المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأسباب الحاملة على الوضع: - الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

[محمد أبو شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌تقدمة بين يدي الكتاب

- ‌منهجي في تأليف هذا الكتاب:

- ‌ال‌‌مدخلللكتاب

- ‌مدخل

- ‌ألقاب المشتغلين بالحديث

- ‌مدخل

- ‌من مفاخر المحدثين

- ‌الحفظ والفقه للأحاديث

- ‌فائدتان

- ‌علوم الحديث بالمعنى العام

- ‌مدخل

- ‌علم الحديث دراية

- ‌مدخل

- ‌تاريخ علم الحديث دراية

- ‌الرواية في الإسلام:

- ‌تعريف الرواية:

- ‌كون الرواية طريقا إلى العلم

- ‌تاريخ الرواية:

- ‌الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الإذن لبعض الصحابة بالكتابة

- ‌آراء العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي

- ‌الحديث في عهد الصحابة وكبار التابعين

- ‌تدوين الحديث تدوينا عاما

- ‌التدوين في القرن الثاني 100-200ه

- ‌التأليف في القرن الثالث" 200-300ه

- ‌التأليف في القرن الرابع 300-400ه

- ‌التأليف بعد القرن الرابع:

- ‌تقليد المؤلفين في العلوم النقلية للمحدثين في الرواية

- ‌مناهج المحدثين في التأليف

- ‌شروط الراوي في الإسلام

- ‌الفرق بين عدل الرواية والشهادة:

- ‌التحمل والأداء وشروطهما

- ‌فائدة

- ‌تفريعات:

- ‌الإسناد العالي والنازل

- ‌مسائل تتعلق بكتابة الحديث وآدابها

- ‌صفة رواية الحديث وآدابها

- ‌مسائل تتعلق بهذا الفصل

- ‌آداب المحدث

- ‌آداب طالب الحديث

- ‌الرحلة في سبيل العلم

- ‌مدخل

- ‌وارتحال التابعين ومن بعدهم

- ‌أدب أهل العلم والحديث وطلابه مع الله ورسوله

- ‌تقسيم الحديث من حيث عدد رواته

- ‌المتواتر

- ‌شروط المتواتر

- ‌أقسام المتواتر:

- ‌العلم الذي يفيده المتواتر:

- ‌الشبه التي أوردت على المتواتر:

- ‌وجود المتواتر من الأحاديث:

- ‌أمثلة المتواتر

- ‌أخبار الآحاد

- ‌المشهور من الحديث

- ‌العزيز:

- ‌تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله

- ‌مدخل

- ‌مظان الموقوف والمقطوع

- ‌ما له حكم المرفوع من الموقوف والمقطوع

- ‌الحديث القدسي

- ‌مدخل

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني

- ‌أمثلة للأحاديث القدسية:

- ‌طريقة رواية الحديث القدسي

- ‌المؤلفات في الأحاديث القدسية:

- ‌المتصل" أو "الموصول

- ‌المسنَد

- ‌أقسام الحديث من حيث القبول والرد

- ‌مدخل

- ‌الحديث الصحيح

- ‌مدخل

- ‌أقسام الحديث الصحيح:

- ‌حكم الحديث الصحيح

- ‌فوائد مهمة تتعلق بالصحيح

- ‌الفائدة الأولى:

- ‌الفائدة الثانية:

- ‌الفائدة الثالثة:

- ‌الفائدة الرابعة:

- ‌الفائدة الخامسة:

- ‌تعقيبات وتنبيهات

- ‌الحديث الحسن

- ‌تعريفه:

- ‌تنبيهات وتعقيبات

- ‌التنبيه الأول

- ‌تنبيه آخر

- ‌تنبيه ثالث

- ‌تنبيه رابع

- ‌الاحتجاج بالحديث الحسن:

- ‌خاتمة:

- ‌الحديث الضعيف

- ‌أقسام الضعيف

- ‌حكم الحديث الضعيف رواية وعملا

- ‌فائدة

- ‌المرسل

- ‌تعريفه:

- ‌حكم المرسل عند المحدثين

- ‌المنقطع

- ‌تعريفه:

- ‌فائدة تتعلق بالمنقطع

- ‌المعضل

- ‌تعريفه:

- ‌فائدتان

- ‌تفريعات

- ‌المعلق

- ‌المدلس

- ‌الشَّاذُ

- ‌المحفوظ

- ‌المنكر

- ‌المعروف

- ‌المتروك

- ‌المُعَلُّ" لا "المعلول" ولا "المُعَلَّل

- ‌المضطرب

- ‌المدرج

- ‌المقلوب

- ‌المطروح

- ‌الحديث الموضوع

- ‌تعريفه

- ‌حكم رواية الموضوع:

- ‌حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أقسام الموضوع:

- ‌متى نشأ الوضع في الحديث:

- ‌عرض موجز لحركة الوضع في الحديث

- ‌مدخل

- ‌الأسباب الحاملة على الوضع:

- ‌الوضاعون

- ‌أمارات الوضع:

- ‌آثار الوضع السيئة

- ‌الموضوعات وكتب العلوم:

- ‌الموضوع وكتب التفسير

- ‌الموضوعات وكتب الفقه والأصول:

- ‌الموضوع وكتب الوعظ، والتصوف، والأخلاق

- ‌الموضوع وكتب العلوم الأخرى:

- ‌جهاد العلماء في مقاومة حركة الوضع وتنقية السنة والأحاديث

- ‌كتب أخر للتخاريج

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌معرفة الأفراد

- ‌معرفة زيادات الثقات وحكمها

- ‌انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا

- ‌علم الجرح والتعديل

- ‌جواز الجرح وإن كان غيبة

- ‌مدخل

- ‌من الذي يستأهل أن يكون ناقدًا

- ‌مناهج النقاد في النقد

- ‌مشاهير المتصدين للجرح والتعديل

- ‌بم تثبت العدالة

- ‌هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل

- ‌بم يكون الجرح

- ‌المراد بالبدعة وحكم رواية المبتدع

- ‌هل يجزئ التعديل على الإبهام

- ‌مدخل

- ‌فائدتان مهمتان

- ‌هل الرواية عن رجل سماه تعتبر تعديلا

- ‌هل يعتبر عمل العالم أو فتياه على وفق حديث تصحيحا له

- ‌جهالة الراوي

- ‌هل يقبل تعديل العبد والمرأة

- ‌ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها

- ‌مدخل

- ‌مراتب الجرح والتعديل

- ‌ألفاظ التجريح، ومراتبها

- ‌المسلسل من الحديث

- ‌تعريفه:

- ‌الأمثلة لهذه الأنواع:

- ‌المسلسلات لا تخلو من ضعف في التسلسل:

- ‌أشهر المؤلفات في المسلسلات

- ‌علم علل الحديث

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات في علل الحديث

- ‌علم غريب الحديث:

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ الغريب في الحديث:

- ‌التثبيت في القول في غريب الحديث

- ‌المؤلفون في هذا العلم:

- ‌علم مختلف الحديث ومشكله

- ‌مختلف الحديث في اللغة

- ‌مختلف الحديث في الاصطلاح:

- ‌مشكل الحديث

- ‌أقسام مختلف الحديث

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في مختلف الحديث ومشكله

- ‌علم ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌مدخل

- ‌النسخ في اللغة

- ‌يطلق النسخ في اللغة على معنين

- ‌بم يعرف النسخ

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في الناسخ والمنسوخ في الحديث

- ‌محكم الحديث

- ‌علم أسباب ورود الحديث

- ‌مدخل

- ‌هذا العلم نظير علم أسباب النزول عند علماء علوم القرآن

- ‌سبب ورود الحديث قد يذكر في الحديث وقد يذكر في غيره

- ‌ القسم الأول: وهو ما يذكر في الحديث من أمثلته:

- ‌القسم الثاني من أسباب ورود الحديث

- ‌المؤلفات في هذا العلم:

- ‌علم المصحف والمحرف

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ التصحيف

- ‌مقالة جيدة للحافظ ابن كثير الدمشقي

- ‌ذكر العلماء المثل للتصحيف للتصويب والتحذير لا للتشهير

- ‌التصحيف في حديث لا يخل بصحته وحسنه

- ‌أقسام التصحيف

- ‌تقسيم أول:

- ‌تقسيم ثان له

- ‌تقسيم ثالث له

- ‌النتيجة

- ‌المؤلفات في الصفحات

- ‌معرفة الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌من هو الصحابي

- ‌تعريف الصحبة:

- ‌بم تعرف الصحبة

- ‌عدالة الصحابة

- ‌المكفرون لبعض الصحابة

- ‌أكثر الصحابة رواية للحديث

- ‌الصحابي المظلوم أبو هريرة

- ‌أكثر الصحابة علما وفتيا

- ‌المعروفون بالفتوى من الصحابة:

