الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» (4)، هل نقيس عليه كل شيطان؟ بمعنى لو مر بين يدي المصلي شيطان من شياطين الجن، تبطل الصلاة؟ بعضهم قال هكذا، تبطل، والصحيح: أنها لا تبطل.
كذلك لو مر من بين يديه رجل داعية للكفر والبدع الْمُضِلَّة، هذا شيطان إنس لا شك، هل نقول: تبطل الصلاة؟ لا، وذلك لأن العلة كونه كلبًا أسود، وكونه شيطانًا، وهذا لا يتأتى إلا في هذا الكلب.
***
[أركان الصلاة وواجباتها]
الطالب: (والطمأنينة في الكل، والتشهد الأخير، وجلسته، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والترتيب والتسليم).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
جرت عادة الفقهاء رحمهم الله أنهم إذا ذكروا الصفة للعبادة ذكروا أركانها وواجباتها ومُكَمِّلَاتها، وهذا لا شك أنه من حسن التعليم، حتى تنحصر العلوم لطالب العلم.
فمثلًا: ذكروا في الصلاة أركانها وواجباتها، في الوضوء كذلك فروضه وواجباته، كذلك في الغسل، وكذلك في الحج، وغير ذلك.
كل هذا من أجل تقريب العلوم لطالبيها، فيكون هذا التقسيم وهذا التنويع وهذا الترتيب من باب الوسائل، لا من باب المقاصد.
وعليه فمن زعم من بعض الناس أن هذا بدعة، وكل بدعة ضلالة، فزعمه باطل.
لأن الفقهاء رحمهم الله لم يريدوا أن يتعبَّدوا بهذا، لكن أرادوا التقريب، كما أنه من عهد القرن الأول صُنِّفَت التصانيف، وبُوِّبَت الأبواب، ولم تكن معروفة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
لكن هذا من باب؟ أتموا!
طلبة: التقريب.
الشيخ: من باب الوسائل، والوسائل لها أحكام المقاصد، والوسائل تختلف في كل عصر ومصر، ليست دائمًا على نطاق واحد، الآن عندنا وسائل التسجيل، هل كان معروفًا؟
طلبة: لا.
الشيخ: عندنا وسائل في إيصال الصوت بالْمُكَبِّر، بالهاتف، بالإذاعة، فاختلفت الأمور.
فالوسائل ليس لها حصر، كل ما أدى إلى المقصود فهو مقصود، لكن لا يتعبد الإنسان به لذاته، ولكن يتعبد به لغيره؛ لأنه وسيلة.
من الوسائل: الصلاة، مرت علينا، عرفنا صفاتها، فهل فيها أركان وواجبات وسنن؟
الجواب: نعم.
أركانها: القيام .. إلى آخره.
أركان جمع ركن، والركن جانب الشيء الأقوى، ولذلك نسمي الزاوية في الغرفة ركنًا؛ لأن أقوى ما في الجدار هو الزاوية، لأن كلًّا من الجهتين معتمدة على الأخرى، فتكون أقوى.
أما في الاصطلاح، فالركن: ما لا تتم العبادة إلا به، لا يسقط عمدًا ولا سهوًا ولا جهلًا، هذا الركن.
(أولًا: القيام) لكن لا بد من شرط، وهو القدرة عليه.
ودليل ذلك عموم قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقوله:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
وخصوص قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمران بن الحصين: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنٍ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» . (5)
إذن شرط القدرة في كل عبادة، لكنه يسقط -القيام- بالعجز عنه، كما سمعتم، ويسقط في النافلة، النافلة يجوز أن يصليها الإنسان قائمًا وقاعدًا.
لكن أجر القاعد نصف أجر القائم، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي تهجده في الليل قائمًا، فلما أَسَنَّ صار يصلي أول الركعة جالسًا، فإذا قارب الركوع قام وركع.
ويستثنى من ذلك أيضًا: المأموم القادر على القيام خلف الإمام العاجز عن القيام، فهذا يصلي قاعدًا تبعًا ..
طلبة: لإمامه.
الشيخ: تبعًا لإمامه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» (6)، ولأنه نفسه -صلوات الله وسلامه عليه- طبَّق هذا، فقد صلى في بيته وهو شاكٍ، وصلى وراءه قوم قيامًا، فأشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا، ثم قال لهم:«إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» .
لكن يستثنى من ذلك -من سقوط القيام عن المأموم خلف الإمام القاعد- على ما قاله الفقهاء: أن يكون هذا الإمام إمام الحي، يعني إمام المسجد.
فلو اجتمع خمسة وأقرؤهم عاجز عن القيام في غير إمام المسجد فهل يصلي بهم؟ عند الفقهاء: لا. والصحيح: أنه لا يُشْتَرَط هذا؛ الإمام إذا صلى قاعدًا صلوا قعودًا أجمعين، سواءً كان إمام الحي، أو غير إمام الحي؛ لأن إضافة شرط إلى ما أطلقه الشرع يحتاج إلى دليل.
