الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: عند العوام، لكن ما رأيت له أصلًا، حتى أهل العلم ما ذكروا هذا، وأظنه ينتقض بالنحم؛ لأن منقاره مثل اللي يقولون إنه حلال.
طالب: تكون على الحدأة فقط.
الشيخ: بس الحدأة هي تأكل بالمنقار، تكبس باليد.
طالب: مخلب.
الشيخ: إي نعم، مخلب.
طالب: (
…
).
الشيخ: نحكم بحله.
طالب آخر: ما الفرق بين (
…
)؟
الشيخ: إلا (
…
).
يجوز إذا آذى (
…
)
***
تعريفها إلى آخره.
[باب الذكاة]
الذكاة تعريفها شرعًا: هي ذبح أو نحر مأكول مقدور عليه بقطع ما يجب قطعه أو عقره ونحوه إذا كان معجوزًا عنه.
فإذن الذكاة نوعان: إما ذبح أو نحر، ومحلهما: الرقبة، النحر يكون في أسفلها، والذبح يكون في أعلاها، هذا إذا كان مقدورًا عليه، فإن لم يكن مقدورًا عليه تأتي الصفة الثانية؛ وهي عقره، أو جرحه في أي موضع كان من بدنه، إذا كان غير مقدور عليه.
وسواء كان العجز عن ذبحه، أو عن تذكيته بسبب جرحه أو طيرانه أو بعده في محل لا يوصل إليه؛ فاللي في الطيران مثل: الطيور؛ واللي في الجريان مثل: الظباء والأرانب وشبهها، والذي لبعده مثل: لو سقط في بئر ولا يمكن أن ننزل عليه نذكيه فإننا نطلق عليه الرصاص أو نرسل عليه خنجرًا أو شبهها حتى يموت.
فإذن التذكية -هي نقول-: ذبح أو نحر مأكول مقدور عليه بقطع ما يجب قطعه في رقبته أو جرحه في أي موضع كان من بدنه إن كان معجوزًا عنه.
وهي: شرط في حل كل حيوان بري إلا الجراد.
(شرط في حل) يعني معناه ما يحل الحيوان البري إلا بالذكاة إلا الجراد.
وكلمة (كل حيوان بري) احترازًا من البحري فإنه لا يشترط له الذكاة؛ لأنه سبق أن الله تعالى قال في القرآن (
…
).
أقول: الحيوان البحري سبق أنه لا يشترط فيه التذكية بدلالة القرآن والسنة. وقولنا: (إلا الجراد) فإن الجراد لا تشترط له التذكية، وذلك لأنه ليس فيه دم حتى يحتاج إلى انهاره، وأصل التذكية من أجل انهار الدم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ» (16)، فإذا كان الغرض انهار الدم فإن الجراد ليس فيه دم حتى يحتاج إلى انهاره، لكن بماذا نصل إليه لجراد؟ إذا أردنا أن نأكله، كيف نعمل؟ نأكله حيًّا ولَّا أيش؟ يجوز إنه يطبخ وهو على النار؟ يجوز نعم، للضرورة، وكذلك يجوز شيه، يعني أن يشوى بالنار.
وليس هذا من باب التعذيب بالنار؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ» (17). هذا ليس من باب التعذيب، ولكنه من باب الوصول إلى الانتفاع به.
شروطها: أولًا: (أهلية المذكي بأن يكون عاقلًا مسلمًا أو كتابيًّا).
طالب: (
…
) فيه خلاف أنه بري أو بحري؟
الشيخ: فيه اختلاف، لكن الصواب أنه بري بلا شك؛ لأنه ما يعيش في الماء ويعيش في البر، لكن اللي قالوا إنه بحري يقولون: إن أصله نفرة حوت ينفره من بطنه، أو من أنفه، ثم يتولد، ولكن ما هو بصحيح هذا.
يشترط أهلية المذكي بأن يكون عاقلًا مسلمًا أو كتابيًّا، أن يكون عاقلًا: وضده المجنون، وضده أيضًا: من دون التمييز؛ لأنه لا عقل له، وضده أيضًا: من بلغ كبرًا سقط فيه تمييزه كالمهذري فإنه لا يصح تذكيته؛ لأنه ليس له عقل يقصد به التذكية.
وقولنا: (مسلمًا) واضح.
(أو كتابيًّا) الكتابي من؟ اليهودي والنصراني؛ لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5].
وطعامهم: قال ابن عباس: ذبائحهم، وهو المتعين؛ لأنه لا يمكن أن يراد بطعامهم ما يأكلون من خبز وخضرة وشبهها؛ لأن هذا لا يختص بهم، وليس موضع إشكال، إنما الذي يشكل ما ذبحوه، فأباحه الله سبحانه وتعالى لنا.
وقولنا: أو كتابيًّا بل وقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يشمل حتى من يزعم منهم أن الله ثالث ثلاثة؛ لأن الله تعالى أباح طعامهم هذا مع قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]، ومع قوله:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] واضح يا جماعة؟
لكن لو أشرك النصراني بغير المسيح، مثل: أن عبد صنمًا كبوذا أو غيره، فهل نقول إنه نصراني؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، من أهل الكتاب لا، نقول: إنه الآن مشرك بغير الشرك الذي أقره الله تبارك وتعالى، بل الذي أقر الله به هؤلاء النصارى على ما كانوا عليه، فإذا أشرك النصراني بغير ما كان معروفًا في وقت التنزيل فإنه يعتبر غير نصراني، ولا تحل ذبيحته.
وقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يخرج به من؟ المشركون، والملحدون، ومنهم أيضًا: المجوس.
وقال بعض أهل العلم: لا يخرج به هؤلاء، واعتل بأن قوله:{الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} مفهومه مفهوم لقبٍ، ومفهوم اللقب ليس بحجة عند أكثر الأصوليين.
ولكننا نقول له: ليس هذا مفهوم لقب، نعم، لو قال: وطعام اليهود والنصارى، يمكن أن نقول: هذا مفهوم لقب، لكن هذا ليس مفهوم لقب بل مفهوم وصف، ومفهوم الوصف حجة.
ووجه كونه مفهوم وصف: أن قوله: {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} بمعنى قوله: المؤتون للكتاب، والمؤتى اسم مفعول فهو وصف ولَّا غير وصف؟
طلبة: وصف.
الشيخ: وصف، فمفهومه إذن مفهوم وصف؛ ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم لا يأكلون طعام المشركين ذبائح المشركين.
فالصواب أنه لا يحل من ذبائح غير المسلمين إلا ذبائح اليهود والنصارى فقط.
ثانيًا: قصد التذكية.
طالب: (
…
) من شروط.
الشيخ: ما يشترط فيهم إلا ما يشترط في المسلم.
طالب: (
…
).
الشيخ: إذا كان؟
طالب: (
…
).
الشيخ: أيش؟
طالب: (
…
).
الشيخ: مثل غيره، مثل المسلم، يعني الشروط اللي في المسلم هي شروط له، يعني معناه مسلم ويهودي ونصراني بالنسبة للشخص كلهم سواء.
طالب: (
…
).
الشيخ: ما علينا، يسمى ولا ما يسمي، إلا .. مثل ما قلت لك: حكمه حكم المسلم، كما أن المسلم قد يسمي وقد لا يسمي.
طالب: حرَّفوا كتابنا.
الشيخ: ولو حرفوه ما دام أنهم ما وصلوا إلى حد الكفر، وأنهم ينتسبون، حتى في المسلمين الآن من حرفوا القرآن، هل المسلمون كلهم على ما كان عليه السلف؟ ليسوا كلهم على ما كان عليه السلف.
ثانيًا: قصد التذكية: يعني يقصد الإنسان التذكية، فإن وقعت منه بغير قصد كما لو أرسل مدية على شيء، على هدف، فأصابت حيوانًا فإنه لا يحل؛ وذلك لعدم القصد.
