المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرق بين عدل الرواية والشهادة: - الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

[محمد أبو شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌تقدمة بين يدي الكتاب

- ‌منهجي في تأليف هذا الكتاب:

- ‌ال‌‌مدخلللكتاب

- ‌مدخل

- ‌ألقاب المشتغلين بالحديث

- ‌مدخل

- ‌من مفاخر المحدثين

- ‌الحفظ والفقه للأحاديث

- ‌فائدتان

- ‌علوم الحديث بالمعنى العام

- ‌مدخل

- ‌علم الحديث دراية

- ‌مدخل

- ‌تاريخ علم الحديث دراية

- ‌الرواية في الإسلام:

- ‌تعريف الرواية:

- ‌كون الرواية طريقا إلى العلم

- ‌تاريخ الرواية:

- ‌الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الإذن لبعض الصحابة بالكتابة

- ‌آراء العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي

- ‌الحديث في عهد الصحابة وكبار التابعين

- ‌تدوين الحديث تدوينا عاما

- ‌التدوين في القرن الثاني 100-200ه

- ‌التأليف في القرن الثالث" 200-300ه

- ‌التأليف في القرن الرابع 300-400ه

- ‌التأليف بعد القرن الرابع:

- ‌تقليد المؤلفين في العلوم النقلية للمحدثين في الرواية

- ‌مناهج المحدثين في التأليف

- ‌شروط الراوي في الإسلام

- ‌الفرق بين عدل الرواية والشهادة:

- ‌التحمل والأداء وشروطهما

- ‌فائدة

- ‌تفريعات:

- ‌الإسناد العالي والنازل

- ‌مسائل تتعلق بكتابة الحديث وآدابها

- ‌صفة رواية الحديث وآدابها

- ‌مسائل تتعلق بهذا الفصل

- ‌آداب المحدث

- ‌آداب طالب الحديث

- ‌الرحلة في سبيل العلم

- ‌مدخل

- ‌وارتحال التابعين ومن بعدهم

- ‌أدب أهل العلم والحديث وطلابه مع الله ورسوله

- ‌تقسيم الحديث من حيث عدد رواته

- ‌المتواتر

- ‌شروط المتواتر

- ‌أقسام المتواتر:

- ‌العلم الذي يفيده المتواتر:

- ‌الشبه التي أوردت على المتواتر:

- ‌وجود المتواتر من الأحاديث:

- ‌أمثلة المتواتر

- ‌أخبار الآحاد

- ‌المشهور من الحديث

- ‌العزيز:

- ‌تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله

- ‌مدخل

- ‌مظان الموقوف والمقطوع

- ‌ما له حكم المرفوع من الموقوف والمقطوع

- ‌الحديث القدسي

- ‌مدخل

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني

- ‌أمثلة للأحاديث القدسية:

- ‌طريقة رواية الحديث القدسي

- ‌المؤلفات في الأحاديث القدسية:

- ‌المتصل" أو "الموصول

- ‌المسنَد

- ‌أقسام الحديث من حيث القبول والرد

- ‌مدخل

- ‌الحديث الصحيح

- ‌مدخل

- ‌أقسام الحديث الصحيح:

- ‌حكم الحديث الصحيح

- ‌فوائد مهمة تتعلق بالصحيح

- ‌الفائدة الأولى:

- ‌الفائدة الثانية:

- ‌الفائدة الثالثة:

- ‌الفائدة الرابعة:

- ‌الفائدة الخامسة:

- ‌تعقيبات وتنبيهات

- ‌الحديث الحسن

- ‌تعريفه:

- ‌تنبيهات وتعقيبات

- ‌التنبيه الأول

- ‌تنبيه آخر

- ‌تنبيه ثالث

- ‌تنبيه رابع

- ‌الاحتجاج بالحديث الحسن:

- ‌خاتمة:

- ‌الحديث الضعيف

- ‌أقسام الضعيف

- ‌حكم الحديث الضعيف رواية وعملا

- ‌فائدة

- ‌المرسل

- ‌تعريفه:

- ‌حكم المرسل عند المحدثين

- ‌المنقطع

- ‌تعريفه:

- ‌فائدة تتعلق بالمنقطع

- ‌المعضل

- ‌تعريفه:

- ‌فائدتان

- ‌تفريعات

- ‌المعلق

- ‌المدلس

- ‌الشَّاذُ

- ‌المحفوظ

- ‌المنكر

- ‌المعروف

- ‌المتروك

- ‌المُعَلُّ" لا "المعلول" ولا "المُعَلَّل

- ‌المضطرب

- ‌المدرج

- ‌المقلوب

- ‌المطروح

- ‌الحديث الموضوع

- ‌تعريفه

- ‌حكم رواية الموضوع:

- ‌حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أقسام الموضوع:

- ‌متى نشأ الوضع في الحديث:

- ‌عرض موجز لحركة الوضع في الحديث

- ‌مدخل

- ‌الأسباب الحاملة على الوضع:

- ‌الوضاعون

- ‌أمارات الوضع:

- ‌آثار الوضع السيئة

- ‌الموضوعات وكتب العلوم:

- ‌الموضوع وكتب التفسير

- ‌الموضوعات وكتب الفقه والأصول:

- ‌الموضوع وكتب الوعظ، والتصوف، والأخلاق

- ‌الموضوع وكتب العلوم الأخرى:

- ‌جهاد العلماء في مقاومة حركة الوضع وتنقية السنة والأحاديث

- ‌كتب أخر للتخاريج

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌معرفة الأفراد

- ‌معرفة زيادات الثقات وحكمها

- ‌انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا

- ‌علم الجرح والتعديل

- ‌جواز الجرح وإن كان غيبة

- ‌مدخل

- ‌من الذي يستأهل أن يكون ناقدًا

- ‌مناهج النقاد في النقد

- ‌مشاهير المتصدين للجرح والتعديل

- ‌بم تثبت العدالة

- ‌هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل

- ‌بم يكون الجرح

- ‌المراد بالبدعة وحكم رواية المبتدع

- ‌هل يجزئ التعديل على الإبهام

- ‌مدخل

- ‌فائدتان مهمتان

- ‌هل الرواية عن رجل سماه تعتبر تعديلا

- ‌هل يعتبر عمل العالم أو فتياه على وفق حديث تصحيحا له

- ‌جهالة الراوي

- ‌هل يقبل تعديل العبد والمرأة

- ‌ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها

- ‌مدخل

- ‌مراتب الجرح والتعديل

- ‌ألفاظ التجريح، ومراتبها

- ‌المسلسل من الحديث

- ‌تعريفه:

- ‌الأمثلة لهذه الأنواع:

- ‌المسلسلات لا تخلو من ضعف في التسلسل:

- ‌أشهر المؤلفات في المسلسلات

- ‌علم علل الحديث

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات في علل الحديث

- ‌علم غريب الحديث:

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ الغريب في الحديث:

- ‌التثبيت في القول في غريب الحديث

- ‌المؤلفون في هذا العلم:

- ‌علم مختلف الحديث ومشكله

- ‌مختلف الحديث في اللغة

- ‌مختلف الحديث في الاصطلاح:

- ‌مشكل الحديث

- ‌أقسام مختلف الحديث

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في مختلف الحديث ومشكله

- ‌علم ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌مدخل

- ‌النسخ في اللغة

- ‌يطلق النسخ في اللغة على معنين

- ‌بم يعرف النسخ

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في الناسخ والمنسوخ في الحديث

- ‌محكم الحديث

- ‌علم أسباب ورود الحديث

- ‌مدخل

- ‌هذا العلم نظير علم أسباب النزول عند علماء علوم القرآن

- ‌سبب ورود الحديث قد يذكر في الحديث وقد يذكر في غيره

- ‌ القسم الأول: وهو ما يذكر في الحديث من أمثلته:

- ‌القسم الثاني من أسباب ورود الحديث

- ‌المؤلفات في هذا العلم:

- ‌علم المصحف والمحرف

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ التصحيف

- ‌مقالة جيدة للحافظ ابن كثير الدمشقي

- ‌ذكر العلماء المثل للتصحيف للتصويب والتحذير لا للتشهير

- ‌التصحيف في حديث لا يخل بصحته وحسنه

- ‌أقسام التصحيف

- ‌تقسيم أول:

- ‌تقسيم ثان له

- ‌تقسيم ثالث له

- ‌النتيجة

- ‌المؤلفات في الصفحات

- ‌معرفة الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌من هو الصحابي

- ‌تعريف الصحبة:

- ‌بم تعرف الصحبة

- ‌عدالة الصحابة

- ‌المكفرون لبعض الصحابة

- ‌أكثر الصحابة رواية للحديث

- ‌الصحابي المظلوم أبو هريرة

- ‌أكثر الصحابة علما وفتيا

- ‌المعروفون بالفتوى من الصحابة:

- ‌عدد الصحابة

- ‌طبقات الصحابة

- ‌أفضل الصحابة

- ‌مدخل

- ‌خصائص بعض الصحابة

- ‌أزواجه صلى الله عليه وسلم

- ‌أول الصحابة إسلاما

- ‌آخر الصحابة موتا

- ‌المؤلفون في الصحابة

- ‌التابعون رضي الله عنهم

- ‌مدخل

- ‌طبقات التابعين

- ‌سيدات النساء التابعيات

- ‌جماعة عدوا من التابعين وليسوا منهم

- ‌قوم من الصحابة عدوا من التابعين وبالعكس

- ‌آخر التابعين

- ‌اتباع التابعين

- ‌رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌المدبج وراية القرين عن القرين

- ‌معرفة الإخوة والأخوات من الرواة

- ‌رواية الآباء عن الأبناء

- ‌رواية الأبناء عن الآباء

- ‌السابق واللاحق

- ‌معرفة الوحدان

- ‌معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة

- ‌معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المؤلفات في هذا الفن

- ‌القسم الأول: في أسماء

- ‌فمن الصحابة:

- ‌ومن التابعين

- ‌القسم الثاني: الكني

- ‌القسم الثالث: الألقاب

- ‌معرفة الأسماء والكنى

- ‌مدخل

- ‌أقسام هذا النوع

- ‌معرفة كنى المعروفين بالأسماء

- ‌معرفة ألقاب المحدثين، ومن يذكر معهم

- ‌المؤتلف والمختلف

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات فيه:

- ‌وما ضبط من هذا النوع قسمان:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌الأنساب

- ‌تعليق المؤلف

- ‌المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها

- ‌أقسام المتفق والمفترق

- ‌المتشابه

- ‌المشتبه المقلوب

- ‌معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم

- ‌النسب التي هي على خلاف ظاهرها

- ‌معرفة المبهمات

- ‌معرفة التواريخ لمواليد الرواة والسماع والقدوم والوفيات لهم

- ‌مدخل

- ‌فروع:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌سبعة من الأئمة الحفاظ، أحسنوا التأليف، وعظم النفع بتأليفهم

- ‌معرفة من اختلط من الرواة الثقات

- ‌مدخل

- ‌طبقات العلماء والرواة

- ‌معرفة الموالي من العلماء والرواة

- ‌بلوغ الموالي من العلماء والرواة مرتبة سامية في الإسلام

- ‌معرفة أوطان الرواة وبلدانهم

- ‌رواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين بعضهم عن بعض

- ‌معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين

- ‌مدخل

- ‌معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه

- ‌معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم شيخه

- ‌معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه

- ‌معرفة من اتفق اسمه وكنيته

- ‌معرفة من وافق اسمه نسبه

- ‌معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء

- ‌معرفة من لم يرو إلا حديثًا واحدًا

- ‌باب: المراجع والفهارس

- ‌المراجع الأصلية:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفرق بين عدل الرواية والشهادة:

وبين التزيد والاختلاق. نعم إن روى المبتدع غير الداعية ما يؤيد بدعته فروايته مردودة لاحتمال التهمة.

