عين أو نحوها)، (أجراه) أي: أجرى الماء إلى الموات، (من عين أو نحوها) كالنهر، فإنه يحصل به الإحياء، ولكن ما الذي يُمْلَك؟ كل ما جرى عليه الماء فهو إحياء.
هذه ثلاث مسائل.
الرابعة يقول: (أو حبسه عنه ليُزْرَع) فقد أحياه، كيف حبسه عنه؟ يعني: هذه أرض الماء فيها كثير لا تصلح للزرع، إذا زُرِعَ فيها غرق الزرع، فكيف يُحْيِيها؟ يُحْيِيها أن يحبس الماء عنها، إذا حبس الماء عنها لتصلح للزرع فكل مَن حبس عنه الماء فإنه يعتبر أيش؟ مُحْيًا يملكه صاحبه، فانظر الآن إجراء الماء إلى الأرض إحياء، ومنع الماء عن الأرض إحياء؛ لأن المقصود أن تتهيأ الأرض للزرع.
قال أهل العلم أيضًا، زادوا، قالوا: وكذلك لو كان فيها أشجار لا يمكن أن تُغْرَس معها أو تُزْرَع فأزال الأشجار فهو إحياء، وكذلك لو كان فيها أحجار متراكمة عليها لا تصلح مع هذه الأحجار للزرع، ثم أزال الأحجار ونقَّاها فهذا إحياء.
من العلماء مَن يقول: يُرْجَع في هذا إلى العُرف، ما عَدَّه الناس إحياء فهو إحياء، وما لم يَعُدُّوه إحياء فليس بإحياء، وعلَّلُوا هذا بعلة قوية، قالوا: إن القاعدة عندنا أن كل ما أطلقه الشارع وليس له حد في الشرع فمرجعه أيش؟
طلبة: إلى العرف.
الشيخ: إلى العرف، فما عَدَّهُ الناس إحياء فهو إحياء، وما لم يعدوه إحياء فليس بإحياء، وهذا القول لا يَبْعُد عما قاله المؤلف رحمه الله لكن ربما تتغير الأحوال وتختلف.
لو غرس على أرض واسعة كبيرة، غرس عليها أشجارًا كالجدار، هل يملك ما كان داخل هذه الأشجار؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لا، لا يملك؛ لأنه ما زرعها، ولا بنى، والأشجار عُرْضَة، لكنه يكون أحق بها، بمعنى أنه لا يزاحمه عليها أحد، ولكن إذا تأخر في إحيائها ووُجِدَ مَن يطلب إحياءها يُمْهَل، يقال له: يا فلان، إما أن تُحْيِيَ الأرض، وإما أن ترفع يدك؛ لأن فيه منتظرًا لإحيائها.
وقوله: (أو حبسه عنه ليَزْرَع فقد أحياه)، أما لو حبس الماء عن هذه الأرض لمجرد أن تيبس فقط فإن هذا ليس بإحياء، وفي هذا إشارة من المؤلف إلى أن النية معتبرة في الإحياء في مثل هذه الصورة.
طالب: أحسن الله إليك، إذا دفع التأمين؟
الشيخ: إذا ..
الطالب: رجل دفع التأمين على أنه جائز، كان يعتقد أنه جائز؟
الشيخ: يعتقد أنه جائز؟ ! نقول له: حرام.
الطالب: لا يعرف أنه قمار، ثم علم أنه مَيْسِر، فهل يعني ..
الشيخ: إذا دفع التأمين وهو لا يدري أقول: الأمر (
…
) وأسهل، يذهب إلى شركة التأمين ويقول: أنا أريد أن أسحب تأميني.
الطالب: يأخذ ما دفع؟
الشيخ: إي، يأخذ ما دفع منه ويبطل التأمين.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، بالنسبة لتعريف دار الإسلام، إذا كان البلد يحكمه كافر والبلد نفسه أو المدينة نفسها القسم الشرقي منها كفار، والغربي مسلمون، وتُقَام فيها الشعائر، فهل كل منطقة تأخذ حكمها، وأن تتعدد الأحكام في بلد واحد؟
الشيخ: نعم، وبهذا أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: يمكن أن نقول: هذه بلاد إسلام، في الجانب اللي فيه المسلمون يُظْهِرُون الشعائر، وبلد كفر في الجانب الذي فيه الكفار الذين لا يقيمون الشعائر، وهذا حق، هذا هو العدل.
طالب: لو عملنا التأمين يا شيخ على شكل (
…
) هل يجوز بيعه؟
الشيخ: ما حرُم الدخول فيه حرُم بيعه، لأنه إذا حرَّم شيئًا حرم ثمنه.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، إذا كل أنواع مصالح الناس في التأمين فعلى سبيل المثال الآن الدول الكافرة إذا أراد الإنسان أن يؤمِّن على سيارته مثلًا يقول: إذا دفعت خمسين دولارًا في الشهر، فنحتاج نؤمِّن على السيارة ضد الحوادث والصدام؛ حوادث الطرق، وأما إذا دفعت ستين دولارًا فالتأمين يكون شامل العواصف الثلجية والأعاصير (
…
).
الشيخ: الجواب: إذا كانوا يُجْبِرُونك على التأمين فاسلك أخفّ النوعين، وإن كانوا لا يجبرونك فلا تؤمن أصلًا.
الطالب: لا هو الإجبار تُجْبَر.
الشيخ: فيه إجبار؟
الطالب: فيه إجبار.
الشيخ: أجل، يُسْلَك أقلها ضررًا وخطرًا.
الطالب: بمعنى أنه لا يؤمن على الثلج؟
الشيخ: لا، ما يؤمن على الثلج، يؤمن على الأسهل؛ لأن هذا مُحَرَّم فيُقْتَصَر فيه على قدر الضرورة.
طالب: بارك الله فيه يا شيخ، الإجبار الوحيد في هذا الحالات في الدول الأوربية والأمريكية هو ضد الغير فقط.
الشيخ: ضد الغير؟
الطالب: فقط.