واشتراط القصد مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (18). هل يشترط قصد الأكل ولَّا ما يشترط؟
طلبة: لا يا شيخ.
الشيخ: اختلف العلماء، هل يشترط أو لا؟ فقال شيخ الإسلام: يشترط. وقال الأكثر: ليس بشرط. وتظهر صورة المسألة بما إذا حلف إنسان ليذبحن هذه الشاة، ثم ذبحها لقصد حل يمينه، لا لقصد الأكل.
فعلى رأي شيخ الإسلام: لا تحل، وعلى القول الثاني: تحل؛ لأنه قصد التذكية، ولا فرق بين أن يقصدها للأكل أو للبيع أو للانتفاع بجلدها مثلًا، أو الانتفاع بشحمها، المهم أنه غرضه بما يريدها له ليس بشرط.
طالب: الراجح أنه لا يشترط قصد الأكل؟
الشيخ: لا، الظاهر أنه ما يشترط، الصحيح أنه لا يشترط، ما دام قصد التذكية فهذا يكفي.
طالب: الغير مميز لا يجوز ذبحه؛ لأنه لا (
…
).
الشيخ: ما يخالف إن أمسكت يده فلا بأس.
طالب: ويش الفرق بينهم يعني؟
الشيخ: الفرق أن هذا يعمل بذاته اللي هو الصبي، أيش لون؟
طالب: الجهاز.
الشيخ: لا أبدًا، لو تقول الجهاز: تدعو تقول: اذبح هذه.
طالب: شبهه.
الشيخ: إي، شبهه، ولهذا قلت: إذا مسكت يده فلا بأس.
طالب: إذن، والجهاز يا شيخ.
الشيخ: لا؛ لأن الأصل له إرادة، فالظاهر أنها ما تحل، مع أنها محل نظر من حيث إن هذا الرجل وكيل، أو هذا الطفل وكيل عن عاقل، ولكن نظرًا إلى أن العبادات تطلب من الشخص، أهم شيء بيكون عندنا التسمية مثلًا، وقد يسمي الطفل.
طالب: القصد.
الشيخ: القصد، ما عنده قصد، لكن عنده قصد الذبح أيضًا، يعني فهمه لها بقول: اذبح يكون قصدًا. هي على كل حال محل نظر هذه (
…
).
أهل الكتاب أن يكون على الطريقة الإسلامية أو أن ما اعتبروه ذكاة وطعامًا فهو من طعامهم، هذه المسألة جمهور أهل العلم على أنه يشترط في تذكيتهم ما يشترط في تذكية المسلمين.
ويستدلون لذلك بعموم الأدلة، كقوله صلى الله عليه وسلم:«مَا أَنَهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ» (16)، وهذا عام يشمل ما إذا كان المذكي مسلمًا أو كتابيًّا، أليس كذلك؟
طلبة: بلى.
الشيخ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ» واضح؟
فإذا كان هذا الحديث عامًّا فإنه يجب أن يطبق على المسلم وغير المسلم، وقال بعض العلماء: إنه لا يشترط في تذكيتهم أن توافق تذكية المسلمين، وأن ما اعتقدوه ذكاة وطعامًا فهو حلال لهم وللمسلمين، وعلى هذا فما خنقوه واعتبروه تذكية فهو حلال لهم كما أنه حلال لنا، وكذلك ما صعقوه وما أشبه ذلك فهو حلال لهم، ويكون حلالًا لنا؛ لأن الله أضاف الطعام إليهم فقال:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} فأضافه إليهم، فما اعتبروه طعامًا فهو طعام لنا:{طَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ، فإذا اعتبروا أن هذه تذكية تبيح هذا المذكى وتجعله طعامًا لهم فهو أيضًا طعام لنا.
وأنا ذكرت لكم هذا القول لا لأنني أُرجِّحه، لا، أنا أرجح قول القائلين بالعموم؛ بأنه لا بد من التذكية الشرعية بإنهار الدم، وذِكر اسم الله سبحانه وتعالى عليه، هذه العمومات واضحة.
وإذا كان المسلم وهو أطهر عند الله لا تطهر ذبيحته إلا بالتذكية بإنهار الدم، وذِكر اسم الله؛ فمن كان فيه الرجس أوْلَى بأن يشترط في تذكيته ذلك هذا هو الذي نرى، لكنني ذكرت لكم لأجل أن لا تحتدوا في الإنكار العظيم الذي صار الآن بين الناس من أجل هذه اللحوم المستوردة بناء على أنها لم تُذكَّ ذكاة شرعية.
نقول: المسألة -الحمد الله- ما دام فيها خلاف من علماء المسلمين من أصحاب مالك وغيرهم من القدامى والعصريين، فإنه لا ينبغي أن نحتد حتى نقول للمسلمين أنتم الآن تأكلون الحرام والرجس والأنجاس، لأن اللي يقول هذا ما يحل معناه أننا نأكل الحرام، ونأكل الرجس، ونأكل النجس؛ لأنه ميتة يكون.
كوننا مثلًا نخلي المسلمين الآن يشكون في كل شيء، أنا سمعت من يقول: البسكوت تراه حرام؛ لأن فيه شحم خنزير والجبن حرام؛ لأن فيه شحم خنزير والثياب حرام؛ لأنها تخاط بمكائن النصارى، والسيارات حرام؛ لأنها مصانع النصارى، هذا ما هو بصحيح يا جماعة.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، صحيح (
…
) يعني يجب أن الإنسان يكون متعقلًا للأشياء، وكوننا نخلي المسلمين، أنا أقول هذا، توافقونني أو لا توافقونني، لكن ما دام يدل عليه الدليل، ويبين فيه الدليل ما يهم.
كوننا نجعل المسلمين يأكلون ما يراه الإنسان حلالًا لهم مطمئنين خير من كوننا نجعلهم يأكلونه وهم شاكون، أو يعاندون، أو يعاند؛ لأن الورع .. الناس بينقسمون نحو هذا القول ثلاثة أقسام:
قسم يقول ما علينا من كلامكم، نبغي نأكل ما يهمنا حلال ولَّا حرام.
وقسم آخر: يأكله وهو يغص به يعني يشق عليه أكله، ولكن ما هو مخليه.
وقسم ثالث: ينحرم منه.
فما دمنا نجد في هذا الأمر الذي يبتلى به الناس ما دمنا نجد سعة والمسألة مبنية على الاجتهاد، والاجتهاد لا يقتضي التحريم، أنا ما أقول: حللوا للناس ما تعتقدونه حرامًا، هذا لا يجوز أن الإنسان يتبع الواقع، ولكني أقول الشيء الذي فيه خلاف بين أهل العلم ولا مخالفة للنص ما ينبغي أن نشدد ..
هنا توقف الشيخ رحمه الله عن شرح متن الزاد إلى الشرح من مذكرة أخرى.
أو يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مسلمًا؛ لأن العموم ظاهرة عامة، وإذا كان المسلم يشترط في تذكيته هذا فغير المسلم من باب أوْلى.
وكونه يقول: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] عام فنقول أيضًا: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» (1). فهو عام، والأخذ بهذا العموم أولى؛ لأن القياس يؤيده، وهو أنه إذا اشترط هذا في حق المسلم ففي حق غيره من باب أولى.
طالب: (
…
).
الشيخ: الآية عامة، وتعرف أن أي شيء بنحمله على وقت التنزيل ما يمكن نحمله إلا الدلالات اللفظية فقط، أما الأحوال ما يمكن، ما دام عندنا عموم، صحيح الدلالات اللفظية ما كانت هذه الكلمة تدل عليه في وقت التنزيل فهو أولى؛ لأن الناس بيخاطبون بشيء يعرفونه لكن شيء معنوي، المعاني عامة في كل زمان، نعم لو فرض أن هذه اللفظة لها مدلول في الوقت الحاضر ومدلول في وقت التنزيل، فالواجب حملها على وقت التنزيل؛ لأننا لو حملناها على المعنى المفهوم الآن صارت في وقت التنزيل مجهولة ولَّا معلومة؟
طلبة: مجهولة.
