المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإذن لبعض الصحابة بالكتابة - الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

[محمد أبو شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌تقدمة بين يدي الكتاب

- ‌منهجي في تأليف هذا الكتاب:

- ‌ال‌‌مدخلللكتاب

- ‌مدخل

- ‌ألقاب المشتغلين بالحديث

- ‌مدخل

- ‌من مفاخر المحدثين

- ‌الحفظ والفقه للأحاديث

- ‌فائدتان

- ‌علوم الحديث بالمعنى العام

- ‌مدخل

- ‌علم الحديث دراية

- ‌مدخل

- ‌تاريخ علم الحديث دراية

- ‌الرواية في الإسلام:

- ‌تعريف الرواية:

- ‌كون الرواية طريقا إلى العلم

- ‌تاريخ الرواية:

- ‌الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الإذن لبعض الصحابة بالكتابة

- ‌آراء العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي

- ‌الحديث في عهد الصحابة وكبار التابعين

- ‌تدوين الحديث تدوينا عاما

- ‌التدوين في القرن الثاني 100-200ه

- ‌التأليف في القرن الثالث" 200-300ه

- ‌التأليف في القرن الرابع 300-400ه

- ‌التأليف بعد القرن الرابع:

- ‌تقليد المؤلفين في العلوم النقلية للمحدثين في الرواية

- ‌مناهج المحدثين في التأليف

- ‌شروط الراوي في الإسلام

- ‌الفرق بين عدل الرواية والشهادة:

- ‌التحمل والأداء وشروطهما

- ‌فائدة

- ‌تفريعات:

- ‌الإسناد العالي والنازل

- ‌مسائل تتعلق بكتابة الحديث وآدابها

- ‌صفة رواية الحديث وآدابها

- ‌مسائل تتعلق بهذا الفصل

- ‌آداب المحدث

- ‌آداب طالب الحديث

- ‌الرحلة في سبيل العلم

- ‌مدخل

- ‌وارتحال التابعين ومن بعدهم

- ‌أدب أهل العلم والحديث وطلابه مع الله ورسوله

- ‌تقسيم الحديث من حيث عدد رواته

- ‌المتواتر

- ‌شروط المتواتر

- ‌أقسام المتواتر:

- ‌العلم الذي يفيده المتواتر:

- ‌الشبه التي أوردت على المتواتر:

- ‌وجود المتواتر من الأحاديث:

- ‌أمثلة المتواتر

- ‌أخبار الآحاد

- ‌المشهور من الحديث

- ‌العزيز:

- ‌تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله

- ‌مدخل

- ‌مظان الموقوف والمقطوع

- ‌ما له حكم المرفوع من الموقوف والمقطوع

- ‌الحديث القدسي

- ‌مدخل

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني

- ‌أمثلة للأحاديث القدسية:

- ‌طريقة رواية الحديث القدسي

- ‌المؤلفات في الأحاديث القدسية:

- ‌المتصل" أو "الموصول

- ‌المسنَد

- ‌أقسام الحديث من حيث القبول والرد

- ‌مدخل

- ‌الحديث الصحيح

- ‌مدخل

- ‌أقسام الحديث الصحيح:

- ‌حكم الحديث الصحيح

- ‌فوائد مهمة تتعلق بالصحيح

- ‌الفائدة الأولى:

- ‌الفائدة الثانية:

- ‌الفائدة الثالثة:

- ‌الفائدة الرابعة:

- ‌الفائدة الخامسة:

- ‌تعقيبات وتنبيهات

- ‌الحديث الحسن

- ‌تعريفه:

- ‌تنبيهات وتعقيبات

- ‌التنبيه الأول

- ‌تنبيه آخر

- ‌تنبيه ثالث

- ‌تنبيه رابع

- ‌الاحتجاج بالحديث الحسن:

- ‌خاتمة:

- ‌الحديث الضعيف

- ‌أقسام الضعيف

- ‌حكم الحديث الضعيف رواية وعملا

- ‌فائدة

- ‌المرسل

- ‌تعريفه:

- ‌حكم المرسل عند المحدثين

- ‌المنقطع

- ‌تعريفه:

- ‌فائدة تتعلق بالمنقطع

- ‌المعضل

- ‌تعريفه:

- ‌فائدتان

- ‌تفريعات

- ‌المعلق

- ‌المدلس

- ‌الشَّاذُ

- ‌المحفوظ

- ‌المنكر

- ‌المعروف

- ‌المتروك

- ‌المُعَلُّ" لا "المعلول" ولا "المُعَلَّل

- ‌المضطرب

- ‌المدرج

- ‌المقلوب

- ‌المطروح

- ‌الحديث الموضوع

- ‌تعريفه

- ‌حكم رواية الموضوع:

- ‌حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أقسام الموضوع:

- ‌متى نشأ الوضع في الحديث:

- ‌عرض موجز لحركة الوضع في الحديث

- ‌مدخل

- ‌الأسباب الحاملة على الوضع:

- ‌الوضاعون

- ‌أمارات الوضع:

- ‌آثار الوضع السيئة

- ‌الموضوعات وكتب العلوم:

- ‌الموضوع وكتب التفسير

- ‌الموضوعات وكتب الفقه والأصول:

- ‌الموضوع وكتب الوعظ، والتصوف، والأخلاق

- ‌الموضوع وكتب العلوم الأخرى:

- ‌جهاد العلماء في مقاومة حركة الوضع وتنقية السنة والأحاديث

- ‌كتب أخر للتخاريج

- ‌الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌معرفة الأفراد

- ‌معرفة زيادات الثقات وحكمها

- ‌انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا

- ‌علم الجرح والتعديل

- ‌جواز الجرح وإن كان غيبة

- ‌مدخل

- ‌من الذي يستأهل أن يكون ناقدًا

- ‌مناهج النقاد في النقد

- ‌مشاهير المتصدين للجرح والتعديل

- ‌بم تثبت العدالة

- ‌هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل

- ‌بم يكون الجرح

- ‌المراد بالبدعة وحكم رواية المبتدع

- ‌هل يجزئ التعديل على الإبهام

- ‌مدخل

- ‌فائدتان مهمتان

- ‌هل الرواية عن رجل سماه تعتبر تعديلا

- ‌هل يعتبر عمل العالم أو فتياه على وفق حديث تصحيحا له

- ‌جهالة الراوي

- ‌هل يقبل تعديل العبد والمرأة

- ‌ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها

- ‌مدخل

- ‌مراتب الجرح والتعديل

- ‌ألفاظ التجريح، ومراتبها

- ‌المسلسل من الحديث

- ‌تعريفه:

- ‌الأمثلة لهذه الأنواع:

- ‌المسلسلات لا تخلو من ضعف في التسلسل:

- ‌أشهر المؤلفات في المسلسلات

- ‌علم علل الحديث

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات في علل الحديث

- ‌علم غريب الحديث:

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ الغريب في الحديث:

- ‌التثبيت في القول في غريب الحديث

- ‌المؤلفون في هذا العلم:

- ‌علم مختلف الحديث ومشكله

- ‌مختلف الحديث في اللغة

- ‌مختلف الحديث في الاصطلاح:

- ‌مشكل الحديث

- ‌أقسام مختلف الحديث

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في مختلف الحديث ومشكله

- ‌علم ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌مدخل

- ‌النسخ في اللغة

- ‌يطلق النسخ في اللغة على معنين

- ‌بم يعرف النسخ

- ‌أشهر الكتب المؤلفة في الناسخ والمنسوخ في الحديث

- ‌محكم الحديث

- ‌علم أسباب ورود الحديث

- ‌مدخل

- ‌هذا العلم نظير علم أسباب النزول عند علماء علوم القرآن

- ‌سبب ورود الحديث قد يذكر في الحديث وقد يذكر في غيره

- ‌ القسم الأول: وهو ما يذكر في الحديث من أمثلته:

- ‌القسم الثاني من أسباب ورود الحديث

- ‌المؤلفات في هذا العلم:

- ‌علم المصحف والمحرف

- ‌تعريفه:

- ‌منشأ التصحيف

- ‌مقالة جيدة للحافظ ابن كثير الدمشقي

- ‌ذكر العلماء المثل للتصحيف للتصويب والتحذير لا للتشهير

- ‌التصحيف في حديث لا يخل بصحته وحسنه

- ‌أقسام التصحيف

- ‌تقسيم أول:

