الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالصواب أن ما فضل عن حاجة المسجد يجب أن يُصرَف في مسجد آخر حتى لو فُرِض أن المسجد مسجد الجامع، يجب أن يُصرف في مسجد جامع، إن تيسر وإلا ففي مسجد بقية الصلوات، وإنما قلنا: مسجد جامع؛ لأن المسجد الجامع أكثر أجرًا وثوابًا؛ حيث إنه تُصلَّى فيه الجمعة، وبقية المساجد لا تصلى فيها الجمعة، ثم إنه في صلاة الجمعة يكون أكثر عددًا من المساجد الأخرى.
والخلاصة: أنه متى جاز بيع الوقف فإنه يجب أن يصرف إلى أقرب مقصود الواقف بحيث يساوي الوَقْف الأول أو يقاربه حسب الإمكان.
لو أن الناس مثلًا اختاروا أن يُحوِّلوا المسجد المبني من لبن الطين إلى مسجد مُسلَّح هل لهم أن ينقضوا الأول أم لا؟ هذا ينبني على ما ذكرنا، هل تعطلت منافع مسجد الطين؟ لم تتعطل، لكن يُنقل إلى ما هو أفضل وأحسن على رأي شيخ الإسلام رحمه الله، لا بأس، ويكون أجر المسجد الثاني لباني المسجد الأول؛ لأنه لا يمكن أن يُبطِّل أجر الموقف الأول مع إمكان استمرار أجره، فيكون لباني الأول في مدة يُقدَّر فيها بقاء المسجد الأول، أما ما زاد عليها فأجرها لصاحب المسجد الثاني.
[باب الهبة والعطية]
ثم قال المؤلف رحمه الله: (باب الهبة والعطية)
الهبة من وَهَب الشيء إذا أعطاه، واعلم أن خروج المال بالتبرع يكون هِبة، ويكون هدية، ويكون صدقة. فما قُصِد به ثواب الآخرة بذاته فهو صدقة، وما قُصِد به التودد فهو هدية، وما قصد به نفع الْمُعطَى فهو هبة. هذا هو الفرق، وكلها تتفق في أنها تبرع محض لا يطلب الباذل عليها شيئًا.
الهبة والعطية، العطية معطوفة على الهبة من باب عطف الخاص على العام؛ لأن العطية هي التبرع بالمال في مرض الموت المخُوف؛ فهي أخص من الهبة، والهبة أن يتبرع بالمال في أي وقت.
قال: (وهي التبرع بتمليك ماله المعلوم الموجود في حياته غيره). قوله: (التبرع بتمليك) ننظر للمتعلقات. (بتمليك ماله المعلوم الموجود في حياته) المتعلِّق بالتبرع. (غيره) مفعول لقوله: تمليك؛ يعني أن يتبرع في الحياة بتمليك غيرِه مالَه المعلوم.
يعني المعنى أن الإنسان يتبرع بتمليك ماله لشخص في حال الحياة، ومعنى التبرع أنه لا يأخذ عليه مُقابلًا.
(هي التبرع بتمليك ماله)، والمال كل عين مباحة النفع. وخرج بقوله:(ماله) مال غيره؛ لأنه لا يمكن أن يتبرع الإنسان بملك غيره.
وقوله: (المعلوم) خرج به المجهول. (الموجود) خرج به المعدوم. و (في حياته) خرج به الوصية. و (غيره) بيان للواقع.
وقوله: (بتمليك) خرج به أيضًا العارية؛ لأن العارية ليست تمليكًا، وإن كانت تبرعًا لكنها ليست تمليكًا. مثال ذلك: شخص أعطى إنسانًا كتابًا بدون قيمة نُسمي هذه هبة، فإن قصد بها ثواب الآخرة سميناها صدقة، فإن قصد بها التودد إلى هذا الشخص فهي هدية.
والغالب أن الهدية تكون من الأدنى إلى الأعلى؛ لأن الأدنى لا يريد أن ينفع الأعلى، وإنما يريد التودد إليه.
والهبة تكون مع المساوي، ومع من دونه، لكنه لا يقصد بذلك ثواب الآخرة بالقصد الأول. والصدقة يقصد بذلك ثواب الآخرة، ولا يبالي أعطاها فلانًا أو فلانًا.
طالب: المسجد الطيني (
…
).
الشيخ: المسجد الطيني لم تتعطل منافعه، كم يصلي فيه؟
الطالب: في المسجد؟
الشيخ: في المسجد هذا الطيني، كم يصلي؟
الطالب: ما أدري كم يصلي.
الشيخ: لا أدري، هي مسألة تصوير، ما هي واقعية.
الطالب: كيف؟
الشيخ: يعني لو لم يبقَ إلا الإمام والمؤذن فمنافعه باقية.
الطالب: إن أراد شخص آخر يا شيخ أن يبنيه من جديد؟
الشيخ: لا بأس، إذا أراد أن يبنيه من جديد واقتضت المصلحة ذلك بشرط أن يُبين له أن الأجر للأول.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا يبنيه، يبقى على ما هو عليه، أو يُقال: لك من الأجر ما زاد على منفعة المسجد الطين؛ لأن الثاني ربما يكون مكيفًا ونظيفًا وما أشبه ذلك، فما زاد عن منفعة المسجد الطين يكون له.
طالب: أحسن الله إليك، الإشكال عندي لو كان المسجد في حي معين، ثم تتعطل منافعه، فأراد أن يبني مسجدًا ثانيًا في حي آخر، فقال المشتري من المسجد القديم، قال: أنا أبغي أسويه دكانًا، يا شيخ هل يدخل هذا الإنسان في قوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا} [البقرة: 114]؛ لأن سبحان الله الناس متعودون أن يصلوا فيه في هذا المسجد، فلما باعه صار الناس لازم ينتقلون بعيدًا.
الشيخ: لكن تعطل المسجد، تعطل، معناه ما جاء أحد.
الطالب: هل يجوز أن يبني في الحي؟
الشيخ: إي نعم، مثلًا لو فرضنا هذا الحي تركه الناس مثلما يوجد الآن في البيوت القديمة عندنا وعند غيرنا يرتحل الناس عنها، فهل نقول: يبقى المسجد للطيور والعصافير، أو نقول: يُباع ويحط في المسجد بالحي الذي صار عامرًا؟
الطالب: ولكن صورته يا شيخ بالعكس أن الحي معناه ناس كبار هم يصلون في هذا المسجد، ولو انتقل يا شيخ لمسجد في حي ثانٍ أبعد؟
الشيخ: لا، هذا ما يجوز، هذا لا يجوز.
الطالب: هذا تعطل ..
الشيخ: ما تتعطل، الشيبان أنت تقول: ها دول يجون يصلون فيه!
الطالب: متعودون يا شيخ، لكن ..
الشيخ: المهم ما دام هم بيجون يصلون ما تعطلت المنافع.
طالب: أكرمك الله يا شيخ، لو تبرع إنسان بمبلغ من المال ليُبنى به مسجد ووكَّل به إنسان، ثم إن المسجد نقصت نفقاته عن هذا المبلغ، فكيف يصرف ما تبقى من المال؟
الشيخ: كيف؟ يعني زادت الدراهم عليه؟ يُصرف في مسجد آخر وإلا يقال: ترجع للذي سلَّم الدراهم؛ لأن الثاني وكيل.
طالب: مسجد قائم، لكن فيه مشقة على كبار السن، وهو يعني عمله الرجل وقْفًا، فأرادوا أن ينزلوه من الأرض أكثر بالهدم ويعيدوا بناءه من جديد، فهل لهم ذلك؟
الشيخ: يعني كان بالأول رفيعًا؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم.
الطالب: فأرادوا أن يجعلوه نازلًا.
الشيخ: لا يمكن أن يُهدم لهذا الغرض؛ لوجهين: أولًا: أن هدمه تغيير لصورته، والثاني: أن في هدمه، ثم بنائه إضاعة للمال كم بيكلف؟ هؤلاء الإخوة إما أن يجعل لهم ترابيزة، ويكون فيها (
…
) يتمسك فيها الواحد (
…
)، وإلا يجعل أيش تسمونه؟ مزلجان ويُدفِّعُون بالعربية.
الطالب: إذا كان ثمة أغراض أخرى؟
الشيخ: المهم اعلم أن إضاعة المال لا تمكن، إضاعة الوقف لا تمكن.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم.
الطالب: (
…
) أنه وقْف، ثم أصبح مدينًا يُصرف في الدَّيْن؟
الشيخ: لا؛ لأنه لما أوقف خرج عن ملكه، الآن على ما أختاره، واختاره غيرنا إذا أوقفه خرج عن ملكه أصلًا، لكن شيخ الإسلام رحمه الله قاس على المدَبَّر، وقد باع النبي صلى الله عليه وسلم الْمُدَبَّر لقضاء دين الميت (5).
طالب: بس يا شيخ ما يقال: إنه قصد النفع العام، وهو أولى الناس بهذا.
الشيخ: بس خرج عن ملكه.
الطالب: لكن قصد النفع العام.
الشيخ: إي، ما يخالف، قصد النفع العام، وأخرجه عن ملكه.
طالب: بارك الله فيك.
الشيخ: أرأيت لو تصدق على إنسان مثلًا بعشرة آلاف ريال صدقة أو هبة، ثم افتقر وصار عليه دَيْن يسترده منه؟ لا يسترده.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، عندنا في البلد الأوقاف تُشرِف على المساجد ..
الشيخ: أيش تسوي؟
الطالب: وزارة الأوقاف تشرف على المساجد، هل للباني، الْمُوقف، هل له يتدخل في المسجد، في التجديد .. ؟
الشيخ: لا، أبدًا؛ لأن باني المسجد إذا بناه دخل ملك الدولة؛ يعني قصدي صار النظر فيه للدولة، هذه يسمونها مساجد خاصة.
الطالب: (
…
) مثلا يعني المسجد فيه نقص (
…
).
الشيخ: النقص (
…
) الجهات المسئولة، ما هو خلاص، هو لما عمره حتى ولا الفرش ما يلزمه. إي نعم، إلى الفصل الأول.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك (
…
) أعمال الخير، هل تؤثر في الأجر؟
الشيخ: على حسب الكاتب، إذا كان قصده أن يمدحه الناس على ذلك فهذا نوع من الرياء لا شك، وإذا كان قصده أن يدعو الناس له فهذا لا بأس به.
الطالب: ولو كان مسجدًا؟
الشيخ: ولو كان مسجدًا.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، حصل أن مسجدًا له محلات (
…
) ريع للمحلات ..
الشيخ: المسجد له ريع؟
الطالب: له خراج، ربح، أرباح من المحلات يعني.
الشيخ: يعني فيه محلات موقوفة على المسجد؟
الطالب: محاطة بالمسجد، محلات يعني بجوار المسجد تابعة للمسجد، وهذه الأموال كانت تُوضَع في البنوك حتى يعني إذا احتاج المسجد أخذ منها، وصار هناك فوائد، فلما أرادوا أن يُعطوا ناظري هذا المسجد المال، رفضوا الفوائد، فتكدست فأعطوا الفوائد بنوا بها أربعة كنائس، فهل نقول: نأخذ الفوائد ونعطيها للفقراء والمسجد؟
الشيخ: أسألك: الربا هل ملك دخل ملك المرابِي ولَّا لا؟
الطالب: نعم، ما فهمت.
الشيخ: المسألة: هذا الإنسان الذي حصل له الربا، هل هذا الربا دخل ملكه ولَّا لا؟
الطالب: لا.
الشيخ: إذن ويش ذنبه؟ إذا قال: أنا ما أخذت شيئًا، لم يدخل ملكي وأيضًا هو ربا، والله يقول عز وجل:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] أما كون هؤلاء يأخذون الأموال ويجعلونها في الكنائس ما علينا منهم؛ لأن المال ليس له ولم يدخل ملكه شرعًا.
طالب: يا شيخ، بارك الله فيك، رجل نذر إن رُزق مولودًا أن يملأ الحوض الفلاني للمسجد الفلاني فهُدم هذا المسجد.
الشيخ: أي، يملأ أيش؟
الطالب: يملأ الحوض.
الشيخ: حوض إيه؟
الطالب: بركة المسجد.
الشيخ: نعم.
الطالب: فتباطأ هذا الرجل الناذر، تباطأ حتى هدم المسجد وهدمت (
…
).
الشيخ: تباطأ ولا هُدم قبل أن .. ؟
الطالب: لا، هو تباطأ، أعطاه الولد وتباطأ حتى إذا هُدِم المسجد بُنيت لم يجد ما يصرفه إلى (
…
)، فما الحكم في هذا النذر؟
الشيخ: يقدر دراهم ويجعلها في بناء مسجد.
الطالب: في بناء أي مسجد؟
الشيخ: أي مسجد نعم.
طالب: (
…
) الطلاق المعلق (
…
)؟
الشيخ: الطلاق المعلق نفذ من الزوج، قال: إذا طلعت الشمس فزوجتي طالِق، خلاص وقع الطلاق على ها الصفة دي، أما الوقف فهو من جنس الذي ينوي الصدقة بشيء فله ما دام لم يحصل الشيء له أن يرجع في صدقته.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، في مسألة التخلص من الفوائد الربوية، بعضهم أورد إشكالًا، قال: إننا لو جعلنا الفوائد لهم دخلنا في المحظور ..
الشيخ: وهو؟
الطالب: قال: إنا كنا موكلين للربا، الرسول صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا (7). الآكل والموكل فكنا موكلين للربا بهذا ..
الشيخ: ولا أوكلناه، أصلًا ما في أيدينا حتى نوكله إياه، ما دخل ملكنا حتى الآن.
الطالب: بس جهة التسبب.
الشيخ: ولا بالتسبب، وليس هذا المال أيضًا كسب مال، قد يكون ماله الذي دخل عليه اشترى به سيارة وخسره، ما هو على كل حال، أفهمت؟ ثم لا تأتي .. لا تدخل مسألة العقل والأقيسة وعندك نص:{وَإِنْ تُبْتُمْ} [البقرة: 279] فأيش؟ {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279]، ونبينا صلى الله عليه وسلم أعلن يوم عرفة قال:«رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» (8).
ما هو أول وَقْف كان في الإسلام؟
طالب: وقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الشيخ: في أي مكان؟
طالب: في خيبر.
الشيخ: في نصيبه من خيبر. من الذي أشار عليه بهذا الوقف؟
طالب: الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم. أيهما أفضل الوَقْف أو الصدقة؟
طالب: الوَقْف.
الشيخ: الوقف، في الأراضي ونحوها الوقف؛ لأنها تبقى. هل الوقف عقد لازم؟
طالب: نعم.
الشيخ: هل فيه مجلس خيار؟
طالب: ليس خيار مجلس.
الشيخ: ما فيه. عرِّف الوقْف؟
طالب: الوقْف هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
الشيخ: نعم، ويش معنى تحبيس الأصل؟
الطالب: تحبيس الأصل معناه يحبس على نفسه، (
…
).
الشيخ: يعني يمنع؟
الطالب: على نفسه هذا المعين ..
الشيخ: يعني يمنع بيعَه وشراءَه ورهنه. وهل يحبس عن الإجارة؟
الطالب: لا يحبس عن الإجارة؛ لأن الإيجارة منفعة للوقف (
…
).
الشيخ: منفعة للوقف طيب أحسنت. ينعقد الوقف بصيغتين؟
طالب: بالقول أو بالفعل.
الشيخ: بالقول وبالفعل، تمام يعني له صيغتان قولية وفعلية. القولية تنقسم؟
طالب: قولية (
…
).
الشيخ: لا، تنقسم، قبل خمسة ألفاظ.
الطالب: كناية، وصريح.
الشيخ: إلى صريح وكناية. الصريح؟
طالب: قوله: وقَّفْت، حبَّست، سبَّلت.
الشيخ: وقَّفْت، حَبَّسْت.
الطالب: سبَّلْت.
الشيخ: نعم، الكناية؟
الطالب: الكناية: تصدَّقت و (
…
).
الشيخ: أحسنت. ما الفرق بينهما من حيث الحكم؟
الطالب: الصريح ينتقل الملك للموقف عليه مباشرة بعده.
الشيخ: ينعقد الوقف بمجرد النطق به.
الطالب: أما الكناية فإنه يُشترط اقترانه بأحد من الأشياء (
…
).
الشيخ: إلا بأيش؟
الطالب: إلا بالنية، النية مع الوقف.
الشيخ: هذه واحد.
الطالب: أو اقتران أحد الألفاظ الخمسة.
الشيخ: يقترن بأحد الألفاظ الخمسة.
الطالب: أو ما يدل على الوقف.
الشيخ: أو ما يدل على الوقف، أحسنت، تمام.
كيف قلت: أحد الألفاظ الخمسة، والألفاظ ستة؟
الطالب: أن ثلاثة هي الصريح، والثلاثة التي في (
…
) سيكون يحتاج إلى ..
الشيخ: ويش لون كم أحد الألفاظ الخمسة وهي ستة؟
طالب: لأن أحدها سيكون (
…
).
الشيخ: لا.
الطالب: لأن أحد ألفاظ الكناية التي يعبر بها الذي يريد أن يُوقِف.
الشيخ: لأن أحد الألفاظ الستة سوف يُعبِّر به، ثم يتلوه بأحد الألفاظ الخمسة.
مثال ذلك في حُكْم الوقف أو ما يدل على الوقف؟
طالب: ما يدل على الوقف؟
الشيخ: إي، كناية قُرن بها ما يدل على الوقف؟
الطالب: كمن جعل أرضه مسجدًا.
الشيخ: كناية، هذا اللي تقول باب آخر.
الطالب: أن يقول: حرَّمت هذه ..
الشيخ: أبَّدت هذه المكتبة.
الطالب: أبَّدت هذه المكتبة وقفًا.
الشيخ: لا، أنا قصدي حكم الوقف، ما هو بأحد الألفاظ الخمسة.
الطالب: يقول: حرَّمت هذه المكتبة لا تُباع ولا تُوهب.
الشيخ: لا تُباع ولا تُوهب، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: صحيح، أو يقول: أبَّدْت هذه على فلان، ثم مَنْ بعده، المساكين، أو أبناؤه، أو ما أشبه ذلك.
رجل عنده أرض براح، فتحها، أو أحاطها بسور وقال للناس: من شاء أن يدخل فيها فليدخل، أتكون وقفًا؟
طالب: نعم، يا شيخ.
الشيخ: تكون وقفًا، بأي صيغة؟
طالب: كونه صرح للناس.
الشيخ: لكن بأي صيغة؟ أهي قولية أو فعلية؟
الطالب: قولية.
الشيخ: هو ما قال: وقَّفْت؟
طالب: صرح للناس بأن يدخلوا، فهي فعلية.
الشيخ: إي نعم، فعلية، ماذا تقولون؟ صحيح؟
طلبة: نعم.
الشيخ: صحيح. لو دفن فيها قبر ابنه مثلًا أو أبيه فقط؟
الطالب: لا تكون وقْفًا.
الشيخ: لا تكون وقْفًا.
الطالب: لأنه لم يأذن لغيره بالدفن.
الشيخ: حتى يأذن للعامة، تمام. ما تقول فيمن وقَّف تمرًا؟
طالب: تمر.
الشيخ: إي، وقَّف تمرًا على المساكين.
الطالب: فيه خلاف.
الشيخ: أعطنا رأي المؤلف أولًا؟
الطالب: ليس وقفًا.
الشيخ: لا يصح، لماذا؟
الطالب: لأنه لا ينتفع به إلا بفنائه.
الشيخ: أحسنت؛ لأنه لا ينتفع به إلا بفنائه، ويشترط أن يكون ينتفع به مع بقاء عينه.
هل هناك قول؛ لأنك أشرت إلى أن فيه خلافًا؟
الطالب: إي، شيخ الإسلام يرى أنه يجوز.
الشيخ: أنه جائز. لو وقَّف ثمرة هذه النخل؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: نعم، ثمرة من النخلة؟
طالب: ثمرة النخل (
…
) ليس بوقف، صدقة.
الشيخ: إي نعم، لا يصح الوقف؛ لأن إن كانت الثمرة معدومة فالوقف معدوم لا يصح، وإن كان موجودًا فإنه لا يُنتفع به إلا بفناء عينه؛ فلا يصح.
هل يجوز أن يوقِف الإنسان قلمًا للكتابة به؟
طالب: نعم.
الشيخ: يجوز، أوقف قلمًا ما يساوي خمسة ريالات للكتابة به.
الطالب: لو يساوي ريالًا واحدًا.
الشيخ: يعني تقول: يصح؟
الطالب: المذهب لا يصح.
الشيخ: لا يصح، قلم هذا ما بيمنع من هذا؟
الطالب: لا يصح؛ لأنه يتلف (
…
).
الشيخ: هذا يتلف؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: يلَّا أثبت الآن؟
الطالب: القلم (
…
) لا يصح.
الشيخ: إن كان لا يُنتفع به إلا بذهاب أجزائه فهو لا يصح، وإلا يصح.
الآن القلم المعروف الذي يُعبَّأ بالحبر يصح؟
طالب: يصح.
الشيخ: يصح؛ لأن مداده دائم، ما دام باقيًا فمنفعته باقية؟
القلم الرصاص؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: ما يصح. طباشير يصح؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؟
الطالب: لا يصح على المذهب.
الشيخ: إي، على المذهب، ليش؟
الطالب: لا ينتفع به إلا بتلف.
الشيخ: إلا بتلف، توافقون على ذلك؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب بارك الله فيكم، صحيح. متى يشترط أن يكون الوقف على بر؟
طالب: إذا كان على جهة عامة.
الشيخ: إذا كان على جهة عامة، مثل؟
الطالب: مثل المساجد، الفقراء، المساكين.
الشيخ: طيب، وإذا كان على شخص خاص؟
الطالب: يشرط فيه ألا يكون على إثم.
الشيخ: إذا كان على شخص خاص يشترط ألا يكون على إثم. لو وقَّف على غني؟
طالب: يصح.
الشيخ: يصح؟
الطالب: نعم؛ لأنه معين.
الشيخ: الغني ما هو محتاج؟
الطالب: نعم، يتشرط فيه ألا يكون على إثم.
الشيخ: طيب.
الطالب: وليس فيه إثم.
الشيخ: توافقونه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لو وقَّف على المغنين؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح.
طالب: لأن هذه جهة فيشترط أن تكون على بر.
الشيخ: طيب على مُغنٍّ؟
طالب: فيه تفصيل.
الشيخ: ما هو التفصيل؟
الطالب: إن كان يُستعان على الغناء والموسيقى فلا يصح، وإن كان لا يستعين به فيصح.
الشيخ: يعني إن يوقَّف على مغنٍّ لشراء آلات العزف؛ فلا يصح، أما ليأكل ويشرب فيصح.
رجل أوقف على جبريل؛ لأن جبريل مُوكَّل بالوحي ينزل بالخير للناس؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: كيف لا يصح؟
طالب: (
…
) على معين (
…
).
الشيخ: وهذا لا يملك جبريل؟
طالب: نعم.
الشيخ: توافقون على ذلك؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب. وقَّف على فرس لفلان؟
الطالب: على المذهب لا يصح (
…
).
الشيخ: على المذهب لا يصح، لماذا؟
الطالب: لأن (
…
) لا يملك.
الشيخ: لا يملك؛ لأنه لا يملك، يعني على القاعدة هل هناك قول آخر؟
الطالب: (
…
) على فرس فلان (
…
) يجاهد عليه في سبيل الله فهذا جهة بر.
الشيخ: إذا كان وقف على الفرس؛ لأنه كان يجاهد عليه في سيبل الله فهذا جهة بر.
وإذا كان يريد أن ينفع صاحبه فقط؟
الطالب: لا.
الشيخ: لا يصح، ماذا تقولون؟
طلبة: يصح.
الشيخ: فيه قول، على القول الثاني يصح، أما المذهب (
…
) المذهب لا يصح حتى لو أراد نفع صاحبه.
***
ذكرنا أن التبرع هو بذل المال بلا عوض، وذكرنا أنه ثلاثة أنواع؟
طالب: النوع الأول (
…
).
الشيخ: بس اذكر أسماء وبعدين التعريف.
الطالب: صدقة.
الشيخ: صدقة.
الطالب: هدية.
الشيخ: هدية.
الطالب: هبة.
الشيخ: هبة، تمام، هذه ثلاثة أنواع. الصدقة ما هي؟
طالب: ما قُصد به ثواب الآخرة.
الشيخ: ما قُصد به ثواب الآخرة؟ مثاله؟
الطالب: الصدقة على الفقراء.
الشيخ: أعطى فقيرًا صدقة، هذا تبرع؛ يعني ما أخذ العِوَض، لكن لو قُصِد به الآخرة فيكون صدقة. طيب الهدية؟
طالب: الهدية ما قُصِد به التودُّد.
الشيخ: ما قُصد به التودد والتأليف، هذه هدية.
أليس التودد والتأليف من الأمور المقصودة شرعًا، ويُقصد بها ثواب الآخرة؟ الجواب أيش؟
الطالب: لأنها تخرج لتأليف القلوب والمواساة.
الشيخ: يعني ثواب الآخرة لم يقصد فيها قصدًا أوليًّا؛ ولهذا يخصها برجل معين، الصدقة ما يخصها برجل معين، أي فقير يواجه يعطيه.
طالب: ما يقصد به نفع الموهوب له.
الشيخ: اللهم أعطنا سمعًا قويًّا، أو صوتًا قويًّا، أو الأمرين، يلَّا.
طالب: ما يُقصد به نفع الموهوب.
الشيخ: إي نعم، نفع المتبرع له، هذا أيش؟ يسمى هِبة؛ لأن الإنسان ليس له قصد إلا نفع هذا الشخص، وكلها تعتبر من التبرع الذي لا يملكه إلا صاحبه؛ ولهذا نقول: ولي اليتيم يجوز أن يتصرف لكن لا يجوز أن يتبرع، الوكيل يجوز أن يتصرف لكن لا يجوز أن يتبرع؛ لأن التبرع لا بد من أن يكون من صاحبه؛ أي ممن يملك أن يتبرع.
أخذنا التعريف المؤلف؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: نعم، قال: وهي (التبرع بتمليك ماله المعلوم الموجود في حياته غيره، وإن شرط فيها عوضًا معلومًا فبيع)(إن شرط فيها) أي في الهبة (عوضًا معلومًا فبيع) يعني فله حكم البيع، مثال ذلك: قال رجل لأخيه: وهبتك هذا على أن تعطيني عشرة ريالات. نقول: هذه بيع، يثبت لها أحكام البيع، فيكون فيها خيار المجلس، ولا بد فيها من إيجاب وقبول وسائر الشروط؛ ولهذا لو قلت للإنسان وأنت مارٌّ معه إلى الجامع وقد أذن الأذان الثاني، لو قلت: أعطيتك هذا القلم تبرعًا، يجوز؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز. ولو قلت: أعطيتك هذا القلم بشرط أن تعطيني خمسة ريالات؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، ليش؟
طلبة: لأنه بيع.
الشيخ: لأن الثاني بيع.
قال: (ولا يصح مجهولًا إلا ما تعذر علمه) يعني لا يصح أن يهب شيئًا مجهولًا إلا ما تعذر علمه، وليس المراد لا يصح مجهولًا فيما شرط فيه العوض لا، لا يصح أن يهب مجهولًا إلا ما تعذر علمه كالحمل في البطن وشِبهه. وعلى هذا فلو أن شخصًا له جمل شارد وقال لآخر: وهبتُك جملي الشارد؛ فإنه لا يجوز، لماذا؟ لأنه مجهول، وغير مقدور عليه، فلا يصح
أو قال: وهبتُك ما في هذا الكيس من الدراهم فإنه لا يصح، لماذا؟
طلبة: مجهول.
الشيخ: لأنه مجهول، ويمكن علمه.
وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو ما يراه رحمه الله، وهو المذهب.
والقول الثاني أنه يصح أن يهب المجهول؛ وذلك لأن الهبة عقد تبرع، والإنسان فيها إما غانم وإما سالم، فإذا وهبته شيئًا مجهولًا وقَبِل فلا ضرر عليه؛ لأنه إما أن يحصل على شيء يريده أو شيء لا يريده، إن حصل على شيء يريده فهذا هو المطلوب وإلا فلا ضرر عليه، فإذا قال: وهبتك ما في هذا الكيس من الدراهم على المذهب ما يجوز، ليش؟
طلبة: مجهول.
الشيخ: لأنه مجهول، القول الصحيح أنه يجوز.
فتحه ويظن أن فيه عشرة آلاف، وإذا فيه دفتر مفكرة، يجوز ولَّا ما يجوز؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: تكون المفكرة له؟
طلبة: إي نعم.
الشيخ: المذهب لا تكون له، ليش؟ لأنها مجهولة، والقول الراجح أنها تكون له؛ لأن هذا الذي قبل الهدية ما عليه ضرر، إذا ظهرت المفكرة ما عليه ضرر. فإن لم يكن فيها شيء؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: لا شيء فيها، ما عليه شيء، فالصواب أنه يصح أن يهب المجهول سواء تعذر علمه أم لم يتعذر.
ومما يتعذر علمه أن يختلط ماله بمال شخص على وجه لا يُدرَى عن كميته، ولا يتميز بعينه فيقول: وهبتُك مالي الذي اختلط في مالك، هذا مجهول، يتعذر علمه، فعلى المذهب يصح؛ لدعاء الضرورة لذلك.
قال: (وتنعقد بالإيجاب والقبول والمعاطاة الدالة عليها) تنعقد أي الهبة بالإيجاب، وهو اللفظ الصادر من الواهب والقبول وهو اللفظ الصادر من الموهوب له، فيقول: وهبتك هذا الكتاب، ويقول الثاني: قبلت، الأول أيش هو؟
طلبة: إيجاب.
الشيخ: والثاني؟
طلبة: قبول.
الشيخ: قبول.
وكذلك (بالمعاطاة الدالة عليها) أيضًا تنعقد بها، مثل أن يكون عند شخص وليمة دعوة، فأرسل إليه أخوه شاة ولم يقل شيئًا، أخذ الشاة وذبحها وقدَّمها للضيفان، تصح الهبة أو لا؟
طلبة: تصح.
الشيخ: تصح، ليش؟
طالب: المعطاة.
طالب آخر: دال عليه.
الشيخ: لأن هذا دال عليها، هو صديق، وأراد أن يساعدني فأرسل إليَّ الشاة، ولم يقل: هبة، يخشى إذا قال: هبة أن يكون فيها نوع من المنة فنقول: هذا يصح.
إنسان آخر بيده كتاب، فرآه صاحبه لما رآه يراه أعطاه إياه بدون أن يقول: وهبتك، وبدون أن يقول لك: قبلت. هذه المعاطاة تدل على الهبة؟ الظاهر أنها تدل على الهبة لا سيما إذا كان الواهب ممن عُرِف بالكرم، وإلا فقد يقال: إن الأصل بقاء ملكه، ولا تصح هذه الهبة؛ لأنه ربما أعطاه إياه من أجل أن ينظره ويستفيد منه.
إذن صيغتها نوعان؛ قولية وفعلية؛ القولية هي الإيجاب القبول، والفعلية هي المعاطاة الدالة عليها.
(وتلزم بالقبض بإذن واهب إلا ما كان في يد موتهب) إذا تمت الهبة بالإيجاب والقبول، فهل فيها خيار مجلس؟ لا، ليس فيها خيار مجلس، لكن فيها خيار مطلقًا حتى تُقبض؛ لأنها لا تلزم إلا بالقبض.
فلو قال: وهبتك كتابي الفلاني فقال: قبلت، ولم يُسلِّمه له، ثم رجع فرجوعه جائز؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض.
قال: وهبتك كتابي هذا، ولم يسلمه له، ثم قال: رجعت، يجوز؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يجوز؛ لأنه لم يقبض، فإن قبض فهل فيها خيار مجلس؟ نقول: ما دام في المجلس فله الرجوع؟ لا؛ لأن هذا عقد تبرع، والذي فيه خيار المجلس هو عقد المعاوضة، والفرق بينهما ظاهر عقد المعاوضة أعطى الشارع المتعاقدين مهلة ما دام في المجلس؛ لأن الإنسان قد يرغب في السلعة، وإذا بِيعت عليه نزلت من عينه، وهذا شيء مُشاهَد أن الإنسان تجده راغبًا في السلعة، وإذا بِيعَت عليه نزلت من عينه، فجعل له النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخيار إذا أحب أن يردها (9).
لكن الهبة فيها عقد معاوضة؟ لا، هو أعطيها مجانًا، حتى لو كان في الأول يحبها، ثم أعطيها ونزلت من عينه ماذا يضره؟ لا يضره شيء.
إذا تلزم بالقبض لا بد أيضًا من إذن الواهب بذلك، فلو قال: وهبتك بعيري الذي في حظيرتي، تعرفون الحظيرة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: الرجل لما قال: وهبتك بعيري الذي في حظيرتي، قال: قبلت. ثم ذهب الموهوب له مسرعًا وقبض البعير، فهل تلزم الهبة؟ المؤلف يقول: لا تلزم إلا إذا قال: اذهب فاقبضها، أو ذهب معه وقبضها إياه، أما أن يقبض بدون إذنه فلا.
فإذا قال قائل: أليس يلزم من الهبة الإذن في القبض؟
قلنا: لا يلزم؛ لأنه قد يندم -أعني الواهب- فيرجع قبل القبض، وأنت إذا بادرت وقبضت سددت عليه الباب بدون إذنه، وهو له الحق أن يرجع حتى يسلمك إياها، أو يأذن لك بالقبض؛ فلهذا اشترط المؤلف قال:(بإذن واهب).
(إلا ما كان في يد متهب) ما كان في يد متهب لا يحتاج إلى إذن كشخص استعار كتابًا من آخر، والكتاب في يده فقال له مالك الكتاب: قد وهبتُك كتابي الذي استعرته مني، يحتاج أن يقول: وهل تأذن لي في قبضه؟ لا. لماذا؟ لأنه في يده فصار بعد الهبة مقبوضًا.
فإن قال قائل: إن القبض يختلف، قبضه قبل الهبة على أن يده يد أمانة، لا يد مالك، وبعد الهبة صارت يده يد مالك.
نقول: لا يؤثر هذا الفرق؛ لأن العبرة هل الموهوب وصل له أو لا؟ وحينئذٍ نقول: إنه قد وصل. (إلا ما كان في يد متهب).
نحن ضربنا مثلًا بالعاريَّة، هل يصح أن نضرب مثلًا بالوديعة؟
طالب: يصح.
الشيخ: يصح. مثاله.
طالب: أودعت فلانًا كتابًا، ثم قلت: وهبته لك.
الشيخ: أودعت فلانًا كتابًا. قلت: هذا كتاب احفظه عندك حتى أطلبه منك، ثم وهبته. يحتاج إليه في القبض ولا ما يحتاج؟ ما يحتاج، بارك الله فيك.