الشيخ: يعني الصدام يعني؟
الطالب: نعم، ضد الشخص يعني شخص حي آخر.
الشيخ: كيف؟ اشرح لنا هذه.
الطالب: إيذاء شخص آخر، ضد الغير فقط، هذه الْمُجْبَر عليه.
الشيخ: يعني ألَّا يؤذي أحدًا؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: ألَّا يؤذي أحدًا.
الطالب: الباقي اختياري.
الشيخ: كلٌّ يعتقد أنه ما يؤذي أحدًا، لكن يأخذون عليك لأجل إن آذيتَ أحدًا أخذوا من هذه الدراهم، وإذا لم يؤذِ أحدًا تمت السنة ما آذى أحدًا؟
الطالب: ما عليك شيء، بالنسبة للأمور الأخرى أنت تتكفل (
…
).
الشيخ: لا، مثلًا اللي يدعي فيها إلى الغير، مثل قالوا: الآن نخشى أنك تصدم صبيًّا أو سيارة أو شيئًا، سَلِّم عشرة آلاف، سَلَّمَها ثم لم يصدم، هل تُرَد عليه؟
الطالب: لا، لا ترد عليه يا شيخ، يجب أن يدخل في هذا التأمين من أجل ما يسمى حماية الغير، وبالتالي شركة التأمين تغطي تكاليف ما يترتب عليه من إيذاء في هذا الحادث.
الشيخ: على كل حال هو الشيء اللي يضطر عليه إنسان ما عليه شيء، لكن هذا بالحقيقة سفه منهم؛ لأنهم إذا فعلوا هذا يسهُل على الإنسان الحوادث، يسهل عليه أنه يدهس رجَّالًا أو امرأة، أو يكسر سيارة.
طالب: شيخ بارك الله فيك، رجل يعمل في إحدى الشركات، وهذه الشركة تدفع تأمينًا لأحد المستشفيات، ولكن الرجل إذا طالت فترة المرض لا يستطيع أن يجيب عذرًا إلا من هذا المستشفى، لا يقبل العذر إلا من هذا المستشفى.
الشيخ: إي، والله ما أدري المستشفى هذا أخشى أن يحابيه، أن يعطيه الشهادة بأنه مريض وهو غير مريض، لا سيما أننا نسمع في بعض الجهات المسألة سهلة، إذا كان الطبيب ممن يشرب الدخان أعطاه علبة باكيت وخلاص سوي اللي تبغي، هكذا سمعنا والله أعلم، لكنها أظن إن شاء الله غير صحيح هذا.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، في مسألة التأمين بعض الدول في مسألة التأمين في الحوادث مثلًا إذا سيارتك مثلًا ..
الشيخ: ضد الحوادث عليك ولّا منك؟
الطالب: شيخ، أحسن الله إليك، في بعض البلاد إذا كان الإنسان يملك سيارة أعطاها سائقًا، سيارة نقل تجاري، كل ما حدث من السائق إذا سقط أحد من الركاب أو صدم إنسانًا غير راكب نتائج ذلك يحملون صاحب السيارة، السائق لا يتحمل شيئًا ولو أخطأ، كل (
…
) اللي يتحمل صاحب السيارة ولو كنت خارج البلاد، فكيف إذا أنت أَمَّنْت مثلًا، هل إذا كان التأمين يدفعون لك، فكيف تفعل؟
الشيخ: لا تفعل، لا تُؤَمِّن.
الطالب: أنت مُجْبَر.
الشيخ: شوف مسألة الإجبار لا تسأل عنها، الإجبار لا بأس به ما هو باختيارك، ولا يمكن تفوِّت مصالحك، فهمت؟ نظير ذلك في بعض بلاد الكفار أو ما أشبه الكفار لا يحكمون بالكتاب والسنة، وأنت الآن في حق معك حق، تريد أن تطالب خصمك، ولم تجد أحدًا تتقاضى عنده إلا هؤلاء، هل نقول: أَضِع حقك، ولّا نقول: خاصِم، واجعلهم بمنزلة الشُّرَط، يُخْرِجُون لك الحق، أيهما؟
طالب: الثاني.
الشيخ: الثاني، ولا يقال: إن هذا الرجل رضي بالتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسول الله، أبدًا، إنما أراد أن ينقذ حقه، وهذه الطريق لا يرضاها، لكن يقول: أنا لو حُكِمَ لي بغير ما أنزل الله ما قبلت، لكن إذا كنت مُحِقًّا، ولا يمكن الوصول إلى حقي إلا بهذا فلا حرج، وقد أشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله في أول كتاب الطرق الحكمية.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، كيف تدفع الدية لهؤلاء الناس اللي أحدث السائق، يُحَمِّلُونك الدية؟
الشيخ: إذا حَمَّلُوك فارجع إلى السائق، ارجع عليه.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب إحياء الموات:
ويملك حريمُ البئر العادية خمسين ذراعًا من كل جانب، وحريمُ البَدِيَّة نصفَها، وللإمام إقطاع موات لمن يحييه، ولا يملكه، وإقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ما لم يضر بالناس، ويكون أحق بجلوسها، ومن غير إقطاعٍ لمن سبق بالجلوس ما بقي قماشه فيها وإن طال، وإن سبق اثنان اقترعَا، ولمن في أعلى الماء المباح السقيُ وحبسُ الماء إلى أن يصل إلى كعبه، ثم يُرْسِل إلى مَن يليه، وللإمام دون غيره حِمَى مَرْعًى لدوابّ المسلمين ما لم يضرهم.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ما هي الموات؟
طالب: هي الأرض الْمُنْفَكَّة عن الاختصاصات وملكٍ معصومٍ.
الشيخ: الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم.
ما مُحْتَرَز قوله: وملك معصوم؟
طالب: ملك معصوم يشمل المسلم والذمي.
الشيخ: مُحْتَرَز، أنا لا أسأل عن المعصوم، أسأل عن الْمُحْتَرَز.
الطالب: لأنها غير مملوكة.
الشيخ: لا.
