الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتب أخر للتخاريج
الاعتبار والمتابعات والشواهد
…
"كتب أخر للتخاريج":
وهناك عدا ما ذكرت "تحفة الراوي في تخريج أحديث البيضاوي" وتخريج "أحاديث أصول البزدوي" لقاسم بن قطلوبغا الحنفي، وتخريج أحاديث "شرح السعد" و"شرح المواقف" وهما للسيوطي، وتخريج أحاديث "منهاج الأصول" لشيخ الإسلام عمر بن علي الأنصاري، وتخريج "أحاديث شرح الرضي على الكافية" لعبد القادر البغدادي، وقد اطلعت على هذه التخاريج وكلها مخطوطة وتخريج أحاديث "شرح الشفا" للحافظ السيوطي وهو مطبوع.
وهكذا نرى أن كتب التخاريج قد أسهمت إلى درجة كبيرة في التنبيه إلى الموضوعات والإسرائيليات، وما على شاكلتها، ولو أن هذه التخاريج التي لم تطبع وجدت من يطبعها لكان في ذلك خدمة تشكر للحقيقة والبحث ولما وقع الكثيرون في خطأ ذكر الموضوعات من غير بيانها اعتمادا على وجودها في كتب العلوم.
"الاعتبار والمتابعات والشواهد":
هذا النوع من الأنواع التي يذكرها علماء علوم الحديث في تصانيفهم ومؤلفاتهم وإيراد العنوان على هذا الوضع يوهم أن الاعتبار قسيم للمتابعات والشواهد وليس الأمر كذلك.
وإنما الاعتبار: هو البحث في طرق الأحاديث والمرويات ليتوصل بذلك إلى معرفة الحديث أتفرد به راويه أم لا؟ وأهو معروف أم لا؟
وذلك بأن يأتي إلى حديث لبعض الرواة فيعتبره بروايات غيره من
الرواة بسبر طرق الحديث1 ليعرف أشاركه في ذلك الحديث راو غيره فرواه عن شيخه أم لا؟ فإن لم يكن فينظر هل تابع أحد شيخ شيخه في روايته فرواه عمن روى عنه؟ وهكذا إلى آخر الإسناد وتلك هي المتابعة.
فإن لم يكن فينظر: هل أتى بمعناه حديث آخر؟ وهو الشاهد، فإن لم يكن فالحديث فرد، ومن ثم نرى أن الاعتبار ليس قسيما2 للمتابع، والشاهد، بل هو الوسيلة للتوصل إليهما.
ولما كان المثال هو الذي يوضح الممثل له فقد جرى أئمة علوم الحديث على توضيح ذلك بالمثال فمثال الاعتبار: أنه يروي حماد بن سلمة مثلا حديثا لا يتابع عليه عن أيوب3، عن ابن سيرين4، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينظر: هل رواه ثقة غير أيوب عن ابن سيرين؟ فإن لم يوجد ثقة غيره فينظر: هل رواه غير ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه، فإن لم يوجد فينظر هل رواه صحابي آخر غير أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأي ذلك وجد علم به أن له أصلا يرجع إليه، وإن لم يوجد شيء من ذلك فلا أصل له.
1 السير هو التتبع والاختبار والنظر، ويكون بالنظر في الجوامع، والمسانيد، والمعاجم، والمشيخات، والفوائد، والأجزاء؛ كما قال ابن الصلاح في "علومه"، والمراد بالجوامع: الكتب التي جمعت فيها الأحاديث على ترتيب أبواب الفقه كالكتب الستة والموطأ، أو على ترتيب الحروف الهجائية في ترتيب الأبواب كالبدء بكتاب الإيمان، ثم كتاب البر، ثم كتاب الثواب وهكذا، كما فعل ابن الأثير في "جامع الأصول"، أو ترتيب متون الأحاديث كما فعل السيوطي في "الجامع الصغير"، والمراد بالمسانيد ما جمع فيه مسند كل صحابي على حدة صحيحا أم ضعيفا، وبالمعاجم: ما ذكرت فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ، أو البلدان، أو غير ذلك، والغالب أن يكونوا مرتبين على حروف الهجاء وبالمشيخات: الكتب التي تشتمل على ذكر الشيوخ الذين لقيهم المؤلف وأخذ عنهم، أو أجازوه وإن لم يلقهم، وبالأجزاء ما دون فيه حديث شخص واحد من الأئمة المعروفين، أو مادة واحدة من أحاديث جماعة. "شرح شرح النخبة ص94".
2 القسيم هو القسم المقابل.
3 أيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني ثقة ثبت حجة.
4 هو التابعي الجليل محمد بن سيرين.
ثم بين المثال بما هو موجود بالفعل في بعض كتب الحديث المعتمدة وذلك كالحديث الذي رواه الترمذي عن طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن ابن سرين، عن أبي هريرة، أراه رفعه "أحبب حبيبك هونا". الحديث، قال الترمذي: غريب، لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه أي من وجه يثبت، وإلا فقد رواه الحسن بن دينار عن ابن سيرين والحسن متروك الحديث لا يصلح للمتابعات.
