الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الألفاظ الدالة على الوضع كناية فمثل قولهم: هذا الحديث من بلايا فلان، أو سنده مظلم أو عليه ظلمات وهذه العبارات تكثر في "الميزان" للذهبي، و"لسان الميزان" لابن حجر، وأما قولهم: هذا مطروح، فمنهم من ألحقه بالموضوع، ومنهم من جعله دون الموضوع، ومنهم من جعله كالمتروك.
حكم رواية الموضوع:
لا يحل رواية الموضوع في أي باب من الأبواب إلا مقترنا ببيان وضعه سواء في ذلك ما يتعلق بالحلال والحرام أو الفضائل أو الترغيب والترهيب والقصص والتواريخ ونحوها، ومن رواه من غير بيان فقد باء بالإثم المبين، ودخل في عداد الكذابين والأصل في ذلك ما رواه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أن رسول الله قال:"من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"1.
وقد حكم كثير من علماء الحديث على من روى الموضوع من غير تنبيه إلى وضعه، وتحذير الناس منه، بالتعزيز، والتأديب، قال أبو العباس السراج: شهدت محمد بن إسماعيل البخاري، ودفع إليه كتاب من ابن كرام، يسأله عن أحاديث منها: حديث الزهري عن سالم عن أبيه2 مرفوعا: "الإيمان لا يزيد ولا ينقص"، فكتب محمد بن إسماعيل على ظهر كتابه: من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل، بل بالغ بعضهم فأحل دمه، قال يحيى بن معين لما ذكر له حديث سويد الأنباري:"من عشق وعف وكتم ثم مات، مات شهيدا" قال: هو حلال الدم.
1 يروى بضم الياء وفتحها والكاذبين بصيغة المثنى أو الجمع فعلى فتح الباء يكون بمعنى يعلم، وعلى ضمها يكون بمعنى يظن فدل على أن من علم أو ظن أنه موضوع لا تحل له روايته، والمراد برواية "الكاذبين" بالتثنية عن وضعه ومن أذاعه، والمراد برواية "الكاذبين" بالجمع أي صار في عدادهم.
2 هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وقد سئل ابن حجر الهيثمي عن خطيب يرقى المنبر كل جمعة، ويروي أحاديث، ولم يبين مخرجيها ودرجتها، فقال: ما ذكره من الأحاديث في خطبه من غير أن يبين رواتها، أو من ذكرها فجائز بشرط أن يكون من أهل المعرفة بالحديث، أو ينقلها من مؤلف صاحبه كذلك، وأما الاعتماد في رواية الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس مؤلفه من أهل الحديث، أو في خطب ليس مؤلفها كذلك فلا يحل، ومن فعل عزر عليه التعزير الشديد، وهذا حال أكثر الخطباء، فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث حفظوها، وخطبوا بها من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحاديث أصلا أم لا فيجب على حكام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك.
أقول: لا يزال بعض الخطباء الذين ليس لهم علم بالحديث: رواية ودراية على هذا ولا سيما الذين لا يزالون يخطبون من الدواوين، والذين يهمهم استرضاء الجماهير فيذكرون لهم أحاديث في الترغيب، والترهيب، أغلب الظن أنها من وضع القصاص الذين كان همهم تملق الجماهير، واستمالتهم بذكر المبالغات والتهاويل والعجائب، والإسلام منها بريء، وما أحق هذه الفئة بأن يحال بينها وبين الخطابة والوعظ والتذكير وفي الأحاديث الصحاح، والحسان، غنية لمن يريد أن يرفق القلوب ويستولي على النفوس فليتق الله هؤلاء.
ومن الحق في هذا المقام أن أقول: إن الكثيرين من الوعاظ والمرشدين والأئمة والخطباء، لهم من علمهم، ووعيهم الديني والثقافي ما يعصمهم من الوقوع في رواية الموضوعات، والقصص الباطلة، والإسرائيليات الزائفة، وتحري الصدق في رواية الأحاديث، وذكر الأقاصيص، وهو أثر من آثار النهضة العلمية التخصصية في الدراسات العليا في الأزهر الشريف، ولا سيما "تخصص التفسير والحديث" و"تخصص الدعوة والوعظ، والإرشاد" مما يزيد عن نصف قرن.