الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
معرفة زيادات الثقات وحكمها
":
وهو فن مهم من فنون علوم الحديث تستحسن العناية به؛ لما يستفاد بالزيادة من الأحكام وتخصيص العام، وتقييد الإطلاق، وإيضاح المعاني إلى غير ذلك.
وإنما يعرف بجمع الطرق والأبواب وسعة الاطلاع على متون الأحاديث والعلم بها.
المشهورون في هذا العلم:
وقد كان إمام الأئمة ابن خزيمة: لجمعه بين الفقه والحديث، مشارا إليه في هذا العلم بحيث قال تلميذه ابن حبان1:"ما رأيت على أديم الأرض من يحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة زادها في الخبر ثقة، حتى كأن السنن نصب عينيه غيره"2، وكذلك كان الفقيه أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد، وأبو الوليد حسان بن محمد القرشي النيسابوريان، وغيرهما من الأئمة كأبي نعيم بن عدي الجرجاني ممن اشتهر بمعرفة زيادات الألفاظ التي تستنبط منها الأحكام الفقهية في المتون وصنيع العلماء في هذا النوع من أنواع علوم الحديث يدل على أن المراد بزيادات الثقات في المتون، أما الزيادات في الأسانيد فقد بحثوها في النوع المسمى "المزيد في متصل الأسانيد"، وقد عرضنا له في هذا الكتاب، وقد أفرد العلماء كلا من الموضوعين بنوع خاص، وعلى هذا يمكننا أن نقول في تعريف هذا النوع:
هو أن يروي أحد الرواة زيادة لفظة أو جملة في متن الحديث لا يرويها غيره.
1 هو الإمام الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي صاحب كتاب "التقاسيم والأنواع" المتوفى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة "354".
2 فتح المغيث ج1 ص199 تدريب الراوي ص156.
"حكم زيادات الثقات" للعلماء في ذلك أقوال وإليك بيان أهمها:
1-
مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين، قبولها مطلقا أي سواء وقعت ممن رواه أولا ناقصا أم من غيره، وسواء تعلق بها حكم شرعي أم لا، وسواء غيرت الحكم الثابت أم لا، وسواء أوجبت نقص أحكام ثبتت بخبر ليست فيه أم لا، علم اتحاد المجلس أم لا، كثر الساكتون عنها أم لا وقد ادعى ابن طاهر الاتفاق على هذا1 فهذا كما حكاه الخطيب هو الذي مشى عليه المعظم من الفقهاء وأصحاب الحديث كابن حبان، والحاكم، وجماعة من الأصوليين كالغزالي في "المستصفى"، وجرى عليه النووي في مصنفاته، وهو ظاهر تصرف مسلم في صحيحه2.
وهذا القول هو الذي رجحه الإمام أبو محمد علي بن حزم، وقد عقد لذلك فصلا هاما بالأدلة الدقيقة في كتاب "الإحكام في أصول الأحكام"، ج2 ص90-96 ومما قال فيه:"إذا روى العدل3 زيادة على ما روى غيره فسواء انفرد بها، أو شاركه فيها غيره، مثله أو دونه أو فوقه فالأخذ بتلك الزيادة فرض، ومن خالفنا في ذلك فإنه يتناقض أقبح تناقض فيأخذ بحديث رواه واحد، ويضيفه إلى ظاهر القرآن -الذي نقله أهل الدنيا كلهم- أو يخصه، وهو بلا شك أكثر من رواة الخبر الذي زاد عليهم حكما لم يروه غيره، وفي هذا التناقض من القبح ما لا يستجيزه ذو فهم وذو ورع" ثم قال: "ولا فرق بين أن يروي الراوي العدل حديثا فلا يرويه أحد غيره أو يرويه غيره مرسلا، أو يرويه ضعفاء، وبين أن يروي الراوي العدل لفظة زائدة لم يروها غيره من رواة الحديث، وكل ذلك سواء، واجب قبوله بالبرهان الذي
1 التدريب 156.
2 فتح المغيث ج1 ص200.
3 لقد تكرر هذا الوصف في كلمة ابن حزم غير مرة والظاهر أن مراده: العدل الضابط الحافظ فاكتفى بأحد الوصفين عن الآخر.
قدمناه في وجوب قبول خبر الواحد العدل الحافظ، وهذه الزيادة، وهذا الإسناد هما خبرًا واحد عدل حافظ، ففرض قبوله لهما، ولا نبالي روى مثل ذلك غيره أو لم يروه سواه، ومن خالفنا، فقد دخل في باب ترك قبول خبر الواحد، ولحق بمن أتى ذلك من المعتزلة، وتناقض في مذهبه، وانفراد العدل باللفظة كانفراده بالحديث كله، ولا فرق".
وقد انتصر لرأي الإمام ابن حزم العلامة المحدث الشيخ أحمد شاكر في تعلقياته على "اختصار علوم الحديث" للحافظ ابن كثير1.
2-
وقيل: لا تقبل مطلقًا لا ممن رواه ناقصًا ولا من غيره حكاه الخطيب وابن الصباغ عن قوم من المحدثين، وحكي عن أبي بكر الأبهري2.
3-
وقيل: تقبل إن زادها غير من رواه ناقصًا، ولا تقبل ممن رواه مرة ناقصًا؛ لأن روايته لها ناقصًا أورثت شكا في الزيادة، وتقبل من غيره من الثقات.
وقال ابن الصباغ فيه: إن ذكر أنه سمع كل واحد من الخبرين في مجلسين قبلت الزيادة، وكانا خبرين يعمل بهما، وإن عزى ذلك إلى مجلس واحد، وقال: كنت أنسيت هذه الزيادة قبل منه، وإلا وجب التوقف فيها.
وقيل: إن كان الزيادة مغيرة للإعراب كان الخبران متعارضين وإلا قبلت حكاه ابن الصباغ من المتكلمين والصفي الهندي عن الأكثرين.
وقيل لا تقبل: إلا إذا أفادت حكمًا.
1 اختصار علوم الحديث ص63.
2 وقالوا في تعليل ذلك: لأن ترك الحفاظ لنقلها وذهابهم عن معرفتها يوهنها ويضعف أمرها، ويكون معارضا لها، وليست كالحديث المستقل إذ غير ممتنع في العادة سماع واحد فقط للحديث من الراوي، وانفراده به، ويمتنع فيها سماع الجماعة أي في العادة لحديث واحد، وذهاب زيادة فيه عليهم، ونسيانها إلا الواحد.
وقيل تقبل في اللفظ دون المعنى حكاهما الخطيب عمن لم يعينهم1.
وقال ابن الصباغ إن زادها واحد وكان من رواه ناقصا لا يجوز عليهم الوهم سقطت وعبارة غيره: لا يغفل مثلهم عن مثلهم عادة.
وقال ابن السمعاني مثله وزاد: أن يكون مما تتوفر الدواعي على نقله وقال الصيرفي والخطيب: يشترط في قبولها كون من رواها محافظا2.
ولعل خير ما يقال في هذا هو ما ذكره الشيخ الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" فقد قسم زيادات الثقات أقساما ثلاثة وتبعه على ذلك الإمام النووي في "التقريب".
"أخذها": زيادة تخالف الثقات فترد كما سبق، يعني في نوع الشاذ.
"الثاني": ما لا مخالفة فيه لما رواه الغير أصلا كتفرد ثقة بجملة حديث لا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا فيقبل باتفاق العلماء كما نقل ذلك الخطيب البغدادي.
"الثالث": زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر الرواة، وهذه مرتبة بين تينك المرتبتين.
وقد مثل لذلك الإمام ابن الصلاح بحديث حذيفة بن اليمان مرفوعا: "وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا"3.
انفرد أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي فقال: "وجعلت تربتها لنا
1 التدريب ص157، وفتح المغيث ج1 ص201.
2 التدريب ص157.
