الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: (
…
) الزواج، إذا احتاج أحدهما إلى الزواج يزوجه ولا (
…
) للآخرين، الآخرون إذا بلغوا مبلغ هذا الولد وطلبوا الزواج زوجتهم، افرض أني زوجت الكبير والمهر خمسة آلاف، وجاء في الولد الصغار المهر خمسين ألفًا، يجب أعطي هذاك خمسة وأربعين ألفًا؟ لا، ما يجب، إي نعم؛ لأن المقصود دفع الحاجة.
طالب: إذا كان الأب بلغ ابنه سن (
…
) السيارة، فاشترى له سيارة، هل عليه شيء؟
الشيخ: إي، عليه شيء؛ لأنه قد يموت قبل أن يبلغ الثاني، ثم المقصود من هذا دفع حاجة الابن، ودفع الحاجة تكون بإعارته السيارة؛ يعني: ما هو بشرط أن يملكها الابن، لا، ليس شرطًا في انتفاعه أن يملكها، ينتفع بها وهي لأبيه.
طالب: إذا كان له إخوة سابقون وفعل الأب مثل ذلك.
الشيخ: يرجع فيها، يرجع فيها الآن وتكتب باسمه مثلما قال العلماء، أو إذا كانوا كلهم الآن بالغين مبلغ (
…
) السيارت يعطيهم.
طالب: (
…
).
الشيخ: أيش؟
طالب: (
…
).
الشيخ: إحنا يا جماعة ترى المقرر طويل واللي (
…
) أهم من هذا.
***
[باب الحضانة]
الحضانة، تعريف الحضانة: هي حفظ المحضون وصيانته عما يضره، والقيام بمصالحه؛ يعني: حفظ المحضون بالقيام بمطالبه وحفظه عما يضره، هذه الحضانة، هذا تعريفها، وهي مشتقة من الحضن؛ لأن الحاضن يضم المحضون إليه، إذن تعريفها شرعًا هي حفظ المحضون بالقيام بمصالحه وصيانته عما يضره، وهذا هو الأصل فيها، وهو أمرٌ أساسي، يجب أن تكون الحضانة مركزة عليه، وهي واجبة، الحضانة واجبة؛ ودليل وجوبها قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، فإن وقاية الأهلين من النار تكون بحفظهم بالقيام بمصالحهم وصونهم عما يضرهم، والتعليل أيضًا لأن ترك هؤلاء القصار بدون حاضن يكون سببًا لفسادهم وبالتالي لفساد المجتمع كله؛ لأن المجتمع كما هو معروف أفراد، فإذا كان هذا الفرد فاسدًا أفسد من حوله، ثم فسد الناس بسبب هذا الإهمال، هي واجبة، إذن دليل وجوبها قرآن وتعليل.
وقد نقول أيضًا: من دليل وجوبها السنة؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرُبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ» (6)، فإن هذا نوعٌ من الحضانة.
(تجب لحفظ صغير ومجنون ومختل العقل لكبرٍ أو غيره)؛ معلوم الصغير حدُّه مَنْ لم يبلغ، والمجنون هو فاقد العقل، ومختل العقل بين العاقل والمجنون، ليس هو مجنونًا كاملًا وليس عاقلًا، ويسمى عند العلماء يسمى بالمعتوه، المعتوه، فيه هاء؛ معتوه يعني ليس عاقلًا وليس مجنونًا.
(لكبرٍ أو غيره) الكبر يختل به العقل ولَّا لا؟
إي نعم، يصل الإنسان إلى حدٍّ يهذي به ولا يدري ما يقول، هذا يجب حضانته، وعلى هذا ربما نقول: يجب على الابن حضانة أبيه.
واختلف العلماء فيمن أحق بالحضانة، وهل هي حقٌّ على الحاضن أو له؟
نقول: أما الأول من أحق بالحضانة؛ فإنه مع اختلافهم الطويل العريض لم يذكروا أدلة تطمئن إليها النفس؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام قال في الأم: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» (7)، وقال:«الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» (8)، وليس هناك إذا لم يكن منازعٌ فالأمر بسيط، لكن عند النزاع إذا قال الأب: أنا اللي أبغي أحضن، وقالت الأم: أنا اللي أبغي أحضن، أو قال الأخ: أنا اللي أبغي أحضن، وقالت الأخت: أنا اللي أبغي أحضن، هنا يقع الإشكال، أما إذا أخذها أحد الأقارب، أخذ هذا المحضون أحد الأقارب ولم يكن نزاع، فأظن المسألة ما تحتاج إلى كبير عناء ولَّا لا؟ لكن عند النزاع؛ أنا عندي الراجح يقول ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو المذكور في البيتين:
وَقَدِّمِ الْأَقْرَبَ ثُمَّ الْأُنْثَى
وَإِنْ يَكُونَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى
فَأَقْرِعَنْ فِي جِهَةٍ وَقَدِّمِ
أُبُوَّةً إِنْ لِجِهَاتٍ تَنْتَمِي
(وَقَدِّمِ الْأَقْرَبَ)؛ تقديم الأقرب هذا أمرٌ يدل عليه الشرع ويدل عليه العقل؛ أما الشرع فقد قال الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75]، و (أولو) بمعنى أصحاب، والأرحام بمعنى القرابات، إذا كانت الأولوية مبنية على القرابة فكما سبق كل من كان بالوصف أقوى كان بالحكم أولى، فنقول: ما دام المسألة مبنية على القرابة فكل من كان أقرب فهو أولى من غيره، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» (9). فاعتبر الأقرب.
إذن نقول: الأقرب هو المقدم، فإذا تنازع في الحضانة أب وأم أم من تكون له الحضانة؟ تكون للأب؛ لأنه أقرب.
(ثُمَّ الْأُنْثَى)؛ يعني: ثم إذا استووا في الأقربية يقدم الأنثى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» (7)، وقد تنازعت الأم والأب في هذا، فقال:«أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» ، طيب إذن إذا تنازع في الحضانة أبٌ وأم مطلقة، فلمن تكون الحضانة؟
طالب: للأم.
الشيخ: تكون للأم، واضح الآن؟ صار الأقرب مقدم ذكرًا كان أم أنثى، فإن تساووا في القرب، فإنها تقدم الأنثى.
قد يكونان ذكرين في منزلة واحدة، أو أنثيين في منزلة واحدة، كأخوين تنازعا في أخيهما، أو أختين تنازعا في أخيهما؛ يقول:(وَإِنْ يَكُونَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى)؛ إن يكونا أي المتنازعان ذكرًا؛ يعني: كل منهما ذكر، أو أنثى؛ كل منهما أنثى، (فَأَقْرِعَنْ فِي جِهَةٍ) (أَقْرِعَنْ) يعني: استعمل القرعة بينهما إذا كانا في جهةٍ واحدة، إذا كانا في جهةٍ واحدة، (وَقَدِّمِ أُبُوَّةً إِنْ لِجِهَاتٍ تَنْتَمِي)، إذا كانوا ذكرين أو أنثيين فإن كانوا في جهةٍ واحدة كجهة الأبوة مثلًا؛ فإننا نُقرِع بينهما، مثال ذلك أخوان تنازعا في أخٍ لهما، فيه واحد يقول: أبغي أخويا عندي، أنا اللي أبغي أحضنه، من نقدم؟
طلبة: القرعة.
الشيخ: واحد من الأخوين اسمه علي، والثاني اسمه بكر، إن قلت: نقدم بكرًا، قال علي: لماذا؟ وإن قلت: نقدم عليًّا، قال بكرٌ: لماذا؟ فما الذي يفصل بينهما؟
الطلبة: القرعة.