الشيخ: مجهولة، وتنزيل الله تعالى كتابًا على قوم يجهلون معناه، هذا غير لائق بحكمته سبحانه وتعالى، أما العمومات المعنوية فهي شاملة.
على كل حال نحن نرى أنه يشترط في تذكية غير المسلمين من أهل الكتاب ما يشترط في تذكية المسلمين، ولكن بقي علينا مسألة: هل الأولى أن نسأل كيف ذبحوا؟ وهل سموا أو لا؟ ولَّا ما نسأل؟
الأوْلى ألا نسأل ما دام هذا الرجل قدم لنا هذه الذبيحة، وهو ممن تحل فلا حاجة، أليس من الجائز أن المسلم لا يذبحها على الطريقة الإسلامية؟
يمكن بعض الجهال اللي ما يعرفون، يمكن يذبحون على غير الطريقة الإسلامية، ومن الجائز كثيرًا أن ينسى أن يسمي، وهذا لا شك أنه يمكن ينسى أن يسمي كثيرًا، ومع ذلك نحن نأكل ولا نسأل.
لهذا نقول: لا حاجة إلى أن نسأل كيف ذبحوا؟ وأما ما قيل: إنهم لهم مصانع تشاهد بأنهم يصعقون الحيوان نعم، أو يضربونه بالرصاص فهذا عنه جوابان: الجواب الأول: أنه لا بأس إذا ضربت البهيمة وصعقت، ثم ذُكِّيت، وخرج الدم قبل أن تموت، فهل تكون حلالًا ولَّا حرامًا؟
طالب: حلالًا.
الشيخ: حلالًا؛ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3].
نعم، الفعل حرام يعني كونه أنه مثلًا يضربونه بالرصاص أو مثلًا يخنقونها، ثم يذبحونها، هذا حرام؛ لأنه تعذيب لها على وجه غير مشروع، لكن إذا ذبحت بعد هذا الفعل وفيها الحياة فإنها تكون حلالًا.
ثانيًا: أن نقول: هل هذا عام في جميع المصانع ولَّا لا؟
طالب: عام.
الشيخ: لا، ليس بعام، ولهذا أرسلت رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وفودًا للنظر في هذا الأمر، ووجدوا أن هذه المصانع مختلفة بعضها يذبح بالصعق مرة، ما يذكيها وبعضها يذكي فما دامت اختلفت فإن الأصل في طعام الذين أوتوا الكتاب الأصل فيه الحل حتى نعلم أنه ذبح على غير الطريقة الإسلامية، ومع ذلك أنا شخصيًّا لست آكل من هذا في بيتي ما آكل منه، لكن إذا قدم لي ما أسأل منين جاب، لكنه في بيتي ما نأكل من هذا الشيء احتياطًا.
نفعله ولا ندري هل نحن مصيبون أو مخطئون في هذا الاحتياط، الله أعلم، لكننا نكرهه نظرًا إلى هذا الكلام الكثير الذي حصل فيه.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم.
طالب: (
…
).
الشيخ: أيش؟
طالب: (
…
).
الشيخ: فيه وطن؟
طالب: وطنية.
طلبة: دجاج وطني.
الشيخ: فيه الحمد لله أنا أقول: فيه دجاج وطني، وفيه لحوم غنم وطنية وإبل وبقر، الحمد لله نعم.
طالب: (
…
).
الشيخ: (
…
).
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، هذا قلنا: إنه أوْلى؛ لأنها أقيس؛ لأنه إذا كان يشترط هذا في المسلم وهي تحل ذبيحته؛ لقوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فكذلك أيضًا في طعام الذين أوتوا الكتاب.
إحنا نقول: إذا اشترط هذا في المسلم وهو طاهر، فكيف لا يشترط في الكافر وهو نجس؟
طالب: (
…
).
الشيخ: هذه بالحقيقة هي المشكلة اللي ما زالت عندي مشكلة أيضًا، وهي أن هذه اللحوم التي ترد من دولة تنتسب إلى النصرانية أو اليهودية مثلًا نعم، هذه المذابح شيوعية أو مجوس أو لا دينين صحيح ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: كما أنه من الجائز أيضًا أن يكونوا مسلمين؛ لأن فيه جاليات إسلامية في هذه البلاد كثيرة وأسمع أن الجاليات الإسلامية من الباكستانيين وغيرهم أنهم هم الذين يباشرون هذه الأعمال؛ لأن الأوربيين عندهم ترفع عن هذا الشيء والله أعلم بحقيقة الحال، ولكن أنا أرى أن العلماء عندنا يرون أننا نعتبر الدولة، فإذا كانت الدولة يهودية أو نصرانية يقولون: إن الوارد منهم يكون حلالًا باعتبار الدولة. كما أن الوارد من الروس يكون؟
طلبة: حرام.
الشيخ: حرامًا باعتبار الدولة مع أنكم تعرفون أن في الجمهوريات السوفيتية كثير من المسلمين، نعم، وكثير منهم يستقدم في هذه الأمور أيضًا، ومع ذلك نحكم بالدولة.
فأنا لو قال قائل: بأننا لا نحكم بالدولة وإنما نحكم بمن يتولى أيش؟
طلبة: الذبح.
الشيخ: هذا الذبح، فإذا علم أن هذه المصانع أكثر من يتولَّاها؛ إما مسلمون أو كتابيون، فحينئذٍ نحكم بالحل، وإذا علم أن أكثر من يتولاها غير المسلمين والكتابيين فإنه ينبغي أن نحكم بالتحريم هذا الحقيقة أقيس وأقرب إلى التحقيق؛ لأن المعتبر هو العمل هذا، أما الدولة قد تكون نصرانية، لكن يمكن تكون نسبة النصارى في هذه الدولة عشرة في المئة.
طالب: (
…
).
الشيخ: ما هو قال بالاستدلال (
…
)، لكن دينه ما هو بصحيح، ما هو العبرة بالاستدلال العبرة أيضًا بالدين ذاته.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، (
…
) بغير الشروط الطريقة الإسلامية مع كون الذابح يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أو مسلم.
الثاني: قصد التذكية، وهذا تكلمنا عليه وقلنا: هل يشترط مع ذلك قصد الأكل أو لا يشترط؟ وذكرنا أن في هذه المسألة خلافًا بين أهل العلم، وأنه يتصور أن يقصد التذكية ولا يقصد الأكل مثل:
طلبة: حلف أنه يذبح.
الشيخ: حلف أنه يذبح هذا الشيء مثل واحد عنده عنزته تيجي بالليل ما تخليه ينام قال: والله لو قمت الصبح لأذبحك، وبعدين قام وذبحها لحل يمينه لا لقصد الأكل.
طلبة: (
…
).
الشيخ: تحل ولَّا لا؟ المعروف من المذهب أنها تحل؛ لأنه قصد التذكية ولا عليه من قصد الأكل أو عدمه وشيخ الإسلام يرى أنها لا تحل ويقيسها على ما إذا قتله لدفع الصول فإن الإنسان لو صال عليه جمل، ثم ذبحه إذا قتله معروف إذا قتله ما يحل؛ لأنه لم يذكي ذكاة شرعية، لكن إذا ذبحه معه سيف وجَزَّ رقبته يحل ولَّا ما يحل؟ يقول العلماء: لا يحل؛ لأنه قصد به دفع الصول فنقول أيضًا مثل هذا إذا قصد حل يمينه ولا قصد، ولكن الحمد لله يمكن الإنسان ينوي التذكية مع دفع الصول، ويمكن ينوي التذكية مع حل اليمين.
ثالثًا: ألا يذبح لغير الله فإن ذبح لغير الله لم يحل، ولو سمى الله وكذلك أيضًا لو ذبحه بالطريقة الإسلامية ما يحل مثل أن يذبحه لقدوم ملك يذبحه تعظيمًا له، فإن ذلك يكون حرامًا؛ لقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إلى أن قال: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] وكذلك قال: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] نعم يعني على الأصنام فما ذبح لغير الله فهو محرم.
إذا قال قائل: أجل حرموا علينا، واحد نزل به ضيف فذبح الشاة لضيفه إكرامًا له.
طالب: إكرامًا ليس تعظيمًا.
الشيخ: تعظيمًا له.
طالب: (
…
).
الشيخ: نقول: هذه المسألة؛ مسألة إكرام الضيف، وتعظيمه بالأكل لا بالذبح (
…
) الفرق بالأكل لا بالذبح، ولهذا لو ذهب إلى السوق واشترى شاة مذبوحة، وفيها كل أعضائها، نعم كل أعضائها موجودة، وجاء بها هل يحصل الإكرام ولَّا ما يحصل؟
طلبة: يحصل.
الشيخ: يحصل، فهنا إكرام الضيوف إنما هو بأكله منها، ذلك تعظيمه لكن اللي بيعظم يذبحها تعظيمًا له لمشاهدته إياه، ثم يتركها؛ يدعها ما ينتفع بها هذا هو المحرم، ففرق بين التعظيم بالذبح وبين التعظيم بالأكل والإطعام، التعظيم بالأكل والإطعام هو إكرام واحترام، لكن التعظيم بالذبح هو تقرُّب؛ لأنه ما ينتفع به هذا المذبوح له.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم، لكن ما هو علشان تعظيمه بذاك، هو نفسه ما يشهد بأنك عظَّمته بذبحها عظمته بأيش؟
طالب: بأكله منها.
الشيخ: بأكله منها، لكنه يخشى أنك لو ما تذبح أمامه أن هذه الذبيحة من أمس أو باقي ذبيحة من ناس؛ ولهذا عند بعضهم إذا جاء إنسان ضيف وقد ذبحت ذبيحة الضيف الأول إلى الآن ما طبخت.
طلبة: لازم تذبح ثاني.
الشيخ: لازم تذبح ثاني.
طلبة: (
…
).
الشيخ: إي هذا خطأ، إي نعم.
طلبة: (
…
).
الشيخ: على كل حال هذا جهل منه لا شك أنه جهل، ولكننا نعلم جميعًا أنهم ما قصدوا بذلك التعظيم بالذبح، قصدهم بذلك التعظيم بأيش؟
طلبة: بالأكل.
الشيخ: بالأكل بأنه ذبح لي، وأطعمني ذبيحة كاملة.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم؛ لا، ويشترط أيضًا إنهار الدم.
طالب: (
…
).
الشيخ: ما يخالف إنهار الدم، ويش لأجله؟ لأجل أن يطيب الأكل، ثم من المعروف عند الناس أنما يذبحونه للأكل ولهذا قال:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّم} إلى آخره [المائدة: 3].
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم.
طالب: (
…
).
الشيخ: انتبه.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما هو بشرط إذا ما قصد الأكل بس مثلًا واحد بيضحي لأجل أن يريحها هذه إذا قلنا بالجواز فلا حاجة إلى التسمية، ولا شيء، ولا حاجة أيضًا إلى أن يذبحها بإنهار الدم لو أنه أطلق عليها الرصاص أو مثلًا ضربها بالكهرباء فلا حرج؛ لأنه يمكن يكون هذا أسهل لها بعد ذبح السكين.
يشترط أيضًا ألا يذبح لغير الله، فإن ذبح لغير الله فهو محرم وشرك ولَّا غير شرك؟
طالب: لغير الله شرك.
الشيخ: أي شرك هو شرك، وليس شركًا أصغر أيضًا، بل هو شرك أكبر مُخرِج عن الملة والعياذ بالله.
وعلى هذا فتكون الذبيحة حرامًا ويكون هذا الرجل مشركًا نلزمه بأن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من هذا الشرك.
رابعًا: ألا يذكر عليها اسم غير الله، فإن ذكر عليها اسم غير الله ولو ذبحت لله أو للأكل فإنها لا تحل، ويش مثاله؟
طالب: (
…
).
الشيخ: إي، أو رئيس، أو ملك نعم، أو قومية، باسم الله وباسم القومية العربية مثلًا، نعم.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، هذا يعتبر، تحل ولَّا ما تحل؟
طلبة: ما تحل.
الشيخ: ما تحل؛ لأنه ذكر عليها اسم غير الله، ما هو الدليل؟ الدليل قوله تعالى:{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه} [المائدة: 3] والإهلال كما تعرفون في الأصل هو رفع الصوت، يعني ما ذكر عليه اسم غير الله.
فإذا قال قائل: قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» (1). وهذا قد ذكر عليه اسم الله، أفلا يؤكل؟ لأن المسألة هذه لها ثلاث صور كما تعرفون تارة يذكر اسم الله عليها، وتارة يذكر اسم غير الله عليها منفردين، أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: وتارة يجمع بينها، فالجمع بينهما اجتمع في فعله هذا حرمة وحل؛ أو لا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: حرمة حيث ذكر.
طالب: اسم غير الله.
الشيخ: اسم غير الله، وحل حيث ذكر.
طالب: اسم الله.
الشيخ: اسم الله، فكيف نُحرِّمها عليه؟
طالب: اجتمعا.
الشيخ: نعم؛ لأنه اجتمع في هذا الفعل مبيح وحاظر، فغلب جانب الحظر، بناءً على القاعدة مثلما حرم الله الخمر مع أن فيه مصالح وفيه مفاسد.
فهنا نقول: لا يمكن اجتناب هذا المحرم إلا باجتناب المحلل، فيكون محرمًا فنقول: اجتمع مبيح وحاظر، فغلب الحاظر على المبيح، فإذا ذكر عليها اسم غير الله فهي حرام.
الخامس: أن يذكر اسم الله عليها وحده فقط، فيقول: باسم الله.
لو قال: باسم الرحمن؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز، لو قال: باسم الرحيم؟
طالب: يجوز.
الشيخ: لو نوى باسم الرحيم محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ لأنه {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
طلبة: لا يجوز.
طالب: لا، شرك.
الشيخ: ويش يصير؟ {أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] ولَّا لا يصير أهل لغير الله به؟ لو قال: مثلًا باسم العزيز.
طالب: العزيز اسم من أسماء الله.
الشيخ: إي، هو أراد الله؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز إي نعم، هذا هو الصحيح، وقال بعض العلماء: إنه يشترط أن يذكر اسم الله، باسم الله فقط حتى لو قال: باسم رب العالمين وهو ما يوصف به إلا الله أو باسم الرحمن وهو لا يسمى به إلا الله، هو ما يصح.
ولكن هذا قول ضعيف؛ لأن قول الله تعالى: {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وقول الرسول: «مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» (1). هل المراد اللفظ ولَّا المعنى؟
طالب: المعنى.
الشيخ: المعنى، يعني ما أريد بالله لفظ الله، بل أريد المسمى دون الاسم مثلما نقول مثلًا: البيع والوقت ما هو لازم، تقول: بعت المقصود المعنى المدلول عليه بهذا اللفظ، فالمقصود بالله المقصود المسمى المدلول عليه بهذا اللفظ، فإذا سميت على الذبيحة باسم مختص بالله أو مشترك، ونويت به الله.
طالب: صحيح.
الشيخ: فهو صحيح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» (1). فقال: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ» ، هذان شرطان، فكل منطوق الحديث؟
طالب: منطوقه ظاهر.
الشيخ: ويش يدل عليه؟
طالب: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فيؤكل، وغير ذلك ..