الطالب: كيف محترز؟
الشيخ: هو إذا وُصِفَ الشيء بوصف فمُحْتَرَزُه ضده.
الطالب: إذا كان ملكًا غير معصوم.
الشيخ: محترزه مثل؟
الطالب: الحرب.
الشيخ: نعم، كأرض الحرب، فمن أحيا شيئًا فيها فهي له.
من هم المعصومون؟
طالب: مسلم.
الشيخ: مسلم.
الطالب: والمستأمِن.
الشيخ: مستأمن.
الطالب: والذمي والمعاهَد.
الشيخ: والمعاهد، أربعة.
المؤلف يقول: مَن أحياها ملكها، ما هو الدليل على هذا؟
طالب: قول النبى صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» . (1)
الشيخ: نعم، قوله:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» ، ألا يمكن أن يقول قائل: ميتة أي: ليس فيها نبات، بخلاف التي نزل عليها المطر ونبتت؟
طالب: لا؛ لأن أي إنسان يمكن يزرع أرض غيره (
…
).
الشيخ: يقال: إنّ ما حيى بالمطر ليس من إحيائك أنت، ولكنه من عند الله.
ننتقل إلى درس جديد الآن، قال:(ويملك حريمُ البئر العادية خمسين ذراعًا من كل جانب، وحريم البَدِيَّة نصفَها).
(حريم) يعني: محارم الشيء، يعني: ما حوله.
وقوله: (حريم البئر العادية) يعني التي أُعِيدَت بعد أن كانت محفورة من قبل ثم طَمَّها الرمل، أو المطر، أو ما أشبه ذلك، ثم أعادها، يملك خمسين ذراعًا من كل جانب؛ وذلك لأنه حفرها أولًا ثم حفرها ثانيًا، فبالحفر الأول ملك خمسًا وعشرين ذراعًا، وبالحفر الثاني ملك خمسًا وعشرين، فيكون الجميع كم؟ خمسين ذراعًا.
ومراد المؤلف رحمه الله بذلك البئر المحفورة للسُّقْيَا، ما هي للزرع، المحفورة للسقيا، وهذا يقع كثيرًا في البر عند البادية، تجد الرجل يحفر بئرًا حتى يصل إلى الماء من أجل أن يسقي ماشيته، من إبل أو بقر أو غنم، فنقول: هذا الرجل يملك بهذه البئر خمسين ذراعًا إن كانت قد أُعِيدَت، أو أيش؟ خمسة وعشرين ذراعًا إن كانت بَدِيَّة، يعني مُبْتَدَأَة، ففعيل هنا بمعنى مفعول، أي: ابتدأ حفرها.
وظاهر كلام الفقهاء رحمهم الله أنه لا فرق بين أن يكون الحفر سهلًا، أو يكون الحفر شديدًا، كما لو كانت أرضًا صخرية، وأنه لا فرق بين أن يكون عمقها بعيدًا، أو عمقها قريبًا.
وتعليل ذلك أن هذا الحريم هو الذي يتعلق به مصلحة البئر، فالرجل في البادية إنما حفر هذا البئر من أجل أن يسقي ماشيته، وخمسة وعشرون من كل جانب فيها كفاية، يعني: خمسة وعشرون، وخمسة وعشرون، وخمسة وعشرون، وخمسة وعشرون، كم من مربع؟
طلبة: مئة.
الشيخ: مئة، خمسة وعشرون أربع مرات هذه مئة، هذه تكفي، أما إذا كانت عادية بمعنى أنها انطمت ثم حفرها ثانية، فإنه يملك خمسين من كل جانب.
وظاهر كلامهم أيضًا أنه لا فرق بين أن يكون الحافر مرة أخرى هو الأول أو غيره، أما إذا كان هو الأول فإعطاؤه خمسين ذراعًا واضح؛ لأنه تعب عليها كم؟ مرتين، وأما إذا كان غيره فيقال: إن الأول ملك خمسًا وعشرين، والثاني ملك خمسًا وعشرين، فيكون خمسين ذراعًا من كل جانب، فيكون الخمس والعشرون الأولى باعتبار حفر الأول لها، والثانية باعتبار حفر الثاني لها.
ثم قال: (وللإمام إقطاع موات لمن يحييه) إذا قال الفقهاء: الإمام، فمرادهم السلطان الأعلى؛ يعني الذي له الكلمة على كل الدولة، كالملك مثلًا في البلاد الملكية، وكالرئيس في البلاد الجمهورية، وما أشبه ذلك.
المهم مَن له الكلمة العليا فهو عند أهل العلم هو الإمام؛ لأنه يُؤْتَمّ به ويُطاع فيما يأمر به في غير معصية الله، وكل مَن كان قدوة فهو إمام، ولذلك نسمي مَن يصلي بنا في الجماعة نسميه إمامًا؛ لأننا نأتمر بأمره، لا نُكَبِّر إلا إذا كَبَّر، ولا نركع إلا إذا ركع، وإذا قام قمنا، وإذا سجد سجدنا.
فالإمام إذن من هو؟ الإمام هو من له الكلمة العليا في الدولة، سواء سُمِّي إمامًا أو ملكًا أو رئيسًا أو غير ذلك.
له (إقطاع موات لمن يحييه)، إقطاعه يعني أن يقول: يا فلان، لك هذه الأرض أَحْيِهَا، فإذا أحياها الْمُقْطَع فإنه يملكها، وإذا لم يُحْيِها فإنه يكون أحق بها من غيره، فيكون الْمُقْطَع كالمتَحَجِّر، وليس كالذي أحيا، واضح؟
وإذا قالوا: (وللإمام) فاللام للإباحة، ولكن هل يجب عليه الإقطاع، وهل يحرُم عليه الإقطاع؟ نقول: نعم، ربما يجب وربما يحرُم، يجب عليه إذا تقدم متشوفٌ لإحياء الأرض، وكان هذا المتقدم قادرًا على إحيائها، فالواجب على الإمام حينئذ أيش؟ أن يُقْطِعَه حتى لا تتعطل الأراضي، وحتى ينتفع هذا المتقدم، فيكون هنا الإقطاع أيش؟ واجبًا، يكون حرامًا إذا أقطعها شخصًا محاباة، بمعنى أنه قد تقدم من هو أولى منه وأقدر على إحياء الأرض، ولكنه أقطعها لهذا الرجل؛ لأنه قريبه، أو لأنه ذو جاه، أو ما أشبه ذلك، هذا أيش نقول فيه؟
نقول: هذا حرام، فيكون اللام في قوله:(وله) للإباحة، بمعني أنه لا يُمْنَع من إقطاع الموات، ثم قد يجب وأيش؟ وقد يحرُم.