- ‌تقسيم ثان له

- ‌تقسيم ثالث له

- ‌النتيجة

- ‌المؤلفات في الصفحات

- ‌معرفة الصحابة رضوان الله عليهم

- ‌من هو الصحابي

- ‌تعريف الصحبة:

- ‌بم تعرف الصحبة

- ‌عدالة الصحابة

- ‌المكفرون لبعض الصحابة

- ‌أكثر الصحابة رواية للحديث

- ‌الصحابي المظلوم أبو هريرة

- ‌أكثر الصحابة علما وفتيا

- ‌المعروفون بالفتوى من الصحابة:

- ‌عدد الصحابة

- ‌طبقات الصحابة

- ‌أفضل الصحابة

- ‌مدخل

- ‌خصائص بعض الصحابة

- ‌أزواجه صلى الله عليه وسلم

- ‌أول الصحابة إسلاما

- ‌آخر الصحابة موتا

- ‌المؤلفون في الصحابة

- ‌التابعون رضي الله عنهم

- ‌مدخل

- ‌طبقات التابعين

- ‌سيدات النساء التابعيات

- ‌جماعة عدوا من التابعين وليسوا منهم

- ‌قوم من الصحابة عدوا من التابعين وبالعكس

- ‌آخر التابعين

- ‌اتباع التابعين

- ‌رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌المدبج وراية القرين عن القرين

- ‌معرفة الإخوة والأخوات من الرواة

- ‌رواية الآباء عن الأبناء

- ‌رواية الأبناء عن الآباء

- ‌السابق واللاحق

- ‌معرفة الوحدان

- ‌معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة

- ‌معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المؤلفات في هذا الفن

- ‌القسم الأول: في أسماء

- ‌فمن الصحابة:

- ‌ومن التابعين

- ‌القسم الثاني: الكني

- ‌القسم الثالث: الألقاب

- ‌معرفة الأسماء والكنى

- ‌مدخل

- ‌أقسام هذا النوع

- ‌معرفة كنى المعروفين بالأسماء

- ‌معرفة ألقاب المحدثين، ومن يذكر معهم

- ‌المؤتلف والمختلف

- ‌مدخل

- ‌المؤلفات فيه:

- ‌وما ضبط من هذا النوع قسمان:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌الأنساب

- ‌تعليق المؤلف

- ‌المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها

- ‌أقسام المتفق والمفترق

- ‌المتشابه

- ‌المشتبه المقلوب

- ‌معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم

- ‌النسب التي هي على خلاف ظاهرها

- ‌معرفة المبهمات

- ‌معرفة التواريخ لمواليد الرواة والسماع والقدوم والوفيات لهم

- ‌مدخل

- ‌فروع:

- ‌الفرع الأول:

- ‌الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌سبعة من الأئمة الحفاظ، أحسنوا التأليف، وعظم النفع بتأليفهم

- ‌معرفة من اختلط من الرواة الثقات

- ‌مدخل

- ‌طبقات العلماء والرواة

- ‌معرفة الموالي من العلماء والرواة

- ‌بلوغ الموالي من العلماء والرواة مرتبة سامية في الإسلام

- ‌معرفة أوطان الرواة وبلدانهم

- ‌رواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين بعضهم عن بعض

- ‌معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين

- ‌مدخل

- ‌معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه

- ‌معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده

- ‌معرفة من اتفق اسمه واسم شيخه

- ‌معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه

- ‌معرفة من اتفق اسمه وكنيته

- ‌معرفة من وافق اسمه نسبه

- ‌معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء

- ‌معرفة من لم يرو إلا حديثًا واحدًا

- ‌باب: المراجع والفهارس

- ‌المراجع الأصلية:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الإذن لبعض الصحابة بالكتابة

وبمثل ما رواه أبو محمد الرامهرمزي في كتابه "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" بسنده عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال:

"سمعت علي بن أبي طالب يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم ارحم خلفائي" ، قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: "الذين يروون أحاديثي ويعلمونها الناس".

