الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: "سلوا أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن".
وعسى أن يكون في هذه القولة مُدَّكر لهؤلاء الذين يتسورون1 على الأحاديث النبوية، ويتكلمون في ألفاظها، ومعانيها بغير علم.
حتى علماء اللغة أنفسهم العارفون بها كانوا يتحرجون من القول في ألفاظ الأحاديث، فقد سئل الأصمعي2 -وهو من هو من علماء اللغة الكبار- عن معنى حديث:"الجار أحق بسقبه" 3، فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن العرب تزعم4 أن السقب اللزيق.
1 أي يتهجمون ويأتون البيوت من أسوارها لا من أبوابها.
2 هو الإمام عبد الملك بن قريب -بضم القاف، وفتح الراء، وسكون الباء المثناة، على صيغة المصغر- ابن عبد الملك بن علي، بن أصمع أبو سعيد الباهلي الأصمعي البصري صدوق سيئ، مات سنة ستة عشرة ومائتين روى له مسلم في المقدمة، وأبو داود، والترمذي "تقريب التهذيب ج1 ص521".
3 رواه البخاري في "كتاب الشفعة، باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع. والسقب: بفتح السين، والقاف، وتسكن، آخره باء موحدة، وتبدل السين صادا، هو الجار الملاصق.
المؤلفون في هذا العلم:
1-
وقد اختلف في أول من صنف في هذا العلم فقيل هو النضر بن شميل -بضم الشين وفتح الميم وسكون الياء، آخره لام على صيغة المصغر- وهو ثقة، ثبت من كبار التاسعة وكانت وفاته سنة أربعة ومائتين، روى له الجماعة كما في التقريب1 وقد قال: إنه أول من صنف في الغريب الحاكم أبو عبد الله النيسابوري2.
2-
وقيل: أول من ألف في ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى
1 ج2 ص301.
2 تدريب الراوي ص378.
سنة عشر ومائتين هجرية، ثم النضر بن شميل ثم الأصمعي، قال السيوطي: وكتبها صغيرة قليلة1.
والأصمعي توفي سنة ست عشرة ومائتين، ومن أقرانه قطرب محمد بن المستنير المتوفى سنة عشر ومائتين وأبو زيد الأنصاري "م سنة خمس عشرة ومائتين".
3-
ثم ألف بعدُ الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام كتابه المشهور في غريب الحديث، وذلك في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث، فقد كانت وفاته سنة أربع وعشرين ومائتين، قال النووي والسيوطي: فاستقصى وأجاد، والكتاب قد جمع مادة غزيرة في "غريب الحديث" وليس ذلك بغريب على أبي عبيد القاسم بن سلام فقد كان من الحفاظ الكبار ومن أئمة اللغة الأوائل، فلا عجب أن يأتي هذا الكتاب على هذه الصفة، وقد روي عنه أنه قال:"إني جمعت كتابي هذا في أربعين سنة، وهو كان خلاصة عمري"، وقد طبع هذا الكتاب القيم في "الهند" وفي "مصر" وعلى ما ذكره بدأ في تأليفه سنة ست وثمانين ومائتين.
ومع ما قال النووي والسيوطي في وصف الكتاب والثناء عليه فقد غفل عن ألفاظ تعقبها عليه من جاء بعده من العلماء.
4-
ثم جاء بعده الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة ست وسبعين ومائتين للهجرة فألف كتابه في الغريب، وقد استدرك على أبي عبيد ما فاته في كتابه الجليل، وهو يعتبر ذيلا على كتاب أبي عبيد، وله كتاب "إصلاح الخطأ" ذكر فيه
1 المرجع السابق.
أوهام أبي عبيد الواقعة في كتابه1.
5-
ثم جاء الإمام قاسم السرقسطي المالكي المتوفى سنة اثنتين وثلاثمائة فألف كتابه الموسوم "بالدلائل" وهو يعتبر ذيلًا على كتاب ابن قتيبة قال فيه أبو علي القالي: "ما أعلم أنه وضع بالأندلس مثل كتاب الدلائل" ومات ولم يتمه وأتمه أبوه ثابت بن حزم الحافظ2 المتوفى سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة.
6-
ثم جاء الإمام حمد -بفتح الحاء المهملة وسكون الميم- بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي3، الخطابي، وهي نسبة إلى جده المذكور، وقيل نسبة إلى زيد بن الخطاب؛ لأنه من ذريته المتوفى سن ثمان وثمانين وثلاثمائة بمدينة بست.
فألف كتابه المشهور "غريب الحديث" وقد استدرك في كتابه هذا ما فات أبا عبيد وما فات ابن قتيبة وهذه الكتب تعتبر أمهات كتب غريب الحديث4.
7-
ومن الكتب النافعة المفيدة "كتاب الغريبين" غريب القرآن، وغريب الحديث، وهما في مجلد ضخم لأبي عبيد أحمد بن محمد بن محمد بن أبي عبيد العبدي المؤدب الهروي نسبة إلى هراة إحدى مدن خراسان الكبار الفاشاني نسبة إلى فاشان قرية من قرى هراة المتوفى سنة إحدى وأربعمائة.
قال صاحب "الرسالة المستطرفة"5: "وما ذكرناه في نسبه هو المنقول كما في ابن خلكان ووجد على ظهر كتابه الغريبين أنه أحمد بن محمد بن عبد الرحمن والله سبحانه وتعالى أعلم"، وهو
1 و2 و3 و4 تدريب الراوي ص379، الصلب والحاشية، وانظر مقدمة النهاية لابن الأثير ج1 ص5-9.
5 ص117 ط الأولى.
أحد الكتابين اللذين اعتمد عليهما الإمام ابن الأثير في كتابه الجامع "النهاية".