لو أن الواهب بعد أن وهب الهبة ولم يقبضها الموهوب له مات، هل تلزم الهبة؟ لا تلزم؛ لأن الموهوب له لم يقبضها، ويكون المال الآن يرجع إلى مَنْ؟ إلى الورثة؛ لأنها هبة لم تلزم؟
لو وهب شيئًا ولم يُقْبضه، ثم باعه، يصح البيع أو لا يصح؟
طلبة: يصح.
الشيخ: يصح؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض.
إذا لزمت بالقبض فهل الملك يكون من القبض أو من عقد الهبة؟ يكون من عقد الهبة.
ووارثُ الواهبِ يَقومُ مَقامَه ومَن أَبْرَأَ غَريمَه من دَيْنِه بلَفْظِ الإحلالِ أو الصدَقَةِ أو الْهِبةِ أو نحوِها بَرِئَتْ ذِمَّتُه ولو لم يَقْبَلْ ويَجوزُ هِبةُ كلِّ عينٍ تُباعُ وكَلبٍ يُقْتَنَى.
(فصلٌ)
يَجِبُ التعديلُ في عَطِيَّةِ أولادِه بقَدْرِ إرْثِهم، فإن فَضَّلَ بعضَهم سَوَّى برجوعٍ أو زيادةٍ، فإن ماتَ قبلَه ثَبَتَتْ، ولا يَجوزُ لوَاهبٍ أن يَرْجِعَ في هِبَتِه اللازمةِ إلا الأبَ
لأنها هبة لم تلزم.
طيب لو وهب شيئًا ولم يقبضه ثم باعه، يصح البيع أو لا يصح؟
طلبة: يصح.
الشيخ: يصح؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض.
طيب إذا لزمت بالقبض فهل الملك يكون من القبض أو من عقد الهبة؟ يكون من عقد الهبة، ونظيره إذا بعت عليك سلعة، فما دمنا في مجلس العقد فلكل واحد منا الخيار، فإذا تفرقنا لزم البيع، هل يكون دخول ملك المبيع للمشتري من حين العقد أو من حين التفرق؟
طلبة: العقد.
الشيخ: من حين العقد.
وعلى هذا فإذا قلنا: إن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإنه ما دام لم يقبضها الموهوب له فللواهب الرجوع، فإذا قبضها فهي ملك الموهوب له، وملكه من متى؟ أجيبوا يا جماعة.
طلبة: من العقد.
الشيخ: من العقد، فصارت تملك بالعقد، ولا تلزم إلا بالقبض.
ثم قال: (ووارث الواهب يقوم مقامه) ..
طالب: يا شيخ -أحسن الله إليك المؤلف- عبر بالمعاطاة، وما عمم المسألة إلا في الوقف ..
الشيخ: أيش؟
الطالب: هو ما عمم المسألة؛ بأن جعل كل عمل دالًّا على الهبة صيغة له، هنا خص هذا العموم؟
الشيخ: نعم، هو لو قال: كل ما يدل على الهبة لا بأس، أحيانًا يقولون الشيء يريدون التمثيل فقط، حتى في البيع ما قالوا: إنه ينعقد بالإيجاب والقبول والمعاطاة؟ قالوا هكذا، فهذا على سبيل التمثيل.
طالب: إذا وقف على من لا وارث له، فما حال الوقف (
…
)؟
الشيخ: ويش لون: وقف على من لا وارث له؟
الطالب: (
…
) يجوز الوقف على الفرس (
…
).
الشيخ: لا، يجوز الوقف على الفرس مطلقًا؛ جهاد وغير جهاد.
الطالب: طيب إذا مات؟
الشيخ: مات الفرس؟
الطالب: مات هذا الوقف اللي عليه.
الشيخ: إذا مات الفرس خلاص بطل الوقف.
الطالب: يرجع لصاحبه؟
الشيخ: يرجع لصاحبه.
طالب: (
…
).
الشيخ: كيف؟
الطالب: لو قال الواهب عليك ما وهبت إن لم يكن على (
…
) فما وجد شيئًا (
…
).
الشيخ: يعني أنه لعب عليه؟
الطالب: نعم.
الشيخ: إي.
الطالب: (
…
).
الشيخ: مسألة أنه يلعب عليه أو ما يلعب عليه هذا شيء ثانٍ، الكلام على أنه تصح الهبة.
الطالب: إن كان (
…
)؟
الشيخ: ربما يلعب عليه مع أصحابه، فإذا فرح قال: الحمد لله، وجد له شو اسمه؟ محفظة دراهم منتفخة ولَّا ما فيها شيء، يضحكون عليه، يمزحون عليه، أما تعرف المزح؟
طالب: (
…
) لو قال صاحب الشاة: إنما أعطيتك قرضًا؟
الشيخ: قرضًا، لا، الأصل عدم ذلك؛ ولهذا لاحظوا أنه ذكرنا في المثال أنه صديقه؛ لأنه لو أرسل له شخصٌ يتجر بالحيوان أرسل له شاة هذا قرينة تدل على أنه أراد العوض.
طالب: يا شيخ -بارك الله فيكم- في مسألة هبة المجهول، لا شك -إن شاء الله- أن ما رجحناه هو الراجح.
الشيخ: نعم.
الطالب: لكن -يا شيخ- إذا كان قلنا: إنه لا ضرر عليه؛ إما أنه غانم وإما أنه سالم.
الشيخ: نعم.
الطالب: لكن -يا شيخ- بعض الناس من الأكابر تلحقه المنة، ثم لا يأخذ ما كان في باله، فلو قال له مثلًا: وهبتك البيت الفلاني، ثم لم يعلمه لا بوصف ولا برؤية، فإذا رأى ذلك البيت وإلا هو لا يليق بمثله.
الشيخ: طيب.
الطالب: فحصلت عليه المنة ولم يأخذ شيئًا؟
الشيخ: يبيعه، إذا كان لا يسكنه يبيعه.
الطالب: حصلت عليه المنة؟
الشيخ: أبدًا، ما فيه منة، طيب المنة لو يعطيه قرشًا فهو منة إذا شاء، إذا كان ما يريد منة أبدًا يقول: لا قبول، ما أبغاه.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- الوقف قطع (
…
)؟
الشيخ: إي، المنقطع هو الذي ينقطع من الموقوف عليه، مثلًا وقف على زيد ثم المساكين ومات زيد انقطع المساكين، الآن يتصل، لكن لو قال: على زيدٍ، ثم على عمرو، ومات زيد ومات عمرو، الآن انقطعت الجهة، فإذا انقطعت فيها خلاف؛ هل يعود لورثة الواقف أو لورثة الموقوف عليه أو يعود للمساكين؟ وإذا عاد فهل يعود وقفًا أو يعود ملكًا؟ فيه خلاف طويل عريض، وأقرب شيء عندي أنه إذا علم أن قصد الواقف البر والأجر فإن المنقطع يرجع إلى المساكين أو المصالح العامة.
طالب: أحسن الله إليك، (
…
)؟
الشيخ: أيش؟
الطالب: زوال هذا الشخص (
…
).
الشيخ: ثم؟
الطالب: ثم زوال الموهوب له من قبل هذه الجهة.
الشيخ: نعم.
الطالب: ومات الواهب.
الشيخ: الواهب فالوارث يقوم مقامه.
الطالب: يقبضها يا شيخ؟
الشيخ: الوارث يقوم مقامه؛ يعني: كأنه لم يمت؛ إن شاء سلمها، وإن شاء أمسكها.
طالب: أحسن الله إليك، إذا وهب إنسان هبة -مثلًا- إلى أحد، ثم أودعه إياها وعندما (
…
) تراجعت عن الهبة (
…
)؟
الشيخ: ما يمكن؛ لأنه لا يجوز الرجوع في الهبة الواجبة اللازمة، إلا ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- كالأب، ومن وهب لسبب ثم تبين عدمه سيأتينا إن شاء الله.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، سكوت الواهب يعد إذنًا منه؟
الشيخ: يعني أنه رآه يقبضها وسكت.
الطالب: هو قال: سآخذها هدية، فسكت.
الشيخ: لا، ما يكفي هذا، لكن لو رآه يقبضها وسكت هذا يقوم مقام الإذن.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم، يتبين تمامه بالقبض؛ يعني: فعلى هذا إذا قدر أنها من الأموال الزكوية انعقد الحول من الهبة.
طالب: لا، من القبض؟
الشيخ: لا، من القبض.
الطالب: ويجوز يبيعه يا شيخ؟
الشيخ: نعم.
الطالب: ويجوز بيعه قبل القبض؟
الشيخ: من يجوز؟
الطالب: يجوز للموهوب له أن يبيعها قبل أن يقبضها.
الشيخ: ما يمكن يبيعها؛ لأنه تعلقت بحق الواهب، الواهب الآن قبل أن تقضبها له الحق.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: هو أصلًا ما يتبين تمام الملك إلا بالقبض، لكن إذا قبض تبين أن الملك من العقد.
طالب: مسألة وهب الشاة في العرس (
…
)؟
الشيخ: أيش؟
الطالب: إذا كان عرف الناس.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: إن وهبتني اليوم شاة في عرسي أنا أهبك غدًا شاة في عرسك (
…
).
الشيخ: لا، هذه عادة ما هي لازمة؛ يعني جرت العادة أن الذين يأتون بالغنم لمساعدة المتزوج أنه إذا حصل زواج عندهم يساعدهم هؤلاء، لكن ما هو شرط، ما تلزم؛ يعني ما هو لازم أني أرد عليه الهبة لكن جرت العادة، والناس الآن لا يمكن ألا يساعد؛ لأنه يرى أن هذا عيب عندهم.
طالب: إذا قال الواهب للموهوب له: وهبتك كذا؛ ساعة أو ما أشبه ذلك، ثم رجع عن قوله (
…
)؟
الشيخ: لا، ما هو بوجيه؛ لأنه ما دام أن الشرع أذن لي في هذا ما (
…
).
طالب: وهبه وسكت، ثم بعد ذلك قال: وهبتك (
…
)؟
الشيخ: هو إذا كان لم يسلمها ما هي مشكلة، إذا سلمها عاد ما يقبل إلا إذا دلت القرينة على هذا، ربما يكون -مثلًا- الواهب فقيرًا والموهوب له غنيًّا أو أميرًا، المهم معروف ما أحد يهبه إلا يريد أن يقابل، فيعمل بهذه القرينة.
طالب: (
…
) في مرض الموت المخوف، ثم هلك الواهب؟
الشيخ: ما يمكن، بعد أن يقبضها الموهوب له لا يمكن الرجوع إلا في مسائل ستأتينا إن شاء الله.
طالب: فلو تأخر إلى (
…
)؟
الشيخ: كيف تأخر؟
طالب: أذن له بأخذها ولكن لم يأخذها إلا عند مرضه الذي توفي فيه.
الشيخ: أبدًا، هو ما دام أنه ما قبضها فللواهب الرجوع، وإذا قبضها فليس له الرجوع إلا في مسائل ستأتي إن شاء الله.
طالب: شيخ، (
…
) مسجد طين، لما قاموا بأعمال (
…
).
الشيخ: مسجد طين؟
الطالب: مسجد طين.
الشيخ: معمول يعني؟
الطالب: معمول.
الشيخ: طيب.
الطالب: (
…
).
الشيخ: هدموه؟
الطالب: (
…
) نبني مع البناء المسجد باللبن.
الشيخ: نهدم المسجد؟
الطالب: لا، مسجد الطين قائم.
الشيخ: طيب.
الطالب: وبنوا بجانبه المسجد باللبن؛ يعني بعيد عنه.
الشيخ: يعني غيروا مكان المسجد؟
الطالب: لا، ما غيروه، بنوا آخر.
الشيخ: بنوا آخر جنب الأول؟
الطالب: إي نعم
الشيخ: ما يجوز هذا، هذا مسجد ضرار.
الطالب: وهجروا المسجد.
الشيخ: ما يجوز، قال العلماء رحمهم الله: إذا بنى مسجدًا بقرب مسجد فهو مسجد ضرار ويجب هدم الثاني.
طالب: ما يصنعون الآن؟
الشيخ: هذه واقعة؟
الطالب: واقعة يا شيخ.
الشيخ: وين في؟
الطالب: في تبوك يا شيخ.
الشيخ: في تبوك، ما أظن تقع ..
طلبة: عندنا كثير يا شيخ.
الشيخ: وين هو في؟ ما أظن هذا يحدث.
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا، تأمل يا رجَّال، لعله في الرؤيا!
(
…
) وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف يقول: إنه يجب العمل بشرط الواقف، ما الدليل أو التعليل؟
طالب: التعليل أن الواقف إنما أخرج ملكه على طريقة معينة وعلى كيفية معينة، فوجب العمل على شرطه.
الشيخ: أخرج ملكه على وجه معين فوجب؟
طالب: ألَّا يتعدى.
الشيخ: ألَّا يتعدى، هذا تعليل جيد. ما هناك دليل؟
طالب: الدليل فعل عمر رضي الله عنه عندما اشترط ألَّا يباع ولا يوهب ولا يرد، ولو لم يجب العمل به ما ..
الشيخ: هذا (
…
) الرسول صلى الله عليه وسلم.
الطالب: (
…
) لو كان ما له فائدة، ما شُرِع.
الشيخ: هذه يبين حكم الوقف، الرسول .. هذا أول وقف؛ أول وقف كان هو وقف عمر، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» (1) غير أن ..
طالب: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (2)، و «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ» (3).
الشيخ: إي نعم.
طالب: يا شيخ، قول النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة:«إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا» (4)، فتحريمها يدل على عدم جوازها إلا فيما (
…
).
الشيخ: عدم جواز التصرف فيها إلا بإذن مالكها.
الطالب: إلا بإذن مالكها وعلى حسب شرطه.
طالب آخر: (
…
) الرسول صلى الله عليه وسلم أهداها لعمر، وعمر (
…
).
الشيخ: في القرآن الكريم قال الله تبارك وتعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ} في الوصية {بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 181، 182]، أنا ما أدري هل قلتها لكم أو لا؟
طلبة: نعم.
طالب: في موضع آخر.
الشيخ: في موضع آخر، زين، إذن:(لا) و (نعم) و (التفصيل في موضع آخر)، على كل حال هذا الدليل؛ الدليل أن الله عز وجل قال في الوصية:{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181]، واستثنى من خاف من موص جنفًا أو إثمًا.
ذكر المؤلف صور في شرط الواقف جمع وتقديم، الأمثلة لذلك، مثال الجمع؟
طالب: الجمع وقفت على أولادي جميعهم؛ زيد وعمرو وكذا وهم عشرة.
الشيخ: لا.
الطالب: وقفت على أولادي وأولادهم.
الشيخ: أحسنت، وقفت على أولادي وأولادهم، فجمع بين البطون العليا والبطون السفلى.
تقديم؟
طالب: (
…
).
الشيخ: وقفت على أولادي ويقدم، طيب، تمام.
الطالب: (
…
).
الشيخ: أو من لم يبلغ منهم.
يقول: (واعتبار وصف عدمه)؟
طالب: اعتبار وصف إذا قال: وقفت لطلاب العلم، فوصف ..
الشيخ: على أولادي طلبة العلم.
الطالب: على أولادي طلبة العلم، نعم، وعدم الوصف معناه لو قال: وقفت على من لا يتأخر في الصلاة.
الشيخ: على أيش؟
الطالب: على من لا يتأخر في الصلاة.
الشيخ: على من؟
الطالب: على من ليس غني من أولادي.
الشيخ: على من ليس غني، هذا اعتبر؟
الطالب: عدم الغنى.
الشيخ: عدم الغنى، طيب.
وترتيب؟
طالب: الترتيب أن يقول: هذا وقف على أولادي ثم أولادهم.
الشيخ: على أولادي ثم أولادهم.
ما الفرق بين الترتيب والتقديم؟
طالب: (
…
).
الشيخ: يعني لا يستحق البطن الثاني مع وجود أحد من البطن الأول، والتقديم؟
طالب: (
…
).
الشيخ: والتقديم يستحقون معهم لكن الأولوية لمن قُدِّم.
وقف على أولاده كيف يوزع الوقف؟
طالب: وقف على أولاده؟
الشيخ: هذا وقف على أولاده، كيف نوزع الوقف؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: الذكور والإناث.
الطالب: (
…
).
الشيخ: والغني والفقير؟
الطالب: والغني والفقير على السواء.
الشيخ: على السواء. توافقونه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم. لماذا؟
طالب: لأن هؤلاء جماعة يمكن (
…
).
الشيخ: لأن لفظ الولد؟
الطالب: يشمل الذكر والأنثى.
الشيخ: الذكر والأنثى، والغني والفقير، والصغير والكبير.
طيب إذا وقف على ولده الذكور والإناث بالسوية، ثم ولدِ بَنِيه، كيف؟
طالب: ثم ولد بنيه فإنه لا يأخذ ولد البنات.
الشيخ: البطن الأول؟
الطالب: البطن الأول يأخذون كلهم الذكور والإناث.
الشيخ: يأخذون كلهم الذكور والإناث بالسوية.
الطالب: بالسوية.
الشيخ: والبطن الثاني؟
الطالب: ثم البطن الثاني لا يأخذون إلا أولاد الذكور.
الشيخ: إلا أولاد البنين.
الطالب: أولاد البنين.
الشيخ: طيب أولاد البنين الذكور والإناث؟
الطالب: أولاد البنين الذكور والإناث، نعم.