فمن ذا الذي يسمع هذا وأمثاله، ولا يبذل غاية وسعه في حفظ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون له هذه الخلافة المشرفة؟

ص: 52

"‌

‌الإذن لبعض الصحابة بالكتابة

":

ومع ورود هذا النهي عن الكتابة فقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة أن يكتبوا الأحاديث، وهذا يدل على أن النهي لم يكن قاطعا على سبيل الحتم، وأنه لم يكن عاما يقصد به الجميع، وإنما كان لأسباب واعتبارات سنعرض لها فيما يأتي.

الأحاديث الدالة على الكتابة في العهد النبوي:

وقد وردت أحاديث دالة على أن بعض الصحابة كان يكتب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لبعضهم في الكتابة، وأذن للصحابة أن يكتبوا لغيرهم، فمن ذلك:

1-

ما رواه البخاري1 ومسلم2 في صحيحهما وغيرهما "أن عليا رضي الله عنه سئل: "هل عندكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة3 إلا أن يعطي الله عبدا فهما في

1 صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، وصحيح البخاري، كتاب الفرائض، باب إثم من تبرأ من مواليه، وهذه من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي وهي أوفى الروايات.

2 صحيح مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها ورواية مسلم من طريق إبراهيم التميمي عن أبيه قال خطبنا عليٌّ

إلخ، هي أوفى الروايات وأشملها.

3 خلق النفس.

ص: 52

كتابه، وما في هذه الصحيفة، قلت -هو أبو جحيفة السائل1: وما في هذه الصحيفة؟ قال:

"العقل2 وفكاك3 الأسير وألا يقتل مسلم بكافر" وفي رواية لهما: "ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة. فإذا فيها: المدينة هرم ما بين عبر إلى ثور"4.

وفي رواية لمسلم بسنده عن علي وفيها: "

فأخرج صحيفة مكتوبة فيها: لعن الله من ذبح لغير الله

" الحديث، وللنسائي من طريق الأشتر وغيره عن علي فإذا فيها: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم

" الحديث، وللإمام أحمد عن طريق ابن شهاب "فيها فرائض الصدقة

" أي زكاة السوائم من إبل وبقر وغنم ونحوها. وهذا يدل على أن هذه الصحيفة كانت حافلة بكثير من الأحاديث ولكن كلا من الرواة نقل ما حفظه أو اقتصر على بعض ما فيها.

2-

ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: "ما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن

1 كان من صغار الصحابة، قيل: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ الحلم، وقد روى له الجماعة، وكان علي رضي الله عنه يكرمه ويحبه، ويثق به، وجعله على بيت المال بالكوفة وشهد معه مشاهده كلها.

2 أي الديات سميت الإبل عقلا لأنهم كانوا يعقلونها بالعقل -أي الحبال- حين يقدمونها في الديات.

3 العمل على تخليصه من الأسر ولو كان بفداء.

4 أما وجود عير وثور بالمدينة فقد أنكره مصعب الزبيري وأما أصحاب الغريب وشراح الأحاديث فقد اختلفوا: فمنهم من قال: إن ذكر غير صحيح وثور غير صحيح قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، وتابعه ياقوت الحموي في "معجم البلدان" وابن الأثير في "النهاية".

والمحققون من المحدثين أثبتوهما كالقاضي عياض والنووي وابن حجر على أن كلا من الجبلين موجود بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وأن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم أن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى "ثورا" وقال بعض الذين ألفوا في "أخبار المدينة":"وقد تحققته بالمشاهدة" وكذلك حقق صاحب القاموس المحيط صحة الرواية وأن "عيرا" و"ثورا" جبلان بالمدينة "القاموس المحيط ج1 ص284" ومن أراد استقصاء في هذا فليرجع إلى "فتح الباري" ج4 ص82، 83.

ص: 53

العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب1.

3-

ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما وغيرهما2: أن أبا شاه3 اليمني التمس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام الفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه".

4-

ما رواه الشيخان والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده

" الحديث.

أي آمر بأن يكتب لكم كتاب، فهذا إذن منه صلى الله عليه وسلم وهم بالكتابة بالفعل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن ولا يهم إلا بما هو مشروع.

5-

ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن لعمر بن عزم وغيره روى البخاري في صحيحه بسنده عن أنس: "أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر بها رسوله فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط

" الحديث.

