المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب وليمة العرس] - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: ‌[باب وليمة العرس]

لو أعسر بالمهر الحال؛ يعني كان رجلًا غنيًّا مثلًا، والمهر حال، وقد سلَّمت نفسها، الكلام الآن ما هو على التسليم، الكلام على الفسخ، ثم إنه أصيب بجائحة اجتاحت ماله كله فأعسر بالمهر، فهل لها أن تفسخ؟ يقول المؤلف: لها الفسخ، لكن لا يفسخه إلا حاكم، وإنما كان لها الفسخ؛ لأن العوض لم يُقْبض، وهو المهر الذي هو عِوض الاستمتاع، فكان لها الفسخ، والله أعلم.

طالب: (

).

الشيخ: والله الحقيقة أن العلل يعني متكافئة، ما فيه شيء راجح عندي الآن؛ لأن العلل متكافئة.

طالب: يا شيخ، لو قال لها، يعني طلب منها أن تسلم نفسها ولم يحدد لها مدة يسلم المهر فيها، فطاوعت في الحال ولم تشترط شيئًا ولم (

) فهل لها بعد ذلك؟

الشيخ: لها أن تمنع نفسها؛ لأنها إنما سلمت نفسها بناءً على حسن الظن (

)

***

[باب وليمة العرس]

الطالب: ومن صومه واجب: دعا وانصرف، والمتنفل يفطر إن جبر ولا يجب الأكل، وإباحته متوقفة على صريح إذن أو قرينة، وإن علم أن ثم منكرًا يَقدر على تغييره حضر وغيره وإلا أبى، وإن حضر ثم علم به أزاله، فإن دام لعجزه عنه انصرف.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

قال رحمه الله تعالى: (باب وليمة العرس) الوليمة من الوَلْم وهو الاجتماع، ومعنى وليمة العرس؛ يعني المائدة التي يجتمع إليها الناس، بسبب العُرْس، والعرس يعني النكاح، وذلك أن العرس من نعمة الله عز وجل، ومما يُشرع إعلانه وإظهاره؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن بن عوف:«أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» (9)«أَوْلِمْ» ، و (أَوْلِمْ) فعل أمر. وقوله:«وَلَوْ بِشَاةٍ» قيل: إنها تقدير لأقل، وقيل: إنها تقدير للأكثر، وعلى القول بأنها تقدير للأقل فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قد خاطب عبد الرحمن بن عوف وهو من الأغنياء فيكون الأقل بالنسبة للغني أن يُولِم بشاة، وسيأتي إن شاء الله بيانه.

ص: 2869

هناك ولائم يجتمع الناس عليها غير وليمة العرس؛ منها ما هو مُباح، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو مُحرَّم، فمن الولائم المحرمة أن يجتمع الناس إلى أهل الميت للعزاء، ويصنع أهل الميت الطعام للمجتمعين فهذه محرمة؛ لقول جرير بن عبد الله البجلي رضى الله عنه: كنا نعد الِاجْتِمَاعَ إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة (10). والنياحة حرام، بل كبيرة من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة (11)، هذا مُحرَّم، ومنها الوليمة على العزف والغناء والرقص، فهذه أيضًا حلال ولَّا حرام؟

طالب: حرام.

الشيخ: ويش هي الحرام؟

الطالب: الوليمة.

الشيخ: أي وليمة؟

الطالب: وليمة العرس التي فيها معازف.

الشيخ: لا، ما قلنا: وليمة العرس!

طالب: الوليمة التي فيها معازف أو ..

الشيخ: سواء العرس أو غيره، إنسان مثلًا نجح في الدور الأول برتبة ممتاز فأَوْلَم سهرة فيها غناء، هذه الوليمة ما حكمها؟ حرام لاشتمالها على مُحرَّم.

وليمة مكروهة وهي الوليمة الثانية للعرس، الوليمة الثانية للعرس؛ لأن فيها نوعًا من الإسراف، فهي مكروهة.

ووليمة مباحة، وهي سائر الولائم التي تُفعل عند حدوث ما يسر، هي من قسم المباح، وليس من قسم البدعة كما ظنه بعض الناس، وعلى هذا فإذا نزل الإنسان بيتًا جديدًا، وأولم، ودعا إلى هذه الوليمة، فهذه الوليمة نعتبرها مباحة؛ لأن الإنسان يفعلها ليس على أنها سنة، وأن الرسول فعلها أو الصحابة فعلوها، ولكن على أنها إظهار للفرح والسرور بما أنعم الله به عليه من المنزل الجديد.

الوليمة للختان، يعني فيه بعض الناس اعتادوا أنه عند ختن الطفل يفعلون وليمة غداءً أو عشاءً ويدعون الناس إليها، وكنا نعهد ذلك من قبل، حكمها أيش؟ مباح؛ لأن الأصل في جميع الأعمال غير العبادة الإباحة حتى يقوم الدليل على المنع.

ص: 2870

القسم الرابع: وليمة مندوب إليها، وهي وليمة العرس لأول مرة، هذه مندوبة؛ دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف:«أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» (9). والأمر هنا إما للوجوب أو للاستحباب، فوليمة العرس سُنَّة، بحق مَن؟ أبحق المرأة وأهلها أم بحق الزوج؟ الجواب الثاني، أنها وليمة في حق الزوج؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن:«أَوْلِمْ» ، ولم يقل لأصحابه: أولموا، بل قال: أولم؛ ولأن النعمة في حق الزوج أكبر من النعمة في حق الزوجة؛ لأن هو الطالب، هو الذي يطلب المرأة، يندر جدًّا أن المرأة تطلب الرجل.

إذن وليمة العرس سُنَّة، الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن؟ لعبد الرحمن بن عوف «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» ، فيُولم الإنسان بقدر ما آتاه الله {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7].

وأما التفاخر بها، والغلو فيها فإن أقل أحواله الكراهة، وقد يصل إلى التحريم، فإن كان الرجل من الأغنياء الأثرياء الأقوياء ذوي الجاه الذين لا يليق بهم إلا أن يكبر الوليمة، فهي مكروهة في حقه، مكروهة وإن كان من الفقراء الذين يتطلب تعظيم الوليمة ديونًا واستقراضًا، ودفقًا لماء الوجه، فهنا المغالاة فيها تكون حرامًا، لاحظوا لأن الإسراف يختلف باختلاف الناس؛ قد يكون هذا الفعل في حق شخص إسرافًا وفي حق آخر جائزًا.

ص: 2871

لكن مع ذلك نقول: إن الوليمة بحسب الْمُولم، من جهة المبالغة فيها وعدمه، ولكن الإسراف الزائد الذي قد بلغنا أن بعض الناس يستأجر فندقًا كاملًا للوليمة بمئة ألف أو مئتي ألف أو أكثر، حسب فخامة الفندق، فلا شك أن هذا حرام، ويوشك ألا يُخلف الله على هذا الرجل ما أنفق، وأن يُنزل في ماله النقص والخسارة كما أنه من حيث الدين ناقص الدين بهذا العمل؛ لأن ذلك معصية، والإيمان ينقص بالمعصية، ومثل هذا ينبغي ألا يُجاب، حتى في أول مرة؛ لأنه تعدى الحدود وأسرف، وهو في الحقيقة جانٍ على نفسه وجانٍ على غيره؛ لأنه ربما يُقتدى به، فيفعل من بعده كما فعل؛ لأن كثيرًا من الناس ضعيف النفس، يريد أن يُقوِّي شخصيته بمساواة من هو فوقه فيقول: لا أعجز أن أكون مثل فلان، أما الإنسان الرجل الحازم فلا يبالي، يُنفق مما آتاه الله ولا يتكلف ما كان معدومًا.

هذه هي الولائم، أما الإجابة إليها -إلى الوليمة- إذا دُعِي الإنسان إليها، فقد اختلف العلماء رحمهم الله، هل تجب إجابة الداعي لكل وليمة أو لا؟

ص: 2872

والجواب: إن كانت الوليمة محرمة فالإجابة إليها محرمة، الكلام الذي ذكرناه أولًا، إلا إذا كان المجيب قادرًا على تغيير المنكر، فحينئذٍ يجب عليه الحضور لا إجابة للدعوة، ولكن لتغيير المنكر، مثل أن يُدعى رجل له قيمته العلمية، أو السلطة إلى وليمة فيها الحرام فيحضر وهو قادر على أن يغير هذا الحرام، فالحضور عليه واجب، لماذا؟ لأنه قادر على تغيير المنكر، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:«مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» (12). وأما إذا لم يكن قادرًا فالإجابة إلى الوليمة المحرمة حرام؛ دليل هذا قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إذن مِثْلُهُمْ} [النساء: 140].

يعني إن قعدتم معهم فأنتم مثلهم في العقوبة والمعصية، هذا المحرم الإجابة المحرمة.

الوليمة المباحة، الإجابة إليها أقل أحوالها أن تكون سُنَّة، وذهبت الظاهرية، وهم على جانب كبير من الصواب، إلى وجوب الإجابة، فإذا دعاك إنسان إلى غداء أو عشاء غير وليمة العرس، فالظاهرية يقولون: إن الإجابة واجبة يجب أن تُجيب؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حقوق المسلم على أخيه: «وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ» (13). ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «مَنْ لَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (14). وهذا قول قوي جدًّا، أنك إذا دُعِيت تجيب، ولكن إذا كان للإنسان عذر، هذا دليله.