الشيخ: ومفهومه، ما لم يسم الله عليه فلا يؤكل ما لم ينهر فيه الدم لا يؤكل، وهذا المفهوم موافق تمامًا لمنطوق قول الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، فعلى هذا يكون ما لم يذكر اسم الله عليه لا يحل بدلالة منطوق القرآن.
طالب: ومفهوم السنة.
الشيخ: ومفهوم السنة، نعم.
طالب: يقال: مفهوم الحديث الجزأين كلاهما يا شيخ إذا انتفى كلاهما ما حل.
الشيخ: ما حل أو واحدة منهما.
طالب: لا، كلاهما قد يقام؛ جمع الرسول جمع بينهما.
الشيخ: جمع بينهما إذا فقد واحد ما حصل الجمع بينهما الرسول عليه الصلاة والسلام اشترط للحل شرطين، ذكر اسم الله عليه، وإنهار الدم إذا فقد واحد ما حصل الشرطان.
نعم، لو قال: ما أنهر الدم، أو ذكر اسم الله عليه؛ صار نكتفي بواحدة منهما.
إذن عندنا مفهوم الآية أو مفهوم الحديث ومنطوق الآية الكريمة أن ما لم يذكر اسم الله عليه لا يحل.
نعم، اختلف العلماء في هذه المسألة منهم، من يرى أن ذكر اسم الله عليها ليس بشرط، وأنه سنة، وأن الإنسان لو تعمد ألا يذكر اسم الله على الذبيحة لحلَّت.
واستدلوا بحديث لا يصح وهو: «ذَبِيحَة الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَا» (2)، وهذا الحديث أشبه ما يكون موضوعًا أو موقوفًا على بعض الصحابة، ولا يمكن أن يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أبدًا.
ثانيًا: قالوا: إن المسلم طاهر، والطاهر ما ترتب على فعله فهو طاهر.
قلنا: لكن هذا الطاهر لا بد لفعله من شروط بيَّنها الكتاب والسُّنة.
ويرى بعض العلماء أن التسمية شرط، ولكنهم يخالفون القواعد المعروفة المقررة؛ وهي أن الشرط لا يسقط بالنسيان، ويقولون: إن الإنسان إذا نسي التسمية حلَّت ذبيحته، نعم، ويستدلون لذلك بقول الله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وبقوله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (3) أو «وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي» (4). اختلاف في ألفاظ الحديث، فيقولون: هذا موضوع عنه الإثم، فأنت في حكم هذا الفعل؛ لأن هذا الفعل عُفي عنه فلم يترتب عليه أثره؛ لأجل النسيان أو الجهل كذلك.
ويرى آخرون أنها شرط، وأنها لا تسقط بالنسيان ولا بالجهل، ويستدلون لذلك بأن الشرط حسب القواعد الشرعية لا يسقط سهوًا ولا جهلًا، ولهذا لو أن الإنسان صلى ناسيًا وهو محدِث نعم، لوجب عليه إعادة الصلاة، ولو صلى جاهلًا وهو محدث مثل أن يأكل لحم إبل لا يدري ما هو، ثم يتبين له بعد ذلك أنه لحم إبل فإنه يجب عليه إعادة الصلاة، والشرط لا يسقط سهوًا ولا جهلًا وكما أنه لو ذبحه بغير إنهار الدم جاهلًا يحسب أنه متى أزهق نفسه قاصدًا حل فإنه لا يحل، ولَّا يحل، وكذلك لو نسي أنه يجب إنهار الدم فخنقه فإنه لا يحل.
إذن نقول: ما أنهر الدم، وذكر اسم الله، قُرنا في حديث واحد، فيجب أن يكون حكمهما واحدًا، فكما أنه لو نسي أو جهل إنهار الدم فإن الذبيحة لا تحل، فكذلك لو نسي أو جهل التسمية فإن الذبيحة لا تحل.
أيضًا يستدلون لقولهم هذا بعموم قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وقوله: {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ} عام سواء ترك الذكر نسيانًا أو جهلًا أو عمدًا.
ويجيبون عما استدل به هؤلاء وهو قوله: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] بأن هذا الناسي أو الجاهل ليس بمؤاخذ، لكن أنا أيها الآكل إذا تعمدت أن آكل شيئًا لم يذكر اسم الله عليه والله قد نهاني ويش أكون؟
طلبة: آثم.
الشيخ: آثمًا أكون آثمًا؛ لأني أكلت شيئًا نهاني الله عنه عالمًا ذاكرًا، ولهذا لو أكلت منه ناسيًا أو جاهلًا فليس عليَّ إثم، كما أنه أيضًا نقول: لو أن الرجل ذبح الذبيحة ولم يسمِّ الله عليها عالمًا ذاكرًا فإنه آثم ولا تحل، فهذا نفي المؤاخذة غير ترتب الحكم على الفعل.
أرأيتم الرجل لو صلى محدثًا ماذا تكون صلاته؟
طلبة: باطلة.
الشيخ: باطلة وهو آثم ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: وإن صلى عالمًا ذاكرًا محدثًا فصلاته باطلة، وفِعله حرام، وهو آثم، ولو فعل ذلك نسيانًا أو جهلًا.
طلبة: فصلاته باطلة.
الشيخ: فصلاته باطلة، ولكنه غير آثم، نقول أيضًا: هذا مثله إذا ترك التسمية فهو غير آثم، لكن التذكية لا تصح، ونقول: وخصوصًا بالنسبة للمشهور من مذهب الحنابلة؛ المشهور من مذهب الحنابلة أن التسمية للذبيحة تسقط بالسهو والتسمية على الصيد لا تسقط بالسهو.
نقول لهم: وكما أنكم لا تسقطون مع أنكم لا تسقطون التسمية سهوًا في الصيد فيلزمكم أيضًا ألَّا تسقطوها في الذكاة؛ لأن الشروط واحدة.
في الصيد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرْسَلْتَ سَهْمَكَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» (5) وهنا قال: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ» (1).
ولا فرق بينهما، فإذا جعلتم ذلك شرطًا لا يسقط بالنسيان فليكن هذا أيضًا شرطًا لا يسقط بالنسيان، بل إننا لو رجعنا إلى النظر ومقتضى الحال لكان سقوط التسمية بالنسيان في الصيد أولى من سقوطها.
طالب: في الذبيحة.
الشيخ: في الذبيحة، لماذا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم؛ لأن الصيد يأتي بدهشة وسرعة وربما ينسى الإنسان مع السرعة الذي يخشى أن يفوت بها الصيد أكثر من موجبات النسيان في الذبيحة؛ لأنه يأتي بها على تؤدة وعناء، فإذن لا فرق بينهما.
قد يقول قائل: أنتم إذا قلتم بعدم حل ذبيحة ما نُسي اسم الله عليه؛ فإنكم تضيعون للمسلمين أموالًا كثيرة؛ لأن الإنسان إذا ذبح بعيرًا بخمسة آلاف ريال ناسيًا أن يسمي وقلتم: إن هذا حرام ولا يجوز أكله أضعتم عليه خمسة آلاف ريال؟
نقول: الإجابة عن هذا بسيطة؛ وهي أننا نقول كما أنكم تقولون: لو أنه ترك قطع المريء نسيانًا فإنها تحرم مع أن قطع المريء، أين المريء؛ المريء من وراء الحلقوم.
أحيانًا تخطئه السكين ومع ذلك تقولون: إنه لا تحل فهذا مثله، ثم إننا في الحقيقة إذا قلنا: بتحريم هذه الذبيحة فإننا نقول: بحفظ الشريعة وحفظ الأموال أيضًا أكثر مما لو قلنا بحلها؛ لأننا إذا قلنا بحلها تهاون الناس بالتسمية وصار ما يهمهم.
لكن إذا قلنا: حرام، وذكر الإنسان أنه في يوم من الأيام جر ذبيحته للكلاب هل ينسى ولَّا لا؟
طالب: لا ينسى.
