المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

طالب آخر: هي ممنوعة هنا. الشيخ: هي ممنوعة هنا. الطالب: ما يصرفها - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: طالب آخر: هي ممنوعة هنا. الشيخ: هي ممنوعة هنا. الطالب: ما يصرفها

طالب آخر: هي ممنوعة هنا.

الشيخ: هي ممنوعة هنا.

الطالب: ما يصرفها الصيدلي إلا بروشتة طبيب، عندنا حالات في البحرين إذا شرب قارورتين -يا شيخ- يصير كأنه شرب قارورة خمر، فعلًا يا شيخ.

الشيخ: كيف؟

الطالب: إذا شرب قارورتين من حقة الكحة؛ الجميع؛ يعني: مرة واحدة يَسْكر، وليس سكر خمرٍ يا شيخ، سكر مخدِّر.

طالب آخر: يا شيخ، ما هو بسكر، أدوية الكحة تصيب الإنسان بالنوم شوي؛ لأنها منومة، ولكن ليس سكرًا.

الشيخ: نعم، أحسنت. السكر معناه: تغطية العقل على وجه اللذة والطرب، يكون الإنسان نشوان، فرحان، أما مجرد فقدان العقل أو الدوخة هذه ما هي بسكر.

الطالب: جزاكم الله خيرًا.

الشيخ: (

) متن؟

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المصنف رحمه الله تعالى:

[مدخل]

‌كتاب البيع

وهو مبادلةُ مالٍ ولو في الذمة، أو منفعة مباحة كممر في دار، بمثل أحدهما على التأبيد غير ربا وقرض.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: كتاب البيع، ذكره -أعني: كتاب البيع- بعد أن أنهى الكلام على العبادات، وذكرنا أن ترتيب الفقهاء رحمهم الله بدؤوا أولًا بماذا؟ بالعبادات، وأشرفها الصلاة، ومفتاحها الطهارة، فبدأوا بالطهارة، ثم بالبيع؛ لأن البيع يتوقف عليه أيش؟ مصالح البدن، وثم بعد ذلك بالنكاح؛ لأنه بعد أن يأكل الإنسان ويشرب ويتغذى يحتاج إلى نكاح، ثم بعد ذلك بالقصاص والدماء وغيرها.

المهم أن البيع جعلوه بعد العبادات؛ لأنه من ضروريات الحياة.

والبيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع والنظر الصحيح؛ يعني: أدلته أربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والنظر الصحيح.

أما الكتاب ففي قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].

ص: 626

وأما بالسنة فمثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا» (1)، والأحاديث في هذا كثيرة، مثل قوله:«لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» (2).

وأما الإجماع فمعلوم بالضرورة من دين الإسلام.

وأما النظر الصحيح فلأن الإنسان يحتاج إلى ما في يد غيره من متاع الدنيا، ولا وسيلة إلى ذلك إلا إما بالظلم وأخذه منه قهرًا، وإما بالبيع؛ فلهذا كان من الضروري أن يَحِلَّ البيع، فأحله الله عز وجل.

وفي حِلِّ البيع دليل على شمول الشريعة الإسلامية، وأنها ليست -كما قال أعداؤها- لا تُنَظِّم إلا المعاملات التي بين الخالق والمخلوق؛ بل هي تنظم المعاملات بين الخالق والمخلوق، وبين المخلوقين بعضهم مع بعض.

وتنظيمها للمعاملة بين المخلوقين بعضهم مع بعض من أهم الأمور؛ لأنه لولا ذلك لأكل الناس بعضهم بعضًا، واعتدى الناس بعضهم على بعض؛ فكان من الحكمة ومن مقتضى عدل الله عز وجل أن تُنظَّم المعاملات بين الخلق لئلَّا ترجع إلى أهوائهم وعدوانهم، ثم إن أطول آية في كتاب الله آية الدين، وهي في المعاملات بين الخلق، فكيف يقال: إن الشريعة الإسلامية هي تنظيم المعاملة بين الخالق والمخلوق؟ ولهذا قال رجل من المشركين لسلمان الفارسي: عَلَّمَكُمْ نبيُّكم حتى الخِرَاءة؟ قال: أجل (3)، الخِراءة يعني: آداب قضاء الحاجة.

في السنة آداب قضاء الحاجة، في القرآن آداب الجلوس:{إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا} [المجادلة: 11].

آداب الاستئذان، آداب الدخول:{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61].

فالشريعة والحمد لله شاملة لكل شيء، لكن من الأشياء ما تنص عليه الشريعة بعينه، ومن الأشياء ما يكون داخلًا تحت قاعدة عامة من قواعد الشريعة.

ص: 627

ولقد أخطأ من قال: إن النصوص لا تَفِي بعُشْر ما يحتاج الناس إليه، بل نقول: إن النصوص وافية بكل ما يحتاج الناس إليه، ولكن منه أشياء منصوص عليها، ومنه أشياء تدخل تحت القواعد العامة.

إذن حكم البيع الجواز بالكتاب والسنة والإجماع.

طلبة: والنظر الصحيح.