الشيخ: القرعة، {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44]، إحنا نقول: هنا نستعمل القرعة، فمن خرجت له القرعة أخذها، ولاحظوا أنه سيأتينا -إن شاء الله- فيما بعد أنه إذا اختاره أحدٌ يفوت به مقصود الحضانة؛ بمعنى: أن أحد الأخوين نعرف أنه مهمل، أو أنه فاسق، لا يهمه أن يفسد هذا الولد أو يصلح فلا حق له في الحضانة، لكن الكلام مع القيام بالواجب في كلٍّ منهما.
إذا كانا في جهة أقرعنا، تنازع في هذا خالان، كل واحد يقول: أنا أريد أن يكون ابن أختي عندي، فأيهما نقدم؟
طلبة: القرعة.
الشيخ: نأخذ بالقرعة؛ لأن ما فيه شيء يرجح أحدهما على الآخر، نقرع بينهما، (وَقَدِّمِ أُبُوَّةً إِنْ لِجِهَاتٍ تَنْتَمِي)؛ يعني: إذا كانوا في جهتين؛ المتنازعان كل منهما في جهة؛ كخالٍ وعم، الخال والعم بالنسبة للقرب من المحضون بدرجةٍ واحدة ولَّا لا؟
خاله أخو أمه، وعمه أخو أبيه، إذن هما في درجة واحدة، والجهات مختلفة، هل نقرع بينهما حينئذٍ؟ لا؛ بل نقول: في هذه الحال نقدم الأبوة، فيأخذه العم دون الخال، يأخذه العم دون الخال، فإذا قال قائل: كيف تعطونه العم دون الخال وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» ، وقال:«الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» ؟ وهذا يقتضي أن تقدم الخالة؟ قلنا: نعم لو تنازع خالٌ وخالة، لكنا نقول: نقدِّم الخالة، لكن الذي تنازع خالٌ وعم، ما هي بخالة وعمة، خالٌ وعمٌّ، فنقدم في هذه الحال جهة الأبوة.
فهذا الضابط الذي مشى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية هو الضابط عندنا وإلَّا فإذا نظرت إلى كلام الفقهاء وجدت اضطرابًا غريبًا يعني، تتعجب كيف يضطربون هذا الاضطراب، ولكنه عند التأمل لا تستغربوا هذا؛ لأن المسائل اللي ما فيها نص ويش ترجع؟ إلى اجتهاد الناس، واجتهاد الناس يختلف باعتبار مراعاة المصالح؛ فلهذا اختلف العلماء في هذا اختلافًا (
…
)،
وهو بماذا تسقط الحضانة؟ تسقط الحضانة بما يفوت مقصودها، بما يفوت به مقصودها، أرجو الانتباه، المقصود من الحضانة فيما سبق هو أيش؟
صيانة المحضون عما يضره والقيام بمصالحه، فإذا وُجد شيء يفوت المقصود فإن الحضانة تسقط، ولا يجوز أن يقرر بيد من يخونه ولا يصلحه، ما يجوز؛ مثال ذلك لو قُدِّر أن الحاضن حصل له اختلال في عقله؛ خلل في عقله، فمن المعلوم أنه لا يمكن أن يحضن، لماذا؟
لأنه هو نفسه يحتاج إلى من يحضنه، لو قُدِّر أن هذا الحاضن حصل عليه نقصٌ في دينه؛ بمعنى أنه صار فاسقًا، ولا يقوم بمصالح الطفل ولا يهمه أن يصلح أو يفسد، فإن حضانته أيضًا تسقط.
لو قُدِّر مثلًا أنه ليس بفاسق وأنه عدل لكنه ليس بقوي؛ بمعنى أنه مهمل لا يراعي أولاده ولا يؤدبهم، فإنه أيضًا تسقط حضانته.
لو قدِّر أيضًا أن هذا الرجل سافر، وكان السفر يضر بالمحضون، فإنها تسقط حضانته، وتكون لمن بعده من المقيمين.
على كل حال ما دمنا أسسنا قاعدة وهي أن المقصود بالحضانة حفظ الطفل بالقيام بمصالحه وصونه عما يضره، فمتى فات هذا المقصود سقطت الحضانة.
كذلك أيضًا تزول بتزوج الأم بغير قريبٍ من المحضون، تزول الحضانة بتزوج الأم من غير قريبٍ من المحضون؛ إذا تزوجت الأم وقد عرفنا فيما سبق أن الأم أولى من الأب؛ لأنه إذا اجتمع امرأة وذكرٌ في درجة واحدة فالأنثى مقدمة على الذكر، فالأم أحق، لكن إذا تزوجت فإن العلماء اختلفوا في هذه المسألة؛ منهم من يرى أن الزواج لا تسقط به الحضانة، واستدل بما أشرنا إليه من قبل في قصة ابنة حمزة، حيث قضى بها النبي عليه الصلاة والسلام لخالتها مع أنها متزوجة، فقالوا: هذا دليل على أن الزواج؛ زواج من لها الحضانة لا يسقط حضانتها، ويرى بعض العلماء أن الزواج يُسقط الحضانة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة التي جاءت تشتكي إليه زوجها حين أراد أن يأخذ منها طفلها، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام:«أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» (7)، فقوله:«مَا لَمْ تَنْكِحِي» هذه غاية ولا علة؟
طلبة: غاية.
الشيخ: بينهما فرق؛ إن قلنا: غاية؛ فمعناه بمجرد النكاح يسقط حقها فلا يعود حقها لو طُلِّقت، وإذا قلنا: علة. فإنها ما دامت في الزواج تسقط حضانتها، فإن طلقت أو غاب عنها زوجها عادت حضانتها، والراجح أنه علة؛ لأنها إذا تزوجت انشغلت بالزوج الجديد عن مصالح المحضون، وربما يأتيها أولاد منه أيضًا، فيكون شأنها وأمرها موجَّهًا إلى هؤلاء الأولاد الجدد الذين يرعاهم أبوهم.
يقول العلماء الآخرون: إن أمه أحق ما لم تتزوج، وأن الزواج يقطع الحضانة مطلقًا.
ولكن توسط آخرون في هذه المسألة وجمعوا بين الحديثين، وقالوا: إن تزوجت برجلٍ قريبٍ من المحضون كأن من أقاربه عصباته أو ذوي رحمه فإنها لا تسقط؛ لأن الشفقة من زوجها الجديد موجودة لكون المحضون قريبًا له، وإن تزوجت من أجنبي فإنها تسقط؛ لأن الزوج الجديد لن ينظر إلى هذا المحضون نظر شفقةٍ ورحمة، وجمع آخرون بينهما بجمعٍ آخر ..
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى جمعٍ آخر؛ وقال: إن الزوج الجديد إذا رضي بالمحضون، وعُلم أن المحضون لن يضيع حقه بالتزوج فإن حقها لا يسقط، إذا رضي الزوج الجديد ببقاء المحضون عند حاضنته، وعُلم أنه لا تفوت مصلحة المحضون بذلك فإن الحق لا يسقط، وإلا سقط الحق، فهذا القول ينظر فيه قائله إلى مصلحة الطفل، ويقول: متى ضاعت مصلحة الطفل بتزوجها بالزوج الجديد سقط حقها، ومتى بقي فحقها باقٍ، وهذا هو الأقرب، الأقرب -والله أعلم- إن وجه الجمع بين الأحاديث المتعارضة في هذا أن يقال: إنه إذا لم تفت مصلحة المحضون بالزواج فإن حقها باقٍ، لا سيما أنه إذا كان أبوه إذا أخذه من أمه أضاعه؛ لأن بعض الناس إذا طلق الزوجة ومعها أولادٌ منه صغار ثم تزوجت أراد الإضرار بها، فقال: أبغي آخذ أولادي، طبعًا تعرفون الأولاد شفقة الأم عليهم شيء لا يدرك، فيأخذهم ثم يجعلهم عند ضرة أمهم؛ عند زوجته تضيعهم وتهملهم وربما يكون فيها حقد عليهم، فهذا لا يمكن أن يمكَّن من عمله؛ ولذلك يغلط بعض القضاة الذين يأخذون بالمذهب حرفيًّا، ويقولون: متى تزوجت بأجنبي من محضون سقطت حضانتها، ثم يأخذون من هذه المرأة ثمرة فؤادها وفلذة كبدها ثم يعطونه إلى مَنْ؟ إلى ضرة لها لا ترحمهم ولا تخاف من خالقها، هذا لا يمكن أن يقال به في الحقيقة، وهو خطر من تصرف بعض القضاة، والواجب أن يُنظر إذا علمنا أن الزوج يريد الإضرار، ولا يهمه أن يضيع الولد أو لا يضيع، فهذا يُمنع منه، يمنع منه بلا شك، ويقال: درءا لهذه المفسدة يُشترط على الزوج الجديد أن أولادها معها، ويَصبر على حضانتها إياهم ما داموا عنده، وبهذا تزول المفسدة ويزول المحذور الذي يمكن أن يحصل بردهم إلى أبيهم.
على كل حال المذهب في هذه المسألة أن الأم أو أن الحاضن إذا تزوجت بقريبٍ من المحضون لم يسقط الحق؛ مثل ابن عم أو ابن خال أو ما أشبه ذلك، وإن تزوجت بأجنبي ليس بينه وبين المحضون قرابة سقط حقها، ولكن الصحيح في هذا النظر إلى مصلحة الطفل، وأنه إن بقي الطفل في حضانتها على الوجه المطلوب فإن حقها باقٍ، وأما إذا خيف ضياعه بالزوج الجديد وأولاده الجدد فإنها يسقط حقها.
أين يكون الطفل بعد تمام سبع سنين؟ أولًا نعرف أن الطفل يكون عند مَنْ هو أحق بالحضانة، فلنضرب المثل بأبٍ وأم، ما دامت الأم عند الأب فالطفل في حضانتهما جميعًا، فإذا فارقها الأب فعند مَنْ يكون الطفل؟ عند الأم، إلى متى؟ إلى تمام سبع سنين؛ يعني: حتى يُميِّز ويعرف فإذا تم له سبع سنين فالمشهور من المذهب كما يلي:
إن كانت بنتًا أخذها أبوها، وإن كان ذكرًا خُيِّر بين أبويه، فكان مع مَنْ اختار منهما إلى أن يبلغ، فإذا بلغ وهو عاقل استقل بنفسه، ولم يكن لأحدٍ عليه شيء، يستقل بنفسه.
إذن الطفل بعد تمام سبع سنين، إن كانت أنثى فعند أبيها، وإن كان ذكرًا يُخيَّر بين أبويه، فيكون مع من اختار منهما، هذا هو المشهور من المذهب، ولكن المسألة فيها خلاف؛ نذكره إن شاء الله بعد، الطفل إذا خُيِّر فاختار أمه؛ لأن أمه لا تقسو عليه في الأدب، ولا يهمها أن ترضيه بما يريد وإن كان في مضرته، فاختار أمه لذلك، هل يُمكَّن ولا لا؟
طالب: لا.
الشيخ: ما يُمكَّن؛ لأنها الآن أصبح وجوده عندها ضررًا عليه، وإن اختار والده لهذا السبب أيضًا؛ عرف أن أباه مهمل، والغالب أنه ما يعرف (
…
) ولكن لنفرض مثلًا أنه عرف أن أباه يهمل ولا يبالي، وأن أمه حريصة عليه وشديدة عليه في التزام الأدب وما يصلحه، واختار أباه لهذا الغرض، فإنه لا يرد.
كذلك أيضًا لو علمنا أن أباه بعد تمام سبع سنين يبغي يأخذه ويهمله ويجعله عند ضرة أمه ولا يبالي به، وضرة أمه إذا قال لأولادها: أف ضربته بالعصا، وإن ضربه أولادها بعصا دقيق، أعطتهم عصا متينًا، يبقى عندها ولا ما يبقى؟
طلبة: ما يبقى.
الشيخ: طبعًا ما يبقى، حتى لو اختار أباه بهذه الحال ما نقبل؛ لأن المقصود كله مصلحة الطفل.
أما بالنسبة للأنثى المذهب كما ترون؛ تكون عند أبيها بعد تمام سبع سنين حتى يتسلمها زوجها، ما هو حتى البلوغ، حتى يتسلمها زوجها؛ لأنه لا يمكن أن تستقل بنفسها، ولكن هذه مشكلة بالنسبة للوقت الحاضر؛ لأننا إذا قلنا بهذا وأخذ البنت بعد سبع سنين ووضعها عنده، قد لا يكون عنده بالبيت إلا امرأته الجديدة ولا تقوم بمصالحها، وتعرفون أن الأم مع البنت دائمًا في البيت، لكن الأب مع البنت لا يمكن أن يكون دائمًا مصاحبًا لها، الطفل قد يكون مصاحبًا له، ويأخذ بيده ويروح معه في السوق والمسجد وبغير ذلك، لكنها البنت لا يمكن هذا، ففي الحقيقة أن القول الثاني بهذه المسألة؛ أن البنت عند أمها حتى تبلغ، هذا هو القول الصحيح، وليس في الأحاديث ما يدل على خلافه؛ لأن قضية التخيير التي وقعت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام قضية عين، والولد فيها ذكر، أما الأنثى فما دمنا نعمل فيها بما نراه أصلح، فلا شك أن الأصلح للأنثى أن تبقى عند مَنْ؟ عند أمها، لا سيما إذا كانت أمها امرأة ذات قوةٍ وأمانة، ولا يمكن أن تضيعها، فإن بقاءها عندها أولى بلا شك، لو تزوجت الأم في هذه الحال فقد يكون من الأنسب أن يأخذها الأب، وإن كان الزوج سيكون محرمًا لهذه البنت، متى يكون محرمًا لها؟ إذا دخل بأمها، فعلى هذا ما يكون هناك محظور بالنسبة للزوج الجديد، لكن على كل حال ينبغي أن نقول: إذا قدر أن الأم تزوجت ورأى أبوها أنه ليس من المصلحة أن تبقى مع الأم فليأخذها، وأما ما دام الأم باقية غير متزوجة، وهي أيضًا قوية أمينة، فإن الواجب أن تبقى بنتها عندها، وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وهو أقرب، والمسألة كلها في باب الحضانة ترجع إلى مراعاة مصلحة المحضون.
(كتاب الجنايات)
نبدأ الآن بكتاب الجنايات؛ ونعوذ بالله من الجنايات، نقول ..
طالب: (
…
) العرض (
…
).
الشيخ: أيش؟ العرض؟
الطالب: (
…
) تفوته (
…
).
الشيخ: قد لا تفوته، اشتراط الأمة القوة والأمانة، فإذا لم توجد قوة ولا أمانة في الأمة صار صالحة للهوان.
الطالب: القوة والأمانة شرط (
…
)؟
الشيخ: شرط، نعم ما فيه شك.
الطالب: (
…
).
الشيخ: (
…
) كل (
…
) يعني: هذا الشرط في كل الأعمال، القوة والأمانة ركنان في كل عمل.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، القاعدة عندنا قد تكون الأقرب (
…
).
