الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
القول الثاني
":
وهو ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الحديث القدسي لفظه من عند النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه هو الذي أوحي به من الله تبارك وتعالى.
وعلى هذا يكون الفرق بينه وبين الحديث النبوي: أن معنى الحديث النبوي قد يكون بالوحي وقد يكون بالاجتهاد، والذي عليه المحققون من العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد لكنه لا يقر على الخطأ بل لا بد أن ينزل الوحي من الله مصوبا ومنبها.
وإذا اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم وسكت عن اجتهاده الوحي كان ذلك بمثابة الموحى به، وأما الحديث القدسي ففيه التنصيص على أنه بوحي من الله وبكون الفرق بينه وبين القرآن الكريم حينئذ هي الفروق التسعة التي ذكرناها في القول الأول من باب أولى.
ونزيد هنا فرقا عاشرا: وهو أن القرآن الكريم لفظه من عند الله قطعا، وأما الحديث القدسي فلفظه من عند النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
أمثلة للأحاديث القدسية:
الأحاديث القدسية كثيرة، ومن العلماء من بلغ بها إلى نحو مائة أو تزيد، ومنهم من وصل إلى أكثر من ضعف ذلك وإليك بعض الأمثلة في هذا:
1-
ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه قال: "إذا تقرب العبد إلي شبرا 1 تقربت إليه ذراعا 2 وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا 3 وإذا
1 الشبر: ما بين طرفي الخنصر والإبهام من يد الإنسان.
2 الذراع: من أطراف أصابع اليد إلى المرفق.
3 الباع: ما بين أطراف أصابع اليد اليمنى، وأطراف أصابع اليد اليسرى.
أتاني يمشي أتيته هرولة" 1، ورواه مسلم من ضمن حديث.
2-
وما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم قال: "لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزى به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" ، والحديث رواه مسلم أيضا.
3-
ما رواه البخاري ومسلم في صحيحها بسنديهما عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه قال: "لا ينبغي لعبد أن يقول: إنه خير من يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه" 2 ولفظ مسلم: "أنا خير
…
".
4-
وروى البخاري ومسلم في صحيحهما3 بسنديهما عن زيد بن خالد الجهني قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية4 في إثر سماء5 كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "تدرون ماذا قال ربكم؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي، كافر بالكواكب وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب".
5-
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت
1 الهرولة: الإسراع في المشي مع تقارب الخطا وهز الكتفين.
2 صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه وانظر صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب ذكر يونس عليه السلام.
3 صحيح البخاري كتاب الصلاة باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، وكتاب الاستسقاء، باب:{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ} . وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب كفر من قال: مطرنا بالنوء.
4 الحديبية: موضع بالقرب من مكة قيل: خارج الحرم وقيل: داخله.
5 أي مطر.
الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني1 أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم، وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط2، إذا دخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها3، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه"4.
6-
وروى البخاري ومسلم5 في صحيحهما بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ 6 ذكرته في ملأ هم خير منهم، وإن تقرب إليّ شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".
1 السين والتاء للطلب أي اطلبوا مني الهداية أهدكم، وكذلك السين والتاء في كل ما يأتي للطلب.
2 الإبرة الملساء.
3 أي ثوابها.
4 صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الظلم.
5 البخاري، كتاب التوحيد، باب "تعلم ما في نفسي
…
". ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الذكر والدعاء.
6 الملأ: أشراف القوم ورؤسائهم.