الشيخ: والنظر الصحيح. عندي يقول في الشرح -نشوف كلام المؤلف في الشرح-: (جائز بالإجماع لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275])، بعضهم يقول: إن هذا التعبير فيه نظر، والصواب أن يقال: جائز بالكتاب والسنة والإجماع، لكن المؤلف له وجهة نظر، أراد أن يبدأ بالإجماع، ثم يذكر مستنده؛ لأن الإجماع قاطع للنزاع، بخلاف النص، النص قد يكون فيه مدخل لمُؤَوِّل فلا يوافقك مَنِ استدللت عليه به على ما استدللت به عليه، لكن الإجماع قاطع للنزاع، ولكلٍّ وجهة؛ مَنْ قال: ابدأ بالكتاب والسنة والإجماع فله نظر؛ لأن الكتاب أقوى الأدلة ثم السنة ثم الإجماع، والإجماع لا بد أن يكون له مستند من الكتاب السنة، إما معلوم وإما خَفِيٌّ على بعض الناس، وإلا فلا يمكن أبدًا أن يوجد إجماع بلا مستند من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ثم قال: (وهو مبادلة مال ولو في الذمة) إلى آخره، (هو) الضمير يعود على البيع، وقوله:(مبادلة) إلى آخره هذا تعريف له بالاصطلاح، وله تعريف في اللغة، تعريفه في اللغة أعم من تعريفه في الاصطلاح، وهكذا جميع الكلمات والحقائق التي لها حقائق لغوية وحقائق شرعية، تجد أن الحقائق اللغوية أوسع من الحقائق الشرعية إلا في بعض الكلمات؛ مثلًا الإيمان في اللغة محله القلب؛ لأنه إقرار القلب بالشيء، لكن في الشرع أعم؛ يشمل قول اللسان وعمل الجوارح، بالإضافة إلى إقرار القلب، وهذا نادر، لكن فالأكثر أن تكون المعاني اللغوية أوسع من المعاني الشرعية.

ص: 628

إذن البيع في اللغة أعم من البيع شرعًا، فهو أَخْذ شيءٍ وإعطاء شيء، حتى ولو كان على سبيل العارية أو الوديعة، فإذا مددت إليك شيئًا أُعِيرُك إياه فهو بيع في اللغة؛ لأنه مأخوذ من الباع، إذ إن كل واحد من المتعاطيَيْنِ يمد باعه إلى الآخر.

لكن في الاصطلاح يقول: (مُبادَلَةُ مالٍ ولو في الذمة، أو منفعة مباحة كممرِّ دار بمثل أحدهما على التأبيد غير ربا وقرض).

انتبه للشروط، نعم، أولًا:(مُبَادَلَةُ مَالٍ) ما المراد بالمال هنا؟

المال: كل عين مباحة النفع بلا حاجة؛ هي المال، فيدخل في ذلك الذهب، والفضة، والبُرُّ، والشعير، والتمر، والملح، والسيارات، والأواني، والعَقارات، وغيرها؛ كل عَيْنٍ مباحة النفع بلا حاجة.

انتبه، فقولنا:(مباحَة النفع) معناه أنه لا بد أن يكون فيها نفع؛ فالعين التي لا نفع فيها لا تدخل في هذا التعريف، الأعيان التي ليست فيها نفع لا تدخل في هذا التعريف، وقولنا:(مباحَة النفع) خرج به محرمة النفع؛ كآلات الزمر، والمعازف، فهذه لا تسمى مالًا، أو لا تدخل في اسم المال هنا.

وقولنا: (بلا حاجة) احترازًا مما يباح نفعه للحاجة أو للضرورة، فمثلًا الميتة تباح لكن متى؟ للضرورة، جلد الميتة إذا دبغ يباح للحاجة، وأيضًا مقيد؛ ما يباح استعماله إلا في اليابسات على المشهور من المذهب.

إذن لا بد من هذا القيد: (عين مباحة النفع بلا حاجة).

كلب الصيد؟

عين مباحة النفع لكن لحاجة، ولهذا قُيِّدَت منفعته بقيد معين، فتبين الآن ما هو المال هنا؟ كل عين مباحة النفع بلا حاجة.

وقوله: (ولو في الذمة)، (لو) تدل على أن هناك شيئًا مقابلًا، قوله:(ولو في الذمة) تدل على أن هناك شيئًا مقابلًا لما في الذمة، وهو كذلك.

ص: 629

والذي يقابل ما في الذمة هو المعيَّن؛ يعني المعين أو في الذمة؛ يعني: قد يقع العقد على شيء معين، وقد يقع العقد على شيء في الذمة، ويظهر هذا بالمثال؛ فإذا قلت: بعتك هذا الكتاب بهذا الكتاب، الكتاب الثاني أمامي، هذا أيش؟

طلبة: معين.

الشيخ: معين بمعين ليس في الذمة.

وإذا قلت: بعتك هذا الكتاب بعشرة ريالات، هذا معين بأيش؟

طلبة: بما في الذمة.

الشيخ: بما في الذمة، حتى وإن كنت قلت: عشرة ريالات؛ لأن ما عينتها، في ذمتي.

إذن قوله: (ولو في الذمة) أفادنا أن المال الذي يقع العقد عليه يكون معينًا ويكون في الذمة؛ مثال المعين: هذا الكتاب بهذا الكتاب، في الذمة: هذا الكتاب بعشرة دراهم، واضح؟

طلبة: نعم.

الشيخ: طيب.

طالب: ما هو بواضح.

الشيخ: كيف ما هو بواضح؟

الطالب: معيَّن.

الشيخ: معين بما في الذمة.

الطالب: غير واضح.

الشيخ: بعتك هذا الكتاب بعشرة ريالات، أين العشرة؟

الطالب: موجودة أمامي.

الشيخ: لا، لا ما هي أمامك، بعتك هذا الكتاب بعشرة ريالات فقلت: آتي بالعصر عشرة ريالات مثلًا، أو هي في مخباتي أيضًا ولكن ما أخرجتها من مخباتي وقلت: هذه الدراهم، هذا معين بأيش؟ بما في الذمة.

وقوله: (ولو في الذمة) ربما يشمل ما في الذمة بما في الذمة، وهو كذلك أيضًا، فأقول مثلًا: اشتريت منك كيلو من السكر بعشرة ريالات، ثم ذهب البائع يزن لي السكر، وأنا أخرجت الدراهم من جيبي وأعطيتها إياه، هنا العقد وقع على أيش؟

طلبة: (

).