(إقطاع مَوَاتٍ لمن يحييه) وفُهِمَ من قوله: (إقطاع موات) أنه ليس له الحق في أن يقطع أرضًا ذات اختصاص؛ لأن الموات هي الأرض المنفكة عن أيش؟ عن الاختصاصات وملكٍ معصوم، وعلى هذا فليس للإمام أن يُقْطِعَ أودية البلد، أو طرق البلد، أو ما أشبه ذلك؛ لماذا؟ لأنها مختصة، وإن لم تكن مملوكة لكن مختصة، وليس له أن يُقْطِع مراعي البلد ومُحْتَطَبَهُمْ، أي: محل جمع الحطب وما أشبه ذلك؛ لأن هذا أيش؟ من الاختصاصات، ليس مواتًا، الموات هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم.
وقول المؤلف: (وللإمام)، هل نقول: من قام مقام الإمام فهو مثله؟ في الوقت الحاضر الإمام لا يتولى هذا، وإنما يتولاه الوزراء أو الوكلاء، أو ما أشبه ذلك، فيُرْجَع في هذا إلى نظام الحكم، إذا كانت الدولة يتولى الإقطاع فيها الحاكم الأعلى فهو الحاكم الأعلى، إذا كان نوابه فنوابه.
قال: (ولا يملكه)، الضمير في قوله:(ولا يملكه) يعود على؟
طالب: الْمُقْطَع.
الشيخ: الْمُقْطَع، يعني أن الْمُقْطَع لا يملكه لكن يكون أيش؟ أحقَّ به من غيره، بحيث لا يمكن لأحد أن يقوم بإحيائه، وقيل: إنه يملكه بإقطاع ولي الأمر، يعني بإقطاع الإمام؛ لأن إقطاعه إياه كالتمليك، بل هو تمليك على هذا القول، والإمام هو المسؤول عن أراضي دولته وعن أحوال الدولة، لكن الأقرب أنه لا يملكه، وأنه أحق به، ثم إن أحياه فهذا المطلوب، وإن لم يُحْيِه وتقدم مُتَشَوِّفٌ لإحيائه وجب على الإمام أن يقول للذي أقطعه: إما أن تُحْيِيَه، وإما أن ترفع يدك، ويضرب له مدة يمكنه أن يُحْيِيَه فيها.
قال: (وإقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ما لم يضر بالناس ويكون أحق بجلوسها)، يعني: وللإمام إقطاع الجلوس في الطرق الواسعة، بشرط ألَّا يضر بالناس، ولنضرب مثلًا سوق الخضار، هذا سوق، واسع ولَّا غير واسع؟ عادة يكون واسعًا، له أن يُقْطِعَ أحدًا مكانًا يجلس فيه، يقول: يا فلان، لك رأس السوق، وسط السوق، طرف السوق، وما أشبه ذلك؛ لأن المرجع في هذه الأمور إلى الإمام، لكن بشرط ألا يضر بالناس، والإضرار بالناس له صور، منها:
لو أقطعه مكانًا كبيرًا والناس مُزْدَحِمُون في هذا المكان، ولو لم يُقْطِعْهُ لوسع هذا المكان أربعة أو خمسة، فهنا لا يجوز له ذلك؛ لأن هذا أيش؟ إضرار بالناس، الناس محتاجون، وإذا أقطع قطعة كبيرة من هذا السوق لهذا الرجل فبدلًا من أن يكون في هذا السوق عشرون رجلًا لم يبقَ يتسع إلا لعشرة مثلًا، وهذا إضرار.
كذلك لو أقطعه مكانًا هو مدخل السوق ويُضَيِّق على الداخلين، فهنا نقول أيش؟ هذا ممنوع، ولا يحل له؛ لأن الإمام يجب عليه أن يراعي المصالح العامة، والمضارّ الخاصة تندرج في المصالح العامة؛ لأنه إذا راعى المصالح العامة فربما يضر آخرين لكن أفرادًا، وهذا يُغْتَفَر.
قال المؤلف: (في الطرق الواسعة ما لم يضر بالناس)، فإن أضر بالناس؟
طالب: فإنه لا يُقْطِعُه.
الشيخ: مثاله؟
الطالب: مثل أن يُقْطِع الإمام طرقًا أو مدخلًا إلى السوق.
الشيخ: مثل أن يُقْطِعَه شيئًا في مدخل السوق فيضيِّق مدخل السوق، أو مساحة كبيرة تقلِّل انتفاع الناس بهذا السوق.
قال: (ويكون أحق بجلوسها)، ولكن لا يملكها؛ لأن السوق ملك للعامة، فإذا أقطعه مكانًا يبيع فيه فإنه لا يملكه، لكن يكون أحق بالجلوس.
قال: (ومن غير إقطاع)، يعني: لو جلس إنسان في مكان من السوق يبيع ويشتري فيه من غير إقطاع.
(لمن سبق بالجلوس ما بقي قماشه فيها وإن طال)، يعني لو تقدم إنسان إلى مكان ووضع بَسْطَته فيه، فما دامت بَسْطَته في السوق فهو أحق، وليس لأحد أن يُزَاحِمَه؛ لأنه سبق، حتى لو طال.
