الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلسلات لا تخلو من ضعف في التسلسل:
والمسلسلات: لا تخلو من ضعف في وصف التسلسل لا في أصل الحديث فقد يكون الحديث صحيحا ومع ذلك لا يسلم من ضعف في التسلسل قال النووي "في تقريبه": "وقلما يسلم عن خلل في المتسلسل"1.
وقال السخاوي في شرح ألفية العراقي: "وقلما يسلم التسلسل من ضعف يحصل في وصف التسلسل لا في أصل المتن كمسلسل المشابكة فمتنه صحيح والطريق بالتسلسل فيها مقال ومراده بمسلسل المشابكة الواقعة في حديث: "خلق الله التربة يوم السبت".
"تعقيبي على ذلك":
وأحر بهذا التسلسل أن يكون غير ثابت كما قال السخاوي، وأما أن المتن صحيح فلا، وأحب أن أقول: إن حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة" ، قد رواه الإمام مسلم في صحيحه1، ورواه أيضا أحمد، والنسائي عن أبي هريرة.
وهذا الحديث من الأحاديث التي انتقدت على الإمام مسلم؛ لأن مقتضاه أن الله تبارك وتعالى خلق السموات والأرض وما بينهما في سبعة أيام، والثابت بالقرآن المتواتر القطعي في ثبوته أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام2 قال عز شأنه:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الآية3، وقال:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الآية4 وقال تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي
1 التقريب "بشرحه""التدريب" ص381.
2 يعني في مقدار ستة أيام إذا لم يكن ثمت ليل ولا نهار.
3 الأعراف: 54.
4 سورة يونس: 3.
خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ 1 سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} 2.
وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الآية3 والحديث الصحيح مهما بلغ لا يعارض ما ثبت بالقرآن المتواتر القطعي وقد تنبه المحدثون إلى هذا من قديم الزمان فأعلوه، وتكلموا فيه:
فمنهم من قال: إنه غير ثابت، لأن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى، وإبراهيم بن أبي يحيى قال فيه الإمام أحمد:"كان قدريا معتزليا جهميا، كل بلاء فيه، ترك الناس حديثه، وكان يضع" وقال ابن معين: "كذاب رافضي فبمثل هذا السند لا يثبت الحديث، ولا المشابكة المسلسل بها، بسبب وجود إبراهيم في السند صراحة أو تدليسا"4.
وإذا كان الحديث مختلقا مكذوبا على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي هريرة ومن جاء بعده من الثقات فلا يصح أن يرتب عليه باحث حكما هو فرع عن ثبوته.
ومن الأئمة الكبار من أنكر رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه إنما أخذه عن كعب الأحبار، وأن بعض
1 أي في تتمة أربعة أيام.
2 فصلت: 9-12.
3 الحديد: 4.
4 الأسماء والصفات للإمام البيهقي ص384.
رواته وهم في رفعه، والأصح وقفه على كعب، وإلى هذا ذهب إمام الأئمة البخاري في تاريخه فقال:"رواه بعضهم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار وهو الأصح" ووافقه على هذا العلامة الحافظ ابن كثير حيث قال:
"فكأن هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صحفه فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال1
…
إلخ".
ومهما يكن من شيء فسيدنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه بريء مما غمزه به أعداء السنن والأحاديث، وأعداء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتهامهم له برفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن بعض الجهلاء المغرورين منهم قال في كتاب له بعد أن سفه على سيدنا أبي هريرة بما سفه به:
"وإني لأتحدى الذين يزعمون في بلادنا أنهم على شيء من علم الحديث، وجميع من هم على شاكلتهم في غير بلادنا أن يحلوا لنا هذا المشكل، وأن يخرجوا بعلمهم الواسع شيخهم من الهوة التي سقط فيها"، ثم تهكم بسيدنا أبي هريرة ما شاء له أدبه أن يتهكم! 2
وهذا الكلام كتبته في كتابي "دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين"3 الذي قصدت به خدمة السنة النبوية المطهرة، وبيان شرفها وفضلها، وحقيقة أمرها ولم أقف على كلام لأحد في هذا الموضوع من الذين ألفوا في "علوم الحديث" قديما وحديثا فلله الحمد والمنة.
1 البداية والنهاية ج1 ص17، 18، وتفسير ابن كثير والبغوي ج3 ص488، وج7/ 326.
2 انظر أضواء على السنة المحمدية ص175 ط الأولى.
3 ص158، 159.