الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقول: وكلما كان المؤلف متمكنا من مادته وعلمه ظهرت شخصيته العلمية واضحة في مؤلفه. ولو ألف فيما مرجعه غالبًا إلى النقل والاصطلاح. ويمكنه أن يضفي على القديم شيئًا من الجدة فيبدو جديدًا. وأن يكون من المفرق وحده. ومن المتنافر شيئًا مألوفًا.. وعلى المؤلف في فن ألا يتسرع قبل أن يتاهل. وإلا جاءت آراؤه فطيرة. وعاد عليه ذلك بالعوار والنقص. وألا يخرج مؤلفه إلا بعد تحرير وتهذيب وتحقيق وتمحيص وتكرار النظر. وهذا هو السر في أن المحققين والمتثبتين في العلوم يغلب عليهم الإقلال في التأليف.
"
أدب أهل العلم والحديث وطلابه مع الله ورسوله
":
ينبغي المحافظة على الثناء على الله سبحانه وتعالى بما هو أهله كعز وجل وتبارك وتعالى ونحوه، وإن لم يكن في أصل الكتاب الذي يروي منه أو يقرؤه؛ لأنه يقصد به الثناء لا الرواية. وكذلك ينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما ذكر ولا يسأم من تكراره. فإن من أغفله حرم حظًّا عظيمًا وثوابًا جزيلًا. فقد قيل في قوله صلى الله عليه وسلم:"إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة" صححه ابن حبان أنهم أهل الحديث لكثرة ما يتكرر ذكره في الرواية فيصلون عليه وأما الحديث الذي يورده البعض في هذا المقام وهو حديث: "من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب" فقد حكم ابن الجوزي عليه بالوضع وعارضه السيوطي فقال: إنه وإن كان ضعيفًا فإن له طرقًا تخرجه عن الوضع وتقتضي أن له أصلًا.
وكذلك حديث أنس يرفعه: "إذا كان يوم القيامة جاء أصحاب الحديث وبأيديهم المحابر فيرسل الله إليهم جبريل فيسألهم من أنتم؟ وهو أعلم. فيقولون: أصحاب الحديث فيقول: ادخلوا الجنة طالما كنتم تصلون
على النبي في دار الدنيا"، فقد حكم عليه الخطيب بالوضع وعارضه السيوطي1 وينبغي أن يجمع عند ذكره صلى الله عليه وسلم بين الصلاة عليه بلسانه وكتابته ذلك ببنانه، ثم إن كانت الصلاة والتسليم في الكتاب الذي ينقل منه كتب ذلك بالاتفاق، فإن لم يكن في الأصل ففي كتابة ذلك خلاف فالإمام أحمد لا يرى كتابة ذلك، وكان يكتفي بالصلاة والتسليم نطقا، ومال إلى صنيع أحمد بن دقيق العيد فقال: "ينبغي أن يتبع الأصول والروايات" وغرضهم بذلك المحافظة على الأصول وصيانتها من التغيير والتبديل والاقتصار على المروي وخالف الإمام أحمد غيره من المتقدمين فقالوا: لا يتقيد بالأصل بل يكتبه خطا ويتلفظ به نطقا لأنه دعاء لا كلام يرويه.
واختار بعض المتأخرين ما ذهب إليه الإمام أحمد محافظة على الأصول القديمة، ومراعاة لغاية الدقة والأمانة في النقل، ويكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم في الكتابة وفي كل موضع شرعت فيه الصلاة كما قال الإمام النووي في صحيح مسلم2، وذلك لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} 3.
وقد اقتصر الإمام مسلم في مفتتح صحيحه على الصلاة، وهذا مما أنكر عليه.
ويكره أيضا الرمز إليهما في الكتابة بحرف أو حرفين أو أكثر كمن يكتب "صلعم" أو "ص". وكذلك ينبغي الترضي والترحم على الصحابة والعلماء وسائر الأخيار، ولا يجوز استعمال "عز وجل" ونحوه في النبي صلى الله عليه وسلم.
1 التدريب ص155.
2 صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص44.
3 سورة الأحزاب الآية 56.