أما ما يخل بالمروءة فقسمان:

1-

الصغائر الدالة على الخسة كسرقة شيء حقير كرغيف مثلا.

2-

المباحات التي تسبب الاحتقار، وتذهب بالكرامة، وذلك كالبول في الطريق وفرط المزاح الخارج عن حد الاعتدال.

وقد مثل العلماء في باب الشهادة والرواية لذلك أيضا بالمشي عاري الرأس والأكل على قارعة الطريق.

وفي الحق أن هذه الأمور التي تخل بالمروءة ترجع إلى العرف، والأعراف تختلف في هذا، ولو أخذنا بهذين الأخيرين لتعذر وجود شاهد اليوم فإنه لا يكاد أحد يغطي رأسه اليوم، وكثير من الناس يأكل في الطريق للضرورة لزحمة العمل وضيق الوقت، فمن ثم لا نرى أن هذين يخلان بالمروءة أما البول في الطريق وفرط المزاح فلا يزالان من صفات المستهترين وإنما لا تقبل شهادة ولا رواية من أخل بالمروءة لأن الإخلال بها إما لخبل في العقل أو نقصان في الدين أو لقلة الحياء، وكل ذلك رافع للثقة بقوله.

ص: 86

‌الفرق بين عدل الرواية والشهادة:

ولا يشترط في عدل الرواية العدد ولا الذكورة ولا الحرية ولا البصر، فيقبل خبر الواحد والمرأة، والعبد، والأعمى، وكذا المحدود في قذف إذا تاب وإن لم تقبل شهادته عند بعض الأئمة1.

1 الذين يقولون: إن المحدود في قذف لا تقبل شهادته وإن تاب هم بعض السلف، وإليه ذهب أبو حنيفة، وجعل الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا

} عائد إلى الفسق في الآية السابقة لها فحسب، وذهب كثير من السلف إلى قبول شهادة من حد في قذف إذا تاب وإليه ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، ذهابا منهم إلى أن الاستثناء في الآية يعود إلى عدم قبول الشهادة والفسق، فبالتوبة يرتفع الأمران.

ص: 86

والفرق بين الرواية والشهادة أن الشهادة اعتبر فيها معانٍ أخرى تتوقف عليها منها: التمييز بين الأشياء، والإشارة إلى المشهود به وعليه. وهذا لا يمكن مع العمى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"على مثل الشمس فاشهد".

وأما العبد والمرأة فلأن الشهادة من باب الولاية، فإن الشاهد سيلزم المشهود عليه المشهود به، ولا ولاية لهما على غيرهما لانتقاصها بالأنوثة وانعدامها بالرق، وأما الإخبار بالحديث فليس من باب الولاية؛ لأن الناقل لا يلزم المنقول إليه شيئًا بل الحكم المستفاد من الحديث يلزم المنقول إليه بالتزامه الشريعة.

وأما المحدود في قذف فلأن رد شهادته عند من يرى ذلك من تمام حده وقد ثبت ذلك بالنص، وهو قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 4، 5] فبعد التوبة لا تقبل شهادته، ويقبل حديثه بناء على عدالته حينئذ لزوال اسم الفسق عنه، وذلك لأنهم يجعلون الاستثناء عائدًا على الأخير وهو الفسق لا على رد الشهادة كما ذكرنا وأيضًا فلو اشترط لقبول الرواية الذكورة أو الحرية أو العدد لتعطلت أحكام كثيرة، فقد رويت أحاديث كثيرة في الأحكام والآداب عن أمهات المؤمنين وغيرهن، وكثير منها مروي عن الموالي والمماليك كعكرمة مولى ابن عباس، ونافع مولى ابن عمر، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي وغيرهم وكثير من الأحاديث مروية بطريق الآحاد ولم ترد إلا من طريق واحد فقط وبذلك ظهرت الحكمة في الفرق بين عدل الرواية وعدل الشهادة.