طالب: (
…
) الكبير إذا صار له مثلًا ..
الشيخ: إذا بلغ؟
الطالب: أيوه.
الشيخ: لا.
الطالب: إذا مثلًا احتاج إلى حضانة، ما يصير هناك خلاف (
…
) تبرأ منهم.
الشيخ: طيب، هذه المسألة أيضًا مشكلة، حتى تأتي في الصغار، وفي المجانين نسأل الله السلامة؛ يعني لو تبرأ من لهم الحضانة تبرؤوا كلهم من المحضون، هل يُلزم أحد بذلك؟
طلبة: لا.
الشيخ: المذهب ما يلزم أحد؛ لأن الحق للحاضن، لا عليه، لكن في المسألة قول أشرنا إليه قبل؛ إن الحضانة حقٌّ على الحاضن، حقٌّ عليه وليست له، فعلى هذا القول نُلزم أحق الناس بها أن يحضن إذا كان قادرًا، وعلى القول الثاني الذي يقول: إن الحضانة حقٌّ للحاضن يتولاه ولي الأمر العام، مثل الآن عندنا في البلاد فيه أظن دار تسمى دار الرعاية.
طالب: والتوجيه.
الشيخ: دار الرعاية والتوجيه، هذه تتولى مثل هؤلاء، إذا كان كل واحد (
…
) هذا الشايب (
…
) يروح للحاكم العام.
طالب: (
…
) الحضانة (
…
) قد ما يقوم بهذه الحضانة (
…
).
***
الشيخ: كتاب الجنايات، تعريف الجناية؛ الجناية في اللغة: التعدي مطلقًا، كل تعدٍّ يسمى جناية سواء كان على بدن أو مال أو عرض؛ الجناية لغة هي التعدي على البدن أو المال أو العرض، حكم الجناية محرم بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وقال تعالى:{وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23]، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4].
وأما في السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» (10). وكذلك المعنى يقتضي ذلك؛ لأننا لو أبحنا لكل أحدٍ أن يجني لصار أضعف الناس نهبًا لأقوى الناس، وحصلت الفوضى، ولم تستقم الأمور. إذن فتحريم الجنايات ثابتٌ بالأثر والنظر.
الجناية هنا المراد بها هنا في الاصطلاح التعدي على البدن خاصة بما يوجب قصاصًا أو مالًا؛ ما يوجب القصاص: كما لو قلع عينه. وما يوجب المال: كما لو شجَّه شجة لا قصاص فيها، فهذا يوجب المال، والأول يوجب القصاص.
وأقسام الجناية؛ عمد وشبه عمدٍ وخطأ، وهذا التقسيم بحسب الاستقراء؛ يعني: ما فيه هناك دليل مثلًا يقول: إن الجناية كذا وكذا، لكن بحسب الاستقراء هو هكذا؛ عمدٌ وخطأ وشبه عمد، لكن في القرآن ما يدل على قسم العمد والخطأ، قال الله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93]، وقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92].
وكذلك في السنة ذكر شبه العمد؛ تتبعنا هذا ما وجدنا في الكتاب والسنة إلا هذه الأشياء الثلاثة؛ العمد، ويش بعد؟ والخطأ وشبه العمد؛ يعني: ما فيه مثلًا في القرآن والسنة أقسامها كذا وكذا، لكن فيها ذكر العمد والخطأ وشبه العمد، ولم نجد قسمًا رابعًا، فحصرها العلماء في هذه الأقسام الثلاثة؛ عمد، والثاني شبه عمدٍ والثالث خطأ.
(فالعمد أن يقصد من يَعْلمه آدميًّا معصومًا فيقتله بما يغلب على الظن موتُه به، أو يقصد جرحه بما له نفوذٌ في البدن فيموت به).
نشوف الضوابط، ما ذكرنا الصور لأن المقام ما يقتضيه، ذكرنا الضوابط فقط، شوف أن يقصد؛ لا بد من القصد، احترازًا منين؟ من الخطأ وعدم القصد، ويخرج به فعل المجنون؛ لأنه لا قصد له، أليس كذلك؟ المجنون لو تعمد ما له قصد في الواقع؛ لأنه مجنون ما يدري ماذا يريد. وهل يخرج به فعل السكران؛ لأنه لم يقصد أو لا يخرج؟ يعني مثلًا سكران -والعياذ بالله- أخذ سكين وطعن واحد وقتله، أو أخذ بندقية وقتله بها؟ هو في الحقيقة ما له قصد، ليس له قصدٌ حين سكرِه، ولكن على المذهب أن فعل السكران وقوله كقول الصاحي؛ ولهذا يوقعون طلاقه، وعتقه، وجميع قراراته؛ يأخذونه بقوله وفعله، حتى إنه مثلًا لو قال: إن زوجته طالق. يرون أن زوجته تطلق.
لو قال: عندي لفلان عشرة آلاف ريال، وصدَّقه فلانٌ بذلك يلزمه، كذلك الفعل عندهم أنه كفعل الصاحي؛ فإذا قتل بالسكين وبالبندقية، وما أشبه ذلك فهو عندهم عمد، ولكن سبق لنا أن ذكرنا أن الصحيح أن أقوال السكران ما فيها عبرة؛ لا عبرة بها لأنها من غير قصدٍ، وأما أفعاله ففيها ما في فعل الخطأ؛ يعني مثلًا لو فعل وقتل، فهو خطأ يُلزَم بالدية، وعليه الكفارة، أما أن يُقاد بذلك ويُقتل فهذا ليس بصحيح، ما يُقتل، ولا يقولون: عمدًا إلا –كما قال ابن القيم- إلا إذا سكر ليفعل؛ يعني مثلًا إنسان عرف إنه لو يأخذ السكين ويطعن هذا الرجل قُتل، قال: فتحيل اللي ويبغي يشرب الخمر لأجل يقتله وهو سكران، فهذا لا شك أنه .. لأنه قصد الجناية وهو صاح، وجعل السكر وسيلة لها.
طالب: كيف؟
الشيخ: إذا علمنا أنه هدده مثلًا، أو أحد من أصدقائه أخبرنا بذلك، إي نعم.
طيب؛ (من يعلمُه آدميًّا) ويش ضد العلم؟ الجهل، أو الشك، فلا بد أن يعلم أن هذا آدمي، فلو قصد الجناية، لكن ما درى أنه آدمي، رأى مثلًا سوادًا من بعيد وظنه ذئبًا أو كلبًا أو ما أشبه ذلك، فرماه، فإذا هو آدمي، فهذا عمد ولَّا لا؟
طالب: لا.
الشيخ: ليس بعمد، لماذا؟ لأنه ما قصد من يعلمه آدميًّا، فقال: أنا حسبت أن هذا ذئبٌ أتى إلى غنمي ليأكلها، فلا بد أن يعلم أنه آدمي.
أيضًا (آدميًّا معصومًا)، والآدمي المعصوم أربعة أصناف، وقد سبق لنا ذكرهم في كتاب الجهاد، من (
…
)؟
طالب: (
…
) والمستأمن.
الشيخ: والمستأمن. المسلم والذمي والمستأمن، والرابع المعاهد، هذا المعصوم، فخرج بقولنا:(من يعلمه آدميًّا معصومًا) إذا كان يظن أنه آدمي غير معصوم كما لو ظنه حربيًّا؛ هو مثلًا في منطقة الحدود بينه وبين الكفار المحاربين، فأقبل رجل فظن أنه من هؤلاء المحاربين فقتله، فليس هذا عمدًا، لماذا؟ لأنه لو علم أنه معصوم ما قتله، لكن يظنه مهدر الدم، فيكون هذا خطأ وليس بعمد، كم هذا؟ أن يقصد من يعلمه آدميًا معصومًا، ثلاثة أوصاف.
الرابع: (فيقتله بما يغلب على الظن) فيقتله هذا الوصف الرابع، يقتله يعني: يميته (بما يغلب على الظن موته به)، واللي يغلب على الظن موته به مثل أيش؟
طلبة: السلاح.
الشيخ: كالسلاح القاتل، أو حجر كبير، أو خشبة كبيرة، أو سم، أو ما أشبه ذلك، فحينئذٍ يكون عمدًا، فخرج بقولنا:(فيقتله) ما لو جنى عليه هذه الجناية ولكن سلم منها، مثل طعنه بالسكين يريد قتله لكن تداوى وسلم، هل يكون هذا قتل عمد؟
طالب: لا.
الشيخ: لأنه ما حصل قتل، أيضًا (بما يغلب على الظن موته به) مثل لو ضربه بعصا بسيط في غير مقتل، مع الكتف مثلًا، الرجل هذا القاتل لما ضربه مع الكتف بهذا العصا البسيط مات، يصير عمدًا ولا غير عمد؟
طالب: غير عمد.
الشيخ: ليس بعمد؛ لأن هذا العصا ما يغلب على الظن موته به، أليس كذلك؟ لا يغلب على الظن موته به. كذلك أيضًا لو فرضنا ضربه في غير مقتل، وهو رجل نشيط، لكن الضربة هذه تأثرت حتى مات، هل يكون عمدًا ولا غير عمد؟
طالب: غير عمد.
الشيخ: لأنه لا يغلب على الظن موته به، ولكن هذه المسألة فيها تفصيل يأتي -إن شاء الله- الكلام فيه، وفيها خلاف أيضًا.
(أو يقصد جرحه بما له نفوذٌ في البدن فيموت به) يقصد جرحه فيما له نفوذ، ومعنى النفوذ: الدخول في البدن فيقتله به، مثل بَطَّه برأس إبرة مثلًا مع أدنى شيء من جسمه، هو إن كان في مقتل فلا شك أنه يموت به غالبًا، ولا لا؟ لو بطه بمقتل كما لو بطه في فؤاده في قلبه بهذا، فلا شك أنه يموت به، فهو عمد، لكن لو بطه بإبرة في مكانٍ لا يموت به عادةً مثل أيش؟
طالب: يده ورجله.
الشيخ: مثل يد أو رجل أو ورك أو ما أشبه ذلك، نعلم أنه ما يموت به (
…
) الإنسان بمسمار برجله وتجرحه الزجاج ولا يموت، لكن هو بطه بإبرة بسيطة وطلع دم بسيط، أراد الله سبحانه وتعالى هو مات بهذا الشيء، على المذهب يكون عمدًا فيرون أن الجرح يقوم مقام الآلة القاتلة، ولو كان الجرح بسيطًا لا يقتل غالبًا، ولكن القول الصحيح أننا نأخذ بالقاعدة الأولى؛ وهي أن يقتله بما يغلب على الظن موته به؛ لأن هذا الرجل يقولك: بطيته بمسمار، لو قال: أنا ما قصدت قتله، يُصدَّق ولا ما يُصدق؟
طالب: يصدق.
الشيخ: يصدق؛ لأن حقيقة هذا ما يقتل، لكن لو يضربه مثلًا بحجر مع رأسه، حجر كبير كبر الرأس، وقال: أنا ما قصدت قتله؟ ما يصدق، فالصحيح في هذه المسألة أن ما له نفوذٌ في البدن إن فعل ذلك فيه بموضعٍ يموت منه فهو عمد، وإن فعله في موضعٍ لا يموت به فليس بعمد، يكون شبه عمد من القسم الثاني.
نقف عند هنا ونقول: ما هو العمد؟ العمد أن يقصد من يعلمه آدميًّا معصومًا فيقتله بما يغلب على الظن موته به، هذا هو العمد، ونضيف إلى ذلك على المذهب: أو يجرحه بما له نفوذٌ في البدن فيموت به. هذا هو تعريف العمد على المذهب، وهو المذكور في قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [النساء: 93] إلى آخره، هل من العمد أن يلقيه في ماءٍ يغرقه ولَّا لا؟ نعم من العمد، لكن بشرط أن يكون غير عارفٍ في السباحة، أما إذا كان عارفًا بها والماء لا يغرقه مثلًا لقصر مساحته، فهذا ليس بعمد، لكن لا يلقيه في البحر لو هو متعلم، في بحر بعيد عن الساحل، وهو وإن كان متعلمًا بالسباحة، فإن ذلك يميته يكون عمدًا.
طيب؛ ألقاه في حضرة الأسد، أمام الأسد؟
طالب: عمد.
الشيخ: عمد، بس مين اللي قاتل؟ اللي قاتل الأسد، لكن الأسد لا قصد له، إلا أنهم اشترطوا في هذه المسألة أن يلقيه مكتوفًا بحضرة الأسد.
طالب: جوعان.
الطلبة: (
…
).
الشيخ: أنتم تعرفون قصة جحدر بن مالك الذي حبسه الحجاج، وهو كان خارجًا عليه، وحبس أسدًا لمدة سبعة أيام ما يأكل، وقال لجحدر بن مالك: أنا سأغل إحدى يديك، وأعطيك السيف باليد الأخرى، وألقيك بين يدي هذا الأسد، إن نجوت منه نجوت وإن أكلك استرحنا منك، فقال: لا بأس، ما فيه مانع، فغل إحدى يديه وأعطاه السيف باليد الأخرى، وأبقاه في مكان وأرسل عليه الأسد، الأسد أقبل له زئيرٌ عظيم، يبغي يأكل ها الإنسان، لما قفز عليه ليأكله وإذا السيف بيد جحدر فضربه في لبته فخر الأسد صريعًا، هذا مع أنه مكتوف بيدٍ واحدة، فهم يقولون: إن الإنسان يمكن أن يتخلص من الأسد إذا كان يمكن بيد، فيمكن بيدين.
المهم على كل حال العلماء يقولون: ما يصير عمدًا إلا إذا أبقاه مكتوفًا بين يدي الأسد، أما غير مكتوف فيكون شبه عمد.
وبالحقيقة إن هذا كلامهم بالنسبة للرجل الشجاع المتمرن قد نقول: إن هذا شبه عمد؛ لأنه يمكن أن يتخلص بالهرب أو ما أشبه ذلك، لكن بالنسبة للإنسان اللي ما تعود في ظني أنه لو يرى الأسد ما يتحرك أبدًا، فالمسألة هذه تعود إلى حال الرجل.
طيب لو ألقاه في جُحْر حية على بابها وأمسكه حتى لدغته؟ عمد ولا لا؟
طلبة: عمد.
الشيخ: إي نعم، هذا عمد؛ لأنه أمسكه فلا يمكنه أن يتخلص؛ إذن معناه فعل البهائم ملغى بالنسبة لفعل المكلف، يعني: ما نقول: إن عندنا الآن متسبب ومباشر، صح ولَّا لا؟ الإنسان إذا ألقى شخصًا بحضرة الأسد بين يدي الأسد، فهو متسبب والأسد مباشر، لكن مباشرة غير الآدميِّ لا تُعْتَبر شيئًا، إذ إن إحالة الضمان عليه غير ممكنة، فلو قيل مثلًا: الضمان على الأسد، منين نأخذه من الأسد؟ غير ممكن فتكون إحالة الضمان على هذا المتعمد.