ص: 2873

أيضًا الإجابة إلى الدعوة من خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلوات الله وسلامه عليه:«لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ» (15). إلى هذا الحد، ذراع أو كراع، وهو من أزهد ما يكون في الذبيحة، لأجبت، فلو لم يكن من بركة الإجابة إلا أنه من خُلق النبي عليه الصلاة والسلام، وأن المجيب سيكون متأسيًا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لو لم يكن من بركة الإجابة إلا هذا لكان كافيًا.

ولاحظوا -بارك الله فيكم- أن الإنسان إذا أشعر نفسه بأنه متبع للرسول عليه الصلاة والسلام في هذا أو غيره فسيكون في قلبه محبة للرسول عليه الصلاة والسلام، وللتأسي به، كما أنه إذا عوَّد نفسه على الإخلاص لله فسيكون الإخلاص دأبه في كل شيء.

وهذه فائدة لا تغيب عنكم، أن تنوي الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل زيادة أعمالكم الصالحة، وبركتها والإنسان لا شك أنه إنما يسعى في الدنيا لما يرضي الله ورسوله، فليُشعر نفسه عند كل عمل بالإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دعاك أحد وأجبته أشعِرْ نفسك بأمرين:

أولًا: امتثال أمر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لقوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158].

ثانيًا: أيش؟ التأسي به؛ لأنه يقول: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ» (15).

ترى هذه تساوي عشرات المئات من المسائل الفقهية، مهمة جدًّا، يجد الإنسان فيها صلاحًا وفلاحًا وسرورًا، بالطاعة إذا أسعد نفسه بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بقي علينا أيش؟

ص: 2874

نحن الآن نتكلم عن الإجابة، الإجابة على المحرَّم واجبة على المباح، قلنا: إن العلماء اختلفوا فيها، فالظاهرية يرون الوجوب وقولهم ليس بعيدًا عن الصواب، وذكرنا الأدلة على ذلك، ويرى أكثر العلماء أن الإجابة إلى الدعوة غير وليمة العُرس، ليست بواجبة، ولكنها سنة، وعلى هذا فيكون العلماء اتفقوا على مشروعية إجابة الدعوة لكن اختلفوا هل يأثم بترك الإجابة أو لا، فما هو الاحتياط إذن؟

طلبة: الإجابة.

الشيخ: أيش الاحتياط؟ الإجابة، ليسلم الإنسان من الإثم على قول بعض العلماء، فإذا دُعِيت فأجب، لكن العلماء استثنوا من ذلك ما إذا كانت الدعوة حياءً وخجلًا، فهنا لا تُجب، كيف حياءً وخجلًا؟ إنسان مررت به وهو واقف عند بابه، يريد أن يفتح قال: تفضل، تفضل شارِكني في الغداء، شاركني في العشاء، شاركني في القهوة، تجيب أو لا تجيب؟ أخونا اسمك؟ سمعت كلامي؟ أنت واقف عند الباب تريد أن تتغدى فمر بك زميلك، قلت: تفضل تغدى معي، يجيبك أو لا يجيبك؟ يدخل معك ولَّا ينصرف؟ أيش تقول؟

طالب: (

).

الشيخ: أيش؟ إن كان مشغولًا يروح إن كان غير مشغول يدخل؟ تفصيل جيد، إذا علمتُ أنه إنما قال لي ذلك حياءً وخجلًا، استحيا، مر عليَّ وأنا أفتح الباب في وقت الغداء فقلت له: تفضل، إذا علمت أنه قال هذا خجلًا وحياءً، وهو في قرارة نفسه لا يريد أن أدخل، فهل أدخل؟ لا، ما أدخل، وكم من إنسان حصل له إحراج عظيم، في مثل هذا الواقعة، قال لإنسان: تفضل، وذاك على شفا جُرف، فقال: أكثر الله خيرك، ودخل، هذا قد يجد إحراجًا، لعله يريد أن ينام ويؤخر الغداء، أو لعل غداءه قليل، لا يكفيه ومن معه، وإن كان هذا ربما ينزل الله فيه البركة ويكفي، لكن على كل حال العادات والمروءة، فعلى كل حال إذا علمت أنه قال لي ذلك حياءً وخجلًا، فلا أجيب، وأدعو له، وأقول: أكثر الله خيرك، وجزاك الله خيرًا، أنا مشغول، صحيح أنه مشغول؟

طلبة: نعم.

ص: 2875

الشيخ: نعم، كل إنسان مشغول، يعني هذه الكلمة لا يمكن أن تكذب فيها أبدًا، ليش؟ كل إنسان مشغول؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:«أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ» (16). لأن كل إنسان حارث أو همام، أنا مشغول، مشغول بأيش؟ مشغول بنفسي بأروح أتغدى في بيتي، أتغدى عند صديق آخر، وما أشبه ذلك، المهم أنك إذا علمت أنه إنما دعاك حياءً وخجلًا، فلا تجبه، أما إذا علمت أنه دعاك محبة وصداقة، ويود أن تشاركه في طعامه فهنا الإجابة حسب الخلاف أقل أحوالها أنها سُنَّة مستحبة، أَجِب.

فصار عندنا الإجابة إما حرام أو واجبة أو سُنة، قد تكون مكروهة، إذا كان في المكان شيء مكروه لكنه لا يستطيع أن يغيره، فهنا الإجابة مكروهة لئلا يصادف هؤلاء في كراهتها.

طالب: (

) الوليمة من أهل الزوجة مكروهة؟

الشيخ: من أهل الزوجة مكروهة، أنا قلته يا جماعة؟ !

طالب: قلنا: المشروعية في حق الزوج فقط؟

الشيخ: نعم، صحيح، يعني المطلوب هو الزوج.

طالب: الإجابة الثانية مكروهة، بعض الأعراس ..

الشيخ: نعم، أحسنت الوليمة في اليوم الثاني.

طالب: بعض الأعراس تكون الوليمة في اليوم الأول عند أهل الزوجة، وفي اليوم الثاني عند أهل الزوج.

الشيخ: إي نعم، وليمة أهل الزوجة التي في اليوم الأول من الأقسام المباحة، فلا تنافي الوجوب بالنسبة لوليمة الزوج.

طالب: والإجابة يا شيخ؟

الشيخ: إجابة الزوج واجبة.

طالب: الأولى؟

الشيخ: الأولى واجبة.

طالب: يا شيخ، قلنا: مباحة.

الشيخ: الأوضاع -بارك الله فيك- أن -حسب كلامك- بعض الناس يجعلون الوليمة الأولى عند أهل الزوجة. أقول: هذه الوليمة ما هي من الواجب، هذه من الأمور المباحة.

طالب: وإجابتها؟

الشيخ: غير واجبة إلا على رأي الظاهرية.

طالب: شيخ، أحسن الله إليك، في اليوم السابع الوليمة للمولود يوم السابع؟

الشيخ: نعم، لا بأس بها.

طالب: ما هي سُنَّة يا شيخ؟

ص: 2876

الشيخ: العقيقة سُنَّة لا شك، لكن ليس يُولم لها، ممكن تذبح العقيقة وتصدق بها على جيرانك والفقراء والأقارب بدون إيلام.

طالب: شيخ، بارك الله فيك، بعض الناس (

) قبل الزواج قبل الدخول بالمرأة ليش

الشيخ: يولمون إي.

طالب: (

) يولم عند الكتابة والأخرى ..

الشيخ: نعم، الأولى مباحة اللي عند الكتابة مباحة، واللي عند الدخول هي السُّنة، وهنا نسأل: هل الأولى أن يُقدم العقد أو الأولى أن يُجعل ليلة الدخول؟

طالب: الثانية.

الشيخ: نعم.

طالب: يا شيخ فيه تفصيل.

الشيخ: ويش التفصيل؟

الطالب: يا شيخ، أحيانًا إذا ما عقد ربما يأتي رجل آخر ويأخذها لكن إذا عقد وقالوا: خلاص، هذا فلان و ..

الشيخ: إي، بعض الناس يقدم العقد خوفًا مما قال الأخ، يعني خوفًا من أن يتراجعوا عن قبول الخطبة لكن أرى أن التأخير أحسن؛ لأنه حصلت حوادث مزعجة مؤلمة، أنه يعقد، ثم يموت، وحينئذٍ نلزم الزوجة بالعدة والإحداد، وينكسر قلبها، وتكون عليها المصيبة أشد، وكذلك أيضًا ترث منه. افرض أنه صاحب ملايين وعنده ثلاث زوجات أو زوجة واحدة، ثم عقد على امرأة ومات عنها قبل أن يدخل بها ترث أو لا؟

طلبة: ترث.

الشيخ: تزاحم الزوجة الأولى التي لها عشرات السنين معه، وهي لم يدخل بها، فتأخيرها أولى، أما مسألة أنه يُهوِّن أو ما يهون هذه عند الله واللي (

) من الزوج؛ لأنه راضٍ ما هو مهون.

طالب: (

الشيخ: إي نعم، لا يلزم الإنسان، حتى لو هيؤوا له الراحلة وقالوا: التذكرة علينا لا يلزمه.

طالب: (

الشيخ: نعم، البطاقات العامة التي يستعملها الناس الآن إذا علمت أن صاحبك يرى أنه له حقًّا عليك بصداقة أو قرابة فأجِب؛ يعني هو معينك، أما ما يفعل الآن مجاملة بس، أو إخبار بأن عنده زواج هذا لا يلزمك إن شاء الله، بارك الله فيك.

***

الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم.

ص: 2877

قال المصنف رحمه الله تعالى: ومن صومه واجب دعا وانصرف، والمتنفل يفطر إن جبر، ولا يجب الأكل، وإباحته متوقفة على صريح إذن أو قرينة.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

سبق لنا أن الولائم تنقسم إلى أقسام:

طالب: منها محرم كوليمة العزاء.

الشيخ: منه ما هو محرم كوليمة العزاء، ما هو الدليل على تحريم وليمة العزاء؟

طالب: حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا نعد الِاجْتِمَاعَ إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة (10).

الشيخ: أحسنت.

الطالب: وثبت أن النياحة من الكبائر.

الشيخ: والنياحة من الكبائر، بارك الله فيك، الثانية؟

طالب: (

).

الشيخ: لا الثالثة، الثانية من قسم المباح، ذكرنا لك أنها من قسم المكروه؟

طالب: المكروه يا شيخ.

الشيخ: إذا كانت إسرافًا، نعم، قيدها إذا كانت إسرافًا؟ الثالثة؟

طالب: الوليمة المباحة.

الشيخ: المباحة.

الطالب: يعني سائر الولائم المباحة.

الشيخ: ما عدا المطلوب، والممنوع، والمكروه.

طالب: مندوب إليها.

الشيخ: وهي؟

طالب: وليمة العرس.

الشيخ: مندوب إليها، وهى وليمة العرس، أحسنت.

هذه أقسام الولائم، الإجابة إلى هذه الولائم حكمها حكم الوليمة، إلا العرس فإن الوليمة فيه سنة والإجابة إليها واجبة؛ ولهذا قال المؤلف:(تسن بشاة فأقل) تُسَن، نائب الفاعل يعود إلى وليمة العرس، فاستفدنا بهذا حكم الوليمة وأنها على ما ذهب إليه المؤلف سُنَّة، والدليل على سنيتها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف:«أَوْلِمْ» . وقوله: (بشاة فأقل)، بشاة، والمراد بالشاة هنا الواحدة من الضأن أو الماعز، سواء كان ذكرًا أم أنثى.

ص: 2878

وقوله: (فأقل) يعني ولا تُسن بأكثر، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف:«أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» (9). فجعلوا هنا (لو) دالة على التكثير، وهذا خلاف المعهود في اللغة العربية في مثل هذا التركيب؛ إذ إن قوله:«وَلَوْ بِشَاةٍ» في مثل هذا التركيب تعني أن أقل ما يكون الشاة، وهذا هو الصحيح.

والصحيح أن كثرة الوليمة أو قلتها يعود إلى أحوال الداعي، ومقتضيات الحال، فإذا كان الداعي غنيًّا قلنا له: أولم ولو بشاة، وإذا كان فقيرًا قلنا له: أولم ولو بشاه، صح؟ نعم، بشاه الثانية يعني شاهي لكن حُذِفت منه الياء تخفيفًا، هذا ما نقوله عند التقرير والشرح لكن نقول: إن الوليمة تتبع حال الشخص؛ لقول الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} -أي ضيق- {فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7].

فأمر الله بالإنفاق من السعة لمن كان ذا سعة ومما آتاه الله لمن كان ليس ذا سعة، عبد الرحمن بن عوف كان من ذوي السعة؛ ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» .

في زمننا هذا المعهود أن الأغنياء يُولِمون بولائم كبيرة، وأن الفقراء -مع الأسف- يريدون أن يساووا الأغنياء في الولائم، فتجده يستدين ويقترض، وربما يستجدي الناس من أجل الوليمة، وهذا كله غلط حتى الأغنياء لا نقول لهم: إن السنة أن تولموا بشيء زائد إسرافًا بل بشيء مناسب ولا تجروا عباد الله إلى ما لا يطيقون.

(وتجب في أول مرة إجابة مسلم يحرم هجره إليها إن عيَّنَه ولم يكن ثَمَّ منكر)

اشترط المؤلف لوجوب الإجابة شروطًا، أولًا: أن تكون أول مرة، احترازًا من الثانية والثالثة والرابعة والخامسة إلى آخره، واشترط أيضًا أن يكون الداعي مسلمًا، احترازًا مما لو دعاه كافر ذمي أو معاهَد أو مستأمن فإن إجابته لا تجب.

ص: 2879

الثالث: (يحرم هجره)، يعني مسلم يحرم هجره، أفادنا المؤلف رحمه الله أن من المسلمين من لا يحرم هجره؛ وذلك أن الهجر ينقسم إلى أقسام، أولًا: من يجب هجره، وذلك كصاحب البِدعة، الداعي إلى بدعته، إذا لم ينتهِ إلا بالهجر فإنه يجب علينا أن نهجره، وجوبًا؛ لأن في الهجر فائدة، وهو ترك الدعوة إلى البِدْعة، فإذا وجدنا شخصًا يدعو الناس إلا القول بخلق القرآن، أو إلى أن الله تعالى في كل مكان، وجب علينا أن نهجره، فلا نُسلِّم عليه، ولا نرد عليه السلام، ولا نجيب دعوته، ولا نتحدث إليه حديث الصديق؛ لأن هجره هنا فيه مصلحة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أمر بهجر من فعل محرمًا، وفاعل المحرم أهون ممن يدعو إلى البدعة؛ لأن البدعة مستمر دعوته إليها، وفاعل المحرم فَعَلَهُ وانتهى.

من الذين أمر الرسول بهجرهم مع فعل المعصية؟ هم الثلاثة الذين خُلِّفوا (17): كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، أمر النبي عليه الصلاة والسلام بهجرهم، حتى إن الواحد منهم يسلم على قريبه الذي هو أحب الناس إليه، ولا يرد عليه السلام، إذن إذا كان هذا الداعي ممن يجب هجره كصاحب بدعة يدعو الناس إليها وجب علينا، بل حرم علينا أن نجيب دعوته، كذا؟ ونحن الآن في سبيل تقسيم الهجر.

القسم الثاني: من هجره سُنة وليس بواجب، الهجر المستحب الذي ليس بواجب، وهو هجر فاعل المعصية التي دون البدعة إذا كان في هجره مصلحة، كهجر إنسان يحلق لحيته، حلق اللحية حرام، فإذا رأينا شخصًا قد أصر على ذلك، وكان في هجره مصلحة وهو الرجوع إلى حظيرة السنة، فالهجر هنا أيش؟ سنة، هجره سنة، حتى يرجع، وكذلك يقال: في شارب الدخان، وكذلك يقال: في الموظف في جهات ربوية.

فإذا قال قائل: لماذا لا تقولون: إنه واجب؟

ص: 2880

قلنا: لا نقول: إنه واجب؛ لأننا لا نتحقق به ترك المحرم، لو تحققنا به ترك المحرم لكان الهجر واجبًا، هذا الهجر فيه أيش؟ سُنّة شرط المصلحة، فإن لم يكن في هجره مصلحة فإنه لا يُهجر؛ لأن الأصل أن هجر المؤمن حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» (18).

فإذا لم يكن مصلحة بأن كان هذا الذي يحلق لحيته، لو هجرناه لازداد بُغضًا لنا، وبُعدًا منا، ونفورًا عن الحق، وبقي على حلق لحيته صار الهجر هنا حرامًا؛ إذ لا يحصل منه إلا عكس ما نريد، وأما ما يفعله بعض الإخوة الملتزمين الغيورين على دينهم من هجر أهل المعاصي مطلقًا، فغلط ومخالف للسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ» . وفاعل المعصية هل هو أخ لك؟

أخ لي مهما فعل من الكبائر، إلا إذا كفر، وعلى هذا فلا يجوز هجْر أهل المعاصي إلا لوجود مصلحة. مر بك إنسان بيده السيجارة، فسلَّم عليك، ترد عليه السلام؟ نعم، أرد عليه السلام؛ لأن لو لم أرد لكان ذلك أشد إمعانًا في معصيته وبُغضه لك، وكراهيته للحق الذي تقول، والمقصود هو المصلحة وإزالة المفسدة.

القسم الثالث من الهجر: هجْر مُباح، لكن هذا القسم مقيد بثلاثة أيام فأقل، وهو ما يحصل من الهجر بين الإنسان وأخيه بسبب سوء تفاهم، اختلاف في قيمة مبيع، عمل عملًا مثلًا لا أرى أنه من الأدب أن يعمله معي، فهَجَرته فلي ذلك في خلال كم؟ ثلاثة أيام فقط، وهذا هجر مباح وليس مطلوبًا، وليس محرمًا هذا هجر مباح لكنه محدد بثلاثة أيام، فمن الذي لا تُجاب دعوته؟ الذي يجب هجره.