8-
كتاب "المغيث في غريب الحديث" في مجلد لأبي موسى المديني، كمل به الغريبين، واستدرك عليه وهو كتاب نافع1 قال الإمام الذهبي في "التذكرة" ومن تصانيفه كتاب "معرفة الصحابة" الذي استدرك به على أبي نعيم الحافظ، وكتاب "الطوالات" جودها ولم يسبق إلى مثلها مع كثرة ما فيها من الواهي والموضوع، وكتاب "تتمة الغريبين" يدل على براعته في لسان العرب.
وكانت وفاته سنة إحدى وثمانين وخمسمائة في جمادى الأولى2، وهو ثاني الكتابين اللذين اعتمد عليهما ابن الأثير.
9-
كتاب "جمع الغرائب" لعبد الغافر بن إسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد. قال فيه الإمام الذهبي: الحافظ المفيد الإمام أبو الحسن الفارسي ثم النيسابوري مصنف "تاريخ نيسابور"، وكتاب "جمع الغرائب" و"المفهم لشرح غريب مسلم" كان من أعيان المحدثين بصيرا باللغات، فصيحا، بليغا، عذب العبارة، ولد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة
…
وأجاز له من بغداد أبو محمد الجوهري، وسمع من جده لأمه الأستاذ أبي القاسم القشيري، وأحمد بن منصور المغربي، وأحمد بن عبد الرحمن الإسماعيلي، وأبي حامد أحمد بن الحسن الأزهري
…
وجدته فاطمة بنت الدقاق، وخلق كثير تفقه بإمام الحرمين، لزمه مدة أربع سنين، وحدث عنه أبو سعيد عبد الله بن عمر الصفار وطائفة، وروى عنه أبو
1 المرجع السابق، وانظر تدريب الراوي هامش ص378.
2 تذكرة الحفاظ ج4 ص1335.
القاسم بن عساكر بالإجازة، مات سنة تسع وعشرين وخمسمائة1.
أقول: وأما المفهم بشرح صحيح مسلم فهو للقرطبي شارح الصحيح.
"ملاحظة لي على كل من ألفوا في الغريب": ومن الملاحظات الجديرة بالاهتمام أنهم أهملوا تخريج الأحاديث التي تعرضوا لبيان غريبها أي عزوها إلى من خرجها من الأئمة، وبيان صحيحها من حسنها من ضعيفها، وفي كتب الغريب أحاديث كثيرة لا تثبت، وعسى أن يوفق الله بعض أهل العلم بالحديث للقيام بهذا الغرض الكفائي بالنسبة لكتاب "النهاية في غريب الأثر" لأنه أوفى وأشمل كتاب في هذا الباب ولو أن المحققين الفاضلين للنهاية استعانا بمن يخرج الأحاديث ويبين درجتها من علماء الحديث لجاء تحقيقهما غاية ما يرام.
10-
ثم جاء الإمام الأديب اللغوي المفسر جار الله محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة فألف كتابه "الفائق في غريب الحديث"، وهو فائق في مادته فقد جاء شاملا لما يوجد في كتب من سبقه من المؤلفين في الغريب، وهو من الكتب القيمة التي وافق اسمها مسماها.
11-
ومن أشمل كتب الغريب وأجمعها وأشهرها كتاب "النهاية" في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري الشيباني الموصلي الشافعي المتوفى سنة ست وستمائة، ولما كان مؤلفه متأخرا عن كل أولئك الذين ذكرناهم ممن ألفوا في الغريب فقد جاء كتابه أوفى كتاب وأشمله في بابه، وقد يسر الاطلاع على ما فيه للباحثين بترتيبه
1 تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي ج4 ص1275، وما بعدها.
على حروف المعجم وقد حظيت هذه الكتب السابقة بالقبول عند أهل العلم بالحديث وغيرهم، قال الإمامان النووي والسيوطي في "التقريب" وشرحه "التدريب" بعد ذكر أمهات كتب الغريب:"ثم ألفت بعدها كتب كثيرة فيها زوائد وفوائد كثيرة، ولا يقلد منها إلا ما كان مصنفوها أئمة أجلة كمجمع الغرائب لعبد الغافر الفارسي، وغريب الحديث لقاسم السرقسطي، والفائق للزمخشري، والغريبين للهروي، وذيله للحافظ أبي موسى المديني، ثم النهاية لابن الأثير، وهي أحسن كتب الغريب وأجمعها، وأشهرها الآن، وأكثر تداولا1، وقد فاته الكثير فذيل عليه الصفي الأرموي بذيل لم نقف عليه، وقد شرعت في تلخيصها تلخيصا حسنا مع زيادات جمة والله أسأل الإعانة على إتمامها"2.
وهنالك كتب أخرى: ذكرها العلامة السيد محمد بن جعفر الكتابي في كتابه النافع المفيد "الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة"3، وذكرها المحققان الفاضلان "للنهاية" في مقدمة التحقيق وهي أوفى ما كتب في هذا الموضوع.
قال الإمام السيوطي في "التدريب" شرح التقريب: وأجود تفسيره ما جاء مفسرا به في رواية كحديث الصحيحين في قوله صلى الله عليه وسلم لابن صائد المدجل المشعوذ الذي كان يزعم أنه يوحى إليه: "خبأت لك خبيئا فما هو؟ " قال: الدخ. فالدخ هاهنا الدخان، وهو لغة قليلة فيه حكاه الجوهري وغيره، لما روى أبو داود، والترمذي من رواية الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في هذا الحديث، أن
1 تقريب النواوي بشرح تدريب الراوي ص379.
2 وقد وفى بما وعد وقد سمى تلخيصه "الدر النثير" وقد طبع على هامش النهاية.
3 انظر ص118 ط الأولى.