الشيخ: لا.

الطلبة: على معين.

الشيخ: لا، ما فيه معين.

الطلبة: على ما في الذمة بالذمة.

الشيخ: هذا، وقع العقد على شيء في الذمة بشيء في الذمة، ما فيه إشكال -سيارة؛ جملة معترضة يا إخوان- واضح يا جماعة؟ ما هو بواضح، اللهم بَيِّن، اشتريت منك كيلو سكر بعشرة ريالات، فذهبت أنت تزن لي السكر، وأنا ذهبت أبغي أخرج الدراهم من جيبي، العقد أول ما وقع على أيش؟

طلبة: على شيء في الذمة.

ص: 630

الشيخ: شيء في الذمة بشيء في الذمة، لكن لو أخرجت الدراهم العشرة وضعتها هنا على الماصة وأتيت أنت بالكيلو من السكر ووضعته على الماصة، وقلت: اشتريت منك هذا الكيلو بهذه الدراهم، صار معينًا بمعين، أما الأول نحن ما عيَنَّا الدراهم، ما قلت: هات هذه الدراهم، ولا قلت أنت: هذا الكيلو.

فصار الآن: معين بمعين، ومعين بما في الذمة، وبما في الذمة بما في الذمة، تمام؟

قال المؤلف: (أو منفعة مباحة كممرٍّ في دار)، (منفعة مباحة) يعني: مبادلة مال بمنفعة مباحة، مثاله: ممر في دار، كيف ممر في دار؟

هذا رجل له دار وله جار، دار وجار، الجار بينه وبين الشارع، فقال الآخر: أشتري منك ممرًّا في دارك إلى الشارع، قال: ما فيه مانع، اشترى منه الممر إلى الشارع بدراهم، فهذه يقال: إنها مبادلة مال بأيش؟ بمنفعة، فليس للجار الذي اشترى من جاره المنفعة ليس له إلا الاستطراق من داره عبر بيت جاره إلى الشارع، فلا يتصرف في هذا الممر، يعني: لو قال: أبغي أبلط الممر -يقول الذي يريد أن يعبر إلى الشارع- فلصاحب الدار أن يمنعه، ما هو ملكك، أنت لك الاستطراق فقط، والاستطراق هو منفعة، لك المنفعة، لك عليَّ ألا أحول بينك وبين الانتفاع، لا آتي يومًا من الأيام وأضع العراقيل أمامك، لا؛ لأنك تملك المنفعة، فهذه إذن مبادلة مال بمنفعة.

تبين الآن أن الذي يقع عليه العقد إما أعيان وإما منافع، والأعيان إما مشار إليها وإما في الذمة، أليس كذلك؟

وقول المؤلف: (منفعة مباحة) احترازًا من المنفعة غير المباحة؛ مثل لو اشترى منه الانتفاع بآلة عزف، قال: بع عليَّ الانتفاع بهذه الآلة، مثلًا الآلة تساوي مئة ريال، قال: أبغي أشتري بها الانتفاع فقط خمسين ريالًا. قال: بعت عليك، يجوز أو لا؟

طلبة: لا يجوز.

الشيخ: لا يجوز، لماذا؟ لأن المنفعة هنا محرمة، وكل عقد على محرم فهو باطل؛ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (4).

ص: 631

قال: (بمثل أحدهما) متعلق بـ (مبادلة)؛ يعني: أنْ يبادل المال ولو في الذمة أو المنفعة بمثل أحدهما.

طيب (بمثل أحدهما) تعطينا الآن صورًا متعددة؛ معين بمعين، معين بما في الذمة، ما في الذمة بما في الذمة.

وتأتي المنفعة الآن؛ منفعة بمال معين، منفعة بمالٍ في الذمة، منفعة بمنفعة.

ولهذا ذكر في الشرح أن هذا يشمل تِسْعَ صور، ولا نحب أن نطيل عليكم بها أخشى أن تتلخبطوا بعد، لكن على كل حال هذا الضابط، يعني: يقع العقد على ثلاثة أشياء:

مال معين، مال في الذمة، منفعة، أنت إذا ضربت بعضها ببعض، ثلاثة في ثلاثة: تسعة؛ لأن التبادل بين هذه الأشياء، فتأتي مثلًا الأول: بالمال المعين، يكون بمالٍ معين، بمال في الذمة، بمنفعة.

ثم نأتي بمال في الذمة يكون بمال معين، بمال في الذمة، بمنفعة.

ثم نأتي بالمنفعة ويكون منفعة بمال معين، بمال في الذمة، بمنفعة.

فالجميع الآن تسع صور، ونسأل الله ألا يلخبط رؤوسكم.

قد تقولون: ما دام فيه مبادلة، لماذا لا نجعلها ست صور؟

نقول: لأن ما دخلت عليه الباء فهو الثمن، وما وقع عليه الفعل فهو المثمَن؛ فإذا قلت: بعتك كتابًا بدرهم، الفعل وقع على كتاب، إذن هو المثمَن، بدرهم: الباء دخلت على (درهم) فهو الثمن، هذه القاعدة، فما وقع عليه الفعل فهو المثمَن، وما دخلت عليه الباء فهو الثمن.

يقول: (على التأبيد) انتبه، إلى الآن نحن الآن في شروط التعريف، لا بد أن يكون هذا التبادل على التأبيد احترازًا من الإجارة، الإجارة فيها مبادلة لا شك، استأجرت منك هذا البيت بمئة ريال، فأنا الآن استأجرت معينًا بما في الذمة، كذا ولَّا لا؟ ما يخالف، منفعة، أليس يجوز عقد البيع على المنفعة؟

طالب: بلى.

الشيخ: طيب، هذا لا نقول: إنه بيع، لماذا؟

طلبة: ليس على التأبيد.

