المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أقسام مختلف الحديث - الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

[محمد أبو شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌تقدمة بين يدي الكتاب

- ‌منهجي في تأليف هذا الكتاب:

- ‌ال‌‌مدخلللكتاب

- ‌مدخل

- ‌ألقاب المشتغلين بالحديث

- ‌مدخل

- ‌من مفاخر المحدثين

- ‌الحفظ والفقه للأحاديث

- ‌فائدتان

- ‌علوم الحديث بالمعنى العام

- ‌مدخل

- ‌علم الحديث دراية

- ‌مدخل

- ‌تاريخ علم الحديث دراية

- ‌الرواية في الإسلام:

- ‌تعريف الرواية:

- ‌كون الرواية طريقا إلى العلم

- ‌تاريخ الرواية:

- ‌الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الإذن لبعض الصحابة بالكتابة

- ‌آراء العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي

- ‌الحديث في عهد الصحابة وكبار التابعين

- ‌تدوين الحديث تدوينا عاما

- ‌التدوين في القرن الثاني 100-200ه

- ‌التأليف في القرن الثالث" 200-300ه

- ‌التأليف في القرن الرابع 300-400ه

- ‌التأليف بعد القرن الرابع:

- ‌تقليد المؤلفين في العلوم النقلية للمحدثين في الرواية

- ‌مناهج المحدثين في التأليف

- ‌شروط الراوي في الإسلام

- ‌الفرق بين عدل الرواية والشهادة:

- ‌التحمل والأداء وشروطهما

- ‌فائدة

- ‌تفريعات:

- ‌الإسناد العالي والنازل

- ‌مسائل تتعلق بكتابة الحديث وآدابها

- ‌صفة رواية الحديث وآدابها

- ‌مسائل تتعلق بهذا الفصل

- ‌آداب المحدث

- ‌آداب طالب الحديث

- ‌الرحلة في سبيل العلم

- ‌مدخل

- ‌وارتحال التابعين ومن بعدهم

- ‌أدب أهل العلم والحديث وطلابه مع الله ورسوله

- ‌تقسيم الحديث من حيث عدد رواته

- ‌المتواتر

- ‌شروط المتواتر

- ‌أقسام المتواتر:

- ‌العلم الذي يفيده المتواتر:

- ‌الشبه التي أوردت على المتواتر:

- ‌وجود المتواتر من الأحاديث:

- ‌أمثلة المتواتر

- ‌أخبار الآحاد

- ‌المشهور من الحديث

- ‌العزيز:

- ‌تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله

- ‌مدخل

- ‌مظان الموقوف والمقطوع

- ‌ما له حكم المرفوع من الموقوف والمقطوع

- ‌الحديث القدسي

- ‌مدخل

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني

- ‌أمثلة للأحاديث القدسية:

- ‌طريقة رواية الحديث القدسي

- ‌المؤلفات في الأحاديث القدسية:

- ‌المتصل" أو "الموصول

- ‌المسنَد

- ‌أقسام الحديث من حيث القبول والرد

- ‌مدخل

- ‌الحديث الصحيح

- ‌مدخل

- ‌أقسام الحديث الصحيح:

- ‌حكم الحديث الصحيح

- ‌فوائد مهمة تتعلق بالصحيح

- ‌الفائدة الأولى:

- ‌الفائدة الثانية:

- ‌الفائدة الثالثة:

- ‌الفائدة الرابعة:

- ‌الفائدة الخامسة:

- ‌تعقيبات وتنبيهات

- ‌الحديث الحسن

- ‌تعريفه:

- ‌تنبيهات وتعقيبات

- ‌التنبيه الأول

- ‌تنبيه آخر

- ‌تنبيه ثالث

- ‌تنبيه رابع

- ‌الاحتجاج بالحديث الحسن:

- ‌خاتمة:

- ‌الحديث الضعيف

- ‌أقسام الضعيف

- ‌حكم الحديث الضعيف رواية وعملا

- ‌فائدة

- ‌المرسل

- ‌تعريفه:

- ‌حكم المرسل عند المحدثين

- ‌المنقطع

- ‌تعريفه:

- ‌فائدة تتعلق بالمنقطع

- ‌المعضل

- ‌تعريفه:

- ‌فائدتان

- ‌تفريعات

- ‌المعلق

- ‌المدلس

- ‌الشَّاذُ

- ‌المحفوظ

- ‌المنكر

- ‌المعروف

- ‌المتروك

- ‌المُعَلُّ" لا "المعلول" ولا "المُعَلَّل

- ‌المضطرب

- ‌المدرج

- ‌المقلوب

- ‌المطروح

- ‌الحديث الموضوع

- ‌تعريفه

- ‌حكم رواية الموضوع:

- ‌حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أقسام الموضوع:

- ‌متى نشأ الوضع في الحديث:

- ‌عرض موجز لحركة الوضع في الحديث

- ‌مدخل

- ‌الأسباب الحاملة على الوضع:

- ‌الوضاعون

- ‌أمارات الوضع:

- ‌آثار الوضع السيئة

- ‌الموضوعات وكتب العلوم:

- ‌الموضوع وكتب التفسير

- ‌الموضوعات وكتب الفقه والأصول:

- ‌الموضوع وكتب الوعظ، والتصوف، والأخلاق

- ‌الموضوع وكتب العلوم الأخرى:

- ‌جهاد العلماء في مقاومة حركة الوضع وتنقية السنة والأحاديث

- ‌كتب أخر للتخاريج

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌معرفة الأفراد

- ‌معرفة زيادات الثقات وحكمها

- ‌انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا

- ‌علم الجرح والتعديل

- ‌جواز الجرح وإن كان غيبة

- ‌مدخل

- ‌من الذي يستأهل أن يكون ناقدًا

- ‌مناهج النقاد في النقد

- ‌مشاهير المتصدين للجرح والتعديل

- ‌بم تثبت العدالة

- ‌هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل

- ‌بم يكون الجرح

- ‌المراد بالبدعة وحكم رواية المبتدع

- ‌هل يجزئ التعديل على الإبهام

- ‌مدخل

- ‌فائدتان مهمتان

- ‌هل الرواية عن رجل سماه تعتبر تعديلا

- ‌هل يعتبر عمل العالم أو فتياه على وفق حديث تصحيحا له

- ‌جهالة الراوي

- ‌هل يقبل تعديل العبد والمرأة

- ‌ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها

- ‌مدخل

- ‌مراتب الجرح والتعديل

- ‌ألفاظ التجريح، ومراتبها

- ‌المسلسل من الحديث

- ‌تعريفه:

- ‌الأمثلة لهذه الأنواع:

- ‌المسلسلات لا تخلو من ضعف في التسلسل:

- ‌أشهر المؤلفات في المسلسلات

- ‌علم علل الحديث

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات في علل الحديث

- ‌علم غريب الحديث:

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ الغريب في الحديث:

- ‌التثبيت في القول في غريب الحديث

- ‌المؤلفون في هذا العلم:

- ‌علم مختلف الحديث ومشكله

- ‌مختلف الحديث في اللغة

- ‌مختلف الحديث في الاصطلاح:

- ‌مشكل الحديث

- ‌أقسام مختلف الحديث

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في مختلف الحديث ومشكله

- ‌علم ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌مدخل

- ‌النسخ في اللغة

- ‌يطلق النسخ في اللغة على معنين

- ‌بم يعرف النسخ

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في الناسخ والمنسوخ في الحديث

- ‌محكم الحديث

- ‌علم أسباب ورود الحديث

- ‌مدخل

- ‌هذا العلم نظير علم أسباب النزول عند علماء علوم القرآن

- ‌سبب ورود الحديث قد يذكر في الحديث وقد يذكر في غيره

- ‌ القسم الأول: وهو ما يذكر في الحديث من أمثلته:

- ‌القسم الثاني من أسباب ورود الحديث

- ‌المؤلفات في هذا العلم:

- ‌علم المصحف والمحرف

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ التصحيف

- ‌مقالة جيدة للحافظ ابن كثير الدمشقي

- ‌ذكر العلماء المثل للتصحيف للتصويب والتحذير لا للتشهير

- ‌التصحيف في حديث لا يخل بصحته وحسنه

- ‌أقسام التصحيف

- ‌تقسيم أول:

- ‌تقسيم ثان له

- ‌تقسيم ثالث له

- ‌النتيجة

- ‌المؤلفات في الصفحات

- ‌معرفة الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌من هو الصحابي

- ‌تعريف الصحبة:

- ‌بم تعرف الصحبة

- ‌عدالة الصحابة

- ‌المكفرون لبعض الصحابة

- ‌أكثر الصحابة رواية للحديث

- ‌الصحابي المظلوم أبو هريرة

- ‌أكثر الصحابة علما وفتيا

- ‌المعروفون بالفتوى من الصحابة:

- ‌عدد الصحابة

- ‌طبقات الصحابة

- ‌أفضل الصحابة

- ‌مدخل

- ‌خصائص بعض الصحابة

- ‌أزواجه صلى الله عليه وسلم

- ‌أول الصحابة إسلاما

- ‌آخر الصحابة موتا

- ‌المؤلفون في الصحابة

- ‌التابعون رضي الله عنهم

- ‌مدخل

- ‌طبقات التابعين

- ‌سيدات النساء التابعيات

- ‌جماعة عدوا من التابعين وليسوا منهم

- ‌قوم من الصحابة عدوا من التابعين وبالعكس

- ‌آخر التابعين

- ‌اتباع التابعين

- ‌رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌المدبج وراية القرين عن القرين

- ‌معرفة الإخوة والأخوات من الرواة

- ‌رواية الآباء عن الأبناء

- ‌رواية الأبناء عن الآباء

- ‌السابق واللاحق

- ‌معرفة الوحدان

- ‌معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة

- ‌معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المؤلفات في هذا الفن

- ‌القسم الأول: في أسماء

- ‌فمن الصحابة:

- ‌ومن التابعين

- ‌القسم الثاني: الكني

- ‌القسم الثالث: الألقاب

- ‌معرفة الأسماء والكنى

- ‌مدخل

- ‌أقسام هذا النوع

- ‌معرفة كنى المعروفين بالأسماء

- ‌معرفة ألقاب المحدثين، ومن يذكر معهم

- ‌المؤتلف والمختلف

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات فيه:

- ‌وما ضبط من هذا النوع قسمان:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌الأنساب

- ‌تعليق المؤلف

- ‌المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها

- ‌أقسام المتفق والمفترق

- ‌المتشابه

- ‌المشتبه المقلوب

- ‌معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم

- ‌النسب التي هي على خلاف ظاهرها

- ‌معرفة المبهمات

- ‌معرفة التواريخ لمواليد الرواة والسماع والقدوم والوفيات لهم

- ‌مدخل

- ‌فروع:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌سبعة من الأئمة الحفاظ، أحسنوا التأليف، وعظم النفع بتأليفهم

- ‌معرفة من اختلط من الرواة الثقات

- ‌مدخل

- ‌طبقات العلماء والرواة

- ‌معرفة الموالي من العلماء والرواة

- ‌بلوغ الموالي من العلماء والرواة مرتبة سامية في الإسلام

- ‌معرفة أوطان الرواة وبلدانهم

- ‌رواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين بعضهم عن بعض

- ‌معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين

- ‌مدخل

- ‌معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه

- ‌معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم شيخه

- ‌معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه

- ‌معرفة من اتفق اسمه وكنيته

- ‌معرفة من وافق اسمه نسبه

- ‌معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء

- ‌معرفة من لم يرو إلا حديثًا واحدًا

- ‌باب: المراجع والفهارس

- ‌المراجع الأصلية:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌أقسام مختلف الحديث

هو مخالف للعقل مخالفة صريحة، ومنها ما هو مخالف للشرع، ومنها ما هو مخالف للحقائق الكونية والعلمية بقصد إظهار أهل الحديث بمظهر من يروون المستحيل، ومن يروون الأخبار التافهة والساقطة، وما تقوم التجربة والملاحظة على بطلانه إلى نحو ذلك.

ص: 444

"‌

‌أقسام مختلف الحديث

":

والمختلف قسمان:

أحدهما: يمكن الجمع بينهما أو بينها بوجه صحيح فيتعين الجمع ولا يصار إلى التعارض ولا النسخ، ويجب العمل بهما أو بها.

ومن أمثلة ذلك في أحاديث الأحكام: حديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" 1، وحديث:"خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه"2.

فإن الأول ظاهره طهارة القلتين تغير أم لا، والثاني: ظاهره طهارة غير المتغير سواء أكان قلتين أم قل، فخص عموم كل منهما بالآخر3.

ومن أمثلة ذلك في غير الأحكام: حديث: "لا يوردن ممرض على مصح" ، رواه البخاري ومسلم4، وحديث:"فر من المجذوم فرارك من الأسد"، رواه البخاري5 مع حديث:"لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر" ، رواه الشيخان6.

وهي أحاديث صحيحة، بعضها يثبت العدوى وبعضها ينفيها.

1 رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والدارقطني وابن حبان عن ابن عمر.

2 رواه ابن ماجه بنحو هذا اللفظ وفي إسناده رشدين وهو ضعيف.

3 التقريب بشرحه التدريب 378، 388.

4 البخاري، كتاب الطب، باب لا هامة؛ ومسلم، أبواب الطب، باب لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ولا نوء، ولا غول، ولا يورد ممرض على مصح.

5 كتاب الطب، باب الجذام.

6 رواه البخاري، كتاب الطب، باب لا هامة؛ ومسلم المرجع السابق.

ص: 444

وقد سلك العلماء في التوفيق بين هذه الأحاديث مسالك1.

أحدها: أن هذا الحديث: "لا عدوى

" ، جاء ردا لما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن الأمراض مؤثرة بنفسها، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها ولا بذاتها، لكن الله تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه مرضه، وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب، وهذا المسلك هو الذي سلكه الإمام أبو عمرو بن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" وقد تبعه على هذا التوفيق غيره، وقد سبقه إليه الإمام البيهقي2.

وهذا المسلك هو أحسن المسالك وأولاها؛ لأنه لا ينفي العدوي أصالة، ولكنه ينفي أن تكون مؤثرة بذاتها، وهذا لا يتنافى هو وما وصل إليه الطب الحديث من كون العدوى أصبحت أمرا مسلما، وفي الوقت ذاته فيه تصحيح للعقيدة، وهو أن تأثير العدوى إنما هو بإرادة الله تبارك وتعالى، وإذا لم يرد الله تبارك وتعالى ذلك لم تحصل العدوى مع وجود الاختلاط بالمريض مرضا معديا وليس أدل على أن التأثير متوقف على إرادة الله تعالى من أن بعض الناس يختلطون بأهليهم المرضى اختلاطا يكاد يكون تاما ومع ذلك لا يتعدى إليهم المرض.

ثانيها: أن نفي العدوى باق على عمومه، والأمر بالفرار من باب سد الذرائع لئلا يتفق للذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتقد صحة العدوى، فيقع في الحرج فأمر بتجنبه حسما للمادة، وهذا هو الذي اختاره الحافظ ابن حجر في شرح النخبة، ولذلك قال السيوطي3:

1 العدوى: هي انتقال المرض من المريض إلى غيره.

2 فتح الباري ج10 ص161 ط السلفية.

3 تدريب الراوي ص388.

ص: 445

"وهذا المسلك هو الذي اختاره شيخ الإسلام" يعني بذلك الحافظ ابن حجر.

ثالثها: أن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى فيكون معنى قوله: "لا عدوى

" ، أي إلا من الجذام ونحوه، فكأنه قال: لا يعدي شيء شيئًا إلا فيما تقدم تبيين له أنه يعدي، قاله ناصر السنة وقامع البدعة القاضي أبو بكر الباقلاني.

رابعها: أن الأمر بالفرار رعاية لخاطر المجذوم؛ لأنه إذا رأى الصحيح تعظم مصيبته، وتزداد حسرته، ويؤيده حديث:"لا تديموا النظر إلى المجذومين"1، قال السيوطي في "التدريب" وفيه مسالك أخرى.

أقول: وقد تكفل ببيان كل ما قيل في هذه المسالك الإمام الحافظ ابن حجر في "الفتح"2، فقد أفاض في ذلك بما لا مزيد عليه فليرجع إليه من شاء.

الثاني من القسمين: أنه لا يمكن الجمع بين الحديثين ولا الأحاديث وهذا يدخل تحته نوعان:

الأول: أن يعرف المتقدم من المتأخر، فإن كان كذلك كان المتأخر ناسخًا للمتقدم، وقد ذكرت بعض أمثلته في علم الناسخ والمنسوخ.

الثاني: أن لا يعلم المتقدم من المتأخر فحينئذ نسلك مسلك الترجيح فنأخذ بالراجح وندع المرجوح.

والترجيح يكون بصفات الرواة أي كون رواة أحدهما أتقن وأحفظ ونحو ذلك مما سيذكر، وكثرتهم في أحد الحديثين دون الآخر.

1 قال الحافظ في "الفتح": وقد أخرجه ابن ماجه وسنده ضعيف.

2 فتح الباري ج10 من ص159-162.

ص: 446

وجوه الترجيح:

وقد ذكر صاحب كتاب "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" من وجوه الترجيحات خمسين وجها ووصل بها غيره إلى أكثر من مائة، كما استوفى ذلك العراقي في كتابه "التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من علوم ابن الصلاح" وقد يعبر بعض العلماء عنه "بالنكت على ابن الصلاح".

"صنيع السيوطي" وقد بينها الإمام السيوطي في "تدريب الراوي" بيانا حسنا، وأرجعها إلى سبعة أقسام كل قسم يضم وجوها من الترجيحات.

القسم الأول: الترجيح بحال الراوي وذلك بوجوه:

أحدها: كثرة الرواة كما ذكره المصنف -يريد صاحب التقريب- وهو الإمام النووي، لأن احتمال الكذب والوهم على الأكثر أبعد من احتماله على الأقل.

ثانيها: قلة الوسائط: أي علو الإسناد حيث الرجال ثقات؛ لأن احتمال الكذب والوهم فيه أقل.

ثالثها: فقه الراوي سواء أكان الحديث مرويا بالمعنى أو اللفظ؛ لأن الفقيه إذا سمع ما يمتنع حمله على ظاهره عنه حتى يطلع على ما يزول به الإشكال بخلاف العامي.

رابعها: علمه بالنحو، لأن العالم به يتمكن من التحفظ عن مواقع الزلل، ما لا يتمكن منه غيره.

خامسها: علمه باللغة أقول: لأن العالم باللغة عالم بمواقع الخطاب والأساليب من غيره.

سادسها: حفظه، بخلاف من يعتمد على كتابه.

ص: 447

سابعها: أفضليته في أحد الثلاثة بأن يكونا فقيهين، أو نحويين، أو حافظين وأحدهما في ذلك أفضل من الآخر.

ثامنها: زيادة ضبطه، أي اعتنائه بالحديث واهتمامه به.

تاسعها: شهرته؛ لأن الشهرة تمنع الإنسان من الكذب كما تمنعه من ذلك التقوى.

عاشرها إلى العشرين:

10-

كونه ورعا.

11-

أو حسن الاعتقاد أي غير مبتدع.

12-

وجليسا لأهل الحديث.

13-

وغيرهم من العلماء.

14-

أو أكثر مجالسة لهم.

15-

أو ذكرا.

16-

أو حرا.

17-

أو مشهور النسب.

18-

أو لا لبس في اسمه بحيث يشاركه فيه ضعيف، وصعب التمييز بينهما.

19-

أو له اسم واحد وكذلك أكثر ولم يختلط.

20-

أو له كتاب يرجع إليه.

حادي عشريها: أن تثبت عدالته بالإخبار بخلاف من تثبت بالتزكية أو العمل بروايته أو الروية عنها إن قلنا بهما.

ثاني عشريها إلى سابع عشريها:

22-

أن يعمل بخبره من زكاه، ومعارضه لم يعمل به من زكاه.

23-

أو يتفق على عدالته.

24-

أو يذكر سبب تعديله.

25-

أو يكثر مزكوه.

26-

أو يكونوا علماء.

27-

أو كثيري الفحص عن أحوال الناس.

ثامن عشريها: أن يكون صاحب القصة كتقديم خبر أم مسلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لمن أصبح جنبا -يعني في رمضان- على خبر الفضل بن العباس في منعه؛ لأنها أعلم منه به.

تاسع عشريها: أن يباشر ما رواه.

الثلاثون: تأخر إسلامه، وقيل عكسه لقوة أصالة المتقدم ومعرفته، وقيل: إن تأخر موته إلى إسلام المتأخر لم يرجح بالتأخير لاحتمال تأخر

ص: 448

روايته عنه، وإن تقدم أو علم أن أكثر رواياته متقدمة على رواية المتأخر رجح.

الحادي والثلاثون إلى الأربعين:

31-

كونه أحسن سياقا واستقصاء لحديثه، أو أقرب مكانا، أو أكثر ملازمة لشيخه.

32-

أو سمع من مشايخ بلده.

33-

أو مشافها مشاهدا لشيخه حال الأخذ.

34-

أو لا يجيز الرواية بالمعنى.

35-

أو الصحابي من أكابرهم.

36-

أو علي رضي الله عنه وهو في الأقضية.

37-

أو معاذ، وهو في الحلال والحرام.

38-

أو زيد بن ثابت وهو في الفرائض.

39-

أو الإسناد حجازي.

40-

أو رواته من بلد لا يرضون التدليس.

القسم الثاني: الترجيح بالتحمل وذلك بوجوه.

أحدها: الوقت فيرجح منهم من لم يتحمل بحديث إلا بعد البلوغ على من كان بعض تحمله قبله، أو بعضه بعده لاحتمال أن يكون هذا مما قبله والمتحمل بعده أقوى لتأهله بالضبط.

ثانيها وثالثها: أن يتحمل بحدثنا، والأخر عرضا، أو عرضا والآخر كتابة أو مناولة أو وجادة أقول وذلك على أن أعلى أنواع التحمل السماع ثم العرض ثم ما بعده.

القسم الثالث: الترجيح بكيفية الرواية وذلك بوجوه.

أحدها: تقديم المحكي بلفظه على المحكي بمعناه والمشكوك فيه على ما عرف أنه مروي بالمعنى.

ثانيها: ما ذكر فيه سبب وروده على ما لم يذكر لدلالته على اهتمام الراوي حيث عرف سببه.

ثالثها: أن لا ينكره راويه ولا يتردد فيه.

رابعها إلى عاشرها:

4-

أن تكون ألفاظه على الاتصال كحدثنا

ص: 449

وسمعت.

5-

أو اتفق على رفعه.

6-

أو وصله.

7-

أو لم يختلف في إسناده.

8-

أو لم يضطرب لفظه.

9-

أو روى بالإسناد وعزى ذلك لكتاب معروف.

10-

أو عزيز والآخر مشهور.

القسم الرابع: الترجيح بوقت الورود وذلك بوجوه.

أحدها وثانيها: بتقديم المدني على المكي والدال على علو شأن المصطفى صلى الله عليه وسلم على الدال على الضعف، كبدأ الإسلام غريبا1، ثم شهرته فيكون الدال على العلو متأخرا.

ثالثها: ترجيح المتضمن للتخفيف، لدلالته على التأخر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يغلط في أول أمره زجرا عن عادات الجاهلية، ثم مال للتخفيف، كذلك قال صاحب الحاصل2، والمنهاج3، ورجح الآمدي4، وابن الحاجب5، وغيرهما عكسه، وهو تقديم المتضمن للتغليظ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جاء أولا بالإسلام فقط6 ثم شرعت العبادات شيئا فشيئا.

رابعها: ترجيح ما تحمل بعد الإسلام على ما تحمله قبله أوشك؛ لأنه أظهر تأخرا.

خامسها وسادسها: ترجيح غير المؤرخ بتاريخ متقدم، قال الرازي: والترجيح بهذه الستة أي إفادتها للرجحان غير قوية.

القسم الخامس: الترجيح بلفظ الخبر، وذلك بوجوه:

1 حديث: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء" ، رواه مسلم في صحيحه.

2 الحاصل: كتاب في أصول الفقه على المذهب الشافعي للعالم تاج الدين الأرموي.

3 هو المنهاج في علم الأصول للبيضاوي القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد "المتوفى سنة 685".

4 الآمدي صاحب كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" وهو الإمام المتكلم الأصولي البارع علي بن أبي علي "م سنة 631".

5 هو العالم الحافظ المفيد عز الدين عمر بن محمد، له مؤلفات منها:"مختصرا ابن الحاجب" في علم الأصول "م سنة 630".

6 لعل مراده بالإسلام النطق بالشهادتين، والإقرار بالتوحيد.

ص: 450

أحدها إلى الخامس والثلاثين:

1-

ترجيح الخاص على العام.

2-

والعام الذي لم يخصص على المخصص لضعف دلالته بعد التخصيص على باقي أفراده.

3-

والمطلق على ما ورد على سبب.

4-

والحقيقة على المجاز.

5-

والمجاز المشبه للحقيقة على غيره.

6-

والشرعية على غيرها1.

7-

والعرفية على اللغوية.

8-

والمستغني -أي عن الإضمار- على الإضمار.

9-

وما يقل فيه اللبس.

10-

وما اتفق على وضعه لمسماه.

11-

والمومئ للعلة يعني على غير المومئ.

12-

والمنطوق يعني على المفهوم.

13-

ومفهوم الموافقة على المخالفة -أي مفهوم المخالفة.

14-

والمنصوص على حكمه مع تشبيهه بمحل آخر.

15-

والمستفاد عمومه من الشرط والجزاء على النكرة المنفية.

16-

أو من الجمع المعرف على من، وما.

17-

أو من الكل وذلك من الجنس المعرف.

18-

وما خطابه تكليفي على الوضعي.

19-

وما حكمه معقول المعنى.

20-

وما قدم فيه ذكر العلة.

21-

أو دل الاشتقاق على حكمه.

22-

والمقارن للتهديد.

23-

وما تهديده أشد.

24-

والمؤكد بالتكرار.

25-

والفصيح.

26-

وما بلغة قريش.

27-

وما دل على المعنى المراد بوجهين أو أكثر.

28-

وبغير واسطة.

29-

وما ذكر معه معارضه، كـ:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"2.

30-

والنص يعني على غير النص.

31-

والقول يعني على الفعل.

32-

وقول قارنه الفعل.

33-

أو تفسير الراوي.

34-

وما قرن حكمه بصفة على ما قرن باسم.

35-

وما فيه زيادة.

القسم السادس: الترجيح بالحكم، وذلك بوجوه.

1 أي الحقيقة الشرعية على غيرها من الحقيقة اللغوية والحقيقة العرفية.

2 رواه مسلم في صحيحه.

ص: 451

أحدها: تقديم الناقل عن البراءة الأصلية على المقرر لها وقيل عكسه.

ثانيها: تقديم الدال على التحريم على الدال على الإباحة والوجوب.

ثالثها: تقديم الأحوط.

رابعها: تقديم الدال على نفي الحد.

القسم السابع: الترجيح بأمر خارجي:

1-

كتقديم ما وافقه ظاهر القرآن.

2-

أو سنة أخرى.

3-

أو ما قبل الشرع.

4-

أو القياس.

5-

أو عمل الأمة.

6-

أو الخلفاء الراشدون.

7-

أو معه مرسل آخر.

8-

أو منقطع.

9-

أو لم يشعر بنوع قدح في الصحابة.

10-

أو له نظير متفق على حكمه.

11-

أو اتفق على إخراجه الشيخان.

قال الإمام السيوطي: فهذه أكثر من مائة مرجح1، وثم مرجحات أخر لا تنحصر، ومثارها غلبة الظن.

وقد حرصت على ذكر ما ذكره السيوطي حتى تتبين الدقة، وبعد النظر، وسعة العلم الذي ابتكره الأصوليون والفقهاء والمحدثون في باب وجوه الترجيحات في الأدلة التي تستنبط منها الأحكام، وليكون هذا الكتاب وافيا بحاجات المتخصصين في الحديث والفقه والأصول من طلاب العلم وذلك للتيسير عليهم، وتقريب وسائل العلم إليهم بدل كثرة الإحالات فقد ضعفت العزائم، وتقاصرت الهمم عن تحمل المشاق في سبيل العلم.

1 هي على العد الذي ذكره هكذا: 40+3+10+6+35+4+11= 109.

ص: 452