الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنفيرا للناس منه.
ومن ذلك ما ذكره بعضهم في تفسير قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} بأنه الحوت الذي على ظهره الأرض وفي تفسير {ق} من أنه جبل محيط بالدنيا، والسماء واضعة أكنافها عليه وما ذكروه من أن الأرض على صخرة والصخرة على قرن ثور، فإذا حرك الثور قرنه تحركت الصخرة، فكل هذا وأشباهه من خرافات بني إسرائيل وأباطيلهم دست على الإسلام زورا وقد امتلأت بعض كتب التفسير بمثل هذه الخرافات والإسرائيليات، فلا تلق إليها بالا واطرحها دبر أذنيك فإنها لا تساوي المداد الذي كتبت به.
ومعذرة أيها القارئ إذا كنت لم أطل في الرد واستقراء هذه الأباطيل المبثوثة في كتب التفاسير والتواريخ والأدب، وقد فصلت القول في هذا في كتابي "الوضع في الحديث" ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين وأطنبت في الردود1 من منذ ثلث قرن أو يزيد.
1 هو مخطوط وسيطبع عما قريب إن شاء الله تعالى.
الموضوعات وكتب الفقه والأصول:
وكما اشتملت بعض كتب التفسير على الموضوعات اشتملت بعض كتبه الفقه على أحاديث ضعيفة ومنكرة، وموضوعة، ولما كان بعض الفقهاء ولا سيما المتأخرين منهم بضاعتهم في فن الحديث، ومعرفة صحيحه من سقيمه قليلة، فقد اغتروا ببعض الأحاديث التي لا يصح الاحتجاج بها وأوردوها في كتبهم أضف إلى ذلك أنك قلما تجد في كتب المتأخرين من الفقهاء حديثا مذكورا بسنده كاملا، وليتهم إذ حذفوا الأسانيد غزوا الأحاديث إلى مخرجيها مع بيان درجتها من الصحة أو الحسن أو الضعف، أما كتب المتقدمين والأئمة الكبار، فلا تكاد تجد فيها موضوعا كما وأنها تحرص على ذكر الأحاديث بأسانيدها أو على الأقل
عزوها وبيان درجتها من الصحة أو الضعف.
ومن قبل أدرك أئمة الحديث ما في كتب الفقه من صحيح وغيره، فألفوا كتب التخاريج1 منهم الحافظ الزيلعي الحنفي المتوفى 762هـ، فقد ألف كتاب "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية"، وهي من كتب الحنفية، والحافظ ابن حجر ألف كتابا سماه "التلخيص الحبير، في تخريج أحاديث الرافعي الكبير"، وهو من كتب الشافعية، ومثل ذلك فعل بعض الأئمة في تخريج كتب الأصول فجزاهم الله خيرا.
فمن ذلك حديث أخرجه الدارقطني عن سلمان قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سال من أنفي الدم فقال: "أحدث وضوءا" ففي سنده عمرو بن خالد الواسطي كان يضع الحديث2. وحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم "قاء ولم يتوضأ"، قال الزيلعي: غريب جدا، وقال الحافظ ابن حجر: لم أجده. وحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم"، قال البخاري: حديث باطل وذكره ابن الجوزي في الموضوعات3، ومما وقع في كتب الأصول حديث:"ما جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق فخذوه وإن خالف فردوه"، وهو موضوع وضعته الزنادقة، وحديث:"حكمي على الواحد حكمي على الجماعة"، وهو بهذا اللفظ لا يعرف عند المحدثين وهو أقرب إلى قواعد الفقهاء4.
والخلاصة أنه لا ينبغي لباحث أو مستدل أن يعتمد على كتب الفقه
1 التخريج: عزو الأحاديث إلى من ذكرها في كتابه من الأئمة وبيان درجتها من الصحة أو الحسن أو الضعف.
2 نصب الراية ج1 ص41.
3 المرجع السابق ص212.
4 وإنما الحديث المعروف هو قوله صلى الله عليه وسلم في مبايعة النساء: "إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة" رواه النسائي.