الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حزم في مقالة له رتب فيها كتب الحديث بحسب درجتها، وقال بعض العلماء المتأخرين:"الحق أن ما في الموطأ من الأحاديث الموصولة المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحاح كلها، وهي في الصحة كأحاديث الصحيحين، وأما ما فيه من المراسيل، والبلاغات1، وغيرها فيعتبر فيها ما يعتبر في أمثالها مما تحويه الكتب الأخرى".
وإنما لم يعده بعض العلماء في الكتب الصحاح لكثرة ما فيه من المراسيل، والبلاغات والمنقطعات وكثرة الآراء الفقهية فيه لمالك وغيره2.
أما إفاضة القول في "الموطأ" ففي كتابي "أعلام المحدثين3" فليرجع إليه من يشاء.
1 البلاغات: هي ما يقول فيها الإمام مالك: بلغني عن فلان مثل قوله: بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للمملوك طعامه وكسوته".
2 الباعث الحثيث إلى علوم الحديث ص30 هامش.
3 ص59، 60.
"
الحديث الحسن
":
تعريفه:
اختلف العلماء في تعريف الحسن، وإليك أقوالهم في هذا مع نقدها وبيان المقبول منها:
1-
قال الإمام الخطابي في تعريفه:
الحسن: هو ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي قبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء.
شرح التعريف: المخرج -على وزن مفعل بفتح العين- مكان الخروج، والمراد به هنا: رواة الحديث وبهذا يخرج المنقطع، والمعضل، والمرسل، والمدلس قبل بيانه ومعنى "واشتهر رجاله" أي بالعدالة
والضبط إلى أن هذا الاشتهار دون اشتهار الصحيح، ومعنى:"عليه مدار أكثر الحديث"، أي أن غالب الأحاديث لا تبلغ رتبة الصحيح، وإنما قال: ويقبله أكثر العلماء؛ لأن بعضهم لا يقبله روي عن ابن أبي حاتم قال: سألت أبي عن حديث، فقال: إسناده حسن، فقلت: يحتج به؟ قال: لا، أما الصحيح فيقبله عامة العلماء.
ومعنى: "ويستعمله عامة الفقهاء" أي يحتجون به ويعملون.
"نقد التعريف": وانتقد هذا التعريف بأنه غير جامع لقسمي الحسن وهما: الحسن لذاته والحسن لغيره، وهذا ينطبق على الحسن لذاته فحسب.
كما انتقد أيضًا بأنه غير مانع؛ لأن الصحيح كذلك وأجبت عن هذا بأن المراد بالاشتهار في التعريف شهرة دون شهرة الصحيح فيكون مانعًا من دخول الصحيح وبأن قوله: ويقبله أكثر العلماء يخرج الصحيح أيضًا؛ لأنه يقبله كل العلماء لا أكثرهم.
كما انتقد أيضًا بأن فيه إبهامًا وعدم وضوح، وشرط التعريف الصحيح أن يكون جامعًا مانعًا لا خفاء فيه ولا غموض.
2-
قال الترمذي في كتابه: "العلل" الذي هو في آخر جامعه:
"الحديث الحسن: هو الحديث الذي لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون حديثا شاذا ويروى من غير وجه نحو ذاك".
شرح التعريف: "أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب" يشمل حديث المستور والمجهول ونحوهما بخلاف الصحيح، فلا بد أن يكون رواته ثقات أي عدولا ضابطين.
ومعنى "ويروى من غير وجه نحو ذاك" أن يكون مرويًّا من وجهين أو أكثر، ولا يشترط فيه أن يكون وروده من طريق آخر بلفظه
بل يكفي وروده ولو بمعناه.
نقد تعريف الترمذي:
وقد انتقد هذا التعريف بأنه غير جامع فقد عرف الحسن لغيره، ولم يعرف الحسن لذاته والتعريف لا بد أن يكون جامعًا.
وانتقد أيضًا بأنه غير مانع لدخول الصحيح في تعريفه، وهذا الانتقاد مردود لما بينا في شرح التعريف من أن الحسن يكتفي فيه برواية المستور بخلاف الصحيح فلا بد فيه من ثقات الراوة، وأيضًا فالحسن عند الترمذي لا بد من مجيئه من وجه آخر، ولم يشترط أحد في الصحيح ذلك فالحق أن التعريف مانع، وانتقد أيضًا ابن كثير بأن الترمذي كثيرًا ما يقول في كتابه هذا: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
والجواب عن ذلك ما أشرت إليه في شرح التعريف من أن شرط مجيئه من غير وجه يتحقق بمجيئه بلفظه أو معناه، وعلى هذا يحمل قوله: لا نعرفه إلا من هذا الوجه يعني بلفظه فلا ينافي أن يكون معروفا بمعناه من وجه آخر.
3-
قال بعض المتأخرين، وهو أبو الفرج بن الجوزي المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة:
"هو الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل".
وانتقد هذا التعريف بأن ما ذكره ليس مضبوطًا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره فهو مقول بالتشكيك، والتعريف بالمشكك غير جائز؛ لأنه لا يحصل به التمييز عن غيره.
وقال ابن الصلاح بعد ذكر هذه التعريفات:
وكل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، وقد أمعنت النظر في ذلك