الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباء أيضًا أعم منهما من جهة أخرى؛ وهي أنها تكون مع وجود فعل القسم وحذفه مع ذكر وحذف عظيم، وأما تالله؛ التاء والواو، فإنها لا يُذكر معها فعل القسم، فلا تقول: أحلف والله، ولا أحلف تالله، لكن الباء يُذكر فيها، فالباء في الحقيقة هي أوسعها. إذن حروف القسم كم؟
طلبة: ثلاثة.
الشيخ: ثلاثة: الباء، والواو، والتاء. أما شروط وجوب الكفارة بها بها فستأتي. المهم الآن تعريف الأيمْان: جمع (يمين)، وهو القسم، واصطلاحًا هو تأكيد الشيء بذكر معظم بصيغة مقصودة.
وحروف القسم ثلاثة: الباء والواو والتاء. تختص التاء باثنين من أسماء الله وهما الله ورب، قال ابن مالك في الألفية:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
....... وَالتَّاءُ لِـ (اللَّهِ وَرَبْ)
والتاء لله ورب خاصة، وتختص الواو بأيش؟ بالأسماء الظاهرة عامة، وتشمل الباء الظاهر والمضمر، وهي أيضًا أعم منهما من جهة ذِكر فعل القسم وحذفه، أما الواو والتاء ففعل القسم فيها محذوف.
[باب جامع الأيمان]
شروط وجوب الكفارة بها: أولًا: ينبغي أن نعرف حُكم الأيمان، هل الأيمان من الأشياء الجائزة التي ينبغي أن تُفعل، أو من الأشياء الجائزة التي لا ينبغي أن تفعل إلا لسبب؟ نقول: هي من الأشياء الجائزة التي لا ينبغي أن تُفعل إلا لسبب، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن معنى قوله تعالى:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] أي: لا تُكثروا الأيمان، ولكنها للمصلحة قد تكون مطلوبة، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُقسم في ثلاثة مواضع من القرآن، أما إقسام الله تعالى في القرآن فكثير، لكن أمره بالإقسام في ثلاثة مواضع، تجيب لنا واحد منها؟
طالب: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7].
الشيخ: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} .
الطالب: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: 109].
الشيخ: لا.
طالب: (
…
).
الشيخ: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53]، والثالث: (
…
) {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} [سبأ: 3]، ففي ثلاثة مواضع أمر الله نبيه أن يقسم؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك وإلا فالذي ينبغي ألا يحلف الإنسان.
أما حكم الحِنث باليمين، فالحنث باليمين يكون على الأحكام الخمسة: قد يكون واجبًا، مُحرَّمًا، ومستحبًّا، ومكروهًا، ومباحًا، تأتي فيه الأحكام الخمسة حسب ما تقتضيه الأسباب والعِلل، وإذا حنث الإنسان فيها سواء كان الحنث واجبًا، أو محرمًا، أو مكروهًا، أو مُستحبًّا، أو مباحًا، إذا حنث وجبت عليه الكفارة، ولوجوب الكفارة شروط.
فصار البحث -يا جماعة- الآن في أدوات القسم، وفي حكم الإقسام، وفي الحنث، وفي حكم الحنث؛ فالحنث معناه مخالفة ما حلف عليه، أن يخالف ما حلف عليه، وحكم الحنث ماذا نقول فيه؟
طالب: تجري فيه الأحكام الخمسة.
الشيخ: تجري فيه الأحكام الخمسة، والكفارة تجب بالحنث بشروط ستة:
أولًا: أن تكون -أي اليمين- بالله أو صفة من صفاته.
بالله يعني سواء كان بلفظ الله، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته. واعلم أن الاسم تارة يكون خاصًّا بالله مثل لفظ الجلالة والرحمن، وتارة يكون ظاهرًا في اسم الله، وتارة يكون غير ظاهر محتمل، فما كان خاصًّا بالله أو ظاهرًا فيه فهو يمين بمجرد النطق به، وما كان محتملًا له ولغيره فهو يمين بشرط نية لله.
طالب: مثال؟
الشيخ: مثلًا: الله والرحمن، هذا من أسماء الله الخاصة به، فإذا قال إنسان: والله لأفعلن فهو يمين، والرحمن لأفعلن فهو يمين، وتارةً يكون الوصف ظاهرًا في الله مثل العزيز والحكيم، وما أشبه ذلك، إذا قال: والعزيز أو والحكيم فهو يمين، وتارةً يكون مشتركًا بين الله وبين غيره فيحتاج إلى النية، مثل لو قال: والمؤمن، فإن المؤمن من أسماء الله، ولكنه يُطلق عليه وعلى غيره كثيرًا، فقد يكون في غيره أظهر؛ فلذلك يحتاج إلى تقييده بالنية.
أن تكون بالله أو صفة من صفاته فيجوز الحلف بصفة من صفاته، سواء كانت هذه الصفة مشتقًّا أو موصولًا صلته. طبعًا الصلة تكون مشتقة، فقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» . هذا حلف بالله ولَّا بصفة من صفاته؟
طالب: بالله.
الشيخ: بالله؛ لأنه هو المختص بأن تكون الأنفس بيده سبحانه وتعالى، الحلف بصفة من صفاته مثل أن يقول: وعزةِ الله لأفعلن كذا وكذا، وعزتك وجلالك.
فهذا صفة من صفات الله، ولا فرْق بين أن تكون الصفة ذاتية أو فعلية؛ فالذاتية مثل العزة، والحكمة، والقدرة، والسمع، والبصر، والفعلية مثل الاستواء على العرش، مثل: واستواء الله على العرش لأفعلن كذا وكذا، أو ونزوله إلى السماء الدنيا لأفعلن كذا وكذا.
إذا كانت الحلف بغير الله أو صفة من صفاته إذا كانت اليمين بغير الله أو صفة من صفاته فإنها لا تكون منعقدة، ولا تجب بها الكفارة، وحكمها مُحرَّم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» . وقال: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» وقال: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» . فالحلف بغير الله محرم، وهو من الشرك الأصغر، ما لم يعتقد الحالف أن للمحلوف به منزلةً مثل منزلة الله، فمن يعتقد ذلك فإنه يكون كافرًا.
طالب: الحلف بالقرآن؟
الشيخ: نعم، جائز؛ لأن القرآن كلام الله؛ فهو من صفاته. طيب، الحلف بآيات الله، الذي يحلف به كثير من الناس اليوم جائز ولَّا غير جائز؟ الحلف بآيات الله: أقسم بآيات الله لأفعلنَّ، دائمًا الآن يحلفون بها.
طلبة: (
…
).
الشيخ: فيه تفصيل؛ إن أراد بالآيات الشرعية -وهي الوحي- فهو جائز؛ لأن الوحي من كلامه، وكلامه من صفاته، وإن أراد بالآيات الكونية فهو حرام، لا يجوز؛ لأن الآيات الكونية مخلوقة، ولا يجوز الحلف بالمخلوق، واضح يا جماعة؟ لكن العامة الآن ويش يقصدون؟
طلبة: الشرعية.
الشيخ: الظاهر أنهم يقصدون القرآن، وعلى هذا فيكون جائزًا، لكن لو أردنا أن نُفصِّل نفصل هذا التفصيل.
ثانيًا: أن يقصد عقده؛ فإن كان بلا قصد فإنه لا تجب فيها الكفارة مثل الذي يجري على الألسنة دائمًا بدون قصد، يقول: تبغي تروح لفلان قال: لا والله ما أنا برايح، تبغي تبقى هنا؟ قال: لا والله ما أنا بباقٍ، هذا الكلام لا يُعتبر يمينًا، لماذا؟ لأنه ما قصد، وقد قال الله سبحانه وتعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]، {بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} يعني بما عقدتم أن يكون يمينًا، هذا هو الذي يترتب عليه الحنث وعدمه، فأما ما يجري على اللسان بلا قصد فليس فيه شيء، مثل الذي يقع من الوالدين أحيانًا للتهديد، هو من هذا النوع؟
طالب: مثل أيش؟
الشيخ: مثل يقول: والله ما تذهب إلا قطعت عقب رجليك مثلًا! هل هو من هذا النوع يعتبر من لغو اليمين؛ لأنه ما قصده؟ الظاهر كذلك، الظاهر أنه من لغو اليمين؛ لأنك لو قلت: هل أنت عازم على هذا وعاقد النية (
…
) ما أنا مقطع عقب رجل ولدي، فهذا يدل على أنه ما قصد، فإذا لم يقصد فإن الله يقول:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} والحديث: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» .
الثالث: أن تكون على أمر مُستقْبَل.
طالب: (
…
).
الشيخ: حسب نيته، الكلام على النية، فالتفريق ما هو باللفظ، التفريق بنية الحالف، ولهذا النية حتى سيأتينا إن شاء الله أنه يرجع إليها في كل شيء.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: إي نعم، حلفت هذا فعل، واليمين تنعقد بذكر المحلوف به أو صيغة القسم.
الطالب: (
…
).
الشيخ: حلفت لتأخذن، هذه نيتك. أن تكون على أمر مستقبَل، مثل، يقول: لا أفعل كذا، أو لأفعلنَّ كذا، وضد المستقبل الماضي فإنه لا تنعقد به اليمين؛ فالماضي إذا حلف عليه، فإما أن نصفه بأنه صادق، وإما أن نصفه بأنه كاذِب، أما أن نصف يمينه بأنها منعقدة فلا مثل يقول: والله ما حصل كذا، أو والله لقد حصل كذا، ثم يتبين الأمر على خلاف ما حلف عليه، فهنا لا شيء عليه.
وهو على قسمين، بل على ثلاثة أقسام: إذا حلف على ماضٍ، فإما أن يعلم كذب نفسه، وإما أن يعلم صدق نفسه، وإما أن يترجح عنده صدق نفسه، إن علم صِدْق نفسه فواضح أن الحلف جائز ولا إثم فيه، وإن علم كذب نفسه فهو آثم حرام عليه أن يفعل ذلك، ثم هل هذا من الكبائر وهل هي اليمين الغموس أو لا؟ نقول: إذا كان يتوصل بهذا اليمين إلى أكل مال الغير أو اعتداء على بدنه فإنه من اليمين الغموس، وأما إذا لم يكن فيها اعتداء على غيره فإنها ليست من اليمين الغموس.
وعند الفقهاء أن الحلف على ماضٍ وهو يعلم أنه كاذب من اليمين الغموس مُطلقًا، ولكنه ليس بصحيح، مثال ذلك: رجل قال: والله ما حضر فلان أمس إلى الدرس، والله ما حضر فلان، وهو يعلم أنه حاضر، فهذا ويش يكون؟ إن ترتب عليه أكل مال هي يمين غموس وإلا فلا.
حلف قال: والله لا يطلبني فلان شيئًا وهو يعلم أنه يطلبه هذه يمين غموس. ضرب شخصًا -ضربه بيده- ثم أقسم ما ضربه، فهي يمين غموس؛ لأن فيها اعتداء على الغير، هذه هي اليمين الغموس، ويأثم بها وهي من الكبائر، وفي حديث أبي ذر:«ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» وذكر منهم: «الْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» .
إذا حلف على أمر ماضٍ يظنه كما حلف، فالحلف هنا جائز، وهل عليه كفارة لو وقع الأمر على خلاف ظنه؟ ليس عليه كفارة؛ لأن ذلك على أمر ماضٍ، والكفارة إنما تكون على أمر مستقبَل.
انتهت الأقسام الثلاثة بالنسبة للحلف على أمر ماضٍ، الحلف على أمر مستقبل.
طالب: إذا شك (
…
).
الشيخ: إذا شك فلا يجوز الحلف، لا يجوز إلا إذا ترجح عنده.
إذا كانت على أمر مستقبل فلا تخلو من حالين: إما أن يكون ذلك على فِعْله أو عدم فِعله، فهذه يحنث بها مثل: والله لأفعلن، أو والله لا أفعلن. إذا كانت على إنشاء فإنها يمين منعقدة إذا حنث فيها وجبت عليه الكفارة.
وإذا كانت على خبر مثل أن يقول: والله ليقدمن زيد غدًا. ثم لم يقدم زيد، فهل نقول: هذه اليمين منعقدة وتجب فيها الكفارة؛ لأنها على مستقبل، وصار الأمر على خلاف يمينه؟ اختلف فيها أهل العلم. أنتم فاهمون الصورة هذه؟
طلبة: لا.
الشيخ: أقول: إذا كانت على أمر مستقبل فإن كان إنشاء فإنها مُنعقِدة، وفيها الكفارة إذا حنث، وإذا كانت خبرًا، فهل هي من القسم الأول الذي يكون في الحلف على الماضي أو من القسم الثاني الذي يكون كالحلف على الإنشاء؟ ومثاله أن يقول: والله ليقدمن زيد غدًا، هذا على مستقبل ولَّا لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: جاء غد ولم يقدم زيد، هل يجب عليه كفَّارة على هذا الحالف، ولَّا ما يجب؟ فيه خلاف؛ المشهور من المذهب أنه تجب عليه الكفارة؛ لأن هذه يمين على أمر مستقبَل تبين فيه أنه على خلاف ما حلف عليه، فتجب عليه الكفارة.
والقول الثاني: أنه لا كفَّارة عليه في هذه الحال؛ لأنه إنما حلف بناءً على غالب ظنه، وليس بإنشاء هو فيه عاصٍ، والآن ما عصى ما خالف ولَّا لا؟ رجل حلف على ظنه كأنه حينما قال: واللهِ ليقدمن زيد غدًا، ما هو معناه أنه بيدي أن أخليه يجي غصبًا فأبغي أجيبه، وإنما هو بناء على ظنه، فهو خبر وليس إنشاء، وأنا الآن حلفت على ما في ضميري، وحتى لو لم يقدم زيد غدًا فأنا على ظني، أنا أقول: أنا الآن حلفت أمس على ظني أنه سيقدم، وأنا صادق فيما أقول، فليس فيه حنث.
نعم، لو قلت: والله ليأتينك زيد، وزيد مثلًا أجير عندي، أو مملوك لي أبغي أجيبه لك، ثم لا آتي به فحينئذٍ لا شك أني أحنث؛ لأن هذا إنشاء وليس خبرًا، وها هو شيخ الإسلام يرى أنه لا يحنث في مسألة الخبر، وقوله هو
الصواب؛
لأن تعليله قوي جدًّا، وهو أن هذا الرجل إنما حلف على ما يغلب على ظنه، وهو لا يزال يقول كذلك، حتى لو جاء غد ولم يأتِ زيد، فهو يقول: أنا إلى الآن وأنا حين يميني أمس معتقدًا أنه سيقدم، فكونه يتخلف ليس من فعلي، ولهذا حلف الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان قال: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني، مع العلم بأن هذا بناءً على ظنه؛ إذ هو لم يُفتِّش البيوت بيتًا بيتًا حتى يتبين.
فالحاصل أن هذه المسألة يا جماعة على أمر مستقبل ويش يخرج به؟ يخرج به الماضي، فالماضي ما فيه كفارة بكل حال، لكن هل هو آثم أو غير آثم؟ وهل هي من اليمين الغموس أو ليست من اليمين الغموس؟ قلنا: إذا حلف على ماضٍ يعلم أن الأمر كما حلف، أو يغلب على ظنه أن الأمر كما حلف فهو جائز، وليس بآثم.
إذا حلف على أمر ماضٍ، وهو يعلم أنه على خلاف ما حلف فهو آثم، ولكن هل تكون يمينًا غموسًا أو لا؟ على الخلاف الذي سمعتم.
إذا حلف على مستقبل فإنا قلنا: المسألة (
…
) المستقبل لا يخلو من حالين: إما أن يكون خبرًا أو إنشاء، فإن كان إنشاء انعقدت اليمين، ويحنث بها إذا خالف، وإذا كان خبرًا؛ فالصواب أنه لا شيء عليه إذا وقع الأمر على خلاف ما حلف عليه؛ لأن يمينه بناء على ظنه، وليس معناه إلزامًا لنفسه بأن يكون الأمر كذا، فإذا حصل الأمر على خلاف ما ظن فإنه لا شيء عليه على القول الراجح والمذهب ويش المذهب؟ عليه الكفارة؛ لأنهم يقولون: كل مستقبل ففيه الكفارة، سواء كان من فعلك أو من الخبر أو من أي فعل.