استثنى الفقهاء رحمهم الله أن يكون الإمام الجالس مَرْجُوَّ زوال العلة، يعني يُرْجَى أن تزول علته، فإن كان شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يقوم فإنها لا تصح الصلاة خلفه، أما لو أصيب بركبته بصدمة أصابته وصار يصلي قاعدًا فإنه يُصلَّى خلفه قاعدًا.
ولكن أيضًا ما قالوه في المرجو زوال علته لا دليل عليه؛ لأنه حديث عام: «إِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» .
فإذا قالوا: إذا قلتم بذلك يلزم أن يكون هؤلاء الجماعة الذين يصلون خلف هذا الإمام يصلون جميع الفروض أيش؟ قعودًا في كل وقت.
قلنا: وليكن، ما دام كلام الرسول عليه الصلاة والسلام عامًّا فلازم الحق حق.
إذن: يسقط القيام عن؟
طالب: إذا كان الإمام يصلي قاعدًا.
الشيخ: لا.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا.
طالب: عن العاجز عنه.
الشيخ: عن العاجز عنه، دليل ذلك؟
طالب: صَلِّ قَائِمًا.
الشيخ: دليل ذلك من القرآن؟
طالب: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
الشيخ: لا إله إلا الله!
طالب: الدليل من قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} .
الشيخ: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، وقوله:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ، الثاني؟
طالب: الثاني هو أن يصلي الإمام قاعدًا ويصلي وراءه المأموم (
…
).
الشيخ: نعم؟ المتنفل؟
في النافلة يسقط القيام، ما الدليل؟
طالب: فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقوله.
الشيخ: طيب.
طالب: أما قعوده فإنه كان في آخر أيامه لما أَسَنَّ يصلي قاعدًا حتى إذا قارب الركوع قام ..
الشيخ: كان يصلي في الليل قاعدًا، فإذا قارب الركوع قام وركع. قوله؟
طالب: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» . (7)
الشيخ: نعم، الثالث؟
طالب: الثالث يا شيخ فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمره للصحابة ..
الشيخ: يعني إذا كان الإمام يصلي قاعدًا لعجزه عن القيام صلى المأمومون وراءه؟
طالب: قعودًا.
الشيخ: قعودًا، بارك الله فيك، هذا هو.
فإذا قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته في مرض موته خرج إلى الناس وإمامهم أبو بكر، فصلى قاعدًا وصلى الناس قيامًا (8)، فما الجواب؟
اختلف العلماء رحمهم الله في هذا الحديث؛ فمنهم من قال: إنه ناسخ للحديث الأول: «إِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» . ولكن هذا غير صحيح، ليس بناسخ.
وقال الإمام أحمد: إن هذا كان أبو بكر قد ابتدأ بهم الصلاة قائمًا، فلزمهم أن يتموها كما ابتدؤوها.
وهذا جواب صحيح وسديد، ودليل على فقه الإمام أحمد رحمه الله.
طيب، ما رأيكم لو كان خائفًا؟
لو كان خائفًا بحيث يكون يصلي خلف جدار قصير، لو قام لأدركه العدو، ولو صلى قاعدًا لسلم، يجوز يصلي قاعدًا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يجوز؛ لأن هذا مثل العاجز بلا شك.
الثاني: (التحريمة).
التحريمة يعني تكبيرة الإحرام.
وسُمِّيَتْ تحريمة؛ لأن الإنسان بها يُحَرِّم على نفسه ما كان جائزًا قبل دخوله في الصلاة.
والتحريمة هي قول: الله أكبر، لا يجزئ غيرُها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي صلى بدون طمأنينة:«إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ» (9)، قال:«فَكَبِّرْ» .
وهل يجزئ غيرها وهو بمعناها؟ لا، لو قال: الله أعظم، الله أَجَلُّ، وما أشبه، أَعَزُّ، ما يجزئ؛ لأن هذا خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . (10)
(والفاتحة)، الفاتحة يعني قراءة الفاتحة.
وظاهر كلام المؤلف هنا أنها تجب على الإمام والمأموم والمنفرد، لكنه سيأتينا أن المأموم على المشهور من المذهب لا قراءة عليه.
الفاتحة، هل تجب في كل ركعة، أو في الركعة الأولى فقط؟
الصواب أنها واجبة في كل ركعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما علَّم الرجل الذي صلى صلاة لا تجزئه قال له: «افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» (9)، فيشمل الصلوات ويشمل الركعات.
الفاتحة في كل ركعة، ولا تسقط على القول الراجح إلا عن مسبوق لم يدركها حتى ركع إمامه، مثل: أن يأتي والإمام راكع، فيُكَبِّر للإحرام ثم يركع، هذا لا يمكن أن يقرأها؛ لأنه لو قرأها فاتته الركعة.