ص: 87

هل العدالة تتفاوت؟:

جمهور العلماء على أن العدالة لا تقبل الزيادة والنقصان فهي كالإيمان عند من يقول بعدم قبوله ذلك.

والصحيح أن العدالة كالضبط تقبل الزيادة والنقصان والقوة والضعف وقد أشار إلى ذلك علماء الأصول في باب الترجيح في الأخبار وصرح به العلامة نجم الدين سليمان الطوفي في "شرح الأربعين" حيث قال: "إن مدار الرواية على عدل الراوي وضبطه، فإن كان مبرزا فيهما كشعبة وسفيان ويحيى القطان ونحوهم فحديثه صحيح، وإن كان دون المبرز فيهما أو في أحدهما لكنه عدل ضابط بالجملة فحديثه حسن"، وهذا هو أجود ما قيل في هذا المكان.

واعلم أن العدالة والضبط إما أن ينتفيا في الراوي، أو يوجد فيه العدالة وحدها أو الضبط وحده، فإن انتفيا فيه لم يقبل حديثه أصلا، وإن اجتمعا فيه قبل وهو الصحيح المعتبر، وإن وجدت فيه العدالة دون الضبط قبل حديثه لعدالته وتوقف فيه لعدم ضبطه حتى يوقف على شاهد منفصل يجبر ما فات من صفة الضبط، وإن وجد فيه الضبط دون العدالة لم يقل حديثه لأن العدالة هي الركن الأكبر في الرواية، ثم إن كل واحد من العدالة والضبط له مراتب: عليا، ووسطى، ودنيا. ويحصل بتركيب بعضها مع بعض مراتب للحديث مختلفة في القوة والضعف وهي ظاهرة مما ذكرناه1.

ولعل الذي أوجب خفاء تفاوت العدالة عند بعض العلماء أنهم رأوا أن أئمة الحديث قلما يرجعون بها، وإنما يرجحون بأمور تتعلق بالضبط، وسبب ذلك أنهم رأوا أن الترجيح بزيادة العدالة ربما يوهم الناس أن الراوي الآخر غير عدل فيسوء به ظنهم، ويشكون في سائر ما يرونه.

1 توجيه الفطر إلى علوم الأثر ص30.

ص: 88

وقد فرض أنه عدل ضابط.

وقد زعم بعض العلماء عدم تفاوت الضبط أيضا، وقد رد عليه بعضهم بقوله: لا شك في تحقق تفاوت مراتب العدالة والضبط في العدول الضابطين من السلف والخلف وقد وضح ذلك حتى صار كالبدهي وهذه المسألة لها نظائر لا تحصى قد غلط فيها كثير ممن له موقع عظيم في النفوس فإنهم يذهلون عن بعض الأقسام، فتراهم يقولون: الراوي إما عدل أو غير عدل، وكل منهما إما ضابط أو غير ضابط، غير ملاحظين أن العدالة والضبط مقولان بالتشكيك، فينبغي الانتباه لذلك فإنه ينحل به كثير من المشكلات1.

بم تثبت العدالة؟

1-

تثبت العدالة بالاستفاضة والشهرة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم، وشاع الثناء عليه بها كفى في عدالته، ولا يحتاج مع ذلك إلى معدل ينص عليها، وذلك كالأئمة مالك والسفيانين: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة. والأوزاعي، والشافعي وأحمد بن حنبل، والليث بن سعد، وشعبة، وابن المبارك، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني رحمهم الله ومن جرى مجراهم في نياهة الشأن، واستقامة الأمر، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء، وإنما يسأل عمن خفي أمره.

وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن إسحاق بن راهويه فقال: "مثل إسحاق يسأل عنه؟ "، وهي كلمة لها معناها ومغزاها.

وسئل يحيى بن معين عن أبي عبيد القاسم بن سلام فقال: "مثلي يسأل عن أبي عبيد؟! أبو عبيد يسأل عن الناس".

