المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا - الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

[محمد أبو شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌تقدمة بين يدي الكتاب

- ‌منهجي في تأليف هذا الكتاب:

- ‌ال‌‌مدخلللكتاب

- ‌مدخل

- ‌ألقاب المشتغلين بالحديث

- ‌مدخل

- ‌من مفاخر المحدثين

- ‌الحفظ والفقه للأحاديث

- ‌فائدتان

- ‌علوم الحديث بالمعنى العام

- ‌مدخل

- ‌علم الحديث دراية

- ‌مدخل

- ‌تاريخ علم الحديث دراية

- ‌الرواية في الإسلام:

- ‌تعريف الرواية:

- ‌كون الرواية طريقا إلى العلم

- ‌تاريخ الرواية:

- ‌الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الإذن لبعض الصحابة بالكتابة

- ‌آراء العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي

- ‌الحديث في عهد الصحابة وكبار التابعين

- ‌تدوين الحديث تدوينا عاما

- ‌التدوين في القرن الثاني 100-200ه

- ‌التأليف في القرن الثالث" 200-300ه

- ‌التأليف في القرن الرابع 300-400ه

- ‌التأليف بعد القرن الرابع:

- ‌تقليد المؤلفين في العلوم النقلية للمحدثين في الرواية

- ‌مناهج المحدثين في التأليف

- ‌شروط الراوي في الإسلام

- ‌الفرق بين عدل الرواية والشهادة:

- ‌التحمل والأداء وشروطهما

- ‌فائدة

- ‌تفريعات:

- ‌الإسناد العالي والنازل

- ‌مسائل تتعلق بكتابة الحديث وآدابها

- ‌صفة رواية الحديث وآدابها

- ‌مسائل تتعلق بهذا الفصل

- ‌آداب المحدث

- ‌آداب طالب الحديث

- ‌الرحلة في سبيل العلم

- ‌مدخل

- ‌وارتحال التابعين ومن بعدهم

- ‌أدب أهل العلم والحديث وطلابه مع الله ورسوله

- ‌تقسيم الحديث من حيث عدد رواته

- ‌المتواتر

- ‌شروط المتواتر

- ‌أقسام المتواتر:

- ‌العلم الذي يفيده المتواتر:

- ‌الشبه التي أوردت على المتواتر:

- ‌وجود المتواتر من الأحاديث:

- ‌أمثلة المتواتر

- ‌أخبار الآحاد

- ‌المشهور من الحديث

- ‌العزيز:

- ‌تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله

- ‌مدخل

- ‌مظان الموقوف والمقطوع

- ‌ما له حكم المرفوع من الموقوف والمقطوع

- ‌الحديث القدسي

- ‌مدخل

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني

- ‌أمثلة للأحاديث القدسية:

- ‌طريقة رواية الحديث القدسي

- ‌المؤلفات في الأحاديث القدسية:

- ‌المتصل" أو "الموصول

- ‌المسنَد

- ‌أقسام الحديث من حيث القبول والرد

- ‌مدخل

- ‌الحديث الصحيح

- ‌مدخل

- ‌أقسام الحديث الصحيح:

- ‌حكم الحديث الصحيح

- ‌فوائد مهمة تتعلق بالصحيح

- ‌الفائدة الأولى:

- ‌الفائدة الثانية:

- ‌الفائدة الثالثة:

- ‌الفائدة الرابعة:

- ‌الفائدة الخامسة:

- ‌تعقيبات وتنبيهات

- ‌الحديث الحسن

- ‌تعريفه:

- ‌تنبيهات وتعقيبات

- ‌التنبيه الأول

- ‌تنبيه آخر

- ‌تنبيه ثالث

- ‌تنبيه رابع

- ‌الاحتجاج بالحديث الحسن:

- ‌خاتمة:

- ‌الحديث الضعيف

- ‌أقسام الضعيف

- ‌حكم الحديث الضعيف رواية وعملا

- ‌فائدة

- ‌المرسل

- ‌تعريفه:

- ‌حكم المرسل عند المحدثين

- ‌المنقطع

- ‌تعريفه:

- ‌فائدة تتعلق بالمنقطع

- ‌المعضل

- ‌تعريفه:

- ‌فائدتان

- ‌تفريعات

- ‌المعلق

- ‌المدلس

- ‌الشَّاذُ

- ‌المحفوظ

- ‌المنكر

- ‌المعروف

- ‌المتروك

- ‌المُعَلُّ" لا "المعلول" ولا "المُعَلَّل

- ‌المضطرب

- ‌المدرج

- ‌المقلوب

- ‌المطروح

- ‌الحديث الموضوع

- ‌تعريفه

- ‌حكم رواية الموضوع:

- ‌حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أقسام الموضوع:

- ‌متى نشأ الوضع في الحديث:

- ‌عرض موجز لحركة الوضع في الحديث

- ‌مدخل

- ‌الأسباب الحاملة على الوضع:

- ‌الوضاعون

- ‌أمارات الوضع:

- ‌آثار الوضع السيئة

- ‌الموضوعات وكتب العلوم:

- ‌الموضوع وكتب التفسير

- ‌الموضوعات وكتب الفقه والأصول:

- ‌الموضوع وكتب الوعظ، والتصوف، والأخلاق

- ‌الموضوع وكتب العلوم الأخرى:

- ‌جهاد العلماء في مقاومة حركة الوضع وتنقية السنة والأحاديث

- ‌كتب أخر للتخاريج

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌معرفة الأفراد

- ‌معرفة زيادات الثقات وحكمها

- ‌انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا

- ‌علم الجرح والتعديل

- ‌جواز الجرح وإن كان غيبة

- ‌مدخل

- ‌من الذي يستأهل أن يكون ناقدًا

- ‌مناهج النقاد في النقد

- ‌مشاهير المتصدين للجرح والتعديل

- ‌بم تثبت العدالة

- ‌هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل

- ‌بم يكون الجرح

- ‌المراد بالبدعة وحكم رواية المبتدع

- ‌هل يجزئ التعديل على الإبهام

- ‌مدخل

- ‌فائدتان مهمتان

- ‌هل الرواية عن رجل سماه تعتبر تعديلا

- ‌هل يعتبر عمل العالم أو فتياه على وفق حديث تصحيحا له

- ‌جهالة الراوي

- ‌هل يقبل تعديل العبد والمرأة

- ‌ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها

- ‌مدخل

- ‌مراتب الجرح والتعديل

- ‌ألفاظ التجريح، ومراتبها

- ‌المسلسل من الحديث

- ‌تعريفه:

- ‌الأمثلة لهذه الأنواع:

- ‌المسلسلات لا تخلو من ضعف في التسلسل:

- ‌أشهر المؤلفات في المسلسلات

- ‌علم علل الحديث

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات في علل الحديث

- ‌علم غريب الحديث:

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ الغريب في الحديث:

- ‌التثبيت في القول في غريب الحديث

- ‌المؤلفون في هذا العلم:

- ‌علم مختلف الحديث ومشكله

- ‌مختلف الحديث في اللغة

- ‌مختلف الحديث في الاصطلاح:

- ‌مشكل الحديث

- ‌أقسام مختلف الحديث

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في مختلف الحديث ومشكله

- ‌علم ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌مدخل

- ‌النسخ في اللغة

- ‌يطلق النسخ في اللغة على معنين

- ‌بم يعرف النسخ

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في الناسخ والمنسوخ في الحديث

- ‌محكم الحديث

- ‌علم أسباب ورود الحديث

- ‌مدخل

- ‌هذا العلم نظير علم أسباب النزول عند علماء علوم القرآن

- ‌سبب ورود الحديث قد يذكر في الحديث وقد يذكر في غيره

- ‌ القسم الأول: وهو ما يذكر في الحديث من أمثلته:

- ‌القسم الثاني من أسباب ورود الحديث

- ‌المؤلفات في هذا العلم:

- ‌علم المصحف والمحرف

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ التصحيف

- ‌مقالة جيدة للحافظ ابن كثير الدمشقي

- ‌ذكر العلماء المثل للتصحيف للتصويب والتحذير لا للتشهير

- ‌التصحيف في حديث لا يخل بصحته وحسنه

- ‌أقسام التصحيف

- ‌تقسيم أول:

- ‌تقسيم ثان له

- ‌تقسيم ثالث له

- ‌النتيجة

- ‌المؤلفات في الصفحات

- ‌معرفة الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌من هو الصحابي

- ‌تعريف الصحبة:

- ‌بم تعرف الصحبة

- ‌عدالة الصحابة

- ‌المكفرون لبعض الصحابة

- ‌أكثر الصحابة رواية للحديث

- ‌الصحابي المظلوم أبو هريرة

- ‌أكثر الصحابة علما وفتيا

- ‌المعروفون بالفتوى من الصحابة:

- ‌عدد الصحابة

- ‌طبقات الصحابة

- ‌أفضل الصحابة

- ‌مدخل

- ‌خصائص بعض الصحابة

- ‌أزواجه صلى الله عليه وسلم

- ‌أول الصحابة إسلاما

- ‌آخر الصحابة موتا

- ‌المؤلفون في الصحابة

- ‌التابعون رضي الله عنهم

- ‌مدخل

- ‌طبقات التابعين

- ‌سيدات النساء التابعيات

- ‌جماعة عدوا من التابعين وليسوا منهم

- ‌قوم من الصحابة عدوا من التابعين وبالعكس

- ‌آخر التابعين

- ‌اتباع التابعين

- ‌رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌المدبج وراية القرين عن القرين

- ‌معرفة الإخوة والأخوات من الرواة

- ‌رواية الآباء عن الأبناء

- ‌رواية الأبناء عن الآباء

- ‌السابق واللاحق

- ‌معرفة الوحدان

- ‌معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة

- ‌معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المؤلفات في هذا الفن

- ‌القسم الأول: في أسماء

- ‌فمن الصحابة:

- ‌ومن التابعين

- ‌القسم الثاني: الكني

- ‌القسم الثالث: الألقاب

- ‌معرفة الأسماء والكنى

- ‌مدخل

- ‌أقسام هذا النوع

- ‌معرفة كنى المعروفين بالأسماء

- ‌معرفة ألقاب المحدثين، ومن يذكر معهم

- ‌المؤتلف والمختلف

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات فيه:

- ‌وما ضبط من هذا النوع قسمان:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌الأنساب

- ‌تعليق المؤلف

- ‌المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها

- ‌أقسام المتفق والمفترق

- ‌المتشابه

- ‌المشتبه المقلوب

- ‌معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم

- ‌النسب التي هي على خلاف ظاهرها

- ‌معرفة المبهمات

- ‌معرفة التواريخ لمواليد الرواة والسماع والقدوم والوفيات لهم

- ‌مدخل

- ‌فروع:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌سبعة من الأئمة الحفاظ، أحسنوا التأليف، وعظم النفع بتأليفهم

- ‌معرفة من اختلط من الرواة الثقات

- ‌مدخل

- ‌طبقات العلماء والرواة

- ‌معرفة الموالي من العلماء والرواة

- ‌بلوغ الموالي من العلماء والرواة مرتبة سامية في الإسلام

- ‌معرفة أوطان الرواة وبلدانهم

- ‌رواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين بعضهم عن بعض

- ‌معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين

- ‌مدخل

- ‌معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه

- ‌معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم شيخه

- ‌معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه

- ‌معرفة من اتفق اسمه وكنيته

- ‌معرفة من وافق اسمه نسبه

- ‌معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء

- ‌معرفة من لم يرو إلا حديثًا واحدًا

- ‌باب: المراجع والفهارس

- ‌المراجع الأصلية:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا

"‌

‌انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا

":

وقد انتقد الإمام الحافظ ابن حجر العلماء القائلين بقبول الزيادة مطلقا من غير تفصيل، وهو الذي انتصر له ابن حزم، ووافقه عليه من المحدثين العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى.

قال الحافظ ابن حجر: "اشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقا من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريقة المحدثين الذين يشترطون في الصحيح والحسن أن لا يكون شاذا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كابن مهدي ويحيى القطان، وأحمد، وابن معين، وابن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني وغيرهم، اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة المنافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى"1.

والقول ما قالت حزام.

قال الإمام السيوطي: "فائدة": من أمثلة هذا الباب حديث الشيخين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها"، زاد الحسن بن مكرم وبندار2 في روايتها:"في أول وقتها" صححها الحاكم وابن حبان.

وحديث علي: "إن العين وكاء السه"، زاد إبراهيم بن موسى:"فمن نام فليتوضأ".

حكم هذا القسم الثالث: ولم يبين الإمام ابن الصلاح حكم هذا القسم ولعل ذلك لاختلاف الأئمة فيه3، قال الإمام النووي في "تقريبه"4:

1 النخبة وشرحها بحاشية علي القاري ص81-83.

2 بضم الباء، وهو: محمد بن بشار لقبه به لإكثاره من الحديث.

3 فمنهم من يقبل الزيادة ويحمل المطلق على المقيد كالشافعي وأحمد، ومنهم من لا يقبلها ويبقى المطلق على إطلاقه.

4 التقريب بشرحه التدريب ص158.

ص: 379

"والصحيح قبول هذا الأخير".