الشيخ: الذكور والإناث. وولد البنات؟
الطالب: لا يأخذون.
الشيخ: لا يأخذون، طيب.
هل يجوز مثل هذا الاشتراط؛ أن يقول: هذا وقف على أولادي، ثم أولاد أولادي أولاد الظهور دون البطون، يجوز؟ ما فيه حيف؟
طالب: يكون فيما لو أعطى ذكور أولاده دون البنات.
الشيخ: لكن هذا الوقف أولاد البنين يأكلونه هنيئًا مريئًا، وأولاد البنات ما لهم شيء.
الطالب: أولاد البنات ليسوا أبناء له كأبناء البنين.
الشيخ: لا يدخلون في اسم الأولاد أصلًا.
الطالب: نعم.
الشيخ: الدليل؟
الطالب: الدليل أن لفظ البنين وضع عادة للابن ..
الشيخ: الدليل غير التعليل.
الطالب: الدليل قول الله عزو جل: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [الطور: 39].
الشيخ: (
…
).
الطالب: وهذا يدل.
الشيخ: هذا المشركين ذاك.
الطالب: إي نعم، وهذا {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: 153].
الشيخ: هذا نفس الشيء.
الطالب: وهذا يدل على أن البنت غير الذكر.
الشيخ: معلوم أن البنت .. حتى عيالك الذكور والإناث ما هم سواء.
الطالب: ويش الإشكال إذن يا شيخ؟
الشيخ: الإشكال أن أولاد البنات لا يدخلون في الأولاد.
الطالب: هم لا يدخلون؛ لأنه نص على أولاد الأبناء.
الشيخ: بس بالدليل، جزاك الله خيرًا.
الطالب: يعني على ..
الشيخ: على أن أولاد البنات لا يدخلون.
طالب: قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11].
الشيخ: قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} .
الطالب: وبالإجماع أن ولد البنت ..
الشيخ: فإن أولاد البنات لا يدخلون بالإجماع.
الطالب: وقول الشاعر أيضًا:
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا
بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ
الشيخ:
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا
بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ
طيب هذا الدليل.
طيب الذين حرموا هذا الوقف وقالوا: إذا اشترط أن أولاد البنات لا يدخلون فهو وقف جنف ولا يجوز العمل به، كيف نرد عليهم؟
طالب: شيخ -بارك الله فيك- بأن إذا كان أولاد الذكور فقط أولاد الأبناء يحصل بينهم مشاكل إذا كثروا، فلو قلنا مثلًا: يدخلون أيضا أولاد البنات، وكان له عشرة بنات مثلًا، وكان لهن -لهذه العشرة- أبناء، فيكون مئة، فتكثر مشاكل أكثر.
الشيخ: إي، هذا تعليل عليل.
الطالب: هذا ذكرتموه يا شيخ.
الشيخ: إي، ما يخالف لكن عليل، قلنا: ربما.
طالب: إذا كان الله سبحانه وتعالى -وهو أعدل الحاكمين- أخرجهم من الإرث، فإذا أخرجناهم من الوصية فلا حيف.
الشيخ: نعم، ونقول: الفرق أن الميراث ينتقل، هم يقولون أليس إذا ورثت البنت من أبيها مع إخوانها ينتقل ميراثها إلى أبنائها وبناتها؟ الجواب: بلى، لا إشكال، لكن يقال: الفرق أن الوقف ليس تمليكًا؛ لأن الموقوف عليهم لا يملكونه ملكًا تامًّا؛ ولهذا لا يبيعون ولا يرهنون ولا يهبون نفس الوقف. فقول المذهب في هذه المسألة أرجح من القول بأنه لا يجوز إخراج أولاد البنات، طيب.
رجل وقف على قرابته، من يشمل؟
طالب: (
…
).
الشيخ: أيش لون؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: من أولاده.
الطالب: (
…
).
الشيخ: وأولاد أبيه، وأولاد جده، وأولاد جد أبيه.
الطالب: (
…
).
الشيخ: جد أبيه ويش هو بالنسبة له؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: الأب الثالث؟ توافقون على هذا؟ جد أبيه؛ أبوه، ثم جده، ثم جد أبيه، طيب.
هل هناك دليل؟ ما الدليل؟
طالب: (
…
).
الشيخ: ولم يعط بني نوفل وعبد شمس، طيب.
أولاد جده من جهة أمه؟
طالب: (
…
).
الشيخ: ما يعطون شيئًا؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: إذا واحد أوقف على قرابته، هل يعطى أولاد جده من جهة أمه؟
طالب: (
…
).
الشيخ: لا يعطون؟ تأكد.
طالب: (
…
).
الشيخ: (
…
).
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم صح (
…
) أولاد أبيه وجده من جهة أبيه (
…
).
وقف على بني تميم، يجب أن يعمموا؟
طالب: لا يجب.
الشيخ: هل يحرم الإناث أو لا؟
طالب: لا يُحْرَمْن (
…
).
الشيخ: بنو تميم؟
الطالب: لا.
الشيخ: طيب، وقف على بني زيد؟
طالب: لا.
الشيخ: كذلك (
…
).
طالب: الأبناء فقط، للذكور فقط.
الشيخ: لا، بني زيد؛ للذكور فقط!
الطالب: لا، كلهم، يشملهم جميعًا.
الشيخ: الذكور والإناث؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يعني (
…
).
طالب: (
…
).
الشيخ: زميلك صحيحة.
طالب: إذا كان -يا شيخ- بني زيد يشمل ..
الشيخ: إن أراد بهم القبيلة المعروفة.
الطالب: نعم، فإنهم يدخلون فيهم الذكور والإناث.
الشيخ: دخل الذكور والإناث، وإن أراد زيدًا المعين، شخص.
طالب: هنا لا يدخل فيهم الإناث، للأبناء ..
الشيخ: للأبناء فقط دون البنات، تمام، طيب.
رجل أوقف داره ثم بدا له أن يرجع في الوقف؟
طالب: لا يحق له الرجوع.
الشيخ: لا يجوز؟
الطالب: لا يجوز له الرجوع.
الشيخ: ليش؟ لماذا؟
الطالب: لأن الوقف عقد لازم من حينه.
الشيخ: إي، هذا حكم، الآن أنت عللت بالحكم؛ لا يجوز لأنه لازم، ما يكفي.
طالب: لأنه أخرجه على وجه القربى فلا يجوز له أن يعيده.
الشيخ: أحسنت، لأنه أخرجه على وجه القربى فلا يجوز الرجوع فيه.
متى يجوز بيع الوقف؟
طالب: لا يجوز إلا إذا تعطلت منافعه.
الشيخ: نعم، يجوز إذا تعطلت منافعه.
هل يشمل هذا المسجد فيما لو رحل الحي؟
طالب: لا يشمل المسجد.
الشيخ: لا يشمل المسجد.
طالب: يشمل يا شيخ.
الشيخ: أين الذي أجاب؟
طالب: يشمل.
الشيخ: يشمل؟
طالب: نعم يا شيخ.
الشيخ: حتى المسجد؟
طالب: نعم -يا شيخ- إذا تعطلت منافعه، ما فيه أحد هيصلي فيه.
الشيخ: إي نعم.
طالب: فمنافعه تعطلت مطلقًا، ما فيه أحد يصلي إلا المؤذن.
الشيخ: إذن فما يسوون؟
طالب: نبني أفضل منه في حي آخر فيه اجتماع أكثر.
الشيخ: ينقل إلى حي فيه سكان؟
طالب: نعم.
الشيخ: إي، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب هذا المسجد الذي بيع الآن هل يجوز أن يجعل مخزن طعام؟
طالب: نعم -يا شيخ- لأن الحين خرج من ملك الموقوف عليه ودخل في ملك رجل ثانٍ.
الشيخ: هل يجوز أن يجعل دكانًا يُباع به ويُشترى؟
طالب: نعم؛ لأنه دخل في ملكه، وهو يفعل ما يشاء فيه.
الشيخ: نعم، يعني زال عنه اسم المسجد فصار كغيره. بارك الله فيك.
هل هناك قول آخر في هذه المسألة؟
طالب: لا يباع.
الشيخ: أن المسجد لا يباع، ما أدري أنا ما سمعت هذا القول إلا الآن.
طالب: أنا أقصد الوقف يا شيخ.
الشيخ: أيش؟
طالب: الوقف.
الشيخ: الوقف؟
طالب: لا يباع إذا كان عنده (
…
).
الشيخ: الآن عرفنا أن الفقهاء رحمهم الله يقولون: لا يمكن أن يباع إلا أن تتعطل منافعه؛ يعني لو كان ينزل من مئة إلى عشرة ما يمكن يباع.
طالب: (
…
).
الشيخ: فيه قول آخر؟
طالب: (
…
).
الشيخ: متى يباع؟
طالب: إذا كان مصلحة أكبر.
الشيخ: صحيح؛ يعني إذا اقتضت الحاجة أو المصحلة فيباع، طيب.
هل فيه دليل؟
طالب: الرجل الذي نذر أن يصلي في بيت المقدس فأخبر الرسول، فقال:«صَلِّ هَاهُنَا» . فكرر عليه ثلاثًا، فقال:«أَنْتَ وَشَأْنَكَ» (5)، وهذا نذر، والوقف كالنذر.
الشيخ: يعني الرسول صلى الله عليه وعلى وآله وسلم أفتاه أن يصلي في مكة وهو قد نذر بيت المقدس؛ لأن مكة أفضل، بارك الله فيك.
رجل وقف على مسجد شيئًا وزاد عن حاجته، ولنقل: مصاحف، زاد عن حاجة المسجد، ماذا نفعل بالزائد؟
طالب: المذهب يجوز صرفه إلى مسجد آخر أو يُتَصَدق به على فقراء مسلمين.
الشيخ: نعم، المذهب أنه يجوز أن يصرف إلى مسجد آخر أو يتصدق به على فقراء المسلمين.
قولك: المذهب، هل يعني ذلك أن هناك قولًا آخر؟
الطالب: نعم يا شيخ.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: (
…
) لا يصرف إلا لوقف عام يكون نفعه دائم للواقف.
الشيخ: يعني يُصْرَف في شيء كالمسجد نفعه عام، بارك الله فيك.
الهبة تنعقد بإيجاب وقبول ومعاطاة. الإيجاب هو؟
طالب: اللفظ الصادر من الواهب.
الشيخ: الإيجاب هو اللفظ الصادر من الواهب. والقبول؟
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم. والمعاطاة؟
طالب: (
…
).
الشيخ: طيب.
ما هو الدليل على أنها تنعقد بالمعاطاة؟
طالب: (
…
).
الشيخ: لأن جميع العقود تنعقد بما دل عليها، وأيضًا الرسول عليه الصلاة والسلام يعطي الصدقات، ويعطي من الفيء، ولا يقول للمعطَى: قبلتَ؟ ولا يقول: أعطيتك.
هل تملك الهبة بمجرد العقد أو بالقبض؟
طالب: بالقبض.
الشيخ: بالقبض، قبل القبض لا تملك.
لو تلفت فهي على ضمان الواهب؟
طالب: لا
الشيخ: لا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: طيب، تلفت قبل الاستلام؟
طالب: لا ضمان عليه.
الشيخ: لا ضمان عليه؟
طالب: إي؛ لأنها ما دخلت في ملكه.
الشيخ: طيب نمت بين القبض وبين العقد؟
طالب: كيف؟
الشيخ: يعني فيها لبن حُلب.
طالب: له الخيار المطلق.
الشيخ: أيش الخيار؟
الطالب: للواهب الخيار المطلق ..
الشيخ: الآن اللبن هذا لمن؟
الطالب: اللبن للواهب؛ لأنه في ملكه، أخرجه.
الشيخ: إذن معناه صممت الآن أنها لا تملك إلا بالقبض، كذا؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: هل هذا ما قررناه؟
الطالب: إي نعم يا شيخ.
طالب آخر: (
…
) بالعقد.
الشيخ: طيب.
الطالب: لكن لا تلزم إلا بالاستلام.
الشيخ: إلا بالقبض طيب، فعلى هذا لو نمت فهي؟
الطالب: من نصيب الموهوب له.
الشيخ: من نصيب الموهوب له، ويجب على الواهب إذا نمت أن يرد النماء إلى الموهوب له، طيب.
ما هو الدليل على أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض؟
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، هذا حكم ما هو دليل، الدليل: أن أبا بكر رضي الله عنه وهب عائشة من نخله ثمرة نخل، ثم لما مرض رجع فيه، وقال لها: لو أنت جذذتيه لكان ملكك، أما الآن فهو ميراث (6)، فدلَّ هذا على أنها لا تلزم إلا بالقبض، والمسألة خلافية لكننا نريد أن نمشي على المذهب في هذه المسألة.
وهب شيئًا ثم مات؟
طالب: (
…
) القبض؟
الشيخ: قبل القبض، نعم.
الطالب: لا تلزم.
الشيخ: مات الواهب؟
الطالب: لا تلزم.
الشيخ: لكن كيف لا تلزم؟ لكن هل تبطل الهبة ولَّا لا؟
الطالب: لا، النظر في هذا للورثة.
الشيخ: للورثة، المؤلف يقول:(ووارث الواهب يقوم مقامه)، طيب.
مات الموهوب له؟
الطالب: يقوم الوارث مقامه.
الشيخ: يقوم وارثه؟
الطالب: مقامه.
الشيخ: توافقون على رأيه؟ قررنا هذا أمس الدرس السابق.
طلبة: ما أخذناه.
الشيخ: ما أخذتموه؟ إذن نبدأ الدرس الجديد.
يقول المؤلف رحمه الله: (وتلزم بالقبض بإذن واهب، إلا ما كان في يد مُتَّهِب) مثلنا لهذا بأيش؟
طلبة: الوديعة.
الشيخ: بالعارية والوديعة وما أشبهها.
وقال: (ووارث الواهب يقوم مقامه) فإذا مات الواهب قبل أن يسلمها فلورثته الحق في أن يمنعوا التسليم، ولهم أن ينفذوها ويسلموها.
وعُلِمَ من قوله: (ووارث الواهب) أن وارث المتَّهب لا يقوم مقامه، وعلى هذا فلو وهب شيئًا لشخص ثم مات الموهوب له قبل القبض بطلت الهبة؛ لأنه تعذر قبضه الآن بعد أن مات.
فإذا قال قائل: ما الفرق بين هذا وهذا؟
قلنا: لأنه في مسألة الواهب لم ينتقل الملك؛ يعني قصدي الواهب مَلَكَها الموهوبُ له من قِبَلِه، والمتَّهِب إذا مات فليس شيء قبضه المتهب ثم يرجع إلى ورثته؛ ولذلك فرقوا رحمهم الله بين موت الواهب؛ فقالوا: لا تبطل الهبة به ويقوم وارثه مقامه، وموت المتهب؛ فقالوا: إن الهبة تبطل لتعذر القبض حينئذٍ.
(ومن أبرأ غريمه من دينه)(من أبرأ)(مَن) هذه عامة تشمل الغني والفقير، والمحجور عليه والطليق، والذكر والأنثى، والصغير والكبير (من أبرأ).
ولكن هذا ليس على هذا العموم، (من أبرأ غريمه) بشرط أن يكون ممن يجوز له التبرع.
وقوله: (من أبرأ غريمه) يعني: الذي يطلبه، عندنا طالب ومطلوب، المَدِين يسمى غريمًا، فإذا أبرأه من دينه بلفظ الإحلال أو الصدقة أو الهبة ونحوها.
الآن نرجع إلى العموم الأول (من أبرأ غريمه) قلنا: بشرط أن يكون ممن يجوز له التبرع، وعليه لو أبرأ المحجور عليه غريمه من دينه لم يبرأ؛ لأن المحجور عليه لا يصح تصرفه في ماله.
لو أبرأ ولي اليتيم من دين لليتيم فأبرأ الغريم منه لم يبرأ؛ لأن ولي اليتيم لا يصح له الإبراء.
لو أبرأ الوكيل غريم الموكل من دينه يبرأ أو لا يبرأ؟ لا يبرأ؛ لأن الوكيل ليس له أن يتبرع، الوكيل يتصرف ولكنه لا يتبرع، وهلم جرًّا، كل من يتصرف في مال غيره لا يمكن أن يتبرع به.
وقوله: (من دَيْنه) ظاهره أنه لا فرق بين أن يكون كثيرًا أو قليلًا. وعُلِمَ من كلمة (دينه) أنه لا بد أن يكون الدَّيْن معينًا، فإن كان له على شخص دينان؛ أحدهما بُرُّ والثاني شعير، فأبرأه من أحدهما، هل يبرأ؟ ظاهر كلام المؤلف أنه لا يبرأ؛ لأنه لم يعين الدين الذي أبرأ منه، فلا يبرأ.
والصواب أنه يبرأ من أحدهما، ويرجع في التعيين إلى المبرئ؛ لأن المبرأ لم يملك ذلك إلا من قِبَلِه؛ من قِبَل المُبْرِئ. وهذا هو القول الراجح؛ أنه يجوز أن يبرأ الغريم من أحد الدينين، ويرجع في التعيين إلى من؟ إلى المبرئ؛ لأن هذا من جهته وهو أعلم بما أراد.
طيب رجل له على شخص مئة دينار ومئة درهم، فقال هذا الذي له المئة دينار والمئة درهم: أبرأتك من أحد دَيْنيك، ولم يقل: الدنانير ولا الدارهم، المدين قال: هي الدنانير، والمبرئ قال: هي الدارهم، فإلى من نرجع؟ إلى قول المبرئ؛ لأنه أعلم بنيته والمال ماله، فيبرئ مما شاء، لكن المذهب لا يجوز إلا دينًا معينًا؛ لقوله:(من دينه).