الشيخ: لأنه ليس على التأبيد، فالبيع إذن لا بد أن يكون على التأبيد.

ص: 632

ولهذا لو قال قائل: بعتك هذه الدار لمدة سنة بألف ريال لم يصح هذا العقد على أنه بيع، لماذا؟ لأنه ليس على التأبيد.

وهل يصح على أنه إجارة؟ هذا ينبني على قاعدة معروفة عند الفقهاء: هل إذا وُصِف العقد بوصف على خلاف ما اتفق عليه، هل يُنزَّل على الوجه الصحيح؟ أو يلغى كله؟ فيه خلاف.

(غير ربا وقرض) الربا لا يُسَمَّى بيعًا وإن وُجِد فيه التبادل، فإذا أعطيتك درهمًا بدرهمين، قلت: هذا الدرهم بهذين الدرهمين، فهو أيش؟ مبادلة عين بعين، لكنه ليس ببيع، ما الذي أخرجه؟

أخرجه أن الله جعله قسيمًا للبيع. وقسيم الشيء ليس هو الشيء، {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ، وأيش؟ {وَحَرَّمَ الرِّبَا} ، إذن ليس الربا ببيع، وإلا لما صح التقسيم.

(وقرض) يعني: وغير قرض فلا يسمى بيعًا وإن وجدت فيه المبادلة.

يأتي الإنسان الغني لمن طلب منه القرض ويقول: خذ هذه الدراهم، أقرضتك إياها، الآن الدراهم معينة ولَّا غير معينة؟

طلبة: معينة.

الشيخ: والقرض؛ يعني: قدر القرض؟

طلبة: معين.

الشيخ: لا.

طالب: في الذمة.

الشيخ: في الذمة، فهو يشبه مبادلة عين بما في الذمة، لكنه لا يسمى بيعًا؛ لأنه لو كان بيعًا لبطل القرض في الأموال الربوية، لو كان القرض بيعًا لبطل القرض في الأموال الربوية، ظاهر ولَّا غير ظاهر؟

طلبة: ظاهر.

طلبة آخرون: غير ظاهر.

الشيخ: اللهم أَلْهِمَنا، لو بعت عليك درهمًا بدرهم لا أقبضه منك إلا بعد يومين، ربا ولا غير ربا؟

طلبة: ربا.

الشيخ: أقرضتك درهمًا قرضًا تبغي تعطيني إياه بعد يومين. جائز؟

طلبة: نعم.

الشيخ: إي نعم، إذن لو قلنا: إن القرض بيع ما صح القرض في الأموال الربوية؛ لأنه يؤدي إلى تأخير القبض بإقراض الشيء بجنسه، ومعلوم أن تأخير القبض في بيع الشيء بجنسه حرام، ربا.

إذا قال قائل: ما الذي أخرج القرض عن البيع، وهو مبادلة مال بمال؟

ص: 633

قلنا: أخرجه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ، هذا اللي أخرجه، فما الذي نواه المقرض لما أقرض طالبَ القرض، هل نوى المعاوضة والاتجار؟ أو نوى الإرفاق؟

طلبة: الثاني.

الشيخ: نعم، الثاني لا شك، هو نوى الإرفاق، ومن أجل أنه نوى الإحسان صار مقابلًا لنية المرابي؛ لأن الأصل في الربا هو الظلم كما قال تعالى:{لَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279]، فصار القرض على نقيض مقصود أيش؟ الربا؛ إذ إن المقصود منه الإرفاق، فلذلك خرج عن كونه بيعًا.

إذن ما الدليل على خروج القرض من البيع؟

قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (5)، وذلك أن المقرِض والمستقرض لم ينو أحد منهما المعاوضة، إنما قصدُ المقرِض الإرفاق، وقصدُ المستقرضِ سدُّ حاجته؛ ولهذا صار القرض ليس بيعًا، وقلت لكم: إننا لو جعلنا القرض بيعًا لبطل القرض في جميع الربويات بجنسها.

طالب: قلت: إن الفرق بين الإجارة و .. ؟

الشيخ: لا، (

) وقع عليها العقد.

طالب: أموال يا شيخ (

).

الشيخ: هذه عاد مسألة سيأتينا إن شاء الله تعالى، هل تتعين النقود بالتعيين بالعقد أو لا؟

المذهب أنها تتعين بالعقد، عرفت؟

فإذا قلنا بالقول الثاني: لا تتعين جئنا بشيء أخر؛ أنه كتاب بكتاب، وهذا يتعين بالاتفاق، عرفت ولَّا لا؟

طالب: شيخ -بارك الله فيك- ما ذنب الذي جعل في ذمته شيئًا؛ قال: سأعطيك هذا البيت، أو هذا الدكان بإيجار سنة أو البيت، ولكن في ذمته، يعني: أخذ قال: المال في ذمتي، يلزمه (

) يكاتبه؟ يلزمه الكتابة؟ ولَّا ممكن في الذمة؟

الشيخ: لا، لا بد من الكتابة بينهما؛ لئلا ينسى أحدهما أو يموت.

الطالب: يعني: يكون فيه شيء إذا قال له.

الشيخ: لا بد من شهود أو كتابة.

ص: 634

الطالب: إذا لم يجد؛ يعني: إذا لم يفعل ذلك؟

الشيخ: يأخذ رهنًا، عَجَل يسلطه على بيته أو على دكانه ثم غدًا ينكر أو ينسى! الأخ البارح قال: إن في قول الرسول: «ثُمَّ أنْطَلِقَ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» (6)، قال: يُسْتَدَلُّ بهذا على جواز مداهمة المجرمين، وإحراق بيوتهم، فما رأيكم بهذا الاستدلال أو هذا الاستنباط؟

طلبة: ما يُسْتَدل به؟

طالب: يستدل على جواز الهمِّ.

طالب آخر: يرد من الحديث بوجوه.

