الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطأ من غير عمد، فإن كان قليلا فلا حرج عليه إلا إن كثر خطؤه فيكون جرحا وطعنا في ضبطه وإتقانه أما الإدراج لتفسير شيء من معنى الحديث، ففيه تسامح، ولذلك فعله الزهري وغير واحد من الأئمة والأولى أن ينص الراوي على بيانه1.
المؤلفات في المدرج: قد ألف فيه الخطيب البغدادي كتابا سماه "الفصل للوصل المدرج في المتن". فشفى وكفى على ما فيه من إعواز، وقد لخصه شيخ الإسلام ابن حجر وزاد عليه قدره مرتين أو أكثر في كتاب سماه "تقريب المنهج بترتيب المدرج".
1 تدريب الراوي 96-98، مقدمة ابن الصلاح ص106-108.
"
المقلوب
":
المقلوب: اسم مفعول من قلب، وهو في اللغة المحول والمصروف عن وجهه الصحيح قال في المصباح "قلبته قلبا من باب ضرب حولته عن وجهه وكلام مقلوب مصروف عن وجهه، وقلبت الرداء حولته وجعلت أعلاه أسفله".
وفي اصطلاح المحدثين: هو الحديث الذي وقع تغيير في متنه أو في سنده بإبدال أو تقديم وتأخير ونحو ذلك.
وهو قسمان:
1-
مقلوب المتن.
2-
مقلوب السند.
"مثال مقلوب المتن": حديث أبي هريرة في السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله
…
ففي بعض طرق مسلم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله"، فقد انقلب على أحد الرواة، وإنما هو كما في صحيح البخاري وبعض طرق مسلم:"حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"
وهو الصحيح فالإعطاء عادة باليمين لا باليسار، ومنه حديث أخرجه الترمذي مرفوعا:"إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه"، أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب، وأخرجه ابن ماجه والنسائي بدون جملة:"وليضع"
…
وأخرجه الترمذي أيضا وحسنه وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم وقال: على شرط مسلم وغيرهم من حديث وائل بن حجر بلفظ: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه"، ولهذا صرح ابن القيم في زاد المعاد بأن الحديث الذي فيه:"وليضع يديه قبل ركبتيه" انقلب على بعض رواته، فكان الأصل:"وليضع ركبتيه قبل يديه"، فقدم بعض الرواة اليدين على الركبتين، والرواية المقلوبة يناقض أولها آخرها.
وأما القلب في الإسناد فقد يكون خطأ من بعض الرواة في اسم راو أو نسبه كأن يقول في مرة بن كعب، كعب بن مرة أو يكون حديثا مشهورا عن راو فيجعله عن راو آخر ليصير مرغوبا فيه كأن يكون الحديث مرويا عن سالم بن عبد الله، فيجعله عن نافع، أو يبدل الإسناد بإسناد آخر مثل ما روى حماد بن عمرو النصيبي -الكذاب- عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: "إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدءوهم بالسلام
…
" الحديث. فإنه مقلوب قلبه حماد فجعله عن الأعمش، وإنما هو معروف عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، أخرجه مسلم، وهذا الصنيع هو الذي يطلق على راويه أنه يسرق الحديث إذا قصد إليه.
وكما يقع القلب قصدا من الراوي يقع غلطا، ومثاله ما روى إسحاق بن عيسى الطباع قال: حدثنا جرير بن حازم عن ثابت البناني عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني"
قال إسحاق بن عيسى: فأتيت حماد بن زيد، فسألته عن الحديث، فقال: وهم أبو النضر -هو جرير بن حازم- إنما كنا جميعا في مجلس ثابت، وحجاج ابن أبي عثمان معنا، فحدثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" ، فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت عن أنس، فقد انقلب الإسناد على جرير، والحديث معروف من رواية يحيى بن أبي كثير رواه مسلم والنسائي من طريق حجاج بن أبي عثمان الصواف.
"القلب عمدا": قد يقلب بعض المحدثين إسناد حديث قصدا للامتحان كما فعل علماء بغداد حين قدم عليهم الإمام البخاري، فإنهم اجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا لإسناد آخر وإسناد هذا لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وأخذوا الوعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم من البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه وهكذا حتى انتهى من أحاديثه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: فهم الرجل، ومن كان منهم غير ذلك يحكم على البخاري بالعجز والتقصير وقلة العلم، ثم انتدب إليه رجل آخر فصنع مثل ما صنع الأول والبخاري يقول: لا أعرفه، وهكذا حتى تم العشرة فلما انتهوا التفت البخاري إلى الأول فقال له: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، وهكذا حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها، فأقر له العلماء بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل.