الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاطمة"، وما رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث ابن عباس رفعه: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد" ، فقد سوى بينهما.
وقد سئل السبكي: هل قال أحد: إن أحدا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة؟ فقال: "قال به من لا يعتد بقوله، وهو من فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الصحابة؛ لأنهن في درجته صلى الله عليه وسلم في الجنة، قال: وهو قول ساقط مردود"، قال الحافظ ابن حجر: وقائل هذا هو أبو محمد بن حزم وفساده ظاهر1، وقد استطردت في هذا الموضوع؛ لأنه يكثر فيه السؤال والاستفسار، والحمد لله الذي وفقنا لهذا البيان، وجمعه من مصادره المتعددة.
1 فتح الباري ج7 ص83، 104، 110.
"
أول الصحابة إسلاما
":
قد اختلف العلماء في أول الصحابة إسلاما.
1-
فقيل أولهم الصديق أبو بكر، وإلى هذا ذهب غير واحد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو المروي عن أبي بكر وابن عباس وحسان وغيرهم، يدل على ذلك ما رواه مسلم عن عمرو بن عنبسة في قصة إسلامه، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: من معك على هذا؟ قال: "حر وعبد"، ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به، وروى الطبراني في المعجم الكبير عن الشعبي قال: سألت ابن عباس: من أول من أسلم؟ فقال: أما سمعت قول حسان:
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة
…
فذكرك أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها
…
بعد النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهده
…
وأول الناس منهم صدق الرسلا
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن خالد بن سعيد قال: سئل الشعبي عن أول من أسلم فقال: أما سمعت قول حسان وذكر الشعر السابق، وروى الترمذي من رواية أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: "قال أبو بكر: الست أول من أسلم
…
" الحديث، والحق أنه أول من أسلم من الرجال الأحرار البالغين وأول من أعلن إسلامه.
2-
وقيل: أول من أسلم علي بن أبي طالب، وإليه ذهب كثير من الصحابة كأبي ذر وسلمان، وخباب بن الأرت، وزيد بن أرقم وغيرهم، ورواه الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه قال:"أول من أسلم عليّ وروى الطبراني أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السباق ثلاثة: السابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين، والسابق إلى محمد صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب"، وفي إسناده "حسين الأشقر" كوفي منكر الحديث كما قال أبو زرعة، وقال البخاري: فيه نظر، وروى الطبراني أيضا عن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد عليّ وقال: "إن هذا أول من آمن بي"، وفي إسناده إسماعيل بن موسى السدي ضعيف، قال ابن عدي: أنكروا منه غلوه في التشيع، وروى الطبراني عن سلمان موقوفا عليه: "أول هذه الأمة ورودا على نبيها أولهم إسلاما عليّ بن أبي طالب"، وروي أيضا نحوه مرفوعا بسند فيه انقطاع، وروى أحمد مثله مرفوعا بسند فيه مجهول، وروى أحمد أيضا عن عليّ قال: "أنا أول من صلى لله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي سنده حبة بن جوين العرني ضعفه الجمهور، وهو من غلاة الشيعة، وروى الحاكم في المستدرك من رواية مسلم الملائي قال: "نبئ النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء"، وادعى الحاكم إجماع أهل التاريخ على هذا القول. قال ابن الصلاح: واستنكر هذا من الحاكم، فقد ذكر بعض أهل التاريخ كعمر بن شبة أن خالد بن سعيد بن العاص أسلم قبل عليّ، وهذا وإن كان الصحيح خلافه، ولكنه ينقص دعوى الإجماع، وقال ابن إسحاق في السيرة: أول من أسلم خديجة
ثم عليّ بن أبي طالب
…
وهو ينقضها أيضا1، وأنشد القضاعي لعليّ رضي الله عنه:
سبقتكم إلى الإسلام طرا
…
صغيرا ما بلغت أوان حلمي
وقال كعب بن زهير يمدح عليًّا من قصيدة له:
إن عليًّا لميمون نقيبته
…
بالصالحات من الأعمال مشهور
صهر النبي وخير الناس مفتخرا
…
فكل من رامه بالفخر مفخور
صلى الطهور مع الأمي أولهم
…
قبل المعاد ورب الناس مكفور
3-
وقيل: أول من أسلم زيد بن حارثة روى ذلك معمر عن الزهري.
4-
وقيل: أول من أسلم أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، روي ذلك من وجوه عن الزهري، وهو قول قتادة ومحمد بن إسحاق في السيرة، وروي عن ابن عباس، وادعى الثعلبي المفسر إجماع العلماء على ذلك وأن الاختلاف إنما هو فيمن أسلم بعد، ورواه أحمد في مسنده والطبراني عن ابن عباس، وقال ابن عبد البر: اتفقوا على أن خديجة أول من أسلم ثم عليّ بعدها، ثم ذكر أن الصحيح أن أبا بكر أول من أظهر إسلامه، ثم روي عن محمد بن كعب القرظبي أن عليًّا أخفي إسلامه عن أبي طالب، وأظهر أبو بكر إسلامه، ولذلك أشبه على الناس، وروى الطبراني في الكبير من رواية محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده -أي أبي رافع- قال:"صلى النبي صلى الله عليه وسلم غداة الاثنين، وصلت خديجة يوم الاثنين من آخر النهار، وصلى عليّ يوم الثلاثاء"، قيل: المراد صلاة ركعتين بالغداة، ومثلها بالعشيّ قيل: فرضا. وقيل: نفلا أما الصلوات الخمس المفروضة، فلم تفرض إلا ليلة الإسراء والمعراج باتفاق قبيل الهجرة، وإليك مقالة ابن إسحاق في سيرته: "أول من أسلم خديجة، ثم
1 شرح مقدمة ابن الصلاح ص266-268، التدريب ص208، 209.
عليّ، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة، وكان أول ذكر أسلم، وصلى بعد عليّ بن أبي طالب، ثم أبو بكر بن أبي قحافة، فأظهر إسلامه، ودعا إلى الله وإلى رسوله، فأسلم بدعائه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له، فأسلموا وصلوا، فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام"1.
وفي الحق أن حديث الصحيحين في بدء الوحي يدل على أنها أول من آمنت به، فقد قالت للنبي لما أخبرها الخبر، وأنه خشي على نفسه:"ما كان الله ليفعل بك، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق"، ثم انطلقت به إلى ورقة بن نوفل فأخبر النبي أنه هو الناموس الذي كان ينزل على موسى وبشره بالنبوة، فكأنها لما سمعت ذلك آمنت به.
5-
وقال العراقي: ينبغي أن يقال إن أول من آمن من الرجال ورقة ابن نوفل لما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة في قصة بدء الوحي ونزول صدر سورة {اقْرَأْ} ، وهو الحديث الذي أشرنا إليه آنفا، فقد قال ورقة للنبي بعد أن بشره بالنبوة:"ليتني فيها جذعا، ليتني حيا إذ يخرجك قومك، فقال النبي: "أومخرجيّ هم؟ " ، قال: نعم لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي، وأن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا"، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي2.
وقد روى أبو يعلى والبزار في مسنديهما أن النبي سئل عن ورقة فقال: "أبصرته في بطنان الجنة عليه سندس"، وفي رواية البزار:"عليه حلة من سندس" ، ويظهر لي أنه لولا تقدم وفاته قبل البعثة لعده
1 سيرة ابن هشام ج1 ص240-252.
2 صحيح البخاري، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله.