الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما النقل بالطريق المشتملة على كذاب أو مجهول فلا يمكن اليهود أن يصلوا إلى صاحب نبي أصلا، ولا إلى تابع له، ولا يمكن للنصارى أن يصلوا إلى أعلى من شمعون بولص، وقال أبو علي الجياني:"خص الله هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها: الإسناد والأنساب والإعراب"1.
1 التدريب ص183 الباعث الحثيث هامش 189-190.
الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
كان معظم الصحابة رضوان الله عليهم يأخذون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي أخذا شفاهيا بطريق السماع من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن لم تمكنه ظروف حياته من التلقي عن الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة بسبب السفر أو الاشتغال بالجهاد أو أمور المعاش أخذ عمن تلقى عن الرسول، فقد ثبت في صحيح البخاري ومسلم1 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يتناوب هو وجار له من الأنصار في الذهاب إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم هذا ينزل يوما، وذاك ينزل يوما، فإذا نزل أحدهما جاء للآخر بخبر ذلك اليوم من الوحي والأحاديث والأخبار، وهكذا نجد أنهم ما كان يشغلهم دينهم عن دنياهم، ولا تشغلهم دنياهم عن دينهم بل جمعوا بين الحسنيين. وحازوا الفضيلتين: العمل للدنيا والعمل للآخرة. وكذلك من نأى عن الرسول كانوا يرسلون الوفود لتأتيهم بخبر الرسول والوحي قرآنا أو سنة. وذلك كما فعل قوم ضمام بن ثعلبة، فقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم رسولا من قومه وسأله عن الرسالة وشرائع الإسلام. وكوفد عبد القيس، فقد وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن الإيمان وشرائع الإسلام فأجابهم وعلمهم وأوصاهم أن يحفظوا الإيمان والعلم، ويبلغوه مَن وراءهم رواهما
1 صحيح البخاري، كتاب العلم، باب التناوب في العلم، وصحيح مسلم، كتاب الطلاق.
البخاري ومسلم1 بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل مع الوفود من علماء الصحابة من يقرئهم القرآن. ويعلمهم السنة. ويفقههم في الدين وذلك كما فعل مع الأنصار قبل الهجرة، فقد أرسل معهم الصحابي الجليل مصعب ابن عمير داعيا إلى الإيمان ومقرئا ومعلما.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يشحذ عزائمهم إلى حفظ الأحاديث والسنن وتبليغها بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأ سمع مني مقالة فحفظها ووعاها، فأداها كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع"، رواه أبو داود والترمذي وروى نحوه الشافعي والبيهقي وفي آخره:"فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
وقال صلى الله عليه وسلم: "ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه".
وقال: "فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع"، رواها البخاري2 وقال صلى الله عليه وسلم:"العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" ، رواه الترمذي من حديث طويل إلى غير ذلك من الأحاديث التي كانت تحمل الصحابة على العناية الفائقة بحفظ الأحاديث والسنة وتبليغها.
"كتابة القرآن كله":
لقد كتب القرآن جميعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان كتب مفرقا في العسب والأكتاف، والرقاع، واللخاف3 وتلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة
1 صحيح البخاري، كتاب العلم، باب القراءة والعرض على المحدث وباب تحريض النبي وفد عبد القيس أن يحفظوا الإيمان والعلم.
2 كتاب العلم باب رب مبلغ أوعى من سامع.
3 العسيب: جمع عسيب طرف الجريد العريض، والأكتاف: جم كتف أي عظم الكتف، الرقاع: جمع رقعة: ما يكتب فيه من جلد أو قماش أو ورق، اللخاف: جمع لخفة: وهي حجارة رقيقة يكتب عليها.
وقد كان المعول عليه في حفظ القرآن، وضبط كلماته هو التلقي والسماع، فقد تلقوه كله عنه آية آية، وكلمة كلمة، وحرفا حرفا من غير تحريف أو تبديل أو زيادة أو نقصان، ثم بلغوه كما تلقوه لمن بعدهم وهكذا نقله كل جيل عمن قبله حتى وصل إلينا كما أنزله الله غضا طريا كأن عهده بالنزول أمس.
وبذلك اجتمع للقرآن الكريم الحفظ في الصدور، والكتابة في السطور، والتلقي الشفاهي والكتابي، وصدق الله حيث يقول:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1. ولم تقف عنايتهم بالقرآن عند حفظ لفظه. وضبط كلماته بل عنوا برواية كل ما يتصل بالقرآن كتفسيره، ومكيه ومدنيه، وأسباب نزوله، والأحرف التي نزل عليها، وقراءاته، ورسمه. ووقوفه، وطرق أدائه ونحوها.
لم لم تدون الأحاديث كلها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
وإنما لم تدون الأحاديث كلها "كالقرآن" في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأمور:
1-
لفشو الأمية، وعدم توفر أدوات الكتابة فيهم.
2-
ولسعة حفظهم، وسيلان أذهانهم، واعتمادهم على الحفظ أكثر من اعتمادهم على الكتابة.
3-
لورود النهي عن ذلك. فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه" 2، وهذا هو الحديث الوحيد -فيما أعلم- في هذا المعنى، وسيأتي بيان وجهة هذا النهي.
وقد كان هذا النهي بمثابة إشحاذ الهمم، وتقوية العزائم لحفظ الأحاديث والسنن، وتبليغها للغير باللفظ إن أمكن وإلا فبالمعنى، ولا سيما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحثهم ويرغبهم في ذلك بمثل ما ذكرناه آنفا.
1 الحجر 9.
2 صحيح مسلم، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم في أواخر الصحيح.