الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعني عمرو بن الأهتم، فقال عمرو: إنه لشديد العارضة مانع لجانبه، مطاع في أدنيه، فقال الزبرقان: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال، وما منعه أن يتكلم إلا الحسد، فقال عمرو: أن أحسدك؟! والله يا رسول الله! إنه لئيم الخال، حديث المال، أحمق الولد، مضيع في العشيرة والله يا رسول الله! لقد صدقت في الأولى، وما كذبت في الآخرة، ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت، وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن من البيان لسحرا" 1 ويحسبنا هذا القدر من الأمثلة.
1 فتح الباري ج10 ص237.
"
القسم الثاني من أسباب ورود الحديث
":
أن لا يذكر السبب في الحديث أو يذكر في بعض طرقه، فهو الذي ينبغي الاعتناء به؛ لأنه يذكر السبب يتضح الفقة في الحديث، ولذلك أمثلة منها:
أ- حديث: "أفضل الصلاة صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة" ، رواه الشيخان1 وغيرهما من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، وقد روى ابن ماجه والترمذي في الشمائل من حديث عبد الله بن سعد رضي الله عنه، وذكر السبب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما أفضل الصلاة في بيتي أو في المسجد؟ قال: "ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد فلأن أصلي في بيتي أحب إليّ من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة".
ب- ومنها حديث "الخراج بالضمان"2 جاء في بعض طرقه عند أبي
1 صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب صلاة الليل. ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب النافلة في البيت وجوازها في المسجد.
2 رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
داود وابن ماجه أن رجلا ابتاع1 غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيبان، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول الله! قد استعمل غلامي، فقال صلى الله عليه وسلم:"الخراج بالضمان" 2، رواه أحمد وأصحاب السنن، والمراد بالخراج الغلة التي كانت منه، للمشتري نظير ضمانه له، وليست للبائع، وهو من جوامع كلمة صلى الله عليه وسلم.
ج- حديث: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
قال صاحب "البيان والتعريف" هذا حديث صحيح مشهور متفق عليه أخرجه الأئمة الستة في كتبهم وغيرهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
سببه: نقل الحافظ السيوطي عن الزبير بن بكار أنه قال في "أخبار المدينة": حدثني محمد بن الحسن، عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وُعِكَ3 فيها أصحابه، وقدم رجل ليتزوج امرأة كانت مهاجرة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال:"يا أيها الناس! إنما الأعمال بالنيات "ثلاثا" فمن كانت هجرته
…
" ، الحديث، ثم رفع يديه فقال: "اللهم انقل عنا الوباء" 4 "ثلاثا" فلما أصبح قال: أتيت هذه الليلة بالحمى فإذا
1 أي اشترى.
2 التدريب ص540.
3 أي مرضوا بالحمى.
4 الوباء: هو المرض الذي يعم وكانت الحمى قد نزلت بكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم صحح لنا المدينة كما صححت لنا مكة، وانقل حماها إلى الجحفة"، فأصبحت من خير بلاد الله هواء وطيبا.
بعجوز سوداء مطيبة في يدي الذي جاء بها، فقال: هذه الحمى، فما ترى فيها، فقلت: اجعلوها تحم"1.
أقول: الشراح للأحاديث على أن السبب في ورود هذا الحديث هي قصة مهاجر أم قيس، وقالوا: إنها السبب في ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "أو امرأة ينكحها" بعد قوله صلى الله عليه وسلم: "إلى دنيا" ، ومنهم الإمام العلامة محمد بن علي بن دقيق العيد، حيث قال:"ولهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به الهجرة من أفراد الأغراض الدنيوية"، قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال: من هاجر ينبغي شيئا، فإنما له ذلك هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس. ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش2 بلفظ: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس. قال: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك"3، وهذا من الحافظ رد لما قاله الكثيرون في سبب ورود هذا الحديث، والظاهر أيضا أن الحافظ لم يرتض ما قاله الزبير بن بكار في روايته، أو أنه لم يقف عليها والله أعلم.
1 البيان والتعريف ص36 ج1 ط دار التراث العربي.
2 يعني بالإسناد السابق إلى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
3 فتح الباري ج1 ص10.
د- حديث: "أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه -وفي رواية- شعره، أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه".
أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن حبان، والحاكم عن جابر رضي الله عنه، وقال: على شرطهما، وأقره الذهبي وقال العراقي: إسناده جيد.
وسببه عنه، كما في أبي داود قال جابر بن عبد الله: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره فقال: "أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره"1.
وهذا الحديث وسببه يدل دلالة واضحة على حب الإسلام للنظافة: نظافة الجسم والبدن، ونظافة الثياب، وأن الإسلام دين النظافة حقا.
هـ- حديث: "أما والله إني لأمين في السماء، أمين في الأرض" ، أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، والبزار عن أبي رافع رضي الله عنه سببه عنه، قال: أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا فلم يكن عنده ما يصلحه فأرسل إلى رجل من اليهود أسلفني دقيقا إلى رجب فقال: لا إلا برهن، قال: "أما والله
…
" فذكره وزاد البزار: "اذهب بدرعي الحديد إليه" 2.
و حديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون 3 وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة
…
".
أخرجه الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه سببه، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلي مع النبي
1 البيان والتعريف ج1 ص358، 359.
2 المرجع السابق ج1 ص359.
3 المراد بالسعي الإسراع حتى يصير جريا وأما المراد به في قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} المشي العادي الذي لا يلوي فيه الذاهب على شيء في طريقه.