أو يدخل مع الإمام قبل أن يركع، ويبدأ بالفاتحة، ثم يركع الإمام ويخاف إن أكملها أن يرفع، فهنا أيش؟ تسقط، ما هو الدليل؟
الدليل: حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فأسرع، وركع قبل أن يدخل في الصف وأدرك الركعة، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته سأل: من فاعل هذا؟ فقال أبو بكرة: أنا يا رسول، فقال:«زَادَكَ اللهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ» . (11)
معنى قوله: «وَلَا تَعُدْ» يعني: لا تعد إلى ما فعلت، وهو رضي الله عنه أسرع وركع قبل الدخول في الصف، وأدرك الإمام في الركوع، فما هو الذي يريد الرسول صلى الله عليه وسلم؟
يريد قطعًا الإسراع والركوع قبل الدخول في الصف، أما أن يركع قبل أن يقرأ الفاتحة فلم يُرِدْهُ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو أراده لأمره أن يقضي ركعة.
(الركوع) الركوع: هو الانحناء بحيث يمكن وسطًا مَسُّ ركبتيه بيديه، وسطًا يعني في اليدين، يعني ينحني حتى يمكن مِن مَسِّ الركبتين، حتى يمكنه أن يمس ركبتيه بيديه، واضح ولَّا غير واضح؟
طلبة: واضح.
الشيخ: وقلنا الوسط؛ لأن بعض الناس يداه طويلتان، يمكن أن ينحني أدنى انحناء ويمس الركبتين، وبعض الناس يداه قصيرتان؛ لا يمكن أن يمس ركبتيه إلا إذا انحنى انحناءً تامًّا، ولهذا قال العلماء: العبرة بالوسط.
وقال بعض أهل العلم: الركوع الواجب أن يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام، بمعنى: أن يكون بين هذا وهذا، وهو إلى الركوع أقرب.
(والاعتدال عنه)، عندكم (عنه)، ولَّا (منه)؟
طلبة: عنه.
الشيخ: الاعتدال عن الركوع، يعني القيام معتدلًا بعد الركوع، دليل ذلك: الفاتحة، أتينا بدليلها ولَّا لا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: الفاتحة دليلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (12)، وهذا النفي نفي للصحة، وليس نفيًا للكمال؛ لأن الأصل في النفي، أولًا: أنه نفي للوجود، وثانيًا؟
طلبة: للصحة.
الشيخ: أنه نفي للصحة.
وثالثًا: أنه نفي للكمال، فإذا أمكن أن يسلط على نفي الوجود وجب، كما في قولك: لا يجتمع النقيضان، هذان نفي الوجود، ما يمكن أن يجتمع النقيضان، وإذا لم يمكن حُمِلَ على نفي الصحة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ، «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِوُضُوءٍ» (13)، هذا نفي للصحة.
فإن تعذر أن يكون نفيًا للصحة صار نفيًا للكمال.
مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (14)، هذا نفي للكمال.
وإلا لقلنا: إن مَن لم يحب لأخيه ما يحبه لنفسه فهو؟
طالب: كافر.
الشيخ: فهو كافر، مباح الدم.
الركوع، الدليل؟ قول الله تبارك وتعالى:{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، فأمر بالركوع.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يُحْسِن الصلاة: «ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا» ، الرفع من الركوع، وهو الاعتدال عنه، دليله؟ قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي لم يحسن صلاته:«ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا» .
(والسجود على الأعضاء السبعة) وهي: الجبهة مع الأنف، والكفان، والركبتان، وأطراف القدمين.
دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْنَا أَنْ نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ» (15)، «أُمِرْنَا» وهذا أحد ألفاظ البخاري رحمه الله، والأكثر:«أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ» (16).
والحكم لا يختلف؛ لأن ما أُمِرَ به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو أَمْرٌ للأمة.
«أَنْ نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ؛ الْجَبْهَةِ» -وأشار إلى أنفه- لئلَّا يظن الظان أن الأنف خارج عن ذلك.
الثاني: الكفان، سواء جعل بطونهما نحو الأرض، أو ظهورهما نحو الأرض، أو جنبهما نحو الأرض، المهم أن يكون شيء من الكف على الأرض.
والركبتان وأطراف القدمين، لو أن رجلًا لم يسجد على أطراف القدمين بأن سَدَحَ رجليه، فظاهر الحديث أنه لا يجزئ، لا بد أن تكون القدمان منصوبتين، حتى يكون السجود على أطرافهما.
(والاعتدال عنه، والجلوس بين السجدتين).
(الجلوس بين السجدتين) يغني عن قوله: (الاعتدال عنه)؛ لأنه إذا جلس فقد اعتدل.
إذن (الجلوس بين السجدتين) دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي لم يُحْسِن صلاته لما ذكر السجود قال: «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا» .