الشيخ: إي.

الطالب: منها أن النبي عليه الصلاة والسلام هو الحاكم والسلطة العليا، هذا وجه. الوجه الثاني ..

الشيخ: إي ما يخالف، هو يقول: أنا أريد مداهمة السلطة العليا أو نائب السلطة العليا، ما هو يبغي الناس يهجم بعضهم على بعض.

الطالب: النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل.

الشيخ: هذا واحد.

طالب: شيخ، الهم هو وسط بين التردد والفعل؛ قال الشاعر:

هَمَمْتُ وَلَمْ أفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَنِي

تَرَكْتُ عَلَى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلائِلُه

وهو لم يفعل؛ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «همَمْتُ» ، ولكنه لم يفعل.

الشيخ: أنت عندك عينًا.

الطالب: همَّ يا شيخ مو (

).

الشيخ: يعني -كما قال الأخوان- يعني: همَّ ولم يفعل.

ولقائل يقول: ربما منعه من ذلك عدم المداهمة، ألا يداهم، وألا يحرق، فليس فيه دليل، لكن الدليل أنه إذا قويت القرائن في تهمة بيت ما فلولي الأمر أن يبحث ويتحقق ولو بمداهمته، لكن لا نجعل كل إنسان يتهم شخصًا يداهم، هذه ما يمكن، تكون المسألة فوضى.

طالب: (

) الثانية أو الثالثة؟

الشيخ: الثانية هي؟

الطالب: وهي إحراق محل المنكر مثل (

)، إحراقها؛ يعني: يجوز حرقها (

) قول.

الشيخ: الإخوان يقولون: هَمَّ ولم يفعل.

الطالب: (

) قول.

الشيخ: إي نعم.

ص: 635

الطالب: هل يمكن أن تعيد لنا الدرس الماضي من البيوع؟ كثير من الطلبة، كلمتهم يعني، أنا عن نفسي لم أفهم، وبعضهم كذلك.

الشيخ: ما فهمت شيء أبدًا؟

الطالب: لا؛ يعني: لم تتضح لنا الأمور كما في الأول؛ كالدروس الماضية.

الشيخ: إي؛ لأن المعاملات أصلًا ما هي مثل العبادات، العبادات يمارسها الإنسان دائمًا.

الطالب: ربما لأجل هذا.

الشيخ: فهو فاهم من قبل.

طالب: (

).

الشيخ: أيوه، إي صحيح، نشوف اللي عندك.

طالب: إلى الفصل يا شيخ.

الشيخ: إلى: (فصل: ومَنْ جامع).

أولًا: هل فهمتم البيع؟ لغة واصطلاحًا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: فهمتموه؟

الطلبة: نعم.

الشيخ: هذه واحدة. ثانيًا: هل فهمتم أنه جائز بالكتاب والسنة والإجماع والنظر؟

طلبة: نعم.

الشيخ: طيب، ثالثًا: هل فهمتم أن له صورًا متعددة؟

الطلبة: نعم.

الشيخ: ويش بقي؟

طالب: القرض يا شيخ قلت: إنه ليس ببيع.

الشيخ: هذا التعريف الآن؛ تقول: عرفت التعريف؛ (مُبادَلَة مال ولو في الذمة أو منفعة مباحة كممرٍّ في دار بمثل أحدهما على التأبيد غيرَ ربًا وقرض)، تقول: عرفنا التعريف، واضح؟

طالب: إي، مسألة القرض.

الشيخ: زين، هل عرفتم من قوله:(على التأبيد) أنه يخرج الإجارة؟ لأنها ليست على التأبيد، مؤجلة بأجل معين.

هل فهمتم (غَيْرَ رِبًا) أن الربا ليس من البيع، وإن كان صورته صورة بيع؟

طلبة: نعم.

الشيخ: لأن الله جعله قسيمًا للبيع. وقسيم الشيء غير الشيء.

هل فهمتم أن القرض ليس ببيع؟

طلبة: لا، هذا يا شيخ أنا ما فهمته.

الشيخ: لا إله إلا الله، القرض غير بيع؛ ليس ببيع.

طالب: لكن كيف يا شيخ؟

الشيخ: أقرضتك درهمًا، وأعطيتني بعد شهر درهمًا وفاءً، ما هو هذا القرض؟

طلبة: بلى.

الشيخ: هذا القرض، هذا حقيقة القرض، تجيء للإنسان تقول: سلفني ريالًا قال: خذ، وتوفيه بعد شهر، هذا القرض. لو كان هذا بيعًا ما صحَّ، لماذا؟

ص: 636

لأنه لا يجوز بيع درهم بدرهم مع تأخير القبض، ولولا إخراج القرض من تعريف البيع ما صحَّ قرض أبدًا، واضح؟

طلبة: واضح.

الشيخ: إلا إذا كان القرض في غير الربويات، إذا كان في غير الربويات لا بأس؛ يعني: لو قلنا: إن القرض بيعٌ ما صحَّ قرض أبدًا في الربويات؛ لأنه يستلزم تأخير التقابض من الطرفين، واضح؟

إذا قيل: ما الذي أخرجه عن البيع؟

قلنا: لأن المقصود به الإرفاق، ما قصْده المعاوضة أبدًا؛ قصده الإحسان إلى أخيه الذي جاء يسأله القرض، أو يعرف حاله وأقرضه. فيه إشكال الآن؟

طالب: لا. هذا الأخير هذا.

الشيخ: هل فيه إشكال الآن ولَّا لا؟

الطالب: لا.

الشيخ: الحمد لله.

طالب: لو أنه في غير الضروريات ممكن نسميه بيعًا؟

الشيخ: يمكن قرضًا.

الطالب: المحروز عن القرض.

الشيخ: قرض؛ الرسول اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وردَّ خيرًا منه (7).