وقوله: (وإن طال) فيها إشارة خلاف؛ فمن العلماء مَن يقول: يُعْطَى مهلة يومين، ثلاثة، أسبوعًا، ثم يقال: ارفع يدك، ومنهم مَن قال: ما دام الرجل محتاجًا إلى هذا المكان فإنه أحق ولو طال جلوسه، وهذا القول أسلم من المشاكل والاضطرابات، فيقال: مَن سبق هو أحق به.
لكن إذا كان هذا المكان موسميًّا، وانتهى الموسم، فهل نقول: إن هذا الرجل له في الموسم الآخر هذا المكان؟ أو الموسم الآخر مَن سبق إلى مكان فهو أحق به؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني؛ لأنه انتهى الموسم، فإذا قَدَّرْنَا أن هذا المكان موسم يكون في زمن عيد الفطر، انتهى الموسم، يأتي موسم عيد الأضحى، لا نقول للذي جلس في المكان في موسم عيد الفطر: أنت أحق به في موسم عيد الأضحى؛ لأنه انتهى الموسم.
فإن كان من المقرَّر نظامًا أن كل مَن قام في بَسْطَة ارتحل عنها في آخر النهار، كما يوجد في بعض المحلات؛ يكون الإنسان يبقى في هذا المكان طول النهار فقط، وفي الليل تُنْقَل كل الأمتعة، فماذا نعمل في اليوم الثاني؟ هل نقول: نبتدئ من جديد ومَن سبق فهو أحق؟ أو نقول: من كان في مكان بالأمس فهو أحق به؟
طلبة: الأول.
الشيخ: الأول، فما دام النظام يقول: الجلوس كل يوم بيومه، فإذا انتهى اليوم الأول وجاء الثاني فإن مَن سبق فهو أحق.
وقوله: (وإن طال)، ذكرت لكم أن هذا إشارة خلاف، وأن بعض العلماء يقول: إذا طال فإنه يُؤْمَر بتخلية المكان.
ولو قال قائل: إنه يُرْجَع في هذا إلى تنظيم المسؤولين، لو قال أحد بذلك لكان قولًا وجيهًا؛ لأن هذا قد تختلف الأحوال، قد تختلف الأماكن، قد تختلف الأزمان، فلو قيل: إن مسألة الطول يُرْجَع فيها إلى رأى المسؤولين لكان هذا قولًا وجيهًا.
قال: (وإن سبق اثنان اقترعَا)، كيف يسبق اثنان؟ يعني: سبقَا إلى مكان ليبيعَا فيه، لكن كيف يستبقان جميعًا؟ كل واحد وصل إلى المكان في نفس الوقت، هل نقول: يُنْظَر إلى الأكبر سِنًّا، أو إلى الأفقر؛ لأنه أحق بالمراعاة، أو إلى الأغنى؛ لأنه سوف يجلب إلى هذا المكان ما لا يستطيع الفقير أن يجلبه؟
نقول: كل هذه مسائل اعتبارية فيُرْجَع إلى الأصل، وهو أنهما تساويَا في الوصول إليه، ولا طريق إلى التمييز إلا بالقرعة.
ولكن كيف نُقْرِع؟ هل نجيب نصف قرش ونقول: واحد سيفين ونخلة وواحد نصف القرش، ولّا كيف؟
هو ما يحصل به التمييز، القرعة لا تتعين في شكل معين، كل ما يحصل به التمييز فهو قرعة، وهو يختلف، والناس يختلفون في هذا، يعني في كيفية الإقراع، فالمقصود التمييز.
ثم قال: (ولمن في أعلى المباح السَّقْي وحَبْس الماء)، (لمن) خبر مقدَّم، و (السقي) مبتدأ مؤخَّر، و (الماء المباح) يراد به ما ليس بمملوك؛ لأن الماء نوعان: نوع مملوك، ونوع مباح.
فالأنهار التي يُجْرِيها الله عز وجل هذه مباحة، والأودية التي يأتي بها المطر هذه مباحة، والبئر التي حفرها قوم واشتركوا فيها هذه مملوكة.
المملوك يكون توزيع الماء على حسب الملك؛ لأنهم مشتركون، ولا مزيَّة لواحد على الآخر، فمثلًا إذا كان لأحدهما النصف والثاني النصف، وُزِّعَ الماء كم؟
طلبة: نصفين.
الشيخ: نصفين؛ لأحدهما الربع والثاني ثلاثة أرباع، يُوَزَّع ربعًا وثلاثة أرباع، حسب الحال.
وكيفية التوزيع أيضًا تختلف؛ إما أن يكون الساقي واحدًا ثم يوضَع خروق موزِّعة، مثلًا إذا كانوا نصفًا ونصفًا، كم نحتاج؟ إلى اثنين، إذا كان ثلاثة أرباع وربعًا نحتاج إلى أربعة، فتُوَزَّع بحسب الحال.
أما إذا كان مباحًا فيقول: (لمن في أعلى السَّقْيُ وحبسُ الماء إلى أن يصل إلى كعبه)، (السقي) يعني: أن يسقي زرعه أو نخله إلى أن يصل إلى الكعب، والأرض كما تعلمون ليست متساوية من كل وجه، ربما يكون يصل إلى الكعب في جانب، ويصل إلى نصف الساق في جانب آخر، أليس كذلك؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، العبرة بالمتوسط، وإلا من المعلوم لو كانت بعض الأرض نازلة مترًا أو أكثر لاستوعبت ماء كثيرًا قبل أن يصل إلى الكعب في العالي، لكن بالمتوسط والتقدير، إلى أن يصل إلى كعبه ثم يرسله إلى مَن يليه، يعني بعدما يسقي حتى يصل إلى الكعب يرسله إلى مَن يليه، إلا إذا كان الأعلى أتى أخيرًا، فإنه يُقَدَّم الأسفل.
مثال ذلك: هذا الوادي زرع فيه إنسان، وصار يسقي زرعه منه، ثم جاء إنسان وتقدَّم إلى أعلى الوادي، لا نعطي المتقدِّم، لماذا؟ لأن الأول أحق لسَبْقِه، لكن إذا قدَّرْنا أنهم أحيوا جميعًا، أو أننا لا نعلم مَن المتقدِّم، فإنه يقدَّم الأعلى.