3 من حديث رواه الإمام مسلم ولفظه: "فضلنا على الناس بثلاث، جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا
…
".
طهورا" عن ربعي بن حراش1 عن حذيفة2 عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه مسلم، وابن خزيمة وأبو عوانة الإسفراييني في صحاحهم من حديثه وسائر الرواة لم يذكروا ذلك.
قال ابن الصلاح: فهذا يشبه الأول المردود من حيث أن ما رواه الجماعة عام معنى؛ لشموله جميع أجزاء الأرض، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص يعني بالتراب، وفي ذلك مغايرة في الصفة، ونوع مخالف تختلف بها الحكم، ويشبه القسم الثاني من حيث إنه لا منافاة بينهما بل ويمكن الجمع بينهما.
ولذلك اختلف الأئمة الفقهاء في هذا، فذهب الإمام أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما إلى ما دل عليه الحديث بدون الزيادة، فأجاز التيمم بجميع أجزاء الأرض من حجر، ومدر، وتراب وغيرها3 وذهب الإمامان الشافعي وأحمد إلى حمل المطلق على المقيد وقالا: لا يجوز التيمم إلا بالتراب خاصة، فإن قيل لهم: لم خصصتم التربة بالتراب مع أن تربة الأرض كل شيء فيها؟ قالوا: لقد رويت رواية تبين أن المراد بالتربة التراب وهي لفظ: "وترابها طهورا" أخرجها ابن خزيمة وغيره وقد مثل العلامة ابن الصلاح أيضا بحديث مالك عن نافع عن ابن عمر:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين"، فقول:"من المسلمين" من زيادات مالك عن نافع عن ابن عمر.
وقد روى أيوب، وعبيد الله بن عمر العمري وغير واحد من الأئمة
1 ربعي بكسر الراء وسكون الباء وكسر العين وتشديد الياء، حراش: بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء آخره شين معجمة.
2 إنما اعتبرت رواية ربعي بن خراش، زيادة من حديث حذيفة وإلا فقد وردت في حديث عليّ رواه أحمد والبيهقي بسند حسن.
3 وذلك إبقاء للعام على عمومه؛ لأنه يشتمل على الخاص وزيادة.
هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر، ولم يذكروا فيه:"من المسلمين".
قال الإمام النووي: ولا يصح التمثيل به فقد وافق مالكا عليها جماعة من الثقات منهم عمر بن نافع وروايته عند البخاري في صحيحه، والضحاك بن عثمان وروايته عند مسلم في صحيحه.
قال السيوطي في "التدريب" قال العراقي: وكثير بن فرقد، وروايته في "مستدرك الحاكم" و"سنن الدارقطني" ويونس بن يزيد في "بيان المشكل" للطحاوي والمعلى بن إسماعيل في "صحيح ابن حبان" وعبيد الله بن عمر العمري في "سنن الدارقطني"1.
وقال الحافظ المؤرخ ابن كثير في "اختصار علوم الحديث": وقد مثل الشيخ أبو عمرو زيادة الثقة بحديث مالك عن نافع عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد، ذكر، أو أنثى من المسلمين"، فقوله:"من المسلمين" من زيادات مالك عن نافع.
قال: وقد زعم الترمذي أن مالكا تفرد بها، وسكت أبو عمرو على ذلك، ولم يتفرد بها مالك، فقد رواها مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع، كما رواها مالك، وكذا رواها البخاري، وأبو داود، والنسائي من طريق عمر بن نافع عن أبيه كمالك2.
وقد ذكر العراقي في شرحه على المقدمة مدافعا عن الترمذي أنه لم يذكر التفرد مطلقا عن مالك، وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك إلى آخر ما قاله العراقي3 ونص عبارته:"وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه"4.
1 التدريب ص158 ط المحققة.
2 اختصار علوم الحديث ص62.
3 علوم الحديث بشرح العراقي ص93، 94.
4 اختصار علوم الحديث ص62 بالهامش.