6-

وروى أبو داود والحاكم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن

1 وكان مقتضى هذا أن يكون أكثر حديثا من أبي هريرة مع أن ما أحصاه العلماء من مرويات عبد الله أقل مما أحصاه العلماء لأبي هريرة بكثير جدا والسبب في هذا: 1- أن عبد الله كان أكثر مقامة بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة التي كان مستوطن أبي هريرة مع تصديه للرواية أو الفتوى حتى مات. 2- ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي له بألا ينسى ما يحدث به. 3- أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الرواية عنه كثير من أئمة التابعين -فتح الباري ج1 ص207.

2 عمدة القاري ج1 ص568 ط استانبول.

3 أبو شاه: بشين معجمة وهاء بعد الألف في الوقف والدرج، ولا يقال بالتاء بل هو خطأ وتصحيف ولا يعرف اسم أبي شاه هذا، وإنما يعرف بكنيته وهو كلبي يمني.

ص: 54

العاص قال: قلت: يا رسول الله إني أسمع منك الشيء أفأكتبه؟ قال: "نعم" قلت: في الغضب والرضا؟ قال: "نعم فإني لا أقول فيهما إلا حقا".

وكانت له صحيفة -أي نسخة تضم أحاديث كثيرة- وكان يسميها الصادقة لثقته بكل ما رواه فيها من الأحاديث وكان يعتز بها غاية الاعتزاز حتى كان يقول: "ما يرغبني في الحياة إلا الصادقة، والوهط" والوهط بستان له كان بالقرب من الطائف، وقد روى الكثير منها حفيده عمرو بن شعيب صاحب النسخة المشهورة عند المحدثين.

7-

وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: "كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه. فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "استعن بيمينك"، وأومأ بيده إلى الخط. أي أشار إلى الكتابة بإصبعه. قال الترمذي: وهذا الحديث ليس إسناده بذلك القائم.

8-

وأسند الرامهرمزي عن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله: إن نسمع منك أشياء أفنكتبها؟ قال: "أكتبوا ذلك ولا حرج"، وقد ضعف بعض العلماء هذا الحديث.

9-

وروى الحاكم وغيره من حديث أنس وغيره موقوفا: "قيدوا العلم بالكتاب" وفي سنده مقال.

10-

وأسند الديلمي عن عليٍّ رضي الله عنه مرفوعا: "إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بسنده" وفي سنده مقال.

ومن هذه الروايات وغيرها يتبين لنا أن ما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعماله بشأن الزكوات وأنصبتها، وما كتبه في عهود بينه وبين اليهود بالمدينة وغيرها، ومن عهود بينه وبين المشركين كما حدث في الحديبية، والكتب التي كتبها إلى الأمراء بالجزيرة، وإلى ملوك الدنيا المعروفة آنئذ داعيا

ص: 55

إلى الله والإسلام وما كتبه الصحابة أو كتبوه لغيرهم، يكون عددا كثيرا من الأحاديث التي قد تملأ مجلدا وسيطا.

"اختلاف السلف":

وقد اختلف السلف من الصحابة والتابعين في كتابة الأحاديث وتدوينها في الكتب فكرهها طائفة منهم: ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهم.

وأباحها أو فعلها طائفة منهم: عمر، وعلي، وابنه الحسن، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس، وجابر، وابن عباس، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز، وحكاه القاضي عياض عن أكثر الصحابة والتابعين، ومن ملح قول بعضهم وهو أبو المليح: "يعيبون علينا أن نكتب العلم وندونه وقد قال الله عز وجل: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} 1.

ثم أجمعوا بعد ذلك على جوازها بل على وجوبها قال ابن الصلاح في مقدمته: "ثم إنه زال ذلك الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الأخيرة"2.

وقال الحافظ ابن حجر: "ولم يعد من السلف من كان يتحرج من الكتابة وبذلك ارتفع الخلاف الذي كان بينهم أولا في كتابة الحديث.

واستقر الأمر، وانعقد الإجماع على جواز كتابته، بل على استحبابه، بل على وجوبه على من خشي عليه النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم3.

1 التدريب ص150.

2 علوم الحديث بشرحه ص171 ط حلب.

3 فتح الباري ج1 ص204.

ص: 56