المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وإن طَيَّبَ بَدَنَه أو ثوبَه أو ادَّهَنَ بِمُطَيِّبٍ أو شَمَّ - الشرح الصوتي لزاد المستقنع - ابن عثيمين - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌(باب صفة الصلاة)

- ‌[مكروهات الصلاة]

- ‌[أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌(كتابُ الْمَنَاسِكِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط وجوب الحج والعمرة]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌(بابُ مَحظوراتِ الإحرامِ)

- ‌(بابُ الفِديةِ)

- ‌(باب جزاء الصيد)

- ‌[باب صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب البيع

- ‌[باب شروط البيع]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌(باب الشركة)

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[باب المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌(كتابُ الوَقْفِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[مدخل]

- ‌كتاب الوصايا

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌(كتابُ النِّكاحِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[أركان النكاح]

- ‌[شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[باب الشروط والعيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب الخلع]

- ‌(كتاب الطلاق)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب الطلاق في الماضي والمستقبل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[باب التأويل في الحلف]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌(كتابُ الإيلاءِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[من يصح منه الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء وما تحصل به الفيئة أو فسخ النكاح]

- ‌(كتابُ الظِّهارِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[كفارة الظهار]

- ‌(كتابُ اللِّعانِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط صحة اللعان]

- ‌[ما يلحق من النسب]

- ‌(كتابُ العِدَدِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌(كتابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[مدخل]

- ‌[شروط الرضاع المحرِّم]

- ‌[من يُحَرَّم بالرضاع]

- ‌[مدخل]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب شروط القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌(كتاب الديات)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[باب القسامة]

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌(كتاب الأطعمة)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌(كتاب الأيمان)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب جامع الأيمان]

- ‌[باب النذر]

- ‌(كتاب القضاء)

- ‌[مدخل]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[مدخل]

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

الفصل: وإن طَيَّبَ بَدَنَه أو ثوبَه أو ادَّهَنَ بِمُطَيِّبٍ أو شَمَّ

وإن طَيَّبَ بَدَنَه أو ثوبَه أو ادَّهَنَ بِمُطَيِّبٍ أو شَمَّ طِيبًا أو تَبَخَّرَ بعُودٍ ونحوِه فَدَى، وإن قَتَلَ صيدًا مأْكُولًا بَرِّيًّا أَصْلًا ولو تَوَلَّدَ منه ومن غيرِه أو تَلِفَ في يدِه فعليه جَزَاؤُه، ولا يَحْرُمُ حيوانٌ آنِسِيٌّ، ولا صَيْدُ البحرِ، ولا قَتْلُ مُحَرَّمِ الأَكْلِ ولا الصائلُ، ويَحْرُمُ عقْدُ نكاحٍ ولا يَصِحُّ ولا فِديةَ، وتَصِحُّ الرُّجعةُ، وإن جامَعَ الْمُحْرِمُ قبلَ التحَلُّلِ الأَوَّلِ فَسَدَ نُسُكُهما ويَمْضِيانِ فيه ويَقْضِيَانِه ثانيَ عامٍ، وتَحْرُمُ الْمُباشَرَةُ، فإن فَعَلَ فأَنْزَلَ لم يَفْسُدْ حَجُّه وعليه بَدَنَةٌ لكن يَحْرُمُ من الْحِلِّ لطوافِ الفَرْضِ، وإحرامُ المرأةِ كالرجُلِ إلا في اللِّباسِ وتَجْتَنِبُ الْبُرقُعَ والقُفَّازَيْنِ وتَغطيةَ وَجْهِها ويُباحُ لها التَّحَلِّي.

(بابُ الفِديةِ)

يُخَيَّرُ، بفديةِ حَلْقٍ وتقليمٍ أو تَغطيةِ رأسٍ وطِيبٍ - بينَ صِيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ، أو إطعامِ سِتَّةِ مَساكينَ، لكلِّ مِسكينٍ مُدُّ بُرٍّ أو نِصْفُ صاعِ تَمْرٍ أو شَعيرٍ أو ذَبْحُ شاةٍ،

إذا لبس الْمُحْرِم ما يحرُم عليه من اللباس فكلام المؤلف يدل على أنه؟ يفدي، حينئذ نقول: ما الدليل على الفدية؟ هو لا شك أنه حرام، لكن ما هو الدليل على الفدية، والفدية في هذا فدية أذى، يعني: إما ذَبْح شاة، وإما صيام ثلاثة أيام، وإما إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، لكن نحتاج إلى؟

طلبة: دليل.

الشيخ: إلى دليل.

(وإن طَيَّبَ بدنه، أو ثوبه، أو ادَّهَن بمطيَّب، أو شَمّ طِيبًا، أو تبخَّر بعود ونحوه فدى)، هذا المحظور؟

طلبة: الخامس.

الشيخ: الخامس، وهو الطِّيب، الطِّيب بالنسبة للمُحْرِم نوعان: طِيب سبق الإحرامَ وبقيت آثارُه، وطِيبٌ كان بعد الإحرام، فالْمُحَرَّم؟

طلبة: الثاني.

ص: 330

الشيخ: ما كان بعد الإحرام، أي الثاني، أما الطِّيب الذي يفعله الْمُحْرِم لإحرامه فهذا طَيِّب وسنة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يتطيَّب لإحرامه قبل أن يُحْرِم، ولِحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت، وقالت عائشة: كأني أنظر إلى وَبِيصِ المسك في مَفَارِق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (1)، وَبِيص يعني: بريق ولمعان.

الكلام على الطِّيب بعد الإحرام، الطِّيب بعد الإحرام مُحَرَّم، ودليله قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الذي وَقَصَتْه ناقته:«لَا تُحَنِّطُوهُ» (2)، والْحَنُوط أخلاط من طِيب تُجْعَل في الميت، وإذا حَرُم ذلك على الميت لأنه مُحْرِم حَرُم على الحي من باب أولى، هذا قياس جلي؛ لأن الحي يمشي بين الناس ويعج منه ريح الطِّيب، والميت سيُدْفَن.

فالمهم أن الطِّيب على الْمُحْرِم حرام، ولهذا قال:(وإنْ طَيَّبَ بدنه أو ثوبه) يعني: ثوب الإحرام، (أو ادَّهَن بمُطَيَّب)، يعني: ادَّهن بشيء مُطَيَّب تظهر فيه رائحة الطِّيب، وإن كان دهنًا لا يسمى طِيبًا لكن فيه رائحة الطيب، فإنه حرام، (أو ادَّهن بمطيَّب أو شم طِيبًا) وإن لم يتطيب به فهذا حرام، وظاهر كلام المؤلف أنه إذا شم طِيبًا وإن كان لا يشم، ومعلوم أن الذي لا يشم لا يتأثر بشمّ الطيب، بل ربما لو أعطيته طِيبًا طَيِّبًا باردًا من أحسن ما يكون وتعطيه جرة جاز ويشمه ..

طلبة: لا يعرفه.

الشيخ: لا، يقول: هذا أطيب، الجاز أطيب؛ لأنه يدخل في خياشيمه.

فظاهر كلام المؤلف أن شم الطِّيب على الْمُحْرِم حرام، سواء كان يشم أو لا، مع أن الذي لا يشم لا يتأثر، وفيه مناقشة.

طالب: الأسئلة يا شيخ.

الشيخ: نقف على هذا، بقي علينا هل تريدون أن يكون شرحنا هكذا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: أو نخفف؟

طلبة: لا، نحن نستفيد.

ص: 331

الشيخ: أنا يسرني أن يكون طالب العلم عنده فقه بأسرار الشريعة، وكيف يستدل، وكيف يثبت الأحكام بالأدلة، هذا أهم من أن نقرأ عشر أوراق أو عشرين ورقة؛ لأن هذا يعطي الإنسان مَلَكَة.

طالب: شيخ، أحسن الله إليك، لو أن الإنسان خاط إزارًا على شكل الإزار المعروف ثم ذهب؟

الشيخ: لا بأس.

الطالب: حتى لو خاف أن يُحْدِث؟

الشيخ: يُحْدِث أيش؟

الطالب: يعني تشويشًا عند الناس.

الشيخ: لا ما هو مُحْدِث تشويشًا، الناس يستنكرونه، وأول معرفتهم يكون سهلًا عليهم، وثِقْ أنه إذا رآه واحد سوف يقتدي به عشرة، وبالعشرة مئة؛ لأن هذا أهون على الناس.

الطالب: ويحط فيه مخبآته.

الشيخ: يحط مخبآته ويحط تكة، يعني ما هو فيه شيء، أليس إزارًا؟

الطالب: بلى.

الشيخ: الحمد لله، ما اشترط الرسول عليه الصلاة والسلام في الإزار أن يكون على شكل معين.

الطالب: أريح جدًّا.

الشيخ: ما فيه شك أنه أَرْيَح، وكثير من الناس الآن نشوف إحراماتهم الأُزُر قصيرة، يعني ما تدور على الجسد أكثر من مرة، وإذا صارت قصيرة يمكن تنكشف العورة، أنا أشوف مثلًا بعض الأجانب الذين عندنا يلبسون إزارًا قصيرًا يلتئم طرفاه أو يزيد قليلًا، وإذا خَطَا؟

طلبة: تنكشف ..

الشيخ: بانت أفخاذه، فإذا خاطه استراح.

طالب: الْحِنَّاء في الرأس؟

الشيخ: إي نعم، سيأتينا إن شاء الله، الطِّيب إلى الآن ما تكلمنا عليه، فيه مناقشات.

الطالب: مُغَطٍّ، الفقهاء ذكروه ضمن ما غَطَّى رأسه بِمُلاصِق.

الشيخ: بارك الله فيك، أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد لَبَّدَ رأسه؟

الطالب: بلى.

الشيخ: بأيش؟

الطالب: بالصمغ.

الشيخ: بالعسل والصمغ، وهذا لا بد أن يُغَطّي، هذا يشبه الأصل، يعني أن رأسه الآن ليس عليه شيء يغطيه وينفصل منه، لكن الطاقية تغطيه وتنفصل.

ص: 332

طالب: أحسن الله إليك، تبيَّن لنا بعض محظورات الإحرام أن لا دليل على الفدية فيه، مثل أن يلبس العمامة وما يَحْرُم لبسه، فهذه الأشياء يا شيخ إذا ارتكبها الإنسان هل يقول: إنه يفدي احتياطًا، أم يقول: ما دام ليس عليه دليل يُتْرَك؟

الشيخ: والله شوف أنا قلت لكم قبل قليل، قلت لكم بالأمس: من باب التربية نقول للناس الحمد لله تصوم ثلاثة أيام، لكن لو تقع من الإنسان بنفسه ولا يفدي ليس عليه شيء.

طالب: أحسن الله إليك، التشبيك في الإحرام؟

الشيخ: يعني الرداء قصدك ولَّا الإزار؟

الطالب: الرداء.

الشيخ: الرداء.

الطالب: حط عليه كثيرًا من الأزرار؟

الشيخ: حتى صار ..

الطالب: حتى صار يعني ..

الشيخ: كالقميص.

الطالب: تقريبًا.

الشيخ: تقريبًا، نقول: لا تفعل، أولًا: إن بعض العلماء يمنع من عقد الرداء، وإن كان يُجَوِّزُه في الإزار، وثانيًا: أنه ما ينبغي أن الإنسان أن يُتْرِف نفسه حتى في هذا، يحط زِرّه مشابك من نَحْرِه إلى أسفل، لا وبعض الناس أيضًا وجدناهم يجعلون فيه أَزِرَّة عادية مثل زرار الثوب هذا، يعني ما بقي إلا يجعل أكمامًا وينتهي الموضوع.

طالب: بالنسبة للوجه يا شيخ ثبت في الرواية يا شيخ ولا يُخَمِّرُوا رأسه.

الشيخ: هذه اختلف العلماء في صحتها في قصة الذي وَقَصَتْهُ ناقته، هل قال: لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ، أو رأسه فقط؟ فأكثر الرواة على حَذْف الوجه، ما دام هذا أكثر الروايات فإيجاب شيء أو تحريم شيء بلا دليل، ثم إن قوله:«لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ» (2) إذا ثبت في الميت ثبت في الحي.

الطالب: أحسن الله إليكم، إذا سافر الإنسان وهو حاجّ أي يريد الحج، وأخذ أشياءه، وقبل أن يصل الميقات مرض فلبس إحرامه وأشياءه ونوى الحج، إلا أنه قبل أن يدرك الميقات مات، فهل هذا .. ؟

الشيخ: لبس إحرامه قبل أن يصل إلى الميقات؟

ص: 333

الطالب: إي، شعر بالموت وتربَّط أشياءه، لبس أشياءه وصار يلبي علشان يكون ملتبسًا بالحج، ولكن ما صادف الميقات.

الشيخ: يعني أحرم قبل الميقات؛ لأنه شعر بالموت فأحب أن يبعث مُلَبِّيًا؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: والله تحتاج إلى نظر، قد يقال: إن هذا الرجل أَحْرَمَ قبل أن يؤمر بالإحرام فلا يُعَدّ كالذي أحرم من الميقات وشرع في النسك، وقد يقال: فضل الله واسع، فالله أعلم.

***

يقول رحمه الله: (وإن طيَّب بدنه) إلى آخره، فهمنا الدليل على تحريم الطيب، وهو قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الرجل الذي وَقَصَتْهُ ناقته ..

طالب: «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» .

طلبة: «لَا تُحَنِّطُوهُ» .

الشيخ: «لَا تُحَنِّطُوهُ» (3)، فما هو الطِّيب؟ ليس كل من كان زكي الرائحة يكون طيبًا، الطيب ما أُعِدّ للتطيب به عادة، وعلى هذا فالتفاح والنعناع وما أشبه ذلك من الذي له رائحة زكية طَيِّبَة تميل لها النفس لا يكون طِيبًا، إنما الطِّيب ما يستعمل للتطيب به كدهن العود، والمسك، والريحان، والورد، وما أشبه هذا، هذا لا يجوز للمُحْرِم استعماله، سواء في بدنه أو ثوبه أو رأسه أو غير ذلك، وأما مجرد ما له رائحة زكية فلا يضر.

وقوله: (ادَّهَن بمُطَيَّب) يعني بشرط أن يكون هذا الذي ادَّهَن به قد ظهرت فيه رائحة الطيب، أما مجرَّد أن يكون نقطة في كأس –مثلًا- هذه لا تؤثر.

بقي النظر الآن أن بعض الصابون له رائحة، هل هي طِيب أو من باب الرائحة الزكية؟ الظاهر الثاني، ولذلك لا يَعُدّ الناس هذه الصابون طِيبًا، لا تجد الرجل إذا أراد أن يتطيب يوم الجمعة، يذهب للجمعة، يأتي بالصابون يُكَرِّه على ثوبه، أليس كذلك؟ لكنها لما كانت تستعمل في الأيدي للتطهر من الرائحة، رائحة الطعام، جعلوا فيها هذه الرائحة الزكية.

ص: 334

فالذي يظهر لي أن هذه الصابون التي فيها الرائحة الطيبة لا تُعَدّ من الطِّيب المحرَّم، ونحن لدينا قاعدة إذا شككنا في الشيء أمحظور هو أم لا نرجع إلى؟

طلبة: الأصل.

الشيخ: الأصل، وهو عدم الحظر، والناس لا يعُدُّون هذا طِيبًا كالحنوط الذي يُجْعَل في الميت.

قوله: (أو شم طِيبًا)، الواقع أن شم الطِّيب لا يؤثر على الْمُحْرِم، لا يعلق في بدنه، ولا في خياشيمه، ولا يُفَطِّره إذا صام، وما أشبه ذلك، فجَعْلُه من محظورات الإحرام فيه نظر، والذين جعلوه من محظورات الإحرام قالوا: إنه ربما إذا شَمَّه ووجده طَيِّبًا تطيَّب به فيكون تحريمه من باب؟ سد الذرائع، أو يقول: يشمه، والله يعني فيه شك عنده ثم يقول يأخذ منه ويدهن به شاربه علشان يتأكد، فقالوا: لما كان ذريعة إلى التَّطَيُّب مُنِع، وإلَّا ما فيه نص، ولا يقاس على قوله:«لَا تُحَنِّطُوهُ» (3).

توسَّط بعض العلماء وقال: إن شَمَّ الطيب لحاجة، مثل أن يريد أن يشتري طِيبًا من عَطَّار فلا بأس؛ لأن هذا تحريمه إذا قلنا به من باب الاحتياط فقط، لا من باب الجزم، وما كان من باب الاحتياط والتحري فإنه يباح للحاجة، وإذا لم يكن هناك حاجة فلا حاجة أن يشمه.

إذا شمه بدون قصد، كرجل وقف عند دكان عطار عنده عطورات رائحتها قوية، فشمها، هل يضر؟

طلبة: لا.

الشيخ: لا، ولذلك لا بد أن تُقَيَّد هذه بأن يكون قصدًا، أو شم طيبًا قصدًا، أما إذا لم يكن قصد فلا أحد من أهل العلم يقول: إنه حرام، يعني لو قلنا بهذا لقلنا للناس الْمُحْرِمِين: لا تَمُرُّوا بأسواق العطارين، ولا أحد يقول بهذا.

إذن شمّ الطيب في إلحاقه بالمحظورات أيش؟ نظر، وعند الحاجة إلى الشم لا شك في جوازه، وشمه بلا قصد لا يضر ولا يؤثر.

ص: 335

(أو تبخَّر بعود ونحوه)، أيضًا إذا تبخر بعود أو نحوه فإنه لا يجوز؛ لأن العود طِيب لا إشكال فيه، فلا يجوز، هناك دليل غير الدليل في الرجل الذي وقصته ناقته، وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام:«وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوِ الْوَرْسُ» (4)؛ لأن الزعفران فيه رائحة طيبة، والوَرْس قيل: إنه نبت باليمن له رائحة كرائحة الزعفران.

القهوة التي فيها الزعفران هذه يستعملها بعض الناس، يجعل في القهوة -قهوة الْمُرّ- يجعل فيها زعفرانًا، هل يجوز للمُحْرِم أن يشربها؟ نقول: إن بقيت الرائحة فلا يشربها؛ لأن هذا استعمال للطِّيب، وإن لم تَبْقَ وإنما هي مجرد لون فلا بأس؛ لأنه ليس فيها طِيب.

وقوله رحمه الله: (فَدَى) نقول فيها مثل ما قلنا في لباس المخيط، ما الذي قلناه؟ إنه لا دليل على ذلك، وأما التعليل بأنه من باب الترفه فسبق أنه لا يصح، ولَّا لا شك أن الترفه بالطيب واضح جدًّا، وعلى هذا فنقول: هو حرام ومعصية ومُنَقِّص للنسك، أما إيجاب الفدية فلا، لكن إذا أردنا أن نفتي بقول هؤلاء العلماء رحمهم الله من باب أيش؟

طالب: التربية.

الشيخ: الردع والتربية فإن ذلك سائغ إن شاء الله عز وجل، ولنا في ذلك أسوة من بعض الوجوه في سياسة عمر رضي الله عنه، فإنه قد يُلْزِم الناس بما ليس بلازم لهم من أجل استقامتهم، كما ألزمهم بوقوع الطلاق الثلاث لما تتايعوا فيه وتهاووا عليه ألزمهم به، ومنع الإنسان من أن يراجِع زوجته إذا طلَّقها ثلاثًا، وكما منع من بيع أمهات الأولاد، مع أن بيعها في الأصل جائز، لكن تهاون الناس وصاروا يفرِّقون بين الأم وولدها فمنعهم، وكما زاد في عقوبة شارب الخمر من أربعين إلى؟

طلبة: ثمانين.

ص: 336

الشيخ: ثمانين ليردع الناس، فالمهم أن مَن أفتى بقول العلماء رحمهم الله من باب التأديب وألَّا يتهاون الناس فأرجو ألَّا يكون عليه بأس، ولكن إلزام وندين اللهَ به ونقول: هذا ديننا، هذا فيه نظر، فيُفَرَّق بين هذا وهذا، ولذلك إذا قلت لشخص يستفتيك من الناس، سواء في الحج أو غيره: عليك أن تتوب وتستغفر الله، قال: بس؟ سهل، مع أن هذا من أصعب ما يكون، مَن لي برجل تكون توبته توبة نصوحًا، ومَن لي برجل تُقْبَل توبته، المسألة ما هي هينة، لكن هو يقول: أتوب ولا أخسر ريالًا واحدًا، لكن لو قلت: عليك فدية؟

طلبة: امتنع.

الشيخ: امتنع، فإذا ساس الناسَ بهذا فأرجو ألَّا يكون عليه بأس، ويقول لربه عز وجل إذا قابله يقول: يا ربي إنما أردت الإصلاح، إصلاح خلقك، ولي في ذلك أسوة وهو؟

طلبة: عمر بن الخطاب.

الشيخ: أحد الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنْ يَكُنْ فِيكُمْ مُحَدَّثُونَ فَعُمَرُ» (5).

ثم قال رحمه الله: (وإن قتل صيدًا مأكولًا بَرِّيًّا أصلًا) ويش بعده؟ (ولو تَوَلَّد)؟

طالب: نعم.

الشيخ: (ولو تَوَلَّد منه ومن غيره أو تلف في يده فعليه جزاؤه)، هذا قتل الصيد للمُحْرِم، قتل الصيد للمُحْرِم حرام بنص القرآن؛ لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، وانظر إلى قوله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: 95] فجعل إتلاف الصيد قتلًا ولو كان قد صِيدَ على وجه شرعي؛ لأنه ميتة، فلو أن إنسانًا أمسك بغزال وذبحها وأنهر الدم، فماذا نقول، هل نقول ذبحها؟ ماذا نقول؟

طلبة: قتلها.

ص: 337

الشيخ: قتلها؛ لأن هذا الذبح لا يُحِلُّها فليس ذكاة، بل هو قتل، وهذا من آيات القرآن الكريم، التعبير {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} ، مع أنه قد يصيده على وجه مباح لولا الإحرام، لكنه يكون حرامًا كالميتة تمامًا، فما هو الصيد؟ أشار المؤلف رحمه الله إليه، قال:(مأكولًا) فخرج به؟

طالب: ما ليس بمأكول.

الشيخ: غير المأكول، فليس حرامًا على الْمُحْرِم أن يقتله من أجل الإحرام، والأمثلة على هذا كثيرة، الذئب مثلًا؟ غير مأكول، الأسد؟ غير مأكول، العقاب من الطيور؟ غير مأكول، البازي غير مأكول، هذا لا يحرُم، لكن إما أن يباح قتله أو يحرم هذا شيء يؤخذ من أدلة أخرى.

الثاني: (بَرِّيًّا) احتراز من؟

طالب: البحري.

الشيخ: البحري، فما هو الفرق بين البري والبحري؟ ما يعيش في الماء فهو بحري، وما لا يعيش فيه فهو بري، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]، فأتى الله عز وجل منطوقًا بالحِلّ والتحريم، {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} ، صيد البحر ما أُمْسِك حَيًّا، وطعامه ما وُجِدَ ميتًا قد لفظه البحر، {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} ، والفرق بينهما كما قلت: ما يعيش في الماء فهو؟

طلبة: بحري.

الشيخ: بحري، وما لا؟

طلبة: بري.

الشيخ: فهو بري.

يقول: (بَرِّيًّا أصلًا) لو قال المؤلف: متوحشًا أصلًا، ولعله مراده، يعني أن أصله أنه وحشي احترازًا من غير الوحشي، كالدجاج –مثلًا-، مثال ذلك: الحمام صيد حلال بري، متوحش ولَّا مستوطن؟

طلبة: مستوطن.

الشيخ: أصله متوحِّش فيكون حرامًا، وأما إذا كان أصله أنه مستوطن، يعني بمعنى أنه مستأنس لا يهرب من الناس، ثم طرأ عليه التوحش فهو أيش؟

طالب: ليس مستأنس.

ص: 338

الشيخ: حلال، حلال على الْمُحْرِم، لو فُرِضَ أن دجاجة توحَّشت، وصارت لا تستقر، وتطير كما يطير الحمام، فهي حرام على الْمُحْرِم؛ لأنها أصبحت صيدًا.

طلبة: لا.

طلبة آخرون: لا يا شيخ حلال.

الشيخ: حلال؟ لماذا؟

طلبة: لأن أصلها مستأنس.

الشيخ: لأن أصلها؟

طلبة: مستأنس.

الشيخ: مستأنسة، ولو أن حمامة استأنست وصارت لا تهرب من الناس فهي حرام، بناء على أيش؟

طلبة: الأصل.

الشيخ: بناء على الأصل، إذن لا بد أن يكون مستوحشًا أصلًا، الحمار الوحشي حرام ولَّا غير حرام؟

طلبة: حرام.

الشيخ: والحمار الأهلي؟

طلبة: حرام.

طالب: ليس مأكولًا.

الشيخ: حرام من أجل الإحرام؟

طلبة: لا.

الشيخ: حرام الأكل، فيكون خرج بقيد (مأكولًا)؛ لأنه غير مأكول.

الصيد إذن حرام على الْمُحْرِم، ودليله من القرآن الآية، والحكمة في ذلك أنه لو أُبِيحَ للمُحْرِم أن يصيد لانشغل بالصيد عن الإحرام؛ لأن أشد ما يجذب القلوب هو؟

طالب: الصيد.

الشيخ: الصيد، ولذلك تجد الصائد المولَع بالصيد إذا رأى الصيد ما كأن وراءه شيء ولا كأن قدامه شيء، ربما يتسوَّر الجدار وهو لا يدري، وربما يقع في الحفر وهو لا يدري، كالمجانين تمامًا بعضهم، وهذا سمعناه من بعض الناس، فلما كان فيه هذه الْمَلْهَاة العظيمة صار من الحكمة أن يُمْنَع منه أيش؟ الحاج أو المعتمر.

يقول رحمه الله: (ولو تَوَلَّد منه ومن غيره)، يعني: لو تَوَلَّد هذا الصيد من صيد وغيره، لو أراد الله عز وجل أنّ ذَكَرَ الغزلان نزا على أنثى المعز، فأتت بولد، تَوَلَّد هذا من أين؟

طالب: من وحشي وإنسي.

الشيخ: من وحشي وإنسي، هل نقول: إن هذا الولد يحرُم على الْمُحْرِم صيده أو لا يحرُم؟ إن نظرنا إلى أمه قلنا؟

طلبة: لا يحرم.

الشيخ: لا يحرم، وإن نظرنا إلى أبيه؟

طلبة: يحرُم.

ص: 339

الشيخ: قلنا: يحرُم، فإذن اجتمع سببان أحدهما موجِب للتحريم والثاني موجِب للحِل، ولا يمكن اجتناب الحرام إلا باجتناب الحلال، فاجتناب الحرام أصلًا، واجتناب الحلال؛ لأنه لا يمكن اجتناب الحرام إلا باجتناب الحلال، ولهذا قال العلماء في هذا الضابط: إذا اجتمع مُبِيح وحاظر قُدِّم جانب؟

طلبة: الحظر.

الشيخ: الحظر.

(أو تلف في يده) كإنسان أمسك صيدًا وهو مُحْرِم، فتلف في يده وهو لا يريد أن يذبحه –مثلًا-، لكن انقهر الصيد ومات، مات كمدًا؛ لأن بعض الصيود ما يريد أن يُصَاد أبدًا، فمات، يقول المؤلف:(فعليه جزاؤه).

بل لو فُرِضَ أن الطائر لم يمت من صيده، بل استأنس ثم مرض وتلف فعليه جزاؤه؛ لأنه صاده في حال يحرم عليه صيده، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُنَفَّر صيد مكة مع أن الإنسان لم يقتله، فهذا من باب أولى أن يهان ويُصَاد.

(عليه جزاؤه) ويأتي إن شاء الله الجزاء.

وقوله رحمه الله: (تلف في يده) يشمل ما إذا أمسكه في حال الإحرام، أو كان عنده من قبل وأبقاه في يده، ولهذا قالوا رحمهم الله: إن الْمُحْرِم إذا أَحْرَم وعنده صيد فإنه وجب عليه رفع يده المشاهِدة، ومعنى ذلك أنه يطلقه، فإن أبقاه فتلف ضمنه.

مثال ذلك: رجل صاد غزالًا قبل أن يُحْرِم، وأحرم، ماذا نقول له؟ نقول: أطلق الغزال، قال: يا جماعة أنا مسكته قبل أن أُحْرِم، نقول: نعم، لكن لا يجوز أن تكون يدك المشاهِدة على الغزال، أما لو صاده من قبل أن يُحْرِم ثم أودعه شخصًا آخر مُحِلًّا، ثم أحرم، فهل يجب على الْمُودِع أن يطلقه؟ لا؛ لأن يده المشاهِدة لم تكن عليه، لو فُرِض أنه بقي الصيد في يده المشاهِدة ثم أطلقه بناء على أنه إذا أحرم يلزمه أن يطلق الصيد، وأمسكه آخر، فهل يملكه الآخر أو لا؟ لا يملكه؛ لأن ملكه لا يزول عنه، وإنما الواجب أن يزيل المباشرة، يعني أن يزيل يده المشاهِدة عنه، أما يده الْحُكْمِيَّة فإنها لا تزول.

ص: 340

طالب: عفا الله عنك، الحمام اللي يُرَبَّى في البيوت الآن هل يعتبر من المتوحشة ولَّا يعتبر من المستأنسة؟

الشيخ: الأصل فيها التوحش، فيعاد للأصل.

طالب: أحسن الله إليك، إذا قال قائل: إذا شُرِبَ ما فيه طيب لم يتطيب أصلًا؟

الشيخ: أيش؟

الطالب: إذا قال قائل: إذا شُرِبَ ما فيه طيب مثل القهوة التي فيها الزعفران لم يتطيَّب أصلًا؟

الشيخ: الرائحة موجودة؟

الطالب: هي تُشْرَب.

الشيخ: السؤال هي الرائحة موجودة ولَّا لا؟

الطالب: موجودة.

الشيخ: لو شم أحد شفتيه بعد شربه يشم الرائحة؟ أجب.

الطالب: ربما.

الشيخ: ما ربما، يقينا جزاك الله خيرًا، فهذا وإن كان لم يقصد التطيب إنما قصد الشرب لكن عَلَق الطيب به باختياره.

طالب: أحسن الله إليك، بعض الناس ما ينبت شعر رأسه؟

الشيخ: بعض الناس؟

الطالب: شعر رأسه قليل.

الشيخ: إي نعم.

الطالب: ما ينبت إلا شعيرات.

الشيخ: نعم.

الطالب: فهل يزيلون شعرهم؟

الشيخ: متى يزيلونه؟

الطالب: عند الإحرام تُشَوّه صورتهم؟

الشيخ: يعني لو قلت: فهل يغطون رؤوسهم؟ لأن تغطية الرأس أهون من حلق الشعر في حال الإحرام، أو قصدك يحلقونها قبل الدخول في الإحرام؟

الطالب: أزالوها، (

) كل الرأس؟

الشيخ: هو قبل الإحرام ما فيه تحريم، قبل أن يُحْرِم يجوز أن يحلق رأسه.

الطالب: بعد الإحرام.

الشيخ: لا ما يجوز، وليس فيه تشويه يا أخي، هذا نشوف الناس الصلعان ولا يختالون ولا يُعَيَّرُون.

طالب: شيخ، لو قَبَّل الحجر الأسود أو جدران الكعبة أو المباخِر التي في الطواف؟

الشيخ: قولك: أو جدران الكعبة غير وارد؛ لأن جدران الكعبة ما يتقبل.

الطالب: أعني لمسها مثلًا؟

الشيخ: إذا لمسها فالواجب عليه فورًا أن يمسح يده بكسوة الكعبة حتى تزول الرائحة، يجب أن يتخلى، وأما شم الطيب الذي يكون أحيانًا يكون الناس معهم مباخر في المطاف فهذا لا يضر؛ لأنه ما قصده.

ص: 341

طالب: شيخ أحسن الله إليك، الدهن الخالي من الطيب مثلًا يمسح به جسمه أو يعني يسوي (

) أو كذا؟

الشيخ: لا بأس به، الدهن الذي ليس فيه طيب لا بأس به.

طالب: أحسن الله إليك، إذا شم الْمُحْرِم الطيب (

).

الشيخ: ما يبدو أبدًا ما هو تطيب، هذا ليس تطيبًا، فإيجاب الفدية عليه أو تحريم ذلك فيه نظر، لكن نقول: ما دمت في عافية فالعافية أسلم.

طالب: أحسن الله إليك، حمام الْحَرَم العلماء يُوجِبُون فيه الشاة أو غيرها، هل يقاس عليه كل الحمامات ولَّا غيرها؟

الشيخ: بيجينا إن شاء الله في جزاء الصيد، {جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95].

طالب: أحسن الله إليكم، كثير من الناس بعد السعي في العمرة يأخذون قليلًا من شعر الرأس، فهل يجوز أن يُنْكَر عليهم؟

الشيخ: هي مسألة خلافية، بعض العلماء يقول: المقصود بالحلق أو التقصير أنه استباحة المحظور، وهذا يحصل بثلاث شعرات، وهذا قياس كلام الفقهاء عندنا، من أنه إذا قصَّ ثلاث شعرات فدى.

لكن القول الراجح أنه لا بد أن يقصِّر تقصيرًا يظهر على شعره، وأما أَخْذ ثلاث شعرات أو خمس شعرات أو عشر ما يعتبر تقصيرًا، لا بد أن يبين أثره.

طالب: انتهي الوقت.

الشيخ: انتهى الوقت؟

طالب: الاستدلال بحديث: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» (6) على جواز مسك الحيوان؟

الشيخ: في أي حَرَم؟

الطالب: حَرَم المدينة.

الشيخ: حرم المدينة أَخَفّ من حرم مكة، ولهذا ليس في صيده جزاء، ويباح من شجره ما يحتاج الناس إليه في السواني وشبهها فهو أخف.

طالب: (

).

الشيخ: لا، ما هو بصحيح.

***

طالب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 342

قال المصنف رحمه الله تعالى في كتاب المناسك في باب محظورات الإحرام: ولا يحرُم حيوان إنسي، ولا صيد البحر، ولا قتلُ مُحَرَّم الأكل ولا الصائل، ويحرُم عقد نكاح ولا يصح ولا فدية، وتصح الرجعة، وإن جامع المحرِم قبل التحلل الأول فسد نسكهما، ويمضيان فيه ويقضيانه ثاني عام، وتحرم المباشرة، فإن فعل فأنزل لم يفسد حجه، وعليه بدنة، لكن يُحْرِم من الحِلّ لطواف الفرض، وإحرام المرأة كالرجل إلا في اللباس، وتجتنب البرقع والقفازين وتغطية وجهِها، ويباح لها التحلي.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من محظورات الإحرام تغطية الرأس، فما هو الدليل؟

طالب: قوله عليه الصلاة والسلام في الذي وَقَصَتْه ناقته.

الشيخ: قوله في الذي وَقَصَتْه راحلته؟

الطالب: «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» .

الشيخ: «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» (2).

الطالب: ولأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن لبس العمامة والبرانس (7).

الشيخ: نعم، هل من ذلك أن يضع فوق رأسه مظلة؟

طالب: لا، ليس من ذلك.

الشيخ: ليس من ذلك، لماذا؟

الطالب: لأنه ليس مُلاصِقًا للرأس.

الشيخ: إي، فلا يكون تغطية، بل هو؟

الطالب: بل هو تظليل.

الشيخ: تظليل، هل ورد من السنة ما يدل على جواز ذلك؟

طالب: تظليل أسامة له يا شيخ بالثوب للرسول صلى الله عليه وسلم (8).

الشيخ: إي نعم، فهو دليل على جواز؟

الطالب: الشمسية ونحوها.

الشيخ: الشمسية ونحوها، ذكرنا أن هذا ينقسم؟

طالب: إلى قسمين: متصل ومنفصل؛ فأما المنفصل فجائز إجماعًا.

الشيخ: مثل المنفصل؟

الطالب: مثل أن يكون هناك شجرة فيضع عليها ثوبه.

الشيخ: كأن يضع ثوبًا على شجرة ويستظل بها، والخيمة، والمتصل؟

طالب: مثل السيارة.

الشيخ: والشمسية، هذا فيه خلاف، بعضهم يقول: إنه حرام، وبعضهم يقول: ليس حرامًا، بقي قسم ثالث؟

طالب: مُحَرَّم، الملاصِق.

ص: 343

الشيخ: إي، الملاصِق هذا حرام؛ لأنه ستر، تخمير للرأس.

رجل وجد أرنبًا تباع وهو مُحْرِم هل يجوز أن يشتريها؟

طالب: ما يجوز يا شيخ.

الشيخ: ما يجوز، ليش؟

الطالب: لأن الأرنب مأكول بري أصلًا، متوحش أصلًا.

الشيخ: لأنه من الصيد المحرَّم على الْمُحْرِم.

طالب: لم يَصِد لأجله هذا الأرنب.

الشيخ: أتقول: حلال ولا حرام؟

الطالب: يجوز، حلال يا شيخ (

) يا شيخ.

الشيخ: خطأ.

طالب: حلال يا شيخ.

الشيخ: حلال، إذن توافق الأخ.

الطالب: هو حلال يا شيخ لأنه ما صاده.

الشيخ: إي، لكن يبغي يشتريه؟

الطالب: حتى يأكل.

طالب آخر: يجوز أن يشتريه، لكن يزيل يده المشاهِدة.

الشيخ: لا ما يجوز، لا يمكن أن يدخل الصيد ملك المحرِم أبدًا، لو أنه صاد حمامة رابية عند قوم؟

طالب: صاد حمامة لا يصح.

الشيخ: رابية عند قوم، عندهم في البيت في الحجرة؟

الطالب: الأصل أصله وحشي.

الشيخ: أصلها وحشي، دجاجة فرَّت من أهلها وصارت تطير كأنها حمامة؟

الطالب: يجوز له هذا.

الشيخ: يجوز؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: ليش؟

الطالب: أصله مستأنس.

الشيخ: أحسنت، تمام، إذن العبرة بأيش؟

طلبة: بالأصل.

الشيخ: بالأصل، صاد الْمُحْرِم ضبًّا؟

طالب: لا يجوز له هذا.

الشيخ: ليش؟

الطالب: لأنه صيد.

الشيخ: صيد، مستأنس ولا متوحش؟

الطالب: الضب متوحش.

الشيخ: تمام، صحيح، نأخذ الدرس الجديد.

***

يقول رحمه الله: (ولا يحرم حيوان إنسي) يعني: من الحيوانات المستأنسة عادة، فإذا كان أصله إنسيًّا، أيش؟ الحيوان الإنسي لا يحرُم، حتى لو توحش فيما بعد فإنه لا يحرُم، لكن لو توحَّش الحيوان الإنسي فهل يصاد كما يصاد المتوحِّش أصلًا، بمعنى: هل نصيده بالسهم؟

ص: 344

الجواب: نعم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ لِهَذِهِ -يعني: البهائم- أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» (9)، أحيانًا الضأن يهرب ما نستطيع أن نمسكه، فلنا في هذه الحال أن نرميه ويحل في غير الإحرام.

ولا صيدُ البحر) يعني: لا يحرُم صيد البحر، وهل يمكن أن يصيد الْمُحْرِم صيدَ بحر؟

طالب: نعم.

الشيخ: كيف؟

طالب: في السفر.

الشيخ: (نقول: يمكن، إذا أحرم في البحر حين حاذَى يَلَمْلَم أو حاذى الْجُحْفَة فإنه يمكن أن يصيد السمك، ولا حرج عليه؛ لقول الله تبارك وتعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} ، لو كان البحري داخل حدود الْحَرَم، داخل حدود حرم مكة، يعني مثل أن يكون هناك بحيرة في أحد البساتين في مكة وفيها سمك هل يحرُم أو لا يحرُم؟

طلبة: لا يحرُم.

الشيخ: نعم الصحيح أنه لا يحرُم، وإن كان الفقهاء رحمهم الله قالوا: إنه حرام، لكن الصحيح أنه حلال؛ لأن المحرَّم صيد البر.

(ولا قتل مُحَرَّم الأكل)؛ لأنه ليس بصيد، مثل: السبع، الذئب، الكلب، الصقر، البازي، وما أشبه ذلك، هذا لا يحرُم.

(ولا الصائل) يعني: ولا يحرُم قتل الصائل، يعني: لو صال على الإنسان ضبع، والضبع صيدٌ يحرُم على المحرِم أن يصيده، فصال عليه فله أن يقتله، لكن هل يجب أن يدافِع بالأسهل فالأسهل أو لا؟ نقول: نعم، يجب أن يدافِع بالأسهل فالأسهل، فإذا لم يندفع إلا بالقتل قتله، وإذا خاف أن يهجم عليه هجمة واحدة ويقتله قتله، وإذا قتله فإنه لا يحل أكله؛ لأنه إنما قتله دفاعًا عن نفسه، لا استباحةً له؛ إذ إنه حرام.

ص: 345

فإذا قال قائل: ما الدليل على قتل الصائل؟ نقول: الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الرجل يطالب الإنسان بماله، قال:«لَا تُعْطِهِ» ، قال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلني؟ قال:«قَاتِلْهُ» ، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ» ، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ» (10)، فأباح قتل الصائل من الآدمي، وحرمة الآدمي عند الله أعظم من حرمة الصيد على الْمُحْرِم.

وعلى هذا فنقول: إن قتل الصائل ليس بحرام، لكن كما قلنا: يدافع بأيش؟ بالأسهل فالأسهل، انتهى الكلام على الصيد.

قال: (ويحرُم عقد نكاح ولا يصحّ) هذا المحظور؟

طلبة: السابع.

الشيخ: السابع، قال:(ويحرُم عقد نكاح) يحرُم على مَن؟ على الْمُحْرِم، سواء كان الزوج أو الزوجة أو الولي، يحرُم عقد النكاح.

دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» (11)، فهو حرام أن يتزوج أو يُزَوِّج غيره.

والدليل ما سمعتم من نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك.

قال: (ولا يصح)، يعني: لا يصح العقد، ذلك لأنه عقدٌ منهي عنه لذاته فيكون باطلًا، وكل شيء يوصَف بالصحة والفساد إذا فُعِلَ في حال يُنْهَى عنها فهو باطل، هذه القاعدة، كل شيء يلحقه صحة وفساد إذا فُعِلَ في حال يحرُم فيها كان باطلًا.

وقولنا: (يوصف بالصحة والفساد) احترازًا من الظِّهار –مثلًا-، الظهار محرَّم، ومع ذلك إذا عقده ثبت حكمه، الزنا محرَّم، فإذا زنا ثبت حكمه وهو الجلد أو الرجم، لكن إذا كان الشيء ينقسم إلى صحيح وفاسد ففُعِلَ في الحال التي يُنْهَى عنه فيها صار باطلًا.

وجه ذلك بل دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (12) والمنهي عنه؟ أتموا.

طالب: ليس عليه أمر الله.

ص: 346

الشيخ: ليس عليه أمر الله رسوله، بل عليه نَهْيُ الله ورسوله، فلا يمكن أن نصححه، ولأننا لو صَحَّحْناه لكان في ذلك مضادّة لشريعة الله؛ لأن المقصود بالنهي ألَّا يوجد هذا الشيء، فإذا صَحَّحْناه أيش؟

طالب: (

).

الشيخ: أوجدناه، ولا يمكن، فصار النص والتعليل الصحيح كلاهما يدل على أن النكاح في حال الإحرام لا يصح، وهل المراد في حال الإحرام الكامل أو حتى الناقص؟ بمعنى: هل يصح عقد النكاح بعد التحلُّل الأول أو لا؟

في هذا قولان للعلماء؛ فمنهم من قال: إنه لا يحرُم؛ لأن المتحلِّل التحلُّلَ الأول لا يوصف بأنه محرِم، بدليل أنه يحِلّ له كل شيء إلا النساء، ومِن العلماء من قال: إنه يحرم عقد النكاح بعد التحلُّل الأول، وهذا يقع كثيرًا، تجد الإنسان –مثلًا- في الحج تزوَّج بعد أن رمى وحلق، قبل أن يطوف طواف الإفاضة، هنا العقد كان بعد التحلل الأول، فإذا قلنا: إنه لا يصح العقد، صار النكاح فاسدًا، وإن قلنا: يصح، صار النكاح صحيحًا، ثم هل يحرُم أو لا يحرُم يأتينا إن شاء الله فيما بعد.

قال: (ولا يصح ولا فدية) أصاب المؤلف رحمه الله في قوله: (ولا فدية)؛ لأن إيجاب الفدية يحتاج إلى دليل، وليتنا سحبنا هذا على كل المحظورات وقلنا: كل محظور لم يَرِد فيه فدية فهو حرام بلا فدية، المؤلف يقول:(لا فدية)، لماذا؟ لأنه لم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن في عقد النكاح فدية، والأصل براءة الذمة، فلا نشغل ذمم الناس ولا نلزمهم بأمر لم يثبت في الشريعة.

إذن العقد حرام، والنكاح؟ غير صحيح، والفدية؟ لا فدية؛ لعدم وجود الدليل عليها.

ص: 347

قال: (وتصح الرجعة)، عقد النكاح لا يصح، والرجعة؟ تصح؛ لأن الرجعة ليست ابتداءَ نكاحٍ، بل هي إبقاءُ نكاحٍ، وقد سمَّى الله تعالى المطلَّقة الرجعية سماها؟ زوجة، قال:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228]، وحينئذ نقول: الرجعة استبقاء نكاح وليست ابتداء نكاح، فلذلك تصح، ويقولون من القواعد أو الضوابط: الاستدامة أقوى من الابتداء، أرأيتم الطِّيب للمُحْرِم، يجوز؟

طلبة: لا.

الشيخ: لا يجوز، لكن لو أحرم بعد أن تطيَّب وبقي أثر الطيب؟

طالب: جائز.

الشيخ: فهو جائز؛ لأن الثاني استدامة وليس ابتداءً، كيف تصح الرجعة؟ لو أن رجلًا كان طلَّق زوجته وحج وهي في العدة، وأشهد اثنين، قال: أشهدكما إني راجعت زوجتي، فالمراجعة صحيحة، وترجع الزوجة إلى حبال الزوج، التعليل؟ لأن هذا ليس عقد نكاح، ولكنه استبقاء نكاح، التعليل الآخر: الاستدامة ..

طلبة: أقوى من الابتداء.

الشيخ: أقوى من الابتداء، فتَرِد على الإحرام ولا يرد عليه الابتداء.

(وإن جامع قبل التحلل الأول)، هذا؟

طالب: الثامن.

الشيخ: الثامن، (إن جامع قبل التحلل الأول) إلى آخره، (إن جامع) يريد بذلك المجامعة في الحج، بدليل الحكم الذي أوجبه في هذا الجماع، قال:(وإن جامع قبل التحلُّل الأول فسد نسكهما، ويمضيان فيه ويقضيانه ثاني عام).

قوله: (يقضيانه ثانِيَ عام) يدل على أنه حج؛ لأن العمرة إذا فسدت تقضى فورًا بدون انتظار.

(إن جامع)، المراد بالجماع أن يُولِجَ الْحَشَفَة أو قدرها في فرج أصلي قُبُل أو دُبُر، انتبه، أن يُولِجَ الْحَشَفَة أو قدرها في فرج أصلي قُبُل أو دُبُر، وعلى هذا فلو جامع الرجل زوجته دخل في هذا الحكم، لو زنى -والعياذ بالله- دخل في هذا الحكم، لو تَلَوَّط دخل في هذا الحكم، لو جامع خنثى؟

طالب: لم يدخل.

ص: 348

الشيخ: لم يدخل؛ لأن الخنثى لا يُعْلَم أذكر هو أم أنثى؟ فإن كان ذكرًا فهذا الفتحة فيه ليست بشيء، وإن كان أنثى أيش؟ فهو فَرْج، لكن لا نعلم حتى الآن أنه أنثى، ونحن نقيِّد: في فرج أصلي.

هل يدخل في ذلك ما لو جامع بهيمة؟ ظاهر كلام المؤلف أنه يدخل؛ لأنه أطلق، والصحيح أنه لا يدخل، وأن وطء البهيمة لا يترتب عليه إلا التعزير بما يراه الإمام.

قوله: (قبل التحلل الأول)، أفادنا المؤلف أن هناك تَحَلُّلَيْن: تحلُّلًا أول وتحلُّلًا ثانيًا، التحلل الأول يحصل بالرمي والحلق أو التقصير، والمراد رمي جمرة العقبة يوم العيد بعد الوقوف بمزدلفة وعرفة، يعني لا بد أن يكون قبل الوقوف بعرفة ومزدلفة، فلو قُدِّرَ أن رجلًا جاء متأخرًا ورمى جمرة العقبة، ثم ذهب إلى مزدلفة ومكث فيها ما شاء الله، ثم ذهب إلى عرفة قبل طلوع الفجر يوم العيد، فهل ينفع هذا أو لا ينفع؟ لا ينفع، ولا يكون متحلِّلًا؛ لأن هذه مرتبة: عرفات، ثم مزدلفة، ثم الرمي، قال الله تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] إذا أفضتم، فوقوفه في مزدلفة غير صحيح، ورميه قبل مزدلفة وعرفة غير صحيح أيضًا؛ لقوله:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} [البقرة: 199].

إذن التحلل الأول يحصل بشيئين، هما؟

طلبة: رمي ..

الشيخ: رمي جمرة العقبة يوم العيد، والثاني؟ الحلق أو التقصير، ولا علاقة للنحر في التحلُّل إطلاقًا، يعني أن التحلُّل لا يتوقف على النحر، إنما هو يتوقف على الرمي والحلق، واختلف العلماء رحمهم الله هل يحصل بالرمي وحده، أو لا بد من ضم الحلق أو التقصير إليه؟ والصحيح الثاني؛ أنه لا يحل التحلل الأول إلا إذا رمى وحلق أو قصر، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

ص: 349

يقول: (فسد نسكهما) نسك مَن؟ الزوج والزوجة، أو إن شئت فقل: الواطئ والموطوء، يفسد؛ لأن هذا هو الوارد عن الصحابة، ولا شيء من محظورات الإحرام يُفْسِده إلا الجماع قبل التحلُّل الأول، عكس بقية العبادات، العبادات كل محظور في عبادة إذا وقع فيها أفسدها، إلا الحج والعمرة فجميع المحظورات لا تفسدها، خلافًا للظاهرية الذين يقولون: إن جميع المحظورات تفسد الحج والعمرة كمبطلات بقية العبادات، وهذا نوع من القياس الذي كانوا؟

طالب: ينكرونه.

الشيخ: ينكرونه، وهو قياس فاسد؛ لأنه في مقابلة النص، والنص هو أن الله تعالى أباح للمُحْرِم الذي فيه أذى من رأسه أن يحلق رأسه بدون أن يُفْسِد نسكه، ولو كانت المحظورات مُفْسِدة لأفسدت ولو حَلَّت للضرورة، كما نقول في الصائم الذي يضطر إلى الأكل والشرب: إذا أكل أو شرب فسد صومه أو لا؟ فسد صومه، مع أنه مباح له الأكل، فلو كانت محظورات الحج تفسده لفسد النسك بحلق الرأس، إذن نقول: فسد نسكه أو بطل؟

طلبة: فسد.

الشيخ: نقول: فسد، ولا نقول: بطل؛ لأننا إذا قلنا: بطل، يعني: الخروج منه، وإذا قلنا: فسد، يعني: الْمُضِيّ فيه ولو كان فاسدًا، إذن ما الذي يُبْطِل الحج؟ لا يبطله إلا شيء واحد، وهو الرِّدّة -والعياذ بالله-، لو أن الحاج استهزأ بالله عز وجل، أو بالرسول، أو بالقرآن، أو بالإسلام، على طول يبطل حجه في الحال، حتى لو تاب ورجع ما ينفع؛ لأن الرِّدّة أيش؟ مُبْطِلَة للحج.

لو قال: الصلوات الخمس غير واجبة، رِدَّة أو غير رِدَّة؟ رِدَّة، يبطل حجه، ونقول: خلاص لا تكمّل، اذهب وعليك القضاء إن أسلمت؛ لأنه أفسده أو أبطله باختياره، أما إذا فسد فاستَمِر، وهو لا يفسد كما قلت لكم إلا أيش؟ إلا بالجماع قبل التحلُّل الأول.

يقول: (ويمضيان فيه)، (يمضيان) الفاعل يعود على؟

طالب: الواطئ والموطوء.

الشيخ: المجامِع والمجامَع.

ص: 350

(فيه) أي: في النسك، ودليل هذا ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم أمروا المجامِع أن يستمر، والمعنى يقتضيه؛ لأننا لو قلنا: إذا جامع انفصل وانفسخ النسك، لكان كل إنسان يريد أن يتخلص من نسكه أيش؟ يجامِع وينفصل.

فكان الدليل الأثري الوارد عن الصحابة، والدليل النظري كلاهما يوجِب أن يمضي في حجه.

قال: (ويقضيانه ثاني عام)، (يقضيانه) الفاعل؟

طالب: الواطئ والموطوء.

الشيخ: المجامِع والمجامَع، والضمير في قوله:(يقضيانه) -أعني الهاء- تعود على الحج، (يقضيانه ثانِيَ عام)، يعني: على الفور في العام الثاني، وظاهر كلام المؤلف أنهما يقضيانه، سواء كان الحج الذي أفسداه فرضًا أو تطوعًا.

أما إن كان فرضًا فالأمر واضح، وأما إن كان نفلًا فلأنهما أفسدَا ما يجب عليهما المضي فيه فلزمهما إعادته.

وقوله: (يقضيانه ثانِيَ عام) يُفْهَم منه أنه لا يجوز التأخير إلى العام الثالث، بل في العام الثاني فورًا، فإن عجزَا بقي في ذمتهما حتى يقدرَا على القضاء، فتبيَّن الآن أن الجماع قبل التحلُّل الأول يتعلق به أمور:

الأول: الإثم؛ لأنه ارتكب محظورًا.

الثاني: فساد النسك.

الثالث: وجوب المضي فيه.

الرابع: وجوب قضائه من العام المقبل.

الخامس: الفدية، وهي بدنة.

فيتعلَّق بالجماع في الحج قبل التحلُّل الأول كم؟

طلبة: خمسة.

الشيخ: خمسة أحكام: الإثم، والفساد، والمضي فيه، وقضاؤه من العام المقبل، والفدية وهي بدنة.

انتهى الثامن؟ انتهى.

قال: (وتحرُم المباشرة)، هذا هو التاسع، من محظورات الإحرام (تحرُم المباشرة) أي: مباشرة المرأة، مباشرة الرجل للمرأة، سواء باليد، أو بالرجل، أو بما هو أبلغ من هذا، المباشرة محرَّمة.

ص: 351

وجه الدلالة؟ قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، ولأنه إذا كان يحرُم عقد النكاح الذي يستباح به المباشرة فالمباشرة من باب أولى، إذا كان الشرع منع ما قد يفضي إلى المباشرة فالمباشرة من باب أولى، يعني: إذا حرُم العقد فمن باب أولى أن تحرُم المباشرة، ولكن لا بد أن تقيَّد المباشرة بأنها لشهوة، فإن باشر زوجته ليمسك بيدها عند الزحام فلا شيء عليه؛ لأنه لم يباشرها تلذُّذًا بذلك.

وإن باشرها من وراء حائل فهل يصح هذا التعبير: إن باشرها من وراء حائل؟

طلبة: لا يصح.

الشيخ: لا، ليش؟ لأنه لم يباشرها، لكن يحرُم عليه أن يمسك بيدها من وراء حائل لشهوة؛ لأن ذلك يخل بالنسك، وربما أدى إلى الإنزال.

قال: (فإن فعل فأَنْزَلَ لم يفسد حجه، وعليه بدنة)، إن فعل ولم يُنْزِل لم يفسد حجه من باب أولى، وإن فعل وأنزل لم يفسد حجه كما صرَّح به المؤلف، لكن عليه بدنة، يعني: فدية هي بدنة، وهنا نحتاج إلى دليل، يقولون: إن الدليل أنه -أي الإنزال- كالجماع في إيجاب الغُسْل، فيُلْحَق به في إيجاب الفدية.

ولكن هذا القول كما ترون ضعيف ومتناقض؛ لأننا نقول: كيف تقيسونه على مسألة الغسل، ثم تخرجونه من القياس في مسألة تتعلق بالإحرام نفسه، وهي فساد النسك؟ إذا قستموه على الجماع فقولوا: إنه يُفْسِد الحج، أما أن تقولوا: إن فيه بدنة، ثم تقولون: إنه لا يُفْسِد الحج، ثم تقيسونه على مسألة الغسل بالإنزال، فهذا لا شك أنه ضعيف جدًّا، ثم يقال: هل توجِبُون على مَن مَسّ امرأة أجنبية لشهوة وأنزل حدَّ الزنا؟

الجواب: لا، وكان مقتضى قياسكم إيجاب الفدية مساويةً لفدية الجماع أن توجِبُوا عليه الحد؛ لأن الحد نوع من العقوبة، والفدية نوع من العقوبة.

فالمهم أن هذا القول متناقض، وأن الرجل إذا بَاشَرَ زوجته دون جماع فأنزل فإن حجه لم يفسُد، كما قال المؤلف:(وليس عليه بدنة)، ماذا عليه؟

ص: 352

اعلموا قاعدة على كلام الفقهاء أن جميع المحظورات التي فيها فدية ولم يُنَصّ عليها ففديتها فدية أذى، فدية الأذى هي أن يُخَيَّر بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة، هذه القاعدة، كل المحظورات التي فيها فدية ولم يُنَصَّ على تعيين الفدية فهذه فديتها، ما عدا؟ الجماع، إذن عقد النكاح لا فدية فيه، جزاء الصيد؟

طلبة: مثله.

الشيخ: فيه الجزاء بمثله، ويختلف اختلافًا متباينًا، الجماع في الحج قبل التحلُّل الأول؟ فيه بدنة؛ لورود هذا عن الصحابة رضي الله عنهم.

الإنزال على القول الراجح يُلْحَق؟

طالب: بفدية الأذى.

الشيخ: بما فيه فدية أذى، كالجماع في العمرة فديته فدية أذى، فأنت أَخْرِج عنك من المحظورات الجماع في الحج قبل التحلُّل الأول، وأَخْرِج جزاء الصيد، وما بقي ففديته فدية أذى، وهذا ضابط يفيد طالب العلم؛ لأنه يحصر لك الواجب.

طالب: شيخ بارك الله فيك، لو اضطر إلى الصيد هل عليه جزاؤه؟

الشيخ: نعم، فيه خلاف، بعضهم يقول: إذا اضطر إلى الصيد وصاده فليس عليه جزاء؛ لأنه صاده في حال يَحِلّ له صيده، فلا يكون حرامًا، ومنهم مَن قال: إنه يلزمه جزاؤه؛ لأنه إنما أُبِيحَ له لمصلحة نفسه، فهو المستفيد، فيلزمه الجزاء، وهذا أقرب للصواب؛ لأن هذا لمعنى يعود إلى الصائد لا إلى الصيد، لكن لو وجد صيدًا ووجد ميتة، شاة ميتة وغزالًا حية تلعب بأذنيها ورقبتها، هل يقتلها ويأكل، أو يأكل من الشاة الميتة؟

طالب: يأكل وعليه جزاء الصيد.

طالب آخر: من الغزالة.

الشيخ: هاه، ماذا تقول؟

طالب: يقتل الغزال ويأكله.

الشيخ: أحسن ولَّا الميتة؟

الطالب: الغزال يا شيخ؛ لأن ذاك خبيث بنفسه، وهذا محظور، ولكن حِلّ له لضرورة نزلت عليه.

الشيخ: نعم، أصبت الصواب، لكن بعض العلماء يقول: يُقَدِّم الميتة؛ لأنه إذا قتل الصيد حَرَمَه الحياة ولزمه الجزاء، والميتة ميتة.

ص: 353

لكن الصواب المتعيِّن أنه يقدم الصيد؛ لأنه في هذه الحال مضطر، وكونه يأكل من لحم مُذَكًّى خير من كونه يأكل من لحم خبيث، وما كنت أظن أن يكون في ذلك خلاف، لكن الخلاف واقع بين أهل العلم.

طالب: بعضهم يقول: التحلل الأول يكون باثنين من ثلاثة؟

الشيخ: هذا ما عليه دليل، وسيأتي إن شاء الله الكلام عليه، الصواب إذا رمى وحلق أو قصر، أما اثنان من ثلاثة ففيه نظر، وسيأتي إن شاء الله.

الطالب: إذا قدَّم الطواف، ما الجواب عن حديث:«إِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» (13)؟

الشيخ: نعم، من أين ناحية؟

الطالب: من حيث التحلل، «فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» .

الشيخ: نعم، هذه قد يقال: إن مَن ساق الهدي لا يحل حتى ينحر؛ لقوله: «حَتَّى أَنْحَرَ» ، لكن ما رأيت أحدًا قال به.

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، بالنسبة لبعض الحجاج مع الزحام ومع بعض المشاكل يأتي بألفاظ تُخْرِجُه، يعني يرتد بها.

الشيخ: أيش؟

الطالب: ألفاظ يعني يُحْكَم عليه بالردة في هذه الألفاظ التي يُخْرِجُها بلسانه؟

الشيخ: مثل؟

الطالب: كمثل سب الدين أو شيء من هذا؟

الشيخ: إذا سَبَّ الدين كفر وبطل حجه.

الطالب: هل نقول له: بطل حجك؟

الشيخ: نعم، نقول: بطل حجك، وقَدِّم رقبتك للسيف.

الطالب: طب لو تاب في الحال؟

الشيخ: لو تاب في الحال يبطل حجه، إذا تاب في الحال نظرنا إذا كان وقت الوقوف باقيًا يُحْرِم من الآن ويقف بعرفة ويكمّل حجه، وإن كان قد فات وقت الوقوف خلاص ما فيه.

طالب: فعل المحظورات في العمرة؟

الشيخ: نعم؟

الطالب: فعل المحظورات في العمرة؟

الشيخ: فاعل؟

الطالب: فعل المحظورات؟

الشيخ: في العمرة؟ كالحج تمامًا، إلا في موضوع الجماع، فالجماع فيه بدنة في الحج، وفيه فدية أذى في العمرة.

الطالب: الدليل على العمرة؟

الشيخ: لأنه مُحْرِم «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ» (11)، ما قال: في الحج، وسُئِلَ: ما يلبس الْمُحْرِم؟ قال: لا يلبس كذا.

ص: 354

الطالب: الدليل على تسوية الجماع بسائر المحظورات في العمرة؟

الشيخ: أيش؟

الطالب: الدليل على تسوية الجماع بسائر المحظورات في العمرة، ما هو الدليل؟

الشيخ: العموم؛ عموم الأدلة.

طالب: أحسن الله إليك، لا يصح النكاح لو وقع في الإحرام، لكنه –مثلًا- يا شيخ إذا ركنوا، لكن العقد وقع بعد التحلُّل؟

الشيخ: يكون ارتكبوا النهي من جهة أخرى وهو الخطبة.

الطالب: لكن النكاح يصح؟

الشيخ: النكاح يصح إذا عقدوه بعد.

طالب: شيخ بارك الله فيكم، إذا الْمُحْرِم صاد صيدًا حال إحلاله قبل أن يُحْرِم، وأفسده بناء على القول الراجح -ما رَجَّحْنَاه في الدرس الماضي- هل له أن يَذْبَحَه حال إحرامه، ويباشر الذبح بنفسه حال إحرامه؟

الشيخ: إذا قلنا بأنه ممكن، يذبحه حتى حال إحرامه.

طالب: شيخ أحسن الله إليكم، إذا جعلوا الطفل حاجًّا مع والديه؟

الشيخ: أيش؟

الطالب: طفل صغير.

الشيخ: طفل؟

الطالب: إي.

الشيخ: صغير؟

الطالب: إي.

الشيخ: كم عمره؟

الطالب: ستة، خمسة، أربعة.

الشيخ: ستة أو خمسة، حَدِّد؟

الطالب: ما فوق خمس سنوات، ما فوق أربع سنوات، صغير.

الشيخ: صغير، يعني عمره خمس سنوات؟

الطالب: إي، ممكن خمس سنوات.

الشيخ: أيش صار؟

الطالب: وفعل إحرامًا، يعني: وجد جرادة مثلًا وكسر رقبتها؟

الشيخ: خلي بعد الأذان.

الطالب: شيخ أحسن الله إليكم، إذا الطفل حاجٌّ؟

الشيخ: أو معتمر.

الطالب: إي، التبس بإحرام، يعني وهو مُحْرِم ووجد طيرًا وقطع رقبته؟

الشيخ: أنت قلت: جرادة؟

الطالب: شاف جرادة أو صيدًا؟

الشيخ: جرادة.

الطالب: إي نعم جرادة.

الشيخ: وقطع رأسها، كيف تموت؟

الطالب: ماتت.

الشيخ: لا، ما تموت، تبقى مدة ما تموت.

الطالب: يا شيخ ماتت، ولو بعد حين.

الشيخ: ما يمكن يركّب رأسها يرجّعه.

الطالب: ما يقدر.

الشيخ: الصحيح أن الصبيان ليس عليهم جزاء في كل ما فعلوا؛ لأنه مرفوع عنهم القلم.

ص: 355

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، ما هي الحكمة أو الفائدة من قوله: اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، ما هي الحكمة والفائدة؟

الشيخ: الفائدة أنه إذا حصل مانع يتحلَّل من إحرامه ويذهب لأهله بدون هَدْي.

طالب: عفا الله عنك شيخ، من المعلوم من الإكراه أنه يسمع أن الإنسان ما يؤخَذ ما معه بالإكراه، لكن الزوجة لو أن زوجها أكرهها على الجماع وهي مُحْرِمَة يدخل في .. ؟

الشيخ: لا، ما عليها شيء.

طالب: شيخ، شخص صالَ عليه ظبي وهو حلال؟

الشيخ: هذه فيه إن قصد دفع الصائل لم يَحِل، وإن لم يقصد حَلّ، يعني قصد مع ذلك أن يصيده يكون حلالًا، «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . (14)

طالب: لو صاد صيدًا يا شيخ؟

الشيخ: أيش؟

الطالب: لو صاد صيدًا ولكنه لم يَمُت، جُرِح وبقي من بعيد، هل عليه جزاء؟

الشيخ: إن مات فعليه الجزاء.

الطالب: إن جُرِح؟

الشيخ: إي، لكن هذا الجرح هل هو جرح مُوحِي يعني مُهْلِك، أو في طرف جناح وطار ولا اهتم به؟

الطالب: إذا كان ما يشفى من جرحه؟

الشيخ: نعم، هذا عليه الأرش، تُقَدَّر قيمته سليمًا وقيمته مريضًا.

هذا اقتراح بيقول من مجموعة من الطلاب بيقول حتى ما فهمت معناه.

طالب: فما الفائدة يا شيخ (

) الشرح، إحنا نستفيد منها كل الأحكام اللي تمر علينا يمكن إن شاء الله ما تصير فائدة إلا إحنا نفهمها.

الشيخ: لا، إن شاء الله طيب، مسألة الآن أهم شيء الأحكام، يعني مسألة صفة الحج قد تكون معروفة لأكثركم، لكن الأحكام مهمة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى .. لكن المباشرة إذا أنزل قبل التحلُّل الأول فيها على كلام المؤلف بدنة، والصواب: لا، الصواب أنه إذا وجبت فيها الفدية فهي فدية أذى، وكلما سمعتم كلمة (فدية أذى) فهي ثلاثة أنواع: إما أن يصوم ثلاثة أيام، أو يُطْعِم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يذبح شاة.

ص: 356

يقول: (لكن يُحْرِم من الحل لطواف الفرض)، هذه الجملة في الحقيقة في هذا المكان سهو؛ لأن ظاهرها أنه إذا باشر فأنزل أَحْرَم من الحل لطواف الفرض، وهذا مفروض بأن يكون قبل التحلُّل، فلا حاجة إلى إحرام من الحل؛ لأنه لا زال مُحْرِمًا، لكن هذه الجملة ذكرها الأصحاب غير المؤلِّف فيما إذا جامَع بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني، قالوا: يجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل ويُحْرِم منه، يعني يلبس ثياب الإحرام ليطوف مُحْرِمًا، ذلك لأن إحرامه بطل بجماعه، وحتى هذه فيها نظر، فكلام المؤلف رحمه الله -والله أعلم- سهو، فوضعه في غير مكانه.

(وإحرام المرأة كالرجل إلا في اللباس) فعليها تَحْرُم عليها المحظورات التسعة كما يحرُم على الرجل، إلا في اللباس فإنها تلبس ما شاءت من الثياب، إلا أنها لا تتبرج بالزينة أمام الرجال، هل لها أن تلبس الحلي؟ نعم، بشرط أن تستره عن الرجال، وتلبس الْخُرْص في الأذن، والقلادة في العنق، والخاتم في اليد، والخلخال في الرِّجْل ولا حرج، ما لم يكن أمام الرجال.

(وتجتنب البرقع والقفازين)، البرقع، ولو قال: النقاب، لكان أحسن؛ لأن النقاب هو الذي جاء؟

طالب: في الحديث.

الشيخ: بلفظ الحديث «لَا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ» (15)، ولأنه إذا حرُم النقاب حرُم البرقع من باب أولى، لكن إذا حرُم البرقع قد يقول قائل: لا يحرُم النقاب؛ لأن البرقع غطاء معروف للوجه مزركش مُجَمَّل، فهو أدعى للفتنة من النقاب، وإذا كانت منهية عن النقاب فهي منهية عن البرقع.

ص: 357

والمهم أنها لا يحل لها أن تلبس النقاب ولا البرقع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهاها عن ذلك، وعُلِمَ من نهي الْمُحْرِمَة عن النقاب أن النقاب كان معروفًا في عهد الصحابة، وأن النساء ينتقبن، لكن هل ينتقبن بقدر الضرورة؟ بمعنى ألَّا تنتقب إلا بعين واحدة تسير بها على الطريق، أو يجوز لكل العينين؟ الذي ينبغي إذا كان يمكن أن تقتصر على واحدة فلتقتصر، وأما إذا كانت لا يمكن فلتنتقب في العينين، لكن مع ذلك بالنسبة لوقتنا الحاضر لا ينبغي الإفتاء بجوازه؛ لأن النساء إذا أفتيتهن بجوازه لم يقتصرن على الجائز، بل يتوسعن في ذلك، فمنعه مع ستر الوجه، ما هو معناه نمنعه ونقول: اكشفي الوجه، كما توهمه بعض الناس، بعض الناس الذين يدعون إلى كشف الوجه أخذوا من كلامنا أننا لا نفتي بجوازه، أخذوا أنه يحرُم النقاب ويجوز كشف الوجه كله، يستدلون بالمتشابه على الْمُحْكَم، فهو لا يجوز كشف الوجه.

على كل حال ما فيه إشكال، لكن حتى النقاب في الوقت الحاضر ينبغي المنع منه، والمنع من المباح خوفَ الوقوع في الْمُحَرَّم شيء أجازه الله عز وجل في القرآن، بل أجاز الامتناع من الواجب خوف الوقوع فيما هو أَنْكَر، فقال عز وجل:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].

وأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه منع الرجل من الرجوع إلى زوجته إذا طلَّقها ثلاثًا، مع أن له الحق، فمنعه من الحق لما تتايَع الناس في الطلاق الثلاث.

فالمهم أن السياسة الشرعية تقتضي في العصر الحاضر منع النقاب، وليس معنى ذلك أن نبيح كشف الوجه؛ لأنك إذا رخصت للمرأة أن تضع النقاب ماذا تعمل؟

طالب: (

).

ص: 358

الشيخ: أولًا: تُجَمِّل عينها، تخلي عينها من أجمل ما يكون بالكحل أو غيره، ثانيًا: توسِّع النقاب حتى يظهر الحاجب والوجنة، ثالثًا: يأتي عاد ما هو أطمّ وهو التلثُّم، تتلثَّم هكذا، تطلع الجبهة كلها وأعلى الخدين، وهذا شيء قريب جدًّا، بمعنى أنه يسهل على النساء أن يرتكبن هذا، فسدّ الباب هو المناسب.

كذلك أيضًا تجتنب الْمُحْرِمَةُ القفازين، وهما شراب اليدين؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك، فهل يقال: إن الرجل يُنْهَى عن ذلك؟ الظاهر: نعم، الظاهر أنه يُنْهَى عن ذلك، وإن كان لم تَجْرِ العادة أن الرجال يلبسون القفازين في ذلك العهد، عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن النساء يلبسن ذلك من أجل ستر الكف، والرجل ليس بحاجة إلى هذا، لكن الذي يبدو لي أنه إذا مُنِعَ من لباس الرِّجْل وهو أيش؟ الْخُفّ فهذا مثله، فيكون القفاز ممنوعًا بالنسبة للرجال والنساء.

وتجتنب أيضًا تغطية وجهها؛ لأن نساء الصحابة كنا يكشفن وجوههن، لكن يستثنى من ذلك ما إذا مَرّ الرجال غير المحارِم قريبًا منها فإنه يجب عليها أن تستر وجهها، ويباح لها التحلِّي لأنها الأصل الإباحة.

[باب الفدية]

ثم قال المؤلف رحمه الله: (باب الفدية)، الفدية: ما يفدي به الإنسان نفسه من عقاب الله.

وأسبابها: إما ترك واجب، وإما فعل مُحَرَّم، هذه أسباب الفدية، وأما ما كان سببه اجتماع النُّسُكَيْن في سفر واحد فهذا لا يسمى فدية، يسمى هَدْيًا، خلاف ما يقوله الناس اليوم، الناس يقولون عن هَدْي التمتع؟

طالب: فَدْي.

الشيخ: فَدْي، ما هو صحيح هذا، أنت لم تفعل مُحَرَّمًا حتى تفدي نفسك، لكنه هَدْي تشكر الله به على نعمته أن يَسَّرَ لك المتعة، إذن الفدية ما يجب بفعل محظور أيش؟

طالب: أو ترك واجب.

الشيخ: أو ترك واجب.

قال: (يُخَيَّر بفدية حلق وتقليم وتغطية رأس وطِيبٍ بَيْنَ)

طالب: (ولبس مخيط).

الشيخ: ما هي عندي (ولبس مخيط) وين؟

طالب: بعض النسخ ساقط.

ص: 359

الشيخ: (وتقليم وتغطية الرأس) ويش بعدها؟

طالب: (وتغطية رأس وطيب ولبس مخيط).

الشيخ: (يُخَيَّر بفدية حلق وتقليم)، حلق الرأس أو غيره من الشعر كما مَرَّ، وتقليم، يعني: تقليم الأظفار، وتغطية رأس لمن؟

طلبة: للرجل.

الشيخ: للرجل، (وطِيب) للرجل والمرأة، (ولبس مخيط) للرجل.

(بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مُدّ بُرٍّ أو نصف صاع)، (أو) هذه عند ابن هشام رحمه الله غير عربية، يقول: لأن التخيير لا بد أن يكون بين شيئين متساويين، فيكون الصواب يُخَيَّر بين صيام ثلاثة أيام وإطعام ستة مساكين و ..

طالب: ذبح شاة.

الشيخ: وذبح شاة، وهذا لا شك أنه مقتضى اللغة العربية، لكن ما يقوله الفقهاء ويعبرون به أوضح في المعنى، ولذلك نشؤوا على هذا، أنهم يأتون بـ (أو) الدالة على التخيير.

(بين صيام ثلاثة أيام)، سواء متتابعة أو متفرقة، لكن التتابع أفضل؛ لأنه أسرع في إبراء الذمة.

(أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مُدّ بُرّ)، المراد بالمساكين هنا كالمراد بهم في آية الصدقة، يعني: مَن لا يجدون كفايتهم لمدة سنة.

(وإطعام ستة مساكين) فَسَّرَها بقوله: (لكل مسكين مُدّ بُرٍّ أو نصف صاع)، أما التقدير بنصف الصاع فلا شك فيه ولا إشكال، وأما مُدّ بُرٍّ فهذا فيه نظر؛ لأن لاحظوا أن الْمُدّ ربع الصاع، فيكون النصف نصف الصاع، فالفقهاء رحمهم الله يفرِّقون بين البُرّ وغيره في كل موضع إلا في موضع واحد؛ وهو الفطرة، الفطرة يقولون: إن البُرّ وغيره سواء؛ لأن الشرع ورد بالتقدير مع اختلاف المطعوم في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يُفَرِّق، فيما سوى ذلك جعلوا البُرّ نصف ما يجب من التمر وشبهه.

ص: 360

ولكن بالنسبة لفدية الأذى في كلامهم نظر، والصواب أن الفدية نصف صاع، سواء كان من البُرّ أو من غيره؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة:«أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» (16)، ولهذا جميع ما ورد في إطعام المساكين يجوز أن تُغَدِّيهم أو تعشيهم، إلا هذا الموضع فلا بد أن نطعمهم طعامًا يملكونه، ومقداره؟

طلبة: نصف صاع.

الشيخ: مقدار أيش؟

طلبة: نصف صاع.

الشيخ: مقدار المسكين؟

طلبة: نصف صاع يا شيخ.

الشيخ: نصف صاع، (أو نصف صاع تمر أو شعير، أو ذبح شاة) مما يجزئ في الأضحية ويوزِّعها على الفقراء، ولا يأكل منها شيئًا؛ لأنها دم الْجُبْرَان.

(وبجزاء صيد بينَ مثلٍ إن كان، أو تقويمه بدراهم يشترى).

أو نِصْفُ صاعِ تَمْرٍ أو شَعيرٍ أو ذَبْحُ شاةٍ، وبِجَزاءِ صَيْدٍ بينَ مِثْلٍ - إن كان - أو تقويمُه بدَراهمَ يَشْتَري بها طَعامًا فيُطْعِمُ كلَّ مِسكينٍ مُدًّا، أو يصومُ عن كلِّ مُدٍّ يومًا، وبما لا مِثْلَ له بينَ إطعامٍ وصِيامٍ، وأمَّا دمُ مُتْعَةٍ وقِرانٍ فيَجبُ الْهَديُ، فإن عَدِمَه فصِيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ، والأفْضَلُ كونُ آخِرِها يومَ عَرَفَة، وسبعةٍ إذا رَجَعَ إلى أَهْلِه، والْمُحْصِرُ إذا لم يَجِدْ هَدْيًا صامَ عَشرةً ثم حَلَّ، ويَجِبُ بِوَطْءٍ في فَرْجٍ في الْحَجِّ بَدَنَةٌ، وفي العُمرةِ شاةٌ، وإن طاوَعَتْهُ زوجتُه لَزِمَها.

(فصلٌ)

ص: 361

ومَن كَرَّرَ محظورًا من جِنْسٍ ولم يَفْدِ فَدَى مَرَّةً بخِلافِ صَيْدٍ، ومَن فَعَلَ مَحظورًا من أجناسٍ فَدَى لكُلِّ مَرَّةٍ رُفِضَ إحرامُه أو لا، ويَسْقُطُ بنِسيانٍ فِديةُ لُبْسٍ وطِيبٍ، وتَغطيةِ رأسٍ دونَ وَطْءٍ، وصَيْدٍ وتقليمٍ وحِلاقٍ، وكلُّ هَدْيٍ أو إطعامٌ فلِمساكينِ الْحَرَمِ، وفِديةُ الأَذَىَ واللُّبْسِ ونحوِهما ودمُ الإحصارِ حيث وُجِدَ سببُه، ويُجْزِئُ الصوْمُ بكلِّ مَكانٍ، والدمُ شاةٌ أو سُبُعُ بَدَنَةٍ وتُجزِئُ عنها بَقرةٌ.

ولكن بالنسبة لفدية الأذى في كلامهم نظر، والصواب أن الفدية نصف صاع، سواء كان من البُرّ أو من غيره؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة:«أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» (1).

ولهذا جميع ما ورد في إطعام المساكين يجوز أن تُغَدِّيهم أو تُعَشِّيَهم إلا هذا الموضع فلا بد أن نطعمهم طعامًا يملكونه، ومقداره؟

طلبة: نصف صاع.

الشيخ: مقدار أيش؟

طلبة: نصف صاع.

الشيخ: مقدار المسكين؟

طلبة: نصف صاع يا شيخ.

الشيخ: نصف صاع، (أو نصف صاع تمر أو شعير، أو ذبح شاة) مما يجزئ في الأضحية، ويُوَزِّعها على الفقراء ولا يأكل منها شيئًا؛ لأنها دم جبران.

(وبجزاءِ صيدٍ بين مثلٍ إن كان أو تقويمه بدراهم يشتري بها طعامًا فيُطْعِم كل مسكين مُدًّا، أو يصوم عن كل مُدٍّ يومًا)، الصيد إما أن يكون له مثل أو لا، فإن كان له مثل خُيِّرَ بين ثلاثة أشياء: إما أن يذبح المثل ويتصدق به على الفقراء في مكة، أو يُقَوّم الصيد أو الْمِثْل، على خلافٍ في هذا، والمذهب أنه يُقَوَّم المثل بدراهم يشتري بها طعامًا، فيُطْعِم كل مسكين مُدًّا، فمثلًا في النعامة بدنة، النعامة فيها بدنة؛ لأنها مثله، يخيَّر بين ذبح البدنة ويتصدق بها، أو يقوِّم أيش؟

طلبة: البدنة.

ص: 362

الشيخ: البدنة بدراهم، فيشتري بالدراهم طعامًا، فيُطْعِم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ، فإذا قَدَّرْنَا أن البدنة تساوي ألف ريال، والبُرّ ألف ريال في مئة صاع من البُرّ، كم يكون بالنسبة لربع الصاع؟

طلبة: أربع مئة.

الشيخ: أربع مئة ربع صاع، نقول: إن شئت افعل هذا، وإلا المخيَّر فيه الثالث: أن يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا، كم يلزمه؟

طلبة: أربع مئة يوم.

الشيخ: يلزمه أربع مئة يوم يصومها؛ لقول الله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95]، أما إذا قلنا: إن الذي يقوَّم هو الطير، نظرنا كم تساوي النعامة، سواء زادت قيمتها على مثلها أو نقصت، والآية محتملة لهذا وهذا؛ لقوله تعالى:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] أيش بعده؟

طالب: {يَحْكُمُ بِهِ} .

الشيخ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95]، الكفارة ما بَيَّنَها الله عز وجل، لكن يقال: إن البدل له حكم الْمُبْدَل، فتكون الكفارة تساوي أيش؟ الْمِثْل، أو تساوي الصيد، القرآن ليس فيه إفصاح في هذا ولا هذا، ولذلك اختلف العلماء، هل الذي يقوَّم الصيد، أو الذي يقوَّم المثل؟ فمن قال: إن الذي يقوَّم الصيد قال: لأن الصائد اختار الطريقة الأخرى، وهي الإطعام، ومن قال: يُقَوَّم المثل، قال: لأن هذا هو الأصل، هو الواجب أصلًا، فإذا كان هو الواجب فالواجب أن يقوَّم هو دون الصيد، وهذا أقرب إلى القواعد، أن الذي يقوَّم هو أيش؟ الْمِثْل، سواء قلَّت قيمته عن الصيد أو زادت، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا.

(وبما لا مثلَ له بين إطعام وصيام)، هنا ما الذي يقوَّم فيما لا مثل له؟

طلبة: الصيد.

الشيخ: يقوَّم الصيد؛ لأنه لا مثل له، فيقوَّم الصيد بدراهم يُشْتَرَى بها طعام يوزَّع على الفقراء لكل مسكين مُدّ بُرّ، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا.

ص: 363

طالب: الْمُحْرِم أيمتشط، يمشط شعره؟

الشيخ: المرأة يعني؟

الطالب: سواء رجلًا أم امرأة؟

الشيخ: إذا أَمِنَ من أن يتساقط الشعر فلا بأس.

الطالب: ما يأمن يا شيخ.

الشيخ: إذا لم يأمن لا يمتشط، لكن هل يحك رأسه الْمُحْرِم؟

طالب: نعم.

الشيخ: نعم يحك رأسه، وأما ما يفعله بعض الْمُحْرِمِين الآن إذا حَكَّه رأسه قام ينقره بظفره هذا لا أصل له، حتى إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: لو لم أحكه بيدي لحككته برجلي، من المبالغة، وإلَّا عاد ما أحد يحك رأسه برجله، لكن من باب المبالغة.

طالب: اشترك رجلان في قتل صيد أحدهما قتل، يعني باشَر القتل، والثاني أعانه رماه بالجذع؟

الشيخ: لا، بينهم فرق، إذا كان إعانة فالجزاء على المباشِر، لكن إذا اشتركَا بأن كان كل واحد منهما صوَّب إليه السهم فأصابه السهمان ومات.

الطالب: طارَدَاه معًا يعني؟

الشيخ: نعم.

الطالب: لما عجز الصيد قتله واحد منهم؟

الشيخ: كيف؟

الطالب: طارَدَاه الاثنان وأحدهما رمى بسهم وقتله؟

الشيخ: فعلى المباشِر.

الطالب: والثاني ما عليه شيء؟

الشيخ: لا، عليه الإثم؛ لأنه أراد أن يفعل لكنه ما فعل.

طالب: حاجّ ليس معه هدي، فهل الأفضل أن يُفْرِد أو يتمتع ويصوم؟

الشيخ: ما تقول في هذا السؤال: حاج ليس معه هدي فهل الأفضل أن يُفْرِد أو يتمتع ويصوم؟

طلبة: الثاني.

الشيخ: الثاني، لا إشكال، الصحابة رضي الله عنهم أكثرهم فقراء لم يسوقوا الهدي، ومع ذلك أُمِرُوا بالتمتع.

طالب: أحسن الله إليك، المرأة تأخذ من جميع شعرها أم بعضه؟

الشيخ: كيف؟

الطالب: المرأة تأخذ من جميع شعرها أم بعضه؟

الشيخ: في أيش؟

الطالب: في التحلُّل.

الشيخ: يبقى يجينا إن شاء الله التحلل، تأخذ بعضه على قدر أنملة، تعرف الأنملة؟ أي شيء أنملة؟ يلّا يا أخي، إذن ليس عندك علم إلا أن الأنملة قدر النملة، كذا؟ من يعرف؟

طالب: مفصل الإصبع الأخير.

ص: 364

الشيخ: صحيح، أحد مفاصل الإصبع، تعرفها؟ ما تعرفها، الآن إصبعي كم في السبابة؟ ثلاثة، على قدر واحد منهم، كم بالإبهام؟

الطالب: اثنان هما اللي باين.

الشيخ: تأكد.

الطالب: بعض الناس يستدلون ..

الشيخ: كم؟ لا تعدل، تأكد كم في الإبهام من مفصل؟

الطالب: اثنان.

الشيخ: اثنان؟ ويش تقولون؟

طلبة: اثنان.

الشيخ: اثنان صحيح، بعض الناس أيش تقول؟

طالب: يقولون: المرأة تأخذ بعض شعرها برأسها، ولكن رجل لا يذهب هكذا، يأخذ بعض الشعر من الرأس ويحلقه.

الشيخ: يعني -مثلًا- عنده رأس كثير.

الطالب: تأخذ من شعرها بعضه؟

الشيخ: لا، تقص من جميع الرأس.

الطالب: جميع الرأس.

الشيخ: تدور عليه لكن على قدر أنملة، ما تأخذ من جانب -مثلًا-، لا، من كل الجوانب.

طالب: إذا اشترطت المرأة في حال يجوز لها الاشتراط فهل لِمَحْرَمِها أن يشترط تبعًا؟

الشيخ: هو أنت تعرف أن الاشتراط فيه ثلاثة أقوال، لكن على القول بالجواز إذا كانت تخشى من مانع ومَحْرَمُها لا يخشى فهو تبعٌ لها، يشترط، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبروه أن صفية حاضت ماذا قال؟

طالب: «أَحَابِسَتُنَا» .

الشيخ: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ » (2).

طالب: (

) في المتعة (

) سبعة شروط الفقهاء ذكروها؟

الشيخ: إي.

الطالب: هل كلها صحيح ولَّا لا؟

الشيخ: فيها بعضها صحيح، وبعضها فيها نظر، وهو قليل.

الطالب: في قولهم: إنه لازم يحل بين الحج والعمرة، لا بد أن يحل، هذا صحيح؟

الشيخ: إي معلوم، كيف يتمتع وهو ما حَلَّ.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 365

قال المصف رحمه الله تعالى في كتاب المناسك في باب الفدية: وأما دَمُ متعةٍ وقِرَان فيجب الهدي، فإن عدمه فصيام ثلاثة أيام، والأفضل كون آخرها يوم عرفة، وسبعة إذا رجع إلى أهله، والمُحْصَر إذا لم يجد هديًا صام عشرة ثم حَلَّ، ويجب بوطء في فَرْجٍ في الحج بدنة، وفي العمرة شاة، وإن طاوَعَتْه زوجته لزمها.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد أفضل النبيين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

سبق لنا أن الذي صحَّت فيه الفدية ثلاثة، ما هي؟

طالب: أولًا: إزالة الشعر.

الشيخ: حلق شعر الرأس أو إزالته.

الطالب: ثانيًا: قتل الصيد.

الشيخ: قتل الصيد.

طالب: الجماع.

الشيخ: صح، الجماع، هذا صحَّ عن الصحابة، الباقي ذُكِرَ بالقياس، وذكرنا أن بعض الأَقْيِسَة ما تصح، وحينئذ نقول قاعدة مهمة جدًّا، أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ثانيًا: أنه لا يجوز استحلال أموال المعصومين إلا بدليل، فلا نقول لهم: يجب أن تُخْرِجُوا من أموالكم شيئًا إلا بدليل، هذا هو الأصل، لكني قلت لكم: من باب التربية والتوجيه ينبغي ألَّا نخرج عما كان عليه جمهور العلماء بالنسبة لأيش؟ للإفتاء العام، أما بالنسبة للعلم كعلم النظري فلا بد أن يُبَيَّن الحق، كذلك لو فُرِضَ أن شخصًا معينًا استفتاك في مسألة ترى فيها خلاف ما يراه جمهور الفقهاء فلا بأس أن تفتيه، ما دمت تثق أن الرجل عنده احترام لشرائع الله فهنا يفرَّق بين الفتوى العامة والفتوى الخاصة، وبين العلم النظري والعلم التربوي، هذه قاعدة افهموها وعاملوا فيها الناس.

ص: 366

وقد كان بعض أهل العلم يفتي ببعض المسائل التي اشتهر عند الناس خلافها، يفتي بذلك سرًّا، كمسألة الطلاق الثلاث -مثلًا-، الطلاق الثلاث عند شيخ الإسلام رحمه الله واحدة، وهو الذي عليه الناس في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعهد أبى بكر وسنتين من خلافة عمر، وبقي الناس بعد أن سَاسَ عمر رضي الله عنه الأمة بإلزامهم بالثلاث بقي الناس على هذا.

شيخ الإسلام رحمه الله وجزاه الله خيرًا عن أمة محمد صرَّح في هذا بأن الطلاق الثلاث واحدة، ونصر ذلك نصرًا عظيمًا، مَن طالَع كلامه تبيَّن له أنه الحق، لكن هناك من العلماء مَن لم يصرِّح بهذا، يقول: وكان جدي -وهو أبو البركات المجد رحمه الله يفتي بذلك سرًّا.

الشاهد من هذا قوله: يُفْتِي به سرًّا، وأن هذه طريقة العلماء الربانيين الذين يربون الناس حتى يلتزموا بشريعة الله.

جزاء الصيد كم يكون؟

طالب: يكون إن كان مثليًّا فبمثله.

الشيخ: نعم، فيُخَيَّر.

الطالب: إن كان المثل فيجب عليه المثل من بهيمة الأنعام.

الشيخ: كيف؟

الطالب: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} .

الشيخ: هل يخيَّر ولَّا على الترتيب؟

طالب: لا، إنما على الترتيب.

الشيخ: على الترتيب، توافقونه؟ أجيبوا يا جماعة.

طلبة: لا.

الشيخ: لا، الإخوان ما يوافقونك بالإجماع النطقي والسكوتي.

طالب: المثل بالمثل يا شيخ.

الشيخ: السؤال: هل هو على التخيير ولَّا على الترتيب؟

طالب: على التخيير.

الشيخ: على التخيير، بارك الله فيك، كيف ذلك؟

الطالب: إما أن يصوم.

الشيخ: الذي له مِثْل يُخَيَّر بين؟

الطالب: بين صيام ثلاثة أيام.

الشيخ: الله المستعان، أيش هذه؟ جبتها من كيسك.

الطالب: المثل يا شيخ، اسمحلي يا شيخ، إما أن يذبح المثل.

الشيخ: هذا واحد.

الطالب: إما يأتي بالبدل، يعني يقوَّم الْمِثْل.

الشيخ: بأيش؟

الطالب: بفلوس يا شيخ.

الشيخ: طيب ما يخالف.

الطالب: يقوَّم المثل.

ص: 367

الشيخ: إي نعم، يشتري بذلك طعامًا، يُطْعِم كل مسكين مُدًّا من بُرٍّ أو نصف صاع من غيره، الثالث؟

الطالب: يصوم عن صيام إطعام كل ..

الشيخ: يصوم عن ..

الطالب: كل مسكين يومًا.

الشيخ: تمام، صحيح، الدليل؟

طالب: قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} .

الشيخ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95].

الطالب: (ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من الصيد).

الشيخ: لا لا، بعد يقتل صيدًا ثانيًا؟ الله يهديك، {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ} .

الطالب: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95].

الشيخ: إذا لم يكن له مثل؟

طالب: إذا لم يكن له مثل فإنه الثاني.

الشيخ: يُخَيَّر بأيش؟

الطالب: بين الإطعام و ..

الشيخ: وأيش؟

الطالب: وأن يصوم.

الشيخ: بين الإطعام والصيام، كيف الإطعام؟

الطالب: عن كل يوم مسكين.

الشيخ: يقوّم الصيد أولًا، يقوّم الصيد بثمن ويُشْتَرَى به طعام، يطعم كل مسكين مُدّ بُرّ أو نصف صاع من غيره، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا، أفهمتم؟ هذا جزاء الصيد.

حلق الرأس أو إزالة شعره ما هي فديته؟

طالب: إذا حلق رأسه يا شيخ؟

الشيخ: إي نعم.

الطالب: حديث كعب بن عجرة.

الشيخ: ما أعرفك الحديث، فديته أولًا وبعدين نستدل؟

الطالب: يسوق الفدية يا شيخ، أو يطعم ستة مساكين، أو ذبح.

الشيخ: أو؟

الطالب: أو شاة.

الشيخ: ترتيب أو تخيير؟

الطالب: ترتيب.

الشيخ: تخيير، كيف تخيير؟ تُخَيَّر بين صيام ثلاثة أيام وذبح شاة بأربع مئة ريال أو خمس مئة ريال.

الطالب: (

).

الشيخ: أسألك هل هو تخيير ولَّا ترتيب؟

الطالب: تخيير.

الشيخ: تخيير؟ ما الدليل؟

الطالب: حديث كعب بن عجرة.

الشيخ: الدليل من القرآن؟

ص: 368

الطالب: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].

الشيخ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ، توافقون على هذا؟

طلبة: نعم.

الشيخ: الحمد لله.

بقي علينا الجماع قبل التحلل الأول في الحج، هذا صح عن الصحابة أنهم قضوا فيه ببدنة فنتبعهم.

نبدأ بالدرس الجديد الآن، يقول رحمه الله تعالى:(وأما دمُ متعةٍ وقِرَان فيجب الهدي، فإن عدمه فصيام).

إذن الهدي في دم المتعة والقِرَان على الترتيب: هَدْي، فإن لم يجد فصيام، الهدي يجب أن تعلموا أن كل دم مشروع فلا بد أن يكون من بهيمة الأنعام، وأن يبلغ السن المعتبر شرعًا، وأن يكون خاليًا من العيوب المانعة من الإجزاء، كل دم مشروع، عرفتم؟

إذن فقوله تعالى: {مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ليس باعتبار سن الهدي، بمعنى أنه إن تَيَّسَر لك شيء ثَنِيٌّ فاذبحه، وإن تَيَسَّر رضيع فاذبحه، لا، ما استيسر من حيث ملك الثمن، ووجود الهدي؛ لأن كل شيء مشروع من الذبائح فلا بد أن يكون مشتملًا على ثلاثة شروط، وهي: أن يكون من بهيمة الأنعام، وأن يبلغ السن، وأن يكون خاليًا من موانع الإجزاء.

إذن يقول: (يجب الهدي، فإن عدمه)، قوله:(فإن عدمه) يعني: عدم الهدي، والمراد: عَدِمَهُ أو عَدِم ثَمَنَه؛ لأنه قد يكون الهدي موجودًا وليس عنده دراهم، وقد يكون عنده دراهم ولا يوجد هَدْي، لنفرض أن رجلًا عنده ملايين الدراهم لكن لم يوجد في مكة هَدْي، وهذا وإن كان بعيدًا لكن قد يكون، فهل نقول: إن هذا كعادم النقود؟

الجواب: نعم، وانظر إلى الآية الكريمة كما سنقرره، يقول:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ} [البقرة: 196]، دليل ذلك قول الله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} ، حذف المفعول به، لم يقل سبحانه وتعالى: فمن لم يجد هديًا، ولم يقل: فمن لم يجد ثمن الهدي، من أجل؟

ص: 369

طالب: العموم.

الشيخ: العموم، أي: فمن لم يجد الهدي، أو لم يجد ثمنه، {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196].

إذا قال قائل: الآية ظاهرة في أن مَن تمتع بالعمرة إلى الحج فعليه الهدي، فما بالنا نقول: دمُ متعةٍ وقِرَان؟

نقول: أما بالنسبة لدم المتعة فهو بالقرآن كما سمعتم، بالنسبة للقِرَان بالقياس على التمتع، وقيل: بل هو تمتع شرعًا، ولننظر، الآية الكريمة:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} .

إذن هناك فاصل بين العمرة والحج يحصل به التمتع، التمتع بماذا؟ بما أحل الله للإنسان لولا الإحرام، بمعنى أن الإنسان إذا حل من عمرته حلَّت له جميع محظورات الإحرام، فتمتع بهذا، وهذا واضح أنه يلزمه الهدي شكرًا لله عز وجل على هذا التمتع.

ولنضرب لك -مثلًا- برجل أحرم في خمسة عشر من ذي القعدة، أحرم بالحج، سيبقى مُحْرِمًا إلى؟ إلى يوم العيد، خمسة وعشرين يومًا، فإذا أحرم متمتعًا وحَلَّ من العمرة في أول يوم يقدم مكة كم يبقى متمتعًا؟

طالب: أربعة وعشرين يومًا.

طالب آخر: اثنين وعشرين يومًا.

الشيخ: اثنين وعشرين؛ لأنه سوف يبقى حِلًّا إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، أفهمتم؟ وهذا واضح أنها نعمة وتيسير تستحق شكر الله عز وجل على هذا، وذلك بوجوب الهدي.

القارِن ليس كالمتمتع في الواقع؛ لأن القارِن سيبقى على إحرامه من حين أَحْرَم إلى يوم العيد، فلو أحرم القارن في خمسة عشر ذي القعدة بقي إلى يوم العيد مُحْرِمًا، أين التمتع؟ ما تمتع في الواقع، لكن قاسوه على المتمتع بأنه حصل له نُسُكَان في سفر واحد، فالتمتع هنا لسقوط أحد السَّفَرَيْن عنه مع حصول النُّسُكَيْن جميعًا.

ص: 370

ولهذا ضعَّف بعض أهل العلم إلحاق القارن بالمتمتع، وقال: إنه ليس عليه هدي؛ لأن لفظ الآية لا يدل عليه، والقياس فيه نظر، لو كان لفظ الآية: فمن تمتع بالعمرة والحج، لكان دخل القارن، ما فيه إشكال، لكن الآية:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} .

ولكن اعلموا أن قول جمهور العلماء أن القارن في وجوب الهدي كالمتمتع.

يقول رحمه الله: (فيجب الهدي)، كلمة (الهدي) عَرَّفَها بـ (أل) اتباعًا للقرآن الكريم، ولم يقل: فما استيسر من هديٍ، ولأجل أن يُعْرَف أن المراد بالهدي الهدي أيش؟ المعروف شرعًا، وهو الذي جمع الأوصاف الثلاثة التي سمعتم.

(فإن عدمه فصيام ثلاثة أيام) بنص القرآن: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} .

يقول: (والأفضل كون آخرها يوم عرفة)، يعني: فيصوم يوم عرفة، قال بعض أهل العلم: والأفضل أن يُحْرِم بالحج يوم السابع، من أجل أن تكون الأيام الثلاثة كلها في الحج، أي: بعد إحرامه بالحج، ولنا مناقشة في هذا.

نقول: أما المناقشة الأولى فقوله: (والأفضل كون آخرها يوم عرفة) مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَصُم يوم عرفة، ويوم عرفة ليس وقت صيام للحاج، بل قد رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة (3)، فكيف نقول: الأفضل أن يصومه؟

ثانيًا: كونهم يقولون بتقديم الإحرام بالحج في اليوم السابع، مع أنه خلاف السنة، فإن الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأَحَلُّوا من إحرامهم متى أحرموا؟

طالب: الثامن.

الشيخ: يوم الثامن بلا شك، وأكثرهم فقير لا يجد الهدي، ومع ذلك ما أُمِرُوا بالصيام ولا صاموا فأُقِرُّوا، فيكون القول بتقديم الإحرام للحج قبل الثامن قولًا ضعيفًا.

إذن ما الْمَخْرَج من قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} ؟

ص: 371

المخرج بَيَّنَه إمام المتقين عليه الصلاة والسلام فقال: «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ» (4)، إذن فمن حين أن يُحْرِم بالعمرة وهو ناوٍ التمتع يدخل وقت صيام الأيام الثلاثة، وألحقت الشريعة صيام أيام التشريق بصيامها في الحج، فقالت عائشة رضي الله عنها وابن عمر رضي الله عنهما: لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي. (5)

ثم قال: (وسبعة إذا رجع إلى أهله)، هذا الأفضل؛ ألَّا يصوم السبع إلا إذا رجع إلى أهله، وإنما شُرِعَ تأخيرها إلى أن يرجع إلى أهله من أجل التيسير والتسهيل؛ لأنه قد يشق على الناس أن يصوموا في سفرهم، لا سيما في أيام الحر الشديد مع طول الأيام، فقيل للناس: صوموا إذا رجعتم إلى أهليكم.

ولم يُبَيِّن المؤلف رحمه الله هل تصام الثلاثة والسبعة متتابعة، أو يجوز فيها التتابع والتفريق؟

وإذا أُطْلِق الصيام جاز فيه التتابع والتفريق؛ لأن هذا هو الأصل، كل صيام محدَّد بعدد إذا لم يعيَّن فهو أيش؟ على إطلاقه، تصوم ثلاثة أيام متتابعة أو متفرقة، تصوم سبعة أيام متتابعة أو متفرقة، حتى في كفارة اليمين، إذا لم يجد الإنسان إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فيصوم ثلاثة أيام، لكن قراءة ابن مسعود رضي الله عنه تحدِّد أن المراد صيام ثلاثة أيام متتابعة، ولولاها لقلنا: صيام الأيام الثلاثة في كفارة اليمين تجوز متتابعة ومتفرقة.

(وسبعة إذا رجع إلى أهله)، لو أحب أن يصوم قبل أن يرجع إلى أهله؟

نقول: لا بأس، بشرط ألَّا يكون صيام يوم واحد من السبعة في الحج؛ لأن الله لم يجعل الحج ظرفًا لصيام المتعة إلا في الأيام الثلاثة، ولهذا نقول: إذا فرغت من أعمال الحج وأنت في مكة فلا حرج عليك أن تصوم الأيام السبعة، بدليل أن الله حدَّد أيام الحج للأيام الثلاثة، فعُلِمَ من ذلك أن الأيام السبعة يدخل وقتها من حين انتهاء العمل في الحج.

ص: 372

ثم قال: (والمُحْصَر إذا لم يجد هديًا صام عشرة ثم حَلَّ)، الْمُحْصَر هو الممنوع من إكمال النسك، يعني: هو الذي يمنعه شيء من إتمام النسك، سواء كان مرضًا، أو عدوًّا، أو سلطة، أي شيء يمنع من إتمام النسك فهو أيش؟ إحصار؛ لأن الإحصار يعني المنع، ولكن هل الإحصار يشمل كل ما يمنع، أو هو الإحصار بالعدو خاصة؟ في هذا خلاف يأتي ذكره إن شاء الله.

فالواجب عليه الهدي؛ لأن قوله: (إذا لم يجد هديًا) يعني أن الواجب الهدي، فإن لم يجد؟ صام عشرة أيام ثم حَلَّ.

أما وجوب الهدي على الْمُحْصَر فواضح من القرآن الكريم، قال الله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].

وأما صيام الأيام العشرة إذا لم يجد فلا دليل فيها لا من القرآن ولا من السنة، بل الدليل على خلافه، لكن الفقهاء رحمهم الله قاسوا ذلك على دم المتعة، قالوا: كما يجب على مَن لم يَجِدْ هديًا من المتمتعين أن يصوم العشرة أيام فهذا مثله، ولكن هذا قياس مع الفارق، وقياس في مصادمة السنة.

أما كونه قياسًا مع الفارق فلأن دم المتعة إنما يجب أيش؟ شكرًا لله، ودم الإحصار إنما يجب جبرًا لِمَا فات من النسك، والفرق بين هذا وهذا واضح، فكيف يُلْحَق دم الجبران بدم؟

طالب: الشُّكْرَان.

الشيخ: الشُّكْران، هذه واحدة، وأما كونه مخالفًا للسنة فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أُحْصِرَ في الحديبية، معه الصحابة، ألف وأربع مئة نفر، هل كلهم مُوسِرُون؟ لا، بل فيهم الفقير قطعًا، ولم يُؤْمَرُوا بالصيام، ولا صاموا وأُقِرُّوا، فإيجاب صيام على المكلَّف بدون دليل صحيح ولا قياس صحيح لا يمكن، لا يمكن أن نقابل ربنا عز وجل بإيجاب شيء لم يوجبه الله لا في الكتاب ولا في السنة، ولا بالقياس الصحيح ولا بالإجماع، ولهذا كان الصحيح في هذه المسألة أن الْمُحْصَر إذا لم يجد هديًا سقط عنه إلى غير بدل.

ص: 373

(ويجب بوطءٍ في فرجٍ في الحج بدنة، وفي العمرة شاة)، الحج يجب فيه بدنة، إذا لم يجد ووجد سبع شياه أجزأ؟ نعم، إذا لم يجد شيئًا لا سبع شياه ولا بدنة، فقالوا: إنه يصوم عشرة أيام، وهذا قول لا دليل عليه، فنقول: إذا لم يجد سقط عنه كسائر الواجبات، العمرة يقول: يجب فيها شاة؛ لأن العمرة حج أصغر، فكان الواجب فيها فدية صغرى.

هذه الشاة يقولون: إنها كفدية الأذى، يُخَيَّر فيها بين ثلاثة أشياء: ذبح الشاة، إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، صيام ثلاثة أيام.

وكل ما أوجب شاة من المحظورات ما عدا جزاء الصيد فإن فديته فدية أذى، أما الْمُحْصَر فإنه قسم مستقل برأسه، وأما جزاء الصيد فكذلك.

قال: (وإن طاوَعَتْه زوجته لزمها) ويش لزمها؟

طالب: فدية.

طالب آخر: بدنة.

الشيخ: (لزمها) أي: لزمها ما وجب من فدية؛ بدنة في الحج، وشاة في العمرة، وفي نسخة:(لزماها)، ويكون الضمير عائدًا إلى؟

طلبة: إلى الشاة والبدنة.

الشيخ: إلى البدنة بالحج، والشاة في العمرة.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (فصل .. ومَن كَرَّر محظورًا من جنس ولم يَفْدِ فدى مرة بخلاف صيد)، انتبه لهذا الفصل من أهم الفصول.

إذا كَرَّر الإنسان محظورًا، فإن فدى عن الفعل الأول فدى عن الفعل الثاني، وهكذا، إن فدى عن الثاني وأعاده فدى عن الثالث، وإن لم يَفْدِ فدى مرة، فلو تطيَّب ثلاث مرات -على القول بوجوب الفدية- ولم يَفْدِ بماذا يفدي؟ مرة واحدة؟

طلبة: مرة واحدة.

الشيخ: مرة واحدة، لو جامَع زوجته ثلاث مرات ولم يَفْدِ ففدية واحدة؛ لأنه المكرَّر من جنسه.

يقول: (فدى مرة بخلاف صيد)، الصيد عليه الفدية بعدد الصيد، فلو رمى رمية واحدة وسقط من رميته خمس حمامات، كم يلزم؟

طلبة: خمس.

الشيخ: يا إخواني؟

الطلبة: خمس.

الشيخ: الله المستعان، الرمي واحد.

طلبة: بعدد الصيد.

طالب: جزاء ما قتل.

ص: 374

الشيخ: قتل خمسة فعليه خمس شياه، لو رمى حمامة وسقطت ميتة، ثم رمى حمامة أخرى وسقطت ميتة، ثم ثالثة، ثم رابعة، ثم خامسة، كم يجب عليه؟

طالب: خمس.

الشيخ: خمس، لماذا؟ لأن الله قال:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ، والمثلية في الكيفية والكمية، ولا يمكن أن نقول لشخص قتل خمس حمامات: ليس عليك إلا شاة، لو قلنا بهذا لم تتحقق .. أكمل.

طلبة: المثلية.

الشيخ: المثلية، وهذا واضح، كما لو قتل الإنسان خمس رقاب خطأ، وهذه تقع، أحيانًا يكون الإنسان يسوق السيارة، ثم أتاه النوم ونعس، وحصل الحادث بسبب نعاسه ومات معه عشرة، في هذا الحادث الواحد كم يلزمه؟

طلبة: عشر ديات.

الشيخ: عشر ديات واضح، كل أهل الديات تسامحوا، الكفارة؟

طلبة: عشرة.

الشيخ: عشر كفارات، يعني عشرين شهرًا.

يقول: (بخلاف صيد، ومَن فعل محظورًا من أجناس فدى لكلٍّ مرةً رفض إحرامه أو لا)، مَن فعل محظورًا من أجناس وجب عليه لكل فعل فدية، فلننظر ما تقول في الشعر والظفر على القول بأنهم من محظورات الإحرام؟

طالب: الشعر عليه فدية.

الشيخ: والظفر؟

الطالب: (

).

الشيخ: لبس مخيطًا؟

الطالب: عليه ثلاثة.

الشيخ: غطى رأسه؟

الطالب: عليه أربعة.

الشيخ: عليه أربعة، توافقونه؟ صحيح؛ لأن الجنس مختلف، مع أن الموجَب واحد، اللباس وتغطية الرأس والطِّيب والحلق والتقليم للأظفار كله موجبها واحد، ما هو؟ إما ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، ومع ذلك نقول: عليه لكل واحد فدية، مع أن الموجَب واحد.

وهذه المسألة، أولًا: كما تعرفون أن في إيجاب الفدية في غير ما ثبت به النص نظرًا.

والثاني: القاعدة في هذا -الشرعية- أنه إذا كان الموجَب واحدًا فلا يضر اختلاف الأجناس، ولذلك لو أحدث رجل ببول وغائط وريح وأكل لحم إبل ومس ذكره لشهوة، كم هذه؟

طالب: خمس.

ص: 375

الشيخ: خمسة موجبات، والموجَب واحد وهو الوضوء، هل نقول: توضأ خمس مرات؟ لا، فالقاعدة أنه إذا كان الموجَب واحدًا ألَّا تتكرر الكفارة أو الفدية، هذه القاعدة، لكن لعل الفقهاء رحمهم الله قالوا: احترامًا للإحرام والنسك وتعظيمًا لشعائر الله نُلْزِمُه عن كل جنس بكفارة، واضح؟

وقوله: (رَفَضَ إحرامه أو لا) يعني: حتى لو رفض إحرامه وقال: أشهدكم أني تحلَّلْت، ثم لبس وتطيَّب وفعل ما يفعله الْمُحِلُّون، هل تسقط الفدية؟

طالب: لا.

الشيخ: لا، وهذا من خصائص الحج، كل العبادات إذا رفضها الإنسان خرج منها، إذا كان صائمًا وفسخ نية الصيام؟ أفطر، إذا صلى وفسخ نية الصلاة؟

طالب: بطلت.

الشيخ: بطلت وخرج منها، إلا الحج، الحج من خصائصه أنه لا يرتفض إذا رفضه الناس، وكذلك العمرة، ولهذا قال:(رفض إحرامه أو لا).

طالب: هل يُفَرَّق في العمرة بين ما لو جامَع قبل الطواف والسعي أو بعدهما وقبل الحلق؟

الشيخ: إي نعم، من جهة الفدية ما فرَّقُوا بينهما، لكن من جهة أنهم يقولون: إن العمرة لها تحلُّلَان؛ تحلُّل أول بالطواف والسعي، وتحلُّل ثانٍ بالحلق أو التقصير، وبناءً على هذا لو جامع بعد الطواف والسعي لم تفسد العمرة، لكن عليه الفدية.

الطالب: الفدية شاة في كل حال؟

الشيخ: الفدية واجبة في كل حال.

الطالب: شاة قصدي.

الشيخ: هاه؟

الطالب: شاة أو بدنة.

الشيخ: لا يا أخي، ما فيه بدنة.

الطالب: البدنة في العمرة.

الشيخ: العمرة ما فيه بدنة، حطها في بالك، إلا في الوطء قبل التحلُّل الأول في الحج، غير هذا ما فيه إلا شاة، وكل ما أوجب شاة ففديته؟

طلبة: فدية أذى.

الشيخ: فدية أذى.

طالب: شيخ بارك الله فيك، رَجَّحْنا الليلة الماضية أن الإنسان إذا أنزل من المباشرة فعليه فدية، فدية أذى، أشكل عليَّ وجه إلزامه (

) القياس على البلوغ؟

ص: 376

الشيخ: نعم، هذه نقول فيها مثل ما قلنا في غيرها، لكن هذه نظرًا إلى أن محظور المباشرة من أعظم المحظورات ناسَبَ أن نلزمه بفدية فقط.

طالب: بارك الله فيك يا شيخ، ذكرنا إذا كان الموجِب واحدًا لا تتكرر.

الشيخ: الموجَب.

الطالب: لا تتكرر بعده.

الشيخ: لا أيش؟

الطالب: لا تتكرر -مثلًا- الفدية، كيف نقول: إذا كان حلق رأسه وقَلَّم تتكرر؟

الشيخ: هذا قاعدة المذهب.

الطالب: إي، الدليل على المذهب.

الشيخ: لكن قلنا لكم: إن هذا يخالف القاعدة المعروفة.

طالب: شيخ أحسن الله إليك، ما قولكم فيمن يقيس ذَبْح الهدي قبل الوقوف بعرفة قياسًا على الصيام؟

الشيخ: كلمة (ما قولكم) غير لائقة في هذا المقام، الصواب أن تقول: لو فعل كذا فما الحكم، ولذلك سنحرمك من الإجابة تعزيرًا.

طالب: شيخ أحسن الله إليكم، إذا وطأ زوجته؟

الشيخ: إذا؟

الطالب: إذا وطأ المجامِع إذا عجز عن بدنة هل ينتقل إلى الشاة أم ماذا؟

الشيخ: لا، يقول: يصوم عشرة أيام، لكن لو قيل بأنه إن وجد شاة فدى بها وصام عشرة أيام، لو قيل بهذا لكان له وجه، لكن ما حَرَّرْناه.

طالب: بالنسبة للفدية المحظورة المكررة يا شيخ.

الشيخ: إي نعم.

الطالب: من جنس واحد، لو تعمَّد تأخير أداء الفدية يا شيخ؟

الشيخ: ماذا تقولون في كلامه، يقول: الْمُكَرَّر من جنس واحد تكفيه كفارة واحدة، لو تعمَّد أن يؤخر علشان يجمعهن كثيرًا؟

طالب: يعاقب بنقيض قصده.

الشيخ: الظاهر أنه كما قال الإخوان: نعاقبه بنقيض قصده، إذا كان تعمد، أما لو كان جرى الأمر هكذا تساهَل في الأول، ثم أعاد المحظور فهذا كما قال الفقهاء رحمهم الله.

طالب: هدي التمتع قلنا: على الترتيب، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، رجل صام ثلاثة أيام مع أنه واجد، يعني يجد الهدي جهلًا منه، فماذا عليه؟

الشيخ: لا يجزئه.

الطالب: يعيد؟

الشيخ: لا، ما يعيد، يذبح شاة، حتى لو خرج الوقت وتكون قضاءً.

ص: 377

طالب: أحسن الله إليك، لو لم يجد الهدي لكن وجد مَن يقرضه فهل له؟

الشيخ: لا يلزمه الاقتراض، إذا لم يجد دراهم معه ووجد مَن يقرضه فإنه لا يلزمه الاقتراض، لا سيما إذا لم يكن عنده ما يثق به من الوفاء.

طالب: شيخ حفظك الله، المتمتع الذي لم يجد الهدي.

الشيخ: نعم.

الطالب: تعبير القرآن يقول الله عز وجل: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} .

الشيخ: نعم.

الطالب: لو قال قائل: إن هذا قَيَّدَتْه السنة بأنه لا بد أن يكون من أيام التشريق؛ لأنها مُحَرَّم صومها، فلما استبيح الْمُحَرَّم دل على أنه واجب.

الشيخ: نعم.

الطالب: فلا يجوز أن تصام إلا في أيام التشريق؟

الشيخ: كلمة (لم يُرَخَّص)(5) يدل على أن المسألة من باب التيسير، وليس من باب الوجوب.

الطالب: لكن حفظك الله أصل صومها مُحَرَّم.

الشيخ: نعم، لكن رُخِّص فيه، والترخيص يدل على أن الأولى عدم ذلك.

طالب: عفا الله عنك يا شيخ، إذا نظرنا الدليل على جزية قتل الصيد يا شيخ بدون استثناء، قلنا: هذا وجوب على مَن كان على (

)، وإذا نظرنا بدليل المضطر له وجه ثانٍ يا شيخ، إذا نظرنا للدليل في قتل الصيد من دون استثناء نقول: يلزم مَن قتل الصيد لو أنه مضطر فدية، وإذا نظرنا إلى الضرورة اللي تبيح مثل الميتة هذه لها حكم ثانٍ يا شيخ، أشكل عليَّ الحكمان.

الشيخ: ويش الإشكال؟

الطالب: الإشكال يا شيخ الضرورة حِلّ للإنسان ..

الشيخ: إذا اضطر إلى قتل صيد.

الطالب: إي نعم.

الشيخ: فقتله، هل قتله لمصلحته؟

الطالب: إي نعم.

الشيخ: لمصلحته هو.

الطالب: إي نعم.

الشيخ: نقول: إذن عليك الجزاء، كما أن الإنسان إذا اضطر إلى حلق الرأس للأذى من قمل أو غيره لزمته الفدية، مع أنه يباح له في هذه الحال.

الطالب: جزاك الله خيرًا يا شيخ، لكن الضرورة ..

الشيخ: إحنا ذكرناها لكم البارحة؟

طالب: نعم.

الشيخ: ويش اللي ذكرنا؟ احتمالين.

طالب: أقول: الضرورة تُحِلّ يا شيخ الميتة؟

ص: 378

الشيخ: نعم: لأننا ما نقول: إنه حرام عليك، مت ولا تقتل الصيد، نقول: اقتل الصيد والحمد لله، الله قال:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، لكن أنت قتلته لمصلحة نفسك فعليك فديته.

***

نستمر في الدرس، قال المؤلف رحمه الله، فهمنا من كلام المؤلف:(رفض إحرامه أو لا) أنه لو رفض الإحرام فإنه؟

طالب: لا يرتفض.

الشيخ: لا يرتفض، ولا يخرج منه، وهذا شيء يخالف به الحجُّ سائرَ العبادات، وهو يخالفها في أشياء كثيرة؛ فيما يتعلق بالنية، الصلاة لو صلى صلاة هكذا مُبْهَمَة ما صح إلا نفلًا، والحج يصح أن يُحْرِم بنسك مبهم، وأن يُحْرِم كما أحرم فلان، وما أشبه ذلك.

قال: (ويسقط بنسيانٍ فديةُ لبسٍ وطِيب وتغطية رأس دون وطء وصيد وتقليم وحلق)، هذه الجملة هل تسقط الفدية بالنسيان أو لا؟ هل تسقط بالجهل أو لا؟ هل تسقط بالإكراه أو لا؟ أفهمتم؟

هذه ثلاثة أشياء، المؤلف رحمه الله فَرَّقَ بين المحظورات، ونحن نذكر قاعدة قبل أن نبدأ بكلام المؤلف.

القول الراجح أنه تسقط الفدية وكل مستلزمات المحظور بالجهل والنسيان والإكراه؛ لعموم قول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وقوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]، والجاهل لم يتعمد المخالفة، لم يتعمد انتهاك الحرام، وكذلك الناسي، الْمُكْرَه كذلك.

وأيضًا هناك دليل خاص في أقوى المحظورات فديةً، وهو؟ الصيد، فإنه أقوى المحظورات فدية، وإن كان الجماع أعظمها، لكن هذا أقواها؛ لأن الله حدَّد فديته، قال الله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} ، فيكف يكون هذا القيد من رب العالمين عز وجل الذي إليه الحكم ونحن نوجِب على عباد الله الجزاء وإن لم يكن الإنسان متعمدًا؟

ص: 379

والعجب أن الزهري رحمه الله قال: واجب -يعني: إذا كان ناسيًا- بالسُّنَّة، يجب على المتعمد بالكتاب، وعلى الناسي بالسنة، أين السنة؟ ما فيه، ما فيه إلا بيان الجزاء، وأما بيان حكم وقوعه من الفاعل لم يأتِ بالسنة، السنة موافقة للقرآن:«إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (6)، هذا هو الصواب؛ أن جميع المحظورات إذا فعلها الإنسان ناسيًا أو جاهلًا أو مُكْرَهًا فلا شيء عليه؛ لا إثم، ولا فدية، ولا جزاء، أفهمتم هذه؟

وهذه القاعدة منين أخذناها؟ من كلام مَن؟ من كلام الله عز وجل، ما هو من المؤلف فلان ولا المؤلف فلان، ممن له الحكم وإليه الحكم، ونحن مطمئنون غاية الطمأنينة ما دمنا أخذناه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ولكن متى زال العذر وجب الالتزام، انتبه هذه القاعدة الثانية: متى زال العذر وجب الالتزام، فإذا كان نسيانًا وتذكَّر يجب أن يلتزم، فإذا كان -مثلًا- غطى رأسه ناسيًا ثم ذكر، ماذا يجب عليه؟

طالب: أن يكشف رأسه.

الشيخ: أن يكشفها، وإذا تطيَّب ناسيًا ثم ذَكَر يجب أن يغسلها.

فإذا قال قائل: كيف يغسل الطِّيب؟ إذا غسله تلوَّثَت يداه، قلنا: هذا التلوث لإزالة الطيب وليس لاستبقاء الطيب، كما أن الإنسان إذا تغوَّط يمس الغائط بيده، ليش؟

طالب: لإزالته.

الشيخ: لإزالته، ففرْق بين أن يَعْلَق الطيب بيده لإزالة الطيب، وبين أن يتقصد ذلك، إذن القاعدة الثانية ما هي؟

طلبة: إذا زال العذر وجب الالتزام.

الشيخ: إذا زال العذر وجب الالتزام، إنسان ما يدري يظن أن الإنسان يجوز أن يغطي رأسه إذا احترّت الشمس فجاءه رجل وقال: يا فلان ويش هذا؟ ما يجوز، هل يجب عليه أن يزيله؟

طالب: نعم.

الشيخ: نعم، يجب أن يكشف رأسه وهكذا بقية المحظورات في كل عبادة، متى زال العذر وجب الالتزام، نرجع إلى كلام المؤلف.

ص: 380

يقول رحمه الله: (ويسقط بنسيان فدية لبس) يعني: لو لبس الإنسان قميصًا أو سراويل أو عمامة أو خُفًّا ناسيًا سقطت الفدية، وهذا مبني على أيش؟ على القول بوجوب الفدية، أما إذا لم نقل بوجوب الفدية فلا إشكال في هذا، أصلًا لا تجب عليه، كذلك الطِّيب، لو نسي فتطيَّب سقطت الفدية، كذلك تغطية الرأس لو نسي وغطَّى رأسه سقطت الفدية، والرابع:(دون وطء).

إذن ثلاثة: اللبس والطيب وتغطية الرأس، ومثله النقاب للمرأة ولبس القفازين؛ لأن المعنى واحد.

(دون وطء وصيد وتقليم وحلق)، هذه أربعة لا تسقط لا بالنسيان، ولا بالجهل، ولا بالإكراه، إلا ما سبق ويأتي، لو أن الإنسان وطئ جاهلًا لا يدري أن الوطء حرام، وكون الْمُحْرِم لا يدري أن الوطء حرام بعيد، لكن قد يطأ متأوِّلًا.

مثاله: إنسان بعد أن انصرف من عرفة وبات في مزدلفة ظنّ أن قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» (7)، وقوله لعروة بن مُضَرِّس:«وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» (8)، ظن أن الحج انتهى، فجامَع زوجته ليلة العيد في مزدلفة، عليه الفدية أو لا؟

طالب: عليه.

الشيخ: على كلام المؤلف؟ عليه الفدية، لماذا عليه الفدية؟ قالوا: لأنه إتلاف، أيش لون إتلاف؟ ويش أتلف؟ قالوا: لأنه لو كانت بكرًا لأتلف بكارتها، لكن هذه له أربعون سنة معها، ما هي بكر، ويقولون: نعم، نحمل هذا على هذا، وهذا كما ترى ضعيف جدًّا.

وقالوا: إن وطء المرأة بشبهة يوجِب المهر، والشبهة جهل، فلما أوجب المهر يوجِب الفدية، والفرق ظاهر، الوطء بشبهة إذا أوجبنا فيه المهر فالمهر لمن؟

طالب: للموطوءة.

ص: 381

الشيخ: إي: للموطوءة، لكن لحق آدمي، أما حق الله عز وجل فالله تعالى أوسع عفوًا من خلقه فيسقط بالجهل، الثاني: الصيد، لو أن الإنسان صاد صيدًا مُحَرَّمًا في الإحرام ناسيًا فعليه؟ الجزاء، لماذا؟ قالوا: لأنه إتلاف، والإتلاف يستوي فيه الجاهل والناسي.

فنقول: نعم، إتلاف حق الآدمي واضح أنه يستوي فيه الجاهل والناسي، لكن إذا كان الحق لله، وقد عفا عز وجل عن عباده إذا وقعت منهم مخالفة نسيانًا، كيف نلزمهم؟ وكيف نلزمه والآية صريحة:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} ؟ وهذا لم يتعمد، نسي أنه مُحْرِم، أو نسي أن الصيد حرام، المؤلف يقول:(لأنه إتلاف).

تقليم الظفر، لو أن الإنسان مثلما يفعل بعض الناس الآن يعض ظفوره ولَّا لا؟

طلبة: بلى.

الشيخ: تشوفون الناس؟ إنسان ناسٍ قام يعض في الظفر، عض الإبهام ثم السبابة ثم الوسطى، ثلاثة، الثلاث فيهم دم ولَّا؟

طالب: نعم.

الشيخ: فيهم دم، وهو ناسٍ، فقال له صاحبه: يا فلان ليش؟ قال: والله نسيت إني مُحْرِم، نقول: يلزمك شاة، وهو ناسٍ، ليش؟ قالوا: لأنه إتلاف، إتلاف أيش؟ ويش يسوى الظفر؟ لا شيء.

بل أنتم تقولون: إننا ألحقنا تحريم حلق الأظفار بالتَّرَفُّه بالطِّيب ونحوه، والطيب تقولون: إنه إذا تطيب ناسيًا لا شيء عليه، فمن عجب أن يكون الفرع أشد من الأصل، ومعلوم لكل أحد أن الأظفار ما لها قيمة، وأننا إن منعنا منها فمن أجل أيش؟ التَّرَفُّه، والتَّرَفُّه من أقوى ما يكون ترفُّهًا الطيب، وقد سقطت فديته بالنسيان، فهذا من باب أولى.

والحلق، لو أن إنسانًا نسي وحلق شعرًا من رأسه وأقلُّه كم؟ ثلاث على كلام الفقهاء رحمهم الله، أو من أي بدنه، أو من أي مكان من بدنه ناسيًا فعليه الفدية، لماذا؟ قال: لأنه إتلاف، فيقال: هذا إتلاف لما لا قيمة له، بل إتلاف ما ينبغي إتلافه أحيانًا كشعر العانة والإبط مثلًا إذا قلنا بالتعميم.

ص: 382

فالحاصل يا إخواننا أن القول الضعيف كلما قَلَّبْتَه ازداد ضعفًا، وتَبَيَّن أنه ليس له أصول ينبني عليها، وعندنا قاعدة -والحمد لله- أعظم من الجبل، وأقوى من الحجارة، وهي قول الله تبارك وتعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} ، فقال الله تعالى: قد فعلت، وما دام هذا كلام الله عز وجل فلا قول لأحد بعد قول الله ورسوله.

ثم قال: (وكل هَدْي أو إطعام).

طالب: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} .

الشيخ: نعم.

الطالب: تعمَّد التأخير إذا رجع إلى أهله؟

الشيخ: الظاهر لا، إنه واجب على التراخي، لكن ينبغي أن يبادر؛ لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له.

طالب: أحسن الله إليكم، قفازَا المرأة إذا كانَا لحاجة وتتكشف بدونهما؟

الشيخ: أيش؟

الطالب: لبس القفازين؟

الشيخ: ما الحاجة، ما هي الحاجة؟ لبس القفازين للمرأة لحاجة، ما هي الحاجة؟

الطالب: إذا خلعتهما، قد يراها أحد.

الشيخ: لا، ما يراها، تستر بكم العباءة.

طالب: أحسن الله إليك، المحصور إذا رُدّ إلى وطنه بإحرامه ماذا يفعل؟

الشيخ: ما يُرَدّ؛ لأن المحصور إذا تعذر عليه الوصول إلى مكة يتحلَّل، يلبس ثيابه العادية، ويذبح الهدي.

الطالب: أحيانًا يعني بعض الناس للمخالفات تطاردهم منهم محرمون ويقبضون، وعلى طول يردونهم إلى بلادهم؟

ص: 383

الشيخ: هذا ما هو حصار، يتحلَّل والحمد لله، ومثل هؤلاء الذين يفعلون المخالفات ينبغي لهم أن يشترطوا: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، من أجل ألَّا يلزمهم دم، ثم هذه المخالفات يا إخوان أنا أعجب من بعض الناس، لكن أحب شيء إلى الإنسان ما مُنِعَ، تجده لولا المنع يمكن ما يحج، وإذا كان ممنوعًا فمخالفة ولاة الأمور مُحَرَّمة، إلا فيما يجب، فما يجب لا يمكن أن يُطَاعُوا فيه، وأما ما لا يجب فإذا نظمت الحكومة تنظيمًا فيه راحة الخلق فهذا حق أن يمتنع الناس منه، والحمد لله ما دام الحج نفلًا وطاعة ولي الأمر واجبة، وكما قلنا لكم قبل ليلة: إننا إذا أطعنا ولي الأمر لا نطيعهم لأنهم بشر، هم مثلنا، لكن نطيعهم لأنهم أولياء أمورنا، وقد أمرنا الله بطاعتهم في غير المعصية.

طالب: بالنسبة جزاء الصيد، إذا اختار الإنسان الصيام فهو يصوم عن كل مُدّ؟

الشيخ: عن إطعام كل مسكين يومًا.

الطالب: قلنا يا شيخ: المد نصف صاع.

الشيخ: نصف نصف الصاع.