أما مسألة الصور فأنا قلت لكم أمس في الدرس الماضي: لا أحب أن نشرحها ونتكلف شرحها؛ لأن فائدتها قليلة من جهة، ولأنها ربما تمسح جميع ما فهمتم من الدرس، والفائدة فيها قليلة.

والإنسان إذا عرف عندنا ثلاثة أشياء مال معين، ومال في الذمة، ومنفعة، وأن البيع التبادل بين هذه الأشياء، إذا عرف ذلك عرف أن الصور لا بد أن تكون تسع صور؛ من ضرب ثلاثة في ثلاثة.

***

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وينعقد بإيجاب وقَبول)، (ينعقد) أي: البيع، والانعقاد ضد الانحلال، والعقد بمعنى الإحكام وربط الشيء بعضه ببعض؛ تقول: عقدت الحبل أي: ربطت بعضه ببعض، وكلمة:(ينعقد) وصف لجميع العقود؛ سواء: البيع، الإجارة، الرهن، الوقف، كلها يقال فيها:(ينعقد)؛ لأنها ربط وإحكام وشدٍّ.

ص: 637

(ينعقد بإيجاب وقَبول)، الإيجاب: هو اللفظ الصادر من البائع، والقبول: هو اللفظ الصادر من المشتري؛ فالإيجاب: هو اللفظ الصادر من البائع أو مَنْ يقوم مقامه، والقبول: هو اللفظ الصادر من المشتري أو من يقوم مقامه، والحقيقة أني قلت:(أو مَنْ يقوم مقامه) من باب التوضيح فقط، وإلا فمن يقوم مقام البائع يسمى بائعًا، فالوكيل مثلًا بائع، وكذلك مَنْ يقوم مقام المشتري.

(بإيجاب وقَبول) لكن اشترط المؤلف أن يكون القبول بعده؛ لأنه فرعٌ عنه بحيث يقول: بِعتُك هذا، فيقول: قَبِلْتُ، فلو تقدم وقال: قبلت ثم قال الثاني: بعت، فإنه لا يصح؛ لأن القبول فرع الإيجاب، (وقبول بعده)، ولم يذكر المؤلف صيغة معينة للبيع، يعني ما قال: لا بد أن يكون بلفظ البيع، فدلَّ هذا على أنه ينعقد بما دل عليه، مثل أن يقول: بعتك هذا الشيء، أعطيتك هذا الشيء، ملكتك هذا الشيء، فالمهم أنه ليس هناك لفظ معين للبيع، أي لفظ يدل عليه فإنه ينعقد به.

وهل هذا شامل لجميع العقود؟ فيه خلاف؛ فمن العلماء مَنِ اشترط لبعض العقود ألفاظًا معينة وقال: لا بد من الإتيان بها، كالنكاح مثلًا قال: لا بد أن يقول: زوجتك وبعدها يقول: قبلت.

ومنهم من قال: جميع العقود تنعقد بما دل عليها عُرْفًا، وهذا القول هو الراجح، وهو المتعين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن المعاملات ليست عبادات يتقيَّد الإنسان فيها بما وَرَد، بل هي معاملات بين الناس، فما عدَّه الناس بيعًا فهو بيع، وما عدُّوه رهنًا فهو رهن، وما عدُّوه وقفًا فهو وقف، وما عدُّوه نكاحًا فهو نكاح.

فالصواب أن جميع العقود ليس لها صيغ معينة، بل تنعقد بماذا؟ بما دلَّ عليها، ولا يمكن لإنسان أن يأتي بفارق بين البيع وبين غيره، أبدًا.

ص: 638

إذا قالوا مثلًا: النكاح ذكره الله بلفظ النكاح، قلنا: والبيع ذكره الله بأيش؟ بلفظ البيع، فهل تقولون: إنه لا بد أن تقول: بعت؟ يقولون: لا، ما هو شرطًا، إذن (ينعقد) بكل لفظ دل عليه عرفًا (بإيجاب وقبول بعده).

قال: (وقبلَه)، (قبلَه): يعني: ويصح أيضًا بقبولٍ قبلَه، لكن في صور معينة، هذه الصور لا بد أن تكون دالة على العقد؛ مثل: يقول: بعني كذا بعشرة، فيقول البائع: بعتك، انتهى الآن، مع أن القَبول أو ما يدل على القبول قد سبق الإيجاب، لكننا قعَّدنا قاعدة أنه ينعقد بما دلَّ عليه.

لو قال: أتبيعني كذا بكذا؟ فقال: بعتك، هل ينعقد؟ لا، يستفهم الآن، هو يستفهم الآن؛ أتبيعني؟

فإذا قال: بعتك، يقول: قبلت؛ ولهذا عندنا: (بلفظ أمرٍ أو ماضٍ مجرد عن استفهام ونحوه؛ لأن المعنى حاصل به).

لو قال: اشتريت منك كذا بكذا، فقال: بعتك.

طلبة: ينعقد.

الشيخ: لماذا؟ لأنه دلَّ عليه، القبول الآن -وإن سبق- فهو دالٌّ على أن الرجل قابل، فصار الآن ينعقد إذا تقدَّم القبول على الإيجاب بشرط أن يكون دالًا عليه؛ على القبول.

أما إذا كان لم يدل كمضارع يستفهم هل تبيعني كذا؟ أو: أتبيعني كذا؟ أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يعتبر قبولًا مرضيًّا.

قال: (مُتَرَاخِيًا عنه في مجلِسه)، (مُتَراخِيًا) هذا حال من القبول؛ يعني أن القبول يجوز أن يكون عقِيب الإيجاب، ويجوز أن يكون متراخيًا عنه؛ أما كونه جائزًا عقِيب الإيجاب فالأمر واضح، قال: بعتك هذا بعشرة، قال: قبلت، القبول هنا أعقب الإيجاب، وهذا لا إشكال فيه.

