المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصحابي المظلوم أبو هريرة - الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

[محمد أبو شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌تقدمة بين يدي الكتاب

- ‌منهجي في تأليف هذا الكتاب:

- ‌ال‌‌مدخلللكتاب

- ‌مدخل

- ‌ألقاب المشتغلين بالحديث

- ‌مدخل

- ‌من مفاخر المحدثين

- ‌الحفظ والفقه للأحاديث

- ‌فائدتان

- ‌علوم الحديث بالمعنى العام

- ‌مدخل

- ‌علم الحديث دراية

- ‌مدخل

- ‌تاريخ علم الحديث دراية

- ‌الرواية في الإسلام:

- ‌تعريف الرواية:

- ‌كون الرواية طريقا إلى العلم

- ‌تاريخ الرواية:

- ‌الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الإذن لبعض الصحابة بالكتابة

- ‌آراء العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي

- ‌الحديث في عهد الصحابة وكبار التابعين

- ‌تدوين الحديث تدوينا عاما

- ‌التدوين في القرن الثاني 100-200ه

- ‌التأليف في القرن الثالث" 200-300ه

- ‌التأليف في القرن الرابع 300-400ه

- ‌التأليف بعد القرن الرابع:

- ‌تقليد المؤلفين في العلوم النقلية للمحدثين في الرواية

- ‌مناهج المحدثين في التأليف

- ‌شروط الراوي في الإسلام

- ‌الفرق بين عدل الرواية والشهادة:

- ‌التحمل والأداء وشروطهما

- ‌فائدة

- ‌تفريعات:

- ‌الإسناد العالي والنازل

- ‌مسائل تتعلق بكتابة الحديث وآدابها

- ‌صفة رواية الحديث وآدابها

- ‌مسائل تتعلق بهذا الفصل

- ‌آداب المحدث

- ‌آداب طالب الحديث

- ‌الرحلة في سبيل العلم

- ‌مدخل

- ‌وارتحال التابعين ومن بعدهم

- ‌أدب أهل العلم والحديث وطلابه مع الله ورسوله

- ‌تقسيم الحديث من حيث عدد رواته

- ‌المتواتر

- ‌شروط المتواتر

- ‌أقسام المتواتر:

- ‌العلم الذي يفيده المتواتر:

- ‌الشبه التي أوردت على المتواتر:

- ‌وجود المتواتر من الأحاديث:

- ‌أمثلة المتواتر

- ‌أخبار الآحاد

- ‌المشهور من الحديث

- ‌العزيز:

- ‌تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله

- ‌مدخل

- ‌مظان الموقوف والمقطوع

- ‌ما له حكم المرفوع من الموقوف والمقطوع

- ‌الحديث القدسي

- ‌مدخل

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني

- ‌أمثلة للأحاديث القدسية:

- ‌طريقة رواية الحديث القدسي

- ‌المؤلفات في الأحاديث القدسية:

- ‌المتصل" أو "الموصول

- ‌المسنَد

- ‌أقسام الحديث من حيث القبول والرد

- ‌مدخل

- ‌الحديث الصحيح

- ‌مدخل

- ‌أقسام الحديث الصحيح:

- ‌حكم الحديث الصحيح

- ‌فوائد مهمة تتعلق بالصحيح

- ‌الفائدة الأولى:

- ‌الفائدة الثانية:

- ‌الفائدة الثالثة:

- ‌الفائدة الرابعة:

- ‌الفائدة الخامسة:

- ‌تعقيبات وتنبيهات

- ‌الحديث الحسن

- ‌تعريفه:

- ‌تنبيهات وتعقيبات

- ‌التنبيه الأول

- ‌تنبيه آخر

- ‌تنبيه ثالث

- ‌تنبيه رابع

- ‌الاحتجاج بالحديث الحسن:

- ‌خاتمة:

- ‌الحديث الضعيف

- ‌أقسام الضعيف

- ‌حكم الحديث الضعيف رواية وعملا

- ‌فائدة

- ‌المرسل

- ‌تعريفه:

- ‌حكم المرسل عند المحدثين

- ‌المنقطع

- ‌تعريفه:

- ‌فائدة تتعلق بالمنقطع

- ‌المعضل

- ‌تعريفه:

- ‌فائدتان

- ‌تفريعات

- ‌المعلق

- ‌المدلس

- ‌الشَّاذُ

- ‌المحفوظ

- ‌المنكر

- ‌المعروف

- ‌المتروك

- ‌المُعَلُّ" لا "المعلول" ولا "المُعَلَّل

- ‌المضطرب

- ‌المدرج

- ‌المقلوب

- ‌المطروح

- ‌الحديث الموضوع

- ‌تعريفه

- ‌حكم رواية الموضوع:

- ‌حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أقسام الموضوع:

- ‌متى نشأ الوضع في الحديث:

- ‌عرض موجز لحركة الوضع في الحديث

- ‌مدخل

- ‌الأسباب الحاملة على الوضع:

- ‌الوضاعون

- ‌أمارات الوضع:

- ‌آثار الوضع السيئة

- ‌الموضوعات وكتب العلوم:

- ‌الموضوع وكتب التفسير

- ‌الموضوعات وكتب الفقه والأصول:

- ‌الموضوع وكتب الوعظ، والتصوف، والأخلاق

- ‌الموضوع وكتب العلوم الأخرى:

- ‌جهاد العلماء في مقاومة حركة الوضع وتنقية السنة والأحاديث

- ‌كتب أخر للتخاريج

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌معرفة الأفراد

- ‌معرفة زيادات الثقات وحكمها

- ‌انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا

- ‌علم الجرح والتعديل

- ‌جواز الجرح وإن كان غيبة

- ‌مدخل

- ‌من الذي يستأهل أن يكون ناقدًا

- ‌مناهج النقاد في النقد

- ‌مشاهير المتصدين للجرح والتعديل

- ‌بم تثبت العدالة

- ‌هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل

- ‌بم يكون الجرح

- ‌المراد بالبدعة وحكم رواية المبتدع

- ‌هل يجزئ التعديل على الإبهام

- ‌مدخل

- ‌فائدتان مهمتان

- ‌هل الرواية عن رجل سماه تعتبر تعديلا

- ‌هل يعتبر عمل العالم أو فتياه على وفق حديث تصحيحا له

- ‌جهالة الراوي

- ‌هل يقبل تعديل العبد والمرأة

- ‌ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها

- ‌مدخل

- ‌مراتب الجرح والتعديل

- ‌ألفاظ التجريح، ومراتبها

- ‌المسلسل من الحديث

- ‌تعريفه:

- ‌الأمثلة لهذه الأنواع:

- ‌المسلسلات لا تخلو من ضعف في التسلسل:

- ‌أشهر المؤلفات في المسلسلات

- ‌علم علل الحديث

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات في علل الحديث

- ‌علم غريب الحديث:

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ الغريب في الحديث:

- ‌التثبيت في القول في غريب الحديث

- ‌المؤلفون في هذا العلم:

- ‌علم مختلف الحديث ومشكله

- ‌مختلف الحديث في اللغة

- ‌مختلف الحديث في الاصطلاح:

- ‌مشكل الحديث

- ‌أقسام مختلف الحديث

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في مختلف الحديث ومشكله

- ‌علم ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌مدخل

- ‌النسخ في اللغة

- ‌يطلق النسخ في اللغة على معنين

- ‌بم يعرف النسخ

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في الناسخ والمنسوخ في الحديث

- ‌محكم الحديث

- ‌علم أسباب ورود الحديث

- ‌مدخل

- ‌هذا العلم نظير علم أسباب النزول عند علماء علوم القرآن

- ‌سبب ورود الحديث قد يذكر في الحديث وقد يذكر في غيره

- ‌ القسم الأول: وهو ما يذكر في الحديث من أمثلته:

- ‌القسم الثاني من أسباب ورود الحديث

- ‌المؤلفات في هذا العلم:

- ‌علم المصحف والمحرف

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ التصحيف

- ‌مقالة جيدة للحافظ ابن كثير الدمشقي

- ‌ذكر العلماء المثل للتصحيف للتصويب والتحذير لا للتشهير

- ‌التصحيف في حديث لا يخل بصحته وحسنه

- ‌أقسام التصحيف

- ‌تقسيم أول:

- ‌تقسيم ثان له

- ‌تقسيم ثالث له

- ‌النتيجة

- ‌المؤلفات في الصفحات

- ‌معرفة الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌من هو الصحابي

- ‌تعريف الصحبة:

- ‌بم تعرف الصحبة

- ‌عدالة الصحابة

- ‌المكفرون لبعض الصحابة

- ‌أكثر الصحابة رواية للحديث

- ‌الصحابي المظلوم أبو هريرة

- ‌أكثر الصحابة علما وفتيا

- ‌المعروفون بالفتوى من الصحابة:

- ‌عدد الصحابة

- ‌طبقات الصحابة

- ‌أفضل الصحابة

- ‌مدخل

- ‌خصائص بعض الصحابة

- ‌أزواجه صلى الله عليه وسلم

- ‌أول الصحابة إسلاما

- ‌آخر الصحابة موتا

- ‌المؤلفون في الصحابة

- ‌التابعون رضي الله عنهم

- ‌مدخل

- ‌طبقات التابعين

- ‌سيدات النساء التابعيات

- ‌جماعة عدوا من التابعين وليسوا منهم

- ‌قوم من الصحابة عدوا من التابعين وبالعكس

- ‌آخر التابعين

- ‌اتباع التابعين

- ‌رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌المدبج وراية القرين عن القرين

- ‌معرفة الإخوة والأخوات من الرواة

- ‌رواية الآباء عن الأبناء

- ‌رواية الأبناء عن الآباء

- ‌السابق واللاحق

- ‌معرفة الوحدان

- ‌معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة

- ‌معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المؤلفات في هذا الفن

- ‌القسم الأول: في أسماء

- ‌فمن الصحابة:

- ‌ومن التابعين

- ‌القسم الثاني: الكني

- ‌القسم الثالث: الألقاب

- ‌معرفة الأسماء والكنى

- ‌مدخل

- ‌أقسام هذا النوع

- ‌معرفة كنى المعروفين بالأسماء

- ‌معرفة ألقاب المحدثين، ومن يذكر معهم

- ‌المؤتلف والمختلف

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات فيه:

- ‌وما ضبط من هذا النوع قسمان:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌الأنساب

- ‌تعليق المؤلف

- ‌المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها

- ‌أقسام المتفق والمفترق

- ‌المتشابه

- ‌المشتبه المقلوب

- ‌معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم

- ‌النسب التي هي على خلاف ظاهرها

- ‌معرفة المبهمات

- ‌معرفة التواريخ لمواليد الرواة والسماع والقدوم والوفيات لهم

- ‌مدخل

- ‌فروع:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌سبعة من الأئمة الحفاظ، أحسنوا التأليف، وعظم النفع بتأليفهم

- ‌معرفة من اختلط من الرواة الثقات

- ‌مدخل

- ‌طبقات العلماء والرواة

- ‌معرفة الموالي من العلماء والرواة

- ‌بلوغ الموالي من العلماء والرواة مرتبة سامية في الإسلام

- ‌معرفة أوطان الرواة وبلدانهم

- ‌رواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين بعضهم عن بعض

- ‌معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين

- ‌مدخل

- ‌معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه

- ‌معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم شيخه

- ‌معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه

- ‌معرفة من اتفق اسمه وكنيته

- ‌معرفة من وافق اسمه نسبه

- ‌معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء

- ‌معرفة من لم يرو إلا حديثًا واحدًا

- ‌باب: المراجع والفهارس

- ‌المراجع الأصلية:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الصحابي المظلوم أبو هريرة

ودون الألفين، ثم أصحاب المئين يعني من روى أكثر من مائة وأقل من ألف، وهكذا إلى أن ذكر من روى عنه حديثان ثم من روى عنه حديث واحد.

ومسند بقي بن مخلد من أجل كتب المسانيد، كتبه على أسماء الصحابة، ثم رتب أحاديث كل صحابي على أبواب الفقه فجاء كتابا حافلا في بابه جامعا بين الطريقتين: طريقة المسانيد وطريقة التأليف على الأبواب، وقد فضله الإمام ابن حزم على مسند الإمام أحمد، ومن أراد الاستيعاب عن بقي ومسنده فليرجع إلى كتابي "أعلام المحدثين ص103".