ودليل ذلك ما جاء في الحديث الصحيح من تشاجر الأنصاري والزبير بن العوام رضي الله عنهما في شرج الْحَرَّة، حيث ينزل هذا الشرج إلى الحائطين جميعًا، فتخاصمَا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الزبير رضي الله عنه يسقي ثم يُرْسِل إلى جاره من غير تقدير، فقال الجار: لا، لا بد أن يكون السقي بالسوية، بمعنى أنه إذا سقيت زرعك وكان الماء لا يكفي إلا زرعك لا بد أن تجعل لي نصيبًا منه، فتخاصمَا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى للزبير؛ لأنه أحق، وقال له:«اسْقِ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ وَأَطْلِقْ» (3).
وهذا يحصل، يعني لو أنه صار على هذا يحصل بأقل ما يسمى سقيًا، ولكن الأنصاري أخذته الحمية، وقال: أن كان ابن عمتك يا رسول الله؟ -عفا الله عنه- يعني كأنه ظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام راعَى القرابة، وصلة القرابة واجبة، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يقدِّم قرابته؛ لأن صلة القرابة واجبة، فظن رضي الله عنه وعفا عنه- ظن أن الرسول راعى هذا وحكم للزبير.
ويبعُد جدًّا أن يكون الأنصاري أشار إلى حَيْف الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن لفظه يحتمله لا شك، ولكننا علينا أن نحسن الظن به، وأن نقول: إنه ظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر الزبير أن يسقي؛ لأنه كان قرابته، وكان هذا من صلة الرحم، فاحتفظ النبي عليه الصلاة والسلام للزبير بحقه، فقال:«اسْقِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْجَدْرِ» ، والجدر هي عبارة عن .. نسميها إحنا أيش؟
طالب: السلة.
طالب آخر: الجدول؟
الشيخ: لا، السلالي أو السلة هي التي تفصل بين الحِيَاض، قال:«حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلْهُ إِلَى جَارِكَ» ، فقِيسَ هذا الجدر كم؟ فصار يَصِل إلى الكعب، فاعتبر العلماء رحمهم الله اعتبروا ذلك بالكعب؛ لأن الجدر أيضًا يختلف، قد يكون بعض الناس يُكَبِّر وبعض الناس يُصَغِّر، فكان الكعب هو الميزان، فيُحْبَس إلى أن يصل إلى الكعب، ثم يرسله إلى جاره.
ومعلوم أن وصول الماء إلى الكعب أكثر مَن أن يكون مجرّد سقي؛ لأن مجرد السقي قد يكون بنصف هذه المسافة، وهذا هو الذي أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام أولًا، لكن الأنصاري لما قال هذا احتفظ النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بحقه، وقال:«اسْقِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْجَدْرِ» . (3)
إذا أرسله إلى مَن يليه وكانوا ثلاثة أو أربعة، فالثاني يسقي إلى الكعب، والثالث إلى الكعب، والرابع إلى الكعب، وإن لم يَبْقَ له شيء بأن كان الماء قليلًا فليس له شيء.
طالب: ما مدى صحة تسمية بعض الناس لما حول الشيء المحرم حَرَمًا حَرَم الجامعة ..
الشيخ: لا بأس، حَرَم بمعنى حريم، أما إذا كان يُخْشَى أن يُفْهَم منه أنه حَرَم شرعًا فهذا لا يجوز، مثل قولهم في المسجد الذي يسمونه مسجد الخليل في فلسطين: إنه الحرم الإبراهيمي، هذا غلط، أو أن يقول عن المسجد الأقصى: إنه حَرَم، هذا غلط كبير، ولهذا فيه عبارة تُوهِم، وهي قولهم: ثالث الحرمين، هذا ليس بصواب؛ لأنه لو قيل: ثالث الحرمين صار حَرَمًا، أو أوهم ذلك، على الأقل يُوهِم، وهو ليس بحرَم، وقد أجمع العلماء أنه ليس هناك حَرَم إلا اثنان فقط؛ الحرَم المكي والحرَم المدني، واختلفوا في وَجّ، وهو وادٍ بالطائف هل هو حَرَم أو لا، والصحيح أنه ليس بحرَم.
طالب: والحرم الجامعي يا شيخ؟
الشيخ: والحرم الجامعي أيضًا ما يُفْهَم منه أنه مُحَرَّم شرعًا، مثل حريم البئر.
طالب: يقولون يا شيخ: ثاني القبلتين.
الشيخ: لا، يقولون: أولى القبلتين.
الطالب: نعم؟
الشيخ: يسمونه أولى القبلتين.
الطالب: غير صحيح؟
الشيخ: لا، غير صحيح.
الطالب: غير صحيح.
الشيخ: لأنه إذا كان أولى القبلتين معناه أن هناك قبلتين، ولو قيل: القبلة قَبْلَ النسخ، لكان هذا هو الصواب، وكل ما يُوهِم ينبغي تجنبه، لا سيما في وقتنا الحاضر حيث غلب الجهل على أكثر الناس، وغلبت العاطفة أيضًا على أكثر الناس.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، في الأماكن الصحراوية خاصة أماكن يُحْفَر البئر، يعني يوجد الماء فيه أماكن ضيّق مرة، ما يتسع لواحد نعطيه مئة متر مربع، أو مئة ذراع مربع، فلا نجد مثلًا مكانًا ..
الشيخ: كيف هذا، يعني ما يصل إلى الماء؟
الطالب: إي، يصل إلى الماء، لكن فيه بعض أماكن منخفضة، إذا حفرت تجد فيه الماء.
الشيخ: إي قريب الماء.
الطالب: إي، غيرههم قد لا تجد ماء، فالناس يضطرون يحفرون قريبًا بعد، بحيث ما يهدم البئر الثاني، إذا أعطينا حرمة الواحد منهم مئة ذراع مربع ما يسع الآخرين علشان يحفرون البئر.
