الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا ما يعينك -إن شاء الله- على القدرة على قراءة هذه الكتب المخطوطة القديمة ومعرفة مناهجها في الكتابة بل وتحقيقها تحقيقا علميا صحيحا إن قدر لك أن تدخل في هذا المضمار: مضمار تحقيق المخطوطات، وإبرازها من عالم الخط إلى عالم الطباعة، وتلقي بدلوك في الدلاء.
وأحب أن أقول بهذه المناسبة: إن المحدثين قد سبقوا إلى كثير مما كتبه المحدثون من بحوث في كيفية تأليف الكتب والرسائل العلمية وأذكر أن أخانا الأستاذ الدكتور أحمد شلبي أهداني "رسالته" التي موضوعها: "كيف تؤلف رسالة" وبعد قراءتها أهديته نسخة من كتابي "علوم الحديث" وقلت له: اقرأه، وستجد أن الكثير مما ذكره المعاصرون في هذا قد سبق إليه المحدثون في كتبهم التي ألفوها في "علوم الحديث" و"أصوله" و"مصطلحه".
"
صفة رواية الحديث وآدابها
":
قدمت في أول هذا الكتاب تعريف الرواية، وأقسامها، وتاريخها، وأركانها، وشروطها، وطرق التحمل والأداء فكن على ذكر مما ذكر وسنذكر في هذا الفصل ما طويناه فيما سبقن وسنفصل ما أجملناه.
وقد شدد قوم في الرواية فأفرطوا، وتساهل فيها آخرون ففرطوا، فمن المشددين من قال: لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره، روي ذلك عن مالك وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى، وأبي بكر الصيدلاني رحمه الله، فروى الحاكم بسنده عن أشهب1 قال: سئل مالك: أيؤخذ العلم ممن لا يحفظ حديثه وهو ثقة؟ فقال: لا، فقال: فإن أتى بكتب
1 أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي أبو عمرو الفقيه المصري تلميذ الإمام مالك قيل: اسمه مسكين، ولقبه أشهب توفي في شعبان سنة أربع ومائتين.
فقال سمعتها وهو ثقة؟ فقال: لا يؤخذ عنه، أخاف أن يزاد في حديثه في الليل وهو لا يدري".
وروي عن أشهب أيضا قال: سئل مالك عن الرجل الغير الفهم1 يخرج كتابه فيقول: هذا سمعته. فقال: "لا تأخذ إلا عمن يحفظ حديثه أو يعرف".
وروى البيهقي عن مالك، وعن أبي الزناد قالا:"أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون، لا يؤخذ عنهم شيء من الحديث، يقال: ليس من أهله" ولفظ مالك، "لم يكونوا يعرفون ما يحدثون" أقول: وهذا النص يدل دلالة ظاهرة على أنه لا يكتفى في الرواية بالعدالة فحسب بل لا بد من الضبط واليقظة، وعدم الغفلة، وأنه لا بد أيضا من العلم والفهم للمروي.
قال السيوطي: "وهذا مذهب شديد، وقد استقر العمل على خلافه".
ومنهم من جوزها من كتابه إلا إذا خرج من يده بالإعارة أو الضياع أو غير ذلك، وهذا أيضا تشديد.
وأما المتساهلون فقد تقدم في "باب التحمل والأداء" طرف منهم، ومنهم قوم رووا من نسخ غير مقابلة بأصول، فجعلهم الحاكم أبو عبد الله مجروحين قال: وهذا كثير قد تعاطاه قوم من أكابر العلماء والصالحين.
والصواب: ما عليه الجمهور، وهو التوسط بين الإفراط والتفريط، لأن خير الأمور الوسط، وما عداه شطط.
فإذا قام الراوي في الأخذ والتحمل عن الشيوخ، والمقابلة لكتابه بما
1 في التدريب: الغير فهم وهو خطأ فإن المضاف إذا كان فيه "أل" لزم أن تكون في المضاف إليه فأوردته على الصحيح.