- ‌عدد الصحابة

- ‌طبقات الصحابة

- ‌أفضل الصحابة

- ‌مدخل

- ‌خصائص بعض الصحابة

- ‌أزواجه صلى الله عليه وسلم

- ‌أول الصحابة إسلاما

- ‌آخر الصحابة موتا

- ‌المؤلفون في الصحابة

- ‌التابعون رضي الله عنهم

- ‌مدخل

- ‌طبقات التابعين

- ‌سيدات النساء التابعيات

- ‌جماعة عدوا من التابعين وليسوا منهم

- ‌قوم من الصحابة عدوا من التابعين وبالعكس

- ‌آخر التابعين

- ‌اتباع التابعين

- ‌رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌المدبج وراية القرين عن القرين

- ‌معرفة الإخوة والأخوات من الرواة

- ‌رواية الآباء عن الأبناء

- ‌رواية الأبناء عن الآباء

- ‌السابق واللاحق

- ‌معرفة الوحدان

- ‌معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة

- ‌معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المؤلفات في هذا الفن

- ‌القسم الأول: في أسماء

- ‌فمن الصحابة:

- ‌ومن التابعين

- ‌القسم الثاني: الكني

- ‌القسم الثالث: الألقاب

- ‌معرفة الأسماء والكنى

- ‌مدخل

- ‌أقسام هذا النوع

- ‌معرفة كنى المعروفين بالأسماء

- ‌معرفة ألقاب المحدثين، ومن يذكر معهم

- ‌المؤتلف والمختلف

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات فيه:

- ‌وما ضبط من هذا النوع قسمان:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌الأنساب

- ‌تعليق المؤلف

- ‌المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها

- ‌أقسام المتفق والمفترق

- ‌المتشابه

- ‌المشتبه المقلوب

- ‌معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم

- ‌النسب التي هي على خلاف ظاهرها

- ‌معرفة المبهمات

- ‌معرفة التواريخ لمواليد الرواة والسماع والقدوم والوفيات لهم

- ‌مدخل

- ‌فروع:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌سبعة من الأئمة الحفاظ، أحسنوا التأليف، وعظم النفع بتأليفهم

- ‌معرفة من اختلط من الرواة الثقات

- ‌مدخل

- ‌طبقات العلماء والرواة

- ‌معرفة الموالي من العلماء والرواة

- ‌بلوغ الموالي من العلماء والرواة مرتبة سامية في الإسلام

- ‌معرفة أوطان الرواة وبلدانهم

- ‌رواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين بعضهم عن بعض

- ‌معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين

- ‌مدخل

- ‌معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه

- ‌معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم شيخه

- ‌معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه

- ‌معرفة من اتفق اسمه وكنيته

- ‌معرفة من وافق اسمه نسبه

- ‌معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء

- ‌معرفة من لم يرو إلا حديثًا واحدًا

- ‌باب: المراجع والفهارس

- ‌المراجع الأصلية:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الأسباب الحاملة على الوضع:

اطلع على رسالة في تحريم "التنباك" وقد تذرع مؤلفها باختلاق الأحاديث مثل: "كل دخان حرام" ومثل: "كل جوف يدخل الدخان فيه من أوراق السموم يخرج من الإيمان" مما لا يشك المتأمل في وضعه ومهما يكن من شيء، فقد ناهض أئمة الحديث وعلماء الأمة هذه الحركة من وقت مبكر وردوا كيد الوضاعين في نحورهم من عهد ابن عباس إلى اليوم.

ولقد كان ظهور الوضع في الحديث من أهم الأسباب الحاملة للخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز على أمر علماء الأمصار بجمع السنن والأحاديث وتدوينها كما ذكرنا وسنرى فيما بعد جهاد العلماء في حفظ الأحاديث وصيانتها عن التزيد والاختلاف تمييز الصحيح من الضعيف والمقبول من المردود.

ص: 328

‌الأسباب الحاملة على الوضع:

للوضع أسباب كثيرة وأغراض متعددة منها:

1-

الزندقة: ذلك أنه كانت هناك فئة أسلمت لم تؤمن إيمانا حقا بالإسلام لكنها آمنت بسلطانه ورأت أن لا سبيل لنيل الجاه والسلطان إلا به فاعتنقته ظاهرا وظلت تخلص لدينها القديم ومن هؤلاء قوم كان لهم غرض أدق وأعمق من هذا، فقد رأوا أنهم لا يستطيعون إفساد العقيدة الإسلامية إلا بالانتساب إليها أولا حتى يؤمن جانبهم وبذلك يسهل على النفوس الأخذ بقولهم ومن هؤلاء من بالغ في التلبيس، فانتسب إلى التشيع وحب آل البيت، وبذلك وجدوا تربة خصبة لنفث سمومهم وإلقاء ترهاتهم وتقبل ذلك منهم اغترارا بظاهرهم، وقد اتخذوا من الوسائل لذلك وضع الأحاديث فوضعوا أحاديث يخالفها المحسوس أو يناقضها المعقول أو تشهد أذواق الحكماء بسخافتها وإسفافها، وإنما ينصبون المكيدة لضعفاء الأحلام وأرقاء الدين حتى يقعوا في شك وريبة