الشيخ: أبدًا ما ينسى، يمكن يسمي عشرين مرة؛ فلذلك هذا أحفظ، وما قول هؤلاء في مثل هذا الأمر: إنه إفساد للمال إلا كقول من يقول: إنكم إذا قتلتم القاتل عمدًا فقد زدتم الطين بَلّة أو بِلَّة، وقتلتم شخصين بدلًا من قتل شخص واحد، وإذا قطعتم يد السارق أصبح نصف الشعب أشل مقطوعًا هل هذا صحيح؟
طالب: لا، ليس صحيحًا.
الشيخ: لأننا إذا قتلنا القاتل صحيح أننا قتلنا نفسًا أخرى، لكن كم أحيينا من نفس؟
طلبة: آلاف.
الشيخ: آلاف؛ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وإذا قطعنا يد السارق كم حفظنا من أموال الناس؟
طالب: الملايين.
الشيخ: الملايين، بينما لو لم نقطع السارق وجدنا سارقًا آخر، وفي الحارة الثانية سارقًا آخر، وهكذا.
طالب: وحفظنا الأيدي.
الشيخ: وحفظنا الأيدي؛ فلذلك نقول: هذا التحقيق ليس بصحيح، وإحنا علينا أن نطبق ما دل عليه الشرع، ونعلم علم اليقين أن تطبيق ما دل عليه الشرع هو المصلحة، وإن كان في ظاهر الأمر قد يكون فيه مفسدة، لكن فيه مصلحة.
رجل أصيب بذات الجنب، وقيل: إن الكي بالنار ينفع من ذات الجنب، فذهبنا وكويناه من ذات الجنب حقيقة أننا آلمناه، ولكننا حفظنا عليه حياته، أليس كذلك؟
طالب: بلى.
الشيخ: فكل شيء في الغالب، كل شيء في الدنيا الغالب أنه لا بد أن يكون كل مصلحة أمامها مفسدة أو هي ملحوقة بمفسدة؛ يعني إما مسبوقة أو ملحوقة.
هذا الغالب في الدنيا؛ لأن الدنيا اسم أو وصف من الدنو ما يمكن يكون فيها شيئًا كاملًا.
وأنت لو نظرت إلى الأحداث وإلى أحوال بدنك؛ أحوال بدنك اليوم يمكن بالليل يعني بالأمس تكون من الليل نشيطًا، في اليوم الثاني تقوم كسلان، ولا رأسك يوجعك، ولا مفاصلك توجعك، ولا ما أشبه ذلك.
في هذا اليوم أهلك يسرونك إذا دخلت والأولاد ملتزمون، لكن في اليوم الثاني تجد تعب هذا شيء مثلما قال الشاعر:
فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا
وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرْ
إحنا نقول: هذه المصلحة التي تترتب على منع الإنسان الذي لم يذكر اسم الله عليه من أكل ذبيحته هي مصلحة كبيرة فيها حفظ للشرعية، وليس فيها سبب لإتلاف المال.
إذن الذي نرى في هذه المسألة ما رآه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أن التسمية شرط لا يسقط بالجهل ولا بالنسيان، وإنما تحرم الذبيحة في كل حال، لكن الأكل منها نسيانًا يجوز، يعني (
…
) ولَّا لا؟
طلبة: ليس فيه إثم.
الشيخ: ليس فيه إثم، لو أُكره على ألا يسمي واحد مثلًا عنده (
…
) قال: إن سمعتك تسمي فأنا أقتلك مثلًا.
طلبة: (
…
).
الشيخ: إذا أمكن أن يحرك لسانه بالتسمية حركه، وإذا ما أمكن فبقلبه، الأخرس كيف يسمي الله؟
طالب: بقلبه.
الشيخ: نعم، بقلبه والإشارة ما نقول له: قل باسم الله ينوي بقلبه، ويشير إلى السماء.
لو كتب التسمية كتابة تصلح؟
طلبة: لا.
الشيخ: على السكين ما تصلح، وأنا أقول لكم هذا لأنتقل إلى مسألة أخرى وهي التسجيل، فيه ناس الآن يقولون: إنه فيه محلات مسجلة التسمية، تتحرك يعني الشريط يسمعك الصوت عندما تتحرك الآلة وفيه ناس تقوم بالآلات تخلي هذه الآلة بتشتغل، وها الشريط هذا بيسمى، يجزئ ولَّا ما يجزئ؟
طلبة: ما يجزئ.
الشيخ: لا يجزئ بلا شك كما أنه لا يجزئ الأذان بالمسجل، لو سجل الإنسان أذانًا وحط التوقيت في مسجلات وقتنا توقيت كل ما جاء الوقت شغل!
طالب: ساعات.
الشيخ: ساعات، يجزئ ولَّا لا؟
طالب: ما يجزئ؟
الشيخ: ما يجزئ؛ لأن هذه العبادات مقصودة لذاتها، ما هو المقصود إسماعه، المقصود فعل العبادة.
سادسًا: أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم غير السن والعظم، نشوف.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم.
طالب: هل يجزيه؟
الشيخ: هذا ما يجزيه؛ لأن الفاعل غير المسمي.
طالب: (
…
) الشروط ما تسقط بالنسيان والجهل (
…
) جميع الشروط.
الشيخ: في جميع الشروط إلا ما يطلب تركه.
طالب: لماذا يخرجونها؟
الشيخ: السبب لأن الذي يطلب تركه إذا فعل ناسيًا جاهلًا هو ما يترتب عليه أثره.
طالب: لكن (
…
) يخرجون عن (
…
).
الشيخ: (
…
) لأن الشروط اللي يطلب إيجاده شروط إيجابية.
طالب: أنا قصدي الذبح اشتراط التسمية يجعلهم يخرجونها (
…
).
الشيخ: التسمية مثلما ذكرت في الحديث النصوص العامة {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].
طالب: تشمل جميع الشروط ممكن تشمل.
الشيخ: إي نعم، ومع ذلك ما يدعون تشمل هذا مما يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية.
والعجيب -وأنتم والحمد لله طلبة علم- أن ابن جرير رحمه الله نقل الإجماع على أن متروك التسمية سهوًا لا يحرم أكله في تفسيره، لكن ابن كثير تعقبه بقوله: إنه -أي ابن جرير- من الذين لا يرون أن خلاف الواحد والاثنين خارق للإجماع.
طالب: في الذبيحة (
…
) البسملة ما ورد صور من السلف أو الصحابة.
الشيخ: لأنهم ما يتركونه الصحابة.
طالب: قد يمكن.
الشيخ: ربما، لكن الأصل عدم الترك.
طالب: (
…
) البسملة ونسيانها ..
الشيخ: ما علينا من (
…
).
الشيخ: إي نعم، يضمنه؛ لأن ضمان المال ما يتشرط فيه الذكر مثلما لو قلت: خذ هذه الدراهم أمانة عندك، ونسيتها أنت حطيتها مثلًا على عتبة الدكان اللي بداخله، ونسيت وسكيت الدكان، وسُرقت، تضمن ولَّا لا؟
طالب: تضمن.
الشيخ: إي نعم، على كل حال ما على النسيان.
طالب: مثل الضمان اللي يضمن.
الشيخ: يضمن، حتى ما ينسى عقب اليوم.
طالب: نسي التسمية فذكرته (
…
) بعدما نسي التسمية (
…
).
الشيخ: ما يكون هذا الظاهر أنها تكون من الصغائر يعني أكل الميتة؛ لأن هذه ميتة، إنها من الصغائر، ما أجد في هذا عقوبة معينة.
طالب: (
…
).
الشيخ: ما يمكن إذا كان قد قطع الحلقوم والمريء، أو أنهر الدم ما (
…
)، أما لو كان مثلًا الجلد فقط فهو لا بأس به؟
طالب: (
…
).
الشيخ: أو مثلًا قدر أنه ذبحها من الخلف، من خلف الرقبة وهو نعم يمكن، المهم إذا لم يقطع ما يشترط قطعه فلا حرج.