وإذا كانت على مستقبل ماذا فهمت من الحكم؟ (
…
).
الإنشاء أنه يريد أن يفعل شيئًا، ما هو بيخبر عن شيء في ظنه، والإنسان اللي يقول: والله ليقدمن زيد غدًا، إذا كان له سلطة في أن يقدمه أو يمنعه فهذا إنشاء؛ لأنه يريد أن يأتي به، وإذا كان ليس له سلطة، ولكن يخبر بأنه في ظنه سيقدم، فهذا خبر يعني كأنه يقول: سيكون هذا الشيء ولكن ليس لي فيه السلطة.
طالب: بالنسبة (
…
).
الشيخ: لا، أن يتعلق على الإيجاب والمنع، هذا الشرط الثالث.
الشرط الرابع: أن يحلف مختارًا ضد أن يحلف مكرهًا، فإذا حلف مكرهًا لم تنعقد يمينه؛ لأن الله سبحانه وتعالى نفى حُكم الكُفر عن المكره، وغيره مما هو دونه من باب أوْلى (
…
فلو جاء إنسان وأكرهني أن أحلف على فعل شيء، أو أن أحلف على ألَّا أُخبر بشيء، فعل فعلًا محرمًا وقال: تعالَ، أخشى أنك تخبر عني، يلَّا احلف أنك ما تخبر عني، وإلا فعلتُ كذا وكذا. فحلف ألا يخبر به بناءً على الإكراه، فاليمين لا تنعقد، فلو أخبر فلا كفارة عليه وذلك؛ لأنه مكره، والمكره يرتفع عنه الحكم.
إذا حلف وهو نائم، سمع وهو نائم يقول: والله ما أروح لفلان، يحلم، كان عاقدًا ولَّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: ويش اللي تخلف عنها الشرط هذا ولَّا الشرط الثاني؟
طالب: الاثنين.
طالب آخر: القصد.
الشيخ: القصد؛ لأنه ما هو مكره في الحقيقة، لكنه غير قاصد، فالنائم (
…
). هي أيضًا مسألة ثالثة في القصد، لكن غابت عني، الموسوس إنسان موسوس، وتعرفون الوسواس، نسأل الله العافية، هي في الحقيقة أنه يُلزِم الإنسان، ويرغمه على أن يقول: هل تنعقد يمينه ولَّا لا؟ ما تنعقد، وهو إلى الإكراه أقرب منه إلى القصد، ويمكن يكون فيها الأمران؛ انتفاء القصد، أو انتفاء الاختيار، والظاهر أنه إلى انتفاء الاختيار أقرب؛ لأن بعض الناس -نسأل الله السلامة- مع الوسواس يلزم نفسه.
وأنا أذكر لكم الكثير مما يُبتلى به بعض الناس في مسألة طلاق زوجته، تجده يوسوس له الشيطان أنه يُطلِّق، ثم يقول: إذن هي طالق، ويتكلم بهذا الكلام هذا معلوم ما يقع عليه الطلاق كما هو معروف من درس العام الماضي، لكن أيضًا اليمين ما تنعقد، اليمين لا تنعقد؛ لأنه مُلجأ ومُكره على ذلك.
نظيره أيضًا من بعض الوجوه، بعض الناس يشك هل أحدث ولَّا ما أحدث وهو متوضئ، يقوم يروح يُخرج الريح من دُبره عشان يقول: أقطع الشك باليقين، أو يلمس فرجه يقول: أقطع الشك باليقين، هل هذا مشروع؟
الرسول ما قال: إذا وجد أحدكم في بطنه شيء فأشكل عليه أخرج منه شيء، ما قال: فليلمس فرجه حتى ينتقض وضوءه، أو فليحدث حتى ينتقض، ويش قال؟ «فَلَا يَخْرُجْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . وإذا لعب عليه الشيطان، المفروض كلما شك راح يقول: أنقض الشك باليقين، مثل (
…
).
طالب: قد يرى أو يسمع.
الشيخ: لا، يسمع، هذا (
…
) السماع من الحواس، السمع من الحواس، فلابد يسمع يقين، أما (
…
) ما هو بشيء.
طالب: (
…
).
الشيخ: نعم، الخامس: أن يحلف فيها قاصدًا عالمًا ذاكرًا. شوف أن يحلف مختارًا، كذلك أن يحنث قاصدًا عالمًا ذاكرًا ثلاثة شروط؛ فإن لم يقصد ويش ضد القصد؟ عدم القصد، سواء الإكراه أو لنوم أو لغير ذلك، المهم أنه حنث غير قاصد قال: والله لا أكلم فلانًا، فأُكره على أن يُكلِّمه، تجب الكفارة؟
طالب: لا.
الشيخ: ما تجب الكفارة، لا تجب الكفارة؛ لأنه غير قاصد. قال: والله لا أُكلِّم فلانًا، جاء فلان وهو نائم، وبدأ يزعج، يا فلان! قال: نعم، ويش تقول؟ كلمه، لكنه قاصد ولَّا غير قاصد؟
طلبة: غير قاصد.
الشيخ: غير قاصد، لو علم أن هذا صاحبه ما تكلم لك دائمًا الإنسان في النوم ما يحس بشيء. عالِمًا احتراز منين؟
طالب: من الجاهل.
الشيخ: من الجاهل، لكن هل المراد عالِمًا بوجوب الكفارة عليه ولَّا عالِمًا بأن هذا ما حلف عليه؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: هذا هو الأخير، أما كونه يقول: والله أنا ما دريت أنه يجب علي الكفارة لو دريت ما فعلت، فإنا نقول: كونك لا تدري بوجوب الكفارة هذا غير مؤثر في الحكم كما لو زَنى شخص محصن متزوج فيجب عليه الرجم، قال: لو دريت أنه بيرجم ما زنى، هل ينفع هذا ولَّا ما ينفع؟
طلبة: ما ينفع.
الشيخ: ما ينفع، الجهل بالعقوبة، ما هو برافع للحكم. إذن نقول: عالِمًا، يعني يعلم أن هذا هو ما حلف عليه، يعلم أن هذا هو ما حلف عليه، فلو قال: مثلًا والله لا ألبس هذا الثوب، ثم لبسه جاهلًا أنه هو فليس عليه كفارة أو قال: والله لا أدخل مسجد بني فلان. فدخل مسجدًا ما عرف أنه مسجدهم؛ فإنه لا شيء عليه، ليس عليه حنث.
ولكن لاحظوا أنه إذا علم أن هذا هو المحلوف عليه، إن بقي بعد علمه لزمته الكفارة، وإن خرج لم تلزمه.
طالب: لو كان في صلاة.
الشيخ: إذا كان في صلاة نشوف، هل الحنث في هذه الحال جائز؟ يعني يجوز تخرج من الصلاة ولَّا ما يجوز؟
طالب: ما يجوز.
الشيخ: ما يجوز، إذن تبقى وتُكفِّر. طيب أن يكون ذاكرًا، ويش ضد الذكر؟
طلبة: النسيان.
الشيخ: النسيان، فلو حلف ألا يفعل شيئًا فنسي وفعله؛ فلا حِنث عليه، أو حلف أن يفعل كذا في وقت كذا، فجاء الوقت ونسي؛ فلا حِنث عليه، مثل لو قال: والله لأقرأن اليوم جزأين من القرآن، ونسي وانتهى اليوم وغابت الشمس، فليس عليه شيء وذلك لأنه حنث ناسيًا، وقد مر عليكم أيضًا في الطلاق في العام الماضي أنه لا فرق بين الطلاق والأيْمان على القول الراجح، وإن كان المذهب يقولون في الطلاق: يقع الطلاق، ولو كان جاهلًا أو ناسيًا، والصحيح أنه لا فرق بين الطلاق ولا الأيمان.
سادسًا: ألا يُعلِّقها بمشيئة الله. ويش يعلق؟
طالب: اليمين.