ص: 328

فتتزلزل من نفوسهم عقيدة أن الإسلام تنزيل من حكيم عليم وذلك، مثل ما روي:"إن الله لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل وأجراها فعرفت فخلق نفسه منها"، قال ابن عساكر: هذا موضوع وضعه بعض الزنادقة ليشنع به على أهل الحديث في روايتهم المستحيل وهو ما يقطع ببطلانه عقلا وشرعا، ومن ذلك أيضا أحاديث لا تتفق والحقائق العلمية مثل:"الباذنجان شفاء من كل داء" أو فيها دعوى إلى الإباحية مثل: "النظر إلى الوجه الجميل عبادة" وهذه وأمثالها مما لا يصدر قطعا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.

2-

الخلافات السياسية: فالخلاف بين الشيعة والخوارج وبين الشيعة والعثمانية وبينهم وبين الأمويين والعباسيين، وبين الخوارج والأمويين كل ذلك كان من أسباب الوضع في الحديث، قال حماد بن سلمة:"حدثني شيخ لهم -يعني الرافضة1- قال: كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئا جعلناه حديثا، وقال مسيح بن الجهم التابعي: "كان رجل منا في الأهواء مدة ثم صار إلى الجماعة فقال لنا: أنشدكم الله ألا تسمعوا من أحد من أهل الأهواء فإنا كنا نروي لكم الباطل ونحتسب الخير في إضلالكم.

3-

التعصب للجنس والمكان: فوضعت أحاديث في تفضيل بعض القبائل على بعض وبعض الأجناس على بعض، وقد كان للشعوبية أثرها في هذا الباب فوضعوا أحاديث في مدح فارس واللغة الفارسية مثل ما روي زورا:"إن الله إذا غضب أنزل الوحي بالعربية، وإذا رضي أنزل الوحي بالفارسية" كما وضعت الأحاديث في فضل العرب والعربية وذم الفارسية ومن ذلك ما وضع في فضائل بعض المدن وذم بعضها، وقد أسرف الوضاعون في هذا الباب2.

1 الرافضة: فرقة من غلاة الشيعة تستجيز الطعن في الصحابة وتتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر.

2 اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ج1، ص238 وما بعدها.

ص: 329

فلا تغتر بما يوجد في بعض كتب التاريخ من ذكر فضائل الشعوب والبلدان ومثالها فإن معظم ذلك مما لا يثبت.

4-

الخلافات الكلامية والفقهية: فقد انقسم علماء الأمة إلى أهل سنة، ومعتزلة وجبرية، ومرجئة، واختلفوا في كثير من مسائل الكلام وفي الإيمان، وهل هو يزيد وينقص؟ وهل هو قول وعمل؟ وفي القرآن أهو مخلوق أم لا؟

وقد استباح بعض هؤلاء لأنفسهم أن يؤيدوا آراءهم بأحاديث يختلقونها تنص على الخلافات الدقيقة والآراء المستحدثة التي ليس من شأن الرسول الكريم التعرض لها، ولا كانت البيئة يومئذ تدعو إليها مما يقطع معه المتأمل أنها كذب لا شك فيه، وذلك مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" ومثل ما روي زورا: "كما لا ينفع مع الشرك شيء كذلك لا يضر مع الإيمان شيء"، وإن أصبع الإرجاء لظاهرة في وضعه.

وكذلك كانت الخلافات الفقهية من أسباب الوضع فوضعت أحاديث تشهد لبعض الفروع ليس عليها من نور النبوة شيء، وإنما هي أقرب إلى قواعد الفقهاء وكلام العلماء كما وضعت أحاديث في فضل بعض الأئمة وذم بعضهم مثل ما روي كذبا:"سيكون من أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي وسيكون من أمتي رجل يقال له ابن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس"، ولا يشك مبتدئ في علم الحديث أن هذا موضوع مختلق فقبح الله واضعه، والإمام الشافعي من أعلام الإسلام دينا وعلما، وعملا وفقها وخلقا.