طالب: حديث: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ» (1) كأنه بداية.
الشيخ: لا لأنه معروف إنهار الدم ما يكون إنهارًا كاملًا إلا من الودجين، أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم غير السن والظفر؛ (بمحدد) المحدد ما له حد بخلاف العصا.
طالب: (
…
).
الشيخ: (
…
).
طالب: (
…
).
الشيخ: إلا السن والظفر غلط.
طالب: (
…
).
الشيخ: أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم غير السن والظفر، إي نعم، غلط. غير السن والظفر والمحدد ما له حد وضده مثل العصا والحصاة وما أشبهها.
وقولنا: (بمحدد ينهر الدم) ظاهره سواء كان هذا المحدد حديدًا أو خشبًا أو قصبًا أو ذهبًا أو فضة أو مغصوبًا أو مباحًا، أي محدد.
وقولنا: (ينهر الدم) هذا في الحقيقة بيان للواقع؛ لأن المحدد إذا ذكي بحده فلا بد أن ينهر الدم، وإنهار الدم سيكون.
وقولنا: (غير السن والظفر) السن معروف والظفر معروف أيضًا، لكن كيف الواحد بيذبح بالسن؟
العصفور يمكن أذبحه بالسن ينهشه ويقطع رأسه، وكذلك الظفر يمكن ولَّا لا؟
طالب: يمكن.
الشيخ: يمكن، إنما هل المراد سن الآدمي وظفره أو كل سن وظفر؟ الحديث عام: كل سن وظفر، بين الرسول صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك قال:«أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» (1).
هذه هي العلة التي علل بها الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن اختلف العلماء في هذه العلة، هل هي قاصرة على المعلول أو متعدية؟
فمنهم من يرى أنها قاصرة على المعلول، ويكون الحكم خاصًّا بالسن والظفر، وأنه لو ذُكِّي بعظم آخر فالتذكية صحيحة.
ويرى آخرون أن العلة متعدية، وبناءً عليه يكون كل عظم فإنها تمنع في التذكية، كل العظام، وإلى هذا يميل شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنه يعم كل عظم؛ لأن الرسول علل، فقال:«أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ» (1)، وعلى هذا فلا تجوز التذكية بجميع العظام.
ويرى المناسبة شيخ الإسلام في منع التذكية بالعظام، يرى أن المناسبة في ذلك هي أنه إن كان العظم طاهرًا فإن العلة تلويثه وتنجيسه على الجلد، وإن كان نجسًا فإنه لا يمكن أن يذكى، والتذكية تطهير لشيء نجس.
وعلى هذا فيكون التعليل والمناسبة أقوى من الذين يخصونه بالسن.
بقينا في قول: «الظُّفُرُ مُدَى الْحَبَشَةِ» ، هل معنى ذلك أن كل مُدى يستعملها الحبشة خاصة يمنع منها؟
نعم، هذه هي التي يمكن أن نقول: إن العلة فيها قاصرة من أجل السبب أو المناسبة «مُدَى الْحَبَشَةِ» ، الحبشة يُبقون أظافرهم طويلة والظفر إذا طال يتقوس ويكون قويًّا حينئذٍ يكون مثل المخيط؛ إذا ضرب به الشيء شقه.
إذا قلنا: إن الأظفار تكون مُدًى، وأن يجوز الذبح بها فإن الإنسان سوف (
…
)، هذه الأظفار، وحينئذٍ يفوته استعمال الفطرة، ما هي الفطرة؟
طالب: قص الأظفار.
الشيخ: هي تقليم الأظفار، تبقى أظفاره كأنه وحش يصيد بظفره، فلذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك؛ لأن الذي يستعمل هذا هو الحبشة (
…
).
الظاهر لي أنه خاص بظفر الإنسان، وأما السن فالرسول صلى الله عليه وسلم علَّله بعلة تكون شاملة؛ وهي أنه عظم.
السابع: إنهار الدم في الرقبة إن كان مقدورًا عليه بقطع الودجين، أو في غيرها إن كان غير مقدور عليها.
طالب: (
…
).
الشيخ: يكفي هذا؛ لأنه تكون مشابهًا للحبشة في هذا الأمر.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم.
طالب: (
…
).
الشيخ: يفعل السنة بقصه أقول: يفعل السنة بقصه، لكن عندنا عام. إحنا ذكرنا لكم فيما سبق أن العلة إذا كان ما هي منصوص عليها فإنه يبقى الحكم على عمومه، ولا يتغير به، تكون مناسبة فقط.
طالب: (
…
).
الشيخ: كيف؟
طالب: العلة يعني (
…
).
الشيخ: يعني المناسبة ما هي بقوية ما هذه العلة، العلة مُدى الحبشة.
طالب: المناسبة.
الشيخ: المناسبة هي هذه، وأما كونها هي العلة، العلة علَّلها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها مُدى الحبشة، لكن بإجماع أهل العلم ليس مدى الحبشة من حديد أو خشب أو نحوه ليس محرمًا التذكية به، وليس مانع من الحل.
لو فرضنا أن الحبشة يستعملون سكاكين خاصة معروفه بأنها سكاكين الحبشة بإجماع العلماء أنها لا يحرم التذكية بها.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم.
طالب: (
…
).
الشيخ: إن كان مقدورًا عليه بقطع الودجين أو في غيرها، الرقبة (
…
) وقوله: (بالرقبة) يشمل أعلاها وأسفلها ووسطها، ويشمل داخلها وخارجها يعني سواء من فوق، أو من تحت، لكن من فوق يشترط أن تصل السكين إلى مكان الذبح، وفيها حياة مستقرة، فلو فرض أنه جعل (
…
) مثلًا من فوق وماتت قبل أن يصل إلى ما يجب قطعه؛ فإنها لا تحل.
وعندنا نقول: (بقطع الودجين) ما هما الودجان؟
طالب: (
…
).
الشيخ: الودجان.
طالب: (
…
).
الشيخ: الأعصاب (
…
).
طالب: (
…
).
الشيخ: يعني هذه.
طالب: (
…
).
الشيخ: ما تعرف كوعك من كرسوعك، وين الكوع والكرسوع تعرفه؟
طالب: (
…
).
الشيخ: وين في اليد؟
طالب: (
…
).
الشيخ: إي، لكن أيها؟
طالب: (
…
).
الشيخ: الخطان المحيطان بالحلقوم؛ خطان غليظان من الدم، وتسمى أيضًا الأوردة عند العامة، يسمونها وردان جمع وريد.
وفي القرآن: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]، هذان العرقان إذا ذبحت الذبيحة أنتم تشاهدون أنها تصب بقوة الدم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«مَا أَنْهَرَ الدَّمَ» (1)، ولا شك أن الدم لا ينهر إلا بقطعهما؛ ولهذا نقول بقطع الودجين.
وفي الرقبة أربعة أشياء: حلقوم ومريء وودجان؛ الحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام؛ فالحلقوم هو هذه الغضاريف التي على شكل القصبة، هو معروف، وجعلها الله سبحانه وتعالى بهذه الصفة لسهولة التنفس، لكن المريء عبارة من جنس الأمعاء من فوق الحلقوم ومجرى الطعام والشراب.
هذه الأشياء الأربعة اختلف العلماء هل يشترط قطعها أو قطع اثنين منها، وما الاثنان، أو قطع ثلاثة، وما الثلاثة؟
ولم يرد في السنة شيء يبين ذلك إلا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ» . فيرى بعض العلماء أن العِبرة بقطع الحلقوم والمريء، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد؛ العبرة بقطع الحلقوم والمريء، ويعللون ذلك بأنه لا يمكن أن تبقى الحياة مع قطع هذين الشيئين، وهما مسار الحياة؛ هذا مسار النفس، وهذا (
…
)، فلهذا وجب قطعهما، وأما الودجان فإن قطعهما سُنَّة، وليس بواجب.