الشيخ: اليمين، فإن علقها بمشيئة الله فلا حنث عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ» . واعلم أنه إذا قال: إن شاء الله؛ فإنه يكون على وجهين: تارة يريد التعليق، وتارة يريد التبرُّك والتقوية، إذا أراد التعليق فلا ريب أنه لا حنث عليه أو لا؟ قال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله ولم يفعله، نقول: ما عليك شيء؛ لأنك علقته بمشيئة الله، ولما لم تفعله عُلِم أن الله لم يشأه، وحينئذٍ لا شيء عليه.
وتارةً يقصد التبرُّك والتحقيق أو التأكيد، يعني هو جازم ما جعل المسألة مُعلَّقة على مشيئة الله، فهل ينتفع بهذا التعليق أو لا ينتفع؟
طالب: ما ينتفع.
الشيخ: فيه خلاف بين أهل العلم أيضًا؛ منهم من يقول إنه ينتفع؛ لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» . أو قال «لَمْ يَحْنَثْ» . قال: فعموم قوله فقال: إن شاء الله. ما فيه تفصيل.
ومنهم من قال: بل يحنث إذا خالف؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نعلم أن مراده بذلك إذا علقته بأمر لا طاقة لك به، وهو مشيئة الله، فأما إذا كنت جازمًا، ولكن ذكرت مشيئة الله من أجل أن يتحقق لك ما حلفت عليه فإنه يجب عليك الكفارة إذا خالفت.
قال: ودليل هذا أيضًا حديث سليمان أنه قال: لأطوفنَّ على سبعين امرأة أو تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلامًا يُقاتل في سبيل الله، فقال له الملك: قل إن شاء الله، فلم يقُل. قال الرسول عليه الصلاة والسلام:«لَوْ قَالَهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ» . ومعلوم أنه قيل له: قل إن شاء الله من أجل تحقق مطلوبه، حيث لا يعتمد على نفسه بل على الله سبحانه وتعالى، ولكن الأسهل على الناس، ويش الأسهل عليهم؟ القول بالتفصيل ولَّا القول بالإطلاق؟
طالب: بالإطلاق.
الشيخ: القول بالإطلاق، وأن نقول: كل من قال: إن شاء الله، فلا حنث عليه، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وبدون تفصيل، وهذه قاعدة ينبغي أن نتخذها في الخلاف، كل خلاف لا يترجَّح فيه أحد القولين على الآخر فإن الأصح أننا نسلك به الأيسر والأسهل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا.
فهذان القولان مثلًا، أحدهما أيسر من الآخر، ونحن لا نعلم أننا إذا أخذنا به وقعنا في الإثم، فإن الأولى أننا نأخذ بالأيسر، وكوننا نقول للناس مثلًا: كل من قال: إن شاء الله فإنه لا حنث عليه، هذا بلا شك أسهل، خصوصًا العامة الآن، هل يُفرِّقون بين هذا التفصيل؟ العامة -في ظني- ما يعرفون الفرْق بين ما إذا أراد التعليق، أو أراد التوكيد والتبرك؛ فلهذا ينبغي أن تكون على الإطلاق.
وتحريم الحلال كاليمين مثاله؟
طالب: (
…
). لو قال: حرمت على نفسي أكل الخبز.
الشيخ: زين، مثل أن يقول: حرام عليَّ أكل الخبز، أو حرام عليَّ غداك، أو حرام عليَّ عشاك، أو ما أشبه ذلك، هذا تحريم الحلال كاليمين؛ يعني حُكمه حكم اليمين؛ لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1، 2] فجعل الله هذا التحريم يمينًا، قال:{تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} ، واستدلوا له أيضًا بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 87 - 89]، فذكر حكم اليمين بعد أن قال:{لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} .
فتحريم الحلال إذا كان القصد الامتناع منه حكمه حكم اليمين، أما إذا كان القصد في تحريم الحلال الحكم عليه بالحرمة، فهذا شيء آخر، يكون إما كفرًا، وإما كذبًا على حسب ما مر علينا أظنه في حكم المرتد، لكن تحريم الحلال بقصد الامتناع منه حُكمه حكم اليمين.
وقولنا هنا: كاليمين، ما استثنينا شيئًا، المذهب يستثنى من ذلك الزوجة فإن تحريمها ظِهار، فلو قال: زوجتي عليَّ حرام صار مظاهِرًا كقوله: كظهْر أمي.
وفرق بين الظهار وبين اليمين، الظهار معناه أنه ما يقربها حتى يعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا، وأما التحريم فإنه يقربها، ولكن يكفر أيش؟ كفارة يمين إذا قلنا بأنها كغيرها، والصواب أن تحريم المرأة كغيرها لعموم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ} ، وهذا عام:{مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} عام.
وصح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال فيمن قال: امرأتي عليَّ حرام، قال: هي يمين يكفرها. ثم تلا قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] يعني أن تحريم الحلال مطلقًا حتى للزوجة حكمه حكم اليمين (
…
)
التخيير بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، أولًا: على الكفارة، لماذا سُمِّيت كفارة؟ سميت كفارة؛ لأن الأصل أن مخالفة الحلف الأصل فيه أنه مُحرَّم.
الأصل أن مخالفة اليمين حرام؛ ولهذا تُسمى المخالفة، وتسمى شرعًا تُسمى حِنثًا، والحنث في الأصل الإثم، ثم قوله:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] دليل على أن هناك فيه مؤاخذة معاقبة، ولهذا قال:{فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89]، والكفارة معناها الساترة، الشيء الذي يستر، ويقي من آثار الذنوب هي الكفارة، ولهذا ما تجب الكفارات إلا في المخالفات، مثل الجِماع في نهار رمضان، والظِّهار، وكذلك أيضًا فعل المحظور في الحج، وما أشبه ذلك.
فإذن سُمِّي كفارة؛ لأن الأصل في مخالفة اليمين الأصل التحريم والإثم، ولولا أن الله خفف عن العباد لكنا نقول: كل من حلف على شيء يجب عليه، ويش يجب عليه؟ أن يفي به؛ ولهذا يحرم أنه يحنث إلا وهو قاصد لأداء الكفارة، ما يمكن يحنث الإنسان إلا وهو عازِم في قلبه على أن يُكفِّر؛ لأن ما يحل هذا إلا هذا.
لكن اعرف تخيير بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة؛ لقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]، وفي الآية الكريمة الترقي من الأسهل إلى ما فوقه؛ لأن الإطعام غالبًا أسهل من الكسوة، والكسوة أسهل من عِتق الرقبة، نظيره تمامًا في قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].
وهذا مما يدلنا على أن الله تعالى يحب العفو أكثر مما يحب الانتقام، ولهذا يكتفي في هذه الأمور بما هو أيسر وأسهل على المكلف، إلا في الأمور العظيمة إذا في الأمور العظيمة يبدأ بالأغلظ مثل كفارة الظهار وكفارة القتل.
هنا نقول: إطعام عشرة مساكين لابد من أن يكونوا عشرة، فلو كرر الإطعام على واحد لمدة عشرة أيام، يجزي؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا يجزي، لابد من إطعام العشرة، أيضًا هذا الإطعام بيَّن الله في الآية أنه من أوسط ما نُطعم أهلينا، من أوسطه، ويش معنى أوسطه؟ أخيره وأفضله ولَّا الوسط؟ اللي لا هو بأعلى شيء ولا أدنى شيء؟
طلبة: الوسط.
الشيخ: هذا هو الظاهر أن المراد به الأوسط، وإلا الوسط قد يُراد به الخيار كما في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، لكن هنا الظاهر -والله أعلم- أن المراد ما ليس أعلى ولا أدنى، ويدل على ذلك حديث معاذ:«إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» . إذن أوسط ما نُطعم في الوقت الحاضر، ما هو؟
طالب: الرز.
الشيخ: الرز، فعليه يكون إخراج الرز في كفارة اليمين أفضل من إخراج البُر؛ لأنه هو الآن هو العمدة عند أكثر الناس أو كثير منهم، فهو أوسط ما نطعم، وقول من قال من الفقهاء: إننا لا نخرج عن الأصناف الخمسة إلا لعدم وهي (
…
).