(والطمأننية في الكل). الطمأنينة هي السكون؛ أن الأعضاء كل عضو يستقر مكانه، هذا الطمأنينة، وهل هي مُقَدَّرَة؟
قال بعضهم: هي مُقَدَّرَة بمقدار الذِّكْر الواجب لمن كان يُحْسِنُه، أو السكون وإن قَلَّ لمن لا يُحْسِن الذِّكْر الواجب.
مثلًا في الركوع، ما هو الذِّكْر الواجب فيه؟
طلبة: سبحان ربي العظيم.
الشيخ: سبحان ربي العظيم، لا بد أن يستقر بمقدار هذا القول، فإن كان لا يُحْسِنُه كفى الاستقرار ولو يسيرًا، وكذلك يقال في البقية.
من المؤسِف جدًّا أننا نرى كثيرًا من إخواننا لا يطمئنون في الرفع بعد الركوع، ولا في الجلوس بين السجدتين، وهؤلاء لا صلاة لهم، لا بد من الطمأنينة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بذلك، وكان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يقول القائل: قد نسي. (17)
قال: (والتشهد الأخير)، أيضًا من الأركان: التشهد الأخير؛ لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كنا نقول قبل أن يُفْرَض علينا التشهد. (18) وهذا دليل على أن التشهد فرض، فالتشهد الأخير ركن من أركان الصلاة.
(وجلسته): الجلسة للتشهد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتشهد في حال الجلوس، فلو فُرِضَ أنه لما سجد السجدة الثانية من الركعة الأخيرة قام وتشهَّد وهو قائم فصلاته؟
طالب: باطلة.
الشيخ: باطلة؛ لأنه يجب أن يكون التشهد في حال الجلوس.
(والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه)، وهذا ليس فيه دليل إلا استفهام الصحابة رضي الله عنهم، حيث قالوا: قد علمنا كيف نسلِّم عليك، فكيف نصلِّي عليك؟ قال:«قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ» . (19)
ومعلوم أن كلمة «قُولُوا» أمر إرشاد؛ لأنهم سألوا عن كيفية الصلاة، ما هو عن أصلها، قال:«قُولُوا» كذا وكذا، فهو أمر إرشاد، وليس أمر إيجاب.
ولذلك اختلف العلماء رحمهم الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها ركن.
والثاني: أنها واجب، يسقط بالسهو ولا يسقط بالعمد.
والثالث: أنها سنة.
إن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فذاك، وله أجر، وإن لم يُصَلِّ فصلاته صحيحة.
واعلم أن المسألة خطيرة؛ لأنك إذا قلت: إنها ركن، فستفسد صلاة كل مَن لم يُصَلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، وإفساد عبادات الخلق بدون دليل محرَّمٌ.
نعم، نقول للإنسان: الأحوط بلا شك أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، سواء في الصلاة التي بها تشهُّدَان أو فيها تشهُّد واحد.
(والترتيب)، ترتيب بأيش؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: بين الأركان، يعني الركوع قبل السجود، والجلوس بين السجدتين بعد السجدة الأولى.
فلو أن الإنسان حينما قرأ الفاتحة وما تيَسَّر سجد، ثم قام وركع، فصلاته؟
طالب: غير صحيحة.
الشيخ: باطلة؛ لفوات أيش؟
طلبة: الترتيب.
الشيخ: لفوات الترتيب، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (20)، وهو عليه الصلاة والسلام قد صلى صلاة مُرَتَّبَة.
قال: (والتسليم)، التسليم يعني قول: السلام عليكم ورحمة الله، ويجزئ أن يقول: السلام عليكم؛ لأنه يصدُق عليه أنه سَلَّمَ، لكن هل ينوي بالتسليم الخروج من الصلاة؟ أو السلام على مَن وراءه؟
الأول، ينوي الخروج من الصلاة مع قصد التسليم على من وراءه، ولهذا شُرِعَ له أن يلتفت يمينًا وشمالًا، ولو كان المقصود الخروج من الصلاة لكفى أن يسلِّم ولو تلقاء وجهه.
هذه هي أركان الصلاة.
ويأتي إن شاء الله بقية الواجبات والمستحبات.
***
الطالب: .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: كتاب: صفة الصلاة، وواجباتها: التكبير غير التحريمة، والتسميع والتحميد، وتسبيحتا الركوع والسجود، وسؤال المغفرة مرة مرة، ويُسَنُّ ثلاثًا، والتشهد الأول وجلسته، وما عدا الشرائط والأركان والواجبات المذكورة سنة، فمَن ترك شرطًا بغير عذر غير النية فإنها لا تسقط بحال، أو تعمَّد ترك ركن أو واجب بطلت صلاته بخلاف باقيه، وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال لا يُشْرَع السجود بتركه، وإن سجد فلا بأس.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما هو الدليل على أن القيام من أركان الصلاة؟
طالب: قول الله تبارك وتعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} .