ومما ينبغي أن يعلم أن هذا العدد يدخل فيه الأحاديث المكررة، فإن بعض المحدثين يعتبرون الحديث المكرر بمنزلة أحاديث، والحديث الواحد المفرق قطعا على حسب الاستدلال بمثابة أحاديث، ولم توجه سهام النقد الطائشة لأحد من المكثرين من الرواية أكثر ما وجهت إلى الصحابي الجليل أبي هريرة؛ لذلك رأيت لزاما عليّ في هذا المقام أن أكتب كلمة إنصاف لهذا الصحابي المظلوم على أساس من قواعد البحث العلمي الصحيح لا على أساس من الهوى والتعصب.

ص: 507

"‌

‌الصحابي المظلوم أبو هريرة

":

لم أر أحدا من الصحابة -فيما أعلم- تعرض لسهام النقد الظالم بمثل ما تعرض له سيدنا أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- وهذه الحملة الجائرة تضرب في القدم إلى آماد بعيدة، فقد نقل لنا العلامة ابن قتيبة في كتابه "تأويل مختلف الحديث" الكثير مما رمي به أبو هريرة في القديم من النظام وأمثاله من أهل البدع والأهواء الذين لا علم لهم بالحديث ورجاله، ثم رد على طعونهم وتكلم كلام رجل عالم عاقل مثبت

ص: 507

نرجو أن يكافئه الحق عليه1.

ولم نر أحدا يعتد به من أئمة العلم في الإسلام تعرض لأبي هريرة بما يغض من شأنه، أو يحط من قدره، ثم جاء بعض المستشرقين فوقعوا على أقوال هؤلاء المتحاملين، فأخذوها وزادوا وأعادوا فيها، ثم طلعوا علينا بآراء مبتسرة وأحكام جائرة، ولعل من نافلة القول أن أنبه إلى الأغراض السيئة التي يقصدها المستشرقون من وراء حملاتهم التي هي امتداد للحملات الصليبية، والتي يقصدون منها تقويض دعائم الإسلام والعروبة، وإضعاف الروح الدينية في نفوس المسلمين، كي يتم لدولهم ما تريد من الغلب السياسي، والاستئثار بخيرات البلاد، واستذلال رقاب العباد، وهم -شهد الله- يريدون من الطعن في بعض الصحابة حينا وفي السنة حينا آخر تشكيك المسلمين في الأصل الثاني من أصول التشريع في الإسلام، وهي السنة، وتقليل الثقة بها، وإذا تشكك المسلمون في السنة، وقللوا الثقة بها استعجم عليهم فهم القرآن، ومعرفة المراد منه، وإذا استعجم القرآن، فقل على الإسلام العفاء.

وقد نجح المستشرقون إلى حد ما في التأثير في بعض الكتاب المسلمين، ولا سيما الذين صنعوهم على يديهم في العصر الأخير، فاقتفوا آثارهم فيما زعموا، ورددوا دعاواهم التي لم يقم عليها دليل، بل وزادوا عليها من عند أنفسهم، وهؤلاء وأولئك نفثوا سمومهم تحت ستار البحث وحرية النقد، والله يعلم والراسخون في العلم أن ما زعموا أبعد ما يكون عن العلم الصحيح والبحث القويم، والنقد النزيه.

وقد تابعهم بعض الباحثين من أهل العلم والمعرفة في بعض ما قالوا وذلك كما صنع صاحب "فجر الإسلام" و"ضحاه"، وتابعهم أيضا

1 من المؤسف أن بعض الطاعنين في أبي هريرة من المتأخرين نسبوا هذا إلى ابن قتيبة مما يوهم القارئ أن الطاعن ابن قتيبة، وهو تدليس قبيح، وافتراء دنيء لا يليق افتراؤه بأهل العلم والأدب.

ص: 508

بعض أدعياء العلم والأدب في كل ما قالوه، بل وأربي عليهم، وذلك كما صنع صاحب كتاب "أضواء على السنة المحمدية" وقد عقد في كتابه فصلا طويلا تحت عنوان "أبو هريرة" حشاه بكل حارجة من السباب والشتيمة، وتهجم فيه عليه وعلى بعض الصحابة ورماهم بالكذب والاختلاق، وردد في هذا مقالة النظام وغيره من الطاعنين، وتبعهم حذو النعل بالنعل، ولا تكاد تطلع على صفحة من هذا الفصل إلا وتجد فيها من الأخطاء العلمية، والإسفاف في التعبير ما نربأ بأي كاتب عنهما مما يدل على أنه دخل إلى هذا البحث، وهو متشبع بأهواء وأحقاد نفسية مما نأى به عن البحث المستقيم، والرأي الصواب.