بل قال: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ} [المائدة: 89]، فإذا دعوت عشرة وتغدوا، أو تعشوا، فإن ذلك يُجزي بلا شك؛ لأن هذا هو إطعامهم، أما إذا أردت ألا تفعل فإنك تُطعم كل مسكين على ما قاله الفقهاء مُدًّا من البر والرز، مثل البر أو أطيب؛ يعني مُد من الرز يكفي، وعليه فالصاع الموجود عندنا يساوي خمسة أمداد نبوية؛ لأن الصاع النبوي أربعة أمداد كما تعرفون.
والصاع النبوي أقل من الصاع الموجود الآن، أقل بالخمس وخُمس الخمس، فعليه يكون الصاع الموجود عندنا هنا في القصيم يكون خمسة أمداد أو أكثر، فإذا أخرجت صاعين في كفارة اليمين فقد أبرأت ذمتك، ولكن هل يشترط مع هذين الصاعين أن يكونا بصحبتهما لحم أو شيء يُكمِّل الطعام ولَّا ما يشترط؟ المذهب: ليس بشرط، والظاهر أنه لابد من ذلك؛ لأنه ما يتم الإطعام إلا بهذا، إنما لا نقوله على سبيل الوجوب، ولكن على سبيل الاستحباب.
طالب: مثل الإدام.
الشيخ: الإدام، يحط معه لحم مثلًا، الدجاجة تكفي الصاعين عمومًا أو لا؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما تكفي، يعني يجعل لكل صاع واحدة على الأقل.
طالب: ضابط المسكين الذي يأخذ الكفارة.
الشيخ: إي نعم، ضابط المسكين الذي يأخذ الزكاة لحاجته، وهذا الضابط في الحقيقة إذا طبقناه على واقعنا -ولله الحمد- ما تكاد تجد أحدًا بهذا الحال، اللهم إلا هؤلاء العمال الذين يأتون وهم مسلمون فنعم، هذا يمكن تجد.
{أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] الكسوة أيضًا مطلقة، قال الفقهاء: وأقلها كسوة تجزئ في الصلاة، سروال وفلينة؛ لأجل ستر المنكبين، ولكن هي على كل حال مُطلقة، فإذا كساه بما يُعدُّ كسوة من قميص، وبالنسبة لنا في عرفنا لابد من قميص وغترة ولَّا لا؟ لأنك لو تعطيه القميص تقول: روح يلَّا جيب غترة، ما صار كسوة، لكن في الأعراف الأخرى في البلدان الثانية يمكن يعيش الإنسان أصلع.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا الله يهديك، لا تذهب إلى الأدنى، أنت بتطلع إلى الأكمل؛ لأنك ما تعطي شيئًا إلا لنفسك، لا تظن أن هذا الذي تعطيه لله أن يكون غرمًا عليك، هذا هو الحقيقة هو الذي تدخره لنفسك، الشيء الذي تعطيه لله عز وجل ثِقْ بأنه هو الذي تنتفع به من مالك.
{أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] تحرير؛ يعني جعلها حُرَّة بعد أن كانت رقيقة مملوكة وظاهر الآية الكريمة: {تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} يشمل الصغير والكبير، والذكر والأنثى، وهل يشمل الكافر والمؤمن؟
طالب: لا يشمل.
الشيخ: اختلف العلماء في ذلك منهم من قال: إننا ما ذُكِر مقيدًا بالإيمان في كتاب الله نقيده، وما جاء مُطلقًا فإننا نُطلقه، ففي القتل ذكر الله سبحانه وتعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] كذا، وأما هنا فقال:{تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]، وفي الظهار يقول:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] ما فيه ذكر الإيمان.
فيرى بعض العلماء أن يُحمل المطلق على المقيد، ويُشترط الإيمان، ويستدلون لذلك أيضًا في قصة معاوية بن الحكم حيث جاء بأمته فقال لها الرسول عليه الصلاة والسلام:«أَيْنَ اللَّهُ؟ » . قالت: في السماء. قال: «أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» . فإن قول الرسول: «فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» . يدل على أنه لا عتق إلا للمؤمن، وأيضًا فإن العبد الكافر إذا أعتقته وتحرَّر ربما يلتحق بالكفار فيكون ضررًا على المسلمين.
ولهذا المشهور عندنا أنه لابد من أن تكون الرقبة مؤمنة.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، أهله؟ لا، ما يصلح.
الطالب: (
…
).
الشيخ: الرجل ما وجبت له الكفارة، الذي جامع ما قال الرسول: أطعمه أهلك لدفع حاجتهم، لا لأنه كفارته، ولهذا هل أهله ستين واحدًا؟
طالب: (
…
).
الشيخ: بقينا هنا على التخيير ولا على التقييد؟
طالب: على التخيير.
الشيخ: على التخيير، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة، إن لم يجد أيش؟ إن لم يجد ما يُحرِّر به الرقبة، أو يطعم العشرة أو يصوم، هذه واضحة أن المراد هذا ما فيه إشكال، وهو أيضًا عند أهل العلم، لكن إذا لم يجد المحل؛ يعني ما وجد فقيرًا ولا وجد رقبة، هل يدخل في عموم الآية ولَّا ما يدخل؟
{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [المائدة: 89]، كلمة {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} يعني فمن لم يجد ما يحصل به على هذه الأمور فصيام ثلاثة أيام، هذا واضح وهو ما ذكره أهل العلم، لكن هل يشمل ما إذا لم يجد محلًّا للإطعام والكسوة والتحرير؟
طالب: الآية عامة.
الشيخ: إنا عندي أنه يشمل؛ لأن الآية عامة، وعلى هذا فإذا كنا في بلد لا نجد فيه فقراء؛ فإنه يصوم ثلاثة أيام؛ لأن قوله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196]، حذَفَ المفعول به، والفائدة من حذفه؛ الفائدة العموم. {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} أما ما يفعله بعض الناس الآن من كونهم يصومون مع القدرة على الإطعام، فهذا لا أصل له.
لو يصوم الإنسان ثلاثة سنين ما هي ثلاثة أيام، وهو قادر على صاعين من الرز يدفعها لعشر مساكين؛ فإنه لا يجزئه، على الرغم من أنه كما قال عليه الصلاة والسلام على (
…
) الناس مشهور بأنه بالصيام، ولهذا يقول: لا تخليني أصوم ثلاثة أيام. فهذا خطأ.
وقوله: (متتابعة)، ما هو الدليل مع أن الآية مطلقة:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} ؟ قالوا: إن في قراءة لابن مسعود رضي الله عنه: (صيام ثلاثة أيام متتابعة). والقراءة الثابتة عن الصحابة حُجَّة في الأحكام بلا شك، لكن هل هي حُجَّة في التلاوة فتُتلى؟ فيه خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنها تُتلى، إذا صحَّت فإنها تتلى لا سيما إذا كانت قراءة ابن مسعود؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال:«مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» يعني عبد الله بن مسعود.
فإذا صحت القراءة عنه فلا ريب أنها حجة في الأحكام، وحُجَّة في التلاوة، والمشهور من المذهب في هذه المسألة أنها حجة في الأحكام، وليست حجة في التلاوة؛ ولهذا قالوا: لا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان؛ لأنه متواتِر وما عداه ليس متواترًا، ولكن الصحيح ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه إذا صحت القراءة عن الصحابة فإنها حُجَّة في الأحكام وجائزة أيضًا في التلاوة، تثبت بها التلاوة والأحكام.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما تكون تفسيرًا، لأن المتتابعة ما هي بتفسير، اللي يمكن نجعلها تفسيرًا مثل قوله تعالى في آية الإرث:(وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ او أخت من أم) فإنه قرأها بعض السلف، ولا يحضرني اسمه الآن قرأها:(من أم).
طالب: (
…
).
الشيخ: ما أدري. على كل حال هذه القراءة هي التي تكون تفسيرًا؛ لأنها يفسر الأخ من أم، أما هذه فهي زيادة حكم، صيام ثلاثة أيام متتابعة.
طالب: (
…
) إذا قلنا: كفارة واحدة ولَّا لكل يمين كفارة.
الشيخ: ما ذكرناه. إذا تكررت الأيمان فهل تتكرر الكفارة مع أنهم هم يقولون: لا توسعون في الفقه بالنسبة لأصول الدين؟
طالب: (
…
).
الشيخ: (
…
) ولاة الأمر (
…
) هم ولاة الأمر، هذه المسألة إني ما أنا أطيعكم أنتم، ولَّا كان أعطيكم أنتم وأطيعهم هم؛ لأن عندنا وقتًا.
طالب: (
…
).
الشيخ: إن شاء الله بيجينا.
هذه المسألة إذا تكررت الأيْمان، فهل تتكرر الكفارة أو لا تتكرر؟ نقول: إذا كفَّر عن اليمين الأول، ثم حلف بعده فإنه لا يحيل على الكفارة الأولى، بل لابد من كفارة ثانية للحلف الجديد، أما إذا اجتمعت الأيْمان وحنث في عدة أيمان فهي لا تخلو من ثلاثة حالات؛ أن يكون المحلوف عليه واحدًا بالشخص، والثاني أن يكون واحدًا بالنوع والثالث أن يكون مختلفًا.
إذا كان واحدًا بالشخص فلا ريبَ أنه تجزئه كفارة واحدة، مثل قال: والله لا أكلم زيدًا، ثم قال له من حوله: كيف تحلف على ألا تكلم زيدًا وهو أخوك المسلم، فقال: والله لا أكلمه. فكلما أعاد عليه ذلك يعظه، يُعيد: والله لا أكلمه، هنا تكررت الأيمان والمحلوف عليه واحد بالنوع ولَّا بالشخص؟
طالب: بالشخص.
الشيخ: بالشخص، هذا يجزئه كفارة واحدة، إذا حنث أجزأته كفارة واحدة بلا شك، الثاني أن يكون واحدًا بالنوع مثل أن يكون المحلوف عليه فعلًا مثل: والله لأفعلن كذا، ويعيِّن، والله لأفعلن كذا، ويعين شيئًا آخر، والله لأفعلن كذا، ويعين شيئًا ثالثًا، فهذا واحد بالنوع بمعنى أنه كله حلف على فعل فهنا أيضًا لا تتكرر الكفَّارة؛ لأن المحلوف عليه واحد بالنوع.
وتارةً يختلف في نوعه مثل الحلف على فِعْل، حلف على ترْك، حلف على فعل، وحلف على ترْك، فهل تتكرر أم لا؟ الصحيح في هذه المسألة أنه إذا كان الموجَب واحدًا فإنه يكفيه كفارة واحدة؛ يعني إذا كان الحلف بالله حلف يمين فاليمين موجب الأيمان أيش موجبها؟ الموجب يعني الذي يجب باليمين؟ كفارة واحدة ما تختلف بين الفعل والترْك ولا بين هذا وهذا، ولَّا لا؟ كلها؛ إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، أو صيام.
فإذا اتحد الموجب فإنه يجزئه كفارة واحدة قياسًا على الوضوء إذا أحدث الإنسان بأنواع من الحدث يجزئه وضوء واحد، فهنا يجزئه كفارة واحدة، وأما إذا اختلف الموجب مثل وجب عليه كفارة ظهارن ووجب عليه كفارة يمين؛ فإنه هنا تتعدد الكفارة؛ للظهار كفارته ولليمين كفارته، ويأتي إن شاء الله (
…
) البحث فيها لأنها مهمة (
…
)
الكفارة بتعدد الحنث ذكرنا أنه ثلاثة أقسام منها ما هو ظاهر أنه لا يتعدد، ومنها ما هو مختلَف فيه، وأما المذهب أنها لا تتعدد الكفارة إلا إذا اختلف الموجب ما هو بالمحلوف عليه، إذا اختلف الموجب كاليمين والظهار.
أما إذا كانت الكفارة واحدة فإنها لا تتعدد بتعدد المحلوف عليه، وذكروا مثله فيما لو تُكرَّر الأحداث فإنه يُجزِئ فيها وضوء واحد؛ لأن الكفارة بمنزلة التكفير عن الشيء وإزالة أثره، وهي على كل حال محل بحث هذه المسألة؛ لأنه قد يقال: إنه إذا اختلف النوع كفعل وشرط فإنه تتعدد الكفارة، كما هو القول الثاني في المسألة. ما يُرْجع إليه في الأيمان.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، ما يُجبر (
…
) ما يجبر، ما يجبر الإنسان أنه يبيع على أحد شيئًا يجب عليه.
يرجع في الأيمان إلى نية الحالف إن احتملها اللفظ، وإنما يُرجع إلى النية؛ لأن الله سبحانه وتعالى رد اليمين إلى النية في قوله:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]، فجعل ما عقد الإنسان عليه قلبه فهو الأصل، وهو مُعتَبر، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» .
ولكنه يُشترط احتمال اللفظ لها، يُشترط أن يكون اللفظ محتملًا لما نوى، فإن لم يكن محتملًا فإنه لا يصح أن يُرجع إلى النية؛ لأنها تكون لغوًا؛ إذ اللفظ قالب النية؛ فهو لها بمنزلة الثوب للبدن، فإن احتملها قُبلت، وإن لم يحتملها فإنها لا تُقبل، ويُرجع إلى اللفظ، مثال ذلك: قال رجل: والله لا أشتري سيارة، فاشترى سيارة، فمُقتضى يمينه أنه يلزمه الكفارة؛ لأنه حنث، قال: والله لا أشتري سيارة فاشترى السيارة، قلنا له: يجب عليك الكفارة، فقال: أنا نويت بقلبي أن السيارة هي البقرة مثلًا يحتملها ولَّا ما يحتمل؟
طلبة: ما يحتمل.
الشيخ: أو اللحمة أو الخبزة أو ما أشبه ذلك؟ هذا لا يحتمله اللفظ، إذن فالنية لغو، هذه النية تعتبر لغوًا؛ لأنه لا يُقبل منه، فيُلزم بالكفَّارة وفيما بينه وبين الله ما يُلزم، لو فرضنا الإنسان ما وصل إلى القضاء، أو ما وصل إلى المسؤولين فإنه فيما بينه وبين الله، أما إذا احتملها اللفظ، وإن كانت خلاف ظاهره؛ فإنه لا يحنث، مثل أن يقول: والله لا أنام إلا على فراش، ثم كوَّم كومة من الرمل، ونام على التراب، فقلنا له: حنثت في يمينك؛ لأنك قلت: والله ما أنام إلا على فراش، فقال: أردت بالفراش الأرض؛ لأن الله قد جعلها فراشًا يقبل ولَّا لا؟
طلبة: يُقبل.
الشيخ: لأنه يحتمل النية، هذا اللفظ يحتمل النية فيُقبل، وكذلك لو قال: والله ما أنام إلا تحت السقف، فخرج إلى الحوش ونام فيه، وقال: أردت بالسقف السماء، هذا صحيح؛ لأن السماء سقف، قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} [الأنبياء: 32] كذلك قال: والله ما أنام إلا على وتد، فذهب إلى الجبل ونام عليه، وقال: أنا أردتُ بالوتد الجبل يصح؛ لأن الله جعل الجبال أوتادًا.
فعلى كل حال إذا احتملها اللفظ فإنها تُقبل، إذا لم يحتملها فإنها تُلغى ويُؤاخذ بلفظه، أما فيما بينه وبين الله فلا يُؤاخذ هو على نيته فيما بينه وبين الله، لكن كلامنا على إذا وصل إلى القضاء والحكم فإنه إذا لم يحتملها اللفظ فإنها لا تُقبل.
بعد ذلك يُرجع إلى سبب اليمين، فإذا كان لليمين سبب فزال هذا السبب، فإن اليمين تزول، قيل له مثلًا: إن فلانًا رجل فاجر غير عفيف، فقال: والله لا أصحبه ما عشتُ، ثم إن الرجل تبين أنه ليس كما قيل عنه، أو أنه تاب مما قيل عنه، ثم اصطحبه أو صاحبه، فنقول: إنه يحنث ولَّا لا؟
طالب: لا يحنث.
الشيخ: لا يحنث، فاهمين يا جماعة؟ عندنا الآن عموم، اللفظ عام: والله لا أصحبه ما عشت، هذا عام، لكن نعلم أن هذا اليمين سببه ما قيل عن هذا الرجل، تبين أن ما قيل عنه ليس بصحيح، أو أنه صحيح لكن تاب منه، فهل نقول: إن هذا السبب يخصص العموم ويُرجع إليه أو لا؟ نقول: بلى، يخصص العموم، ويرجع إليه؛ لأنه لو قيل له: لماذا أقسمت ألا تصحبه؟ لقال: لأنه فاجر، تبين الآن أنه ليس بفاجر أو أنه زال عنه الفجور.