الطالب: ليش اخترنا المد مع إنها نصف صاع للإطعام؟

الشيخ: يقولون: إن البُرّ أحسن من غيره، وأن قيمة الصاع من البُرّ تعادل قيمة صاعين من التمر أو أكثر، وهذا شيء الاختلاف فيه معروف، فإن معاوية رضي الله عنه لما قدم المدينة قال: أرى مُدَّيْن من هذه تساوي صاعًا، فتبعه الناس في هذا، ولكن بعض الصحابة قال: أنا لا أتبعه، أنا لا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومنهم أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.

طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، إذا لزم الْمُحْرِم في فعل محظور فدية، والفدية تختلف الثمن من موضع إلى موضع، ومن زمن إلى زمن، رغم إذا أُخِّر في شراء الفدية أُخِذ بعض الثمن أو قَلّ بعض الثمن، فهل له أن يُؤَخِّر؟

الشيخ: إلى متى؟

الطالب: إلى ما بعد الحج.

ص: 384

الشيخ: إلى ما بعد الحج، هذا إذا كان الهدي يجب أن يُذْبَح في أيام الذبح، وهي يوم العيد وثلاثة أيام من بعده فلا يجوز أن يُؤَخِّر، ولو أَخَّرَ متعمدًا لم يجزئ، وأما إن لم يكن كذلك مثل فعل المحظور فله ذلك، لكنه لا ينبغي أن يفعل إلا إذا كانت الدراهم اللي معه قليلة ويخشى أن يضيق عليه.

الطالب: ويختلف من بلد إلى بلد؟

الشيخ: لا، ما فيه بلد إلى بلد، تبغي تذبحه هناك في أفريقيا ولَّا في جبل طارق، لا، هذا في مكة، دم الإحصار حيث وُجِدَ الإحصار، ولهذا ذبح النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم هَدْيَه في الحديبية.

فعل المحظور في مكانه، ويجوز في مكة، تَرْك الواجب لازم في مكة، هَدْي التمتع والقِرَان لازم في مكة، وانتبهوا أن ما يجب -هو سيأتينا إن شاء الله لكن أخونا استعجل- سيأتينا أن مكان الذبح في هدي التمتع هو الحَرَم، ولذلك لو ذبح الإنسان هدي التمتع في عرفة ما يجزئ، وهذا قد يفعله بعض الناس، يقول: مِنى فيها ضيق أَرُوح أطلع برة أذبحه في عرفة وأدخل به إلى منى، هذا لا يجزئ؛ لأن له مكانًا معينًا، جزاء الصيد كذلك لا بد أن يكون في الحَرَم.

طالب: إذا خطب الإنسان في الحج جاهلًا امرأة.

الشيخ: نعم.

الطالب: كيف تكون؟

الشيخ: لا يعقد عليها، ينتظر حتى يحل من نسكه ثم يعقد عليها.

الطالب: لكن أيش لو تَزَوَّج وحُكْم الزواج بعد، هل يجب عليه إعادة العقد؟

الشيخ: إي نعم، لو تزوَّج لوجب عليه إعادة العقد، كما لو صام قضاء رمضان في أيام التشريق جاهلًا فإنه يلزمه إعادة ما صام.

طالب: مَن اضطر إلى فِعْل محظور أو تَرْك واجب فهل تجب عليه الفدية؟

الشيخ: إي نعم، لأن مَن اضطر إلى فعل محظور كما سمعت في حديث كعب بن عجرة، مضطر ومع ذلك أُلْزِم بالفدية.

الطالب: المحظور الذي ارتكبه فيه إتلاف؟

الشيخ: ما هو بقيمة الشعر هذا، الشعر ما له قيمة، لكن انتهاك المحظور.

ص: 385

الطالب: لماذا يا شيخ ما نقيس الاضطرار على النسيان وعلى الجهل وغير ذلك من الأعذار؟

الشيخ: لأن المضطر يفعله متعمدًا لمصلحته، لمصلحة نفسه.

ارفع يدك، لا تلتفت جزاك الله خير، ارفع يدك.

طالب: بعض الحيوانات يا شيخ التي يجوز اصطيادها تعيش في البَرّ وفي البحر، فماذا يكون الحكم فيها؟

الشيخ: مثل أيش؟

الطالب: البط.

الشيخ: البط، هو يعيش في البحر البط؟

طالب: (

) يعوم (

).

الشيخ: يعوم صحيح، لكن ما يعيش في البحر، لو انغمس مات، لكن فيه شيء يعيش هنا وهناك، يقول العلماء رحمهم الله: إنه إذا كان يعيش في البَرّ والبحر فيغلَّب جانب الحذر، ويصير ممنوعًا.

طالب: أحيانًا يذبح الإنسان في أيام منى، وخاصة يوم العيد والذي بعده، بعض الناس يذبحون ويتركونه مكانه، وما يأكله أحد الهدي الذي ذبح، هل هذا يجزئ؟

الشيخ: لا يجزئ، هذه مسألة سمعتموها، بعض الناس يذبح الهدي في منى ويتركه ولا أحد يأخذه، نقول: لا يجزئه، لأنه يحب أن يطعم منها الفقراء، {أَطْعِمُوا} [الحج: 28]، يجب، والحقيقة أن الناس يتركون ذلك إما كسلًا وإما تعبًا؛ لأنه مع الزحام الشديد يتعب، ولكن نقول: الحمد لله الأمر واسع، اقطع يدها أو رجلها، وخذها معك، وأي فقير تلقاه أعطها إياه، ويكفي، أفهمت؟

طالب: حكم مَن أَخَّر صيام الأيام السبعة حتى حج من العام المقبِل؟

الشيخ: نعم، يصومه.

الطالب: متى يصومه؟

الشيخ: يصومه متى شاء، لكن ما هي على الفور.

طالب: القول بأن السفر من مكة للمزدلفة سفر؟

الشيخ: أيش؟

الطالب: القول بأن السفر من مكة إلى المزدلفة سفر، فهل له أن يبقى أيام تمتعه فيها ويعتبر متمتعًا؟

الشيخ: كيف؟

الطالب: هل له أن يبقى أيام تمتعه فيها؟

الشيخ: هو من أهل جدة هو؟ أهل جدة إذا رجعوا إليها ثم عادوا مُحْرِمِين بالحج بطل تمتعهم؛ لأنه إذا رجع المتمتع إلى بلده بطل تمتعه.

الطالب: أليس العبرة بالبلد لأنها سفر؟

ص: 386

الشيخ: لا، مطلقًا؛ لأنه جَدَّد سفرًا إلى مكة، وهو إذا انطلق من جدة إلى مكة بيصل إلى عرفة، أهل مكة كانوا مسافرين مع الرسول عليه الصلاة والسلام في الحج، وهم أقرب إلى عرفة من أهل جدة.

طالب: (

).

الشيخ: يكون مُفْرِدًا.

***

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى في كتاب المناسك في باب الفدية: وكل هَدْي أو إطعام فلمساكين الحرم، وفدية الأذى واللبس ونحوهما ودم الإحصار حيث وُجِدَ سببه، ويجزئ الصوم بكل مكان، والدم شاة أو سبع بدنة، وتجزئ عنها بقرة.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إذا كَرَّرَ الْمُحْرِم محظورًا فهل تتكرر الفدية؟

طالب: على كلام المؤلف إذا كان المحظور من جنس واحد، فإن فَدَى عن الأول يفدي لكل محظور، وإن لم يَفْدِ يكفيه فدية واحدة.

الشيخ: أحسنت، إذا كَرَّر جنس واحد فإن فدى عن الأول؟

طالب: فدى عن الثاني.

الشيخ: فدى عن الثاني، وإلا فدى عن الجميع فدية واحدة، لكن لو أَخَّر الفدية لئلا تتكرر؟

طالب: إذا أَخَّر الفدية فإنه يعاقب بنقيض قصده.

الشيخ: كيف يعاقب بنقيض قصده؟

الطالب: يُلْزَم لكل واحد فدية.

الشيخ: يُلْزَم لكل واحد فدية؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يسقطه.

إذا احتاج إلى تغطية الرأس فغطَّى رأسه ثم كشفه عند النوم ثم قام وغطاه، هل تتكرر الفدية أو لا؟

طالب: من فعل ذلك لا تتكرر الفدية.

الشيخ: لماذا؟

الطالب: هو أصلًا فعله لحاجة، فأبيحت له في (

).

الشيخ: تمام، إذا فعله لا تتكرر الفدية؛ لأنه فعله لحاجة فارتفع عنه تحريم هذا المحظور.

لو رفض إحرامه لئلا يلزمه الفدية ماذا تقول؟

طالب: لا يتبرأ من الإحرام.

الشيخ: لا يقع الرفض، يعني يبقى على إحرامه، حتى لو قال: أشهدكم أني فسخت نسكي، توافقون على ذلك؟

طلبة: نعم.

الشيخ: هذا ما مشى عليه المؤلف رحمه الله.

لو كان صغيرًا ورفض إحرامه؟

ص: 387

طالب: لو كان صغيرًا؟

الشيخ: نعم.

الطالب: (

).

الشيخ: لا، هو عشر سنوات ولَبَّى، قال: لبيك عمرة، أو لبيك حجًّا؟

الطالب: في وقتنا هذا له ذلك.

الشيخ: في وقتا هذا له ذلك، وقبل هذا الوقت؟

الطالب: (

).

الشيخ: المهم أعطنا جوابًا محددًا؟

الطالب: على كلام المؤلف أنه لا يَحِلّ؛ صغيرًا أو كبيرًا.

الشيخ: أحسنت، تمام، على كلام المؤلف وهو المذهب أنه حتى لو كان صغيرًا يُلْزَم بالإكمال، القول الثاني؟

طالب: له ذلك.

الشيخ: له ذلك.

الطالب: لا يُلْزَم بإتمامه.

الشيخ: لا يلزم بإتمامه لأنه؟

الطالب: لا يجب عليه أصلًا.

الشيخ: غير مكلَّف، ما هو لم يجب عليه أصلًا، غير مكلَّف، وإلا لو قلنا بتعليلك لقلنا: إن النفل يجوز فسخه، هل تعدّ العمامة تغطية رأس أو لبْسًا؟

طالب: هي لبس وتغطية رأس.

الشيخ: لبس وتغطية رأس؟ يعني إذن لو لبس قميصًا ولبس عمامة لزمه فديتان؟

الطالب: (

).

الشيخ: الجنس، إذا قلنا: إنها لباس صارت من جنس القميص، وإن قلنا: إنها تغطية رأس، صارت جنسًا آخر.

الطالب: ولا يلزمه إلا فدية واحدة عليه.

الشيخ: المهم، أتقول: إنها لباس أو لا؟

الطالب: لباس.

الشيخ: لباس، إذن لو لبس قميصًا وعمامة لم يلزمه إلَّا؟

الطالب: فدية واحدة.

الشيخ: فدية واحدة، ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا يَلْبَسِ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْعَمَائِمَ» (9)، فجعلها من باب اللبس.

ما هي المحظورات التي تسقط بالنسيان؟

طالب: المحظورات التي تسقط بالنسيان؟

الشيخ: تسقط فديتها بالنسيان.

الطالب: تغطية الرأس، وتقليم الأظافر.

الشيخ: خطأ، نريد أن نقرِّر أولًا كلام المؤلف.

الطالب: تغطية الرأس، والتطيب.

الشيخ: نعم.

الطالب: ولبس المخيط.

الشيخ: ولبس المخيط، كلمة (المخيط) قلنا: إننا رفضناها، واللبس؟

الطالب: واللبس المحظور يعني.

الشيخ: واللبس المحظور، والذي لا يسقط؟

طالب: تقليم الأظفار، والصيد.

ص: 388

الشيخ: الصيد.

الطالب: وإزالة الشعر.

طالب آخر: الوطء.

الشيخ: والوطء، ما هو القول الراجح في هذا؟

طالب: أن الناسي والْمُكْرَه والجاهل ليس عليهم فدية.

الشيخ: ليس عليهم فدية مطلقًا في كل المحظورات؟

طالب: إلا الصيد.

الشيخ: إلا الصيد.

طالب: إذا صاده لنفسه.

الشيخ: لا لا، إنسان جاهل أو ناسٍ أو مُكْرَه.

الطالب: نعم كل المحظورات.

الشيخ: كل المحظورات؟

الطالب: نعم.

الشيخ: لا يُسْتَثْنَى شيء؟

الطالب: نعم.

الشيخ: عندك معارضة؟

طالب: إي نعم، الصيد يا شيخ.

الشيخ: الصيد إذا صاده ناسيًا فعليه الجزاء؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} .

الطالب: نعم؛ لأن الصيد يا شيخ إذا كان بالعمد هذا جاهل ما هو ناسٍ، أقول: متعمدًا؟

الشيخ: إي، متعمد.

الطالب: المتعمد للشيء ما عليه شيء.

الشيخ: ما عليه شيء، المتعمد ما عليه شيء.

الطالب: لا، أقول.

الشيخ: اعكس تصل.

الطالب: يعني ما هو متعمد.

الشيخ: السؤال الآن ناسيًا، رجل نسي لما رأى الصيد انزعج، وعلى طول أخذ البندق ورماه، ناسيًا؟

الطالب: ما عليه شيء يا شيخ.

الشيخ: ما عليه شيء؟

الطالب: بدليل الآية يا شيخ.

الشيخ: إي، أحسنت، إذن القول الراجح: إن جميع المحظورات في الإحرام، والمحظورات في الصيام، والمحظورات في الصلاة وفي جميع العبادات يسقط إثمها بالجهل والنسيان والإكراه، ويسقط ما يترتب على فعله من فدية أو جزاء، أفهمتم؟ أو جزاء أو كفارة.

قال: (وكل هَدْيٍ أو إطعام فلمساكين الحرم)، (كل هدي)، ما الهدي؟ الهدي التمتع، وهَدْي القِرَان، وهَدْي ترك الواجب، هذا كله لمساكين الحرم، أي: لفقراء الحرم، وليس لفقراء أهل مكة فقط، بل لفقراء الحرم، كل ما كان داخل حدود الحرم فإنهم يستحقون هذا، هَدْي التمتع لِمَن؟

طالب: فقراء الحرم.

ص: 389

الشيخ: نعم، لفقراء الحرم، لكن يجوز نقله إلى مكان آخر؛ لأن هَدْي التمتع للإنسان أن يتصرف فيما زاد على الواجب، إذ إنه يُؤْكَل منه ويُهْدَى ويُتَصَدَّق.

ترك الواجب؛ الدم الواجب لترك الواجب أين مكانه؟ لفقراء الحرم، ولا يجوز نقله عنه، لماذا؟ لأن الهدي الواجب لترك الواجب مثل الكفارة؛ لا يملك الإنسان منه شيئًا، وإذا كان لا يملك منه شيئًا وجب أن يُسَلَّم إلى أهله وهم أهل الحرم.

وقوله: (أو إطعام) يعني: أو إطعام بدل الهدي، وذلك في جزاء الصيد، الإطعام يجب في جزاء الصيد إذا لم يأتِ بجزاء المثل، فأين يكون؟ يكون لفقراء الحرم.

وقوله: (لمساكين الحرم) يعني: للمساكين الذين في الحَرَم، وليس يلزم أن يكونوا من أهل الحرم، وعلى هذا فالفقراء الآفاقِيُّون في الحرم يُعْطَوْن من هذا الهدي.

(وفدية الأذى واللبس ونحوهما، ودم الإحصار حيث وُجِدَ سببه)، هذه الأشياء فدية الأذى واللبس ونحوهما، ولو قال المؤلف: وفدية المحظورات، جميع المحظورات تكون حيث وُجِدَ سببها.

مثال ذلك: رجل أحرم من ذي الْحُلَيْفَة، في أثناء الطريق ارتكب محظورًا تجب فيه الفدية، أين تكون؟ في نفس المكان؛ لأنه المكان الذي وقعت فيه المخالفة، فكان جزاء المخالفة لأهل المكان، لو أراد نقله إلى الْحَرَم فلا حرج؛ لأن هذا هو الأصل، الأصل أن كل ما يتعلق بالإحرام في الحَرَم، لكن لما كان ارتكاب المحظور في مكان وحصل فيه المخالفة قلنا: لا بأس أن تجعله في مكان المخالفة، إذن الدم الواجب لفعل محظور يكون؟

طالب: حيث وُجِدَ.

الشيخ: حيث وُجِدَ سببه، دم الإحصار كذلك يكون حيث وُجِدَ سببه، ومن المعلوم أن الإحصار في الغالب لا يمكن أن يصل إلى الحرم، لكن ربما يُحْصَر عن دخول مكة، يعني بين حدود الحرم ومكة، فنقول: يُذْبَح حيث وُجِدَ سببه.

ص: 390

ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما حَصَرَهُ المشركون في عمرة الحديبية أمر بذبح الْهَدْي في المكان، فذبحوه في المكان، هذا دليل واضح، ولا يُلْزَم أن ينقله إلى مكة؛ لأنه محصور عنها، لو أراد أن يذبح فدية المحظور أو تَرْك الواجب في بلده وقال: إن بلدنا أشد حاجة من أهل مكة، يجوز؟

طلبة: لا.

الشيخ: لا يجوز؛ لأننا قلنا: هدي التمتع والقِرَان وفدية تَرْك الواجب وجزاء الصيد أربعة كلها تكون؟ في مكة، في الحرم أعم من مكة، المحظورات غير جزاء الصيد تكون حيث وُجِدَ سببها، ويجوز في مكة، دم الإحصار؟

طالب: حيث وُجِدَ سببه.

الشيخ: حيث وُجِدَ سببه، ولا سبيل إلى الوصول إلى مكة، ما الذي أخرج جزاء الصيد عن فدية بقية المحظورات؟ أخرجه النص في القرآن، كما قال عز وجل:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]، وما دام فيه النص فإنه يجب الوقوف على ما جاء به النص.

قال: (ويجزئ الصوم بكل مكان)، معلوم؛ لأن الصوم ما فيه حظ لأحد حتى نقول: يراعى المكان، فيجزئ الصوم بكل مكان، فلو صام الإنسان عن فدية الأذى ثلاثة أيام في غير مكة، وفي غير فعل المحظور، لنفرض أنه فعل المحظور ثم سافر إلى جدة وصام هناك، يجوز؟

طلبة: يجوز.

الشيخ: يا إخواننا؟

طلبة: يجوز.

الشيخ: فَعَل المحظور في مكة وسافر إلى جدة وصام، يجوز؟

طلبة: نعم.

الشيخ: إي، تمام؛ لأن الصوم نفعه لا يتعدى فيجزئ بكل مكان.

قال: (والدم شاة أو سُبْع بدنة ويجزئ عنها بقرة)، الدم إذا أُطْلِق في كلام الفقهاء فهو شاة، والشاة إذا أُطْلِقَت فهي الواحدة من الضأن والمعز، ذكور أو إناث، فكلما قرأت في كتب الفقهاء: عليه دم، عليه دم، يجب دم، فالمراد ما ذكره المؤلف:(شاة) أي: واحدة من المعز أو الضأن من ذكور أو إناث.

(أو سُبْع بدنة) أي: بعير.

ص: 391