إذا ألقاه في نار، هل هو عمد ولا شبه عمد؟
طلبة: عمد.
الشيخ: لا تسرعوا في الجواب، أنتم الآن على رأس القضاء أو على رأس التعليم.
إذا ألقاه في نار نقول: عمد على طول، إي نعم إذا كان يمكنه أن يتخلص فليس بعمد، وإن كان لا يمكنه فهو عمد، لو ألقاه مثلًا في نار كبيرة تتلظى في وسط النار، هذا يعتبر عمدًا؛ لأنه ما يمكن يتخلص، ولو ألقاه على جمر يمكنه أن يقع عليه ويهرب لم يكن عمدًا؛ لأننا نقول لهذا الإنسان المُلْقَى: لماذا لم تهرب؟ قد يكون هذا الإنسان الملقى قد ملَّ من الحياة، يقول: هذه جابها الله، أبغي أقعد على ها الجمر (
…
)، هذا ما يمكن نقوله، إذن نقول: لا بد أن تكون النار هذه أيش؟
طالب: قاتلة.
الشيخ: قاتلة، لا يمكنه أن يتخلص منها، أما إذا أمكنه (
…
).
***
نقرأ شبه العمد.
شبه العمد (أن يقصده) مَنْ يقصد؟ (من يعلمه آدميًّا معصومًا)، أن يقصده، وكل الكلام معطوف بعضه على بعض، (أن يقصده)، (أن يقصد من يعلمه آدميًّا معصومًا) بأي شيء؟ بما لا يغلب على الظن موته به، ولم يجرحه، هذا شبه العمد، إذن يشترك شبه العمد يشترك مع العمد في أي شيء؟
طالب: في القصد.
الشيخ: في القصد؛ أنه قصد من يعلمه آدميًّا معصومًا، ويختلف عنه في الآلة؛ الآلة في العمد إما جارحة، أو يغلب على الظن موته بها، أما في شِبْه العمد فإن الآلة ليست بجارحة ويش بعد؟ ولا يغلب على الظن مَوتُه بها، واضح يا جماعة؟ إذن هما يشتركان ويفترقان؛ يشتركان في أي شيء؟
طالب: في القصد.
الشيخ: في القصد، ويختلفان في الآلة؛ الآلة في العمد نوعان: إما ما يغلب على الظن موته به؛ كالحجر الكبير والخشبة الكبيرة وما أشبهها، أو أنها جارحة وإن لم يغلب على الظن موته بها، والصواب في هذا النوع من الآلة، الصواب أنه ليس بعمد، وأنه شبه عمد، وأظن هذا المتقرر عندكم؛ لأنه الغرز بالإبرة والمسمار والزجاجة الصغيرة في غير مقتل، الصحيح أنها شبه عمد، والمذهب أنها من العمد؛ ولهذا يجعلون آلة العمد قسمين؛ إما آلة كبيرة يغلب على الظن أن يموت بها وإن لم تجرحه، وإما آلة جارحة ولو صغيرة لا يغلب على الظن أن يموت بها، والصواب في هذا القسم الثاني، ويش الصواب؟ أنها شبه عمد؛ لأن الرجل يقول: ما قصدت القتل، وهذا شيء لا يقتل، والأصل في الجاني العصمة ولَّا الإهدار؟ الجاني الأصل فيه العصمة، ما يمكن نقتله حتى يتبين أن الرجل أراد القتل بوسائل القتل؛ وهي الآلة التي تقتل، لكن قلت لكم: إننا سنمشي على المذهب في المذكرة لكننا نبين الراجح في هذه المسألة.
(شبه العمد أن يقصده)، مَنْ هو؟ الهاء في قوله:(يقصده) تعود إلى من يَعْلَمُه آدميًّا معصومًا بأي شيء؟ بما لا يغلب على الظن موتُه به ولم يجرحه؛ لأنه إن كان يغلب على الظن موته به، صار عمدًا، أو جرحه صار عمدًا على المذهب، وعلى القول الصحيح لا، إذن على القول الراجح نحذف (ولم يجرحه) ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نحذفه فنقول مثلًا: بما لا يغلب على الظن موته به مطلقًا سواء جرح أم لم يجرح، هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة؛ مثال ذلك: إنسان ضرب شخصًا بعصا، عصا صغيرة في غير مقتل، السوط تعرفونه، ضربه بسوطٍ في غير مقتل، فلما ضربه سقط ميتًا، هل يكون عمدًا؟
طالب: لا.
الشيخ: لا؛ لأن هذا الرجل بلا شك ما قصد القتل، لو أراد قتله ما ضربه بالسوط، لو أراد قتله جاب له عمود خيمة ويضربه به، أما يضربه بالسوط ما أراد قتله، إذن لا يعتبر ذلك عمدًا، بل هو شبه عمد.
ما رأيكم سلط عليه سلك كهرباء خط مئة وعشرة، فلما ضربه مات، يعني: ضربه بهذا، ويش ترون في هذا؟
طالب: عمد.
الشيخ: عمد ولا شبه عمد؟
طالب: عمد.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، مئة وعشرة، كله واحد. هل مئة وعشرة يموت الإنسان؟ (
…
) أنا ما حطيته في ماء.
إذن أنا وأنتم اختلفنا ونرجع إلى أهل الخبرة في ذلك، إذا قال أهل الخبرة: إن خط مئة وعشرة يموت فليكون عمدًا.
طالب: (
…
).
الشيخ: نجرب بك، على كل حال، هو في الحقيقة ما أدري عمدًا إذا كان (
…
) الخمسين ما أدري، يمكن؛ لأنه يكون (
…
)، إنما خط مئة وعشرة (
…
)، ستين ما يمكن يموت إلا بأسباب أخرى إضافية كالماء؛ لأنه يتضاعف مع الماء، على كل حال المرجع فيما إذا اختلفنا في هذه الأمور إلى من؟ إلى أهل الخبرة، إذا قالوا: إن هذا يقتل غالبًا، قلنا: هو عمد، وإذا قالوا: لا يُقتل غالبًا، فهو شبه عمد.
لكنه في الحقيقة سيبقى موضع إشكال فيما إذا ادعى القاتل أنه لا يعلم أنه يقتل عمدًا، أنه يقتل، إذا كان القاتل يقول، أو الجاني بالأصح يقول: أنا ما علمت أنه يقتل، فهل نقول الآن: ليس بعمد، أو نقول: العبرة بواقع الحال، لا بظنك؟
نقول: العبرة بظنك، ولكنه لا بد أن يحلف على هذا الأمر، إلا إذا كان شيئًا لا يمكن أن يجهله مثله، وادعى أنه جاهل، فإن هذا لا يصح، لا تصح دعواه.
إذن إذا اختلفنا هل يقتُل مثله أو لا يقتل، فالمرجع إلى من؟ إلى أهل الخبرة؛ إذا قالوا: هذا يقتل فهو عمد، إذا قالوا: لا يقتل فليس بعمد؛ شبه عمد.
البحث الثاني إذا ادعى الجاني أنه لا يعلم بذلك، فهل نقبل قوله؟
الجواب: فيه تفصيل؛ إن كان مما يمكنه جهله، فليس بعمد، نقبل قوله؛ لأن هذا أمرٌ ممكن والأصل في الجاني العصمة، إذا كان مثله لا يجهله، كما لو قُدِّر أن هذه الآلة التي قتل بها هو؛ أي القاتل من أهل الخبرة بها ويعلم أنها تقتل، فإنه يقبل ولَّا لا؟ لا يقبل، فإنه لا يقبل؛ وذلك أننا لا بد أن نؤسس قاعدة أن الأصل في الجاني العصمة حتى يتبين يقينًا أنه قتل عمدًا.