ص: 639

يجوز أن يتراخى عن الإيجاب؛ فيقول: بعتك هذا بعشرة، ثم يسكت المشتري، يفكر؛ لأن الإنسان قَبْلَ أن يُباع عليه الشيء يجد في نفسه رغبة فيه؛ فإذا قال: بعتك، ربما يتريَّث وتزول هذه الرغبة، وأحب شيء إلى الإنسان ما مُنِعَ، ولهذا تجد الصيادين الذين يصيدون الطيور قبل أن يَرْمِي الطير ومعه شفقة عظيمة على هذا الطير، فإذا رماه وسقط على الأرض صار لا يساوي شيئًا عنده.

وهذه السلع في يد البائع؛ إذا قال: هل تبيع عليَّ هذا بعشرة؟ قال: نعم، أبيعه عليك بعشرة، فهنا لو تأخَّر القبول فلا بأس.

لكن يقول: إذا تراخى عنه لا بد من شروط؛ أنْ يكون في مجلسه، وألا يتشاغلا بما يقطعه؛ أما كونه في المجلس فهو احتراز مما لو كان في غير المجلس، بأن قال: بعتك هذه السلعة بعشرة ثم تفرقا ثم رجع، وقال: قبلت فهذا لا يصح هذا القبول، لماذا؟ لتغير المجلس، كذلك لو تشاغلا بما يقطعه، قال: بعتك هذه السيارة بثلاثين ألفًا -ما يخالف، ننوع- فقال: مررت اليوم بالكلية، ووجدت فلانًا ناجحًا، وفلانًا مكمِّلًا، وفلانًا حاملًا، وفلانًا راسبًا، ويش تقول؟ والله أنا ساءني هذه النتيجة، قال: هذه النتيجة ما هي طيبة، ثم قال: قبلت، يصحُّ ولَّا ما يصح؟

طلبة: ما يصح.

الشيخ: ليش؟

الطلبة: تشاغلا.

الشيخ: تشاغلا بما يقطعه، إذن لا بد لصحة هذا العقد من أن يعيد البائع الإيجاب حتى يكون القبول عقبه.

يشترط أيضًا في القبول، الآن فهمنا أنه يشترط في القبول أن يكون بعد الإيجاب إلا ما استُثني؛ يشترط أن يكون عَقِبَ الإيجاب أو متراخيًا عنه بشرط أيش؟ أن يكون في المجلس، وألا يتشاغلا بما يقطعه.

الشرط الثالث: أن يطابق القبول الإيجاب؛ فلو قال: بعتك شرح ابن عقيل بعشرة، فقال: قبلت الروض المرْبع بعشرة يصح؟

الطلبة: لا، ما يصح.

الشيخ: ليش؟

الطالب: لأنه اختلف.

الشيخ: اختلف. قال: بعتك شرح ابن عقيل بعشرة، فقال: قَبِلْته بتسعة؟

الطلبة: لا يصح.

الشيخ: لا يصح، لماذا؟

ص: 640

الطالب: لعدم المطابقة.

الشيخ: لعدم المطابقة. لو قال: قبلته بأحد عشر. انتبهوا إلى هذا، قال: بعتك شرح ابن عقيل بعشرة. قال: قبلته بأحد عشر.

طلبة: يصح.

الشيخ: هو لا شك أنه اختلف، لكن هل هذا من مصلحة البائع؟

من مصلحته؛ إذن يقول البائع: خلاص، آخذ العشرة والباقي لك، إذا كان لا يريد أن يمنَّ عليه بالزيادة فالظاهر أن هذا يصح، وأن الذي لا يصح إذا نقص الثمن عما أوجبه البائع.

الشرط الثالث للقبول؟

طلبة: أن يطابق.

الشيخ: أن يكون مطابقًا للإيجاب كمية، وجنسًا، ونوعًا؛ يعني: قدرًا وجنسًا ونوعًا، إلا أن القدر نقول: إذا زاد فقد زاده خيرًا، وعادة أن البائع لا يَرُدُّ الزيادة، هذا هو العادة والغالب.

ثم قال المؤلف: (وهي الصيغة القولية)، (هي) يعني: صورة الإيجاب والقبول (الصيغة القولية)، وهذا يشعر بأن هناك صيغة غير قولية، وهو كذلك وقد ذكرها بقوله:(وبمُعاطاة وهي الفعلية)، (معاطاة) يعني: كل واحد يعطي الثاني بدون قول، وهذه الصيغة الفعلية.

إذن للعقد صيغتان: قولية وفعلية؛ القولية: هي الإيجاب والقبول، والفعلية؟

طالب: (

).

الشيخ: ما هي؟

الطالب: (

).

الشيخ: إي آني ما (

)، الفعلية هي أيش؟

طلبة: المعاطاة.

الشيخ: المعاطاة عاد لها ثلاث صور:

أن تكون معاطاة من الجانبين، وأن تكون معاطاة من البائع، وأن تكون معاطاة من المشتري.

مثالها من الجانبين أن يكون هنا أدوية مثلًا قد كُتِبَ سعرُها، ووضِع إلى جانبها وعاء للثمن، فيأتي المشتري، ويضع ثمن هذا الدواء بوعاء الثمن ويأخذ الدواء، هذه أيش؟

طلبة: معاطاة من الجانبين.

الشيخ: معاطاة من الجانبين، كل واحد منهم ما تكلم، وضع الثمن في مكانه وأخذ المبيع. هذه معاطاة من الجانبين.

معاطاة من البائع: قال: أعطني بهذا الدرهم خبزًا، فأخذ البائع كيس الخبز اللي بالدرهم كم عددها؟

طلبة: أربعة.