ص: 2881

الشرط الرابع: (إن عيَّنَه) يعني إن عين الداعي المدعوَّ، بأن قال: يا فلان، سأقيم وليمة لعرسي غدًا فأدعوك للحضور، هذا معين ولَّا لا، ضد التعين الإبهام والتعميم فيقول مثلًا: يا جماعة، غدًا وليمة عرسي فاحضروا، هذا ما عين، والإجابة في هذا فرض كفاية؛ لأن الخطاب موجَّه لمن؟ للجميع، فإذا جاء واحد منهم كفى، لكن لو قال: يا فلان، مثلًا قال: يا جماعة، غدًا وليمة عرسي أدعوكم إليها فاحضر يا فلان، نص عليه. فحينئذٍ يجب إذا تمت الشروط.

الشرط الخامس: (ولم يكن ثَمَّ منكر)، (ثَمَّ) بمعنى (هناك) أي في مكان الدعوة (منكر) أي محرم؛ لأن المنكر ما حرمه الله ورسوله، فإذا تمت الشروط وجبت الإجابة.

لكن لا تجب الإجابة إلا بشرط آخر من قِبل المدعو، وهو ألا يلحقه بذلك ضرر، أو تكون الإجابة مسبوقة بدعوة أخرى، فإن لحقه بذلك ضرر لم تجب الإجابة لو كان يعلم أنه لو أجاب الدعوة لحقه ضرر بأن فاتت عليه أموال وخسرها، أو يخشى أن يوجد إنسان شرير يؤذيه، أو كانت الدعوة مسبوقة بدعوة أخرى فهنا الإجابة ليست واجبة، ومن ذلك إذا كانت الإجابة تستدعي سفرًا؛ فإنه لا يجب عليه الإجابة؛ لأن السفر يحتاج إلى شد رحل، وتفويت مصالح، وغيبة عن الأهل، وتعرُّض للحوادث فلا تلزمه الإجابة في هذا الحال لكن لو كان يلزمه أن يستأجر سيارة أجرة من بيته إلى بيت الداعي، هل تلزمه الإجابة؟

الظاهر نعم إذا كان لا يضره، فإن كان يضره أو كان في أجرة خارج عن المعهود لم تجب.

يقول: (فإن دعا الجفلى) هذا ضد قوله: (إن عيَّنه)(إن دعا) أي المتزوج (الجفلى) بأن قال: أيها الناس، هلموا إلى مأدبة عرسي، هذه جفلى، لا يلزمه أن يجيب؛ لأنه أيش؟

طلبة: ما عين.

الشيخ: لم يعينه، ودعوة الجفلى، ممدوحة عند العرب؛ لأنها تدل على الكرم، والتعيين يدل على البخل؛ ولهذا افتخر الشاعر بقومه حين قال:

نَحْنُ فِي الْمَشْتَاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى

لَا تَرَى الْآدِبَ مِنَّا يَنْتَقِرْ

ص: 2882

الانتقار أن يُعيِّن، يقول: نحن في أيام الشتاء لا نقول: يا فلان، تعالَ أدعوك لتعشى عندي، لكن لا تعلم الناس، هذا يدل على أيش؟ البخل، لكن نحن نقول: أيها الناس، هلموا إلى الطعام، وما ألذ الطعام الحار في أيام الشتاء؛ ولهذا افتخر بأعلى شيء تكون فيه الدعوة مفيدة، قال: نحن ..

فإن دَعَا الْجَفَلَى أو في اليومِ الثالثِ أو دعاه ذِمِّيٌّ كُرِهَت الإجابةُ، أو دعاه ذِمِّيٌّ كُرِهَت الإجابةُ، ومَن صَوْمُه واجبٌ دعا وانْصَرَفَ، والْمُتَنَفِّلُ يُفْطِرُ إن جُبِرَ ولا يَجِبُ الأكلُ، وإباحتُه مُتَوَقِّفَةٌ على صَريحِ إذْنٍ أو قَرينةٍ، وإن عَلِمَ أنَّ ثَمَّ مُنكرًا يَقْدِرُ على تَغييرِه حَضَرَ وغيرُه، وإلا أَبَى، وإن حَضَرَ ثم عَلِمَ به أزالَه، فإن دامَ لعَجزِه عنه انْصَرَفَ، وإن عَلِمَ به ولم يَرَهُ ولم يَسمَعْهُ خُيِّرَ، وكُرِهَ النِّثارُ والتقاطُه، ومَن أَخَذَه أو وَقَعَ في حِجْرِه فله، ويُسَنُّ إعلانُ النكاحِ والدفُّ فيه للنساءِ.

(بابُ عِشرةِ النساءِ)

يَلزمُ الزوجينِ العِشرةُ بالمعروفِ، ويَحْرُمُ مَطْلُ كلِّ واحدٍ بما يَلزَمُه للآخَرِ والتكَرُّهُ لبَذْلِه، وإذا تَمَّ العَقْدُ لَزِمَ تَسليمُ الْحُرَّةِ التي يُوْطَأُ مِثْلُها في بيتِ الزوجِ إن طَلَبَه ولم تَشْتَرِطْ دَارَها أو بَلَدَها، وإذا اسْتَمْهَلَ أحدُهما أُمْهِلَ العادةَ وُجوبًا، لا لِعَمَلِ جِهازٍ، ويَجِبُ تَسليمُ الأَمَةِ ليلاً فقط، ويُباشِرُها ما لم يَضُرَّ بها أو يَشغَلْها عن فَرْضٍ، وله السفَرُ بالْحُرَّةِ ما لم تَشتَرِطْ ضِدَّه، ويَحْرُمُ وَطؤُها في الْحَيْضِ والدُّبُرِ، وله إجبارُها على غُسْلِ حَيْضٍ ونَجاسةٍ،

هذه جفَلى، لا يلزمه أن يجيب لأنه أيش؟

طالب: ما عيَّن.

الشيخ: لم يعينه، ودعوة الجفَلى ممدوحةٌ عند العرب لأنها تدل على الكرم، والتعيين يدل على البخل، ولهذا افتخر الشاعر بقومه حين قال:

نحنُ في المَشْتَاةِ نَدعو الجَفَلَى

ص: 2883

لا تَرَى الآدِبَ فِينا يَنتقِرْ

الانتقار أن يعين، يقول: نحن في أيام الشتاء لا نقول: يا فلان تعال، أدعوك لتعشى عندي، لكن لا تعلم الناس، هذا يدل على أيش؟

طالب: البخل.

الشيخ: البخل، لكن نحن نقول: أيها الناس، هلموا إلى الطعام وما ألذّ الطعام الحارّ في أيام الشتاء، ولهذا افتخر بأعلى شيء تكون فيه الدعوة مفيدة قال:

نحنُ في المَشْتَاةِ نَدعو الجَفَلَى

لا تَرَى الآدِبَ فِينا يَنتقِرْ

فإذا دعا الجفلى لم تجب الإجابة، والعجب من قول بعض الناس: لا ينبغي للعلماء وذوي الجاه أن يسرعوا في الإجابة؛ لأنها دناءة، يعني إذا دعاك أخوك لا تقول: توكل على الله، ما فيه مانع، لا تسرع بالإجابة؛ لأنها دناءة، لكنّ هذا الاختيار في مقابل النصّ، ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال:«لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ» (1)، وكانت الجارية تأخذ بيده تذهب به إلى بيتها، وهل أحد أشرف من الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لا والله، فالصواب أن الإنسان يجيب ويكون سهلًا، والرجل الذي جاء إليك يدعوك من دون الناس لا شك أنه حريص عليك، كيف إذا قال: يا فلان، تفضل عندنا وليمة، عندنا عقيقة، وما أشبه ذلك، والله أنظر في الموضوع وما أشبه ذلك، أجب، إلا إذا كان هناك شيء يمنع؛ لأن أحيانًا الإنسان يمتنع إما لشغل أهم وإما خوفًا من افتتاح الباب؛ لأن بعض الناس ربما يعتذر لأنه يخشى أن الأمور تتكرر والناس الآن لا يُفيد بهم «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ» (2)، لو كان يفيد سبقك بها عُكاشة، لكان الأمر سهلًا، إذا دعاني واحد وتغديت عنده اليوم وقال الثاني: تفضل عندنا غدًا، لو قلت: سبقك بها عُكاشة واقتنع هذا ما فيه محظور، لكن أحيانًا لا يقبل.

ص: 2884

طالب: يا شيخ، بارك الله فيكم، إذا كان الهجر لمصلحة الهاجر، بمعنى لا ينوي إصلاح المهجور، لكن ينوي دفع أذاه وضرره؛ لأنه سفيه مثلًا، ويخشى إن أقام معه، أو بقي يعني على علاقة به أن يلحقه من سفهه وضرره، ولا يندفع هذا إلا بالتخلص منه ..

الشيخ: إي.

طالب: ولا يمكن يتخلص منه إلا بهجره وإلا بقي يعني (

) أو ..

الشيخ: يا أخي ألم تعلم أن الهجر يزول بالسلام.

طالب: بلى.

الشيخ: يكفي، أنا لست أقول: لا تهجره يعني اذهب إليه وصاحبه واجلس معه، لا، فكنت أظن أول ما بدأت السؤال أنك تقول: إذا كان لمصلحة الهاجر، وذلك أنه لو سلم على هذا لاتهمه الناس، تحول السؤال إلى هذا؟

طالب: أنا أقول: لو سلم على ..

الشيخ: يا أخي، أجب، قل: نعم، أجب الدعوة على الأقل.

طالب: طيب.

الشيخ: لو كان لمصلحة الهاجر، وهذا حق، يعني لو كان الرجل إذا سلم على العصاة أخذ الناس يهتكون عرضه يقولون: فلان ما عنده غيرَة، مرّ بفلان وسلم عليه وما أشبه ذلك، هل نقول في هذه الحالة: اهجره خوفًا من الأذى؟ الظاهر لي أنه جائز، لكن إذا كان الإنسان ذا قولٍ مقبول عند الناس وذا ميزان وشرف، فلا يبال بالناس، وليتكلم في الناس ويقول: إننا نسلم على أهل المعاصي تأليفًا لقلوبهم؛ لأن هجرنا إياهم لا يفيد، وهذا فيه مصلحة أنه يكسر هذا الذي يكون في قلوب بعض الناس من أن هجر المعاصي هو الغيرة، وهو الموالاة والمعاداة في الله عز وجل.

طالب: شيخ سؤالي ..

الشيخ: السؤال هو قد أجبتك الآن، قلت لك: ليس معنى ألا تهجره يعني ألا تسلم عليه ولا .. لا تهجره، يعني معناه: سلم عليه، وليس بلازم أن تذهب إليه في بيته أو تدعوه هو إلى بيتك.

طالب: يا شيخ، لو قيل: إن السلام رسول الكلام عادة يعني، ولو سلم عليه لطمع الثاني في ..

الشيخ: ما هو بعادة، نعم هو لا شك أنه موجب للمحبة كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (3)، لكن لا يلزم أنه محبة أن نصاحبه.

ص: 2885

طالب: شيخ، بارك الله فيكم، لو كان المكان المدعو فيه، فيه منكر، ويعلم يقينًا أنه بالذهاب لن يزول المنكر، لكنه يرجو مصلحة متوقعة وقريبة الحصول بالذهاب هناك.

الشيخ: بينك وبين قول المؤلف في الإجابة على هذا السؤال نصف سطر.

طالب: يا شيخ، اللي عليه العمل الآن عند الناس وليمة العرس تقام من المهر الذي هو حق الزوجة، فهل تجب الدعوة بالإجابة.

الشيخ: يعني معناه أن الداعي في الحقيقة هي الزوجة؟

طالب: لا، الزوج يدعو أيضًا، ولكني أقصد وليمة العرس تقام من المهر، يعني كلهم يدعون.

الشيخ: إي هؤلاء نقول: إن دعاك الزوج فأجب، وإن دعاك أهل المرأة فالسنة الإجابة، ولا يجب، بقي علينا الحقيقة إن دعا الجفلى، إحنا ما كملناها، لكن أخشى أن أنسى في المستقبل، الآن البطاقات التي توزع تجد الزوج يطبع له مئة بطاقة أو مئتين أو أكثر، ثم يمشي على الناس ويعطيهم، حتى سمعت من بعض الناس يقف عند الإشارة في الطريق، وكلما وقف سيارة أعطاه بطاقة، هل نقول: هذه من باب دعوة الجفلى؟ نعم هي من باب دعوة الجفلى في الواقع أو شبيهة بها، لكن أحيانًا ما تصل الحال إلى هذا الحد، أنه يقف عند الإشارات ويعطي الناس، لكنه يبعث بها إلى فلان وفلان وعائلته، هل نقول: إن هذه من باب التعيين؟ الذي أرى في هذه المسألة أنها تنقسم إلى قسمين: قسم أعلم أنه إنما دعاني لأنه يودّ أن أحضر لصداقة بيننا أو قرابة بيننا، أو جيرة، فهذا لا شك أنه تعيين.

وقسم آخر أرسل إليَّ البطاقة مجاملة وخجلًا وإعلامًا بالزواج فقط، هذا لا تجب الإجابة، ليس بتعيين لأني أعرف أني لولم أجب أن الثاني لا يكون في قلبه شيء، نعم، حتى إنه ربما يرسل إليَّ البطاقة وهو يعلم أنني لست بحاضر، قد يعلم أن عندي أنا زواجًا في بيتي مثلًا لكن يرسل البطاقة احترامًا وخجلًا وإعلامًا بأن عنده عرسًا، هذا ليس من التعين في شيء (

).

***

ص: 2886

الطالب: أو في اليوم الثالث، أو دعاه ذمي، كرهت الإجابة، ومن صومه واجب: دعا وانصرف، والمتنفل يفطر إن جبر، ولا يجب الأكل، وإباحته متوقفة على صريح إذن أو قرينة.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فَإِنْ دَعَا الجَفَلَى) هذا ضد قوله: (إن عينه)، إن دعا الجفلى يعني قال للناس: هلموا إلى الطعام، لم تجب الإجابة؛ لأنه لم يعينه، (أو) دعا (في اليوم الثالث)؛ لأنا نحن قلنا: الوليمة أول يوم هي السنة، ثاني يوم معروف يعني من المباح، ثالث يوم رياء وسمعة، إذا دعاه في اليوم الثالث فإنه لا يجيب، طيب هل من دعوة الجفَلى أن ترسل رسولًا وتقول: ادع لي من لقيت.

طلبة: نعم.

الشيخ: لا، ليس منها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أنس بن مالك رضي الله عنه وقال له:«ادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ» (4) وادع من لقيت يعني معناه إذا رأى شخصًا قال: تفضل في البيت، لكن الجفلى يقول: أيها الناس، هلموا إلى الطعام، فبينهما فرق، دعوة الجفلى عامة، وادع لي من لقيت خاصة.

(أو دعاه ذمي كُرهت الإجابة) من الذمي؟ الذمي هو الذي عقدنا معه الذمة على أن يُقيم في بلادنا بلاد الإسلام ونأخذ منه الجزية ونحميه، وهل الذمي خاص بأهل الكتاب أم عام؟ في ذلك قولان للعلماء:

قول أنها لا تعقد الذمة إلا لأهل الكتاب اليهود والنصارى.

والقول الثاني: تعقد لكل كافر من اليهود والنصارى والمشركين والملحدين وغيرهم، وهذا الثاني هو الأرجح.

هناك معاهَد، وهناك مُستأمِن بكسر الميم، وهناك حربي، فالكفار ثلاثة أصناف، بل أربعة أصناف:

ذمي، ومعاهد، ومُستأمِن، وحربي.

الذمي هو الذي عقدنا معه عهدًا وذمة على أن يقيم معنا في بلادنا ونحميه مما نحمي منه أبناءنا وندافع عنه، ونعامله معاملة المسلمين إلا في إقامة الحدود فيما لا يعتقدون تحريمه كالخمر مثلًا، وهذا أخص الكفار بالمسلمين.

ص: 2887

الثاني: معاهد: وهو الذي عاهدناه على وضع الحرب بيننا وبينه؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، مع من؟

طالب: قريش.

الشيخ: مع المشركين في صلح الحديبية، هؤلاء آمنون في بلادهم وآمنون إذا جاءوا إلينا بدون أن نعقد أمانًا لكل واحد، يكون العقد مع أهل الحل والعقد.

الثالث: مُستأمِن: المستأمن هو الذي أُعطي أمانًا على أن يدخل في بلادنا ويخرج آمنًا، كتاجر من أهل الحرب مثلا طلب منَّا الأمان أن يدخل إلى البلد ليبيع تجارته ويشتري ما شاء ويمشي، هذا ليس كالمعاهد، المعاهد قلنا: إنه عقد.

طالب: عام.

الشيخ: عام، ولذلك العهد لا يعقده إلا الإمام أو نائب الإمام، الأمان يكون من كل واحد من المسلمين، لو أن امرأة عجوزًا لها مئة سنة إلا سنة واحدة أعطت الكافر أمانًا ليدخل إلى البلاد، يعني وجدت مهندسًا جيدًا كافرًا، حربيًّا من اليهود مثلًا، نعم، فأعطته أمانًا، يدخل إلى بيتها يصلح عندها مجاري البول والغائط، نعم، يأمن ولَّا ما يأمن؟

طلبة: يأمن.

الشيخ: كافر حربي لم يؤمنه الإمام.

طلبة: يأمن.

الشيخ: ولا نائب الإمام يأمن؟

طلبة: نعم.

الشيخ: صحيح، يأمن، قد يقول قائل: إنه لا أمان إلا لمن دخل ليسمع كلام الله؛ لقول الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6].

ص: 2888

عرفت؟ طيب قلنا: الآية دلت على أن من طلب الأمان ليسمع كلام الله فيعطى ما قال ليأخذ القرآن يقرؤه، قال: ليسمع كلام الله، ولهذا لو طلب منَّا الكافر أن يأخذ القرآن يقرؤه وقال: أعطوني القرآن أقرؤه وأشوف هل أسلم ولَّا لا، قلنا: لا، بخلاف من قال: أعطوني أشرطة أسمعها، فهذا قد نقول: نعطيه؛ لأن الله قال: حتى يسمع كلام الله، وقد نقول: لا نعطيه لأنه قد يهين الأشرطة، نقول: ليس الأمان خاصًّا بهذه الصورة، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه أُم هانئ أخت علي بن أبي طالب، فهي أم هانئ بنت؟

طالب: بنت هانئ.