"الاختلاف بالوصل والإرسال والرفع والوقف":

ومن المسائل التي ذكرها الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في هذا النوع الاختلاف بالوصل والإرسال والرفع والوقف وقال: إنه كالاختلاف في "زيادات الثقات" وقد ذهب الجمهور وأكثر أهل الحديث إلى ترجيح رواية الإرسال على الوصل وترجيح رواية الوقف على الرفع، وذلك من قبيل ترجيح الجرح على التعديل؛ لأن الإرسال جرح للوصل، والوقف جرح للرفع، ولكن لم لا يكون هذان من النسيان أو القصور في الحفظ؟! وذهب المحققون من أئمة هذا الفن إلى ترجيح الوصل على الإرسال والرفع على الوقف إذا كان راويهما حافظا متقنا ضابطا؛ لأن معهما زيادة علم على غيرهما، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، ولم تكن هناك قرينة تدل على ترجيح إرساله أو وقفه، والله أعلم1.

"معرفة المزيد في متصل الأسانيد":

وهو أن يزيد راو في الإسناد رجلا لم يذكره غيره، وهذا يقع كثيرا في أحاديث متعددة2.

وقد صنف الإمام الحافظ الخطيب البغدادي في ذلك كتابا حافلا سماه "تمييز المزيد في متصل الأسانيد" قال ابن الصلاح: في كثير منه نظر؛ لأن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان بحرف "عن" ونحوها مما لا يقتضي الاتصال فينبغي أن يجعل منقطعا ويعل بالإسناد الذي ذكر فيه الراوي الزائد؛ لأن الزيادة من الثقة مقبولة.

وإن صرح فيه بسماع أو إخبار أو تحديث احتمل أن يكون سمعه من رجل عنه، ثم سمعه منه اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على الوهم كما

1 فتح المغيث ج1 ص203.

2 اختصار علوم الحديث ص176.

ص: 380

قال أبو حاتم في المثال الآتي، ويمكن أن يقال أيضا: الظاهر ممن وقع له هذا أن يذكر السماعين فإذا لم يذكرهما حمل على الزيادة المذكورة.

مثال المزيد في متصل الأسانيد: ما روى عبد الله بن المبارك قال: حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن يزيد، حدثني بسر بن عبيد الله -بضم العين على التصغير- قال: سمعت أبا إدريس الخولاني قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أبا مرثد الغنوى يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها".

فذكر سفيان وأبي إدريس في هذا الإسناد زيادة وهم، فالوهم في ذكر سفيان ممن دون ابن المبارك، لأن ثقات رووه عن ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد نفسه منهم ابن مهدي، وحسن بن الربيع، وهناد ابن السري وغيرهم ومنهم من صرح فيه بالإخبار بينهما فانتفت شبهة الانقطاع.

والوهم في ذكر أبي إدريس من ابن المبارك؛ لأن ثقات رووه عن ابن يزيد عن بسر عن واثلة، فلم يذكروا أبا إدريس منهم علي بن حجر، والوليد بن مسلم، وعيسى بن يونس وغيرهم، ومنهم من صرح بسماع بسر عن واثلة.

وقد حكم الأئمة على ابن المبارك بالوهم في ذلك كالبخاري، وغيره وقال أبو حاتم: وكثيرا ما يحدث بسر عن أبي إدريس عن واثلة نفسه.

ومما ينبغي أن يعلم أن الحديث على الوجهين عند مسلم والترمذي.

"المراسيل الخفي إرسالها":

هذا الفن من فنون علوم الحديث فن مهم عظيم الفائدة يدرك بالاتساع في الرواية وجمع الطرق للأحاديث مع المعرفة التامة.

ص: 381

قال ابن كثير في "مختصره": وهو يعم المنقطع والمعضل أيضا1 وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتابا سماه "التفصيل لمبهم المراسيل" قال: وهذا النوع إنما يدركه نقاد الحديث، وجهابذته2 قديما وحديثا، وقد كان شيخنا الحافظ المزي إماما في ذلك، وعجبا من العجب فرحمه الله وبل بالمغفرة ثراه فإن الإسناد إذا عرض على كثير من العلماء ممن لم يدرك ثقات الرجال، وضعفاءهم قد يغتر بظاهره، ويرى رجاله ثقات فيحكم بصحته، ولا يهتدي لما فيه من الانقطاع أو الإعضال، أو الإرسال، لأنه قد لا يميز الصحابي من التابعين والله الملهم للصواب3.

والإرسال منه ما هو ظاهر: كرواية الرجل عمن لم يعاصره كرواية القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، عن ابن مسعود، ومالك الإمام عن سعيد بن المسيب.