وقواعد البحث النزيه تقتضي من الباحث إذا ما شرح في بحث أن يجمع مادته ونصوصه ثم يجرد نفسه من أي هوى أو رأي خاص، ثم يبحث ويمحض الروايات، ويوازن بين النصوص حتى يأتي حكمه أقرب إلى الحق والصواب، أما أن يأخذ ما يشاء بهواه، ويدع ما يشاء بهواه، فهذا ما لا تقره قواعد البحث العلمي الصحيح والنقد النزيه.

من هو أبو هريرة؟ هو عبد الرحمن بن صخر أو عبد الله على الأصح على كثرة ما اختلف في اسمه، واسم أبيه في الجاهلية والإسلام، وهو دوسي ودوس قبيلة من الأزد إحدى قبائل اليمن، وكان ذا شرف فيهم. قال ابن إسحاق:"كان وسيطا في دوس" ولم يختلف أحد أنه قدم على النبي مسلما عقب خيبر وكانت في المحرم سنة سبع فيكون صاحب النبي أربع سنين قضى منها فترة وجيزة مع الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي بالبحرين مؤذنا ومعلما كما روى ذلك ابن سعد في الطبقات فما يخلص له من زمن مصاحبته للنبي يزيد عن ثلاث سنوات، وهي ليست بالزمن القصير في عمر الصحبة، وليس ببدع في العقل، ولا في العادة أن يجمع شخص فيها من الأحاديث أكثرها مما يجمعه غيره، ولا سيما إذا كان له من التفرغ والإقبال على العلم وقوة الحافظة والذكاء، وطول العمر

ص: 509

والأسباب الحاملة على الإكثار ما لم يتهيأ لغيره، وإنا لنجد في العصور المتقدمة والمتأخرة -على فرق ما بين الحالين- بعض التلاميذ والمريدين الذين لازموا أساتذتهم وشيوخهم مدة غير طويلة يقيدون عنهم الكتب والمجلدات ويحفظون عن ظهر قلب من كلامهم ما يربو على ما حفظه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أن لا يعزب عن علمنا أن هذه الخمسة الآلاف وزيادة من الأحاديث؛ منها ما لا يزيد عن بضعة أسطر ومنها ما هو دون ذلك؛ وهي تشمل كل ما سمعه من النبي أو رآه من فعله، أو تلقاه عن غيره من قدماء الصحابة فأي غرابة في هذه؟ وإليك أهم الأسباب والبواعث لهذا الإكثار.

ص: 510

بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به

"1.

2-

هذا إلى ما امتاز به من ذاكرة قوية، وحافظة نادرة بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعت ما رواه مسلم آنفا، وروى البخاري بسنده عن أبي هريرة قال:"قلت يا رسول الله إني لأسمع منك حديثا أنساه فقال: "ابسط رداءك" قال: فبسطته، فغرف بيده، ثم قال: "ضمه" ، فضممته فما نسيت شيئا بعد"، وقد رويت هذه القصة من طرق كثيرة ذكرها الحافظ ابن حجر في الإصابة2 وقد عد العلماء هذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم وروى النسائي بسند جيد في "العلم" من كتاب "السنن"، والحاكم في المستدرك أن زيد بن ثابت قال:"كنت أنا وأبو هريرة وآخر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ادعوا" فدعوت أنا وصاحبي، وأمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللهم إني أسألك ما سألك صاحباي وأسألك علما لا ينسى، فأمن النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: ونحن يا رسول الله، فقال: "سبقكما به الغلام الدوسي" ، وقد صدقت الحوادث هذه الميزة في أبي هريرة، روي عن أبي الزعيزعة كاتب مروان قال: "أرسل مروان إلى أبي هريرة فجعل يحدثه، وكان أجلسني خلف السرير أكتب ما يحدث به حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله، وأمرني أن أنظر، فما غير حرفا عن حرف" وروى البخاري في التاريخ من حديث محمد بن عمارة بن حزم "أنه قعد في مجلس فيه مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلا فجعل أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، فيراجعون فيه حتى يعرفوه

فعل ذلك مرارا، فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الصحابة".

فلا تعجب إذا كان حظي بثناء الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم

1 شكك في هذا الحديث المستشرق اليهودي "جولد زيهر". انظر "دائرة المعارف الإسلامية المجلد الأول ص407" وتابعه على إنكارها أبو رية وأمثاله.