وقوله: (من دينه) لو أبرأه من دين غيره وقال للمدين: إني أبرأتك من دين فلان وأنا أقضيه، يصح ولَّا لا يصح؟ لا يصح، لا يبرأ، وقوله: أنا أقضيه، هذا وعد، والوعد لا يلزم، فلا بد أن يكون من دينه لا من دين غيره.
(بلفظ الإحلال) هذه نقطة لا بد أن نعرفها تمامًا، (بلفظ الإحلال) شوف (بلفظ) احترازًا مما لو أبرأه بقلبه؛ كرجل له في ذمة فلان ألف ريال، فنوى أنه أبرأه، نوى بقلبه أنه أبرأه لكن لم يقل: إني أبرأته، أو يقول له: أبرأتك، أو أحللتك، أو سامحتك، فهل يبرأ؟ الجواب: لا يبرأ، وهذا مثل الإنسان يعين دراهم للصدقة بها وقبل أن يتصدق منعها فلا حرج عليه.
طالب: في الموهوب له إذا مات ألا تبطل الهبة وتنتقل إلى ورثته، كما أنه ورثته يقومون مقامه في ورثة الأعيان فيقومون مقامه في ورثة الحقوق؟
الشيخ: لأنه إلى الآن ما ثبت، ما دام الخيار للواهب إلى الآن لم يثبت حق القبض.
طالب: لو مات الواهب قبل أن يأذن للموهوب إليه أن يأخذ الهبة؟
الشيخ: لو مات الواهب وقبل أن يأذن بقبض الموهوب له؟
الطالب: نعم، لماذا -يا شيخ- لا نقول: إن هي كالوصية من الميراث للورثة؛ لأنه أقرب لنيته أن يتبرأ من هذا (
…
) كأن .. ؟
الشيخ: لا، الوصية -بارك الله فيك- صرح الموصي بأنه يعطى فلان كذا وكذا، وهذا ما ندري هل هو يريد أن يمنع القبض أو لا؟ واضح؟
الطالب: هو الأقرب لنيته يا شيخ.
الشيخ: لا، هو الأقرب لنيته لو سلمها ليش يمنعها؟ قد يكون تغير رأيه، الوصية لا، الوصية أوصى.
طالب: إذا توفي الواهب وما له ورثة (
…
) وهب الدار (
…
) توفي وليس له وارث، ما الحال (
…
).
الشيخ: نفس الشيء؛ يعني يكون ميراثه لبيت المال.
الطالب: ولو كان كاتبًا؟
الشيخ: ولو كتب، ما قال: وهبت وقبضت، قال: وهبت، لكن ينبغي للناظر على بيت المال أو لولي بيت المال أن يتحرى؛ إذا كان هذا الموهوب له رجلًا فقيرًا فهو أحق بمال واهبه من بيت المال الذي لعموم الناس، وإن كان غنيًّا فبيت المال أحق.
طالب: (
…
) وقال: أبرأت فلانًا من الدين؟
الشيخ: هذا سؤال جديد يا أخ، هذا تدليس التسوية الظاهر، تعرف تدليس التسوية؟ في مصطلح الحديث.
طالب: أحسن الله إليك إذا أخرج الواهب هبته للموهوب على أنها عنده؛ يعني عند الواهب، ثم تبين أن الهبة في يد المتهب على وجه لا يعلم به الواهب؛ كالغصب، كأن يكون الموهوب غصب ..
الشيخ: لا، أبدًا، هنا تكون بيده فهي قبض.
الطالب: لكن ما علم، الواهب ظان أنها عنده؟
الشيخ: يعني ما علم أن هذا غصبها؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: هذه ينظر فيها، تحتاج إلى نظر، وإلا فالعلماء يقولون: حتى المغصوب، لو أن رب المال قال للغاصب: قد وهبتك ما غصبت لزمت بمجرد القول؛ لأنها عنده.
طالب: شيخ -بارك الله فيك- لو أنه أذن له بالقبض، ثم مات قبل القبض، هل يحتاج إلى إذن من الورثة؟
الشيخ: إي نعم؛ لأنه انتقل الملك إليهم قبل اللزوم.
***
طالب: قال مؤلف صاحب زاد المستقنع رحمه الله تعالى: وتجوز هبة كل عين تُباع، وكلبٍ يُقتنى.
فَصْلٌ
يجب التعديل في عطية أولاده بقدر إرثهم، فإن فضَّل بعضهم سوَّى برجوعٍ أو زيادة، فإن مات قبله ثبتت.
ولا يجوز لواهبٍ أن يرجع في هبته اللازمة إلا الأب، وله أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه، فإن تصرف في ماله ولو فيما وهبه له ببيع أو عتيق أو إبراءٍ أو أراد أخذه قبل رجوعه، أو تملكه بقولٍ أو نية وقبض معتبر؛ لم يصح، بل بعده.
وليس للولد مطالبة أبيه بدين ونحوه، إلا بنفقته الواجبة عليه فإن له مطالبته بها وحبسه عليها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الإبراء هل يشترط فيه النطق؟ إذا أبرأ غريمه من دَيْنه هل يشترط النطق، فيقول: أبرأتك من دينك، أو اشهدوا أني أبرأت فلانًا من دينه، أو تكفي النية؟
طالب: يشترط القول لا بد.
الشيخ: لا بد من النطق، فماذا يقول؟
طالب: يقول: أبرأتك، أو ذمتك بريئة، أو أي قول يدل على الإبراء.
الشيخ: نعم، إذا أبرأ من الدين فهل تجب فيه الزكاة؟ لو كان له دين عند شخص تمت عليه السنة فأبرأه منه، فهل تجب عليه زكاته؛ لأن إبراءه كقبضه أو لا تجب؟
طالب: (
…
).
الشيخ: هو دين في ذمة شخص.
الطالب: خرج من ماله.
الشيخ: المهم أنت ترى أنها لا تجب، طيب.
طالب: إن كان المبرأ قادرًا على السداد من قبل ثم أبرأه بعد تمام الحول فإنها تجب الزكاة، أما إذا لم يكن قادرًا أو كان مماطلًا فإنها لا تجب.
الشيخ: يعني هذا التفصيل؛ يعني إن وجبت الزكاة في هذا الدين لم يسقطها الإبراء، هذا الضابط، وإن لم تجب فإنه يسقطها الإبراء؛ يعني مثل أن يبرأ فقيرًا أو ما أشبه ذلك، هذا هو الصحيح أن فيه تفصيلًا.
وأما القول بأنه إذا أبرأ منه فإن الزكاة واجبة على كل حال؛ لأن الإبراء كالقبض، والدَّين إذا قُبِض سواء على غني أو على فقير فإن الزكاة فيه واجبة؛ فهو ضعيف.
لو أن المبرأ لم يقبل؟
طالب: ما يلزمه.
الشيخ: لو أني أطلبك مئة ريال، فأبرأتك منها ولم تقبل، هل تسقط عنك أو لا تسقط؟
طالب: يسقط.
الشيخ: يسقط وإن لم يقبل. لماذا؟
طالب: لأن هذا حق لصاحب الدين، وله أن يسقطه وإن لم يرض أو يقبل المدين، هو من حقه وهو أسقطه.
الشيخ: أليست الهبة يشترط فيها قبول الموهوب له؟
الطالب: لكن هذا حق الغير يا شيخ.
الشيخ: أسألك: أليست الهبة لا تلزم إلا بقبول الموهوب له؟
الطالب: بلى.
الشيخ: طيب ويش الفرق؟
الطالب: الفرق أن الهبة لم تكن بيد الموهوب له، أما ..
الشيخ: الهبة إدخال ملك عين على الموهوب له، فهي شيء جديد عليه، فشُرِط أن يقبل، وأما الإبراء فهو عبارة عن إزالة وصف بالنسبة للمدين، كأنه بعد أن كانت ذمته مشغولة أصبحت الآن غير مشغولة.
والصحيح في هذا التفصيل؛ أنه إن رد الإبراء دفعًا للمنَّة عليه فإنه لا يلزم بذلك؛ لأن المبرأ قد يقول: لو أنني قبلت لأصبح هذا الرجل يتحدث بين الناس أني أبرأت فلانًا، أو كلما حصل شيء قال: هذا جزائي حين أبرأتك من دينك، فهنا إذا لم يقبل له الحق؛ لأنه يقول: أنا لن أقبل خوفًا من أيش؟ من المنة، ولا شك أن هذا وصف كل إنسان يحب أن يدفعه عن نفسه.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وتجوز هبة كل عين تُبَاع) فأفادنا رحمه الله أن الهبة إنما تكون في الأعيان، وأما الدين فيسمى إبراءً، وقوله:(تُبَاع) أي: يصح بيعها، فخرج بذلك ما لا يصح بيعه.
وظاهر كلامه أن ما لا يصح بيعه ولو لجهالته أو عدم القدرة عليه لا تصح هبته. والصحيح في هذا أن ما لا يصح بيعه لجهالته أو الغرر فيه فإن هبته صحيحة؛ كما لو أبق عبدٌ لشخص، فقال لصاحبه: إني قد وهبتك عبدي الآبق فقبل، فالصواب جواز هذا؛ لأن الموهوب له إن أدركه فهو غانم، وإن لم يدركه فهو سالم، بخلاف البيع.
وكذلك المجهول تصح هبته على القول الراجح؛ لأن الموهوب له إما سالم وإما غانم، فلا يكون ذلك من باب الميسر الذي حرَّمه الله عز وجل في كتابه.
لو وهب موقوفًا أيصح أو لا؟ لا تصح هبته؛ لأن الموقوف لا يصح بيعه.
لو وهب مرهونًا لم يصح؛ لأن المرهون لا يصح بيعه.
لو وهب مؤجرًا صحت الهبة؛ لأن المؤجر يصح بيعه، ولكن لا يملك الموهوب له منافعه حتى تتم مدة الأجرة، فلو كان أجر بيته لمدة سنة ووهبه آخر بعد مضي ستة أشهر فالهبة صحيحة، ولكن الموهوب له لا يملك المنافع إلا إذا تمت المدة؛ بمعنى أن حق المستأجر ثابت على ما هو عليه، أما ما يستحقه من الأجرة فإن الموهوب له، يستحق من الأجرة من حين ما وهب له بقسطه.
قال: (وكلب يُقْتنى) يعني: وتصح هبة الكلب الذي يُقْتنى؛ أي: يجوز اقتناؤه، مع أن الكلب لا يصح بيعه فهبته ليست هبة حقيقية، ولكنها عبارة عن تنازل عن حقه من هذا الكلب، وإلا فالكلب لا يصح بيعه، وما لا يصح بيعه لا تصح الهبة فيه.
وقوله: (وكلب يُقْتنى) أفادنا رحمه الله أن الكلب الذي لا يُقْتنى لا تصح هبته؛ وذلك لأن الواهب في هذه الحال لا حق له فيه حتى يهبه.
والذي يُقْتنى هو ما كان لثلاثة أمور؛ إما الحرث، وإما الماشية، وإما الصيد. هذه ثلاثة أشياء يجوز اقتناء الكلب لها بشرط ألَّا يكون أسود، فإن كان أسود فإنه لا يجوز اقتناؤه؛ لأنه لا يحل صيده، ولأنه شيطان فلا يحل اقتناؤه، لكن الكلب الذي يجوز اقتناؤه يجوز للمقتني أن يهبه؛ وذلك لأن هبته حقيقتها التنازل عن حقه في هذا الكلب.
فإن اقتنى كلبًا في حالٍ لا يباح اقنتاؤه ووهبه، قلنا: هذا لا يصح؛ وذلك لأن هذا الواهب لهذا الكلب ليس له الحق فيه؛ إذ إنه لا يجوز له أن يقتنيه، فكيف يتنازل عن شيء لاحق له فيه؟ !
ثم قال المؤلف رحمه الله: (فصل: يجب التعديل في عطية أولاده بقدر إرثهم)(يجب) الواجب هو الذي يثاب فاعله امتثالًا ويستحق العقابَ تاركُه، هذا هو الواجب.
و(التعديل) بمعنى أن تعاملهم بالعدل، وقوله:(في عطية أولاده) يشمل الذكر والأنثى، (بقدر إرثهم) فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، فإذا أعطى الذكر ألفًا أعطى الأنثى خمس مئة؛ بقدر الإرث.
دليل الوجوب حديث النعمان بن بشير بن سعد رضي الله عنهما: أن أباه نحله نحلة، فقالت أمه أم النعمان: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب بشير بن سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره ليشهده على ذلك، فقال له «أَلَكَ بَنُونَ؟ » قال: نعم. قال: «أَنَحَلْتَهُمْ مِثْلَ هَذَا؟ » قال: لا. قال: «لَا أَشْهَدُ، أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي؛ فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» (7)، ثم قال:«اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، أَتُحِبُّ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ » قال: نعم. فرجع بشير بن سعد في هبته لولده النعمان (8)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» ، والعدل واجب.
وقول المؤلف رحمه الله: (بقدر إرثهم) يعني: أنه يُعْطَي الذكر مثل حظ الأنثيين، فلو أعطاهم بالسوية لكان هذا جورًا؛ لأنه زاد الأنثى ونقص الذكر، وما ذكره المؤلف رحمه الله هو القول الراجح؛ أن الأولاد يعطون على حسب ما ذكر الله عز وجل في كتابه في إرثهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، ولا شك أنه لا أعدل من قسمة الله عز وجل.
ومن قال: إن هناك فرقا بين الحياة والممات فإنه يحتاج إلى دليل على ذلك، فنقول: هم في الحياة وبعد الممات سواء.
وأفادنا المؤلف رحمه الله بقوله: (في عطية) أنه بالنسبة للنفقة لا يكون التعديل بينهم بقدر إرثهم بل بقدر حاجتهم، فيجب التعديل في الإنفاق على ولده بقدر الحاجة.
فإذا قُدِّر أن الأنثى فقيرة والذكر غني فهنا ينفق على الأنثى، ولا يعطي ما يقابل ذلك للذكر. لماذا؟ لأن الإنفاق لدفع حاجة، فالتعديل بين الأولاد أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج.
فإذا فرضنا أن أحدهم في المدارس يحتاج إلى نفقة للمدرسة من كتب ودفاتر وأقلام وحبرٍ وما أشبه ذلك، والآخر لا يقرأ وهو أكبر منه لكنه لا يقرأ، فهل إذا أعطى الأول يجب أن يعطي الثاني مثله؟ لا يجب؛ لأن التعديل في الإنفاق هو أن يُعْطَى كل واحد منهم ما يحتاج إليه.
لو احتاج الولد الذكر إلى غترةٍ وطاقية قيمتهما مئة ريال واحتاجت الأنثى إلى خروص في الآذان قيمتها ألف ريال، فما هو العدل؟ العدل أن يشتري لهذا الغترة والطاقية بمئة ريال، ويشتري للأنثى الخروص بألف ريال أضعاف الذكر عشر مرات، فهذا هو التعديل.
طيب لو احتاج أحدهم إلى تزويجه والآخر لا يحتاج، فما العدل؟ أن يعطي من يحتاج إلى التزويج ولا يعطي الآخر؛ ولهذا يعتبر من الغلط أن بعض الناس يزوج أولاده الذين بلغوا سن الزواج، ويكون له أولاد صغار فيكتب في وصيته أني أوصيت لأولادي الذين لم يتزوجوا أن يزوج كل واحد منهم من الثلث، فهذا لا يجوز. لماذا؟ لأن التزويج من باب دفع الحاجات، وهؤلاء لم يبلغوا سن التزويج، فالوصية لهم حرام ولا تنفذ أيضًا، حتى الورثة لا يجوز لهم أن ينفذوها، إلا البالغ الرشيد منهم إذا سمح بذلك فلا بأس بالنسبة لحقه من التركة.
وقول المؤلف: (في عطية أولاده) هل يقاس عليهم بقية الورثة؟ يعني لو كان للإنسان أخوان شقيقان فهل يجوز أن يعطي أحدهما دون الآخر؟ ظاهر كلام المؤلف يجوز؛ لأنه خص وجوب التعديل بالأولاد فقط، وما كان ظاهر كلام المؤلف فهو الحق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» ، ولم يقل: بين وراثكم، والنبي صلى الله عليه وسلم أُعْطِي جوامع الكلم.
ولو كان التعديل واجبًا بين جميع الورثة لبينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن إذا كان له أخوان وخاف إذا أعطى أحدهما كان ذلك سببًا للقطيعة بالنسبة للآخر فهنا له أن يعطيه، لكن يجب أن يجعل العطاء سرًّا حتى لا تحصل القطيعة من الأخ الثاني.
وهنا الواجب ليس هو التعديل، بل الواجب هو دفع ما يُخْشَى منه من قطيعة الرحم، وهذا يحصل بماذا؟ بالإسرار؛ أن يعطي الأخ سرًّا.
وما قاله المؤلف من أن التعديل يكون بقدر إرثهم هو القول الراجح، ودليله قسمة الله تبارك وتعالى للأولاد؛ أن للذكر مثل حظ الأنثيين.
وقال بعض العلماء: إن التعديل يكون بالتسوية؛ أي أن يعطي الأنثى كما يعطي الذكر، واحتجوا بظاهر العموم عموم حديث النعمان:«اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» ، و (أولاد) صالحة للذكر والأنثى، وبقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«أَتُحِبُّ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ » وظاهره أنهم يعطون بالسوية؛ ليكون البِرُّ بالسوية.
