الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التأليف بعد القرن الرابع:
دور الترتيب والتهذيب:
أما من جاء بعد القرن الرابع فقد كان طريقة مؤلفيها أنهم يهذبون كتب المتقدمين، أو يرتبونها، أو يجمعون ما تشتت منها في كتب متفرقة في كتاب واحد، أو يختصرون الأسانيد والمتون أو يتكلمون في رجالها، أو يبينون غريبها، أو يشرحون متونها، أو يجمعون الأحاديث المتعلقة بالأحكام، أو بالترغيب والترهيب في كتب مستقلة، أو يخرجون أحاديث بعض كتب الفقه والتفسير والوعظ واللغة ونحوها ومما ينبغي أن يعلم أننا حينما نحكم على قرن بحكم فإنما نريد الغالب والكثير لا النادر والقليل. فلا يشكلن عليك أن فيمن كان قبل ذلك من هذب ورتب. وأن فيمن وجد بعد هذا من اجتهد واستقل في معرفة التصحيح والتحسين والتضعيف ونقد الرجال.
أشهر الكتب المؤلفة في هذا الدور: "دور التهذيب":
أ- الجمع بين الصحيحين: جمع كثير من العلماء بين صحيحي البخاري ومسلم، ومن هؤلاء محمد بن أبي نصر الحميدي الأندلسي "المتوفى سنة 488". والحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516هـ وأبو محمد الإشبيلي المتوفى سنة 581 وغيرهم.
ب- الجمع بين الكتب الستة: الصحيحان والسنن الأربعة. وبعض العلماء يجعل الموطأ سادسهم بدل سنن ابن ماجه، وذلك كما فعل رزين العبدري وتابعه ابن الأثير، وقد جمع بينها الإمام عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي السالف الذكر، وأبو الحسن رزين1 بن معاوية العبدري السرقسطي "المتوفى سنة 535" لكن لم يحسن في ترتيبه وتهذيبه وترك
1 بالتكبير بفتح الراء وكسر الزاي.
بعضا من أحاديثها إلى أن جاء الإمام أبو السعادات مبارك بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري الشافعي المتوفى سنة 606هـ فهذب كتابه ورتب أبوابه، وأضاف إليه ما أسقطه من الأصول، وشرح غريبه، وبين مشكل إعرابه، وما خفي معناه، واكتفى بذكر راوي الحديث من صحابي أو تابعي وسماه:"جامع الأصول إلى أحاديث الرسول" وقد اختصره كثيرون منهم الإمام عبد الرحمن بن علي المشهور بابن الديبع الشيباني الزبيدي "المتوفى سنة 944هـ" وسمى كتابه "تيسير الوصول إلى أحاديث جامع الأصول".
ج- الجوامع العامة وهي كثيرة منها:
1-
مصابيح السنة: للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء نسبة لعمل الفراء وبيعها، وهي جمع فرو تدبغ، وتخاط، وتلبس. البغوي نسبة إلى بغشور على غير قياس، ويقال "بغى" بلدة من بلاد خراسان الفقيه الشافعي المحدث المفسر الصالح المتعبد الناسك الرباني المتوفى بمرو في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة صاحب التصانيف الكثيرة التي منها التفسير المعروف و"شرح السنة" جمع في المصابيح أربعة آلاف وأربعمائة وأربعا وثمانين حديثا من الصحاح والحسان، وأراد بالصحاح ما أخرجه صاحبا الصحيحين، و"بالحسان" ما أخرجه أصحاب السنن1، وما كان فيها من ضعيف أو غريب بينه، وتحاشى ما كان منكرا أو موضوعا.
2-
"جامع المسانيد، والألقاب" للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة "597"هـ جمع فيه بين الصحيحين، ومسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي.
1 وقد انتقد هذا بأن كتب السنن فيها الصحيح والحسن والضعيف فمزجه بين صحيح هذه السنن وحسنها من غير تمييز غير سديد.
3-
"الهدى والسنن في أحاديث المسانيد والسنن" وهو المعروف بـ"جامع المسانيد" للإمام الحافظ عماد الدين إسماعيل بن الشيخ أبي حفص عمر بن كثير القرشي الدمشقي النشأة والحياة المعروف بأبي الفداء المتوفى سنة أربع وسبعين وسبعمائة عن أربع وسبعين سنة.
جمع فيه الكتب الستة ومسند الإمام أحمد، والبزار، وأبي يعلى، وابن أبي شيبة، ورتبه على الأبواب الفقهية.
4-
"مجمع الزوائد، ومنبع الفوائد" للحافظ أبي الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الشافعي الهيثمي المتوفى سنة سبع وثمانمائة هـ "807" جمع فيه زوائد مسانيد أحمد، وأبي يعلى، والبزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة.
5-
"جمع الجوامع"1 للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة هـ جمع فيه بين الكتب الستة وغيرها.
قال الشيخ العلامة عبد الرءوف المناوي: إنه مات قبل أن يتمه، وقد اشتمل على بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
6-
وقد اختصره السيوطي في كتابه "الجامع الصغير" وقد أخذ على نفسه أن لا يذكر فيه الأحاديث الموضوعة، والضعيفة المتهالكة، ولكن الكتاب لم يخل منهما، وقد شرحه العلامة المناوي ونبه إلى ما فيه من موضوع وضعيف شديد الضعف والكتاب وشرحه مطبوعان.
"كتب جامعة لأحاديث الأحكام":
1-
"السنن الكبرى" للإمام أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة
1 وقد قام بطبع هذا الكتاب مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف لكنه لم يتم طبعه.
ثمان وخمسين وأربعمائة "458"هـ قال فيه ابن الصلاح: "ما ثم كتاب في السنة أجمع للأدلة من كتاب "السنن الكبرى" للبيهقي، وكأنه لم يترك في سائر أقطار الأرض حديثا إلا وقد وضعه فيه" وله أيضا "السنن الصغرى" قيل، لم يؤلف في الإسلام مثلهما.
2-
"عمدة الأحكام" للإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الدمشقي المتوفى سنة ستمائة هـ "600" جمع فيه أحاديث الأحكام التي اتفق عليها البخاري ومسلم، وقد شرحه بإيجاز الشيخ العلامة ابن دقيق العيد.
3-
"منتقى الأخبار" في أحاديث الأحكام للإمام الحافظ مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله الحراني المعروف بابن تيمية الحنبلي المتوفى سنة اثنين وخمسين وستمائة، وهو جد شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية.
انتقاه من الصحيحين، ومسند الإمام أحمد، والسنن الأربعة، وهو كتاب حسن وقيم، لولا أنه يغفل في كثير من الأحاديث بيان التصحيح والتضعيف.
وقد استكمل هذا النقص العالم المجتهد محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250هـ في كتابه "نيل الأوطار" الذي شرح به المنتقى.
4-
الإمام في أحاديث الأحكام ومختصره الإلمام في أحاديث الأحكام كلاهما للإمام محمد بن علي بن دقيق العيد المتوفى سنة 702هـ جمع فيه الأحاديث المتعلقة بالأحكام ثم شرح بعضا من المختصر شرحا وافيا شافيا وسماه "الإمام في شرح الإلمام" قال الذهبي: ولو كمل لجاء في خمسة عشر مجلدا.
5-
"بلوغ المرام من أدلة الأحكام" للحافظ شيخ الإسلام
أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ وقد شرحه كثيرون منهم الشيخ الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة 1182هـ في كتابه "سبل السلام".
"كتب أحاديث المواعظ والآداب والأخلاق":
وهي كثيرة منها:
1-
الترغيب والترهيب للإمام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المتوفى سنة 656هـ وهو سفر قيم يسعف الخطباء والأئمة ورجال الوعظ والإرشاد والباحثين والدارسين بما يريدون جمعه من الكتب المشهورة من التنصيص على درجة الأحاديث، وهو يعتبر أجمع الكتب في هذا المضمار.
2-
رياض الصالحين للإمام أبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة 676هـ وهو كتاب قيم في باب الأخلاق والمواعظ، وبيان الفضائل والرذائل. يذكر في كل باب ما ورد فيه من الآيات القرآنية، ثم يعقب بالأحاديث النبوية مع بيان درجتها وشرح غريبها، وتوضيح مشكلها. وهذان الكتابان كافيان لمن يريد أن يكون على علم بمتون الأحاديث ودرجتها، والوصول إلى ذلك من غير عناء وتعب.
"الجمع والنقد سارا جنبا إلى جنب":
وقد التزم الجامعون للسنة والأحاديث غاية التحري والتثبت في الرواية واجتهدوا غاية وسعهم في التصحيح والتحسين والتضعيف، ونقدوا الرواة والمرويات. واحتاطوا أشد الاحتياط في النقل، فكانوا يحكمون بضعف الحديث لأقل شبهة في سيرة الناقل وسلوكه الشخصي مما يؤثر في عدالته عند أئمة هذا العلم، فإذا اشتبهوا في صدقه وعلموا أنه كذب في شيء من كلامه رفضوا روايته وسموا حديثه "متروكا" وإن لم
يعرف عنه الكذب في رواية الحديث مع علمهم بأنه قد يصدق الكذوب، وهذا غاية الاحتياط في الرواية، وكذلك استوثقوا من حفظ كل راوٍ وذلك بمقارنة رواياته بعضها ببعض، وبروايات غيره، فإن وجدوا خطأه أكثر من صوابه ضعفوا روايته وردوها، وإن كان لا مطعن عليه في شخصه ولا في عدالته، وذلك خشية أن تكون روايته مما خانه فيها الحفظ أو غلبه السهو.
"العناية بنقد الأسانيد والمتون":
وقد أوفى المحدثون في نقد الأسانيد -النقد الخارجي- على الغاية ولم يدعوا زيادة لمستزيد اللهم إلا ما وجد من المباحث النفسية التي تعين الناقد على النقد، وكذلك عنوا بنقد المتن النقد الداخلي فحكموا على الحديث بالوضع أو النكارة إذا خالف العقل أو الحس أو القرآن أو السنة المشهورة ولم يمكن التوفيق أو التأويل تأويلًا مقبولًا. ومن كلامهم في هذا:
"إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع" ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجًا عن دواوين الإسلام في الحديث من الجوامع، والسنن، والمسانيد، والكتب المشهورة1 وقد حرروا القواعد والأصول التي وضعوها لنقد الأحاديث. ومعرفة المقبول منها من المردود، وهذه القواعد تجدها مبثوثة في كتب أصول الرواية، وعلوم الحديث، وتاريخ الرجال، وقد بذلوا في تحقيق هذه القواعد أقصى ما في الوسع الإنساني احتياطًا لدينهم وشريعتهم أن يدخل فيها ما ليس منها فكانت قواعدهم التي ساروا عليها أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأدقها وأوفاها، وإذا كان البعض قد طعن فيها في هذه العصور المتأخرة فليس ذلك عن علم وبينة، وإنما عن جهل وهوى.
1 الباعث الحثيث ص 78 للتوسعة في هذا ارجع إلى "دفاع عن السنة" ص 46-51.