ولا شك أن هذا التعليل منتقض لا يصح طردًا ولا عكسًا؛ لأن ما هو المقصود أن يقطع الإنسان ما لا تبقى معه الحياة لو كان كذلك لقلنا: إذا شق بطنها وقطع أمعاءها.
طالب: لحلت.
الشيخ: حلَّت، ومع ذلك ما تحل، وأيضًا ما يصح عكسًا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«مَا أَنْهَرَ الدَّمَ» ، وهنا لا يمكن إنهار الدم، والعلة في تحريم الميتة هو احتقان الدماء فيها.
فإذن لو لم يقطع الودجين ما يمكن ينهر الدم كله أبدًا إلا بقطع الودجين، ولهذا الذي نراه في هذه المسألة هو قطع الودجين.
ويرى آخرون -ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية- أنه يجب قطع اثنين من ثلاثة؛ وهما الودجان والحلقوم والمريء؛ يعني قطع ثلاثة من الأربعة، إما الودجان والمريء، أو الودجان والحلقوم، أو المريء والحلقوم وأحد الودجين، ولكن قطع الحلقوم والمريء ما وجدت فيه دليلًا من الكتاب والسنة يدل على القطع، وإنما الواجب إنهار الدم، وهذا حاصل بقطع الودجين.
أو في غيرهما إن كان غير مقدور عليه، شوف إنهار الدم (في غيرها) أي غير الرقبة إن كان غير مقدور عليه وأيش اللي غير الرقبة؟
بقية الجسم إذا كان غير مقدور عليه نقول لبعده.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما نقول لبعده؛ لأن البعيد يمكن نصل إليه، لكن لعدم القدرة على تذكيتة بالرقبة.
افرض أنه بعير ندَّ وهرب، كل ما جئنا نمسكه عجزنا عنه فرميناه وأصبناه ومات، فهذا يحل؟ لأنه ندَّ بعير في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فأصابوه بسهم، فقال صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» (1).
كذلك أيضًا من غير المقدور عليه لو أنه سقط في بئر ما يمكن الوصول إليه صارت رقبته من (
…
) الجب؛ فإنه يرمى أو ينزل إنسان مثلًا ويقطعه حتى يموت؛ لأنه غير مقدور عليه، وقد قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
ولهذا أصل في الشريعة ما هو الأصل؟ الأصل: الصيد، لماذا حل الصيد بجرحه في أي موضع من بدنه؟
طلبة: لعدم القدرة.
الشيخ: لعدم القدرة، فإذن لا فرْق بين الصيد وبين غيره ما دام أن مناط الحكم هو العزف عن التذكية في الرقبة.
ثانيًا: أن يكون مأذونًا في ذكاته، فإن كان ممنوعًا لحق الله كالصيد في الحرم لم يحل للذكاة، وإن كان لحق الآدمي كالمغصوب ففي حله قولان.
أن يكون مأذونًا في ذكاته؛ فإن لم يكن مأذونًا في ذكاته فإنه لا يصح، ويش الدليل؟
الدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (6). هذه الذكاة المحرمة ليس عليها أمر الله ورسوله فتكون مردودة؛ وذلك لأن في الذكاة ما هو صحيح وفاسد، فإن وقع على الوجه الشرعي فصحيح، وإن وقع على الوجه الفاسد.
طالب: فليس بصحيح.
الشيخ: فليس بصحيح.
ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] فسمى الله تذكيته قتلًا، لماذا؟ لأنه غير مأذون في ذبحه، فإتلافه -ولو بالذبح- يعتبر قتلًا؛ ولهذا حرم الله قتله.
إذا كان صيدًا في الحرم، وصاد الإنسان هذا الصيد، ومسك الأرنب، وذبحها قلنا: هذه ليست حلالًا، لماذا؟
طالب: منهي عنه.
الشيخ: لأنه منهي عنه. لو أنه ذبحها للضرورة؛ إنسان جائع مثلًا ووجد أرنبًا وذبحها للضرورة ما رأيكم؟
طالب: تحل.
الشيخ: تحل، نعم تحل، ولكن هل يأكل منها بقدر الضرورة؟ أو نقول: الآن هي حلال ويأكلها كلها.
طلبة: لا يأكلها.
الشيخ: لا، ما دام قلنا: إن ذكاتها حلال، وأنها حلت بهذه الذكاة فتكون حلالًا كلها.
طلبة: (
…
).
الشيخ: أن يكون مأذونًا في ذكاته فإن كان ممنوعًا لحق الله كالصيد في الحرم لم يحل للذكاة، وإن كان لحق آدمي كالمغصوب، ففي حله قولان.
هذه المسألة يشترط أن يكون مأذونًا في ذكاته، فأما إذا كان غير مأذون فإنه لا تصح؛ وذلك لأن الفعل هنا أو التحريم وقع على نفس الفعل الموصوف بالصحة، وبالفساد فإن التذكية عمل يوصف بالصحة والفساد، وكل عمل يوصف بالصحة والفساد فإنه إذا وقع على غير الوجه الشرعي كان فاسدًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (7).
فإذا كان غير مأذون فيه لحق الله مثل الصيد في الحرم؛ إنسان مثلًا أمسك أرنبًا في الحرم وذكاها، فإن هذه الأرنب التي ذكيت لا تحل؛ لأن هذا الفعل ممنوع منه، وهو فعل ينقسم إلى صحيح وفاسد، فإذا وقع على غير الوجه المأذون فيه صار فاسدًا لا يترتب عليه شيء من أحكامه؛ ولذلك لو أن الإنسان ذبح صيدًا في الحرم فإنه يكون كالميتة لا يحل، أما إذا كان ممنوعًا لحق الآدمي لا لحرمة الصيد نفسه المذكى، ففي حله قولان لأهل العلم المشهور من المذهب أنه يحل؛ لأن تحريمه هنا ليس لمعنى يتعلق بنفس المذكى ولكن تحريمه، لحق الغير؛ لأن (
…
) ولهذا قالوا: إنه تصح ذكاته، ولكن مع ذلك هل يجوز له أكله ولَّا ما يجوز؟
طالب: ما يجوز.
الشيخ: ما يجوز له أكله، ما يجوز أكله لا؛ لأنه نجس ميتة، لكن لأن هذا المال لغيره كما لو وجد لحمًا قد ذُكي بغيره وأخذه وأكله؛ فإنه حرام عليه، واضح يا جماعة الآن؟
طالب: نعم.
الشيخ: صار المحرم لحق الله لا يجوز لا تصح تذكيته؛ لأن التحريم يعود لمعنى يتعلق بذات المذكى أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: أما إذا كان لحق الآدمي فإن فيه قولين لأهل العلم:
أحدهما أن ذكاته صحيحة؛ لأن التحريم لا يتعلق بعين المذكى، وإنما يتعلق بحق آدمي، فهو في أمر خارج.
والقول الثاني أنه محرم لا تصح ذكاته؛ لأن هذا الفعل نفسه حرام، وهو ينقسم إلى صحيح وفاسد؛ فإذا وقع على وجه حرام صار فاسدًا لا يترتب عليه أثره.
فلكل قول وجهة في الواقع، لكل قول من القولين في مسألة المغصوب له وجهة، وعلى القولين جميعًا فإنه يلزمه الضمان، الضمان لمن؟
طلبة: لصاحبه.
الشيخ: لصاحبه؛ لأنه أتلفه، وبماذا يكون الضمان؟ هل هو بمثله أو بقيمته؟
طالب: قيمته.
الشيخ: يخير، صاحب الحيوان يخير بين مثله وقيمته، لكن عند النزاع إذا قال: لا أنا أريد القيمة، وقال المتلف: لا، أو قال: أريد المثل، وقال المتلف لا.
طالب: قيمته يا شيخ.