ولكن لا دلالة في ذلك؛ أما الأول فإن قوله: «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» ولم يقل: سووا، بل «اعْدِلُوا» ، والعدل أن يُعطى الذكر مثل حظ الأنثيين. هذه واحدة.
ثانيًا: أنه في بعض ألفاظ الحديث قال: «أَلَكَ بَنُونَ؟ » قال: نعم. قال: «هَلْ أَعْطَيْتَهُمْ مِثْلَهُ؟ » قال: لا. قال: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» (9)، فقوله:«أَلَكَ بَنُونَ؟ » يفيد أن القضية بين النعمان بن بشير رضي الله عنه وإخوانه، وأنه ليس هناك أخوات.
ثالثًا: أن قوله: «أَتُرِيدُ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ » نقول: نعم، هم إذا علموا أن أباهم أعطاهم على حسب قسمة الله لم يكن في قلب أحدهم حقدٌ ولا غلٌّ على الأب، فيبرونه على السواء، فالصواب ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن التعديل يكون بقدر إرثهم.
(فإن فضَّل بعضهم) يعني: أعطاه أكثر من الآخر، (سوَّى برجوعٍ أو زيادةٍ) (سوَّى) أي: بينهم، ولو قال المؤلف:(عدل) لكان أولى؛ لأن أول كلامه يقول: (يجب التعديل) ولم يقل: التسوية.
ثم إن كلمة (سوَّى بينهم برجوع أو زيادة) ليس على إطلاقه؛ لأنه لو قلنا: (سوَّى) للزم أن نعود إلى مشكلة؛ وهي أن يكون الذكر والأنثى سواء، وليس ذلك مرادًا.
على كل حال، كلامه معروف أن مراده بالتسوية هنا التعديل، (برجوع) على من فُضِّل ليساوي الناقص، (أو زيادة) لمن فُضِّل عليه.
فمثلًا إذا أعطى أحدهم ألف ريال وأعطى الثاني ألفين، فكيف طريق التسوية؟ إما أن يأخذ من الذي أعطاه ألفين ألفًا، وهذا هو قوله:(رجوع)، وإما أن يضيف للذي أعطي ألفًا ألفًا أخرى، وهذا معنى قوله:(أو زيادة).
هنا طريق ثالثة وهي أن يأخذ من الجميع؛ يأخذ ممن أعطاه ألفين وممن أعطاه ألفًا، فيكون راجعًا في الهبة، ورجوع الوالد في الهبة جائز كما سيأتينا إن شاء الله.
فإن قال قائل: هل هذا الحكم يشمل الأم والأب؟
فالجواب: نعم، يشمل الأم والأب؛ لأن العلة واحدة، فإذا أعطت الأم أحد أولادها شيئًا فلتعط الآخر مثله، ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن قال قائل: وهل يشمل ذلك الجد؟ يعني لو كان له أبناءُ أبناءٍ متفرقين فهل يجب أن يعدل بين أبناء أبنائه، أو على الأصح بين أولاد أبنائه؟
الظاهر لا، أنه لا يجب؛ لأن قوة الصلة بين الأب وابنه أقوى من قوة الصلة بين الجد وأبناء أبنائه، لكن لو كان هناك خوف من قطيعة رحم فتجب مراعاته؛ بأن يعطي من يعطي على وجه السر.
(إلا النفقة الواجبة) النفقة الواجبة مستثناة؟ نعم.
طالب: لو ترك رجل أولاده وقد تزوجوا جميعًا، لكن زوج بعضَهم، وزوج بعضُهم أنفسَهم، فهل يُطالِبون بقدر زواجاتهم هذه (
…
)؟
الشيخ: لكن الذين لم يزوجهم هل هم اكتفوا بما عندهم؛ لأن الزواج يتبع النفقة، فمن استغنى بنفسه لن يلزم أباه أن ينفق عليه؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: ليسوا محتاجين، هذا لا يحل له.
الطالب: لكن معروف في العرف أنهم (
…
)؟
الشيخ: طيب، ما داموا تركوا ذلك بأنفهسم -والعرف مطرد عندهم أن الأب يزوج أبناءه ولو كانوا أغنياء- فليس لهم شيء.
الطالب: ولا يطالِبون؟
الشيخ: ولا يطالِبون بشيء (
…
) نعم.
طالب: هل يلزم الأب السلفة لو احتاج أحد الأبناء إلى سلفة والآخرون في الوقت الحالي غير محتاجين فأسلف، ثم بعد ذلك احتاج غيره هل يلزم عليه أن يسلف كل أحد (
…
)؟
الشيخ: يعني معناه هل يجب أن يسوي بين أولاده في الإقراض؟
الطالب: نعم.
الشيخ: أن من احتاج فأقرضه ثم احتاج الآخر، هل يلزمه أن يقرض الآخر؟ نعم يلزمه؛ لأن عموم «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» يشمل هذا، حتى كان بعض السلف يعدل بين أولاده في القُبَل؛ يعني لو صار عنده أولاد صغار قبَّل واحدًٍا مرة يقبل الثاني مرة لا يزيد عليها.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: حسب الحاجة؛ لأنه قد يحتاج واحد منهم عشرة آلاف والثاني يحتاج عشرين ألفًا.
طالب: إذا كان الجد (
…
) ولي أمر (
…
) يكون (
…
)؟
الشيخ: لا، يعني لو كان الأب معدومًا؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: إي، ما يكون (
…
)، لكن كما قلت لكم، في آخر الأمر قلت: إذا كان هذا يؤدي إلى قطيعة الرحم فليكن سرًّا.
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم.
الطالب: (
…
)؟
الشيخ: الفقهاء يقولون: لا يجوز مطلقًا؛ لأن الأصل أن الكلب الأسود يُقْتَل.
***
طالب: قال رحمه الله تعالى في باب الهبة والعطية: فإن مات قبله ثبتت، ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة إلا الأب، وله أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه، فإن تصرف في ماله ولو فيما وهبه له ببيع أو عتق أو إبراء أو أراد أخذه قبل رجوعه أو تملَّكَه بقولٍ أو نية وقبض معتبر؛ لم يصح، بل بعده.
وليس للولد مطالبة أبيه بدين ونحوه إلا بنفقته الواجبة عليه، فإن له مطالبته بها وحبسه عليها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق في الدرس الماضي أنه يجب التعديل في عطية الأولاد، فما هو الدليل؟
طالب: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير عندما أعطاه أبوه؛ وهبه.
الشيخ: هات لنا كلام الرسول.
طالب: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» (10).
الشيخ: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» ، طيب.
وبماذا يكون العدل، هل هو بالتسوية؟
طالب: (
…
).
الشيخ: العدل يكون بقدر الإرث.
من أين يؤخذ هذا؟
طالب: من قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].
الشيخ: من قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ، ولا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل، ومن فرق بين الحياة والموت فإنه لم يأت بدليل شافٍ، طيب.
هل يجب التعديل بينهم في النفقة؟
طالب: في النفقة لا يجب.
الشيخ: لا يجب؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ليش؟
الطالب: لأن النفقة تتبع الحاجة؛ بقدر الحاجة الداعية إليها.
الشيخ: إذن يجب التعديل في النفقة بأن يعطي كل واحد ما يحتاجه، يجب.
الطالب: نعم.
الشيخ: يجب، لكن التسوية لا تجب، طيب.
لو كان له ابن وبنت احتاج الابن إلى كوفية، أتعرف الكوفية؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هي؟
الطالب: الطاقية.
الشيخ: الطاقية، واحتاجت البنت إلى خلوص، تعرفون الخلوص؟ الذهب الذي يعلق في الأذن، من المعلوم أن قيمة الخلوص أكثر، فاشترى لها واشترى له، هل يجب أن يعطي الولد ما زاد على ثمن الكوفية؟
طالب: لا يجب.
الشيخ: لا يجب. هل يجوز؟
الطالب: يجوز.
الشيخ: يجوز.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، ما احتاج، احتاج كوفية وشرابًا؟
طالب: لا يجب.
الشيخ: هو لا يجب أن يعطيه، لكن هل يجوز أن يعطيه ما زاد على ثمن الكوفية بالنسبة للخروص؟
طالب: (
…
).
الشيخ: سبحان الله! البنت اشترى لها خروصًا؛ لأنها تحتاج إلى خروصًا بخمسة آلاف، هذا الابن احتاج كوفية وشرابًا بخمسة ريالات.
طالب: (
…
).
الشيخ: سؤالي هل يجب إذا اشترى للولد كوفية بخمسة ريالات أن يعطيه ما اشترى للبنت بخمسة آلاف؟
طالب: ما يجب.
الشيخ: لا يجب. هل يجوز؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: صح، صحيح؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: إي نعم، لا يجوز؛ لأنه إذا أعطاه معناه تبرع له.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، البنت أعطاها للنفقة ما هو تبرع، إذن لا يجوز، طيب.
أحد الأولاد يقرأ ويحتاج إلى كتب وأقلام وحِبرٍ، والآخر لا يقرأ، اشترى للأول بمئة ريال، هل يجوز أن يعطي الثاني مثلها؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز؟
طالب: لا.
الشيخ: اشترى للأول؟
طالب: لأن هذا من باب النفقة.
الشيخ: لأن هذا من باب النفقة، انتبهوا إلى هذه النقطة؛ زوج أحد أولاده بخمسين ألفًا، هل يلزمه أن يعطي الآخر الذي لم يبلغ حد الزواج مثلها؟
طالب: لا (
…
).س
الشيخ: يجب ولَّا ما يجب؟
طالب: ما يجوز (
…
).
الشيخ: لكن هل يجب أن يعطى أو لا يجب؟
طالب: ما يجب ولا يجوز.
الشيخ: لا يجب ولا يجوز، زيادة، بارك الله فيك، صحيح.
رجل له أولاد زوجهم في حياته، وله أولاد آخرون من العاشرة فأقل، أوصى لهم بعد موته بمثل ما زوَّج به الآخرين، هل تجوز الوصية؟
طالب: لا تجوز.
الشيخ: لا تجوز. ليش ما تجوز؟
الطالب: لأنها لم تأت حاجتهم بعد.
الشيخ: لأنها لم تأت حاجتهم بعد، إذا قال: هؤلاء إذا أبقاهم الله لا بد أن يتزوجوا، والرجل على فراش الموت؟
الطالب: نقول: في الوقت حاجتهم لا يجب عليه.
الشيخ: في وقت حياته لم يبلغوا سن الزواج، إذن الوصية باطلة، ولا تنفذ إلا برضا بقية الورثة، طيب.
إذا فضل بعضهم فماذا يصنع؟
طالب: إذا فضل بعضهم على الآخر فهنا ..
الشيخ: كم طريقًا لهم تبرأ به الذمة؟
الطالب: ثلاثة طرق.
الشيخ: ثلاثة طرق.
الطالب: الأول (
…
).
الشيخ: معهم ولهم، واحد منهم ما أعطاه.
الطالب: أعطاهما.
الشيخ: نعم.
الطالب: أعطى أحدهما زيادة عن الآخر.
الشيخ: تمام، إما أن يرجع؟
الطالب: إما أن يأخذ من الذي أعطاه الزيادة ويعطي الآخر.
الشيخ: طيب.
طالب: وإما أن يزيد الذي أنقصه، وإما أن يرجع في هبته.
الشيخ: طيب، إما أن يأخذ الزائد من الآخر، أو يضيف إلى الناقض، أو يرجع في الهبة جميعا؛ لأن الأب يجوز أن يرجع في الهبة.
قال المؤلف رحمه الله: (فإن مات قبله ثبتت)(إن مات قبله) أي: قبل التسوية، (ثبتت) أي: ثبتت العطية؛ يعني إذا مات الأب الذي فضل بعض الأولاد قبل أن يسوي ثبتت العطية.
فإذا أعطى أحدهم -مثلًا- عشرة آلاف ريال تبرعًا لا نفقة، ثم مات، فهذا العطاء يعتبر ملكًا للآخذ، ثبت؛ لأنه لم يتمكن من الرجوع، أو تمكن ولكنه فرط، والابن الذي فُضِّل ملكه ملكًا تامًّا. هذا المذهب، وهو قول ضعيف؛ لأنه لا يجوز أن نمكن هذا الابن من أخذ مال لا يجوز له أخذه.
ولكن هل للورثة الرجوع أو الهبة لم تصح من الأصل؟ فيها قولان؛ قيل: إن العطية لم تصح من الأصل، وقيل: إنها صحت لكن إذا مات وهو لم يسوِّ فللورثة الرجوع، ويجب على المفضل أن يردها في التركة.
والفرق بين القولين أننا إذا قلنا: إنها لم تصح من الأصل فإن ما حصل من نماء بين العطية والموت يكون لمن؟ للورثة؛ لأن العطية لم تصح أصلًا، وإذا قلنا بالصحة ولكن لهم الرجوع فما حصل من نماء منفصل فهو للموهوب له.
لكن على كل حال القول بأنها تثبت قول ضعيف، والصواب أنه يجب على المفضل أن يرد الزيادة في التركة أو تخصم من نصيبه.
فإن قال قائل: إذا كان أحدهم يحتاج إلى سيارة، والآخرون لا يحتاجون؛ لأن الأول مدرسته بعيدة، والآخرون مدرستهم قريبة لا يحتاجون للسيارة، فهل يجوز أن يشتري للذي يحتاج السيارة سيارة؛ لأنه يحتاجها؟
لا يجوز؛ لأنه إنما يحتاج للنفع فقط، للنفع؛ وهو ركوبها إلى المدرسة ورجوعه، وهذا يحصل بأن تكتب السيارة باسم الوالد ويبقى الانتفاع للولد، بحيث إذا مات الوالد ترجع هذه السيارة في التركة، ولا يجوز للإنسان أن يملِّك الولدَ السيارة؛ لأن المقصود هو دفع الحاجة، ودفع الحاجة يحصل بدون تمليك؛ يعني ربما يعطيه السيارة بستين ألفًا اليوم ويموت الأب غدًا.
فلذلك نقول: هذه مسألة يجب التفطن لها؛ إذا كان أحد الأبناء يحتاج إلى سيارة والآخرون لا يحتاجون فإننا لا نعطي المحتاج السيارة باسم التملك ولكن تكون السيارة باسم الأب، وهذا يدفع حاجته بانتفاعه بها، وإذا مات الأب ترجع في التركة. إذن القول الراجح أنه إذا مات فإنها لا تثبت العطية، ويجب ردها في التركة.
قال: (ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة إلا الأب)(لا يجوز لواهب)(واهب) نكرة في سياق النفي تعم كل واهب، ويدل على إرادة العموم الاستثناء في قوله:(إلا الأب)، وقد قال العلماء رحمهم الله: إن الاستثناء معيار العموم.
وقوله: (لواهب أن يرجع في هبته اللازمة) احترازًا من الهبة غير اللازمة، الهبة اللازمة هي المقبوضة، وغير اللازمة هي التي لم تقبض، فلو قال لشخص: وهبتك سيارتي الفلانية، وقال: قبلت، وبعد أن وهبها رجع، فالرجوع جائز وصحيح؛ لأنه لم يقبضها، والهبة لا تلزم إلا بالقبض.
فإذا قبضها وأراد الرجوع فإنه لا يملك ذلك، لا يحل له، ولا يملك أيضًا، حتى في مجلس الهبة لو أنه وهبه قلمه وهما في المجلس، وقال: رجعت، بعد أن قبضه الموهوب له فإنه لا يملك ذلك. لماذا؟ لأنها ثبتت ولزمت.
فإن قال قائل: أفلا يمكن أن نقيسها على البيع ونقول: ما داما في المجلس فللواهب الخيار؟
فالجواب: لا؛ لأن البيع عقد معاوضة يحتاج إلى تَرَوٍّ، والإنسان ربما يستعجل فيقدم على البيع دون تروٍّ، فجعل له الشارع مهلة ما دام في المجلس، أما هذا فهو عقد تبرع، نفس الواهب لا يريد عوضا، والموهوب له لم يؤخذ منه العوض، فلا يصح قياس الهبة على البيع. إذن تلزم بالقبض ولو في مجلس العقد، ولا يجوز أن يرجع في هبته اللازمة.
قال: (إلا الأب) فالأب له أن يرجع في هبته اللازمة.
فإن قال قائل: ما هو الدليل؟
فالجواب: الدليل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ» (11)، «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ» انتبه لهذه الجملة؛ لأنها مفيدة جدًّا في الذين يمثلون بأصوات الحيوان مثلًا فيقال:«لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ» هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز التمثيل بالحيوانات.
«لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» (11)، هذا مثل يراد به التقبيح والتنفير.
الكلب خسيس من أخس الحيوان وأقبح الحيوان وأنجس الحيوان، بل هو أنجس الحيوان فيما نعلم؛ لأنه هو الذي يجب أن تغسل نجاسته سبع مرات إحداها بالتراب (12).
«يَقِيءُ ثُمَّ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ» فعل قبيح، هكذا الذي يهب ثم يرجع مَثَلُه مثل الكلب الذي قاء ثم رجع في قيئه.
حتى لو فُرِضَ أنه عندما رجع رضي الموهوب له ولم يبال، نقول: هذا حرام، ما يجوز، وإذا كان هذا حرامًا فينبغي للإنسان إذا وهب شيئًا ألَّا تتعلق به نفسه؛ لأن بعض الناس يهب الشيء؛ إما لطروء فرح بصاحبه، أو لعاطفة صارت جياشة في تلك الساعة ووهب له شيئًا ثم ندم، وقال: ليتني ما وهبته، هذا لا ينبغي؛ لأن شيئًا وهبته اجعله عن طيب نفس ولا تعلق نفسك به، خرج عنك قدرًا ويش؟
طالب: وشرعًا.
