الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو مخالف للعقل مخالفة صريحة، ومنها ما هو مخالف للشرع، ومنها ما هو مخالف للحقائق الكونية والعلمية بقصد إظهار أهل الحديث بمظهر من يروون المستحيل، ومن يروون الأخبار التافهة والساقطة، وما تقوم التجربة والملاحظة على بطلانه إلى نحو ذلك.
"
أقسام مختلف الحديث
":
والمختلف قسمان:
أحدهما: يمكن الجمع بينهما أو بينها بوجه صحيح فيتعين الجمع ولا يصار إلى التعارض ولا النسخ، ويجب العمل بهما أو بها.
ومن أمثلة ذلك في أحاديث الأحكام: حديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" 1، وحديث:"خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه"2.
فإن الأول ظاهره طهارة القلتين تغير أم لا، والثاني: ظاهره طهارة غير المتغير سواء أكان قلتين أم قل، فخص عموم كل منهما بالآخر3.
ومن أمثلة ذلك في غير الأحكام: حديث: "لا يوردن ممرض على مصح" ، رواه البخاري ومسلم4، وحديث:"فر من المجذوم فرارك من الأسد"، رواه البخاري5 مع حديث:"لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر" ، رواه الشيخان6.
وهي أحاديث صحيحة، بعضها يثبت العدوى وبعضها ينفيها.
1 رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والدارقطني وابن حبان عن ابن عمر.
2 رواه ابن ماجه بنحو هذا اللفظ وفي إسناده رشدين وهو ضعيف.
3 التقريب بشرحه التدريب 378، 388.
4 البخاري، كتاب الطب، باب لا هامة؛ ومسلم، أبواب الطب، باب لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ولا نوء، ولا غول، ولا يورد ممرض على مصح.
5 كتاب الطب، باب الجذام.
6 رواه البخاري، كتاب الطب، باب لا هامة؛ ومسلم المرجع السابق.
وقد سلك العلماء في التوفيق بين هذه الأحاديث مسالك1.
أحدها: أن هذا الحديث: "لا عدوى
…
" ، جاء ردا لما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن الأمراض مؤثرة بنفسها، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها ولا بذاتها، لكن الله تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه مرضه، وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب، وهذا المسلك هو الذي سلكه الإمام أبو عمرو بن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" وقد تبعه على هذا التوفيق غيره، وقد سبقه إليه الإمام البيهقي2.
وهذا المسلك هو أحسن المسالك وأولاها؛ لأنه لا ينفي العدوي أصالة، ولكنه ينفي أن تكون مؤثرة بذاتها، وهذا لا يتنافى هو وما وصل إليه الطب الحديث من كون العدوى أصبحت أمرا مسلما، وفي الوقت ذاته فيه تصحيح للعقيدة، وهو أن تأثير العدوى إنما هو بإرادة الله تبارك وتعالى، وإذا لم يرد الله تبارك وتعالى ذلك لم تحصل العدوى مع وجود الاختلاط بالمريض مرضا معديا وليس أدل على أن التأثير متوقف على إرادة الله تعالى من أن بعض الناس يختلطون بأهليهم المرضى اختلاطا يكاد يكون تاما ومع ذلك لا يتعدى إليهم المرض.
ثانيها: أن نفي العدوى باق على عمومه، والأمر بالفرار من باب سد الذرائع لئلا يتفق للذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتقد صحة العدوى، فيقع في الحرج فأمر بتجنبه حسما للمادة، وهذا هو الذي اختاره الحافظ ابن حجر في شرح النخبة، ولذلك قال السيوطي3:
1 العدوى: هي انتقال المرض من المريض إلى غيره.
2 فتح الباري ج10 ص161 ط السلفية.
3 تدريب الراوي ص388.
"وهذا المسلك هو الذي اختاره شيخ الإسلام" يعني بذلك الحافظ ابن حجر.
ثالثها: أن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى فيكون معنى قوله: "لا عدوى
…
" ، أي إلا من الجذام ونحوه، فكأنه قال: لا يعدي شيء شيئًا إلا فيما تقدم تبيين له أنه يعدي، قاله ناصر السنة وقامع البدعة القاضي أبو بكر الباقلاني.