1 المرجع السابق ص31.

ص: 89

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: "الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية إذا لم يكونا مشهورين بالعدالة، والرضا، وكان أمرهما مشكلا ملتبسا، ومجوزا فيهما العدالة وغيرها"، قال: والدليل على ذلك أن العلم بظهور سيرهما، واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة.

2-

وتثبت العدالة أيضا بتنصيص عالمين عليها، أو واحد على الصحيح، ولو بروايته عنه في قول1.

3-

وتوسع الحافظ أبو عمر بن عبد البر النمري القرطبي في ثبوت العدالة فقال ما توضيحه: "كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه" ووافقه على هذا ابن المواق من المتأخرين لقوله صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" ، رواه من طريق العقيلي من رواية معان -بضم الميم- ابن رفاعة السلامي2 عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري مرفوعا، وقوله هذا غير مرضي والحديث الذي استدل به من الطريق الذي أورده مرسل3، أو معضل4، وإبراهيم الذي أرسله قال فيه ابن القطان:"لا نعرفه البتة" ومعان أيضا وثقه علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، قال ابن القطان:"وخفي على أحمد من أمره ما علمه غيره"، وهذا الحديث قد توسع في الكلام عليه الإمام العراقي "في التقييد والإيضاح" بما لا مزيد عليه من ناحية سنده ومتنه.

أما من ناحية سنده فقال: "لقد ورد هذا الحديث مفصلا من رواية

1 تدريب الراوي ص109 ط الأولى.

2 بتخفيف اللام وهو شامي لين الحديث كثير الإرسال توفي بعد سنة مائة وخمسين.

3 المرسل: ما سقط منه الصحابي.

4 المعضل ما سقط منه اثنان أو أكثر على التوالي.

ص: 90

علي، وابن عمر، وابن عمرو، وجابر بن سمرة، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء، وليس فيها شيء يقوي المرسل

إلى آخر ما قال".

وأما من ناحية متنه فقال: "ثم على تقدير ثبوته إنما يصح الاستدلال به لو كان خبرا أي متمحضا للخبرية، ولا يصح على الخبر لوجود من يحمل هذا العلم وهو غير عدل وغير ثقة1 فلم يبق له محمل إلا على الأمر2 ومعناه أنه أمر للثقات بحمل هذا العلم لأن العلم إنما يقبل عنهم، والدليل لذلك أن في بعض طرقه عند ابن أبي حاتم: "ليحمل هذا العلم" بلام الأمر.

أقول: وإذا حملناه على الأمر فقد عرا عن أن يكون دليلا لما ذهب إليه ابن عبد البر ولا يقال: لم لا يصير هذا الحديث حسنا بتعدد الطرق؟

لأنا نقول: إن الضعيف قسمان:

1-

ضعيف ينجبر بتعدد الطرق كما إذا كان ضعفه محتملا.

2-

وضعيف لا ينجبر فيما إذا كان غير ذلك وهذا من الثاني، والله أعلم3.

2-

الشرط الثاني: الضبط: وهو إتقان ما يرويه الراوي بأن يكون متيقظا لما يروي، غير مغفل4 وذلك بأن يكثر صوابه على خطئه وغفلته، حافظا لروايته إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه إن حدث من كتابه، عالما بما يحيل المعنى عن المراد إن روى بالمعنى حتى يثق

1 فيلزم عليه الخلف في خبره صلى الله عليه وسلم وهو مستحيل شرعا.

2 أي إنه فعل مضارع يراد به الأمر أي ليحمل.

3 علوم الحديث لابن الصلاح بشرح العراقي 138، 139، ط العاصمة، وتدريب الراوي بشرح تقريب النواوي ص199، 300.

4 بضم الميم وفتح الغين وفتح الفاء المشددة.

ص: 91

المطلع على روايته، والمتتبع لأحواله بأنه أدى الأمانة كما تحملها لم يغير منها شيئا.