طالب: لو كان مثلًا ادعى (
…
) ولكن مثلًا هذا المقتول (
…
).
***
الشيخ: الخطأ وهو القسم الثالث؛ أن يفعل ما له فعله، فيقتل آدميًّا لم يقصده.
أن يفعل ما له فعله، ما نافية ولا اسم موصول؟
طالب: اسم موصول.
الشيخ: إي نعم، اسم موصول؛ يعني: أن يفعل الذي له فعله، وإن شئتم فقولوا: إنها نكرة موصوفة؛ يعني: أن يفعل شيئًا له فعله، فيقتل آدميًّا لم يقصده، طبعًا آدمي معصوم لأن غير المعصوم هدر دمه؛ أن يفعل ما له فعله مثل أن يرمي صيدًا، رمى صيدًا على شجرة فأصاب إنسانًا ما قصده، مثلًا يده تحركت وانحرفت منه، انحرف السهم، أو كان في هذه الشجرة رجلٌ لم يره فأصابه فهنا خطأ ولَّا لا؟ يعتبر خطأ، وقولنا: أن يفعل ما له فعله، مثل ذلك أيضًا لو ندَّ له بعير، رجل ندَّ له بعير وعجز عنه، وأراد أن يحذفه (
…
) عليه؟ له ذلك ولَّا لا؟
له ذلك، أصاب آدميًّا في هذه الحال، يكون خطأ، إنسان مثلًا مشى بالسيارة فأصاب إنسانًا فقتله، يعتبر أيضًا خطأ.
وقول العلماء: أن يفعل ما له فعله، إذا فعل ما ليس له فعله، فأصاب آدميًّا فظاهر كلام العلماء أنه عمد، مثل أراد أن يرمي شاة لغيره، فأصاب إنسانًا، هل له أن يفعل في الأول؟
طالب: لا.
الشيخ: لا، لكنه أصاب إنسانًا فيقولون: إنه عمد؛ لأن هذا ناتج عن فعل محرم، فلا يمكن أن يخفف عنه، فيكون عمدًا يُقتَل به، ولكن هذا في الحقيقة لا يتبين صوابه؛ لأن من قصد قتل الشاة مثلًا ليس كمن قصد قتل الآدمي، أليس كذلك؟ وهل تساوي الشاة آدميًّا؟ لا، ولكننا نقول: إذا فعل ما ليس له فعله، فإن كان هذا الفعل يريد زيدًا فقتل عمرًا، فإنه يعتبر عمدًا؛ لأنه لا شك أنه قصد جناية على آدمي معصوم، وهذا لا فرق عند الله بين أن يقتل زيدًا أو عمرًا، لكن مَن قصد قتل شاة ليس عند الله ولا عند الخلق كمن قصد قتل آدمي. ولهذا الصحيح في هذه العبارة أن نقول: أن يقصد أن يفعل ما له فعله أو يقصد غير آدمي فيصيب آدميًّا، وأما نقول: إنه إذا فعل ما ليس له فعله ولو شيئًا خفيفًا، ثم قتل إنسانًا نعتبره عمدًا (
…
) أيضًا فقهاؤنا فإن هذا ليس بصحيح، والدليل على ذلك أن هذا الذي أراد قتل الشاة فأصاب إنسانًا لو كان يفكر أنه سيصيب إنسانًا هل يفعل؟
طالب: ما يفعل.
الشيخ: ما يفعل أبدًا، لكن مَنْ قصد زيدًا فأصاب عمرًا، فالحكم واحد، يكون هذا عمدًا بلا شك.
كلمة (أن يفعل ما له فعله فيقتل آدميًّا) واضحة، إذا كان ما فعل فعلًا يريد شيئًا إنما جاءت المسائل نتائج لأفعاله، وهو ما قصدها إطلاقًا مثل ما قلنا في السيارة إذا صدمت إنسانًا، أو شخصًا حفر طريقًا في السوق، ساقية حفرها في السوق وجاء إنسان وسقط فيها، أو بالوعة سقط فيها، يعتبر عمدًا ولَّا لا؟ لا؛ لأنه ما قصد الفعل إطلاقًا، لكنه ضامن ما لم يفعل الاحتياطات، ويكون التفريط من الساقط فحينئذٍ لا ضمان عليه.
قال المؤلف، أو قال في المذكرة:(وعمدُ الصبي والمجنون)؛ عمد الصبي خطأ، وعمد المجنون خطأ، أما المجنون فظاهر أن عمده خطأ؛ لأنه ليس له الحق.
المجنون عمده خطأ بلا شك؛ لأنه ما له قصد، والصبي عمده خطأ، وظاهر كلام أهل العلم ولو كان الصبي مراهقًا؛ يعني قريبًا من البلوغ، مع أن المراهق في الحقيقة له قصدٌ صحيح ويعرف، ولاحظوا إنسانًا يبلغ في تمام الساعة السادسة في هذا اليوم؛ لأنه وُلد في الساعة السادسة من واحد وعشرين محرم عام كم؟ العام الذي يبلغ به هذا العام.
طلبة: (
…
).
الشيخ: على كل حال (
…
).
طلبة: ثمانية وثمانين.
الشيخ: ثمانية وثمانين، إحنا (
…
) الآن، ثلاثة وثمانين.
طالب: (
…
).
الشيخ: لا، البلوغ خمسة عشر (
…
).
إذن في الساعة السادسة من هذا اليوم عند الظهر يبلغ، إذا قتل إنسانًا في الساعة الرابعة، لم يُقتل به، وإن قتله في الساعة السادسة والنصف قُتل به، ليش؟ لأنه بالأول غير بالغ، وبالثانية بالغ، وكذلك أيضًا لو احتلم، في أثناء النهار احتلم صار بالغًا وفي أول النهار ليس ببالغ؛ فالمهم أن العلماء يربطون هذه المسألة بالبلوغ، ويستدلون لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ» (11). فيقولون: كما أن النائم والمجنون ليس عليهما قصاص فكذلك الصبي، والأصل العصمة ولا عدمها؟
الأصل العصمة؛ أن ما نقتل هذا المراهق ونحن لم نتيقن أن الشروط قد تمت بالقصاص منه؛ لأن الأصل العصمة، وعلى كل حال في الحقيقة هذا القول لا بد من أن نقول به؛ وذلك لأننا لو لم نقل به لما كان عندنا حدٌّ فاصل بين من يُقتص منه من الشباب ومن لا يقتص منه؛ لأن بماذا (
…
) عشرين سنة؟ ويش الدليل؟ (
…
) ويش الدليل؟ إذن ما عندنا أقرب شيء نحد به وجوب القصاص هو أي شيء؟ البلوغ.
ففي العمد وأنا ذكرت لكم أننا ما حاجة أن نذكر الصور، أهم شيء عندي معرفة الضوابط، وأما الصور فالعلماء كتبوا صفحات في هذا، ولكن هذا سوف (
…
) سيرنا، ويحصل فيه تأخير والمقرر كثير.
ما الذي يجب في العمد وفي شبه العمد وفي الخطأ؟
يقول: ففي العمد القصاص أو الدية المغلظة ولا كفارة فيه، وفي شبه العمد الدية المغلظة، وفي الخطأ الدية المخففة، وفيهما أي شبه العمد والخطأ الكفارة.