الشيخ: خطأ.
طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: «صَلِّ قَائِمًا» .
الشيخ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ .. » ؟
الطالب: فإن لم تستطع فجالسًا.
الشيخ: «فَقَاعِدًا» .
الطالب: «فَقَاعِدًا» .
الشيخ: «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ» ، هل يُسْتَثْنَى من هذا شيء؟
طالب: ثلاث صور.
الشيخ: نعم، ثلاث مسائل.
الطالب: ثلاث مسائل.
الشيخ: الأولى؟
الطالب: الأولى عدم الاستطاعة والقدرة.
الشيخ: عند العجز.
الطالب: عند العجز، والثانية: السُّنَّة.
الشيخ: النافلة.
الطالب: والثالثة إذا صلى الإمامُ جالسًا.
الشيخ: إذا صلى الإمام جالسًا فإن المأمومين يصلون جلوسًا، تمام.
هل يدخل في العجز مَن خَافَ؟
طالب: نعم، يدخل.
الشيخ: يدخل مَن خاف، تمام؛ لأنه وإن كان قادرًا على أن ينتصب لكن يخاف على نفسه، فإن شئتم أضيفوا هذه، اجعلوها قسمًا مستقلًّا، فيكون المستثنى أربعة، وإن شئتم اجعلوها مع العجز.
ما هو الدليل على وجوب الطمأنينة، على أنها ركن؟
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم؟
طالب: قول الأعرابي (
…
) صَلُّوا واطمئنوا.
الشيخ: ما قال: صَلُّوا واطمئنوا، هكذا.
طالب: بالمعنى.
الشيخ: بالمعنى؟ يعني أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر الرجل الذي لم يُحْسِن صلاته أن يطمئن.
لو قال قائل: ما الدليل على أنه ركن؟ نقول: لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: «إِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» .
الترتيب معناه؟
طالب: الترتيب معناه أن يجعل كل ركن بعد الذي (
…
) في الصلاة.
الشيخ: نعم، أي: يجعل كل ركن في محله، فالسجود مثلًا بعد القيام من الركوع، وهكذا، ما هو الدليل؟
طالب: فعله صلى الله عليه وسلم (
…
).
الشيخ: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى مرتِّبًا وقال؟
الطالب: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» .
الشيخ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» .
(التسليم) هذه لم نشرحها.
التسليم يعني قول: السلام عليكم، هذا الواجب.
ورحمة الله، هذا سنة.
وبركاته، قيل: إنها سنة، وقيل: الأَوْلَى حَذْفُها، وهو مبني على صحة الحديث في هذا؛ فمن صحح الحديث قال: إنها سنة. ومن لم يصحح الحديث قال: الأَوْلَى تركها.
وهذا هو المشهور من مذهبنا -مذهب الحنابلة- أن الأَوْلَى أن لا تزاد، بل يقال: السلام عليكم ورحمة الله.
كلمة التسليم (أل) هنا للعهد، يعني التسليم المعهود، فما هو التسليم المعهود؟
هو تسليمتان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسلِّم عن يمينه وعن يساره، استفاض ذلك عنه، فيكون المراد بالتسليم هنا التسليمتين، وتكون (أل) أيش؟
طالب: للعهد.
الشيخ: للعهد، أيُّ العهود؟
الطالب: الذهني.
الشيخ: الذهني، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء؛ التسليمة الأولى لا أعلم فيها خلافًا، أنه لا بد منها، إلا مَن شَذَّ، التسليمة الثانية قيل: إنها واجبة، وقيل: إنها سنة، والأظهر أنها واجبة، أنها من جنس الأولى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (21).
فيُحْمَل هذا المعهود على ما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعله، ونقول: لا بد من التسليمتين.
وقد قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم الصلاة بالتسليم (22)، فلا بد من التسليمتين عن اليمين وعن اليسار.
ثم قال: (وواجباتها) أي: واجبات الصلاة .. إلى آخره.
والجامع بين الواجب والركن أن كليهما إذا تَعَمَّدَ الإنسان تركه بطلت به الصلاة، هذا الاجتماع.
ويفترقان في أن ترك الواجب سهوًا يَجْبُرُه سجود السهو، وأما الأركان فلا بد منها، ولا تسقط بالسهو، كما سيُذْكَر إن شاء الله في باب سجود السهو.
فصارت الأركان والواجبات تجتمع في شيء وتفترق في شيء؛ تجتمع في إيه؟
طالب: في أنَّ مَنْ تعمَّد تركها ..
الشيخ: في أن مَنْ تعمَّد تركها بطلت صلاته.
وتختلفان في أن الواجبات إذا تركها سهوًا جَبَرَها سجود السهو، وأما الأركان فلا بد من فعلها.
(التكبير غير التحريمة)؛ لأن التحريمة ركن، فتكبيرات الانتقال كلها واجبة، إذا تعمد تركها بطلت صلاته، وإن نسيها وجب عليه سجود السهو.
يُسْتَثْنَى من ذلك إذا أدرك الإمامَ راكعًا فإنه يُكَبِّر تكبيرة الإحرام قائمًا، ثم يهوي إلى الركوع، لكن تكبيره عند الهوي سُنَّة، وليس بواجب.
وعلَّلُوا ذلك بأنه اجتمعت عبادتان من جنس، فسقطت إحداهما بالأخرى، العبادتان هما؟
تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الركوع.
لكن هذا التعليل عليل في الواقع؛ لأن تكبيرة الإحرام محلها الوقوف، وتكبيرة الركوع محلها الْهُوِيّ، ولهذا لم يَسْتَثْنِ بعض العلماء هذه المسألة، وقال بعض أهل العلم -وهم كثير-: إن جميع التكبيرات سُنَّة وليست بواجبة.
ولكن القول الأول أصح؛ أن جميع التكبيرات واجبة، ولا بد منها؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على التكبيرات كلما خفض وكلما ركع.
الثالث: (التسميع والتحميد)، التسميع للإمام والمنفرد، والتحميد للإمام والمنفرد والمأموم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا قَالَ» ، يعني الإمام:«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» (23).
التسميع هو أن يقول: سمع الله لمن حمده.
والتحميد أن يقول: ربنا ولك الحمد.
وقد سبق في باب صفة الصلاة كيفية التحميد، وأن له أربعة أوجه.
(وتسبيحتا الركوع والسجود)، يعني قول: سبحان ربي العظيم، في الركوع، وسبحان ربي الأعلى، في السجود، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:«أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ» (24)، وقال حين نزلت سبحان ربي العظيم:«اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» (25)، وقال في {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» (25).
قال: (وسؤال المغفرة مرة مرة)، متى؟ في الجلوس بين السجدتين، يقول: رب اغفر لي، الواجب مرة.
قال: (ويُسَنُّ ثلاثًا)، يعني أن يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي؛ لأنه ثبت ذلك من حديث حذيفة رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، ويقاس عليه الفرض.
(والتشهد الأول وجلسته)، التشهد الأول سبق أنه ينتهي بقوله:(وأن محمدًا عبده ورسوله)، دليل ذلك حديث عبد الله بن مسعود: كنا نقول قبل أن يُفْرَضَ علينا التشهد.
فإن قال قائل: هذا يقتضي أن يكون التشهد الأول ركنًا؟
فجوابه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نسيه لم يَعُدْ إليه، وإنما جَبَرَه بسجود السهو، فدل ذلك على أنه واجب يُجْبَر بسجود السهو.
(وجلسته)، هل يمكن يتشهد وهو غير جالس؟
طالب: ما يمكن.
الشيخ: يمكن، يتشهد قبل أن يقوم من السجود، أو إذا قام، إذا وقف قائمًا، فلو جلس للتشهد ولكن نسي يجب عليه سجود السهو.
(وما عدا الشرائط)، الشرائط: جمع شريطة.
ولو قال: وما عدا الشروط، لكان أوضح وأَبْيَن.
(وما عدا الشرائط والأركان والواجبات المذكورة سُنَّة)؛ لدخولها في عموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» .
(فمن ترك شرطًا لغير عذر غير النية فإنها لا تسقط بحال)، إلى آخره.
قوله: (غير النية) مستثنى من قوله: (لغير عذر).
يعني: مَنْ ترك شرطًا من الشروط لعذر فإن صلاته صحيحة إلا النية فإنها لا تسقط، لماذا؟
لأنه لا يتصور العجز عنها؛ إذ إن محلها القلب، ولا يتصور الإنسان يعجز عنها إلا إذا كان مُغْمًى عليه، والْمُغْمَى عليه ليس عليه صلاة.
من ترك شرطًا لغير عذر، ولعذر؟ أجيبوا!
طالب: يسقط.
الشيخ: يسقط، فلو لم يجد ماءً ولا ترابًا لقلنا: صَلِّ على حسب حالك، ولو لم يجد ثوبًا قلنا: صَلِّ عريانًا، ولو لم يستطع استقبال القبلة قلنا: صَلِّ حيث كان وجهك، المهم أن الشروط تسقط بأيش؟ بالعذر.
قال: (غير النية فإنها لا تسقط بحال)، لماذا؟ لأن النية محلها القلب، ولا يتصور العجز عنها.
ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلماء أن الإنسان إذا عجز عن الأفعال والأقوال لزمه أن يصلي بالنية؛ لأن الأقوال والأفعال مقرونة بالنية، يعني هي قول بنية، فعل بنية، إذا عجز عن القول أو الفعل وجبت النية، خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: إن مَن عَجَزَ عن الصلاة بأقواله وأفعاله سقطت عنه.