والضبط ينقسم إلى قسمين:

1-

ضبط صدر: وهول أن يحفظ ما سمعه في صدره من جهة تحمله إلى وقت أدائه بحيث يتمكن من استحضاره، متى شاء، مع المحافظة على اللفظ إن كان ذاكرا له، مستكملا لشروط الرواية بالمعنى، إن روي بالمعنى.

2-

ضبط كتاب: وهو أن يصون كتابه الذي تحمل الحديث فيه من وقت تحمله إلى وقت أدائه بحيث يأمن عليه من التغيير والتبديل، والزيادة والنقصان، وإذا أعاره إلى أحد لا يعيره إلا لرجل مؤتمن.

وضبط الصدر مجمع على قبول الرواية به، وأما ضبط الكتاب فخالف في قبول الرواية بعض الأئمة الكبار كأبي حنيفة وأبي عبد الله مالك رحمه الله تعالى1.

تفاوت الضبط:

وتتفاوت مراتب الضبط بحسب تفاوت الرواة في الحفظ والتيقظ وعدم الغفلة والسهو إن روى من حفظه، وبمقدار ضبطه لكتابه وصيانته له إن روى من كتابه، وبمقدار علمه بمعنى ما يرويه، وبما يحيل المعنى عن المراد إن روى بالمعنى.

"بم يعرف الضبط؟ ":

ويعرف ضبط الراوي بمقارنة مروياته بمرويات الثقات المتقنين

1 مقدمة ابن الصلاح ص185.

ص: 92

الضابطين وقياسها بمقياس حديثهم، فإن وافقهم في روايتهم غالبا ولو من حيث المعنى فهو ضابط ولا تضر مخالفته لهم النادرة، فإن كثرت مخالفته لهم، وندرت الموافقة اختل ضبطه ولم يحتج بحديثه1.

وإذا أثبت عدالة الراوي وضبطه ثبت أنه ثقة تجب الطمأنينة إليه، وترجح جانب صوابه على جانب خطئه، وليس بعد تحقق الطمأنينة وترجح جانب الصواب من الراوي إلا قبول روايته، وبعد تحقق العدالة والضبط وشروطهما يصير احتمال الكذب أو الغلط من الراوي احتمالا بعيدا جدا إن لم يكن غير ممكن، بل هو لا يعدو أن يكون أمرا جائزا جوازا عقليا، وبالعدالة والضبط يحوز الراوي درجة القبول. ويتهيأ مرويه للنظر فيه، ويتأهل إسناده للبحث عنه.

فإذا قبل الراوي ينظر للمروي هل توفرت فيه شروط القبول؟ وهي: السلامة من الشذوذ ومن العلة، وذلك بألا يخالف الثقة من هو أوثق منه فيما رواه، وبأن يسلم المروي من قادح خفي تظهر السلامة منه، فإذا تخطى المروي هذه العقبة فإنه ينظر للرواية. فإذا تحقق اتصال الإسناد وسلامته من الخلل وانتفى عنه التعليق والإرسال والانقطاع والإعضال والتدليس والاضطراب ومخالفة الأرجح عددا أو صفة كان المتن أهلا للقبول، وترجحت نسبته إلى من عزي إليه ترجحا قويا يكاد يصل عند أهل هذا الفن المتمرسين فيه، والذين اكتسبوا ملكة النقد بمزاولته إلى حد العلم واليقين.

وهكذا يظهر لنا جليا أن الشروط التي وضعها المحدثون للراوي والمروي والرواية يوجب الثقة والطمأنينة إلى الراوي والمروي، وأنها تمثل أدق الأصول في النقد وأوفاها وأرقاها، وأن علم الرواية في الإسلام من مفاخر الأمة الإسلامية.

1 التدريب ص110 ومثل ذلك إدراك استقامة الخط المستقيم بقياسه بالمسطرة في المحسوس فإذا لم تخرج عن استقامة المسطرة كان مستقيما وإلا فلا.

ص: 93