الشيخ: أربعة؛ أخذ الكيس فيه أربعة وأعطاه، هذه معاطاة ممن؟

طلبة: من البائع.

ص: 641

الشيخ: من البائع، المشتري قال: أعطني بهذا الدرهم خبزًا، بالعكس، يكون معاطاة من المشتري.

قال البائع: خذ هذا الكتاب بعشرة فأخذه المشتري، ولم يقل: قبلت، ولكن أعطاه عشرة؛ فالمعاطاة هنا ممن؟ من المشتري، البائع قدَّر الثمن وأوجب، قال: بعتك هذا الكتاب بعشرة، أو خذ هذا الكتاب بعشرة، فأخذه، ولم يتكلم وأعطاه العشرة، وهذا يدلنا على أن مسألة المعاملات أمرها سهل، يرجع فيه إلى ما تعارفه الناس، والناس كلهم قد تعارفوا بأن هذه المعاطاة عقد ولَّا غير عقد؟

طلبة: عقد.

الشيخ: عقد، يرونها عقدًا واضحًا.

خلاصة الدرس: أن لعقد البيع صيغتين: قولية وفعلية؛ القولية: هي الإيجاب والقبول، والإيجاب: هو اللفظ الصادر من البائع أو مَنْ يقوم مقامه، والقبول: هو اللفظ الصادر من المشتري أو من يقوم مقامه، وعرفتم شروط القبول.

وأما الصيغة الثانية فهي الصيغة الفعلية، وهي المعاطاة.

علَّل الشارح بعلة ينبغي أن نفهمها قال: (لعدم التعبد فيه)؛ لأنه ما فيه تعبُّد بالصيغة، كل ما دل على العقد فهو عقد.

طالب: (لعدم التعبد فيه).

الشيخ: فكل ما دلَّ على العقد فهو عقد.

شيخ بارك الله فيك، هل يجب أو يُشْتَرط من البائع والمشتري أن يكون عاقلًا؟

الشيخ: ما جاءت الشروط بارك الله فيك، الشروط سبعة، تأتي إن شاء الله.

طالب: (مُتَراخِيًا عَنْهُ)، ظاهر الكلام أنه يعود إلى ..

الشيخ: القبول.

الطالب: لا، القبض.

الشيخ: لا، ما هو هذا، صحيح، العبارة فيها شيء من القلق.

الطالب: (مُتَراخِيًا) يعني: بعده؟

الشيخ: إي نعم؛ لأن إذا صار قبله ما يصير متراخيًا عنه، سابقًا عليه.

الطالب: (

) يكون في مجلسه تراخ (

) في مجلس العقد.

الشيخ: القبول؟

الطالب: القبول.

الشيخ: نعم.

طالب: لو أن إنسانًا إذا قال: (

) بعتك هذه السيارة، ثم قال: أستشير فلانًا، وذهب من المجلس وقال: (

).

الشيخ: (

) لازم يعطي الإيجاب.

الطالب: (

) تعارض (

).

ص: 642

الشيخ: إذا تعارض (

) هذا، رجعنا إلى الأصل، وأن ما عَدَّه الناس بيعًا فهو بيعٌ.

طالب: الآن صيغة القبول قلنا: لا بد أن تتأخر عن الإيجاب إلا ما استُثني، عندما مثَّلنا إذا كان على صيغة الاستفهام الماضي؛ تبيعني كذا، هذه صيغة القبول الآن، لا بد أن نعيد القبول مرة أخرى بعد الإيجاب؟

الشيخ: إي نعم.

الطالب: ما يُكتفى بقول ..

الشيخ: ما يُكتفى، أتبيعني؟

الطالب: أتبيعني؟ لا بد أن يقول بعد ذلك: قبلت.

الشيخ: نعم.

طالب: المعاطاة يا شيخ، ممكن نقول: هي نوع من أنواع الإيجاب والقبول؟

الشيخ: لا، قسم، أحسن.

الطالب: غير الإيجاب والقبول؟

الشيخ: ليست نوعًا من الصيغة القولية، بل هي قسم من صيغة العقد، صيغة العقد قسمان.

الطالب: نقول: يا شيخ، إن الإيجاب والقبول قوليٌّ وفعليٌّ.

الشيخ: لا ما يصح. نقول: الصيغة.

طالب: بارك الله فيك يا شيخ، من صور البيع بيع ما في الذمة بما في الذمة، هذه صورة.

الشيخ: أيش؟

الطالب: من صور البيع (

).

الشيخ: نعم.

الطالب: (

) يشترط التقابض.

الشيخ: يشترط الحلول والتقابض.

الطالب: كيف صورته؛ يشترط التقابض؟

الشيخ: إي نعم، إذا بعت مثلًا، اشتريت منك كتابًا لشرح ابن عقيل بعشرة ريالات، هذا بيع ما في الذمة بما في الذمة، لا بد ألا نقول: عشرة ريالات تحل بعد أسبوع مثلًا، ما تكون مؤجلة، تكون حالَّة، ولا بد من قبض أحد العوضين: إما الدراهم؛ يعني إما الثمن، وإما المثمَن، إما الدراهم وإما الشرح؛ لأنهم يرون أنه لا يصح بيع ما في الذمة بما في الذمة مع التفرق؛ لأنه يكون بيع دين بدين.

طالب: كيف يحصل التقابض، ما عنده ذا، وهذا ما عنده ذا؟

الشيخ: إي إذن ما صحَّ البيع، ونقول: لا تتعاطون البيع إلى أن تحضِّرون حدا.

الطالب: (

) صورة (

).

الشيخ: لا، صورة مشروطة، وفائدته الآن إذا قلت: اشتريت منك شرح ابن عقيل بعشرة ريالات، هل هذا معين؛ الشرح؟

الطالب: لا، شرح (

).

الشيخ: غير معين، والريال؟

ص: 643