ومنه ما هو خفي، وهو المذكور هنا وهو ما عرف إرساله لعدم اللقاء لمن روى عنه مع المعاصرة، أو لعدم السماع مع ثبوت اللقاء، أو لعدم سماع ذلك الخبر بعينه مع سماع غيره منه، وهذا يدل على بعد نظر المحدثين وأصالتهم في النقد.

"بم يعرف ذلك":

ويعرف ما ذكر:

1-

إما بنص بعض الأئمة.

2-

أو بوجه صحيح.

كإخباره عن نفسه بذلك في بعض طرق الحديث ونحو ذلك.

ومثل ذلك حديث رواه ابن ماجه من رواية عمر بن عبد العزيز عن عقبة بن عامر مرفوعا: "رحم الله حارس الحرس"، فإن عمر بن عبد

1 المنقطع ما حذف من سنده راو في موضع أو في مواضع، والمعضل: ما حذف من سنده اثنان فصاعدا على التوالي.

2 جمع جهبذ -بكسر الجيم- النقاد الخبير بالنقد.

3 اختصار علوم الحديث ص177.

ص: 382

العزيز لم يلق عقبة كما قال المزي في الأطراف.

وكأحاديث أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود، فقد روى الترمذي أن عمرو بن مرة قال لأبي عبيدة: هل تذكر من عبد الله -يعني أباه- شيئا؟ قال: لا.

3-

ومنه ما يحكم بإرساله لمجيئه من وجه آخر بزيادة شخص بينهما كحديث رواه عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع1 عن حذيفة مرفوعا:"إن وليتموها -أي الخلافة- أبا بكر فقوي أمين" فهو منقطع في موضعين: لأنه روي عن عبد الرزاق قال: حدثني النعمان بن أبي شيبة عن الثوري عن شريك، عن أبي إسحاق.

وهذا القسم مع النوع السابق، وهو المزيد في متصل الأسانيد يعترض بكل منهما على الآخر، لأنه، ربما كان الحكم للزائد فيما إذا كان السند الذي فيه الزيادة رواته أوثق أو أحفظ أو أكثر، وربما كان الحكم للناقص فيما إذا السند الذي ليست فيه الزيادة أقوى مما هي فيه، والزائد وهم وهو يشتبه على كثير من أهل الحديث، ولا يدركه إلا النقاد، وقد يجاب بنحو ما تقدم2.

"هذان النوعان يشهدان للمحدثين بالبراعة وبعد النظر، وسعة العلم".

وهذان النوعان -وأمثالهما كثير- يشهدان للمحدثين بسعة العلم بالمرويات والبراعة في الفهم، وبعد النظر وأصالة النقد، وهذا الذي ذكره العلماء في ضرب المثل لهذين النوعين هو قليل من كثير مما امتلأت

1 بضم الياء وفتح الثاء على صيغة المصغر كما في القاموس والتقريب وزيد هذا همداني، كوفي، ثقة مخضرم.

2 تدريب الراوي ص393، 394.

ص: 383

به كتب "علوم الحديث" وكتب "تواريخ الرجال" وكتب "نقد الرواة".

وكنت أحب من المستشرقين وأبواقهم ومتابعيهم من الكتاب المسلمين أن ينظروا في هذه الأمثلة وغيرها نظرا ليس فيه هوى، ولا تعصب، ولا تحيف على المحدثين، إنهم لو فعلوا ذلك فهم لا شك واصلون إلى ما وصل إليه المحققون من علماء هذا الشأن في إنصاف المحدثين، ووصفهم بما هم حقيقون به.

أما أن يدخل الواحد منهم في البحث ونفسه مشبعة بفكرة خاصة، أو رأي ليس له ما يدل عليه، فلن يصل إلى الحق والصواب أبدا والباحث المنصف الذي يبتغي الحق هو الذي إذا فكر في بحث من البحوث أو في مسألة من المسائل فعليه أن ينقي نفسه وقلبه من أي هوى أو فكرة أو رأي حينئذ يكون وصوله إلى الحق والصواب أمرا راجحا.

وفي الكتاب المعجز المبين قال الله تعالى معلما لنبيه كيف يكون الجدل وكيف تكون المناظرة للوصول إلى الحق: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} 1، ومحال في منطق الشرع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون في ضلال مبين ولكنها النصفة لأجل الوصول إلى الحق والإنصاف للخصم بالتنزل معه.

وهذا الأصل من الأصول الإسلامية السديدة في الجدل بالتي هي أحسن وفي التلطف في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة2.

1 سورة سبأ: 24.

2 يراجع بعض كتب التفاسير في هذا، وعسى أن يكون في هذا أسوة حسنة للدعاة الذين يدعون إلى الإسلام في البلاد الأوربية ونحوها.

ص: 384