رابعها: أن الأمر بالفرار رعاية لخاطر المجذوم؛ لأنه إذا رأى الصحيح تعظم مصيبته، وتزداد حسرته، ويؤيده حديث:"لا تديموا النظر إلى المجذومين"1، قال السيوطي في "التدريب" وفيه مسالك أخرى.
أقول: وقد تكفل ببيان كل ما قيل في هذه المسالك الإمام الحافظ ابن حجر في "الفتح"2، فقد أفاض في ذلك بما لا مزيد عليه فليرجع إليه من شاء.
الثاني من القسمين: أنه لا يمكن الجمع بين الحديثين ولا الأحاديث وهذا يدخل تحته نوعان:
الأول: أن يعرف المتقدم من المتأخر، فإن كان كذلك كان المتأخر ناسخًا للمتقدم، وقد ذكرت بعض أمثلته في علم الناسخ والمنسوخ.
الثاني: أن لا يعلم المتقدم من المتأخر فحينئذ نسلك مسلك الترجيح فنأخذ بالراجح وندع المرجوح.
والترجيح يكون بصفات الرواة أي كون رواة أحدهما أتقن وأحفظ ونحو ذلك مما سيذكر، وكثرتهم في أحد الحديثين دون الآخر.
1 قال الحافظ في "الفتح": وقد أخرجه ابن ماجه وسنده ضعيف.
2 فتح الباري ج10 من ص159-162.
وجوه الترجيح:
وقد ذكر صاحب كتاب "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" من وجوه الترجيحات خمسين وجها ووصل بها غيره إلى أكثر من مائة، كما استوفى ذلك العراقي في كتابه "التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من علوم ابن الصلاح" وقد يعبر بعض العلماء عنه "بالنكت على ابن الصلاح".
"صنيع السيوطي" وقد بينها الإمام السيوطي في "تدريب الراوي" بيانا حسنا، وأرجعها إلى سبعة أقسام كل قسم يضم وجوها من الترجيحات.
القسم الأول: الترجيح بحال الراوي وذلك بوجوه:
أحدها: كثرة الرواة كما ذكره المصنف -يريد صاحب التقريب- وهو الإمام النووي، لأن احتمال الكذب والوهم على الأكثر أبعد من احتماله على الأقل.
ثانيها: قلة الوسائط: أي علو الإسناد حيث الرجال ثقات؛ لأن احتمال الكذب والوهم فيه أقل.
ثالثها: فقه الراوي سواء أكان الحديث مرويا بالمعنى أو اللفظ؛ لأن الفقيه إذا سمع ما يمتنع حمله على ظاهره عنه حتى يطلع على ما يزول به الإشكال بخلاف العامي.
رابعها: علمه بالنحو، لأن العالم به يتمكن من التحفظ عن مواقع الزلل، ما لا يتمكن منه غيره.
خامسها: علمه باللغة أقول: لأن العالم باللغة عالم بمواقع الخطاب والأساليب من غيره.
سادسها: حفظه، بخلاف من يعتمد على كتابه.
سابعها: أفضليته في أحد الثلاثة بأن يكونا فقيهين، أو نحويين، أو حافظين وأحدهما في ذلك أفضل من الآخر.
ثامنها: زيادة ضبطه، أي اعتنائه بالحديث واهتمامه به.
تاسعها: شهرته؛ لأن الشهرة تمنع الإنسان من الكذب كما تمنعه من ذلك التقوى.
عاشرها إلى العشرين:
10-
كونه ورعا.
11-
أو حسن الاعتقاد أي غير مبتدع.
12-
وجليسا لأهل الحديث.
13-
وغيرهم من العلماء.
14-
أو أكثر مجالسة لهم.
15-
أو ذكرا.
16-
أو حرا.
17-
أو مشهور النسب.
18-
أو لا لبس في اسمه بحيث يشاركه فيه ضعيف، وصعب التمييز بينهما.
19-
أو له اسم واحد وكذلك أكثر ولم يختلط.
20-
أو له كتاب يرجع إليه.
حادي عشريها: أن تثبت عدالته بالإخبار بخلاف من تثبت بالتزكية أو العمل بروايته أو الروية عنها إن قلنا بهما.
ثاني عشريها إلى سابع عشريها:
22-
أن يعمل بخبره من زكاه، ومعارضه لم يعمل به من زكاه.
23-
أو يتفق على عدالته.
24-
أو يذكر سبب تعديله.