طالب آخر: أبي طالب.

الشيخ: بنت هانئ يا رجل أيش هذا! هي أم هانئ، أنا قلت لكم: إنها أخت علي بن أبي طالب، فتكون أم هانئ بنت؟

الطلبة: أبي طالب.

الشيخ: أبي طالب، دخلت على الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يغتسل مستترًا بثوب، فسلمت عليه، قال: من؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحبًا بأم هانئ، فقالت: إن ابن أمي علي بن أبي طالب زعم أنه يقتل فلانًا الذي أمنته وأجرته. وذلك في حرب مع المشركين، فتح مكة، قال لها النبي عليه الصلاة والسلام:«قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» (5)، فصحَّ الأمان من أيش؟

طالب: امرأة.

الشيخ: من امرأة، فهل هذا قد أجرنا من أجرتِ، هل هذا إجازة، أو تشريع؟

الطلبة: تشريع.

الشيخ: الأصل أنه تشريع، يعني لو قال قائل: الإجارة لم تتم بإجارة أم هانئ، بل بإجارة النبي صلى الله عليه وسلم له، نقول: هذا خلاف الأصل، ولهذا لم يقل: قد أجرناه، قال:«قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ» ، فأضاف الإجارة إلى نفس المرأة، هنا يقع إشكال، وهو أن يقول قائل: إذن كل إنسان من المسلمين يستطيع أن يجلب من اليهود وغير اليهود من الحربيين إلى بلادنا ويقول: أنا قد أمنته، صح ولَّا لا؟

طالب: صح.

الشيخ: صحيح.

الطلبة: صحيح.

الشيخ: هذا فيه مفسدة ولَّا ما فيه؟

الطلبة: فيه.

ص: 2889

الشيخ: فيه مفسدة، يعني كل إنسان له هوى مع كافر يجيبه ويقول: أمنته، نقول: المسألة الآن حُفظت بأنظمة يُحفظ بها الأمن، وهو أنه لا يمكن أن يدخل أحد من خارج البلاد إلا بإجازة الدولة، حتى المسلم، ما يمكن يدخل إلا بجواز، فالمسألة الآن حفظت بقواعد عامة لجميع الأمم، فيكون هذا، أي كونه لا يأمن إلا بأن توافق الحكومة على دخوله، هذا من باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].

تمام، طيب، على كل حال إحنا استطردنا كثيرًا لكن نرجو أن يكون نافعًا.

قوله: (أو دعاه ذمي)

الطلبة: الحربي.

الشيخ: بقي الحربي، الحربي ليس له أمان، الحربي في أي مكان وجدته قُص رقبته وخُذ منه ماله؛ لأنه مباح الدم وليس له أمان ولا عهد ولا ذمة، كما أنه لو وجدك أيش؟

طالب: سيقتلك.

طالب آخر: قتلك.

الشيخ: ويش يعمل لك؟ يقول: تفضل.

طالب: يقتلني.

الشيخ: على فرش ممدودة ولَّا أيش؟

طالب: يقتل تفضل على سيفي.

الشيخ: يقطع رأسك، أيضًا أنت اقطع رأسه، حربي وخذ ماله؛ لأنه لا حرمة له ولا لماله.

يقول المؤلف: (إن دعاه ذمي كُرهت الإجابة) يعني يُكره أن يجيب، وهذه المسألة الأخيرة، فيها تفصيل القول الراجح أن فيها تفصيلًا، إن رأى مصلحة في إجابته فليجب، ولا كراهة في ذلك، بل هو من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة اليهودي، الذي دعاه إلى خبز شعير وإهالة سَنِخة (6)، لكنه عرض عليه الإسلام فأسلم، فإذا كان في إجابة الذمي مصلحة فإجابته ليست مكروهة.

يقول رحمه الله: (كُرهت الإجابة، ومن صومه واجب دعا وانصرف) يعني أنه إذا دعاك صاحب الوليمة في أول مرة يجب الإجابة ولَّا لا؟

طالب: نعم يجب.

الشيخ: لكن أنت صائم في كفارة يمين أو في قضاء رمضان، ومن كان صائمًا صوم فرض فإنه لا يجوز أن يقطعه، فماذا أصنع؟

ص: 2890

أصنع أولًا أعتذر إليه أقول: والله أنا صائم، فإذا قال: لا بد من حضورك فقدك يُؤثر علي، أنت قريب مثلًا، أو أنت صاحب صديق لا بد تحضر، ولم يسمح لك تحضر أو لا تحضر؟

طلبة: تحضر.

الشيخ: يحضر، لكن يقول:(من صومه واجب دعا وانصرف) يعني حضر ودعا؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» (7) أي فليدع، تحضر تدعو بالدعاء المناسب، لكن ظاهر كلام المؤلف أنه لا يجلس على المأدبة، يعني لا يجلس على الطعام، يعني يدخل ويسلم ويدعو بالبركة وينصرف، لكن أكمل من ذلك أن يجلس على المأدبة، يجلس مع الناس، فهمتم؟ وكيف يعمل؟ يجلس ويحط إيده هكذا.

طالب: (

).

الشيخ: نعم، لا .. ينفع الناس يوزع، يوزع عليهم لحمًا، يقرب صحن الإدام مثلًا، يهدي من لا يهتدي إلى شيء من الطعام، المهم يستطيع أن يتخلص. فهل الأفضل هذا أو الأفضل أن يفعل ما هو ظاهر كلام المؤلف؟

الطلبة: الأول.

الشيخ: الأول، الأول احضر واجلس معهم ولا هو بلازم طيب، الشرب، الأكل معلوم ما هو بيأكل؛ لأنه لو رفع اللقمة وحطها عند فمه ثم ردها ما هو طيب، لكن الشرب، يمكن يأخذ الكأس ويدنيه من فمه ولا يشرب وكأنه يشرب إذا كان يحب أن يستر نفسه وأن يُخفي صومه.

قال: (والمتنفل يفطر إن جبر) فصار الصائم له حالان:

الأولى: أن يكون صومه واجبًا، فهذا أيش؟

الطلبة: يواصل.

الشيخ: لا يفطر، الثانية: أن يكون صومه نفلًا، ففيه التفصيل، إن كان إذا أفطر وأكل جبر قلب صاحبه وشرح صدره، فالأفضل أيش؟

طالب: (

).

الشيخ: أن يُفطر ويأكل، وإن كان الأمر سيين عند صاحبه، فالأفضل أن يبقى على صومه، وهذا مأخوذ من القاعدة التي أشرنا إليها في القواعد، وهي (ورُب مفضول يكون أفضل)، لا شك أن بقاء الإنسان في صوم النفل أفضل من الفطر، لكن هنا الفطر صار أفضل من أجل جبر خاطر صاحبه، طيب الصائم إذن المتنفل نقول: إن كان في إفطاره جبر لقلب صاحبه، فهو أفضل وإلا فلا.

ص: 2891

قال: (ولا يجب الأكل) يعني: لا يجب على الحاضرين أن يأكلوا، انتبهوا لهذه المسألة، حضر الناس أجابوا الدعوة لأن إجابة الدعوة واجبة، وبسط الطعام وقال: تفضلوا، فقالوا: أنعم الله عليك وانصرفوا، على كلام المؤلف جائز ولَّا ما هو بجائز؟ لأنه يقول: لا يجب الأكل، لكن هل هذا مناسب؟ غير مناسب، والرسول عليه الصلاة والسلام قال:«إِنَّ أَخَاكُمْ قَدْ تَكَلَّفَ لَكُمْ» (8) وأمرهم أن يأكلوا، وكل الناس يقولون: لو أن هؤلاء لم يحضروا لكان أحسن مما إذا حضروا وانصرفوا بدون أكل؛ لأنهم إذا حضروا وانصرفوا بدون أكل صار عليه علامات استفهام، ولَّا لا؟ يقول الناس: هؤلاء امتنعوا من الأكل لأن أكله حرام، مسروق، يأكل الربا، وما أشبه ذلك، لهذا نرى أن الأكل واجب، على الأقل نقول: واجب كفائي، بمعنى أنه إذا حضر على المائدة من تحصل بهم الكفاية وجلس من لم يأكل فلا بأس، لكن أما أن نقول: إنه ليس بفرض وإنه يجوز للجميع أن ينصرفوا بدون أكل، فهذا بعيد من الصواب، فالصواب أن الأكل أيش؟

طالب: فرض كفاية على الأقل.

الشيخ: أيش يقول؟

طلبة: فرض كفاية على الأقل.

الشيخ: إي نعم، على الأقل أن نقول: فرض كفاية، وإنه لا بد أن يأكل من تحصل به الكفاية ممن حضر.

ثم قال: (وإباحته متوقفة على صريح إذن أو قرينة) هذا رجل قدّم الطعام بين الحاضرين لا يمكن أن يتقدم أحد إلى الطعام إلا إذا أُذن له، طيب الرجل قدّم الطعام والشراب وذهب إلى البيت، وهؤلاء جالسون، أيش نعمل؟

طالب: لا بد من إذن.