وهذا مما يستغرب عليه رحمه الله، لكن شبهته أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعمران بن الحصين:«فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جُنُبٍ» ، ولم يقل: فإن لم تستطع فبالنية.
فرأى رحمه الله أن مَن عجز عن أقوال الصلاة وأفعالها فإنها تسقط عنه.
ولكن القول الراجح في هذه المسألة أنه ما دام يعقل النية يجب عليه أن يصلي بالنية؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} .
(أو تعمَّد ترك ركن أو واجب)، يعني: أو ترك واجب.
(بطلت صلاته)، أفهمتم؟ من صلى إلى غير القبلة بلا عذر؟
طلبة: بطلت صلاته.
الشيخ: بطلت صلاته، من ترك الركوع بلا عذر؟
طلبة: بطلت صلاته.
الشيخ: بطلت صلاته، وهكذا بقية الأركان، من تعمد ترك التسبيح في الركوع والسجود بطلت صلاته.
هذه هي القاعدة، ويأتي إن شاء الله ذكر البواقي.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، قلنا فيما سبق: إن الشرط لغةً هو العلامة، لكن -أحسن الله إليك- اللي يشكل عليَّ أن صاحب القاموس ذكر أن الشرط جمعه شروط.
الشيخ: نعم.
طالب: وهو في اللغة: إلزام شيء والتزامه.
الشيخ: نعم.
طالب: لكن الشَّرَط بالفتح هو الذي يكون بمعنى العلامة؛ لأن جمعه أشراط.
الشيخ: إي، المعروف هو ما قلنا: إن الشرط يعني العلامة، والشَّرَط العلامة أيضًا.
لقوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18].
أما ما ذُكِرَ أنه التزام شيء بشيء فهذا نعم هو من الشروط، ومنه الشروط في البيع، الشروط في النكاح.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، القراءة بعد الفاتحة هل هي من الواجب أو من السنة؟
الشيخ: لا، من السنن، كل ما عدا ما ذُكِرَ فهو من السنة.
طالب: وفي الركعة الثالثة والرابعة، هل يقرأ؟
الشيخ: عاد هذه مسألة ثانية، مرت علينا فيما سبق.
طالب: قلنا: إن التكبير واجب.
الشيخ: نعم.
طالب: (
…
) عثمان بن عفان ومعاوية تَرَكَا التكبير في أيام خلافة عثمان؟
الشيخ: نعم، أولًا: هذا نطالب بصحة النقل، هذه واحدة.
طالب: (
…
).
الشيخ: فإذا صح ذلك، فالمراد أنهما تَرَكَا الجهر به، لا التكبير، مثل حديث أنس: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، لا في أول قراءة ولا في آخرها (26).
قال العلماء -وهو في صحيح مسلم-: لا يذكرون، يعني لا يجهرون بها.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، الصلاة فيها تذلُّل ما يكون في غيرها من العبادات، وهو الخضوع والركوع والسجود؛ لأن الإنسان لو يقتل (
…
) يضرب (
…
) باستطاعته، ما يسجد لغير الله، أقول لك: تذلُّل يا شيخ، إن فيها تذلُّلًا ما يذكر في غيرها من العبادات.
الشيخ: نعم.
طالب: وبعض الناس يبدأ يتصور إنه ملحد ويسجد للمرايا.
الشيخ: يتصور أيش؟
طالب: أقول: يتصور الملحد إنها مثل الصلاة، والزكاة، والصيام مثل الزكاة، مثل الصلاة، والصلاة لها خصوصيات ما توجد في عبادة غيرها.
الشيخ: إي، ما فيه شك، لكن الذين قالوا: إنه يكفر بترك الحج والزكاة والصيام، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» (27)، والمبني عليه إذا انهار انهار البناء، وهذه رواية عن أحمد رحمه الله أن الإنسان يكفر إذا ترك أي ركن من أركان الإسلام.
لكن الصحيح أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة.
طالب: أحسن الله إليكم، ما هو وجه قولنا: ترك التسبيح في صلاة أنه يسجد السهو في صلاته؟
الشيخ: يجب سجود السهو؟ أليس التسبيح في الركوع والسجود واجبًا؟ أجب.
الطالب: بلى يا شيخ.
الشيخ: بلى؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب.
الطالب: أقصد ..
الشيخ: أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما ترك الواجب وهو التشهد الأول سجد للسهو؟ بلى، ما الفرق؟
الطالب: (
…
) يا شيخ، يقولون: إن ..
الشيخ: ما الفرق؟
الطالب: لا يفرق يا شيخ.
الشيخ: لا فرق، الحمد لله. هذا ما كنا نبغي.
طالب: (
…
) الذين يرون أن التسبيح في الركوع أنه مستحب أو ..
الشيخ: إي فيهم، نعم، فيه من يقول: جميع التكبيرات التي (
…
) كلها مستحبة.
طالب: (
…
).
الشيخ: التسبيح مستحب، سؤال المغفرة مستحب، فيه من يقول بهذا، هؤلاء لا يقولون بوجوب سجود السهو إذا تركها الإنسان ناسيًا، إي نعم، وأظن المالكية من هؤلاء.
طالب: (
…
).
الشيخ: المالكية -سبحان الله العظيم- لهم قواعد وأصول في المعاملات ليس لها نظير، يعني مذهب مالك في المعاملات هو أقعد المذاهب وأحسنها، أما في غيرها فهو كغيره، يعني يكون الصواب ويكون الخطأ.
لكن يجب علينا أن نعتقد أن مثل هؤلاء الأئمة مجتهدون، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر.
المهم أن الصواب أن التكبيرات والتسميع والتحميد، والتسبيح، وسؤال المغفرة أنه واجب.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، ذكرت أن الإمام إذا سلَّم ينوي بذلك الخروج عن الصلاة ..
الشيخ: أيش؟
طالب: أن الإمام إذا سلم ينوي بذلك الخروج عن الصلاة، وينوي بذلك السلام على مَن خلفه؟
الشيخ: نعم.
طالب: فمن أين الرد يا شيخ، إذا كان السلام على من خلفه؟
الشيخ: نعم.
طالب: يعني المأموين، فيقال ..
الشيخ: هذا يقال: سقط الرد؛ لأنه لم يثبت في السنة.
***
الطالب: .. سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى- في باب صفة الصلاة: ومن ترك شرطًا بغير عذر غير النية فإنها لا تسقط بحال، أو تعمد ترك ركن أو واجب بطلت صلاته، بخلاف الباقي، وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال لا يشرع السجود لتركه، وإن سجد فلا بأس.
الشيخ: نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
سبق لنا ذكر الأركان والواجبات، فما الفرق بين الأركان والواجبات؟
طالب: أن الواجبات تُجبَر، والأركان والواجبات لو تركها عمدًا بطلت الصلاة.
الشيخ: يعني تتفق الواجبات والأركان أنه لو تركها عمدًا بطلت الصلاة، وتختلف؟
طالب: الواجبات تُجْبَر بسجود السهو.
الشيخ: أنه لو تركها ناسيًا تُجْبَر بسجود السهو، والأركان لا بد من الإتيان بها، تمام.
بقي أن يقال: ذكرتم وجوب التكبير والتسميع والتحميد، ذكرتم له دليلًا، فما هو الدليل؟
وجوب التكبير؟
طالب: قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» .
الشيخ: قوله: «إِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ، هذا وجه.
ثانيًا: محافظة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك مع قوله: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» يدل على الوجوب.
فإن قال قائل: المحافظة على الشيء لا تدل على وجوبه، أليس الرسول صلى الله عليه وسلم يحافظ على قراءة (سبح) و (الغاشية) أو (الجمعة) و (المنافقون) في صلاة الجمعة؟
قلنا: بلى، لكن هذه يمنع القول بالوجوب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ، ولو قلنا بوجوبهما في صلاة الجمعة لكان: ولا جمعة لِمَنْ لم يقرأ بهذه السور الأربع.
قال رحمه الله تعالى: (وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال لا يُشْرَع السجود لتركه، وإن سجد فلا بأس).
السنن، هل يُشْرَع السجود لتركها؟ وهل يُشْرَع السجود لزيادتها؟ من أمرين.
نقول: أما السجود لتركها فالمؤلف يرى أنه لا يُشْرَع السجود، ولكن لو سجد فلا بأس، لو نسي أن يرفع يديه عند الركوع؟ هذا تَرْك سنة، فعلية ولا قولية؟
طلبة: فعلية.
الشيخ: نعم، لو نسي أن يستفتح قبل الفاتحة، هذا؟
طلبة: قولية.
الشيخ: ترك سنة قولية، هل يُشْرَع له السجود؟
يقول المؤلف: إنه لا يُشْرَع، أما هل يجب أو لا يجب، نقول: لا يجب، لا إشكال في هذا؛ لأن الإنسان لو تَعَمَّد تركه لم تبطل صلاته، لكن هل يُشْرَع ونقول: اسجد؟
المؤلف يقول: إنه غير مشروع، وإن سجد فلا بأس.
وهذا محل إشكال؛ لأنه كيف نقول: إنه غير مشروع، ثم نقول: إن سجد فلا بأس؟
إذ إننا نقول: إذا كان السجود غير مشروع صار زيادة في الصلاة يوجِب إبطالها، فكيف يقال: وإن سجد فلا بأس؟
فالجواب أن يقول: إنما قال هذا؛ لأن من العلماء من يقول: إنه يُشْرَع السجود لتركه، وهذا القول هو الراجح، أنه إذا تركه غير متعمد وكان من عادته أن يفعله ونسي فإنه يسجد له.
أما إذا تعمد الترك فلا يسجد، وإذا لم يكن من عادته أن يفعله فلا يسجد.