الشيخ: وشرعًا، كيف تعلق نفسك مع أنه لا يمكن أن تعود؟ فلا يجوز له أن يعود في هبته.
فإن قال قائل: هل يجوز أن يشتري هبته من الموهوب له؟
فالجواب: لا يجوز؛ لأن الغالب أنك إذا اشتريت الهبة فسوف يُنزل لك، هذا الغالب، هو يستحيي أن يماكسك، لو وهبت له ما يساوي مئة ثم أردت أن تشتريه منه فإنه سوف يقول .. يعني لو قلت: بثمانين، قال: توكل على الله، خذ، يخجل أن يقول: لا إلا بمئة، وحينئذٍ تكون قد رجعت في بعض الهبة لكن بطريق غير مباشرة.
إلا الأبَ، وله أن يَأْخُذَ ويَتَمَلَّكَ مِن مَالِ وَلَدِه مَا لَا يَضُرُّه وَلَا يَحتاجُه، فإن تَصَرَّفَ في مالِه ولو فيما وَهَبَه له ببيعٍ أو عِتقٍ أو إبراءٍ أو أَرادَ أَخْذَه قَبلَ رُجوعِه، أو تَمَلَّكَه بقولٍ أو نِيَّةٍ وقَبْضٍ مُعْتَبَرٍ لم يَصِحَّ بل بَعْدَه، وليس للولَدِ مُطالَبَةُ أبيه بدَيْنٍ ونحوِه إلا بنَفَقَتِه الواجبةِ عليه فإنَّ له مُطالَبَتَه بها وحَبْسَه عليها.
(فصلٌ في تَصَرُّفاتِ المريضِ)
مَن مَرَضُهُ غيرُ مَخوفٍ كوَجَعِ ضِرْسٍ وعَينٍ وصُداعٍ فتَصَرُّفُه لازمٌ كالصحيحِ ولو ماتَ منه، وإن كان مَخُوفًا كبِرْسامٍ وذاتِ الْجَنْبِ ووَجَعِ قلبٍ ودَوامِ قِيامٍ ورُعافٍ وأَوَّلِ فالِجٍ وآخِرِ سُلٍّ والْحُمَّى الْمُطْبِقَةِ والرِّبْعِ وما قالَ طَبيبانِ مُسلمانِ عَدْلان إنه مَخوفٌ
الإنسان إذا وهب شيئًا ألا تتعلق به نفسُه؛ يعني بعض الناس يهب الشيء إما لطلب فرح لصاحبه، أو لعاطفة صارت جياشة في تلك الساعة ووهب له شيئًا، ثم ندم، وقال: ليتني ما وهبته، هذا لا ينبغي؛ لأن شيئًا وهبتَه اجعله عن طِيب نفس، ولا تُعلِّق نفسك به، خرج عنك قدَرًا وشرعًا، كيف تعلق نفسك؟ ! مع أنه لا يمكن أن تعود فلا يجوز له أن يعود في هبته.
فإن قال قائل: هل يجوز أن يشتري هبته من الموهوب له؟
فالجواب: لا يجوز؛ لأن الغالب أنك إذا اشتريت الهبة فسوف يُنزِّل لك، هذا الغالب، هو يستحيي أن يماكسك، لو وهبت له ما يساوي مئة، ثم أردت أن تشتريه منه فإنه سوف يقول: يعني لو قلت بثمانين، قال: توكَّل على الله، خذ، يخجل أن يقول: لا، إلا بمئة، وحينئذٍ تكون قد رجعتَ في بعض الهبة لكن بطريق غير مباشر.
ولهذا لما حمل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه على فرس له في سبيل الله، فأضاعه الذي حمله عليه، وظن عمر أنه يبيعه برخص استأذن من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يشتريه فقال له:«لَا تَشْتَرِهِ، وَلَوْ بَاعَكَهُ بِدِرْهَمٍ؛ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» (1).
أما إذا كانت صدقة فالأمر أشنع وأشنع؛ لأنه يكون رجع في هبته، قصدي إذا اشترى صدقته فإنه أشنع؛ لأنه يتضمن شيئين: الرجوع في الهبة، والرجوع فيما أخرجه لله، وما أخرجه لله لا يجوز فيه الرجوع، حتى البلد إذا هاجر الإنسان منها لله لا يجوز أن يرجع ويسكن فيها؛ لأنه تركها لله، وما تُرِك لله فإنه لا يُرجع فيه.
قال: (إلا الأب). الدليل على أن الأب يجوز حديث ورد في هذا: «لَا يَجُوزُ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ إِلَّا الْأَبَ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ» (2). لكن هذا الحديث أعلَّه بعضهم وضعَّفه، وقال: إن عموم: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ» (3)، مُقدَّم على هذا الحديث الضعيف، وأن الأب ليس له أن يرجع فيما وهبه لابنه؛ لعموم الحديث:«الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» .
لكننا نقول في الجواب عن هذا: إن الاستثناء وإن كان ضعيفًا فله ما يعضده، وهو أن للأب أن يتملك من مال ولده ما شاء، فإذا كان له أن يتملك ما شاء فرجوعه فيما وهبه لابنه من باب أولى، لا شك.
قال: (إلا الأب)، وقوله:(إلا الأب) يخرج به الجد، فليس له أن يرجع فيما وهب لابن ابنه، أو لابن بنته، ويخرج من ذلك الأم، فليس لها أن ترجع فيما وهبت لابنها.
فإذا قال قائل: ما الدليل؟
قلنا: العموم: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ» . وصيغة العموم لا يُخرج منها إلا ما دل عليه الشرع، وإلا فهي عامة لجميع الأفراد.
وهنا لا يصح القياس؛ لأن القياس مخالف للعموم، فالأصل أن الأم إذا وهبت أبناءها أو بناتها لا يحل لها أن ترجع، والجد أبو الأب، أو أبو الأم لا يرجع.
وقوله: (إلا الأب) هل يحتاج أن نقول: إلا الأب الحر؟ أو نقول: إنه لا يمكن أن يهب إلا إذا كان حُرًّا؟ نعم، نقول هكذا، لا يحتاج أن نقيد الأب بالحر؛ لأنه لا يهب إلا وهو حر.
وظاهر كلام المؤلف أن الأب يرجع ولو كان كافرًا فيما وَهَبَه لابنه المسلم؛ للعموم، فلو أن رجلًا غنيًّا كافرًا وَهَبَ لابنه المسلم شيئًا فله أن يرجع؛ لأن الحديث عام.
قال: (وله)، الضمير يعود على الأب، ولكن الضمير هنا لا بد فيه من شرط، وهو أن يكون الأب حُرًّا، فنقول:(له) يعود على الأب لكن بقيد أن يكون حُرًّا؛ لأن غير الحر لا يملك فكيف يتملك؟ ولأن غير الحر لو تملك من مال ابنه إلى أين يرجع ما تملكهم؟ لسيده، فهنا نقول: مرجع الضمير الذي هو الأب لا بد فيه من شرط وهو أن يكون حُرًّا.
وهل يُشترط أن يكون موافقًا لابنه في الدين؟ إن نظرنا إلى إطلاق الحديث قلنا: لا يُشترط؛ وعلى هذا فيجوز للأب الكافر أن يأخذ من مال ولده المسلم، وللأب المسلم أن يأخذ من مال ولده الكافر، هذا ظاهر الحديث.
وقيل: إنه لا يُمكَّن الأب الكافر من الأخذ من مال ولده المسلم؛ لأنه لا صلة بينهما ولا توارث؛ ولأن الله يقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]، ولأننا لو مكَّنَّا الأب الكافر من الأخذ من مال ولده المسلم لكان في ذلك إذلال للمسلم، وربما يقصد الأب الكافر أن يذل ابنه بالأخذ من ماله، ولا شك أن الأب الكافر ليس له الحق؛ يعني عندي لا شك أنه ليس للأب الكافر أن يأخذ من مال ولده المسلم.
أما أخذ الأب المسلم من مال ولده الكافر فهنا قد نقول بعموم الحديث؛ أن له أن يأخذ؛ لأن أصل بقاء الكافر على الكفر ممنوع؛ فهو على دين غير مرضيٍّ عند الله، وتسليط المسلم على ماله له وجهة نظر لا سيما إن كان الابن من المحاربين؛ فإنه إذا كان من المحاربين لا شك في أن ماله حلال.
إذن (لَهُ) أي للأب، ونضيف وصفًا الحر، وصفًا آخر الموافق في الدين، على رأي كثير من العلماء، أو على الأصح ألا يكون كافرًا يأخذ من مال مسلم.
(أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره)، (يأخذ ويتملك)، هل هناك فرق؟ نعم، (يأخذ) على سبيل الاستعمال، (يتملك) على سبيل الضم إلى ملكه، فله أن يأخذ سيارة الابن يسافر بها إلى مكة، إلى الرياض، إلى المدينة، إلى أي بلد، وإن لم يتملكها، وله أن يتملك، وإن لم يأخذ، فيأتي إلى كاتب العدل مثلًا ويقول: إني تملكت سيارة ابني فلان، ويكتب كاتب العدل إذا قام الابن، وقال: أبدًا، ولا تملكها، ماذا نقول؟ نقول: يملكها لكن بشروط ستُذكر.
(من مال ولده) الذكور أو الإناث؟ الذكور والإناث؛ لأن الولد إذا أُطلق يشمل الذكور والإناث، لكن بشروط أولًا قال:(ما لا يضره). فإن كان يضر الولد فإنه ليس له أن يأخذ مثل أن يأخذ منه غداءه وهو محتاج إليه، مضطر إليه، فهنا ليس له ذلك، أو يأخذ منه لحافه وهو مضطر إليه لدفع البرد؛ فإنه لا يُمكَّنُ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«ابْدَأْ بِنَفْسِكَ» (4). ولا يمكن أن نسلط الأب على مال الولد مع أنه يضره.
ولا يحتاجه، الحاجة أبطل من الضرورة؛ فإنه ليس له أن يأخذ ما تتعلق به حاجة الابن، مثال ذلك: الابن عنده فُرش في البيت، يحتاجها ولكن ليست ضرورة، لكن يحتاجها إذا جاءه ضيوف، عنده زيادة على قوت يومه وليلته، لكن يحتاجها، فهل للأب أن يتملك هذا؟ لا؛ لأن هذا تتعلق به حاجة الابن، ومن ذلك سُرِّيَّة الابن إذا كان يحتاجها، ولو كان عنده إماء كثير؛ لأنها تتعلق بها نفسه، هذا شرط. إذن يُشترط ألا يضر الابن، والثاني: ألا يحتاجه.
(فإن تصرف في ماله ببيع أو عتق أو إبراء)؛ لم يصح، إن تصرف الأب بماله، أي بمال ابنه، فالضمير تصرف اللي هو الفاعل يعود إلى الأب، وضمير المجرور بماله في قوله:(بماله) يعود إلى الابن، إن تصرف في ماله.
(ولو فيما وَهَبَه له) هذه إشارة خلاف؛ يعني تصرف الأب في مال ابنه ولو فيما وهبه له؛ فإنه لا يصح التصرف، وإنما نص على ما وهبه له؛ لا يقول قائل: إن تصرف الأب فيما وهبه لابنه دليل على الرجوع، فيقال: لا، الرجوع لا بد فيه من قول، وهذا الرجل تصرف بلا قول، مثاله: وهب ابنه سيارة، ثم إنه باع السيارة بعد أن وهبها لابنه وقبضها، باع السيارة الأب؛ فإنه لا يملك ذلك، لماذا؟ لأن السيارة لم تزل على ملك الابن، هو لم يتملكها الآن، لم يرجع في هبته.
طيب أجَّرَها، يصح التأجير؟ لا؛ لأنه لم يتملك.
إذن كيف يستطيع أن يبيعها أو يؤجرها؟ يرجع في الهبة، يقول: إني رجعت فيما وهبته لابني. حينئذٍ ترجع إلى ملك الأب، ويتصرف فيها.
وقول: (فيما وهبه له) هذه إشارة خلاف؛ وهو أن بعض العلماء رحمهم الله يقول: إذا تصرف فيما وهبه لابنه فإن تصرفه يدل على الرجوع، قاسوا ذلك على رجل وكَّلَك في بيع شيء، ثم باعه هو، يصح أو لا يصح؟ أجيبوا يا جماعة.
طلبة: يصح.
الشيخ: وكَّلت إنسانًا يبيع سيارتي، ثم بعتها أنا قبل أن أعزله، يصح أو لا؟ يصح، ويكون بيعي إياها رجوعًا، فيقال: الفرق واضح؛ لأن الْمُوكِّل إذا تصرف فيما وَكَّل فيه فقد تصرف في ملكه، لكن الأب إذا تصرف فيما وَهَبَه لابنه دون أن يرجع فقد تصرف في ملك غيره.
قوله: (فيما وهبه له ببيع أو عتق أو إبراء)، البيع معروف، كان لولده سيارة فباعها بدون توكيل الابن؛ فالبيع باطل. (أو عتق) في أيش؟
طلبة: عبد.
الشيخ: في عبد، الابن له عبد، فقال الأب للعبد: أنت عتيق لوجه الله؛ لا يصح العتق، ليش؟ الأخ أنت.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما فيه هبة، هذا عبد من الأصل.
الطالب: ملك للابن.
الشيخ: ملك للابن، وهو لم يتملكه، صح.
(أو إبراء)، الإبراء يعني الدين؛ لابنه دَيْن على شخص فقال الأب للمدِين: إني أبرأتك من دَيْن ابني عليك فإنه لا يبرأ؛ لأن الدَّيْن لم يملكه الابن فضلًا عن الأب، الدين في ذمة المدين، فإذا قال الأب للمدِين الذي هو غرِيم لابنه: أنت في حِلٍّ من الدَّين فإنه لا يبرأ بذلك، وهذا واضح، هذا أشد من العين التي باعها الأب أو عتقها.
(أو أراد أخذه قبل رجوعه)(أراد أخذه) أي أخذ ما وهبه، والضمير هنا فيه ركاكة؛ لأن لو قرأت المتن (أو أراد أخذه) أي أخذ ماله قبل رجوعه، ولكن المراد أخذه؛ أي أخذ ما وهبه قبل رجوعه، كيف أخذ ما وهبه قبل رجوعه؟ يعني وهب ابنه شيئًا، ثم أراد أن يأخذه، يضمه إلى ملكه قبل أن يرجع فإنه لا يصح، لماذا؟
طلبة: (
…
).
الشيخ: لأنه لم يُصرِّح بالرجوع، الرجوع لا بد فيه من اللفظ؛ بأن يقول: رجعت فيما وهبت لك يا بني، أما يأخذه بدون أن يصرح بالرجوع؛ فلا يصح.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، فيه عندي إشكال في أخذ الأب الكافر من المسلم، (
…
)، وأخذ الأب المسلم من الكافر؛ لأن الآية تنص على عدم الاغتصاب (
…
)، والرسول صلى الله عليه وسلم:«لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» (5). والآية: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]. بعدين يا شيخ إن الكافر يأخذ من المسلم (
…
).
الشيخ: إي، الإشكال اللي عندك هو إشكال عندنا، نحن قلنا: الصحيح أن الكافر لا يأخذ من مال ولده المسلم.
طالب: (
…
).
الشيخ: يعني أنت تختار الأمرين جميعًا.
الطالب: نعم، يا شيخ.
الشيخ: رأي لا بأس به، طيب.
طالب: يا شيخ (
…
).
الشيخ: لا، أنا أرى أخذ المسلم من ابنه الكافر أنه لا بأس به، أولًا: العموم، والثاني: أن تسلط المسلم على الكافر ليس أمرًا مستغربًا، إذا كان المسلم يتسلط على مال المسلم، كيف لا يتسلط على مال الكافر؟ فكِّر في الموضوع.
الطالب: أنا اللي أشكل عليَّ.
الشيخ: أنا فاهم أنه أشكل عليك أنه لا موالاة بينهما، ولا توارث بينهما، لكن هذا في حال الحياة، وربما يكون فيه مصلحة أن المسلم إذا أخذ من مال ابنه الكافر ربما يكون لابنه مصلحة للابن، فيقول مثلًا: هذا المسلم له سلطة عليَّ؛ لأنه مسلم فالإسلام عزيز، والإسلام عالٍ فيُسْلِم.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، المال الذي يجوز للأب أن يرجع فيه إن وهبه ابنه، هل لا بد أن يكون من الموجود أو حتى ما أنفقه الابن يكون يعني؟
الشيخ: لا، إذا أنفقه الابن أو باعه أو أعتقه إن كان عبدًا سقط حق الأب.
طالب: شيخ، عافاك الله، شخص وهب لأخ هبة.
الشيخ: لأخيه ولَّا لأبيه؟
الطالب: شخص آخر، فالموهوب له رد الهبة على صاحبها، ولم يأخذها، فما الحكم (
…
)؟
الشيخ: يعني يسأل عن حكم قبول الهدية، كذا؟ الأفضل أن يأخذها إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، وقال:«لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ» (6). بل قال بعض أهل العلم: يجب قبول الهدية إلا إذا خاف من غائلتها؛ يعني خاف أن هذا الرجل يَمُنُّ عليه، أو خاف مثلًا إن أهدى عليه ينتظر أنه يرد عليه أكثر، أما إذا لم يخف شيئًا فيجب، واستدل هؤلاء بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمر رضي الله عنه:«مَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ» (7). وقالوا: إن المراد بالمال الجنس لا مال الزكاة.
طالب: بارك الله فيك، قلنا: يجوز للأب أن يأخذ من مال الولد بشرطين؛ ألا يضره ولا يخذله، لكن يا شيخ، عموم (
…
)، وكذلك أيضًا:«لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» (8). كيف يا شيخ؟
الشيخ: الاستثناء، الرسول استثنى:«إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» (9). وقال: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» (10).
طالب: هل للأب أن يأخذ، إذا كانوا إخوة، أحدهم يكون غنيًّا، والبقية بعضهم يكونوا فقراء، هل للأب أن يأخذ من الغني ويعطي إلى أبنائه الفقراء؟
الشيخ: إي، هذا سؤال مهم؛ يعني هل يجوز للأب أن يأخذ من واحد، من الأولاد ويعطيه الثاني؟ نعم، إذا كان الآخرون فقراء والأب لا يستطيع أن ينفق عليهم فله ذلك، أما إذا كانوا أغنياء، أو هو يقدر أن ينفق عليهم فلا يجوز؛ لأن هذا لا شك أنه يحدث الضغائن بين الأولاد، يقول: كيف تأخذ من مالي وتعطيه أخويَّ؟ !
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، سبق في كتاب البيع أن القصد في البيع مُعتَبر، كمن باع عنبًا لمن يتخذه خمرًا، فهل القصد كذلك معتبر في الهبة وفي الرجوع فيها؟
الشيخ: مثل أيش؟
الطالب: مثل أن يهديه عنبًا يفعل له الخمر أو يرجع، كأن يهديه مثلًا شيئًا مآله إلى محرم؟
الشيخ: إي، معروف، كل شيء مآله إلى المحرم هو حرام، العبرة بالغايات.
الطالب: الحكم في هذا؟
الشيخ: حرام، ولا تصح الهبة.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، الكلب من أنجس الحيوانات.
الشيخ: نعم.
الطالب: يُقاس عليه يا شيخ الخنزير؟
الشيخ: لا، قياس الخنزير عليه غير صحيح، وإلا بعض العلماء قال: إن طهارة الكلب سبع غسلات إحداهن بالتراب، والخنزير أخبث منه فتكون طهارة نجاسته بسبع غسلات إحداهن بالتراب، لكن لا قياس مع النص، الخنزير موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ومنصوص عليه في القرآن، وذكر الله أنه رجس، ولم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام: إذا ولغ الكلب أو الخنزير، فالصواب أن الكلب أنجس وأخبث.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، إذا أهدى الهدية لحاجة الآخر، ثم لما انتهى منها ردها.
الشيخ: كيف؟
الطالب: أعطاه كتابًا مثلًا ليقرأه، ثم لما انتهى من قراءته قال: خلاص، ما أبغاه.
الشيخ: وهي هدية؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: إي، ما يرجع؛ لأنه أخذها على أنها مُلكه.
الطالب: ثم رد هذا الكتاب بنفسه، قال: خذه، ما أبغاه.
الشيخ: يقول: لا، إذا شاء الواهب الأول يقول: لا.
الطالب: إذا شاء؟
الشيخ: إذا شاء.
الطالب: وإذا لم يَشأ؟
الشيخ: إذا لم يَشأ لا بأس، إلا ما كان صدقة؛ فالصدقة لا يجوز الرجوع فيها مطلقًا حتى ولو رضي المتَصدَّق عليه.
طالب: شيخ، قلنا: العلة في أن الواهب لا يشترط الموهوب؛ لأنه سوف ينقص الثمن، إذا كان الواهب وكل أحدًا، وأنه لا يعرف أنه هو الذي .. ، فهل يجوز هذا؟
الشيخ: سدًّا للباب يقال: لا يجوز، يعني لو أن الواهب وكَّلَ من يشتري سلعة له، والموهوب له ما علم، وباع على وكيله، فهذا سدًّا للذرائع نقول: لا يصح.
طالب: أيهما أولى أن يؤثر الولد يعني أولاده على أبيه أم يؤثر أباه على أولاده؟
الشيخ: إذا فيه ضرورة ولَّا؟
الطالب: كل منهما محتاج.
الشيخ: نعم، يبدأ بأبيه.
طالب: أحسن الله إليك، قلنا بأن الأم مثل الأب في وجوب أن تعدل بين الأولاد في العطاء.
الشيخ: نعم.
الطالب: شيخ، لماذا لم نُسوِّ بينهم كذلك في الرجوع؟
الشيخ: أيش؟
الطالب: الرجوع (
…
) ما ترجع؟
الشيخ: لا، ما ترجع.
الطالب: الفرق يا شيخ؟
الشيخ: الفرق النص: «اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» (11). هذا عام، فهذه لها أولاد، والأب له أولاد، وأما الرجوع فالأصل منعه، استُثني الأب لدلالة النص عليه.
الطالب: وإن قلنا بأن العلة البر وكذا؟
الشيخ: لا، ما يصح، ما يستقيم، والغالب أن الأب يحتاج إلى النفقة؛ لأنه هو المطالَب بها كما قال الله عز وجل:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، كل شيء أخرجه الإنسان لله لا يرجع فيها حتى ولو على أبنائه.
طالب: أحسن الله إليك، هل لهذا أن يأخذ مال ولده؟ وهل يدخل ولد الولد في الولد؟
الشيخ: لا، ذكرنا هذا، يخرج به الجد والأم، اقرأ.
***
طالب: (
…
) على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: فصل: في تصرفات المريض، من مرضه غير مَخُوف كوجع ضرس وعين وصداع يسير فتصرفه لازم كالصحيح ولو مات منه، وإن كان مخوفًا كبرسام، وذات الجنب، ووجع قلب، ودوام قيام، ورعاف، وأول فالج، وآخر سل، والحمى المطبقة، والرِّبع، وما قال طبيبان مسلمان عدلان: إنه مخوف، ومن وقع الطاعون ببلده، ومن أخذها الطَّلْق، لا يلزم تبرعه لوارث بشيء، ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة لها إن مات منه، وإن عُوفي فكصحيح.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هل للأب أن يتملك من مال ولده؟
طالب: نعم، له ذلك.
الشيخ: بشروط ولَّا بغير شروط؟
الطالب: بشروط.
الشيخ: ما هي؟
الطالب: ما لم يكن ما يتملكه يضره أو يحتاجه الابن.
الشيخ: يعني يُشترط ألا يضر الابن، أو يحتاجه الابن، هذا واحد. أن يكون الأب حُرًّا. ثالثًا؟
طالب: أن يكون موافقًا في الدين.
الشيخ: أن يكون موافقًا له في الدين؛ يعني معناه أنه لا يجوز للمسلم أن يتملك من ماله ابنه الكافر؟
الطالب: لا.
الشيخ: إذن ألا يكون أعلى منه في الدِّين، فيجوز للأب المسلم أن يتملك من مال ابنه الكافر ولا عكس، طيب، هل هناك دليل؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: أن من يدخل في الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.
الشيخ: لا، قصدي دليل على التملك.
الطالب: دليل التمليك قوله صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأبِيكَ» (10).
الشيخ: قوله صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأبِيكَ» . نعم، هل مثل ذلك الأم؟
طالب: ليست مثله.
الشيخ: ليست، الدليل؟
الطالب: الدليل النص.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: استثناؤه للأب.
الشيخ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأبِيكَ» ، والأصل احترام المال، فلا تُنتهك هذه الحرمة إلا بدليل، ولم يأتِ الدليل إلا بالأب. هل للأب أن يرجع في هبته لابنه؟
طالب: له ذلك.
الشيخ: له ذلك، الدليل؟
الطالب: من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ إِلَّا الْأَبَ» (9).
الشيخ: يعني أنت رويته بالمعنى: «لَا يَجُوزُ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ في هِبَتِهِ إِلَّا الْأَبَ» . قلنا: اللازمة، هبته اللازمة، هل هناك هبة لازمة وغير زلامة؟
طالب: الهبة اللازمة هي التي تُقبض.
الشيخ: المقبوضة.
الطالب: الهِبة غير اللازمة هي التي لا تُقبض.
الشيخ: طيب لو أني قلت لك: وهبتُك هذا الكتاب، فقلتَ: جزاك الله خيرًا، وشكر الله سعيك، الهدية مقبولة، وأبقيتُ الكتاب عندي، هل لي أن أرجع؟
طالب: نعم.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنها لم تلزم.
الشيخ: لأنها لم تلزم، لا تلزم إلا بالقبض، ولهذا قال:«أَنْ يَرْجِعَ في هِبَتِهِ إِلَّا الْأَبَ» . وقال: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» (12). متى يجوز للولد أن يُطالِب والده؟
طالب: إذا كان ذلك من نفقته الواجبة.
الشيخ: إذا كان من نفقته الواجبة، كذا؟ يعني الابن فقير والأب غني، والأب أبى أن ينفق على ابنه يجوز أن يشكوه عند الأمير، ويطالبه عند القاضي، كذا؟ وهو أبوه؟ !
الطالب: نعم.
الشيخ: ليش؟
الطالب: لأن هذا من ضرورياته.
الشيخ: لأن هذا من الضروريات، ومن حفظ النفس الواجب على الأب، فهي كالزكاة يُجبر عليها.
يقول رحمه الله: (فإن تصرف) يعني الأب (في ماله ولو فيما وهبه له فإن تصرفه لا يصح). يعني لو أن الأب باع سيارة ابنه التي لا يحتاج إليها الابن فإن بيعه إياها لا يصح إلا إذا تملكها أولًا فله أن يبيعها.
التعليل: لأنه قبل أن يتملكها، فالسيارة في ملك الابن، فنقول: الآن أنت تصرفت في ملك ابنك بدون وكالة، والأمر سهل، انوِ التملك، ثم بِعْها بالشروط المعروفة في شروط التملك.
(فإن تصرف في ماله ولو فيما وهبه له)، بماذا؟ (ببيع، أو عتق، أو إبراء) أو غير ذلك من أنواع التصرفات حتى بالتأجير مثلًا أو الإيقاف، إذا تصرف في مال ابنه قبل أن يتملكه مع القبض فإنه لا يصح، والتعليل أن الملك ملك الابن، ولا يجوز للإنسان أن يتصرف في ملك غيره إلا بتوكيل منه، والابن لم يُوكِّلْه.
(أو إبراء) إن تصرف في إبراء؛ يعني لابنه دَيْن على آخر فقال الأب للمدِين: قد أبرأتُك من دين ابني عليك؛ فلا يصح.
التعليل: لأن الدين لم يملكه الابن الآن، الدين في ذمة المدِين، فلم يدخل في ملك الابن، والأب يتملك من مال ابنه، وهذا لم يكن مالًا له الآن، ولكنه دَيْن فلا يصح إبراؤه.
(أو أراد أخذه قبل رجوعه)(أراد أخذه) أي أخذ ما وَهَبَ ابنه قبل أن يرجع في الهبة فلا يملك ذلك.
إذن لا بد أن ينوي الرجوع، ثم له أن يأخذه. (أو تملكه) قبل رجوعه في هبته (أو تملكه) يعني يأخذ ما وهبه بنية التملك لا بنية الرجوع؛ له هذا، والتملك يقول: له طريقان؛ القول، أو النية والقبض، القول بأن يقول: إني قد ملكت أو إني قد تملكت مال ابني؛ سيارته، بيته، أشياء لا يحتاج إليها ولا تضره.
(أو نية وقبض مُعتَبر) يعني يقبض الشيء المال لابنه بنِيَّة التملك، فله حينئذٍ أن يتصرف فيه؛ لأنه لما قبضه بنية التملك صار مُلكًا له.
(وقبض مُعتبَر) القبض المعتَبر هو أن يكون بإذن الابن، وعلى الوصف السابق في كتاب البيع ما يُنقَل يكون بنقله، وما يُوزَن بوَزْنه، وما يُكال بكيله، وما يُذرع بذرعه، وما يُعدُّ بِعدِّه، وما لا يتصور فيه ذلك يكون بتخليته، كالأراضي مثلًا، الأراضي ما يمكن تُقبض بما ذكر، فيكون بالتخلية؛ بمعنى أن يرفع يده عنها.
(بل بعده) أي: بل يصح تصرفه بالبيع، أو العتق، أو الإبراء بعده، أي: بعد القبض بنية التملك أو القول أنه تملكه.
ثم قال: (وليس للولد مطالبة أبيه بدَيْن ونحوه)(ليس للولد) هذا نفي، يعني لا يملك الولد أن يطالب والده بدَيْن ونحوه؛ لأنه إذا جاز أن يتملك من ماله فإنه لا يجوز للولد أن يطالبه بدَيْنه، مثال ذلك: استقرض الأب من ابنه عشرة آلاف ريال، فليس للولد أن يقول: يا أبتِ، أعطني الدَّيْن، وليس له أن يطالبه، لكن له أن يُعرِّض، ويقول: يا أبتِ، أنا محتاج وأنت قد أغناك الله، وما أشبه ذلك، أما أن يطالبه ويرفعه إلى القاضي فلا.
وقوله: ليس للولد مطالبة أبيه، هل يدل ذلك على أن له أن يطالب أمه؟ نعم، له أن يطالب أمه، هذا مفهوم كلام المؤلف، والعلماء رحمهم الله كلامهم له منطوق وله مفهوم، هل له أن يطالب جده من قِبل أبيه أو أمه؟ نعم، له؛ لأن هؤلاء ليس لهم أن يتملكوا من مال ولدهم أو ولد ابنهم فله أن يُطالِبهم، ولكن الصحيح أنه لا يملك أن يطالب أمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سُئل: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صُحْبَتِي؟ فَقَالَ: «أُمُّكَ» . قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «أُمُّكَ» . قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «أُمُّكَ» . قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» (13).
وهذا صريح في أنه إذا كان لا يملك مطالبة أبيه، فعدم مطالبته أمه من باب أولى، وهل من البر أن يقود أمه عند رُكب القضاة؟ أبدًا، ليس من البر، وهذا مستهجن شرعًا وعادة، فالصواب أنه لا يملك مطالبة أمه، وليست المسألة مبنية على التملك، التملك شيء، والمطالبة بالدَّيْن شيء آخر.
وقول المؤلف رحمه الله، والمسألة خلافية أيضًا، أصل المسألة في مسألة الأب خلافية، بعض أهل العلم يقول: له أن يطالب أباه بالدَّيْن.
وقوله: (بِدَيْن ونحوه) ويش نحو الدَّيْن؟ كأرش الجناية مثلًا، لنفرض أن أباه جنى عليه جناية تُوجِب المال، ولا تقُل تُوجِب القوَد؛ لأنه على المذهب ليس بين الأب وابنه قوَد، لكن تُوجِب المال، مثل أن يشُجه في رأسه حتى يظهر العظم، وهذه الشجة التي تُوضِح العظم تُسمَّى مُوضِحة، فيها خمس من الإبل، هل له أن يُطالِب أباه بهذه الدية؟ لا، لدخولها تحت قوله:(ونحوه).
كذلك لو أن أباه صدم سيارته، سيارة الابن، يلزمه أرشها أو لا يلزمه؟ يلزم أرشها ويكون دَيْنًا عليه، فليس له أن يطالب أباه بهذا الدين.
وفُهِم من قوله: (بِدَيْن) أن له أن يُطالبه بالعين، كيف يُطالِبه بالعين؟ استعار أبوه منه كتابًا، ولنقل فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، استعارها الأب من ابنه، فقال الابن: أعطني الكتاب، أنا محتاجه، قال: لا، ولم ينوِ التملك. إن نوى التملك جاءت مسألة التملك بشروطها، قال: لا، له أن يطالبه؛ لأن هذا ليس بدين ولكنه عين، والمؤلف يقول:(بِدَيْن). فله أن يطالب أباه بتسليم العين التي أعارها إياه، عند مَنْ؟ عند القاضي، يعني يقول: هذا عين مال، لكن للأب أن يقول: روح وراك، أنا الآن تملكته. فإذا قال هذا، لا ما راح، ننظر للشروط، إذا قال الابن: هذا الكتاب تتعلق به حاجتي، أحتاجه للقراءة والمطالَعة، يمتنع التملك الآن؛ لأن من شرط تملك الأب لمال ابنه ألا تتعلق به حاجته أو ضرورته، حينئذٍ يمتنع التملك فله المطالبة.
وكل هذا الذي يقوله الفقهاء رحمهم الله بقطع النظر عن مسألة المروءة، أو التربية، أو حسن المعاملة، هم يذكرون أحكامًا عامة، لكن هل من المروءة أن الإنسان يُطالِب أباه بعين ماله؟ في ظني لا، لكن قد يكون بين الأب والابن مشاحنات وعداوة وبغضاء، كما يوجد كثيرًا، ولا يهمه أن يطالب أباه.
لو استعار الأب قلمًا لابنه، ابنه معتاد على الكتابة به، تتعلق به حاجته، استعاره منه، فقال الابن: يا أبتِ، أعطني القلم، قال: لا. فطالبه عند القاضي، يجوز ولَّا ما يجوز؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: الجواب كأنه ليِّن!
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأنها عَيْن، ولكن لا أعتقد أن المروءة تقضي بجواز ذلك، أليس هكذا؟ يعني أي إنسان يعرف، يقال: إن فلانًا طالَب أباه عند القاضي من أجل قلم بخمسين ريالًا مثلًا، كل الناس سيعيبون هذا، وقد قال عبد الله بن مسعود: مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْهُ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ (14).