الشيخ: لا بد يأذن يقول: تفضلوا، أليس إيجاد السماط، ووضع الطعام والشراب عليه أليس إذنًا؟

طالب: بلى.

الشيخ: نعم.

طلبة: على حسب العرف.

ص: 2892

الشيخ: على حسب العرف، ولهذا قال: أو قرينة، والحمد لله أنه أتى بكلمة أو قرينة، فإذا دلت القرينة على أن تقديم الطعام إذن فإننا نتقدم، وإن لم يقل: تفضلوا، لكن إذا كان فيه احتمال أنه دخل إلى البيت ليأتي بالبقية، نعم، ولنفرض أنه دخل البيت ليأتي بالإدام، والإدام وجده لم ينضج، باقي على نضجه نصف ساعة، أيش نعمل؟ نتقدم ما دمنا نعلم أن هناك قرينة أنه ذهب من أجل أن يأتي بالبقية، فإننا ننتظر حتى يأتي بها، ولو طال الزمن؛ لأننا لو تقدمنا قبل أن يأتي بالبقية لكان في هذا تفشيل له وإخجال له، لكن ينبغي لصاحب البيت ألا يقدم الطعام حتى يتكامل حتى لا يحصل مثل هذا.

ثم قال: (وإن علم أن ثم منكرًا) نقف عليها.

طالب: أحسن الله إليك، أحيانًا يدعى الشخص إلى وليمة ويكون صاحب الوليمة إما أباه أو أخاه شقيقه، يعني ممن لهم رحم قوية معه، لكن وليمة يكون فيها منكر، واضح؟

الشيخ: ستأتينا في كلام المؤلف.

طالب: شيخ أرأيتم لو أن (

) أمنه شخص هل يأمن؟

الشيخ: ربما لا يأمن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ» (9)، وعبد الله بن خطل تعلق بأستار الكعبة، فأمنه الصحابة، أمنوه لأن الرسول قال:«مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ» لكنه لعِظَم جرمه وعدوانه استأذنوا من الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا: يا رسولَ اللهِ، هذا عبدُ اللهِ بنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بأستار الكعبة، فقال «اقْتُلُوهُ» (10).

طالب: هذا يقيد مسألة استئمان الحربي؟

الشيخ: لا، ما يقيد؛ لأن الصحابة أمنوه، وإلا لقتلوه قبل أن يستأذنوا.

طالب: هذا خاص بهم؟

الشيخ: هذا خاص يعني معناه أن الإمام لو رفع الأمان عن شخص، الإمام نفسه، ما هو كل واحد، فله ذلك، وعلى هذا فإذا ألغى الإمام تأمين هذه المرأة مثلًا فله هذا، لكن لا يحلّ للإمام أن يهتك أمان أحد إلا لسبب، نعم أصول الفقه.

ص: 2893

والشك وعدم العلم بالكلية، إن علم أن ثم منكرًا فإن ظن فلا عبرة بالظن، وإن شك يعني مترددًا فلا عبرة بذلك، وإن جهل ولم يعلم عن شيء ولم يعتقد شيئًا فلا عبرة به، يعني إذا علم أن ثم منكرا بأن قيل له: إن هذه الوليمة قد دعي إليها العازفون والمغنون، وفيها اختلاط بين الرجال والنساء، وفيها تصوير، وما أشبه ذلك هذا منكر، فهل يحضر أو لا؟ فصل المؤلف رحمه الله؛ قال:(إن كان يقدر على تغييره حضر وغيره) إن كان يقدر على التغيير حضر وجوبًا أو جوازًا؟ حضر وجوبًا، والوجوب هنا من وجهين:

الوجه الأول: أنها دعوة إلى وليمة عرس.

والوجه الثاني: أنها سبب لإزالة المنكر، وإزالة المنكر واجبة، والسعي إلى إزالة المنكر واجب، وعلى هذا فإذا علم أن في الوليمة منكرًا، وهو قادر على التغيير، وجب أن يحضر، استجابة للدعوة من جهة، وتغييرًا للمنكر من جهة أخرى، كيف يقدر على تغييره؟

إذا علمنا أنه رجل مُطاع، رجل مطاع إما لعلمه، أو لسلطته، أو لجاهه، أو ما أشبه ذلك، هذا يعلم أنه قادر على التغيير، فهنا نقول: احضر وغير وجوبًا، يقول .. نعم، حضر وغير وإلا أبى، يعني وإلا بأن علم أن ثمة منكرًا لا يقدر على تغييره، أبى يعني امتنع، وحينئذ لا يحل أن يحضر.

ص: 2894

قد يقول قائل: تعارض عندنا أمران؛ وجوب الدعوة وتحريم الحضور، فيقال: الدعوة هنا إجابتها غير واجبة؛ لأن هذا الذي يريد أن يقر المنكر لا حرمة له، ولا يجاب، حتى لو كان أقرب قريب إليك لا تُجبه، ما دمت تعلم أن ثمة منكرًا، وأنك لا تقدر على تغييره، لا تحضر، لو كان أقرب الناس إليك، فإذا قال: هذا الذي دعاني وهو من أقاربي إلى وليمة فيها منكر، إن لم تحضر فزوجتي طالق، إن لم تحضر فزوجتي طالق، وكان هذا آخر تطليق للزوجة .. أقول له: وإن شئت فطلق الأخرى، ولا يمكن أن أحضر؛ لأن طاعة الله ورسوله أوجب من أن أحضر إليك، ثم إنك أنت الآن لا حق لك، أنت الذي أهنت نفسك بإحضار المنكر، ونصارحه في هذا، نصارحه، ربما إذا صارحناه عدل عما يريد، وأزال المنكر، فالمجاملة في دين الله غير جائزة {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9]، لا تجامل.

فإذا قال قائل: هذا في حقوق هذا ابن عمي وقريبي وزوجته سوف تطلق أقول: أنا ما .. لم أكلفه شططًا، بل أنا كلفته أمرًا سهلًا، يسلم به من الإثم، ويسلم به من سوء السمعة، ويسلم به من إنفاق المال، مصالح كثيرة، ما أركبته شططًا حتى أقول: إني عاق، أو إن كان أبًا أو قاطعًا إن كان غير أب.

يقول: (وإلا أبى) إذا لم يقدر فإنه يأبى. طيب إن ظن ولم يعلم فالأصل وجوب الإجابة، الأصل وجوب الإجابة، فيحضر، ثم إنْ تحقق ظنه تأتي الحالة الأخيرة أنه إذا علم به بعد الحضور فإن قدر على تغييره غيره وإلا انصرف، ولهذا قال:(وإن علم به) لا ما ذكره، إذا كنت أظن أن في الدعوة محرمًا وأنا لا أستطيع التغيير، فهل أذهب أو لا؟ أجيبوا يا جماعة.

طلبة: يجب.

الشيخ: يجب أن أذهب؛ لأن الدعوة الآن محققة، ووجوب الإجابة محقق، والمنكر محقق ولَّا غير محقق؟

طالب: غير محقق.

الشيخ: غير محقق، وما ليس بمحقق لا يمكن أن يُسقط محققًا، فاذهب ثم إن وجدت منكرًا وصدق ظني غيرته، فإن لم يمكن انصرفت.

ص: 2895

طيب إذا قال قائل: ألا تُجوِّزون له أن يذهب ويجعل في أذنيه قطنًا لئلا يسمع، ويغمض عينيه لئلا يرى، فما نقول؟

طالب: لا.

الشيخ: لا يجوز؛ لأن الله قال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا} يعني إن قعدتم {مِثْلُهُمْ} [النساء: 140]. فلا يجوز.

يقول رحمه الله: (وإن علم به ولم يره ولم يسمعه؛ خير): خير بأيش؟ بين أن يجيب أو لا يجيب، وهذا في الواقع فيه نظر؛ لأنه إذا علم أن في الوليمة منكرًا لكنه مثلًا في جهة ثانية في الحجرة الثانية، وحضر دون أن يُنكر، صار هذا نوع أيش؟

طلبة: إقرار.

الشيخ: نوع إقرار، ولهذا نرى خلاف ما قال المؤلف، نرى أنه إذا علم به ولم يره ولم يسمعه، وجب عليه الإنكار، فإن لم ينقادوا لقوله، فليخرج تعزيرًا لهم على الاستمرار في المعصية، علمتم هذا؟ المؤلف رحمه الله يقول: يُخير؛ إن شاء بقي وإن شاء انصرف، ولكن نقول: لا، الأولى أن يقول: يا جماعة أنتم عندكم الآن منكر في الغرفة الثانية، فإما أن تُزيلوه وإما ألا أقعد، فلا يخير، نعم لو فُرض أنه في هذه الحال لو انصرف لصار فيه قطيعة رحم، فهنا قد نقول: بقاؤه أولى لأنه لم ير ولم يسمع، ولكن يعظ وينصح ويُنكر، فإن لم يستجيبوا فلا بأس أن يجلس؛ لأنه ليس مع الذين يفعلون المنكر.

