الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث بذلك، فجاء من لا يعرف إلا اصطلاح الترمذي فسمع قول بعض الأئمة:"الحديث الضعيف أحب إلي من القياس" فظن أنه يحتج بالحديث الذي يضعفه مثل الترمذي وأخذ يرجح طريقة من يرى أنه أتبع للحديث الصحيح وهو في ذلك من المتناقضين الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى منه بالرجحان
…
".
والذي يظهر لي وينقدح في ذهني أن ما كانوا يدرجونه في الصحيح هو الحسن لذاته ولعل هذا مراد ابن الصلاح، وأن ما كانوا يدرجونه في الضعيف هو الحسن لغيره وعليه يحمل كلام ابن تيمية وسيتبين لك ذلك جليا عند ذكر تعريف الحسن بقسميه وحمل ابن الصلاح تعريف الترمذي على تعريف الحسن لغيره.
الحديث الصحيح
مدخل
…
"الحديث الصحيح":
تعريفه: هو الحديث المسند الذي اتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون حديثا شاذا ولا معللا.
وإنما قلنا: إلى منتهاه ليشمل الحديث الصحيح المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمروي عن الصحابي وهو الموقوف والمروي عن التابعين وهو المقطوع ومن هذا التعريف تبين لنا أن شروط الصحيح خمسة:
1-
اتصال السند.
2-
عدالة الرواة.
3-
الضبط.
4-
عدم الشذوذ.
5-
عدم العلة.
ولنأخذ في شرح هذه الشروط لتكون على بينة من التعريف.
1-
معنى اتصال السند: أن يكون كل راو سمع ما رواه من الذي فوقه مباشرة بحيث لا يكون هنا راو محذوف ويخرج بهذا الشرط:
1-
المنقطع.
2-
والمعضل.
3-
والمعلق.
4-
والمرسل.
فأما المنقطع: فهو ما سقط من سنده راو في موضع أو مواضع.
وأما المعضل: فهو ما سقط من سنده راويان فأكثر مع التوالي.
وأما المعلق: فهو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر، وهذا في غير تعاليق البخاري ومسلم التي هي بصيغة الجزم فإن لها حكم الاتصال.
وأما المرسل: فهو ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر الصحابي.
2-
"العدالة" 1:
العدالة: ملكة2 تحمل على ملازمة التقوى والمروءة.
والتقوى: هي امتثال المأمورات واجتناب المنهيات من كفر أو فسق أو بدعة وذلك بأن لا يفعل كبيرة ولا يضر على صغيرة.
والمروءة: هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على التحلي بمحاسن الأخلاق وجميل العادات، والذي يخل بالمروءة قسمان:
1-
الصغائر الدالة على الخسة كسرقة لقمة أو شيء حقير مثلًا.
2-
المباحات التي تورث الاحتقار وتذهب الكرامة كالبول في الطريق، وفرط المزاح الخارج عن حد الأدب والاعتدال إلى غير ذلك من الأمور التي يكون المرجع فيها إلى العادة والعرف، وهما يختلفان باختلاف الأزمان والبيئات فقد يكون الشيء مخلا بالمروءة في عصر أو بيئة ولا يكون مخلا في عصر أو بيئة أخرى.
ألا ترى أن العلماء قديما جعلوا المشي عاري الرأس مخلا بالمروءة مع أن في زماننا هذا لا يعتبر ولو اعتبرناه مخلا لربما يتعذر وجود عدل
1 العدالة: مصدر عدل بضم الدال. يقال: عدل فلان عدالة وعدولة فهو عدل أي مرضي في الشهادة والرواية والعدل يطلق على الواحد وغيره وتجوز فيه المطابقة وعدمها، وأما العدل ضد الجور فمصدر عدل من باب ضرب فهو عادل.
2 الملكة: هي الكيفية الراسخة من الصفات النفسانية فإن لم تكن راسخة فهي الحال.
يقوم بالشهادة وكذلك اعتبروا الأكل في الطريق مخلا بالمروءة مع أنه في زماننا هذا يكاد يكون أمرا عاديا عند كثير من الناس، نعم قد يكون هذان الأمران وما شابههما مما يخل بالمروءة لدى بعض الطوائف حتى في عصرنا هذا كالعلماء الذين هم ورثة الأنبياء.
والمراد بالعدالة: العدالة التامة الكاملة أما الناقصة القاصرة فلا يكتفى فيها في الحكم بالصحة والمراد من العدل عند المحدثين عدل الرواية وهو المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة أو المسلمة المتصفة بذلك، فيدخل فيه الذكر والأنثى والحر والعبد والمبصر والكفيف، والمحدود في قذف إذا تاب عند الجمهور وأما عدل الشهادة فإن أئمة الفقه يشترطون فيها شروطا أكثر من ذلك كالحرية والعدد، والإبصار، والذكورة في بعض الأمور كالحدود، وقد سبق تفصيل القول في الفرق بين عدل الرواية وعدل الشهادة في فصل شروط الراوي في الإسلام.