إذن العمد فيه القصاص أو الدية المغلظة وليس فيه كفارة، وفي شبه العمد الدية المغلظة والكفارة، وفي الخطأ الدية المخففة والكفارة، فكل واحد يختلف عن الثاني؛ وذلك لأن كل واحدٍ ينفرد عن الثاني بوصف استحق به أن يخالفه في الحكم: أولًا في العمد القصاص أو الدية، ما هو الدليل؟ الدليل قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178]، وقوله تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ؛ إِمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وَإِمَّا أَنْ يُودَى» (12)؛ يعني: يأخذ ديته.
إذن نقول: في العمد القصاص أو الدية المغلظة، ما هي الدية المغلظة؟ خمسٌ وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون حِقَّة، وخمسٌ وعشرون جزعة؛ لأن الدية مئة بدنة، وكلها إناث الآن ولَّا لا؟
كلها إناث، تبدأ من سنة إلى أربع سنوات، أو لا؟ تبدأ مما له سنة إلى ما له أربع سنوات، بنت المخاض لها سنة، وبنت اللبون سنتان، والحقة ثلاث سنوات، والجزعة أربع سنوات، مفهوم؟
هذا في دية التغليظ، أن توجب الدية على أربعة أصناف من الإبل؛ وهي بنت المخاض، وبنت اللبون، والحقة، والجزعة.
(ولا كفارة فيها) ليس فيها كفارة؛ الدليل لأن الله تعالى إنما ذكر الكفارة في الخطأ، ولم يذكر الكفارة في العمد، هذا دليل أثري، وأما الدليل النظري فلأن العمد أعظم من أن تخففه الكفارة، أعظم؛ لأن الكفارة في الحقيقة تزيل أثر الدم، والعمد أعظم من أن تزيله الكفارة؛ ولهذا جعل الله جزاء العمد أن {مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]؛ خمس عقوبات والعياذ بالله: دخول النار والخلود فيها والغضب واللعنة والعذاب العظيم، هذه خمس عقوبات ما يمكن أن تكون لها كفارة كصيام شهرين متتابعين أو بعتق رقبة، لكن الخطأ تنفع فيه الكفارة. شبه العمد فيه الدية المغلظة، كم من صنف؟ أربعة أصناف؛ لأنه يشارك العمد في القصد، ولكن فيه الكفارة؛ لأنه يشارك الخطأ في عدم القتل؛ لأنه لا يقتل، هو قصد الجناية، لكن هذه الجناية لا تقتل، هو ما قصد القتل، لم يقصد القتل، فلما شارك الخطأ من وجه وشارك العمد من وجه، أخذ من العمد ما شاركه به، ومن الخطأ ما شاركه فيه، فيجب عليه دية مغلظة؛ للجمع بينه وبين العمد من قصد، وتجب فيه كفارة لأنه مجتمع مع الخطأ في عدم قصد القتل.
وأما في الخطأ الدية المخففة والكفارة، الدية المخففة معناه بدل ما تكون أربعة أصناف نجعلها خمسة أصناف، واحد من الأصناف من بني مخاض، يعني: عشرين من بني مخاض، وعشرين من بنات المخاض، وعشرين من بنات اللبون، وعشرين من الحقاق، وعشرين من الجزعات، أيهما أقل؟ المخففة أقل، معلوم؛ لأنها ما هي كلها إناث صار فيها ذكور وعادة أن الذكور أقل ..
هنا توقف الشيخ رحمه الله عن شرح متن الزاد إلى الشرح من مذكرة أخرى.
طالب: والكفارة التي ذكرها الله تعالى في القرآن.
الشيخ: القرآن في قوله: {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92]، وعلى هذا فنقول: كفارة القتل في شبه العمد والخطأ عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وقد علمتم في الظهار أن التتابع لا ينقطع إذا كان الفطر لعذر شرعي أو حسي.
صيام شهرين متتابعين، إذا لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين فإن الكفارة تسقط؛ لأن الله تعالى لم يذكر مرتبة ثالثة.
وقال بعض العلماء: ينتقل إلى المرتبة الثالثة؛ وهي إطعام ستين مسكينًا، ولكنه ليس بصحيح؛ لأن ما وجب فيه إطعام ستين مسكينًا سببه يختلف عن هذا، السبب مختلف، أليس كذلك؟
طالب: نعم.
الشيخ: صحيح الحكم واحد لكن السبب مختلف، وهنا لم يذكر الله تبارك وتعالى الإطعام، فدلَّ على أنه ليس بمشروع، وهذا أحوط وأولى؛ لأن الناس إذا علموا أنهم إذا لم يستطيعوا الصوم انتقلوا إلى إطعام يتهاونون في الصوم، لكن إذا قلت له: إما أن تصوم إن كنت تستطيع، وإما ألَّا تصوم، حينئذٍ الغالب أنه يصوم؛ لأن الإنسان يجد في نفسه شيئًا من القلق إذا لم يقم بهذه الكفارة، أما شروط القصاص فنقول ..
طالب: يجب الدية بنصها؛ يعني بدليل، دليل شبه العمد؟
الشيخ: شبه العمد أيضًا ثبت به الحديث في قصة المرأتين اللتين اقتتلتا، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية؛ بدية المقتولة على عاقلة القاتلة، وهذا الحديث صحيح؛ في الصحيحين، وفيه قصة حمل بن النابغة الذي اعترض هذا الحكم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه:«إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ» (1).
طالب: (
…
)؟
الشيخ: الخطأ وشبه العمد.
الطالب: (
…
).
الشيخ: ويش الإطلاق؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: إفتاء؟
الطالب: (
…
).
الشيخ: ليش ما يجب عليه؛ لأنه لا ينسب إليه القتل، وهذه المسألة تحتاج إلى تحقيق؛ لأن لدينا كثير من الناس كلما حصل صدم ولَّا قلب ولَّا شيء، قال على طول: فيه دية وفيه كفارة، وبعض الناس -لا- يتحرى، فإذا لم ينسب الفعل إلى قائد السيارة هو ما فيه شيء؛ لا دية ولا كفارة.
افرض مثلًا: رجل معه ركاب فقابله سيارة، فرأى أن من مصلحته ومصلحة الركاب أن ينحرف عن هذه السيارة التي قابلته، ثم انحرف وحصل أن انقلب ومات أحدهم معه، فهذا ليس عليه شيء، لماذا؟ لأنه تصرف بما فيه المصلحة، وقد قال الله تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
لكن في هذه الحال لو أنه لما انحرف أصاب واحدًا واقفًا، هو ما علم به، ومات هذا الواحد الواقف، يضمنه ولَّا لا؟ يضمنه؛ لأنه لم يتصرف لمصلحته.
ففي مثال اللي ذكرنا لما قابلته السيارة وشاف (
…
) لا بد أن تصدمه، ورأى أن الأهون أن يخرج، فخرج، ثم أصاب واحدًا واقفًا على الخط ومات، وانقلب ومات معه واحد، الآن قتل؟
طالب: نفسين.
الشيخ: نفسين، لكن الراكب لا يضمنه؛ لا بدية ولا بكفارة؛ لأنه تصرف لمصلحته، وأما الثاني الذي على الخط وأصابه ومات فيضمنه بالدية والكفارة؛ لأن هذا التصرف هل لهذا الواقف على الخط مصلحة فيه ولَّا لا؟
طالب: لا.
الشيخ: ما له مصلحة.
طالب: (
…
) قطع الخط (
…
)؟
الشيخ: لا حتى إذا قلنا: ربما يكون أن اللي قطع الخط هذا أنه ألقى بنفسه إلى التهلكة؛ بحيث إنه قطع الخط في حالٍ لا يتمكن صاحب السيارة من الإمساك ولا من الانحراف، فهنا ليس على صاحب السيارة ضمان؛ لأن من المعتدي؟
طالب: ما هو صاحب السيارة، اللي قطع.