2 "الإصابة في تمييز الصحابة" من أجل الكتب في سير الصحابة.

ص: 511

من أئمة العلم والفقه والرواية، فهذا هو ابن عمر رضي الله عنهما يترحم عليه في جنازته ويقول:"كان يحفظ على المسلمين حديث النبي صلى الله عليه وسلم"، رواه ابن سعد في طبقاته، وروى وكيع عن الأعمش عن أبي صالح قال:"كان أبو هريرة أحفظ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم"، وقال الإمام الشافعي:"أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره"، وقال الإمام البخاري:"روى عنه نحو الثمانمائة من أهل العلم وكان أحفظ من روى الحديث في عصره"، فهل نصدق هؤلاء الأئمة أم نصدق المستشرقين وأبواقهم؟

وكان رضي الله عنه إذا بدأ الحديث يقول: قال رسول الله الصادق المصدوق أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" ، رواه أحمد، وروى مسدد في مسنده عن أبي هريرة قال:"بلغ عمر حديثي فقال لي: كنت معنا يوم كنا في بيت فلان؟ قلت: نعم إن رسول الله قال يومئذ: "من كذب عليّ

" الحديث، قال: فاذهب الآن فحدث"، وهذا يدل على شدة تحريه وتنبئه في الرواية.

3-

حرصه البالغ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا؛ وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، روى البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه".

4-

لقد كان من دواعي إكثاره أيضا تفرغه للعلم والرواية والفتيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتول الإمارة إلا فترة من حياته زمان الفاروق عمر ثم رغب عنها فيما بعد، روى عبد الرزاق بسنده عن ابن سيرين: "أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال، فمن أين لك؟ قال: خيل نتجت، وأعطية

ص: 512

تتابعت، وخراج رقيق لي، فنظر فوجدها كما قال، ثم دعاه ليستعمله فأبى، فقال: لقد طلب العمل من كان خيرا منك قال: إنه يوسف نبي الله ابن نبي الله، وأنا أبو هريرة بن أمية، وأخشى ثلاثا: أن أقول بغير علم، أو أقضي بغير حكم، ويضرب ظهري ويشتم عرضي وينزع مالي.

5-

تأخر وفاته، فقد توفي سنة سبع وخمسين على الصحيح، وقيل ثمان أو تسع وخمسين للهجرة، وقد أتاح له تفرغه، وتأخر وفاته أن كان الآخذون عنه كثيرون جدا، وقد سمعت مقالة البخاري الآنفة، وأنه له من الأصحاب والتلاميذ نحو الثمانمائة1، وغير خفي عنا أن للأصحاب والتلاميذ الفضل الأكبر في نشر علم الشيخ وحديثه وعلى قدر كثرتهم أو قلتهم يكون شهرة مذهب الإمام أو عدم شهرته، ومن الكلمات المأثورة عن الإمام الشافعي قوله:"الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به"، فلا تعجب بعد هذه المقدمات أن يكون أبو هريرة أكثر الصحابة رواية، ومن أراد استيفاء الرد على كل ما أثير حول أبي هريرة وغيره من الصحابة فليرجع إلى كتابي "دفاع عن السنة"2.

"فائدة": السبب في قلة مرويات الصديق رضي الله تعالى عنه مع أنه أول من آمن من الرجال وأفضل الصحابة مع كثرة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم أن الكثرة في الرواية لا ترجع إلى طول الصحبة فحسب، بل هناك عوامل أخرى عرضنا لها في بيان الحق في كثرة رواية أبي هريرة كالتفرغ للعلم والرواية، وتأخر الوفاة، والصديق رضي الله عنه اشتغل عقب وفاة الرسول بمهام الخلافة، وتثبيت دعائم الإسلام بقتال المرتدين، ونشر رسالة الإسلام، فلم يكن عنده وقت للرواية، وأيضا فقد تقدمت وفاته قبل استقرار الأحوال، وانتشار الحديث وتفرغ الناس للعلم، واعتنائهم بسماعه وتحصيله وحفظه.

1 الإصابة في تاريخ الصحابة ج4 ص202-210، والاستيعاب على هامش الإصابة ج4 ص202.

2 من ص107-147، وقد طبع ونفذ، وقد نعيد طبعه إن شاء الله تعالى.

ص: 513