الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
بلوغ الموالي من العلماء والرواة مرتبة سامية في الإسلام
":
وقد بلغ الموالي بعد تشرفهم بالإسلام منزلة عالية في الإسلام بسبب إيمانهم وتدينهم، وعلمهم، حتى الإمارة حصل عليها بعضهم، وهذا يدل دلالة واضحة على أن الإسلام جعل التفاضل بين الناس بالتقوى، وهي جماع الدين والعلم لا بالأنساب، وطبق ذلك تطبيقا عمليا في دولة الإسلام.
وليس أدل على ذلك مما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب لما تلقاه نائب مكة نافع بن الحارث الخزاعي في أثناء الطريق في حج أو عمرة قال له: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبزى1، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجل من الموالي، قال وكيف استخلفت مولى؟ قال: إنه حافظ لكتاب الله عالم بالفرائض، فقال سيدنا عمر: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع آخرين".
وذكر الإمام الزهري: أن هشام بن عبد الملك2 قال له:
من يسود أهل مكة؟ قلت: عطاء، قال: أمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا.
قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال: قلت: طاوس. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي.
1 هو عبد الرحمن بن أبزى صحابي عند جمهور العلماء الذين نصوا على الصحابة، وتابعي عند بعضهم وأبوه أبزى صحابي ذكره البخاري في "الوجدان"، وله حديث واحد وسنده صالح فهو صحابي ابن صحابي "انظر الإصابة في تمييز الصحابة، ترجمة أبزى، وابنه عبد الرحمن بن أبزى".
2 في علوم الحديث أن الذي سأله عبد الملك بن مروان، وفي اختصار علوم الحديث لابن كثير وشرح السخاوي للألفية أن الذي سأله، هو هشام بن عبد الملك!
قال: فمن يسود أهل مصر؟ قال: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن العرب أم من الموالي؟
قال: قلت: من الموالي.
قال: فمن يسود أهل الشام؟ قال: مكحول، قال: أمن العرب أم من الموالي؟
قال: قلت: من الموالي، عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل.
قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قال: ميمون بن مهران، قال: فمن العرب أم من الموالي؟
قال: قلت: من الموالي.
قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قال: قلت: الضحاك بن مزاحم، قال: فمن العرب أم من الموالي؟
قال: قلت: من الموالي.
قال: فمن يسود أهل البصرة. قال: قلت: الحسن بن أبي الحسن -يعني البصري- قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت من الموالي. قال: فمن يسود أهل الكوفة؟ قال: قلت: إبراهيم النخعي قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من العرب.
قال: ويلك يا زهري فرجت عني، والله لتسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر، والعرب تحتها.
قال: قلت يا أمير المؤمنين، إنما هو أمر الله ودينه من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط وهذا من عبد الملك أو من هشام فراسة وحسن نظر وفيه غيرة على العرب.
قال ابن الصلاح: وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة فإن الله نفعها بقرشي فكان فقيها بغير مدافع: سعيد بن المسيب.
قال ابن الصلاح: وفي هذا بعض الميل، فقد كان حينئذ من العرب
غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير منهم الشعبي والنخعي، بل جميع فقهاء المدينة السبعة الذين منهم ابن المسيب عرب سوى سليمان بن يسار، والله أعلم.
"تعليقي على القصة":
وأنا مع ابن الصلاح فيما قال، على أنه لا يلزم من السيادة العلمية أن لا يكون هناك علماء عرب أصلاء غيرهم إن لم يكونوا فوقهم أو مثلهم، فهم يقاربونهم، ولا أكتمكم أني في شك من صحة هذه القصة ولو أن ابن الصلاح أبرز سنده لكان لنا معه موقف آخر، ولكنه طوى السند طيا وسأل بعض الأعراب رجلا من أهل البصرة: من سيد هذه البلدة؟ قال: الحسن بن أبي الحسن البصري. قال: أمولى هو؟ قال: نعم. قال: فيم سادهم؟ فقال: بحاجتهم إلى علمه وعدم احتياجه إلى دنياهم. فقال الأعرابي: هذا لعمر أبيك هو السؤدد، وأيضا فقد كان بكل مصر من الأمصار من العلماء العرب الأصلاء كثيرون، وليس بلازم أن يحيط الزهري بكل هؤلاء علما.
ومهما يكن من شيء فهذا يدل دلالة واضحة على أن الذين دخلوا في الإسلام من غير العرب دخلوا وهم مخلصون لهذا الدين غاية الإخلاص وأنهم عوضوا عدم توليهم الولايات لعدم عربيتهم بما هو أهم من الولاية وهو العلم، ولم يزال العلم إلى وقتنا هذا فوق الإمارة والوزارة وأنهم إن لم يكونوا عربا بالأصل فقد صاروا عربا بالمربى يحفظون القرآن والحديث كما يحفظ العرب، ويتكلمون العربية الفصحى كما يتكلم العرب الأصلاء، وهو من أقوى الأدلة على أن هذا الدين دين إلهي حقا فلله الحمد والمنة على نعمة الإسلام.