5-

قصد استهواء العامة: ومن هؤلاء الذين قصدوا هذا القصاصون ومن هؤلاء من كان يبتغي الشهرة والجاه، ومنهم من كان يقصد التعيش والارتزاق، وقد كان القصاص في عهد الصحابة والخلافة

ص: 330

الرشيدة يتحرون الصدق والحق. روى ابن عساكر أن تميما الداري لما استأذن عمر رضي الله عنه في أن يقص في المسجد قال له: ما تقول؟ قال: "أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير، وأنهاهم عن الشر"، ولكن لم يلبث الأمر على ذلك طويلا، فقد وجدت فئة من القصاص كان همها استمالة العامة بالمناكير والغرائب والأباطيل، وعن طريق هؤلاء أيضا دخلت على الإسلام إسرائيليات كثيرة، ومن صفاقات القصاص، وتبجحاتهم ما روي1 أنه صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين بمسجد "الرصافة" فقام بين أيديهم قاص فقال:"حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان

وأخذ في قصة طويلة جدا من هذا القبيل"، فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إليه فقال: أنت حدثته بهذا؟ فقال: والله ما سمعت بهذا إلا الساعة، فلما انتهى أشار له يحيى فجاء متوهما نوالا، فقال له يحيى: من حدثك بهذا؟ قال: ابن حنبل ويحيى بن معين فقال: أنا يحيى وهذا أحمد ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان ولا بد فعلى غيرنا، فقال الرجل القصاص: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما تحققته إلا الساعة فقال يحيى: وكيف؟ قال: كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل

1 لا أكتمك أيها القارئ إني في شك من أمر هذه القصة فما مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ممن يرضون بأضعف الإيمان ولا يقال: لعلهما خافا من الغوغاء والعامة الذين يحبون أمثال هذا القاص ويدافعون عنه، فقد كانا ولا سيما الإمام أحمد بالمكانة التي لا تجهل، ومثله كان مسموع الكلمة بين الناس، وموقفه من مسألة القول بخلق القرآن معروف يشهد له بالشجاعة الأدبية النادرة، فكان عليه أن يحول بينه وبين هذا المنكر، أو ينبه الناس إلى بطلان هذا على الأقل، ولكن الرواية لم تذكر لنا شيئا من ذلك ولعلك معي في هذا الشك، وإن كان التشكك لا يعود على أصل الفكرة بالنقض. وقد كتبت هذا من منذ ربع قرن أو يزيد، ثم لما قرأت كتاب "منهج النقد في علوم الحديث"، وجدت مؤلفه الفاضل نقل عن الإمام الذهبي أن القصة باطلة، فحمدت الله على ذلك، وظهر لي أن شكي كان في محله. "انظر منهج النقد ص289".

ص: 331

غيركما؟ لقد كتبت عن ستة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين!

6-

قصد ترغيب الناس في فعل الخير: وممن كان يفعل ذلك قوم من جهلة الزهاد والمتصوفة استجازوا لأنفسهم الوضع في الترغيب والترهيب واحتسبوا الخير في الإضلال وهؤلاء أعظم الناس ضررا، ومن مزاعمهم الباطلة في هذا أن هذا كذب له لا كذب عليه، وهو جهل منهم باللغة العربية وحقيقة الكذب1، فكل ذلك كذب عليه، وقد تنبه الأئمة النقاد إلى هؤلاء وأمثالهم فلم يأخذوا عنهم، بل حذروا الناس من جهلهم وغفلتهم كما بينا في مبحث الرواية.

ومن أمثلة ما وضع حسبة حديث عكرمة عن ابن عباس في فضائل سور القرآن، سئل عنه واضعه نوح بن أبي مريم فقال: رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة!

وروى ابن حبان في "الضعفاء" عن ابن مهدي قال: قلت لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا فله كذا؟. قال: وضعتها أرغب الناس فيها، وكان غلاما جليلا يتزهد ويهجر شهوات الدنيا، وغلقت أسواق بغداد لموته، ومع ذلك كان يضع الحديث2.

7-

اتباع هوى الملوك والأمراء: فيضع الواحد حديثا لتبرير ما يفعلون. ومن أمثلة ذلك ما روي عن غياث بن إبراهيم أنه دخل على المهدي وهو يلعب بالحمام فروى له عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في نصل أو حافر أو جناح" فزاد في الحديث "أو جناح" إرضاء للمهدي، وقد روي أنه قال له وهو خارج: أشهد أن قفاك قفا كذاب وأمر بذبح الحمام، وأما أصل الحديث فثابت من رواية أحمد وأصحاب السنن

1 الكذب: هو عدم مطابقة الأمر للواقع فسيان في كونه كذبا أن يكون له أو عليه.

2 تدريب الراوي ص184، 185.

ص: 332