"دقة نظر المحدثين في العدالة":
وقد كان المحدثون على حق في عدم اشتراطهم في الرواية الذكورة، والحرية، والإبصار، والعدد لأن الكثير من الأحاديث حملت عن أمهات المؤمنين وغيرهم من النساء كأم سليم، وأم عطية والكثير منها روي عن الموالي كزيد بن حارثة وعكرمة مولى ابن عباس ونافع مولى ابن عمر وعن الأكفاء1 كعبد الله بن أم مكتوم والكثير منها روي من طريق واحد في الصحيحين وغيرهما ممن التزموا تخريج الصحيح فلو اشترطوا ذلك لتعطل كثير من الأحاديث التي رواها هؤلاء ولضاع الكثير من الأحكام والآداب.
1 الأكفاء بفتح الهمزة، وكسر الكاف وفتح الفاء المشددة جمع كفيف وأما الأكفاء فهو جمع كفء وهو النظير والمثيل وبعض الناس حتى من المتعلمين يغلطون فيضعون إحداهما موضع الآخر فكن أيها الطالب الفطن على بينة من هذا.
وبشرط العدالة خرج عن التعريف الفاسق، والمستور: وهو من لم تتحقق عدالته ولا جرحه1 والمجهول عينا كحدثنا رجل أو حالا كحدثنا علي بن فلان من غير أن يعرف عنه أكثر من ذلك وهذا يسمى: مجهول الحال.
3-
"الضبط":
وهو قسمان:
1-
ضبط صدر.
2-
ضبط كتاب.
فالأول: هو أن يحفظ ما سمعه من شيخه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء من حين سماعه إلى حين أدائه وروايته.
والثاني: هو محافظته على كتابه، وصيانته عن أن يتطرف إليه تغيير ما من حين سماعه فيه وتصحيحه إلى أن يؤدي منه ويروي، ولا يعيره إلا لمن يثق فيه ويتأكد من أنه لا يغير فيه والمراد بالضبط: الضبط التام منه فلا تقبل رواية سيئ الحفظ ولا المغفل الذي يكثر غلطه كأن يرفع الموقوف، ويصل المرسل، ويصحف الرواة فإنه حديثه لا يكون صحيحا.
4-
"عدم الشذوذ":
الشاذ: هو ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه وسيأتي تحقيق القول فيه في "أقسام الحديث الضعيف".
5-
عدم العلة:
العلة: هي الأمر القادح في الحديث سواء أكانت هذه العلة جلية ظاهرة كالإرسال الظاهر وهو أن يروي عمن عرف عند الناس عدم
1 شرح شرح النخبة لعلي بن سلطان القارئ ص71 وهو قول السخاوي، وقال النووي: المستور من لم تعرف عدالته الباطنية مع كونه عدل الظاهر "التدريب ص310".
اجتماعه به، ولم يسمع منه شيئا أم خفية غامضة كالإرسال الخفي وهو أنه يروي عمن عاصره بلفظ عن ولم يسمع منه شيئا، وبعض العلماء يقيد العلة القادحة بالخفية وليس معنى هذا أن الظاهرة لا تقدح في صحة الحديث ولكنها تخرج بشرط الاتصال.
فالحديث الذي اجتمعت فيه هذه الشروط التي وضحناها لك هو الحديث الصحيح.
"دقة نظر المحدثين في الحكم بالصحة":
وإنما حكم المحدثون على الحديث الذي توفرت فيه هذه الشروط بالصحة؛ لأن السند إذا كان متصلا أمنا من أن يكون هناك محذوف يكون منه الكذب أو الغلط وإذا كان الرواة للحديث عدولا ضابطين يغلب على الظن صدقهم، ويترجح عدم خطئهم ونسيانهم، ويكون احتمال الكذب أو الغلط احتمالا بعيدا لأنه يبعد جدا من رجل مستقيم على الشريعة استقامة تامة ورجل ذي مروءة أن يكذب ولا سيما على النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك يستبعد جدا من راو تام الضبط أن يغلط فيما يروي أو ينسى ما حفظ فإذا انضم إلى ذلك عدم وجود مخالف له أقوى منه وعدم وجود علة قادحة ترجح عند الناقد الفاحص ترجحا قويا صدق نسبته إلى قائله سواء أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كان صحابيا أم كان تابعيا ويكون احتمال عدم صدق نسبته إلى قائله في غاية البعد.