والمتابعة: أن يرويه عن أيوب غير حماد، وهذه المتابعة التامة، وهي التي تكون في أول السند أي من جهة الإمام الراوي فإن لم يروه عن أيوب غير حماد ولكن رواه عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة، غير ابن سيرين، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم صحابي غير أبي هريرة، فكل هذا يسمى متابعة ولكنها قاصرة؛ لأنها تقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها، قال ابن الصلاح، وتسمى المتابعة شاهدا أيضا.
والشاهد: أن يروي حديث آخر بمعناه، ولا تسمى هذه متابعة.
وهذا الذي ذكرناه في تعريف المتابعة والشاهد هو ما ذكره الإمام الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في "علوم الحديث" وتبعه النووي وغيره.
وبالتأمل فيه نرى أن ابن الصلاح خص المتابعة بما كان باللفظ سواء كان من رواية ذلك الصحابي أم لا، والشاهد: خصه بما كان بالمعنى سواء أكان عن ذلك الصحابي أم لا، وقيل: الشاهد أعم من أن يكون باللفظ أو بالمعنى.
وقد جاء الإمام الحافظ ابن حجر فخالف ابن الصلاح في هذا واعتبر المتابعة فيما إذا كانت عن ذلك الصحابي الذي روى الحديث المتابع -بفتح الباء الموحدة- سواء أكانت باللفظ أم بالمعنى، واعتبر الشاهد فيما إذا كان عن صحابي آخر سواء أكان باللفظ أم
بالمعنى، وهذه المسألة إحدى مسائل الخلاف بين الشيخ ابن حجر والشيخ أبي عمرو بن الصلاح، وسبقت مسألة أخرى فقد جعل الإمام أبو عمرو الشاذ والمنكر شيئا واحدا وفرق بينهما الحافظ كما ذكرنا فيما سبق، فليكن أهل العلم وطلبة الحديث على بينة من هذا، وقد ضرب الحافظ ابن حجر مثالا يوضح ما أراده غاية التوضيح فقال -رحمه الله تعالى: مثال ما اجتمع فيه المتابعة التامة، والقاصرة، والشاهد:
ما رواه الشافعي في الأم عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: $"الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى ترو الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".
فهذا الحديث بهذا اللفظ ظن قوم أن الشافعي تفرد به عن مالك فعدوه في غرائبه1؛ لأن أصحاب2 مالك رووه عنه بهذا الإسناد بلفظ: "فإن غم عليكم فاقدروا له" ، لكن وجدنا للشافعي متابعا وهو عبد الله بن مسلمة القعنبي3 كذا أخرجه البخاري عنه عن مالك4، وهذه متابعة تامة.
ووجدنا له متابعة قاصرة في صحيح ابن خزيمة من رواية عاصم بن محمد عن أبيه محمد بن زيد عن جده عبد الله بن عمر: "فأكملوا ثلاثين" وفي صحيح مسلم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بلفظ: "فاقدروا ثلاثين".
1 الغرائب جمع غريب وهو الحديث الذي ينفرد به بعض الرواة أو الحديث الذي ينفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكره فيه غيره، إما في متنه أو في إسناده.
2 أي أصحابه الآخذون عنه وهم تلاميذه.
3 مسلمة -بفتح الميم وسكون السين المهملة وفتح اللام- والقعنبي نسبة إلى جده قعنب وهو بفتح القاف وسكون العين المهملة، وفتح النون آخره باء موحدة. ومعناه في الأصل الأسد والشديد الصلب، كان ابن معين وابن المديني لا يقدمان عليه في الموطأ أحدا مات سنة إحدى وعشرين ومائتين بمكة.
4 كتاب الصيام، باب: إذا رأيتم الهلال فصوموا.
قال الحافظ: ووجدنا له شاهدا رواه النسائي من رواية محمد بن حنين1 عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثل حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر بلفظه سواء2 ورواه البخاري من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ: "فإن أغمى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" ، وذلك شاهد بالمعنى.
وقد وافق الحافظ ابن الصلاح في أنه قد يطلق على الشاهد، والعكس أي وقد يطلق الشاهد على المتابع فلا فرق بينهما إلا بغلبة استعمال الشاهد في أحد معنييه عند قوم، وكثرة استعمال المتابع عند آخرين قال: والأمر سهل، إذ المقصود الذي هو التقوية حاصل بكل منهما سواء أكان متابعا، أم شاهدا.
قال الحافظ: وخص قوم المتابعة بما حصل باللفظ سواء أكان من رواية ذلك الصحابي أم لا، والشاهد بما حصل بالمعنى كذلك أي سواء أكان من رواية ذلك الصحابي أم لا.
ومراده بالقوم: الإمام ابن الصلاح ومن تبعه.
وإذا قلنا العلماء في مثل هذا الحديث: تفرد به أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو تفرد به ابن سيرين عن أبي هريرة، أو تفرد به أيوب عن ابن سيرين، أو حماد عن أيوب، كان مشعرا بانتفاء وجود المتابعات فيه وإذا انتفت المتابعات مع الشواهد فحكمه ما سبق في الشاذ من التفصيل أقول: يعني إن كان راويه ثقة ولم يخالف من هو أوثق منه فهو مقبول، وإن خالف من هو أوثق منه أو أولى منه فهو الشاذ المردود، ومقابله يسمى المحفوظ.
1 محمد بن حنين -بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخره نون- هو المكي وهو مقبول من الطبقة الرابعة، روى له النسائي.
2 أي اللفظان متوافقان ومتماثلان.