ومثله أيضًا لو قال: والله لا آخذ هذا الطعام بسبب أنه قيل له: إنه مُكتَسب من حرام، فتبيَّن أنه لم يُكتسب من حرام، وإنما اكتُسب من حلال، ثم أكله، ما رأيكم؟ تلزمه الكفارة ولَّا لا؟
طلبة: لا تلزمه.
الشيخ: لا تلزمه، المهم أننا نرجع إلى السبب سواء ذُكر ذلك مُعللًا به أم لم يذكر؛ لأنه إذا ذُكر السبب مُعلَّلًا به فالأمر واضح، والله لا أصحب زيدًا؛ لأنه غادر، والله لا آكل من هذا الطعام؛ لأنه اكتُسب من حرام، هذا واضح إذا ذكر العلة لفظًا، لكن حتى لو لم يذكرها لفظًا وعُلِم أنه هو السبب؛ فإنه يُرجع إلى السبب، وهذا ينفعك هنا، وينفعك أيضًا في باب الطلاق، لو أن الرجل قال لامرأته: إن كلمتِ فلانًا فأنتِ طالق، بناءً على أن فلانًا كان رجلًا فاسقًا، ثم تبين أنه ليس بفاسق، فإنها إذا كلمته لا تطلق.
أيضًا حلف قال: والله لا أدخل البلد الفلاني، عيَّن البلد، والله لا أدخل هذا البلد، وسبب يمينه أن في هذا البلد فسوقًا وظلمًا، ثم تبين أن البلد خالٍ من ذلك أو انتفى عنه الفسوق والظلم ودخله لا يحنث. طيب الحمد لله.
المرتبة السادسة: نرجع إلى التعيين، إذا كان ما عنده نية، ولا عنده سبب يقتضي معنى معينًا فإننا نرجع إلى التعيين ويش معنى التعيين؟ يعني إذا عين شيئًا تعلق الحكم به ولو تغيرت صفته؛ لأنه ما نوى ما دام على تلك الصفة إذا قال: والله لا آكل لحم هذه السخلة، السخلة هذه الصغيرة من الماعز، ثم كبرت وصارت عنزًا كبيرًا، وأكل من اللحم، ما رأيكم يحنث، ولَّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: يحنث؛ لأن ما عنده سبب، ولا عنده (
…
) نعم. لو كان هناك سبب أنه ما يأكل؛ لأنها صغيرة أو مثلًا كانت مريضة قال: والله ما آكل لحم هذه فيها مرض، ثم عافاها الله من المرض فحينئذٍ نرجع إلى السبب، لكن مجرد أنه ما يأكل لحم هذه السخلة فصارت كبيرة فإنه يحنث.
قال: والله ما أكلّم هذا الصبي، الصبي هذا ترعرع وكبر، وصار شيخًا كبيرًا كلمه يحنث ولَّا لا؟
طالب: يحنث.
الشيخ: يحنث؛ لأن العين التي حلف عليها ما زالت موجودة إلا إذا نوى ما دام على تلك الصفة، مثل قال: والله لا أكلم هذا الصبي؛ لأنه صبي إذا كان هذه ذِكره فعل ما نوى، وإلا فيرجع إلى التعيين، قال: والله لا آكل هذا التمر، التمر هذا يعني (
…
)، وظهر منه الدبس تعرفون هذا (
…
)؟ أكل من الدبس، الدبس ما هو تمر ما يسمى تمرًا. ولهذا أنت لو قلت لواحد: عندك تمر وهو مثلًا عنده الدبس، يفهم هذا ولا ما يفهم؟ ما يفهم. قال: والله لا آكل من هذا التمر وصار منه دبس، هل يحنث ولَّا ما يحنث.
طالب: لا يحنث.
الشيخ: لا، يحنث؛ لأن من أين خرج هذا الدبس إلا من التمر ما لم ينوِ، لا إحنا قلنا: يرجع إلى التعيين، الآن عين هذا التمر الآن (
…
)، هذا عينه ما لم ينوِ أنه ما دام تمرًا، إذا كان نيته ما دام تمرًا هو على نيته، وأما إذا لم ينوِ نقول له: الآن، هذا جزء مما حلفت عليه، فصار عندنا النية هي الحاكمة، ثم بعد ذلك إلى السبب، وذكرنا الدليل على النية، لكن ما ذكرنا لكم الدليل على السبب.
الدليل على السبب هو أنه النية تستتبع العِلم، إذا علم مثلًا بالشيء فلابد أن ينويه، فإذا عُلم أنه حلف لأجل هذا الغرض فمعنى ذلك أنه نواه فقُدِّم السبب، لو قلت مثلًا: والله ما أركب هذه السيارة، وهي ملك لزيد، ثم باعها زيد على عمرو، وركبتها تحنث ولا تحنث؟
طالب: تحنث.
الشيخ: نعم، إذا كان ما عنده نية، ولا سبب؛ فإنه يحنث؛ لأن السيارة ما زالت هي المحلوف عليها، لكن إذا كان نيته ما يركب هذه السيارة ما دامت على ملك فلان؛ لأنه لا يريد أن يكون له مِنَّة عليه، ثم اشتراها أبوه أو أخوه أو ما أشبه ذلك، وركبها فإنه لا يحنث؛ لأن عندنا نية أو سبب يُخصِّصها ما دامت في ملك فلان، فإذا خرجت عن ملكه زالت حكم اليمين أظن واضحة.
طالب: (
…
)؟
الشيخ: إي نعم، ما يخالف عندنا هذا الصبي، فيه أمران.
الطالب: هذا مضمر (
…
)
الشيخ: (
…
) هذا تعيين أو لا؟ اسم إشارة، واسم الإشارة معناه تعيين الشيء باسم إشارته، وعندنا صبي، هذا وصف، إذا كان يريد الصبي، يريد هذا الوصف، يريد المعنى الذي يدل عليه الوصف، وهو الصفة فحينئذٍ إذا كبر لا يحنث.
أما إذا كان ما يريد هذا الوصف، وإنما يريد التعيين، أو أطلق، ما أراد هذا ولا هذا فإننا نعتبر التعيين؛ لأن التعيين أقوى؛ إذ التعيين معناه الذات والوصف معناه الصفة، ودلالة الشيء على ذاته أقوى من دلالته على صفته؛ ولهذا قلنا لكم: إلا أن يريد ما دام على تلك الصفة إذا أراد هذا لا بأس.
بعد ذلك نرجع إلى معنى اللفظ، وطبعًا كلمة (معنى) معناه يخرج الأعيان، نرجع إلى ما يقتضيه اللفظ، اللفظ عندنا حقائق ثلاثة، وأظنكم قرأتموها في أصول الفقه، الحقائق كم؟ ثلاث؛ وهي شرعية، وعرفية، ولغوية.
طالب: (
…
).
الشيخ: أنا أعرف أنها موجودة في الروضة إذا كان مقرر عليكم (
…
)، المهم الحقائق ثلاثة؛ حقيقة شرعية، حقيقة لغوية، حقيقة عرفية؛ فالحقيقة العرفية هي ما دل عليه اللفظ باعتبار العرف، والشرعية هي ما دل عليه اللفظ باعتبار الشرع، واللغوية ما دل عليه اللفظ باعتبار اللغة العربية، نضرب مثلًا لذلك: الوضوء، له معنى عرفي وشرعي ولغوي.
معناه اللغوي: النظافة والحسن، ولهذا يقال: فلان وضيء بمعنى حسن الوجه نظيف، وله معنى شرعي؛ وهو غَسْل الأعضاء الأربعة، وله معنى عرفي وهو الاستنجاء، الآن العوام ما يعرفون الوضوء إلا الاستنجاء، فإذا قال رجل عامي: والله لا أتوضأ فغسل أعضاءه الأربعة يحنث ولَّا ما يحنث؟
طالب: لا يحنث.
طالب آخر: يحنث.