الشيخ: هنا تتدخل الحكومة، حتى أيضًا ربما يكون بعضهم ماشيته قليلة ما يحتاج إلى هذا المقدار، فهنا إذا ضاقت لا بد أن تتدخل الحكومة.
طالب: أحسن الله إليك، قلنا بأن المقصود بالبئر هنا هي بئر السقي، أحسن الله إليك، ما الجواب عن حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ» (4)، فذكر أربعين ذراعًا، وسبق أن ذكرنا خمسين وخمسة وعشرين.
الشيخ: المسألة فيها خلاف بناء على صحة الحديث، والفقهاء يُرَجِّحون الحديث الآخر.
طالب: إذا حفر بئرًا، وكان حفرُه لها أول مرة، صار له خمسة وعشرون ذراعًا، ثم دُفِنَت فجاء آخر وحفرها من جديد، يعني غير الأول، قلنا: يأخذ خمسين، ونحن عَلَّلْنَا بأن الخمسة وعشرين الأولى لمصلحة البئر ومقابل تعبه، كيف استحق الخمسين وهو أول مرة يحفرها، ولو كان ..
الشيخ: لأن الخمسة وعشرين استُحِقَّت بحفر الأول.
الطالب: يأخذها الثاني؟
الشيخ: يأخذها الثاني، مع أن الغالب أن الإعادة أهون، ومع ذلك يقولون: لما ملكت البئر خمسة وعشرين، لأن هذا من حقوق البئر، البئر ملكت خمسة وعشرين من الأول.
طالب: شيخ، بالنسبة للإمام هل له أن يبيع ويُقْطِع، أم ليس له إلا الإقطاع؟
الشيخ: لا، ما يمكن، يُقْطِع بلا بيع.
طالب: الأراضي اللي تؤخذ تكون أراضي كبيرة، لكن بعيدة عن البلد، ويُدْفَع فيها كما لو دُفِع شراءً وتُسَجَّل.
الشيخ: الْمُقْطِع يعني؟ الْمُقْطِع يشتريها شراء؟
الطالب: الشخص الذي أراده الإمام دَفَعَ له مالًا.
الشيخ: دفع لمن؟
الطالب: للإمام، يعني للوزارة.
الشيخ: يبقى للمُقْطِع.
الطالب: هل يُعْتَبَر يمكن أن يُعَدّ شراء؟
الشيخ: يعني المقطَع يدفع، لا، ما يُعَدّ شراء؛ لأن الإمام ما ملكها، الأرض أرض الله عز وجل، لا يملكها الإمام ولا غيره، لكن الإمام يملك تصريفها وتوزيعها على الأمة حسب ما يرى.
تعرف الآن مسألة الحكام أكثرهم ما يُرَاعِي هذه الأمور، أكثرهم يقول: ما دامت الدولة محتاجة أبغي أجعل ضرائب، حتى على الخبز اللي ياكلوه لازم أحط عليه ضريبة؛ لأن الدولة محتاجة، كيف تصرف على الجيوش، على الآلات الحربية، على المصالح العامة، فبعض الناس قد يُفْتِي ولاة الأمور بجواز مثل هذه الحال، يقول: إن الدولة للدولة، فما دام الشعب محتاج إلى هذه المصالح العامة وليس هناك مَوَادّ للدولة تكتفي بها فلا بأس أن يجعل ضرائب.
لكن لا شك أن هذا خطأ، يعني أولًا هذه الضرائب قد تكون في غير وجهها، والثاني يجب أن تُقَدَّر هذه الأمور بقدر الحاجة، إذا جاء ضِيق يُبْسَط البساط ويقال: مَن أراد أن يتبرع، وإذا لم يتبرع أحد فللإمام أن ينظر في المصلحة، أما أن يُجْعَل هذا كنظام عام فهذا غلط.
طالب: شيخ بارك الله فيك، حريم البئر العادية خمس وعشرون، أو كون أن هذا التحديد راجع لعلة وهو مصلحة البئر.
الشيخ: العادية كم؟
الطالب: خمسين.
الشيخ: والبدية نصفها.
الطالب: نصفها، وهذا راجع لمصلحة البئر.
الشيخ: إلى؟
الطالب: مصلحة الحافِر من حيث الرِّشَا وكذا، قد نحتاج إلى أكثر، هل نقول بالزيادة، (
…
) لعلة، أو نقول ..
الشيخ: هذا يرجع .. الواقع إن ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في مثل هذه الأمور يستندون فيها إلى قضايا من الخلفاء أو مَن دونهم، وهذه تختلف، فيُرْجَع في هذا إلى العرف، الذي أرى أن في هذه الأمور يُرْجَع فيها إلى العرف، حتى مثلًا المفقود قالوا: يُنْتَظَر أربع سنين إذا كان ظاهر غيبته الهلاك، تسعين سنة منذ وُلِد إذا كان ظاهر غيبته السلامة، هذه أيضًا تقادير اجتهادية تكون في وقتها، ربما يغلب على الظن موته في أقل من هذا، يمكن في شهرين في وقتنا الحاضر، كل شيء مُرَتَّب، وكل شيء مُنَظَّم ولا يخفى أحد، لا سيما الإنسان الذي له شهرة.
فعلى كل حال الفقهاء رحمهم الله يأخذون هذا على أنها تقديرات شرعية يجب السير عليها، لكن لو قال قائل بأننا نرجع في هذا إلى ما تقتضيه المصلحة إذا لم يخالف الشرع، لكان هذا أحسن.
طالب: إذا حفر البئر بناء على كلام المؤلف، إذا حُفِر، ثم دُفِن ثم حُفِر ثم دُفِن مرة ثانية، ثم حُفِر مرة ثالثة.
الشيخ: إي ما يزيد.
الطالب: ما يزيد على الخمسين؟
الشيخ: ما يزيد.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب إحياء الموات:
وللإمام دون غيره حِمَى مرعى لدواب المسلمين ما لم يضرهم.