25-
أو يكثر مزكوه.
26-
أو يكونوا علماء.
27-
أو كثيري الفحص عن أحوال الناس.
ثامن عشريها: أن يكون صاحب القصة كتقديم خبر أم مسلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لمن أصبح جنبا -يعني في رمضان- على خبر الفضل بن العباس في منعه؛ لأنها أعلم منه به.
تاسع عشريها: أن يباشر ما رواه.
الثلاثون: تأخر إسلامه، وقيل عكسه لقوة أصالة المتقدم ومعرفته، وقيل: إن تأخر موته إلى إسلام المتأخر لم يرجح بالتأخير لاحتمال تأخر
روايته عنه، وإن تقدم أو علم أن أكثر رواياته متقدمة على رواية المتأخر رجح.
الحادي والثلاثون إلى الأربعين:
31-
كونه أحسن سياقا واستقصاء لحديثه، أو أقرب مكانا، أو أكثر ملازمة لشيخه.
32-
أو سمع من مشايخ بلده.
33-
أو مشافها مشاهدا لشيخه حال الأخذ.
34-
أو لا يجيز الرواية بالمعنى.
35-
أو الصحابي من أكابرهم.
36-
أو علي رضي الله عنه وهو في الأقضية.
37-
أو معاذ، وهو في الحلال والحرام.
38-
أو زيد بن ثابت وهو في الفرائض.
39-
أو الإسناد حجازي.
40-
أو رواته من بلد لا يرضون التدليس.
القسم الثاني: الترجيح بالتحمل وذلك بوجوه.
أحدها: الوقت فيرجح منهم من لم يتحمل بحديث إلا بعد البلوغ على من كان بعض تحمله قبله، أو بعضه بعده لاحتمال أن يكون هذا مما قبله والمتحمل بعده أقوى لتأهله بالضبط.
ثانيها وثالثها: أن يتحمل بحدثنا، والأخر عرضا، أو عرضا والآخر كتابة أو مناولة أو وجادة أقول وذلك على أن أعلى أنواع التحمل السماع ثم العرض ثم ما بعده.
القسم الثالث: الترجيح بكيفية الرواية وذلك بوجوه.
أحدها: تقديم المحكي بلفظه على المحكي بمعناه والمشكوك فيه على ما عرف أنه مروي بالمعنى.
ثانيها: ما ذكر فيه سبب وروده على ما لم يذكر لدلالته على اهتمام الراوي حيث عرف سببه.
ثالثها: أن لا ينكره راويه ولا يتردد فيه.
رابعها إلى عاشرها:
4-
أن تكون ألفاظه على الاتصال كحدثنا
وسمعت.
5-
أو اتفق على رفعه.
6-
أو وصله.
7-
أو لم يختلف في إسناده.
8-
أو لم يضطرب لفظه.
9-
أو روى بالإسناد وعزى ذلك لكتاب معروف.
10-
أو عزيز والآخر مشهور.
القسم الرابع: الترجيح بوقت الورود وذلك بوجوه.
أحدها وثانيها: بتقديم المدني على المكي والدال على علو شأن المصطفى صلى الله عليه وسلم على الدال على الضعف، كبدأ الإسلام غريبا1، ثم شهرته فيكون الدال على العلو متأخرا.
ثالثها: ترجيح المتضمن للتخفيف، لدلالته على التأخر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يغلط في أول أمره زجرا عن عادات الجاهلية، ثم مال للتخفيف، كذلك قال صاحب الحاصل2، والمنهاج3، ورجح الآمدي4، وابن الحاجب5، وغيرهما عكسه، وهو تقديم المتضمن للتغليظ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جاء أولا بالإسلام فقط6 ثم شرعت العبادات شيئا فشيئا.
رابعها: ترجيح ما تحمل بعد الإسلام على ما تحمله قبله أوشك؛ لأنه أظهر تأخرا.
خامسها وسادسها: ترجيح غير المؤرخ بتاريخ متقدم، قال الرازي: والترجيح بهذه الستة أي إفادتها للرجحان غير قوية.
القسم الخامس: الترجيح بلفظ الخبر، وذلك بوجوه:
1 حديث: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء" ، رواه مسلم في صحيحه.
2 الحاصل: كتاب في أصول الفقه على المذهب الشافعي للعالم تاج الدين الأرموي.