ص: 2896

ثم قال: (وكره: النثار والتقاطه) كره النثار، النثار معناه أن ينثر الزوج أو غيره من أقاربه، أو أقارب الزوجة، ينثرون الدراهم أو الدنانير أو الحُلي على الحاضرين، يأخذ من الدرهم بيديه كذا، ثم يرمي بها نحو الحاضرين، يقول المؤلف: إن هذا مكروه، لما يحصل به من المضرة؛ لأن الناس قد يتدافعون فيقتل بعضهم بعضًا، وفي وقتنا الحاضر فيه مفسدة ثانية، قد يتدافعون ويمسك واحد بطرف الورقة والثاني بطرفها ثم تتمزق، لا تصلح لهذا ولا لهذا، كما هو الواقع فيما إذا كان مع الإنسان رسائل صغيرة يوزعها على الناس ثم تدافعوا حولها، تجد واحدًا يأخذ جانب الكتاب من جهة، والثاني من جهة، ثم يأبى كل واحد أن يتنازل للآخر، فيتمزق الكتاب.

فالنثار إذن مكروه؛ لأن فيه مباهاة، وإن كان من الطعام ففيه أيضًا إهانة للطعام، التقاطه مكروه، كيف التقاطه مكروه؟ إنسان نثر بين أيدينا دراهم، نقول: لا تلتقطها، ليش؟ قالوا: نعم مكروه؛ لأنه دناءة، الإنسان ينبغي أن يربأ بنفسه عن التزاحم والتلاحم، دناءة، فلا ينبغي أن تلتقطه، لكن الدراهم أمامي الآن كيف لا آخذها؟ ولهذا يُقال: إن التعليل في التقاطه ليس لأنه دناءة، لكنه تعزير لفاعله؛ لأن امتناعنا من التدافع إليه احتجاج فعلي على فعل هذا الرجل الذي نثر، السؤال أسألكم الآن: هل هذا موجود عندكم في بلادكم؟

الطلبة: نعم.

الشيخ: موجود، إي.

طلبة: (

).

الشيخ: لا، ما هو موجود عندنا، الحمد لله، مع أن البلاد يقال: إنها بلاد نفط، نعم.

طالب: في بعض المناطق يرمون الحلوى.

الشيخ: الحلوى.

طالب: نعم.

طالب آخر: يا شيخ.

الشيخ: نعم.

طالب: العكس (

).

الشيخ: ها؟

طالب: مثلا عندنا في الختان يقع (

).

الشيخ: أيش؟

طالب: في الختان مثلًا ..

الشيخ: لا، أنا اللي في الزواج.

طالب: (

).

الشيخ: لا، بس أسألكم: هل هذا موجود عندكم في النكاح؟ عجيب والله.

طالب: الحلوى فقط.

ص: 2897

الشيخ: الحلوى هكذا يرمي بها، إي، حتى الحلوى داخلة في كلام المؤلف، يعني سواء دراهم أو حلوى أو غيرها.

طالب: (

).

الشيخ: هذا عندكم في مصر؟

طالب: (

).

الشيخ: من يعرف (

) هذا الشيء لكن رز مطبوخ ولَّا غير مطبوخ، من اللي بيقدر يلقط حبة حبة، إذا كان طيور، ما أدري عنهم، على كل حال هذا عندنا غير موجود، كان موجودًا عندنا، كلما دخل شهر المحرم نثروا هذا من على السطوح، يجتمع أناس كثيرون عند البيت من الصبيان الصغار، ثم يرمون عليهم أطعمة، إما تمر يابس وإلا قرصان يابسة ولَّا حمص ولَّا ما أشبه ذلك، والصبيان كما تعرفون يعني لا .. ويغنون أيضًا، يغنون لهذا الولد الذي نثروا له، نعم.

طالب: (

).

الشيخ: هو انقطع عندنا والحمد لله انقطع، طيب يقول:

(ومن أخذه أو وقع في حجره فله) يعني معناه إذا نُثر النثار سواء دراهم أو أطعمة أو غيره، من أخذه فهو له، ومن وقع في حجره فهو له، كيف يقع في حجره يعني مثلًا هم عند النثار يقولون هكذا بثيابهم هكذا، علشان تكون مساحة واسعة، فإذا سقط في حجره شيء فهو له.

ثم قال المؤلف: (ويسن إعلان النكاح) إعلان النكاح سُنة، ولم يذكر المؤلف بأي وسيلة يعلن، فيُقال: أيّ وسيلة يحصل بها الإعلان فإنه سنة، فمثلًا إيقاد القناديل عند بيت الزوج أو الزوجة من الإعلان ولَّا لا؟

طالب: نعم.

الشيخ: من الإعلان، إرسال البطاقات من الإعلان، لكن هل نبالغ في الإعلان بحيث نضع عند منعطفات الأسواق إعلانات بأن فلانًا يتزوج الليلة؟ الظاهر لا؛ لأن هذا فيه إسرافًا من وجه، وفيه أنه قد يكثر الناس ويحصل في ذلك مضايقة وتزاحم، لكن الإعلان بحسب الإمكان.

وهل من الإعلان ما يفعله بعض الناس الآن من ضرب البواري في السيارات؟

طالب: نعم.

الشيخ: نعم، الآن إذا سمعنا ضرب البواري في السيارات بكثرة قلنا: الليلة فيها زواج.

طيب من تزوج، فلان مثلًا، لا أحد يمكن يكون معروفًا، فهل نقول: هذا من الإعلان؟

ص: 2898

الواقع أنه من الإعلان حقيقة، لكن فيه مفسدة، المفسدة هي أن أصحاب السيارات إذا جعلوا يضربون البواري صار لها أصوات منكرة مزعجة من وجه، ثم إن الواحد منهم يعني يكون له نشوة، ربما تتضارب السيارات وتتصادم من النشوة والسرعة، فمن أجل هذا نرى أنه لا ينبغي أن تُفعل.

قال: (والدف فيه للنساء)، يعني: ويُسن الدف فيه للنساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ» (11)، وأمر أن يُبعث بمن يغني إلى بيت الزوجة، يعني من النساء، وتضرب الدف، لكن أقول: للنساء خاصة؛ لأن الدف إنما كان معروفًا عند النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فتدف المرأة وتغني، لكن بأي غناء؟ بالغناء النزيه الطيب المنبئ عن السرور والبهجة، مثل: أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم، وما أشبه ذلك من الكلمات الترحيبية الطيبة، أما أن توضع الأغاني الماجنة في هذا المكان فلا يجوز؛ لأنها تشتمل على شيء محرم، وتهييج الغرائز، وفيها مفسدة.

هل يجوز الدف بالطبل؟ الجواب: لا يجوز.

والفرق بين الطبل والدُّف أن الدف مستور من جانب واحد، الجانب الثاني مفتوح، والطبل من الجانبين، مغطى من الجانبين، فيكون رنين الطبل أشد من رنين الدف، فيكون أوقع في النفوس، وأشد للنشوة، والمعازفُ في الأصل حرام، لم يُستثنَ منها إلا الدف، فيقتصر على ما به الاستثناء.

وقوله: (للنساء) احترازًا من الرجال، فالرجال لا يدفون، فيُقتصر على الصورة التي وردت فيها الإباحة فقط.

طالب: (

) ولو كان من أقرب قريب.

الشيخ: نعم.

طالب: وإذا قال مثلًا الوالد لابنه ودعاه، إن كان عنده وليمة عرس، قال: إذا لم تحضرها فأنت عاق، فهل يحضر أم أنه إذا لم يحضر سيعق والده أو أمه؟

ص: 2899

الشيخ: إذا قال الأب: إن لم تحضر فأنت عاق، أقول له: إن ميزان العقوق ليس عندك، ميزان العقوق من الشرع، والشرع يمنع طاعة المخلوق في معصية الخالق، وانظر إلى قول الله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا (15)} [لقمان: 14، 15]. {جَاهَدَاكَ} أي: بلغا الجهد والإلزام الشديد {فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].

طالب: بارك الله فيكم، هل مما رجحناه أن الإنسان إذا علم بالمنكر ولم يره ولم يسمعه، اللي بيحصل الآن يا شيخ في صالات الأفراح نسمع دفوف النساء ويستمر ساعات، والإنسان يكاد يجزم أن فيها دفوفًا يعني فيها طبل وأصوات، أصوات النساء يعني، هل هذا يزال ولَّا يخرج الإنسان؟

الشيخ: والله في الواقع أن مسألة سماع غناء النساء في هذا يعني أنا متردد هل هو حرام .. لأن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ابْعَثُوا مَعَهَا مَنْ يُغَنِّي؛ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ» (12) هل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أن المرأة سوف تبقى في كنٍّ لا يسمعها أحد؟

طالب: لا.

الشيخ: ما هو بالظاهر، وصوت المرأة نفسه ليس بعورة بنص القرآن؛ لقول الله تعالى:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: 32]. يعني {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32] فليس صوت المرأة عورة أبدًا، حتى النساء يأتين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسألنه والناس حاضرون، فأنا عندي إشكال فيما إذا كانت أصوات النساء تسمع في العرس، اللهم إلا رجلًا تتحرك شهوته بذلك فليقم، لكن رجل عادي سمع أصواتهن فهذا .. هل سمع منكرًا، أسألك؟

طالب: نعم يا شيخ الآن ..

ص: 2900