باب الجعالة
وهي أن يجعل شيئًا معلومًا لمن يعمل له عملًا معلومًا أو مجهولًا مدة معلومة أو مجهولة، كردّ عبدٍ، ولُقَطة، وخياطة، وبناء حائط، فمن فعله بعد علمه بقوله استحقه، والجماعة يقتسمونه، وفي أثنائه يأخذ قسط تمامه، ولكلٍّ فسخُها، فمِن العامل لا يستحق شيئًا، ومن الجاعل بعد الشروع للعامل أجرة عمله، ومع الاختلاف في أصله أو قدره يُقْبَل قول الجاعل.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أن الإمام له إقطاع الموات، وأنه يملكه، يملكه الْمُقْطَع.
طالب: لا، لا يملكه.
الشيخ: لا يملكه.
الطالب: ما يملكه.
الشيخ: الذي أعطاه الإمام؟
الطالب: نعم، ما يملكه.
الشيخ: لا يملكه.
الطالب: بل يكون أحق به.
الشيخ: بل يكون أحق به، صحيح كلامه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، لكن فيه قول ثاني؟
الطالب: نعم قيل: إنه يملك.
الشيخ: إنه يملك، إقطاع الجلوس، هل للإمام أن يُقْطِع الجلوس في الطرقات؟
طالب: بشرط واحد ألَّا يضر بالآخرين، ألَّا يُقْطِعهم مكانًا واسعًا، ويكون المكان بحيث يكون المكان ضيقًا فيأتي الإمام ويُقْطِع رجلًا مكانًا يكون ..
الشيخ: لكن هل الإقطاع هنا في الطرق سواء واسعة أو ضيقة، أو في الواسعة بشرط ألّا يضر.
الطالب: يكون في الواسعة بشرط ألّا يضر بالناس.
الشيخ: إذن شرطان؛ أن تكون الطريق واسعة، وألّا يضر بالناس.
اشتراط ألّا يضر بالناس يدل على أن مراعاة العموم أولى من مراعاة الخصوص، أليس كذلك؟
طالب: إي كذلك.
الشيخ: كذلك، مراعاة العموم ..
الطالب: أولى من مراعاة الخصوص.
الشيخ: أولى من مراعاة الخصوص.
قال بعض أهل العلم: وهذه هي حكمة الله، ولهذا قد يُنْزِل الله المطر على مكان فيه شخص يتضرر به، ولكن العبرة بأيش؟ العبرة بالعموم.
سبق اثنان إلى مكان للبيع، سبقَا جميعًا، وصلَا إلى المكان جميعًا، أيهما أولى؟
طالب: يُقْرَع بينهما.
الشيخ: يُقْرَع بينهما، حتى لو كان أحدهما أنفع للناس؟
الطالب: حتى لو كان أنفع.
الشيخ: حتى لو كان أنفع؛ لأن الطريق عام، أو مكان الجلوس الفُسَح الْمُعَدَّة للجلوس عامة، فيستوي فيها الأنفع وعدمه.
لو أن ولي الأمر رَتَّبَ هذا المكان الذي هو مكان البيع، وجعل هذا المكان للناس الأقوياء، وهذا للمتوسطين، وهذا للضعفاء، وسبق أحد من الضعفاء إلى مكان المتوسطين، يُمَكَّن أو لا؟
طالب: الأولى للمتوسط.
الشيخ: إي، لكن هذا الضعيف سَبَق إلى مكان المتوسط، هل له ذلك أو لا؟
الطالب: حسب ما وضع الإمام.
الشيخ: يعني حسب النظام لا، أَجِب؟
الطالب: نعم.
الشيخ: إي نعم، ما فيه شك، يعني مثلًا لو أن ولي الأمر الموكول إليه تدبير شؤون البلد رأى أن يصنِّف الناس فلا حرج؛ لأن هذا من المصالح العامة.
إذا تنازع اثنان في نهر، فأحدهما أراد أن يختص به والآخر بالعكس؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؟
الطالب: الأعلى يسقي إلى الكعب، ثم يرسل الماء إلى مَن يليه.
الشيخ: أحسنت، إذن لا يمكن لأحدهما أن يختص به مطلقًا، لكن مَن الأولى؟ يقال: الأولى الأعلى بشرط ألَّا يكون حادثًا بعد الأدنى.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وللإمام دون غيره حمى مرعى لدواب المسلمين ما لم يضرهم)، اشترط المؤلف رحمه الله ثلاثة شروط في حمى المراعي، تعرفون أن الأراضي تختلف؛ بعضها يكون فيه العشب الكثير، والزرع الكثير، وبعضها دون ذلك، وبعضها يكون فيها القليل، فهل يجوز لأحد أن يحمي شيئًا من هذه الأراضي؟
نقول: يجوز بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون الإمام، مَن هو الإمام؟ الولي العام على الدولة.
والثاني: أن يكون لدواب المسلمين، ودواب المسلمين هي دواب الصدقة، ودواب الفيء، ودواب الأرباب المجهولين، وما أشبه ذلك، المهم دواب المسلمين هي التي لعموم المسلمين ليست لشخص واحد.
الشرط الثالث: قال: (ما لم يضرهم)، الصورة هذه للإضرار، بحيث لا يوجد حول هذا البلد إلا هذا المرعى، وإذا حُمِيَ تضرَّر الناس.
فالشروط إذن ثلاثة؛ أن يكون الحامي؟
طلبة: الإمام.
الشيخ: وأن يكون؟
طلبة: لدواب المسلمين.
الشيخ: لدواب المسلمين، وألّا يكون فيه ضرر.
فلو أراد أحد من الناس أن يحميه لدواب المسلمين، ولكنه ليس له ولاية عليها فإنه لا يجوز؛ لأن هذا افتيات على الإمام، وتقدُّم بين يديه، كما أنه لو أراد أحد أن يُقِيمَ الحد على الزاني فإنه لا يملك هذا، لا يملكه إلا الإمام أو نائبه، كذلك حِمَى المرعى لدواب المسلمين لا يملكه إلا الإمام أو نائبه.