3 هو المنهاج في علم الأصول للبيضاوي القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد "المتوفى سنة 685".
4 الآمدي صاحب كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" وهو الإمام المتكلم الأصولي البارع علي بن أبي علي "م سنة 631".
5 هو العالم الحافظ المفيد عز الدين عمر بن محمد، له مؤلفات منها:"مختصرا ابن الحاجب" في علم الأصول "م سنة 630".
6 لعل مراده بالإسلام النطق بالشهادتين، والإقرار بالتوحيد.
أحدها إلى الخامس والثلاثين:
1-
ترجيح الخاص على العام.
2-
والعام الذي لم يخصص على المخصص لضعف دلالته بعد التخصيص على باقي أفراده.
3-
والمطلق على ما ورد على سبب.
4-
والحقيقة على المجاز.
5-
والمجاز المشبه للحقيقة على غيره.
6-
والشرعية على غيرها1.
7-
والعرفية على اللغوية.
8-
والمستغني -أي عن الإضمار- على الإضمار.
9-
وما يقل فيه اللبس.
10-
وما اتفق على وضعه لمسماه.
11-
والمومئ للعلة يعني على غير المومئ.
12-
والمنطوق يعني على المفهوم.
13-
ومفهوم الموافقة على المخالفة -أي مفهوم المخالفة.
14-
والمنصوص على حكمه مع تشبيهه بمحل آخر.
15-
والمستفاد عمومه من الشرط والجزاء على النكرة المنفية.
16-
أو من الجمع المعرف على من، وما.
17-
أو من الكل وذلك من الجنس المعرف.
18-
وما خطابه تكليفي على الوضعي.
19-
وما حكمه معقول المعنى.
20-
وما قدم فيه ذكر العلة.
21-
أو دل الاشتقاق على حكمه.
22-
والمقارن للتهديد.
23-
وما تهديده أشد.
24-
والمؤكد بالتكرار.
25-
والفصيح.
26-
وما بلغة قريش.
27-
وما دل على المعنى المراد بوجهين أو أكثر.
28-
وبغير واسطة.
29-
وما ذكر معه معارضه، كـ:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"2.
30-
والنص يعني على غير النص.
31-
والقول يعني على الفعل.
32-
وقول قارنه الفعل.
33-
أو تفسير الراوي.
34-
وما قرن حكمه بصفة على ما قرن باسم.
35-
وما فيه زيادة.
القسم السادس: الترجيح بالحكم، وذلك بوجوه.
1 أي الحقيقة الشرعية على غيرها من الحقيقة اللغوية والحقيقة العرفية.
2 رواه مسلم في صحيحه.
أحدها: تقديم الناقل عن البراءة الأصلية على المقرر لها وقيل عكسه.
ثانيها: تقديم الدال على التحريم على الدال على الإباحة والوجوب.
ثالثها: تقديم الأحوط.
رابعها: تقديم الدال على نفي الحد.
القسم السابع: الترجيح بأمر خارجي:
1-
كتقديم ما وافقه ظاهر القرآن.
2-
أو سنة أخرى.
3-
أو ما قبل الشرع.
4-
أو القياس.
5-
أو عمل الأمة.
6-
أو الخلفاء الراشدون.
7-
أو معه مرسل آخر.
8-
أو منقطع.
9-
أو لم يشعر بنوع قدح في الصحابة.
10-
أو له نظير متفق على حكمه.
11-
أو اتفق على إخراجه الشيخان.
قال الإمام السيوطي: فهذه أكثر من مائة مرجح1، وثم مرجحات أخر لا تنحصر، ومثارها غلبة الظن.
وقد حرصت على ذكر ما ذكره السيوطي حتى تتبين الدقة، وبعد النظر، وسعة العلم الذي ابتكره الأصوليون والفقهاء والمحدثون في باب وجوه الترجيحات في الأدلة التي تستنبط منها الأحكام، وليكون هذا الكتاب وافيا بحاجات المتخصصين في الحديث والفقه والأصول من طلاب العلم وذلك للتيسير عليهم، وتقريب وسائل العلم إليهم بدل كثرة الإحالات فقد ضعفت العزائم، وتقاصرت الهمم عن تحمل المشاق في سبيل العلم.
1 هي على العد الذي ذكره هكذا: 40+3+10+6+35+4+11= 109.