الشيخ: عامي قال: والله لا أتوضأ، فغسل أعضاءه الأربعة، الآن إن اعتبرنا الشرعي حنث، إن اعتبرنا العرفي لم يحنث، إن اعتبرنا اللغوي؟
طالب: لم يحنث.
الشيخ: ما يحنث؟ يحنث لأن فيه (
…
).
نشوف إلى أي شيء نرجع، يقول: ثم (
…
) ويُقدَّم الشرعي، ثم العرفي، ثم اللغوي، والراجح تقديم العرفي، المسألة فيها خلاف؛ فالمشهور من المذهب أنه يُقدَّم الشرعي، يُقدَّم على كل شيء، ووجه ذلك أن المسلم يتقيد بما دل عليه الشرع، فيُحمل عليه.
فإذا قال لك قائل: والله لا أبيع ولا أشتري، ثم أخذ صبيه وباعه؛ باع صبيه، أو باع سيارة فلان، أو باع خمرًا، هل يحنث ولَّا لا؟
طالب: يحنث.
الشيخ: قال: والله لا أبيع، فباع سيارة فلان (
…
)، باع سيارة فلان، رجل آخر ما وكَّلَه هل يحنث ولَّا ما يحنث؟
طالب: ما يحنث.
الشيخ: إذا قلنا بأننا نقدم الشرعي فإنه لا يحنث؛ لأن هذا البيع ليس ببيع شرعي، غير صحيح. إذا قلنا: نُقدِّم العرفي فإنه يحنث؛ لأنه بيع، كل الناس يقولون: هذا بيع، لكن يقولون: باع سيارة فلان، هو أخطأ، فعلى هذا إذا قلنا بتقديم العرفي فإنه يحنث، وعلى القول بتقديم الشرعي لا يحنث.
أيضًا رجل حلف قال: والله لأتوضأن قبل صلاة الظهر، فغسل أعضاءه الأربعة وهو عامي ما يعرف شيئًا أبدًا، دعنا من طالب العلم طالب العلم يعرف أن الوضوء هو غسل الأعضاء الأربعة، فهل يحنث ولَّا ما يحنث؟
طالب: لا يحنث.
الشيخ: لا، قال: والله لأتوضأن قبل صلاة الظهر فغسل أعضاءه الأربعة ولم يستنجِ، وأذَّن الظهر؛ يحنث على القول بتقديم العرفي، هو قال: والله لأتوضأن قبل صلاة الظهر، فغسل أعضاءه الأربعة، ولم يستنجِ ويش اللي حصل له الآن؟ وضوء شرعي ولَّا عرفي؟ وضوء شرعي.
طالب: عرفي يا شيخ.
الشيخ: لا، ما هو عرفي يا أخي.
طالب: (
…
).
الشيخ: لكن ويش يسمون الوضوء.
طالب: (
…
) الوضوء.
الشيخ: لا هذا عند طلبة العلم صحيح، لكن عند العامي تجد (
…
) ما توضيت أيش معنى ما توضيت؟ يقول: يعني ما غسلت فرجك (
…
)، اسأل كل واحد عامي.
على كل حال (
…
) الأمر واضح، قال: والله لأتوضأن قبل صلاة الظهر. فتوضأ بغسل الأعضاء الأربعة ولم يستنجِ فأذّن الظهر، إذا قلنا بتقديم الشرعي؛ فلا حنث عليه؛ لأن الرجل بَرَّ بيمينه. إذا قلنا بتقديم العرفي يحنث؛ لأنه لم يبَرَّ بيمينه، وأمثلة هذا كثيرة المهم أن نقدم الشرعي أو العرفي أو اللغوي المذهب: يُقدَّم الشرعي، ثم العرفي، ثم اللغوي، والصحيح أن نُقدِّم العرفي؛ لأن الناس إنما يحملون على أعرافهم، هم عندنا قبل قليل كنا نرجع إلى مَنْ؟ إلى نية الحالف، وإذا غلب استعمال اللفظ في العرف على معنى معين فإن العوام (
…
) يريدون به هذا المعنى الغالب، ولذلك تقديم العرفي حتى على القاعدة أن نرجع إلى نية الحالف نقول: لأن أهل العرف إذا تكلموا بلفظ يقتضي معناه كذا عندهم فإنهم لا يريدون إلا هذا المعنى.
عندنا الآن الشاة في العرف والشاة في اللغة يختلف ولَّا ما يختلف؟ والشاة في الشرع؟ في الشرع الشاة تُطلق على الواحدة من الضأن والمعز أو لا؟ وفي العرف؟
طالب: على الشاة.
الشيخ: تطلق الشاة على الشاة؟ ! على الأنثى من الضأن ولَّا لا؟
في اللغة هل تُطلق على العموم؟ تطلق على العموم أيضًا حتى المعز تسمى شاة، يطلق عليها اسم الشاة، وإن كان عند الاجتماع يقال: ضأن ومعز، ويقال: شاة ومعز مثلًا. طيب ماذا نتبع إذا قال: والله لأذبحن لفلان شاة، وراح وجاب له تيس وذبحه، هل بر بيمينه؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، على العرف ما بَرَّ بيمينه؛ ولهذا عند البدو لو تذبح له التيس ويشوف قرونه على الطعام قام وخلص وزعل! قال: ما ذبحت لنا الشاة (
…
)!
فالحاصل إذن، الأمثلة حقيقة كثيرة، لكن الكلام على القاعدة، القاعدة أن القول الراجح تقديم العرفي، ثم الشرعي، ثم اللغوي.
وإذا قلت: لماذا لم تقدم اللغوي على الشرعي؟ قلنا: لأن الشرعي باقٍ مع المسلمين ولو اختلف العرف، لكن اللغة العربية إذا هُجرت ما بقي لها استعمال لا عُرفي ولا وضعي إذا هُجِرت؛ فلهذا نرجع إلى العرفي، ثم الشرعي، ثم اللغوي.
انتهى الكلام على الأيمان، وفيه مسألة أيضًا مهمة؛ وهي إذا حلف الإنسان ألا يأكل شيئًا فأكله مختلطًا بغيره، مثل قال: والله لا آكل البيض فأكل قرصان كليجة فيهم بيض، معروف (
…
) يدهن بالبيض ولَّا لا؟ هل يحنث ولَّا ما يحنث؟
طالب: (
…
) العرف هو ما يحنث.
الشيخ: ما أكل البيض، وإذا قلنا باللغة؟
طالب: (
…
).
الشيخ: (
…
) على كل حال، إذا ظهر أثر هذا المحلوف عليه، إذا ظهر أثره فإنه يعتبر كآكل له حتى في العرف إذا لم يظهر أثر فإنه لا يُعتبر آكلًا له، مثلًا إذا قال: والله لا آكل الفلفل، تعرفون الفلفل؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ثم أكل طعامًا مخلوطًا به إن ظهر طعمه وأثره يحنث وإلا فلا، وينبني على هذه المسألة مسألة مهمة، وهي المواد التي تُخلط بالكحول كالخمر، هل نقول: كل شيء يوضع فيه خمر يكون حرامًا؟ لا، إن ظهر أثر الخمر فيه صار حرامًا وإن لم يظهر فإنه ليس بحرام.
كما قلنا أيضًا في باب النجاسات، إذا سقطت نجاسة في شيء وأثرت صار نجسًا، وإن لم تؤثر فهو طهور سواء كان قليلًا أم كثيرًا على القول الراجح، وعلى المذهب إذا كان كثيرًا؛ لأنهم يرون أن القليل ينجس بمجرد الملاقاة كما مر علينا.
طالب: (
…
).
الشيخ: هو حرام على الجميع، لكن إذا كان حساسية، فالظاهر أنه ما يحرم إلى على من تأثر به؛ لأنه حتى اللي غير خمر، إذا كان هذا الرجل إذا أكله يتأثر به يكون حرامًا عليه. فيه أشياء الآن بعض الأطعمة يتأثر منها، بعض الناس، بعض الناس يأكل بيضًا تكون حساسية عنده، يأكل موزًا تكون حساسية عنده، هذا نقول: حرام عليك البيض أو الموز؟
طالب: (
…
).
الشيخ: إي نعم.
الشيخ: ما هو حرام هي الحساسية بعضها مؤذية؟
طالب: نعم.